سورة الهمزة رقم (30) في التنزيل من تفسير البينة
خالد محيي الدين الحليبي :
نسخة PDF :
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
[ أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: أنزلت { ويل لكل همزة } بمكة.
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي الدنيا في ذم الغيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من طرق عن ابن عباس أنه سئل عن قوله: { ويل لكل همزة لمزة } قال: هو المشاء بالنميمة المفرق بين الجمع المغري بين الأخوان.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قي قوله: { ويل لكل همزة } قال: طعان { لمزة } قال: مغتاب.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا في ذم الغيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإِيمان عن مجاهد في الآية قال: الهمزة الطعان في الناس، واللمزة الذي يأكل لحوم الناس.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة { ويل لكل همزة لمزة } قال: يأكل لحوم الناس ويطعن عليهم.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي العالية { ويل لكل همزة لمزة } قال: تهمزه في وجهه وتلمزه من خلفه.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة { ويل لكل همزة } قال: يهمزه ويلمزه بلسانه وعينيه، ويأكل لحوم الناس ويطعن عليهم.وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن ابن جريج قال: الهمز بالعينين والشدق واليد واللمز باللسان.وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: { جمع مالاً وعدده } قال: أحصاه.وأخرج ابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه والخطيب في تاريخه عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ { يحسب أن ماله أخلده } بكسر السين.وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة { يحسب أن ماله أخلده } قال: يزيد في عمره وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي { كلا لينبذن } قال: ليلقين.وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسين بن واقد قال: الحطمة باب من أبواب جهنم.– الدر المنثور للسوطي ] .
التفسير :
- ويل لكل همزة لمزة (1)
وهنا :
(ويل)
[ ويل : كلمة عذاب ودعاء بالشر تقال لمن يستحق الهلكة لسوء فعله تقول “ويل لمن يعصي الله” – معجم ألفاظ القرآن باب الواو فصل الياء واللام ] . قال تعالى { قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى – طه 61 } والويل لمن كفر بالله تعالى كما في قوله عز وجل { فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون – الذاريات 60 } ووقال تعالى في طلاب الدنيا الذين قالوا { ياليت لنا مثل ما أوتى قارون إنه لذو حظ عظيم } فقال لهم المؤمنين الذين أوتوا العلم { وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون – القصص 80 }
والويل لمن خرج على دين الإسلام ليعمل بالهوى كفراً أو تكذيباً أو إعراضاً أو لهواً ولعباً بالحياة الدنيا قال تعالى { أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين – الزمر 22 } وهؤلاء مختلفين والويل لهم باختلافهم على كتاب ربهم سنة نبيهم وولايةأهل بيت نبيهم قال تعالى في المختلفين { فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم -الزخرف 65 } والويل لهم بما كتبته أيديهم من مكزوبات أوهموا الناس أنها من عند الله وما ذكرها رسول الله صلى الله عليه وآله وأكثرها جاءت في مناقب الرجال والقبائل والبلدان قال تعالى { فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون – البقرة 79 } .
وبالتالي الويل هنا لمن خالف الله تعالى وخرج على تعاليم القرآن الكريم ومن اختلفوا على أهل بيت نبيهم عليهم السلام كما في التفاسير . ومنهم قوم كانوا يلمزونهم ويلمزون المؤمنين في قوله تعالى هنا { ويل لكل همزة لمزة } .
وأما :
(لكل)
وهنا يقول تعالى في الناس منهم من يعمل للدنيا ومنهم من يعمل للآخرة ومنهم من يطلب حسنة الدنيا والآخرة لذلك يقول تعالى { ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شيء قدير – البقرة 148 } والويل لمن ترك العمل بما أنزل الله تعالى وسيقسمون على أبواب جهنم السبعة التي قال تعالى فيها { لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم – الحجر 44 }
ومن هذه الأبواب باباً لمن تركوا العمل بماأنزل الله تعالى مخالفين كتاب ربهم وقال تعالى فيهم { ويل لكل أفاك أثيم يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم – الجاثية 7-8 } والله تعالى هنا يبين أنه قد نهى عن الهمز واللمز والغمز والويل لمن فعل ذلك خارجاً على كتاب الله عز وجل كما في قوله تعالى { ويل لكل همزة لمزة } .
وأما :
(همزة)
[ وهمزه : عابه في غيبته ويقال للمكثر هماز – معجم ألفاظ القرآن باب الهاء فصل الميم والزاي ]
[ هَمَزَ : (فعل) همَزَ يَهمِز ، هَمْزًا ، فهو هامزٌ، وهَمّازٌ، وهي هامزة ، وهَمَّازة وهو، وهي هُمَزَةٌ ، والمفعول مَهْموز و همَز فلانًا : غمزه، عابه وطعنه في غيبته و همَز الرَّجلَ في قفاه : غمَز بعينه – معجم المعاني الجامع ] .
قال تعالى في اقتران الهمز بالنميمة { ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم – القلم 10-11 } وهؤلاء الهمزة منهم الذين كانوا يعيبون عيه مشيته ومنهم الذين نعتوه ابو كبشة لعنهم اللهم ومنهم الذين اغتابوه كما ورد في كتاب الله حيث خرجوا من عنده وقالوا (ماذا قال آنفا) قال تعالى { ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم – محمد 16 } وهذه الهمزات يبين تعالى أنه يوحي بين شياطين الجن والإنس كما في قوله تعالى { وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون – الأنعام 112 } وهذا الوحي بينهما همزات شيطانيو أمر الله تعالى بالتعوذ منها في قوله تعالى { وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون – المؤمنون 97-98 } فإذا حضرت تلك الشياطين تحول المجلس إلى مجلس غيبة ونميمة مايلبث إلا أن يتحول إلى كذب على الله ورسوله وأهل بيته والمؤمنين والويل لهؤلاء كما في الآية هنا { ويل لكل همزة لمزة }.
وأما :
(لمزة)
[ ولمز يلمزه لمزاً : أي عابه وطعن في عرضه أو فعل فهو لامز – معجم ألفاظ القرآن باب اللام فصل الميم والزاي ] .
[لَمَزَ: (فعل) لمَزَ يلمُز ويلمِز ، لَمْزًا ، فهو لامِز ، والمفعول مَلْموز و لمَز الشَّخصَ : أشار إليه بعينه أو برأسه أو بشفتيه مع كلام خفيّ لذكر عيوبِه، عابه في وجهه – معجم المعاني ] .
و الفرق بين الهمز واللهمز [ الهمز أشد من اللَّمْز، وبعضهم قال : إن اللَّمْز يكون بحديث اللِّسَان أي : بالقول ، بينما الهَمْز يكون بالفعل؛ كحركة يدٍ، أو غمز عينٍ ] .
[ غالباً ما يُقصد من الهَمْز و اللَّمْز مَقصَدٌ واحد ، وهو الانتقاص من الناس، أو ذِكْر عيوبهم، لكنّ بعض العلماء فرّقوا بينهما؛ فذكروا أنّ الهمز أشد من اللَّمْز، وبعضهم قال بأن اللَّمْز يكون بحديث اللِّسَان أي: بالقول، بينما الهَمْز يكون بالفعل؛ كحركة يدٍ، أو غمزعينٍ. وفي القرآن الكريم ذكر الله -تعالى- الهمز واللمز موضحاً قُبح إتيانهما في عدة مواضع ، منها : قول الله تعالى: { وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ولا تنابزوا بالألقاب – الحجرات 11} أي : لا يعب بعضكم بعضاً، وقوله أيضاً: { هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ – القلم 1158 } وكذلك قوله: { وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ – التوبة 58 } .
ثم يقول تعالى :
- الذي جمع مالاً وعدده (2)
(الذي)
بينا من قبل في الآية الأولى أن همزهم وغمزهم كان بعد خروجهم من عند النبي صلى الله عليه وآله وهنا هذا اللفظ يحكي موضوع اعتراضهم وسبب همزهم ولمزهم في أعجوبة قرآنية سيتعجب لها كل قارئ إذا كيف يكون كتاب الله تعالى بهذه الدقة وهذا الإعجاز .
يبين تعالى أولاً أن إله العالمين هو الله تعالى فقال عز وجل { إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما – طه 98 } وهذا افله سبحانه وتعالى أنزل على رسوله الكتاب وهو الحق من عنده تعالى كما في قوله عز وجل { المر تلك آيات الكتاب والذي أنزل إليك من ربك الحق ولكن أكثر الناس لا يؤمنون – الرعد 1 } وهذا الكتاب لا يوجد فيه عوج ولا اختلاف كما في قوله تعالى { الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا – الكهف 1 } وهذا الكتاب لما نزل كان أول المصدقين به بعد رسول الله صلى الله عليه وآله هو الإمام علي عليه السلام حيث أمر النبي صلى الله عليه وىله بني هاشم وعبد المطلب بأنه خليفته ولسمعوا له وليطسعوه في سبب نزول قوله تعالى { و أنذر عشيرتك الأقربين – الشعراء ] ولذلك يقول تعالى أنه أول المصدقين بعد النبي الصادق المصدق قال تعالى { والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون – الزمر 33 } وفي كتاب الله تعالى يبين أن فيه وصية لأهل بيته كما أوصى كل نبي بمن سيخلفه إلا أنه لا نبوة بعده صلى الله عليه وآله وهذه الوصية قال تعالى فيها { شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب – الشورى 13 } وهنا بدأ الهمز واللمز برسول الله صلى الله عليه وآله كما في الآية هنا { ويل لكل همزة لمزة الذي جمع مالاً وعدده} وهنا تعارض المال والدنيا مع دعوة الإيمان بالله تعالى فقال هذا العاص بن وائل أحد صناديد الكفر القرشي الأموي { أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا – مريم 77 } ورد في التفاسير : [يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (أَفَرَأَيْتَ) يا محمد (الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا) حججنا فلم يصدّق بها، وأنكر وعيدنا من أهل الكفر (وَقَالَ) وهو بالله كافر وبرسوله (لأُوتَيَنَّ) في الآخرة (مَالا وَوَلَدًا). وذُكر أن هذه الآيات أنـزلت في العاص بن وائل السهمي أبي عمرو بن العاص.* ذكر الرواية بذلك: حدثنا أبو السائب وسعيد بن يحيى، قالا ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مسلم، عن مسروق، عن خباب، قال: كنت رجلا قينا، وكان لي على العاص بن وائل دين، فأتيته أتقاضاه، فقال: والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد، فقلت: والله لا أكفر بمحمد حتى تموت ثم تبعث، قال: فقال: فإذا أنا متّ ثم بُعثت كما تقول، جئتني ولي مال وولد، قال: فأنـزل الله تعالى: (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالا وَوَلَدًا) ( أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا )…. إلى قوله: وَيَأْتِينَا فَرْدًا .حدثني به أبو السائب، وقرأ في الحديث: وولدا.حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، أن رجالا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يطلبون العاص بن وائل السهمي بدين، فأتوه يتقاضونه، فقال: ألستم تزعمون أن في الجنة فضة وذهبا وحريرا، ومن كلّ الثمرات؟ قالوا: بلى، قال: فإن موعدكم الآخرة، فوالله لأُوتينّ مالا وولدا، ولأُوتينّ مثل كتابكم الذي جئتم به، فضرب الله مثله في القران، فقال: (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالا)…. إلى قوله وَيَأْتِينَا فَرْدًا . – الطبري ]
وهنا قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله { تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا – الفرقان 10 } .
ولما رفضوا ولاية أمير الممؤمنين بين تعالى أنهم قبلوا بعض ماأنزل الله ورفضوا بعضه وهو ولاية اهل بيت النبي من بعده قال تعالى لذلك { وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلا – الإسراء 73 } وهنا توعدهم الله تعالى إن اصروا على ذلك بعذاب بعضه قريباً من موته صلى الله عليه وآله وبعضه الآخر آخر الزمان قال تعالى { فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِم مُّقْتَدِرُونَ فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ۖ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ – الزخرف 41-44} وقال تعالى أيضاً { وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد على ما يفعلون – يونس 46 } .
وهنا يبين تعالى همزهم ولمزهم برسول الله صلى الله عليه وأهل بيته لاعتراضهم ولايةأهل بيت النبي عليهم السلام عليهم فقتلوهم وناوءوهم حتى يومنا هذا
ورد في سبب نزول قوله تعالى { سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ } [ أي سأل سائل عذابا واقعا ، للكافرين أي على الكافرين ، وهو النضر ابن الحارث حيث قال : { وَإِذْ قَالُوا اللهمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ – الأنفال 32 } فنزل سؤاله ، وقتل يوم بدر صبرا هو وعقبة بن أبي معيط ، لم يقتل صبرا غيرهما قاله ابن عباس ومجاهد ، وقيل : إن السائل هنا هو الحارث بن النعمان الفهري ، وذلك أنه لما بلغه قول النبي (صلى الله عليه وآله) في علي (عليه السلام) : من كنت مولاه فعلي مولاه ركب ناقته فجاء حتى أناخ راحلته بالأبطح ، ثم قال : يا محمد ، أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله الا الله وإنك رسول الله فقبلناه منك ، وأن نصلي خمسا فقبلناه منك ، ونزكي أموالنا فقبلناه منك ، وأن نصوم شهر رمضان في كل عام فقبلناه منك ، وأن نحج فقبلناه منك ، ثم لم ترض بهذا حتى فضلت ابن عمك علينا أفهذا شيء منك أم من الله ، فقال النبي (صلى الله عليه وآله) : والله الذي لا إله الا هو ما هو الا من الله ، فولى الحارث وهو يقول : اللهم إن كان ما يقول محمد حقا فأمطر علينا حجارة من السماء أو أئتنا بعذاب أليم ، فوالله ما وصل إلى ناقته حتى رماه الله بحجر فوقع على دماغه فخرج من دبره فقتله ، فنزلت : { سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ – المعارج 1 }. – تفسير الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج 18 ص 257 ] .
وفي تفسير البرهان :
[قوله تعالى: { ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ } [الهمزة: 1] – إلى قوله تعالى – { فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةِ } [الهمزة: 9].
– [عن محمد بن سليمان الديلمي، عن أبيه سليمان، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):
ما معنى قوله عز و جل: { ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ }؟ قال : ” الذين همزوا آل محمد حقهم و لمزوهم، و جلسوا مجلسا كان آل محمد أحق به منهم “.- تفسير كنزز الدقائق للقمي المشهدي ج 14 ص 432-433 ] .
– [ علي بن إبراهيم : في معنى السورة، قوله: { ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ } ، قال: الذي يغمز الناس، و يستحقر الفقراء، و قوله: { لُّمَزَةٍ } الذي يلوي عنقه و رأسه و يغضب إذا رأى فقيرا و سائلا، و قوله: { ٱلَّذِى جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ } ، قال: أعده و وضعه { يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ } قال: [يحسب أن ماله يخلده] و يبقيه، ثم قال:{كَلاَّ لَيُنبَذَنَّ فِي ٱلْحُطَمَةِ}والحطمة: النار [التي] تحطم كل شيء.
ثم قال: { وَمَآ أَدْرَاكَ } يا محمد { مَا ٱلْحُطَمَةُ * نَارُ ٱللَّهِ ٱلْمُوقَدَةُ * ٱلَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى ٱلأَفْئِدَةِ } ، قال: تلتهب على الفؤاد، قال أبو ذر (رضي الله عنه): بشر المتكبرين بكي في الصدور، و سحب على الظهور، قوله: { إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ } ، قال: مطبقة { فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةِ } ، قال: إذا مدت العمد عليهم أكلت و الله الجلود – البرهان للسيد هاشمم البحراني ] .
ولذلك ورد في تفاسير أهل البيت عليهم السلام
وفي تفسير البرهان :
[ عن محمد بن سليمان الديلمي، عن أبيه سليمان، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):
ما معنى قوله عز و جل: { ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ }؟ قال : ” الذين همزوا آل محمد حقهم و لمزوهم، و جلسوا مجلسا كان آل محمد أحق به منهم “.- تفسير كنزز الدقائق للقمي المشهدي ج 14 ص 432-433 ] .
– وفي تفسير القمي لعلي بن إبراهيم : [: في معنى السورة، قوله: { ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ } ، قال: الذي يغمز الناس، و يستحقر الفقراء، و قوله: { لُّمَزَةٍ } الذي يلوي عنقه و رأسه و يغضب إذا رأى فقيرا و سائلا، و قوله: { ٱلَّذِى جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ } ، قال: أعده و وضعه { يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ } قال: [يحسب أن ماله يخلده] و يبقيه، ثم قال:{كَلاَّ لَيُنبَذَنَّ فِي ٱلْحُطَمَةِ}والحطمة: النار [التي] تحطم كل شيء.ثم قال: { وَمَآ أَدْرَاكَ } يا محمد { مَا ٱلْحُطَمَةُ * نَارُ ٱللَّهِ ٱلْمُوقَدَةُ * ٱلَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى ٱلأَفْئِدَةِ } ، قال: تلتهب على الفؤاد، قال أبو ذر (رضي الله عنه): بشر المتكبرين بكي في الصدور، و سحب على الظهور، قوله: { إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ } ، قال: مطبقة { فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةِ } ، قال: إذا مدت العمد عليهم أكلت و الله الجلود – البرهان للسيد هاشمم البحراني ] .
وأما :
(جمع)
وهنا الذي جمع مالاً وعدده وبعدما عدده أودعه في أوعية وخزائن وهؤلاء مأواهم جهنم ويحينها سيود لو أن يفتدي نفسه بأموال الدنيا ولن تقبل منه قال تعالى { يُبَصَّرُونَهُمْ ۚ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ َلَّا ۖ إِنَّهَا لَظَىٰ نَزَّاعَةً لِّلشَّوَىٰ تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّىٰ وَجَمَعَ فَأَوْعَىٰ – المعارج 11-18} , وهنا جمع فأوعى أي [ وجمع المال فوضعه في خزائنه, ولم يؤدِّ حق الله فيه – التفسير الميسر ] .
وأما :
(مالا)
وهنا يبين تعالى حبهم للمال كما في قوله تعالى { وتأكلون التراث أكلاً لما وتحبون المال حباً جما – الفجر 20 } وهنا نزل في الوليد بن المغيرة { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا وَبَنِينَ شُهُودًا وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ كَلَّا ۖ إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ –المدثر 11-18 } . والويل لهذا ومن تقلد به إلى يوم القيامة ويبين تعالى أن كل أنبياء الله تعالى قالو لقومهم ومنهم نبي الله نوح عليه السلام { ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقو ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون – هود 29 } وهم لم يطلبوا من قومهم مالا إلا مودة أهل بيت النبي كما أمر الله تعالى في كتابه الكريم حيث قال تعالى { قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى -الشورى } .وهنا بدأت الحرب على النبي عليه السلام وأهل بيته عليهم السلام و وحسدهم فأنفق كفار كل زمان أموالاً طائلة فغطفاء نور الله حتى يومنا هذا وإلى أن يشاء الله وهنا يقول تعالى { إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون – الأنفال 36} وهؤلاء الويل لهم بغمزهم ولمزهم ومنعهم حق الله في المتل ومنعه من المؤمنين قال تعالى هنا { ويل لكل همزة لمزة الذي جمع مالاً وعدده } .
وأما :
(وعدده)
[ وعده : حسبه عداً ] قال تعالى { لقد أحصاهم وعدهم عدا – مريم 94 } أي أن معنى الآية { الذي جمع مالاً وعدده}أي أحصاه وجمعه وعده عداً وهذا الويل له ومن تقلد به إلى يوم القيامة قال تعالى { ويل لكل همزة لمزة الذي جمع مالاً وعدده – الهمزة 1-2 } .
ثم يقول تعالى :
- يحسب أن ماله أخلده (3)
وهنا :
(يحسب)
[حسَبَ لكلّ شيءٍ حِسابه : تدبّر الأمرَ من كلّ وجوهه، أخذ بنظر الاعتبار كلّ ما يتّصل بالأمر ]
وحيث أنها حسابات ظنية لا تقوم على نص من كتاب الله تعالى فهى حسابات دائماً تأت بنتائج عكسية خاطئة في كتاب الله كقوله تعالى { وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا ثم تاب الله عليهم ثم عموا وصموا كثير منهم والله بصير بما يعملون – المائدة 71 } وقال تعالى { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين – آل عمران 142 } وفي التقديرات الظنية الخاطئة يقول تعالى { وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون – النمل 88 } وبالتالي هل حسب هؤلاء أنهم خلقوا عبثاً وأنهم لن يرجعوا غلى الله تعالى كما في قوله عز وجل { أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون – المؤمنون 115 }
وهنا يبين تعالى حسبوا أن مالهم سيخلدهم كما في قوله تعالى { يحسب أن ماله أخلده – الهمزة}
وأما :
(يحسب أن ماله)
وهنا يبين تعالى أنهم حسبوا أنهم مخلدون بأموالهم كما في قوله تعالى هنا { يحسب أن ماله أخلده } وهذا حساب خاطئ لا يقوم على نص من كتاب الله تعالى لذلك يقول تعالى الله تعالى { أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ ۚ بَل لَّا يَشْعُرُونَ إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ – المؤمنون 55-59 } .
وأما :
(أن ماله)
وقال تعالى مبيناً أن المال والبنون زينة الحياة الدنيا قال تعالى { المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أملا – الكهف 46 } والحياة الدنيا تفاخر بين الناس بالأموال والأولاد قال تعالى { اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور –الحديد 20 }
و المال والبنون فتنة قال تعالى فيها { إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم –التغابن 15 } وهى لا تقرب من الله تعالى لأنه لا يقرب إلى الله تعالى إلا الإيمان والعمل الصالح قال تعالى { وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون – سبأ 37 } .
وعدم الإيمان بالله تعالى وإخراج حق الله تعالى في المال مشاركة شيطانية في المال قال تعالى فيها { واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا – الإسراء 64 } ولذلك يقول تعالى للمؤمنين لا تعجبك هذه الأموال والأولاد لأنهم سيعذبون بها في الحياة الدنيا ولن يموتوا إلا على كفر لضياع أعمارهم وصحتهم في جمعها وهو عذاب ثم يموتون على كفر بالله تعالى ثم إلى جهنم كما في قوله تعالى { ولا تعجبك أموالهم وأولادهم إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون – التوبة 85 }
وأما :
(أخلده)
أي ظنوا بالهوى أنهم سيخلدون في الأرض لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون –الأعراف175-176 } وبهذا المال يتخذون المصانع للبطش والظلم قال تعالى فيما فعلته أمة عاد { وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون – الشعراء 129 } وهذا من الهوى وترك الإيمان بالله تعالى كما فعل إممامهم الأكبر إبليس عندما حاوول إغواء نبي الله آدم وزوجه { فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ – الأعراف 20 } .
وكل من عمل للدنيا فقط دون الإيمان بالله تعالى أداء حق الله في المال فهو كططائفة من اليهود قال تعالى فيهم { ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون – البقرة 96 } .وهنا يبين تعالى أن المال لا يخلد أحد كفر بالله تعالى ورسوله قال تعالى لذلك { يحسب ان ماله أخلده – الهمزة} .
ثم يقول تعالى :
- كلا لينبذن في الحطمة (4) وما أدراك مالحطمة (5)
وهنا :
(كلا)
و [كَلاَّ: (حرف/اداة) حرف يفيد الردع والزجر والاستنكار، يجوز الوقوف عليه، والابتداء بعده ]
قال تعالى { كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة – القيامة 20-21} وهنا يبين تعالى أنهم ظنوا أن مالهم سيخلهم فقال تعالى كلا لينبذن في الحطمو قال تعالى { يحسب أن ماله أخلده كلا لينبذن في الحطمة – الهمزة} .
وأما :
(لينبذن)
[ ونبذ الشيئ : ألقا وطرحه ] قال تعالى { فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين – القصص 40 } وقال تعالى أيضاَ { فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم وهو مليم – الذاريات 40 } . وكما نبذ الله تعالى هؤلاء الفراعين في اليم سنبذ محبي الدنيا والعاملين لها في الحطمة كما في قوله تعالى هنا { كلا لينبذن في الحطمة } .
وأما :
(في الحطمة وما أدراك ما الحطمة)
والحطمة من الحطام وهو [ ما تكسر من اليابس ] قال تعالى { حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون – النكل 18 } والحطمة الكثيرة التحطيم قال تعالى { وما أدراك ما الحطمة نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة إنها عليهم مؤصدة في عمدٍ ممددة } .
ثم يقول تعالى :
- وما أدراك مالحطمة (5)
وهنا :
(وما أدراك)
تعني أن أنبياء الله تعالى ورسله وأهل بيته عليهم السلام والمؤمنين لا يدرون عن عذاب الله شيئاً قال تعالى { وما أدراك ما سقر – المدثر 27 } وقال تعالى { وما أدراك ما سجين – المطففين 8} وعن أهوال يوم القيامة ويوم الفصل قال تعالى { وما أدراك ما يوم الفصل – المرسلات 14 } ولذلك قال تعالى عن عذاب جهنم هنا { وما أدراك وما الحطمة نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة } .
ثم يقول تعالى :
- نار الله الموقدة (6)
وهنا يبين تعالى أن هذه الحطمة التي تحطم كل شيئ ناراً وقودها الناس والحجارة لمن تركوا الإيمان بالله تعالى ورسوله فقال تعالى { وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين – البقرة 23-24 } وقال تعالى لذلك على كل راع أن يقي نفسه وأهله وقومه ناراً وقودها النار والحجارة قال تعالى { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون –التحريم 6}
ثم يقول تعالى :
- التي تطلع على الأفئدة (7)
وهنا :
(التي)
أي أنه يقول تعالى فيما ستقوله لهم ملائكة العذاب وخزنة جهنم حال دخولهم النار { هذه النار التي كنتم بها تكذبون – الطور 14 } وقال تعالى { هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون – الرحمن 43 } وهنا يبيت عالى أن هذه النار تطلع على الأفئدة كما في قوله تعالى هنا { التي تطلع على الأفئدة } .
وأما :
(تطلع)
[ تَطَلَّعَ : (فعل) تطلَّعَ تطلُّعًا ، فهو مُتطلِّع ، والمفعول مُتطلَّع إليه تطلَّع إلى لقاء صديقه : ترقَّب حدوثه بشوق، طمح إليه، تمنَّاه ورغب فيه تطلَّع إلى ما وراء المستقبل، تَطَلّعَ إلى قُدُومِهِ: رفَعَ بصَرَهُ ينظُر إليه ] .
[ وطلع تأت بمعنى قصد ويقال طلع لليمن أي قصد و أطلعه على الأمر : أعلمه به وأراه إياه .. – معجم ألفاظ القرآن باب الطاء فصل اللام والعين ]
قال تعالى في الإنسان وقرينه الذي يزين له كفره وفسوقه وعصيانه لله تعالى { قال هل نتم مطلعون فاطلع فرآه في سواء الجحيم – الصافات 54-55 } وهذه النار جعلها الله تعالى لمن عملوا للدنيا دون أداء حق الله تعالى فيها من إيمان وعمل صالح وإخراج حق المال للفقراء قال تعالى هنا { ويل لكل همزة لمزة الذي جمع مالاً وعدده يحسب أن ماله اخلده كلا لينبذن في الحطمة وما أدراك ما الحطمة نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة – الهمزة } ومن اسباب دخول الكفر بالله تعالى نقض الميثاق الذي أخذه الله تعالى على أهل الكتاب للإيمان برسول الله صلى الله عليه وآله قال تعالى لذلك { فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين- المائدة 13 } .
ولورود لفظ اطلاع على الشمس في قوله تعالى { حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا – الكهف 90} يشير إلى أن ضوء الشمس مستمد من نار مشتعلة بداخل الشمس وهذه النار في الآخرة لمن عصى الله تعالى ورسوله تطلع على أفئدتهم كما في الآية هنا { التي تطلع على الأفئدة – الهمزة 7} .
وأما :
(على الأفئدة)
[ الفؤاد : مابداخل القلب ] وهو أحد الحواس التي خلقها الله تعالى لمعرفته وشكره والإيمان به قال تعالى { والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون – النحل 78 } وسيسأل الله تعالى الناس على هذه الحواس ما فعله بها في الحياة الدنيا قال تعالى { ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا – الإسراء 36 } . ويبين تعالىأن هؤلاء لما استخدموا هذه الحواس في معصية الله تعالى بالتالي لم تنفعهم ولم تغني عنهم من عذاب الله شيئ قال تعالى { ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون –الأحقاف 26 } ولذلك قال تعالى حال موت هؤلاء ستحطمهم الحطمة وهى نار الله الموقدة قال تعالى { وما أدراك مالحطمة نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة} .
ثم يقول تعالى عن هذه الحطمة :
- إنها عليهم مؤصدة (8)
وهنا :
(إنها)
أي أنها كما قال تعالى { وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ ۖ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا – الفرقان 65-67 } . ولورود ههذا اللفظ في عذاب آخر الزمان النازل على الدجال وجنوده { إنها ترمي بشرر كالقصر كأنه جمالة صفر – المرسلات } أي أن هذه الحطمة ترميهم بشرر كالقصر وكما يشاء الله تعالى كل على حسب جرمه وما جنته يداه في الحياة الدنيا .
وأما :
(عليهم)
{ أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين – الأحقاف 18 } وهؤلاء هم الذين استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم الله تعالى والإيمان به والعمل له عز وجل كما في قوله تعالى { استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون – المجادلة 19 } وهؤلاء قال تعالى فيهم هنا { عليهم نار مؤصدة }
وأما :
(مؤصدة)
ومؤصدة : [ مطبقة أو مغلقة أبوابها عليهم ] وهؤلاء عليهم ناء مؤصدة أنهم يعذبون في أماكن مغلقة عليهم يعذبون بها وهى لمن كفروا بالله تعالى كما في قوله عز وجل { وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةٌ – البلد 19-20 } .
ثم يقول تعالى :
- في عمدٍ ممدة (9)
وهنا :
(في)
{ ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا – الإسراء39 } وجهنم جعلها الله تعالى لمن كفر به عز وجل وكذب على الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله في قوله تعالى { فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين – الزمر 32 } وكذلك يدخلها كل جبا عنيد قال تعالى فيهم { أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَٰكِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ ق 24-30 } .
وأما :
(عمدٍ)
[ وعمد : جمع عامود ] قال تعالى { رفع السماوات بغير عمد ترونها – الرعد 2 } وبالتالي قوله تعالى هنا { في عمدٍ ممددة} [ في سلاسل وأغلال مطوَّلة ؛ لئلا يخرجوا منها – التفسير الميسر ] .
وأما :
(ممدة)
و[ مده : زاده مثل ما هو فيه ] قال تعالى { قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا – مريم 75} . فغذا مد الله تعالى له في الضلالة مد له في العذاب قال تعالى { كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا – مريم 79} ومن أراد الحياة الدنيا فسيؤتيه الله تعالى منها وكذلك من أرد الآخرة وسيمد الله تعالى كلا منهما بما أرد فيها كما قالعز وجل { كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا – الإسراء } ومن طلبوا الدنيا وعملوا لها ولم يؤمنوا بالله تعالى ولم يخرجوا حق الله المفترض فيه من زكاة وخمس وصدقات قال تعالى في هؤلاء { أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون – المؤمنون 55-56 } وهؤلاء هنا عليهما نار مؤصدة فيعمد ممدة قال تعالى فيها { عليهم نار مؤصدة في عمدٍ ممددة} .
هذا وبالله التوفيق
وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين وصلى الله عليى سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
انتهى العمل من هذه السورة الكريمة
في 3 شوال سنة 1421هـ الموافق 1 مايو سنة 2000 للميلاد
الشريف
خالد محيي الدين الحليبي