{ وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذاباً شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا }
DW :
مشروع المربع .. خطوة جديدة من بن سلمان لـ”تغيير الهوية”؟
هل تتجه السعودية نحو مزيد من تحديث الهوية؟ مشروع جديد في العاصمة الرياض يحاكي شكل الكعبة، وذلك في سياق يشهد تحولا من القيادة السعودية نحو تخفيف البعد التاريخي الديني.
مشروع ضخم أعلن عنه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تحت اسم “مشروع المربع” في العاصمة الرياض، بعرض وارتفاع وطول 400 متر، الذي سيكون في وسط الرياض، بهدف تطوير أكبر “داون تاون”، حيث تخطط القيادة السعودية لكي يكون أكبر وسط مدينة في العالم.
يضم المشروع “متحفا مبتكرا وجامعة متخصصة في التقنية والتصميم ومسرحا متعدد الاستخدامات ومناطق للعروض الحية والترفيهية” حسب ما أعلنته وكالة الأنباء السعودية قبل أيام، ومن المخطط أن ينتهي بناؤه عام 2030.
ويشبه المشروع الكعبة في شكلها الهندسي، وهو الأمر الذي خلّف جدلاً كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي. ويقول برونو شميدت فويرهيرد، محلل سياسي من جامعة كامبريدج ، لـ DW إنه “في المجال العام السعودي ، يتم استبدال الدين بالثقافة بشكل متزايد”، نافياً أن تكون العمارة على شكل مكعب أمرا خاصاً بالكعبة.
تغيير تاريخ التأسيس
وهذا المربع الجديد ليس هو التغيّر الوحيد في السعودية، فقد سبقته خطوات أخرى تؤكد توجهاً نحو عصرنة البلد. من ذلك الاحتفاء لأول مرة بيوم ذكرى تأسيس الدولة السعودية العام الماضي، وحددت المناسبة يوم 22 فبراير/ شباط من كل عام، وهو المعروف باسم “يوم التأسيس”، وذلك زيادة على اليوم الوطني السعودي المحتفى به يوم 23 سبتمبر/ أيلول من كل عام، ويعود إلى مناسبة توحيد السعودية عام 1932.
وأهم ما في إقرار “يوم التأسيس” هو تغيير تاريخ تأسيس البلاد من عام 1744 إلى عام 1727. إذ يرتبط عام 1744 بالاتفاق بين أسرة آل سعود الحاكمة ورجل الدين محمد بن عبد الوهاب زعيم ما يعرف بالإسلام الوهابي الذي بقي مسيطراً على السعودية لعقود طويلة.
الاتفاق يتضمن دعم عبد الوهاب لآل سعود في سلطة الحكم، وذلك من منطلق ديني، بينما تدعم الأسرة الحاكمة الوهابية مالياً وتتيح لها أن تكون ذات سلطة على التعليم والأخلاق العامة، وحتى القوانين كانت بنفس وهابي.
أما عام 1727، فهو يرتبط بصعود محمد بن سعود إلى السلطة باعتباره مؤسس الدولة السعودية الأولى، وذلك بعد سيطرته على إمارة الدرعية الواقعة شمال الرياض. ويعلّق شميدت فويرهيرد: “من الواضح أن التفسير الجديد لميلاد الدولة يقلّل من أهمية دور الدين”، مبرزاً أن “الهدف هو حملة قومية للاحتفال بأعياد غير دينية”.
كما أعلنت السعودية بداية هذا الشهر عن “يوم العلم” وفق ما جاء في مرسوم ملكي، وهو يوم يحتفى به رسمياً للمرة الأولى يوم 11 مارس/ آذار 2023، ويعود إلى اليوم الذي أقرّ فيه الملك عبد العزيز العلم السعودي الحالي. أشار المرسوم الملكي إلى شهادة التوحيد باعتبارها ترمز إلى “رسالة السلام والإسلام” بينما يرمز بالسيف إلى “القوة والأنفة وعلو الحكمة والمكانة”.
كما أعلنت وزارة الشؤون الإسلامية السعودية عن تغييرات كبيرة في قواعد شهر رمضان، ومن ذلك الحث على عدم إحضار الأطفال إلى المساجد، ومنع جمع التبرعات داخل المساجد، وعدم التغيب عن العمل إلا للضرورة القصوى، ومراعاة ظروف الناس في صلاة التراويح وفي الأدعية، ومنع استخدام الكاميرات في المساجد.
تغيير ضمن سياق عام
حظيت هذه التغييرات بشكل عام بقبول عدد كبير من السعوديين، ويشير شميدت فويرهيرد إلى عدة تفسيرات لهذه الظاهرة، منها إرسال عشرات الآلاف من السعوديين إلى الخارج بتمويل حكومي كامل، جعلهم يتقبلون هذه التغييرات الثقافية في البلاد.
كما أضحى التعليم وخلق الوظائف للشباب السعودي من أولويات المملكة، وهما جزء أساسي منرؤية 2030 التي أعلن عنها ولي العهد السعودي إبان صعود نجمه في السياسة، أي منذ أن كان وليا لولي العهد. ومنذ 2016 إلى الآن، أعلن محمد بن سلمان عن مجموعة من القرارات لتغيير وجه المملكة المحافظة.
من ذلك تنويع الاقتصاد بعدم جعله مركزاً على النفط، وتحديث البنى التحتية في البلاد، وخلق سياسة ترفيهية سمحت بإقامة المهرجانات الغنائية وفتح دور السينما، ومن أكبر المستفيدين، نساء المملكة اللواتي خفت القيود عليهن، ومن ذلك السماح بقيادة السيارة وبالحج والعمرة دون محرم، وأضحى الاختلاط أمرا عاديا، فضلاً عن إلغاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
الحرية غير مضمونة بعد!
لكن مع ذلك لم يصل هذا التحديث إلى ضمان حريات حقيقية للمواطنين، واستمر التضييق والسجن بسبب الآراء، إذ أمضت الناشطة لجين الهذلول ثلاث سنوات في السجن لدفاعها عن حقوق المرأة، والعام الماضي حُكم على سلمى الشهاب البالغة من العمر 34 عامًا بالسجن 34 عاماً بسبب إبداء الإعجاب أو عادة تغريد تغريدات على تويتر حول حقوق الإنسان في المملكة، وحُكم على نورة بنت سعيد القحطاني بالسجن 45 عاماً للسبب نفسه.
“في حين هناك المزيد من الحريات الاجتماعية، تريد الدولة أن تظل هي المالكة للتغيير”. يقول شميدت فويرهيرد، مضيفاً: “لذلك يتم إحباط أي شكل من أشكال النشاط السياسي، وتصوير المنتقدين والمعارضين على أنهم خونة للأمة”.
جينيفير هوليز/إ.ع