بسم الله الرحمن الرحيم 

 

السورة بصيغة pdf :

سورة القارعة 28

[ أخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : نزلت سورة القارعة بمكة.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من طرق عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : القارعة من أسماء يوم القيامة.- الدر المنثور للسيوطي ] .

[قوله تعالى: { بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ * ٱلْقَارِعَةُ * مَا ٱلْقَارِعَةُ } [القارعة: 1] – إلى قوله تعالى – { نَارٌ حَامِيَةٌ } [القارعة: 11] – علي بن إبراهيم: في قوله تعالى: { ٱلْقَارِعَةُ * مَا ٱلْقَارِعَةُ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْقَارِعَةُ } يرددها الله لهولها و فزع الناس بها { يَوْمَ يَكُونُ ٱلنَّاسُ كَٱلْفَرَاشِ ٱلْمَبْثُوثِ * وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ ٱلْمَنفُوشِ } ، قال: العهن:

الصوف { فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ } بالحسنات { فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ } ، قال: من الحسنات { فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ } ، قال: أم رأسه، يقذف في النار على رأسه ثم قال: { وَمَآ أَدْرَاكَ } يا محمد { مَا هِيَهْ } يعني الهاوية، ثم قال: { نَارٌ حَامِيَةٌ }.

– محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيوب، عن محمد ابن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام)، قال: ” ما في الميزان شيء أثقل من الصلاة على محمد و آل محمد، و إن الرجل لتوضع أعماله في الميزان فتميل به، فيخرج الصلاة على محمد فيضعها في ميزانه فترجح “.

– و عنه: عن علي، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: ” قال أمير المؤمنين (عليه السلام): التسبيح نصف الميزان، و الحمد لله يملأ الميزان، و الله أكبر يملأ ما بين السماء و الأرض “.

 

– محمد بن العباس، قال: حدثنا الحسن بن علي بن زكريا بن عاصم الميني، عن الهيثم بن عبد الرحمن، قال: حدثنا أبو الحسن علي بن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن جده (صلوات الله عليهم)، في قوله عز و جل:{ فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } ، قال: ” نزلت في علي بن أبي طالب (عليه السلام) { وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ } ، قال: ” نزلت في ثلاثة ” يعني الثلاثة.

– ابن شهر آشوب، قال: الامامان الجعفران (عليهما السلام) في قوله تعالى: { فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ }: ” فهو أمير المؤمنين (عليه السلام) { فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ } و أنكر ولاية علي (عليه السلام) { فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ } فهي النار، جعلها الله أمه و مأواه “.

– ابن بابويه، قال: حدثنا أبي، قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار، قال : حدثنا يعقوب بن يزيد، عن محمد بن عمر، عن صالح بن سعيد ، عن أخيه سهل الحلواني ، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: ” بينا عيسى بن مريم (عليه السلام) في سياحته إذ مر بقرية ، فوجد أهلها موتى في الطريق و الدور، قال : فقال: إن هؤلاء ماتوا بسخطة ، و لو ماتوا بغيرها تدافنوا، قال: فقال أصحابه: وددنا أنا عرفنا قصتهم، فقيل له: نادهم يا روح الله، قال، فقال : يا أهل القرية، فأجابهم مجيب منهم: لبيك يا روح الله، قال: ما حالكم و ما قصتكم؟ قال: أصبحنا في عافية، و بتنا في الهاوية، قال : فقال : و ما الهاوية ؟ قال : بحار من نار فيها جبال من نار، قال : و ما بلغ بكم ما أرى؟ قال: حب الدنيا و عبادة الطواغيت.

قال: و ما بلغ من حبكم الدنيا؟ قال: كحب الصبي لأمه، إذا أقبلت فرح، و إذا أدبرت حزن. قال:
و ما بلغ من عبادتكم الطواغيت؟ قال: كانوا إذا أمرونا أطعناهم. قال: فكيف أجبتني [أنت] من بينهم؟ قال: لأنهم ملجمون بلجم من نار، عليهم ملائكة غلاظ شداد، و إني كنت فيهم و لم أكن منهم، فلما أصابهم العذاب أصابني معهم، فأنا معلق بشجرة أخاف أن أكبكب في النار، قال: فقال عيسى (عليه السلام) لأصحابه: النوم على المزابل، و أكل خبز الشعير، خير مع سلامة الدين “.

– محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن منصور بن العباس، عن سعيد بن جناح، عن عثمان بن سعيد، عن عبد الحميد بن علي الكوفي، عن مهاجر الأسدي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: ” مر عيسى بن مريم (عليه السلام) على قرية قد مات أهلها و طيرها و دوابها، فقال: أما إنهم لم يموتوا إلا بسخطة، و لو ماتوا متفرقين لتدافنوا، فقال الحواريون: يا روح الله و كلمته، ادع الله أن يحييهم لنا فيخبرونا ما كانت أعمالهم فنجتنبها فدعا عيسى (عليه السلام) ربه، فنودي من الجو: أن نادهم، فقام عيسى (عليه السلام) بالليل على شرف من الأرض، فقال: يا أهل هذه القرية. فأجابه منهم مجيب: لبيك يا روح الله و كلمته فقال: ويحكم، ما كانت أعمالكم؟ قال: عبادة الطاغوت، و حب الدنيا مع خوف قليل، و أمل بعيد، و غفلة في لهو و لعب. فقال: كيف [كان] حبكم للدنيا؟ قال: كحب الصبي لأمه، إذا أقبلت علينا رضينا و فرحنا و سررنا، و إذا أدبرت [عنا] بكينا و حزنا. قال:كيف كانت عبادتكم الطاغوت؟ قال: الطاعة لأهل المعاصي. قال: كيف كان عاقبة أمركم؟ قال: بتنا ليلتنا في عافية و أصبحنا في الهاوية. فقال: و ما الهاوية؟ فقال: سجين. قال: و ما سجين؟ قال: جبال من جمر توقد علينا إلى يوم القيامة. قال: فما قلتم، و ما قيل لكم؟ قال: قلنا: ردنا إلى الدنيا نزهد فيها، قيل لنا: كذبتم. قال: ويحك، لم لم يكلمني غيرك من بينهم؟ قال: يا روح الله، إنهم ملجمون بلجام من نار بأيدي ملائكة غلاظ شداد، و إني كنت فيهم و لم أكن منهم، فلما نزل العذاب عمني معهم، فأنا معلق بشعرة على شفير جهنم، لا أدري أكبكب فيها أم أنجو [منها]
فالتفت عيسى (عليه السلام) إلى الحواريين، فقال: يا أولياء الله، أكل الخبز اليابس بالملح الجريش [و النوم على المزابل] خير كثير مع عافية الدنيا و الآخرة “. – البرهان للسيد هاشم البحراني ] .

التفسير :

  • القارعة (1) مالقارعة (2) وما أدراك مالقارعه (3)

وهنا :

(القارعة)

[ قارِعة : (اسم) الجمع : قارعات و قوارِعُ القَارِعَةُ : القيامة ؛ لأنّها تقرع بالأهوال و قرعَتْهم قوارعُ الدَّهر صيغة المؤنَّث لفاعل قرَعَ و قرَعَ على القَارِعَةُ : كلمة مؤذية ومؤلمة ولاذعة و القارِعة :  اسم سورة من سور القرآن الكريم ، وهي السُّورة رقم 101 في ترتيب المصحف، مكِّيَّة ، عدد آياتها إحدى عشرة آية , و قَارِعَةُ الطَّرِيقِ : وَسَطُهُ ، جَانِبُهُ ، الْمَوْضِعُ الَّذِي يَقْرَعُهُ الْمَارُّونَ بِأَرْجُلِهِمْ و قارعة الطريق : المكان الذي يكثر المشي فيه ، فقيل وسطه وقيل أعلاه  أي الرصيف , و القارعة : بكسر الراء : من قرع الشيء قرعا إذا ضربه به و النازلة و الخطب الجلل  – معجم المعاني ] .

ولأن لفظ القارعة تكرر بالسورة ثلاث مرات { القارعة ما القارعة وما أدراك وما القارعة }فالعرب على ذلك حصرهم الله تبارك وتعالى و البشرية في العالم بين ثلاث قوارع إن كفروا بالله وظلموا ونافقوا وهما كما يلي :

[ القارعة : من قرع يقرعه قرعاً أي ضربه بشدة وهى المصيبة الكبيرة الشديدة الوقوع – معجم ألفاظ القرآن باب القاف فصل الراء والعين ]

 القارعة الأولى عذاب نزل على الأمم من قبل :

قال تعالى { كذبت ثمود و عاد بالقارعة – الحاقة 4  }

والقارعة الثانية :

وعد بعذاب ينزل على قريشاً  قريباً من موت النبي صلى الله عليه وآله  و سببه الأختلاف و الإنقلاب على منهاج الوصية والإنقلاب عليها وقال تعالى في ذلك { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين – آل عمران 144 } ولذلك بشرهم الله تعالى بعذاباً قريبا من موته صلى الله عليه وآله قال فيه { فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون – الزخرف 41} وهذا يبدأ بموته صلى الله عليه وآله لذلك قال تعالى : {و لو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعا أفلم ييئس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى يأتي وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد – الرعد 31 }. ثم يضرب الله تعالى عليهم التفرق والاختلاف والإقتتال ويستمر هذا العذاب حتى الوعد الثالث وبداية علامات الساعة الكبرى والقارعة الكبرى قال تعالى { قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون – الأنعام 65 } .

والقارعة الثالثة :

يوم القيامة لذلك ورد هذا اللفظ في السورة ثلاث مرات لقوله تعالى هنا في السورة {القارعة ما القارعة وما أدراك ما القارعة يوم يكون الناس كالفراش المبثوث وتكون الجبال كالعهن المنفوش } .

وأما :

(وما أدراك)

[ ودرى بالشيئ درياً : علمه ويقال لا أدري ما هذا الأمر وأدراه الشيئ أعلمه إياه – معجم ألفاظ القرآن باب الدال فصل الراء والياء ]

و [دَرَى : (فعل)درَى / درَى بـ يَدري ، ادْرِ ، درايةً ودَرْيًا ودَرَيانًا ، فهو دارٍ ، والمفعول مَدْرِيّ درَى فلانٌ الشَّيءَ : درَى فلانٌ بالشَّيءِ: علِمَه وخبَرَه ،دَرَى خَبَايَا الأُمُورِ : تَوَصَّلَ إلَى مَعْرِفَتِهَا، عَلِمَ بِهَا درَيت الخبرَ صحيحًا : علمت، والفعل هنا من أفعال اليقين، ينصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر – معجم المعاني ] .

 قال تعالى : { آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ۚ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا – النساء 11 } وقال تعالى أيضاً { وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ– الحاقة 25-26} .

وهنا {و ما أدراك } نفي العلم حال اختلاط بين أمرين قال تعالى { وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا – الجن 10 } وبين الحياة والموت وعمل الإنسان للخير والشر يقول تعالى { إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير – لقمان 34 } . وبين نزول الوحي وعدم نزوله والكفر والإيمان يقول تعالى : { وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم – الشورى 51-52 }

{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ ۖ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۚ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا – الطلاق 1 } . وهذا هو الفرق بين عدم العلم وهو نفي العلم  بالكلية وعدم الدراية بالأمر عدم العلم بأمر من أمرين . حتى قوله تعالى { وما يدريك لعل الساعة قريب – الشورى 17 } أي أنه يعلم صلى الله عليه وآله ما يؤمنهم ويبارك معشتهم في الدنيا والآخرة ويعلم أسباب هلاكهم فهما وةبين الأمرين لا يعلم وقت هلاكهم لذلك يقول تعالى { قل إن أدري أقريب ما توعدون أم يجعل له ربي أمدا – الجن 25 }

وهذا اليوم من قوارع الله الثلاثة  والعذاب النازل فيها لا يشعر به ولا يدري به رسل الله تعالى و أنبيائه وأهل بيته عليهم السلام و المؤمنين فهم مستبعدون عن شروره كما في قوله تعالى { فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا – الإنسان 11 } وهو قوله تعالى عن يوم الدين { وما أدراك ما يوم الدين – الإنفطار 17} وقوله تعالى { وما أدراك ما سقر – المدثر } وقال تعالى : { وما أدراك ما الطارق – الطارق 2 } وقال تعالى أيضاً عن جهنم نعوذ بالله منها

{ وما أدراك ما الحطمة نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة – الهمزة } و عن سجين { وما أدراك ما سجين – المطففين 8 } وقال تعالى أيضاً عن يوم القيامة { وما أدراك ما هيه نار حامية – القارعة 1-11 } وقال تعالى : { وما أدراك ما يوم الفصل } ويبين تعالى أن رسول الله صلى الله عليه وآله لا يدري الوقت المحدد والمعلوم لنزول العذاب على الكفار والمنافقين كما في قوله تعالى { فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنتُكُمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ ۖ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ قَالَ رَبِّ احْكُم بِالْحَقِّ ۗ وَرَبُّنَا الرَّحْمَٰنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ – الأنبياء 109- 112 } وقال تعالى أيضاً : { قل إن أدري أقريب ما توعدون أم يجعل له ربي أمدا – الجن 25 } .

ثم يقول تعالى عن القارعة الثالثة وهى يوم القيامة :

(4) يوم يكون الناس كالفراش المبثوث (4)

 وهنا :

(يوم)

اليوم ثلاثة أيام :

الأول :

يوم نزول العذاب على الظلمة ممن كفروا بآيات الله تعالى ورسوله وآخرهم خاتمهم سيد ولدآدم محمد صلى الله عليه وآله قال تعالى فيما قاله نبي الله هود عليه السلام لقومه { إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم – الشعراء 135 } وهذا يوم قارعة تحل بهم في الدنيا

الثاني :

مع ظهور علامات الساعة وآيات بداية نزول العذاب على العالم ليتوبو في آخر الزمان وأهمها ظهور تأويل للقرآن فيه ما تجهله الأمة لقوله تعالى { هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون – الأعراف 53 }  وهو تأويل تجهله كل الأمة المحمدية ماخلا أهل بتيه عليهم السلام قال تعالى في تكذيبهم بهذا التأويل على الرغم من جهلهم بما فيه ويتهي بهم الأمر ببعثة إمام آخر الزمان وهنا يكون قد حل زمان هلاك الظالمين لقوله تعالى  { بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ وَمِنْهُم مَّن يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُم مَّن لَّا يُؤْمِنُ بِهِ ۚ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ ۖ أَنتُم بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ ۚ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ وَمِنْهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ ۚ أَفَأَنتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَٰكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ ۚ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۗ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۚ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ – يونس 39-49 } وفي ذلك الزمان بظهور التأويل الذي يحقق مراد لله تبارك وتعالى من كتابه الكريم و ببعثة إمام آخر الزمان ونزل نبي الله عيسى عليه السلام تنزل ملائكة العذاب للإنتقام من الظالمين كما في قوله تعالى متوعداً الظالمين :  { هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا قل انتظروا إنا منتظرون – الأمعام 158 } وقال تعالى في نزول الملائكة بالغمام { ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا – الفرقان 25 }

فإذا نزلت الملائكة أصابتهم بقارعة من السماء كما في قوله تعالى هنا { القارعة ما القارعة وما أدراك ما القارعة يوم يكون الناس كالفراش المبثوث}

واليوم الثالث :

هو يوم القيامة لقوله تعالى :

{ فإذا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ – عبس 33-37 } وهو يوم انطباق السماء على الأرض قال تعالى { يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين – الأنبياء 104 } وهذا هو يوم الفزع كما فيقوله تعالى { ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين – النمل 87 }

وفي هذا اليوم تبيض وجود وتسود وجوه أهل النار قال تعالى { يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون – آل عمران 106 } وفي هذا اليوم خاب من حمل ظلما لقوله تعالى {وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما – طه 111 }

وهذا هو يوم القارعة لقوله تعالى هنا : { القارعة ما القارعة وما أدراك ما القارعة يوم يكون الناس كالفراش المبثوث وتكون الجبال كالعن المنفوش }  والمؤمنون بعيدون عن عذاب هذا اليوم لقوله تعالى  { فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا – الإسان 11 } .

وأما :

(يكون الناس)

 وهنا القارعة الأولى :

نزول العذاب على الأمم الظالمة قال تعالى { كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ – القمر 18-21 }

القارعة الثانية آخر الزمان :

وهنا يكون الناس في آخر الزمان يكون زمان صعود الإنسان للسماء بمعارج قال تعالى فيها { ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون – الزخرف33 } والمعارج إسم فعل عرج يعرج معراجاً قال تعالى { سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِّلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ مِّنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ – المعارج 1-4 } وهذا آخر الزمان في زمن القارعة الثانية وفيه يكون الدخان من لعلامات الكبرى التي قال تعالى فيها { فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ ۖ هَٰذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ رَّبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ أَنَّىٰ لَهُمُ الذِّكْرَىٰ وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا ۚ إِنَّكُمْ عَائِدُونَ يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَىٰ إِنَّا مُنتَقِمُونَ – الدخان 10-16 }. وهذه البطشة قارعة يوم القيامة .

الناس في زمن القارعة الثالثة وهو يوم القيامة :

وهى قارعة يوم القيامة التي قال تعالى فيها { يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيئ عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد – الحج 1-2 }

وهو يوم الجمع الذي قال تعالى فيه { ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد – آل عمران 9 } وهذا هو يوم القيامة وهو الجمع الذي قال تعالى فيه {إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود  – هود 103 } وفي هذا اليوم يصدر الناس اشتاتاً ليورا أعمالهم قال تعالى { يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم – الزلزلة 6 }

وفيه يكون الناس كالفراش المبثوث كما في قوله تعالى { يوم يكون الناس كالفراش المبثوث – القارعة 4 } وفيه يقوم الناس لرب العالمين كما في قوله تعالى { يوم يقوم الناس لرب العالمين – المطففين 6 }

وهذا هو يوم القارعة كمافي الآية هنا .

وأما :

(كالفراش)

ويقال : لكل خفيف فراشة ويكون منه هذا الفراش الذي يطير لخفته وواحدته فراشه وجمعه فراش – معجم ألفاظ القرآن باب الفاء فصل الراء والشين ] قال تعالى { يوم يكون الناس كالفراش المبثوث – القارعة } .

وأما :

(المبثوث)

[ ومبثوث : من بث يبث كضرب ونصر أي نشره وفرقه – معجم ألفاظ القرآن باب الباء فصل الثاء والثاء ] . قال تعالى { ومن آياته خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم إذا يشاء قدير – الشورى 29 } فإذا جمعهم الله تعالى ليوم القيامة هد الجبال هدا كما في قوله تعالى { ودكت الجبال دكا فكانت هباءاً منبثا – الواقعة } وهنا يختل ميزان الأرض  وتتزلزل فتكون الواقعة التي قال تعالى فيها هنا { الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ – القارعة 1-4 }  .

ثم يقول تعالى :

(5) وتكون الجبال كالعهن المنفوش (5)

 وهنا :

(وتكون الجبال كالعهن)

أي تكون الجبال كالعهن قال تعالى { يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ – المعارج 8-9 } أي [ و تكون الجبال كالصوف المصبوغ المنفوش الذي ذَرَتْه الريح – التفسير الميسر ] .

وأما :

(الجبال)

أي ينسفها الله تبارك وتعالى كما في قوله تعالى { ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا – طه 105 } وهذا النسف للجبال والأرض تدك بدكة واحدة قال تعالى فيها { وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة – الحاقة 14 }

فإذا نسفت بست أي تفتت كما في قوله تعالى { وبست الجبال بسا – الواقعة 5 } [ أي وفُتِّتت تفتيتًا دقيقًا – التفسير الميسر ]

وهنا تتحول الجبال لكثيباً مهيلاً قال تعالى { يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيبا مهيلا – المزمل 14 } وهنا يحشرهم الله تعالى الحشر الآخر للقيامة قال تعالى { ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا – الكهف 47 } .

وأما :

(العهن)

[ العهن : الصوف المنفوش – معجم ألفاظ القرآن باب العين فصل الهاء والنون ] قال تعالى { وتكون الجبال كالعهن المنفوش – القاراعة } وهذا العهن بدكة واحدة للأرض والجبال قال تعالى فيها {  وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة –الحاقة 14 } وهنا تتحول الجبال كالصوف المنفوش لقوله تعالى { يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ – المعارج 8-9 }

وأما :

(المنفوش)

[ ونفش : تفرق وتمدد – معجم ألفاظ القرآن باب النون فصل الفاء والشين ] قال تعالى { وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ – الأنبياء 78 } أي [ واذكر – أيها الرسول – نبي الله داود وابنه سليمان, إذ يحكمان في قضية عرَضَها خصمان, عَدَت غنم أحدهما على زرع الآخر, وانتشرت فيه ليلا فأتلفت الزرع, فحكم داود بأن تكون الغنم لصاحب الزرع ملْكًا بما أتلفته, فقيمتهما سواء, وكنَّا لحكمهم شاهدين لم يَغِبْ عنا.- التفسير الميسر ] . وبالتالي العهن المنفوش أي كالقطن المتفرق المتفرق المتمدد .

ثم يقول تعالى :

(6) فأما من ثقلت موازينه (6) فهو في عيشة راضية (7)

وهنا :

(فأما)

يشير إلى هؤلاء المؤمنين الذين اعتصموا بالله تعالى لوروده في قوله تعالى { فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه و فضل ويهديهم إليه صراطا مستقيما – النساء 175 } وهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات كما في قوله تعالى { فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون – الروم 15 } وهؤلاء توزن أعمالهم هنا فتكون كفة ميزانهم أثقل ويكونوا من المفلحين وأهل الجنة قال تعالى هنا { فأما من ثقلت موازينه  فهو في عيشة راضية – القارعة 6-7 } وهنا يأخذون   كتابهم بأيمانهم كما في قوله تعالى { فأما من أوتي كتابه بيمينه – الإنشقاق 7 } .

وأما :

( من ثقلت موازينه)

ووهنا يبين تعالى أن الله تعالى عنده ميزان لأعمال العباد قال تعالى فيه { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ۖ وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ – الأنبياء 47 } وهنا من ثقلت موازينه فهو من الناجين من هول هذا اليوم ومن المفلحين من أهل الحنة قال تعالى { { فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون – المؤمنون 102 } وهؤلاء في عيشة راضية كما في قوله تعالى هنا { فأما من ثقلت موازينه  فهو في عيشة راضية – القارعة 6-7 } .

ثم يقول تعالى عن هؤلاء المفلحين في الآخرة الذن أخذوا كتابهم بأيمانهم :

(7) فهو في عيشة راضية (7)

وهنا :

(فهو)

وهنا يبين تعالى أن هؤلاء هم المسلمون الذين  وعدهم الله تعالى بالجنة إن آمنوا به عز وجل ورسوله قال تعالى { أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين – القصص 61 } وهذا الوعد هو الجنة والعيشة الراضية التي قال تعالى فيها هنا { فهو في عيشة راضية – القارعة} وهؤلاء هم الذين ظنوا أنهم ملاقوا ربهم فأعدوا لذلك اليوم الإيمان بالله تعالى وولايته الحق والأعمال الصالحة  فأخذوا كتابهم بايمانهم كما قال تعالى { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ – الحاقة 19-24 }

وأما :

(في عيشة)

والعيشة : [ والعيش بقاء الحيوان ومنه الإنسان وعيشاَ ومعاشا ومعيشة مصادر ثم المعيشة : الحالة والهيئة مثل عيشة راضية وما به البقاء والعيش من مطعم ومشرب ونحوهما وجمعها معايش والمعاش ما يعاش به كذلك وما يعاش فيه زماماً ومكاناً وجمعه كذلك معايش – معجم ألفاظ القرآن باب العين فصل الياء والشين ] . قال تعالى { أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون – الزخرف 32 } وعن المكان والزمان الذي يعيشون فيه قال تعالى { وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين – القصص 58 } .

أي أن المعيشة في الآخرة من مطعم ومشرب ومسكن قال تعالى فيه لمن آمنوا وعملوا الصالحات { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ – الحاقة 19-24 }

وأما :

(راضية)

راضية : أي رضى الله تعالى عنهم ورضوا عنه برفضهم ولاية الآباء والأجداد والسلف وآمنوا بولاية الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام لقوله تعالى { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضى الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون  – المجادلة 22 }

وهؤلاء هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله لقوله تعالى في المؤمنين منهم الذين تولوا أهل بيته من بعده { محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما – الفتح 29 } ومن هؤلاء أولهم إسلاماً وإيماناً الإمام علي عليه السلام و السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ومنهم النقباء الأثني عشر الذين قال تعالى فيهم { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله  عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم – التوبة 100 } وهم المهاجرون والأنصار الذين  وعدهم الله تعالى بالرضوان يوم القيامة كما في قوله تعالى : { للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون  -الحشر 8 }

 

وهؤلاء الذين رضى الله عنهم ورضوا عنه أننصار وشيعة ومحبي الإمام علي لما نزل فيهم من قوله تعالى { إن الذين آمونوا وعملوا الصالحات أولائك هم خير البرية  جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله  عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه – البينة 7-8 } وهنا يقول صلى الله عليه وآله : [ أخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: أتَعْجَبُونَ مِن مَنزِلَةِ المَلائِكَةِ مِنَ اللَّهِ والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَمَنزِلَةُ العَبْدِ المُؤْمِنِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ القِيامَةِ أعْظَمُ مِن مَنزِلَةِ مَلَكٍ واقْرَؤُوا إنْ شِئْتُمْ ﴿إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولَئِكَ هم خَيْرُ البَرِيَّةِ﴾ .

وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدُويَهَ عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: «قُلْتُ يا رَسُولَ اللَّهِ: مَن أكْرَمُ الخَلْقِ عَلى اللَّهِ قالَ: يا عائِشَةُ أما تَقْرَئِينَ ﴿إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولَئِكَ هم خَيْرُ البَرِيَّةِ – البينة 7﴾  .

وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قالَ «كُنّا عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ فَأقْبَلَ عَلِيٌّ فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّ هَذا وشِيعَتَهُ لَهُمُ الفائِزُونَ يَوْمَ القِيامَةِ ونَزَلَتْ ﴿إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولَئِكَ هم خَيْرُ البَرِيَّةِ﴾ فَكانَ أصْحابُ النَّبِيِّ ﷺ إذا أقْبَلَ عَلِيٌّ قالُوا: قَدْ جاءَ خَيْرُ البَرِيَّة» .

وأخْرَجَ ابْنُ عُدَيٍّ، وابْنُ عَساكِرَ عَنْ أبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: «عَلِيٌّ خَيْرُ البَرِيَّةِ» .

وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدُويَهَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: «لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ ﴿إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولَئِكَ هم خَيْرُ البَرِيَّةِ﴾ قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِعَلِيٍّ: هو أنْتَ وشِيعَتُكَ يَوْمَ القِيامَةِ راضِينَ مَرْضِيِّينَ» .
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدُويَهَ، عَنْ عَلِيٍّ، قالَ: «قالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ألَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ اللَّهِ: ﴿إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولَئِكَ هم خَيْرُ البَرِيَّةِ﴾ أنْتَ وشِيعَتُكَ ومَوْعِدِي ومَوْعِدُكُمُ الحَوْضُ إذا جَثَتِ الأُمَمُ لِلْحِسابِ تُدْعَوْنَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ» . – تفسير الدر المنثور للسيوطي ] .

وكذلك وعد الله تعالى كل مؤمن ومؤنة إلى يوم القيامة بهذا الرضوان لقوله تعالى { وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم – التوبة 72 } وهؤلاء هم الصادقون الأولون واللآخرون الذين قال تعالى فيهم { قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله  عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم  -المائدة 119 } وهؤلاء بشرهم الله تعالى بالجنة كما في قوله تعالى { يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم – التوبة 21 } وهؤلاء هم أصحاب العيشة الراضية يوم القيامة الذين قال تعالى فيهم هنا { فهو في عيشة راضية } .

ثم يقول تعالى :

(8) وأما من خفت موازينه (8)

وهنا :

(وأما)

هؤلاء هنا هم أصحاب الشمال من المكذبين والضالين الذين قال تعالى فيهم { وأما إن كان من المكذبين الضالين  فنزل من حميم وتصلية جحيم – الواقعة 92-93 } ومن هؤلاء الذين كفروا وكذبوا بآيات الله تعالى المتلوة والمشاهدة بأعينهم في السماء قال تعالى { وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون – الروم 16 } ومن هؤلاء الفاسقون الذين قال تعالى فيهم { وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون – السجدة 20 } وهؤلاء هم القاسطون الذين قال تعالى فيهم { وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا – الجن 15 } أي [ وأما الجائرون عن طريق الإسلام فكانوا وَقودًا لجهنم – التفسير الميسر ] وهؤلاء يأ

وهؤلاء هم الذين خفت موازينهم  الذين قال تعالى فيهم هنا { وأما من خفت موازينة فأمه وهاوية }  وهنا ياخذون كتابهم بشمالهم ويندمون على مافرطكوا في جنب الله تبارك وتعالى كما في قوله عز وجل { { وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه – الحاقة 25 } وتبكتهم الملائكة قائلة لهم أفلم تكن آيات الله تتلى عليكم في قوله تعالى { وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين – الجاثية 31 } .

وأما :

(من خفت موازينه)

هنا يبين تعالى أن هؤلاء هم الذين خسروا أنفسهم كما قال تعالى  { ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون – الأعراف 9 } وهؤلاء في جهنم خالدين فيها كما في قوله تعالى { ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون – المؤمنون 103 } .

ثم يقول تعالى عن هؤلاء الذين خفت موازينهم :

(9) فأمه هاوية (9)

وهنا :

(فأمه)

[ كل شيئ يضم إليه ماسواه مما يليه يسمى أماً ] قال تعالى في مكة المكرمة { لتنذر أم القرى ومن حولها – الأنبياء 92 } وأم الكتاب اصله الموجود باللوح المحفوظ  ومنه نزل القرآن الكريم قال تعالى { وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم – الزخرف 4} .

أي أن رأسه التي هىأصل جسده ولا عبرة بفصل أي جزء منه لأنه ليس بأم فبقطع الراي تقطع الحياة عن كل الجسد لأنه الأم أي أن من خفت موازينه يلقى في جهنم مقلوباً على رأسه كما في اللآية هنا { فأمه هاوية } .

وأما :

(هاوية)

[ وهوى : سقط من علو ] قال تعالى { حنفاء لله غير مشركين به ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق – الحج 31 } وبالتالي أمه هاوية هنا أي تهوي به أعماله الطالحة وسيئآته وكفره ونفاقه وظلمه في الدنيا بواد سحيق في جهنم قال تعالى فيه هنا { فأمه هاوية } وهذا بغضب من الله تعالى على العصاة والكفار والمنافقين إن ماتوا على ذلك  قال تعالى { ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى – طه 81} وهؤلاء هم الذين خفت موازينهم كما في قوله تعالى هنا { وأما من خفت موازينه فأمه هاوية – القارعة }  .

ثم يقول تعالى :

(10) وما أدراك ما هية نار حامية  (10)

وهنا :

(وما أدراك)

كقوله تعالى عن جهنم وعذابها { وما أدراك ما سقر – المدثر 27} وقوله تعالى {الحاقة ما الحاقة وما أدراك ما الحاقة – الحاقة } وقوله تعالى هنا { القارعة ما القارعة وما أدراك ما القارعة – القارعة } وهنا يبين تعالى أن هذه القارعة نار حامية فقال تعالى { وما أدراك ماهة نار حامية } .

وأما :

(نار حامية )

وحامية : [ وحمى النار تحمى حمياً وحمياً بضم الحاء وحمواً : اشتد حرها فهى حامية وحميت النار : أوقدها – معجم ألفاظ القرآن باب الحاء فصل الميم والواو ] قال تعالى { وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ۖ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ  – التوبة 34-35 }

ووقال تعالى أيضاً في هؤلاء الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وعملوا ولكن ليس لولاية الله تعالى ورسوله وأهل بيته بل لولاية غيرهم ممن لم يأمر الله تعالى بولايتهم فهم يعملون ولكن لم يبقل علمهم لذلك قال تعالى فيهم : { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ تَصْلَىٰ نَارًا حَامِيَةً تُسْقَىٰ مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٍ لَّا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِن جُوعٍ – الغاشية 1-7 } .

هذا وبالله التوفيق وما توفيقي إلا بالله

عليه توكلت ووإليه أنيب وسلام على المرسلين

والحمد لله رب العالمين

انتهى العمل من هذه السورة الكريمة

في 5 من المحرم الحرام سنة 1421هـ الموافق 10 إبريل سنة 2000 للميلاد