"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

جندت شركة استخبارات للعمل معها.. مجلة أمريكية تكشف أساليب الإمارات لاستهداف المنظمات الإسلامية في أوروبا

شفقنا :

كشفت مجلة “نيويوركر” الأمريكية، في تحقيق نشرته الإثنين 27 مارس/آذار 2023، أن الإمارات تسعى جاهدة لاستهداف المؤسسات الإسلامية في أوروبا، وذلك من خلال الاستعانة بشركة تدعى “ألب سيرفيسيز” للاستخبارات، وقد بدأت نشاطها بخصوص استهداف هذه المؤسسات الإسلامية بعد الانقلاب الذي نفذه الجيش المصري بقيادة الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي، ضد الرئيس الراحل محمد مرسي في عام 2013.

 

المجلة الأمريكية قالت إن الإمارات حددت قائمة من المنظمات الإسلامية ووضعتها على قوائم الإرهاب لديها؛ من أجل البدء في حملات لتشويهها في الغرب من أجل تقويض نشاطها. ومن بين هذه الجمعيات، منظمة الإغاثة الإسلامية، ومركز العلاقات الأمريكية الإسلامية، والجمعية الإسلامية الأمريكية، والعديد من الجمعيات المدنية التي كان أعضاء في جمعية الإخوان المسلمين من بين مؤسسيها.

 

آليات تتبع نجل قيادي إخواني شهير

المجلة التقت حازم نجل القيادي الإخواني التاريخي المعروف يوسف ندا، والذي قال لها إنه في عام 2017، تلقى رسالة نصية آلية من شركة الهاتف المحمول الخاصة به، تسأله عن مستوى خدمة العملاء لدى الشركة، وهو ما أثار لديه الريبة والشك.

 

حازم ندا اتصل بصديق في الشركة؛ حيث اكتشف أن هناك شخصاً قد انتحل هويته وحصل على نسخ من سجل مكالماته. وفي خريف سنة 2017؛ تلقى مكالمة زائفة أخرى، فقد اتصل رجل تظاهر بأنه يمثل سيتي بنك وطلب معلومات مصرفية عن الشركة التي يمتلكها حازم ندا، “لورد إنيرجي”، مدعياً أنه يريد إجراء عملية دفع.

 

افترض حازم أن ما يحدث له كان مؤامرة، ولكن في 2018، نشر الصحفي سيلفان بيسون، الذي ألَّف كتاباً يزعم فيه أن يوسف ندا متورط في مؤامرة إسلامية مفترضة، مقالاً في صحيفة لوتون التي تتخذ من جنيف مقراً لها، زعم فيه أن شركة لورد إنيرجي كانت غطاءً لخلية الإخوان المسلمين.

 

المجلة قالت إنه وبعد ستة أشهر من أول محتوى لموقع أفريكا إنتلجنس؛ قامت “وورلد تشيك”، التي تُعرف بقائمة التحقق العالمية، وهي قاعدة بيانات تعتمد عليها البنوك لفحص هوية العملاء، بإدراج كل من حازم و”لورد إنيرجي” ضمن الفئة الخطيرة التي لها علاقة بـ”الإرهاب”، وانسحبت خمس مؤسسات مالية من المفاوضات مع ندا، وألغى بنك “يو بي إس” حسابه الشخصي، وحتى الحساب الخاص بوالدته.

 

كذلك قالت المجلة في تحقيقها، إنه وبعد تسعة أيام؛ حذفت قائمة التحقق العالمية اسمه من القائمة، وكتب أحد محامي الشركة رسالة اعتذار إلى ندا، مفادها: “تم ارتكاب خطأ”، وقدّم “خطاب اعتذار” يمكن عرضه على المقرضين، لكن الضرر الناجم عن تلك الخطوة أصبح ملموساً، ففي ديسمبر/كانون الثاني 2018، توقف مصرفيو كريدي سويس الذين كانوا يتعاملون مع “لورد إنيرجي” لفترة طويلة، عن التعامل معها.

 

نتيجة لذلك قامت شركة لورد إنيرجي، غير القادرة على تمويل شحناتها، بتسريح موظفيها، وكان ندا مرتبكاً وقد استمرت نوبات الهلع عدة أشهر. وقد اشتكى ندا للشرطة السويسرية من أن شخصاً ما كان ينظم حملة لتشويه سمعته، وبعد تحقيق سريع، التقاه ضابط لشرح سبب إغلاق القسم لملفه. وبعد أن التقى ندا ضابطَ الشرطة السويسرية، أرسل بريداً إلكترونياً إلى صندوق البريد العام المدرج على موقع شركة “ألب سيرفيسيز” على الويب، يشكو من “الاحتيال والاتصالات المخادعة للحصول على معلومات”، واقترح حل المسألة “ودياً”. لكنه لم يتلق أي رد.

 

لكن اسم “ألب سيرفيسيز” لم يغب عن تفكيره، وفي مطلع سنة 2021، أرسل ندا بريداً إلكترونياً إلى الشركة مرة أخرى، مهدداً بـ”التداعيات الشخصية والمهنية على الوكلاء والشركة” إذا لم تصحح شركة “ألب” المزاعم الكاذبة التي يبدو أنها انتشرت.

 

بحلول أبريل/نيسان من تلك السنة، كانت زوجته على وشك أن تضع طفلهما الثاني، وكان التوتر الناجم عن انهيار “لورد إنيرجي” يؤثر بشكل سلبي على حياته الزوجية، وتزامن ذلك مع تلقيه رسالة مشفرة من رقم فرنسي غير مألوف. وادعى المرسل، الذي رفض الكشف عن اسمه، أنه يتحدث نيابة عن مجموعة من المخترقين المتمرسين الذين اخترقوا حسابات شركة “ألب سيرفيسيز” على الإنترنت. وكدليل، قدَّم المرسل إلى ندا نسخة من رسالة التهديد التي أرسلها إلى بريد شركة “ألب”. كان رأسه مشوشاً: هل كانت هذه خدعة من شركة “ألب” نفسها؟ ثم أطلع المرسل ندا على رسائل بريد إلكتروني داخلية لشركة “ألب” توجه النشطاء لكتابة مقالات على الإنترنت تصفه بأنه متطرف.

 

رسائل غريبة من جانب المخترقين

فيما أرسل إليه المخترقون رسائل غريبة باللغة الإنجليزية تتخللها اللغتان الفرنسية والإيطالية، وتنوع الأسلوب بمرور الوقت، وكان دافعهم الرئيسي واضحاً؛ حيث أخبرني ندا: “طلبوا مني أن أدفع لهم”. هل استهدف المخترقون شركة “ألب” كجزء من نزاع غير ذي صلة ثم اكتشفوا شيئاً اعتقدوا أنه يمكنهم بيعه؟ أم أنهم استهدفوا محققاً خاصاً في جنيف على افتراض أنه يحمل أسراراً قيّمة؟

 

وفي كلتا الحالتين، عرضوا على ندا شراء ملفات شركة “ألب” التي بحوزتهم وضمن ذلك رسائل البريد الإلكتروني، والعروض والتقارير، والصور، والفواتير، والمكالمات الهاتفية المسجلة، مقابل 30 مليون دولار من العملات المشفرة.

 

في حين أخبر ندا المخترقين بأنه ليس مستعداً ولا قادراً على الدفع لهم مقابل معلوماتهم، لكنهم استمروا في إرسال الرسائل إليه. وبعد نحو أسبوعين، قدم المخترقون له طلباً مختلفاً: أرادوا أن يعمل ندا كمرسال، ويقدم عرضهم إلى مشترٍ محتمل أكثر ثراءً، وكان المخترقون يضغطون على ندا لتسييج كنزهم المسروق. ومع ذلك، كان من الصعب عليه مقاومة فرصة الانتقام.

 

تواصل مع السلطات السويسرية

أبلغ ندا السلطات السويسرية بذلك في غضون يومين من الاتصال الأول. وتوجه عميل المخابرات السويسرية، أنطونيو كوفر، إلى المستشفى الذي كانت زوجة ندا تلد فيه والتقط صوراً للرسائل المشفرة.

 

المجلة قالت إنه يمكن القول إن الشيخ محمد، الذي غالباً ما يشار إليه بالأحرف الأولى من اسم محمد بن زايد، كان أغنى شخص في العالم، وذلك بفضل سيطرته على صناديق الثروة السيادية الضخمة. وقد قاد الجيش الأكثر فاعلية في العالم العربي، ودفع مبالغ كبيرة لجماعات الضغط ومراكز الفكر والمسؤولين الحكوميين السابقين لزيادة نفوذه في الغرب. ومنذ انتفاضات الربيع العربي في سنة 2011، قاد محمد بن زايد حملة عبر الشرق الأوسط لاستعادة وتحصين النظام الاستبدادي في المنطقة، وقد أخبر ندا: “تظهر صورة محمد بن زايد كالشريط أمام عيني. وهو تاجر نفط لا يريد منك سوى الخروج من المنطقة”.

 

رهان محمد بن زايد

المجلة قالت كذلك إنه في غضون ذلك، راهن محمد بن زايد- في ادعاء القيادة الإقليمية- على فكرة أن دولة الإمارات العربية المتحدة كانت قوة تحديث في منطقة متخلفة بشكل خطير. واعتبر أن جماعة الإخوان تجسيدٌ لذلك التخلف، وحذَّر من أن الإسلاميين سيفوزون في انتخابات حرة بأي دولة ذات أغلبية مسلمة، وتصاعدت حدة التوترات بين الإمارات وقطر في أوائل سنة 2017، وتباهى كل جانب بالمحامين وجماعات الضغط ومستشاري العلاقات العامة أثناء كفاحهما من أجل النفوذ في عواصم الغرب، وتسابق المحققون الخاصون أيضاً للاستفادة من هذه الأزمة. ذكرت نشرة الصناعة “إنتلجنس أونلاين” أن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر تتفوق بسرعة على الأوليغارشية الروس كعملاء رئيسيين لشركات التحقيق الخاصة الدولية. أبرمت “ديليجنس”، الشركة التي حاول ماريو بريرو صاحب شركة “ألب سيرفيسز” المعنية بالتجسس والاختراق التفوق عليها في جنيف، عقوداً مع قطر.

 

المجلة قالت كذلك إنه ومن الواضح أن بريرو قد أوصى بها للإماراتيين من قبل رولان جاكار، الصحفي الفرنسي اللبناني المولد والمستشار العرضي للحكومة الفرنسية الذي ادعى أنه خبير في التطرف السري للمسلمين الأوروبيين. تتضمن الملفات التي تم اختراقها ما يبدو أنها مذكرات مكتوبة بخط اليد لجاكار حول الاستعداد لحملة ضد قطر والإسلاميين الفرنسيين، وتُظهر السجلات المالية أن شركة “ألب” دفعت له عمولةً قدرها 10% على عقودها الإماراتية.

 

في أغسطس/آب 2017، وصل بريرو إلى فندق فيرمونت بأبوظبي في ضيافة حكامها، وكان قد أعد حواراً من أربع عشرة صفحة لإقناع الإماراتيين بالدفع له لمواجهة قطر وحلفائها من الإخوان المسلمين. كتب بريرو في ملاحظاته: “نهدف إلى تشويه سمعة أهدافنا من خلال نشر المعلومات المحرجة والمُسومة بتكتم وعلى نطاق واسع: في أعين وسائل الإعلام العامة، المسؤولون سوف يظهرون على أنهم منحرفون أو فاسدون أو متطرفون”.

 

كان عميله الاسمي مؤسسة إماراتية تسمى “أرياف للدراسات والبحوث”، لكن ملفات “ألب” توضح أن الفواتير ذهبت إلى محمد بن زايد آل نهيان. خاطب بريرو مضيفه باسم مطر، والصور التي أخذها منه أحد عملاء شركة ألب في اجتماعات بأبوظبي تتطابق مع مسؤول إماراتي يدعى مطر حميد النيادي.

 

قالت المجلة كذلك إن بريرو التقى في وقت لاحق، مطر في فندق بور أو لاك، في زيورخ، جنباً إلى جنب مع رئيس مطر، المشار إليه في الملفات باسم “سعادة” أو “علي”. التقط شخص ما في “ألب” صوراً للرئيس في ذلك الاجتماع، وهي تتطابق مع صور علي سعيد النيادي، المساعد الوزاري للشيخ طحنون بن زايد مستشار الأمن القومي الإماراتي وشقيق محمد بن زايد. أرسل بريرو خطاباً رسمياً يشكر فيه “سموّكم” على “شرف تقديم خدماتنا لبلدكم”. في النصوص، أرسل “تحياته الحارة” إلى “صاحب السمو”، محمد بن زايد آل نهيان.

 

التحقيق حول نشاط جماعة الإخوان المسلمين

كان بريرو يخطط لإخبار الإماراتيين بأنه بالنظر إلى السرية الشديدة لجماعة الإخوان المسلمين، فإن إجراء تحقيق عنهم سيكون مكلفاً بشكل غير عادي.

 

حيث كتب في رسالة عبر واتساب بعد اجتماع أبوظبي: “نحتاج إلى أن نكون صريحين بشأن هذه الحالة: للحصول على معلومات استخباراتية مفيدة ومثالية لتغيير قواعد اللعبة، خاصةً المستندة إلى الأدلة، تظل أفعالنا معقدة للغاية ومحفوفة بالمخاطر وكثيفة الموارد”.. وفي عملية تدقيق داخلية، سجّل أن دولة الإمارات العربية المتحدة وافقت على ميزانية أولية من أربعة إلى ستة أشهر بمليون ونصف المليون يورو للحصول على دليل ملموس حول قطر والإخوان المسلمين في أوروبا.

 

لم يرد اسم حازم ندا في نقاط حديثه قط. في البداية، اقترح بريرو استهداف الأشخاص الذين سبق أن وصفهم بأنهم متعاطفون مع الإخوان، ولكن  يبدو أن فكرة استهداف ندا، نشأت في محادثات مع سيلفان بيسون، الصحفي السويسري في “لوتون” الذي كتب سابقاً عن والد حازم، يوسف ندا.

 

حيث قام بريرو بتضمين بيسون في قائمة مبكرة من المصادر المحتملة لمشروع الإمارات العربية المتحدة وجدولة عدة وجبات معه في أثناء الترويج للإماراتيين. تم إرفاق اسم بيسون بمسودة مذكرة مبكرة حول ندا، وعلى مخطط يظهر ندا و”لورد إنيرجي” في مركز شبكة مترامية الأطراف من الإسلاميين المفترضين.

 

كذلك وفي أول تقرير رسمي لبريرو للإماراتيين بتاريخ 6 أكتوبر/تشرين الأول 2017، كتب: “لماذا حازم ندا؟”. استندت إجابته التي امتدت على ثمانٍ وأربعين صفحة، إلى افتراض أن الابن كان امتداداً لوالده: “يوسف ندا الآن مليونير يبلغ من العمر 86 سنة، ومن الطبيعي أن يسلم أعمال العائلة إلى الجيل القادم”.

 

كتب بريرو إلى الإماراتيين مدافعاً عن مزاعمه: “يبدو أن شركة لورد إنيرجي كيان مهم للغاية وسري للغاية، داخل نظام الإرهاب السري للإخوان المسلمين العالمي”. لم يكن بإمكان ندا أن يصدق أن الإماراتيين أصيبوا بجنون العظمة بما يكفي لشرائها.

 

كذلك فقد كشفت الملفات المسربة أن فيليب فاسيت، محرر مجلة “أفريكا إنتلجنس”، سعى بانتظام للحصول على معلومات من عملاء “ألب”، الذين كان يعرفهم على أساس الاسم الأول. ورأى ندا ذلك بعد أسبوع من أول تقرير لـ”أفريكا إنتلجنس”، إذ صاغ بريرو ملفاً من 16 صفحة بعنوان “سيلفان” وضّح العلاقات المفترضة لـ”لورد إنيرجي” مع جماعة الإخوان المسلمين. وعندما نشر سيلفان بيسون مقال “لوتون”، قدمه بريرو للإماراتيين كدليل على نجاحه المبكر في فضح ندا.

 

كذلك فقد قالت المجلة إن عملاء شركة “ألب” قد تفاخروا للإماراتيين بأنهم نجحوا في إحباط جهود ندا لتصحيح العبارات المسيئة لشركة “لورد إنيرجي” على ويكيبيديا، وفي “تحديث عاجل” للإماراتيين في يونيو/حزيران 2018، كتب بريرو: “طلبنا مساعدة الوسطاء المقربين الذين تصدوا للهجمات المتكررة، ليبقى الهدف الرئيسي شل حركة الشركة”، ومن أجل الضغط على الآخرين لتجنب “لورد إنيرجي”، أضافت “ألب” مزاعم مشكوكاً فيها حول الشركة إلى مدخلات ويكيبيديا لـ”كريدي سويس” واحتكار النفط الجزائري. وقام أحد العملاء باستخدام الاسم المستعار لوران مارتن بممارسة الضغط على قائمة وورلد تشيك بشأن “الإرهاب” المزعوم لشركة لورد إنيرجي.

 

حملات كبيرة برعاية الإمارات

في حين كانت أكبر حملة دبرتها الإمارات من خلال شركة “ألب سيرفسيز”، كانت ضد منظمة الإغاثة الإسلامية العالمية، وهي مؤسسة خيرية دولية كبرى، تأسست سنة 1984 على يد عصام الحداد، الذي عاد لاحقاً إلى مصر ولعب دوراً بارزاً في جماعة الإخوان المسلمين.

 

كانت دولة الإمارات العربية المتحدة الأكثر تشككاً. وفي سنة 2014، بعد سنة من الانقلاب في مصر، وضع الإماراتيون منظمة الإغاثة الإسلامية على قائمة عشرات المنظمات “الإرهابية” المحظورة، إلى جانب مركز العلاقات الأمريكية الإسلامية، والجمعية الإسلامية الأمريكية، والعديد من الجمعيات المدنية الغربية الأخرى التي كان الإخوان المسلمون من بين مؤسسيها. وفي سنة 2019، شن بريرو حملة ضد منظمة الإغاثة الإسلامية.