"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

المجلد الرابع من تفسير البينة (21 سورة النجم – 22 عبس – 23 القدر – 24 الشمس – 25 البروج )

المجلد 4

Pdf :

المجلد 4

 

(21)

                                      سورة النجم

ورد في تفسير الدر المنثور :

[ أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { والنجم إذا هوى } قال: الثريا إذا غابت، وفي لفظ إذا سقطت مع الفجر، وفي لفظ قال: الثريا إذا وقعت. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما { والنجم إذا هوى } قال: الثريا إذا تدلت. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما { والنجم إذا هوى } قال: إذا انصب.وأخرج عبد الرزاق عن الحسن رضي الله عنه { والنجم إذا هوى } قال: إذا غاب.وأخرج ابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه { والنجم إذا هوى } قال: القرآن إذا نزل.

وأخرج أبو نعيم في الدلائل وابن عساكر من طريق عروة عن هبار بن الأسود قال: ” كان أبو لهب وابنه عتبة قد تجهزا إلى الشام وتجهزت معهما فقال ابن أبي لهب: والله لأنطلقن إلى محمد فلأوذينه في ربه، فانطلق حتى أتاه، فقال: يا محمد هو يكفر بالذي { دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” اللهم أبعث عليه كلبا من كلابك ” “وأخرج أبو نعيم عن طاووس قال: ”  لما تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { والنجم إذا هوى } قال عتبة بن أبي لهب: كفرت برب النجم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” سلط الله عليه كلباً من كلابه ” “وأخرج أبو نعيم ” عن أبي الضحى رضي الله عنه قال: قال ابن أبي لهب: هو يكفر بالذي قال { والنجم إذا هوى } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” عسى أن يرسل عليه كلباً من كلابه ” فبلغ ذلك أباه فأوصى أصحابه إذا نزلتم منزلاً فاجعلوه وسطكم، ففعلوا حتى إذا كان ليلة بعث الله عليه سبعاً فقتله “.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { والنجم إذا هوى ما ضل } قال: أقسم الله أنه ما ضل محمد وما غوى.

وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { والنجم إذا هوى } قال : أقسم الله لك بنجوم القرآن ما ضل محمد صلى الله عليه وسلم وما غوى.

أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله { وما ينطق عن الهوى } قال: ما ينطق عن هواه! { إن هو إلا وحي يوحى } قال: يوحي الله إلى جبريل ويوحي جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن مردويه عن أبي الحمراء وحبة العرني قالا : ”  مر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسد الأبواب التي في المسجد، فشق عليهم، قال حبة: إني لأنظر إلى حمزة بن عبد المطلب وهو تحت قطيفة حمراء وعيناه تذرفان، وهو يقول: أخرجت عمك وأبا بكر وعمر والعباس، وأسكنت ابن عمك؟ فقال رجل يومئذ: ما يألوا يرفع ابن عمه، قال: فعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد شق عليهم، فدعا الصلاة جامعة، فلما اجتمعوا صعد المنبر فلم يسمع لرسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة قط كان أبلغ منها تمجيداً وتوحيداً، فلما فرغ قال:يا أيها الناس ما أنا سددتها ولا أنا فتحتها ولا أنا أخرجتكم وأسكنته، ثم قرأ { والنجم إذا هوى ما ضلّ صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى } “.

وأخرج أحمد والطبراني والضياء عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” ” يدخلن الجنة بشفاعة رجل ليس بنبي مثل الحيين أو مثل أحد الحيين ربيعة ومضر ” فقال رجل: يا رسول الله وما ربيعة من مضر؟ قال: ” إنما أقول ما أقول ” “.وأخرج البزار عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” ما أخبرتكم أنه من عند الله فهو الذي لا شك فيه “.

وأخرج أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” لا أقول إلا حقّاً، قال بعض أصحابه: فإنك تداعبنا يا رسول الله، قال: إني لا أقول إلا حقّاً “.

وأخرج الدارمي عن يحيى بن أبي كثير قال: كان جبريل ينزل بالسنّة كما ينزل بالقرآن.- الدر المنثور للسيوطي ] .

وورد في تفسير البرهان :

[حدثنا منصور بن أبي الأسود، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: “لما مرض النبي (صلى الله عليه و آله) مرضه الذي قبضه الله فيه، اجتمع إليه أهل بيته و أصحابه، فقالوا: يا رسول الله، إن حدث بك حدث، فمن لنا بعدك، و من القائم فينا بأمرك، فلم يجبهم بجواب، و سكت عنهم، فلما كان اليوم الثاني أعادوا عليه [القول]، فلم يجبهم عن شيء مما سألوه، فلما كان اليوم الثالث أعادوا عليه، و قالوا: يا رسول الله، إن حدث بك حدث، فمن لنا بعدك، و من القائم فينا بأمرك؟ فقال لهم: إذا كان غد هبط نجم من السماء في دار رجل من أصحابي، فانظروا من هو، فهو خليفتي عليكم من بعدي، و القائم فيكم بأمري، و لم يكن فيهم أحد إلا و هو يطمع أن يقول له: أنت القائم من بعدي.

فلما كان في اليوم الرابع جلس كل رجل منهم في حجرته ينتظر هبوط النجم، إذ انقض نجم من السماء، قد غلب ضوؤه على ضوء الدنيا حتى وقع في حجرة علي (عليه السلام)، فهاج القوم، و قالوا: لقد ضل هذا الرجل و غوى، و ما ينطق في ابن عمه إلا بالهوى، فأنزل الله تبارك و تعالى في ذلك: { وَٱلنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَىٰ } ، إلى آخر السورة”.

  • و عن ابن عباس، قال: صلينا العشاء الآخرة ذات ليلة مع رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فلما سلم، أقبل علينا بوجهه، ثم قال: “أما إنه سينقض كوكب من السماء مع طلوع الفجر، فيسقط في دار أحدكم، فمن سقط ذلك الكوكب في داره فهو وصيي و خليفتي و الإمام بعدي”.

فلما كان قرب الفجر جلس كل واحد منا في داره، ينتظر سقوط الكوكب في داره، و كان أطمع القوم في ذلك أبي العباس بن عبد المطلب، فلما طلع الفجر انقض كوكب من الهواء، فسقط في دار علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله) لعلي (عليه السلام): “يا علي و الذي بعثني بالنبوة، لقد وجبت لك الوصية و الخلافة و الإمامة بعدي”. فقال المنافقون، عبد الله بن أبي و أصحابه: لقد ضل محمد في محبة ابن عمه و غوى، و ما ينطق في شأنه إلا بالهوى فأنزل الله تبارك و تعالى: { وَٱلنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ } ، يقول عز و جل و خالق النجم إذا هوى { مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ } ، يعني في محبة علي بن أبي طالب (عليه السلام): { وَمَا غَوَىٰ * وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ } ، في شأنه { إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَىٰ }.

ثم قال ابن بابويه : و حدثنا بهذا الحديث شيخ لأهل الري، يقال له أحمد بن محمد بن الصقر الصائغ العدل، قال: حدثنا محمد بن العباس بن بسام، قال حدثني أبو جعفر محمد بن أبي الهيثم السعدي، قال: حدثني أحمد ابن الخطاب، قال: حدثنا أبو إسحاق الفزاري، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده (عليهم السلام)، عن عبد الله بن عباس بمثل ذلك، إلا أن في حديثه: “يهوى كوكب من السماء مع طلوع الشمس و يسقط في دار أحدكم”.

–  و قال أيضا : و حدثنا بهذا الحديث شيخ لأهل الحديث، يقال له أحمد بن الحسن القطان، المعروف بأبي علي بن عبد ربه العدل، قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن زكريا القطان، قال: حدثنا بكر بن عبد الله ابن حبيب، قال: حدثنا محمد بن إسحاق الكوفي، قال: حدثنا إبراهيم بن عبد الله السنجري أبو إسحاق، عن يحيى بن حسين المشهدي، عن أبي هارون العبدي، عن ربيعة السعدي، قال: سألت ابن عباس عن قول الله عز و جل: وَ النَّجْمِ إِذا هَوى، قال: هو النجم الذي هوى مع طلوع الفجر، فسقط في حجرة علي بن أبي طالب (عليه السلام)، و كان أبي العباس يحب ان يسقط ذلك النجم في داره، فيحوز الوصية و الخلافة و الإمامة، و لكن أبى الله أن يكون ذلك غير علي بن أبي طالب (عليه السلام)، و ذلك فضله يؤتيه من يشاء.

محمد بن العباس (رحمه الله): عن جعفر بن محمد العلوي، عن عبد الله بن محمد الزيات، عن جندل بن والق، عن محمد بن أبي عمير، عن غياث بن إبراهيم، عن جعفر بن محمد (عليه السلام)، قال: “قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): أنا سيد الناس و لا فخر، و علي سيد المؤمنين، اللهم وال من والاه، و عاد من عاداه. فقال رجل من قريش: و الله ما يألو يطري ابن عمه فأنزل الله سبحانه: { وَٱلنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ  مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ } ، و ما هذا القول الذي يقوله بهواه في ابن عمه: { إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَىٰ } ”.

– و عنه: عن أحمد بن القاسم، عن أحمد بن محمد، عن أحمد بن خالد الأزدي، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله عز و جل: { وَٱلنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ }: “ما فتنتم إلا ببغض آل محمد إذا مضى { مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ } بتفضيل أهل بيته، إلى قوله تعالى: { إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَىٰ } ”.
– و عنه : عن أحمد بن القاسم، عن منصور بن العباس، عن الحصين، عن العباس القصباني، عن داود بن الحصين، عن فضل بن عبد الملك، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: “لما أوقف رسول الله (صلى الله عليه و آله) أمير المؤمنين (عليه السلام) يوم الغدير، افترق الناس ثلاث فرق، فقالت فرقة: ضل محمد، و فرقة قالت: غوى، و فرقة قالت: بهواه يقول في أهل بيته و ابن عمه فأنزل الله سبحانه: { وَٱلنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَىٰ }”

– و عنه، قال: حدثنا أحمد بن هوذة الباهلي، عن إبراهيم بن إسحاق النهاوندي، عن عبد الله بن حماد الأنصاري عن محمد بن عبد الله، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن علي (عليهم السلام)، قال: “قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): ليلة أسري في إلى السماء صرت إلى السماء صرت إلى سدرة المنتهى، فقال لي: جبرئيل، تقدم يا محمد، فدنوت دنوة- و الدنوة مد البصر- فرأيت نورا ساطعا، فخررت لله ساجدا، فقال لي: يا محمد، من خلفت في الأرض؟ قلت يا ربي أعدلها و أصدقها و أبرها و آمنها علي بن أبي طالب، وصيي و وارثي، و خليفتي في أهلي. فقال لي: أقرئه مني السلام، و قل له: إن غضبه عز، و رضاه حكم. يا محمد، إني أنا الله لا إله إلا أنا العلي الأعلى، و هبت لأخيك اسما من أسمائي، فسميته، عليا، و أنا العلي الأعلى: يا محمد، إني أنا الله لا إله إلا أنا فاطر السماوات و الأرض، و هبت لابنتك اسما من أسمائي، فسميتها فاطمة، و أنا فاطر كل شيء، يا محمد، إني أنا الله لا إله إلا أنا الحسن البلاء، و هبت لسبطيك اسمين من أسمائي، فسميتهما الحسن و الحسين، و أنا الحسن البلاء.

قال: فلما حدث النبي (صلى الله عليه و آله) قريشا بهذا الحديث، قال قوم: ما أوحى الله إلى محمد بشيء، و إنما تكلم هو عن نفسه، فأنزل الله تبارك و تعالى تبيان ذلك { وَٱلنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَىٰ عَلَّمَهُ شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ }  ”.

و  عن علي بن محمد الهادي، عن زين العابدين (عليهما السلام)، عن جابر ابن عبد الله الأنصاري، أنه قال: اجتمع أصحاب رسول الله (صلى الله عليه و آله) ليلة في عام فتح مكة، فقالوا: يا رسول الله، ما كان الأنبياء إلا أنهم إذا استقام أمرهم أن يوصي إلى وصي أو من يقوم مقامه بعده، و يأمره بأمره، و يسير في الأمة كسيرته؟ فقال (صلى الله عليه و آله): “قد وعدني ربي بذلك، أن يبين ربي عز و جل من يحب أنه من الأمة بعدي من هو الخليفة على أمتي بآية تنزل من السماء، ليعلموا الوصي بعدي”. فلما صلى بهم صلاة العشاء الآخرة في تلك الساعة، نظر الناس إلى السماء، لينظروا ما يكون، و كانت ليلة ظلماء لا قمر فيها، و إذا بضوء عظيم قد أضاء المشرق و المغرب، و قد نزل نجم من السماء إلى الأرض، و جعل يدور على الدور حتى وقف على حجرة علي بن أبي طالب (عليه السلام)، و له شعاع هائل، و صار على الحجرة كالغطاء على التنور، و قد أظل شعاعه الدور، و قد فزع الناس، فجعل الناس يهللون و يكبرون، و قالوا: يا رسول الله، نجم قد نزل من السماء إلى ذروة حجرة علي بن أبي طالب (عليه السلام)! قال: فقام و قال: “هو و الله، الإمام من بعدي، و الوصي القائم بأمري، فأطيعوه و لا تخالفوه، و لا تتقدموه، فهو خليفة الله في أرضه من بعدي”.

قال: فخرج الناس من عند رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فقال واحد من المنافقين: ما يقول في ابن عمه إلا بالهوى، و قد ركبته الغواية حتى لو تمكن أن يجعله نبيا لفعل، قال. فنزل جبرئيل، و قال: يا محمد، العلي الأعلى يقرئك السلام، و يقول لك: اقرأ { وَٱلنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَىٰ } .

علي بن إبراهيم، قال: أخبرنا أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن العباس، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله تعالى: { مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ } ، يقول: “ما ضل في علي (عليه السلام) و ما غوى، و ما ينطق فيه بالهوى، و ما كان قد قال فيه إلا بالوحي الذي اوحي إليه”.
– و من طريق المخالفين (في مذهب أهل السنة) : ما رواه ابن المغازلي الشافعي في (المناقب)، قال: أخبرنا أبو البركات إبراهيم بن محمد بن خلف الحماري السقطي، قال: أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن أحمد، قال: حدثنا أبو الفتح أحمد بن الحسن بن سهل المالكي البصري الواعظ بواسط في القراطيسيين، قال: حدثنا سليمان بن أحمد المالكي، قال: حدثنا أبو قضاعة ربيعة بن محمد الطائي، حدثنا ثوبان، عن ذو النون، قال: حدثنا مالك بن غسان النهشلي، حدثنا ثابت، عن أنس، قال: انقض كوكب على عهد رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): “انظروا إلى هذا الكوكب، فمن انقض في داره فهو الخليفة من بعدي”. فنظروا فإذا هو قد انقض في منزل علي (عليه السلام)، فأنزل الله تعالى : { وَٱلنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَىٰ } ”.

– و عنه ، قال : أخبرنا أبو طالب محمد بن أحمد بن عثمان، قال: أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس ابن حيويه الخزاز، إذنا، قال: حدثنا أبو عبد الله الحسين بن علي الدهقان المعروف بأخي حماد، قال: حدثنا علي بن محمد بن الخليل بن هارون البصري، قال: حدثنا محمد بن الخليل الجهني، قال: حدثنا هشيم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كنت جالسا مع فتية من بني هاشم عند النبي (صلى الله عليه و آله) إذا انقض كوكب، فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله) : “من انقض هذا النجم في منزله فهو الوصي من بعدي”. فقام فتية من بني هاشم، فنظروا، فإذا الكوكب قد انقض في منزل علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قالوا: يا رسول الله [قد] غويت في حب علي فأنزل الله تعالى: { وَٱلنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ } إلى قوله تعالى: { بِٱلأُفُقِ ٱلأَعْلَىٰ }. – البرهان للسيد هاشم البحراني ] .

التفسير :

  • والنجم إذا هوى (1)

وهنا :

(و)

الواو للقسم كما أقسم عز وجل بالضحى والليل في قوله تعالى { والضحى والليل إذا سجى } وقوله تعالى { و الفجر و ليال عشر والشفع و الوتر و الليل إذا يسر } .

وأما :

(النجم)

أوجه التفسير في لفظ النجم :

أولاً : النجم إشارة إلى إمام :

وذلك لأن الشمس وضوؤها رمزاً لنور الإيمان الذي بعث به رسول الله صلى الله عليه وآله لقوله تعالى فيه صلى الله عليه وآله { وداعياَ إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا – الاحزاب 46} وفي روؤيا رآها نبي الله يوسف عليه السلام أشار إلى أبواه بالشمس والقمر في قوله تعالى { إني رأيت أحد عشراَ كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين – يوسف } . وبالتالي القسم بالنجم هنا في وجه من وجوه التفسير إماماً يهتدون به لقوله تعالى { وبالنجم هم يهتدون – النحل 16 } والهداية تكون للطرق أو الفجاج والوحهة التي يريدون والهداية تكون لشرع الله والدين القويم بإمام من أهل بيت النبي عليهم السلام قال تعالى فيه { إنما أنت منذر ولكل قوم هاد – الرعد} وبالتالي القسم هنا بإمام يهدي الناس من أهل بيت النبي عليهم السلام ويؤكد صحة الآثار الواردة من طرق مذهب أهل البيت أن الصحابة رضوان الله عليهم سألوه عمن يخلفه .

و لذلك [ في تفسير القمي،: في قوله تعالى: «و النجم إذا هوى» قال: النجم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)  «إذا هوى» لما أسري به إلى السماء و هو في الهوي. –تفسير القمي ] .

ثانياً : النجم هو الثاقب الذي سيضرب (عاد الآخرة) في الأرض قبل القيامة :

[ ظاهر الآية أن المراد بالنجم هو مطلق الجرم السماوي المضيء و قد أقسم الله في كتابه بكثير من خلقه و منها عدة من الأجرام السماوية كالشمس و القمر و سائر السيارات، و على هذا فالمراد بهوى النجم سقوطه للغروب.

و قيل: المراد بالنجم القرآن لنزوله نجوما، و قيل: الثريا، و قيل: الشعري، و قيل: الشهاب الذي يرمى به شياطين الجن لأن العرب تسميه نجما، و للهوى ما يناسب لكل من هذه الأقوال من المعنى، لكن لفظ الآية لا يساعد على شيء من هذه المعاني ].

يقول تعالى { والسماء والطارق وما أدراك مالطارق النجم الثاقب – الطارق 1-3} وهذا النجم إذا ما هوى تغيرت مواقع النجوم لقوله تعالى { فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم – الواقعة } وهنا يبين تعالى أن نجماً من هذه النجوم سيهوي ويرتطم بالأرض لهلاك الظالمين وحينها ستطمس معه رؤية النجوم بالسماء لقوله تعالى { فإذا النجوم طمست – المرسلات 8 } .ولذلك قال تعالى هنا { والنجم إذا هوى ماضل صاحبكم وما غوى – النجم }

وهذا النجم أطلق عليه الامام علي كويكب العذاب وحديث الهدة يشير إلى ذلك كما في قوله صلى الله عليه وآله [“عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان صيحة في رمضان فإنه يكون معمعة في شوال، وتمييز القبائل في ذي القعدة، وتسفك الدماء في ذي الحجة والمحرم وما المحرم -يقولها ثلاث مرات- هيهات هيهات! يقتل الناس فيه هرجا هرجا، قلنا وما الصيحة يا رسول الله؟ قال: هدة في النصف من رمضان ليلة الجمعة فتكون هدة توقظ النائم وتقعد القائم وتخرج العواتق من خدورهن في ليلة جمعة في سنة كثيرة الزلازل والبرد، فإذا وافق شهر رمضان في تلك السنة ليلة الجمعة فإذا صليتم الفجر من يوم الجمعة في النصف من رمضان فادخلوا بيوتكم وأغلقوا أبوابكم وسدوا كواكم ودثروا أنفسكم وسدوا آذانكم، فإذا أحسستم بالصيحة فخروا لله سجدا وقولوا: سبحان القدوس، سبحان القدوس، ربنا القدوس، فإنه من فعل ذلك نجا ومن لم يفعل هلك؟ – ]

[عن الوليد قال: بلغني عن كعب أنه قال: ولم يسنده إلى النبي ص : ( يطلع نجم من المشرق قبل خروج المهدي له ذنب يضئ كما يضئ القمر ( له ذنب يضئ لأهل الأرض كإضاءة القمر ليلة البدر)  ينعطف حتى يلتقي طرفاه أو يكاد ).  معجم أحاديث الامام المهدي ج1: ص 272 الحديث 172 (13 مصدر) ] .

[ ( … وخسف قرية من قرى الشام وهدم حائط مسجد الكوفة مما يلي دار عبد الله بن مسعود. وطلوع نجم بالمشرق يضيء كما يضيء القمر ثم ينعطف حتى يلتقي طرفاه أو يكاد، وحمرة تظهر في السماء وتنتشر في أفقها وليست كحمرة الشفق المعتاد …).  عقد الدرر في أخبار المنتظر – يوسف بن يحيى بن علي المقدسي الشافعي السلمي ص 177-179 ]

[ عن الامام علي ع : ( يطلع من مغيب الشمس نجم له ذنب كمثل الرمح عال بوجه مستدير مثل الترس) ماذا قال علي عن اخر الزمان، علي عاشور عن أمير المؤمنين علي ( عليه السلام )  في خطبة البيان: ( من علامات الساعة يظهر صائح في السماء ونجم له ذنب في كل ناحية من المغرب ويظهر كوكبا ً في السماء من المشرق ثم يظهر خيط ابيض في وسط السماء وينزل من السماء عمود من نور ثم ينخسف القمر ثم تطلع الشمس من المغرب فيحرق حرها شجر البراري والجبال ثم تظهر من السماء فتحرق أعداء آل محمد حتى تشوي وجوههم و أبدانهم  … ). الزام الناصب ج2 عن البرسي في المشارق ] .

[ .. قال سطيح: ( عند طلوع الكوكب الذي يفزع العرب، وله شبيه الذنب، فهناك تنقطع الأمطار، وتجف الأنهار، وتختلف الاعصار، وتغلو الأسعار، في جميع الأقطار . ثم تقبل البربر بالرايات الصفر، على البراذين السبر، حتى ينزلوا مصر، فيخرج رجل من ولد صخر، فيبدل الرايات السود بالحمر، فيبيح المحرمات،…) . في بحار الأنوار ـ ج51 ص 162ـ163 أعصار: دهر /  إعصار: رياح شديدة البربر: ناس كثيري الكلامِ، والجَلَبَةُ، والصِّياحُ، التخليط في الكلام مع غضب ونفور / عرق من الناس يعيش في المغرب العربي البراذين: دوب محذوفة مقطوعة الاذان والاذناب. السُّبَرُ : طائر دون الصَّقْرِ/ حُسْنُ الهيئةِ والجمَالُ ]

[ عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام: ( إذا بلغ العباسي خراسان، طلع بالمشرق القرن ذو الشفا، وكان أول ما طلع بهلاك قوم نوح حين غرقهم الله، وطلع في زمان إبراهيم عليه السلام حيث ألقي في نار نمرود، وحين أهلك الله فرعون ومن معه، وحين قتل يحيى بن زكريا، فإذا رأيتم ذلك فاستعيذوا بالله من شر الفتن، ويكون طلوعه بعد انكساف الشمس والقمر، ثم لا يلبثون حتى يظهر الأبقع بمصر. ). معجم أحاديث الامام المهدي ج3: ص 259  الحديث 785 (3 مصدر) ] .

عن امير المؤمنين علي ع في الجفر: ( ويسبق المهدي ظهور النجم ذو الذنب العجيب، ليس ما ترونه نجم ثلثي العقد الواحد ولا نجم ثلثي القرن ولا نجم كل قرن، إنما النجم ذو القرون له قلب وفيه نار وثلج وهواء وتراب، يمتد ذنبه ما اسرع في جريه سرعة نور الشمس ما انفجر الفجر ، يعمو اوله على اخره كأنه الطوق العظيم، يكون له وهج في ليل السماء كأن شمس أشرقت ثم يروح لدائرته، وبعدها هلاك وموت كثير خيراً لأهل الخير وشراً لأهل الشر.) . المفاجأة لمحمد عيسى بن داود ص 204   يعمو: يميل قال الإمام الهادي ع : ( قال رسول الله ص (يكون نار ودخان في المشرق أربعين ليلة). الملاحم و الفتن ص ٧١ و ص ١٦٤ بلفظ آخر. أي من بداية شعبان حتى منتصف شهر رمضان. (في الاختصاص : واعلم أن مع الشمس كواكب لها أذناب بعضها فوق بعض نفر فإذا بدا كوكب منها في برج من البروج وقع في أرض ذلك البرج شر وبلاء وفتنة وخلع الملوك ، وإذا رأيت كوكبا أحمر لاتعرفه وليس على مجاري النجوم ينتقل في السماء من مكان إلى مكان يشبه العمود وليس به فإن ذلك آية الحرب والبلايا وقتل العظماء وكثرة الشرور والهموم والآشوب في الناس ). بحار الانوار جلد: 55 من صفحه 335 ان للمذنبات مدارات اهليجية طويلة مع زاوية دوران ضيقة حول الشمس (دائرته).

وتمثل منطقة الدوران حول الشمس منتصف المدة التي يمكننا ان نشاهد المذنب فيها. بما ان هذا الدوران سيكون في رجب ( أستنتجنا ذلك في صفحة علامة ظهور كف بارزة تشير في رجب ) .. وسيكون وصوله الأرض في رمضان ( أستنتجنا ذلك في صفحات علامات شهر رمضان ) .. أي بعد ستة أسابيع تقريباً .. أذاً سيمكننا مشاهدته قادماً قبل رجب بشهرين على الاقل أي في شهور ربيع الثاني والاول وصفر .. عن الامام علي الرضا عن امير المؤمنين علي ع : ( في شهر صفر ستظهر لكم من السماء آية جليّة، ومن الأرض مثلها، ويحدث في المشرق ما يقلق. ويغلب على العراق طوائف من الإسلام مرّاق. ثم تنفرج الغمّة ببوار طاغوت الأشرار، يسرّ بهلاكه المتّقون. من قاتلنا في آخر الزمان، فكأنما قاتلنا مع الدجّال.) البحار ج ٥٢ ص ٣٣٥ ] .

وأما :

(إذا)

[ إذا : و تأتي بثلاثة أوجه: ظرفيّة، فجائيّة، تفسيريّة:

  1. إذا الظرفيّة: ظرف لما يستقبل من الزمن، مبني على السكون، متضمّن معنى الشرط غالبا، خافض لشرطه متعلّق بجوابه، و تختصّ بالدخول على الجملة الفعليّة، و يكون الفعل بعدها ماضيا غالبا، أو مضارعا، مثل قول الشاعر: إذا نزل البلاء بصاحبي دافعت عنه بناجذي و بمخلبي

*إذا دخلت إذا على اسم مرفوع أو ضمير للغائب، أعرب فاعلا لفعل محذوف يفسّره الفعل الذي يليه، إذا كان هذا الفعل مبنيّا للمعلوم، و إذا كان الفعل بعدها مبنيّا للمجهول أعرب الاسم نائب فاعل؛ نحو قول الشاعر: إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بدّ أن يستجيب القدر (أراد)

إذا: ظرف لما يستقبل من الزمن خافض لشرطه متعلّق بجوابه و هو مضاف.

الشعب: فاعل لفعل محذوف يفسّره الفعل أراد الذي بعده مرفوع. و جملة الشرط (أراد الشعب الحياة )في محل جرّ بالإضافة.

*أمّا إذا دخلت على ضمير للمخاطب أو المتكلّم، فإنّ هذا الضمير يعرب توكيدا للفاعل أو نائبه في الفعل المحذوف ؛ يقول الشاعر: إذا أنت لم تشرب مرارا على القذى ظمئت . أيّ الناس تصفو مشاربه.

أنت: ضمير منفصل مبني في محلّ رفع توكيد للفاعل في الفعل المحذوف الذي يفسّره الفعل بعده.

ملحوظة:قد تزاد ما بعد إذا فلا تغيّر شيئا ، و تعرب ما حرفا زائدا لا محلّ له من الإعراب؛ مثل إذا ما زرتني أكرمتك.

  1. إذا التفسيريّة : حرف مبني على السكون لا محلّ له من الإعراب يأتي في موضع أيّ التفسيريّة في الجمل، و تختلف عنها في كون الفعل بعد إذا لا يكون إلاّ للمخاطب؛ نحو: استكتمته السرّ إذا طلبت منه أن يستره.
  2. إذا الفجائيّة: حرف مبني على السكون لا محلّ له من الإعراب، و هي تختصّ بالدخول على الجملة الاسمية، ولا تحتاج إلى جواب (جملة جواب الشرط)، ولا تقع في ابتداء الكلام، و تلزمها الفاء (الإستئنافيّة) الزائدة ، و الإسم المرفوع بعدها يعرب مبتدأ خبره مذكور كثل قوله تعالى :”فألقاها فإذا هي حيّة تسعى” أو نحو: دخلت الصفّ فإذا بالأستاذ ] .

 

البيان القرآني هنا للفظ (إذا) :

لفظ إذا هنا يعتبر مفتاح فهم الآية كلها وبيانها لوروده في مواضع تبين المقصود من الآية الكريمة فقد ورد في بيان كفر قريش بدعوة النبي صلى الله عليه وآله وقولهم حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا قال تعالى { وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون – المائدة 104} وإذا فعلوا فاحشة قالوا بقدسيتها لفعل آبائهم لها قال تعالى { وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون – الأعراف 28 } وقالوا في كتاب الله أساطير الأولين { وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين – النحل 24 }

وبالتالي كانوا يكرهون كتاب الله تعالى ويكادون يسطون على تاليه كما في قوله تعالى { وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا قل أفأنبئكم بشر من ذلكم النار وعدها الله الذين كفروا وبئس المصير- الحج 72 }

ولما علموا وولاية أهل بيته من عده عليهم السلام حاولوا تبديل آيات الله كما في قوله تعالى {  وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم – يونس 15 } وهذه فتنة حاولوا فيها تبديل حكم الله تعالى وهنا لجأ هؤلاء المجرمين للكذب على الله تعالى ورسوله كما في قوله تعالى { وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا النساء 81 } وقال تعالى { ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم – محمد 16 }.

وهنا برزت طائفة من المنافقين لا هم لها إلا الدنيا ومتاعها لا يراعون لله حرمة في حلال أم حرام وقال تعالى في هؤلاء  { وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا- مريم 73 } .

وهنا فتح الله تعالى عليهم أبواب الدنيا ومتاعها لقوله تعالى {  فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون – الأنعام 44 }

وتظهر طبقة اجتماعية جديدة من المنتفعين الذين منعوا حق الله تعالى في أموالهم بعدما منعوا الماعون وحقوق الفقراء  وخمس أهل بيت النبي المفترض       لهم في كتاب الله تعالى وأطلق عليهم القرآن الكريم طبقة المترفين وهؤلاء سيكونون أهم معول لهدم الدولة الإسلامية في كل زمن  قال تعالى { وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا – الإسراء 16 }

وهنا يأت وعد أول وعده الله تعالى بني سرائيل في زمن النبي صلى الله عليه وآله وقال تعالى فيه {  فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا – الإسراء 5} ويكون وعد فيه هلاك قريشاً الأولى لأنهم كبني إسرائيل بين وعدين للهلاك قال تعالى فيه {سنعذبهم مرتين ثم يدون إلى عذاب عظيم – التوبة }

وبين الوعدين ينزل بهم عذابات مختلفة لا يكون فيها ااستئصالاً لهم لعلهم يتوبون من قريب قال تعالى { فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون – الأنبياء 12-13 } ثم يفتح الله تعالى على البشرية بكفرها باباً من العلم ليدمروا بعضهم بمخترعاتهم ومنها المعارج ( الطائرات والصواريخ وكل مايصعد به إلى السماء ) و قال تعالى فيها {ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت ابصارنا بل نحن قوم مسحورون – الحجر14-15} وهذا باب عذاب شديد يفتحه الله تعالى على البشرية بكفرهم ولا رحمة فيه لقوله تعالى { حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد إذا هم فيه مبلسون – المؤمنون 77 } .

وهنا يبدأ الوعد الآخر بعلوا بني إسرائيل في العالم وسيرهم نفس نهج فرعون مع المؤمنين الذي عانوا هم منه من قبل وهنا توعدهم الله تعالى بالوعد الآخر هم وقريش الآخرة كما بينا في عذابهم الثاني قال تعالى { إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا – الإسراء 7 }

ويكون هلاكهم ببعثة إمام آخر الزمان والذي أطلق عليه القرآن الكريم دابة الأرض قال تعالى { وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون – النمل 82 } وآجال الأمم الظالمة من كفار ومنافقين تكون مرهونة ببعثة هذا الإمام لما ورد فيه تصريحا { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ  وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۗ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۚ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ– يونس 47-49 } وهنا يكون قد حل زمان هلاكهم وجمعهم للحساب كما في قوله تعالى { فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون – آل عمران 25 }

وإن كان المقصود بدابة الأرض دابة فعليه فخروجها بعد هلاك العالم والذي يكون أماراته سيطرة الإنسان على كل شيئ بواسطة ما توصل له من علم وتكنولوجيا وكومبيوتر قال تعالى { إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون – يونس 24 } .

ثم تكون الايات بعد ذلك ومنها يأجوج ومأجوج الوارد ذكرهم في قوله تعالى { حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون – الأنبياء 96 }

وهذا من أشراط الساعة كما في قوله تعالى { فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم – محمد 18 } وهنا يتحسونر على ما فرطوا فيه من تركهم العمل بكتاب الله وشرعه الكريم قال تعالى { قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون – الأنعام 31 }

وبالتالي قوله تعالى هنا { والنجم إذا هوى } يحكي قصة كفر قريشاً الأولى وبني إسرائيل وصراعهم مع أهل بيت النبي وقتلهم إياهم وخط سير أحداث آخر الزمان منذ ظهور الإسلام حتى قيام الساعة .

وأما :

(هوى)

[ وهوى بمعنى سقط من شاهق ] قال تعالى { حنفاء لله غير مشركين به ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق – الحج 31 } أي أن شدة شرك هؤلاء وكفرهم بالله تعالى سيكون أهم عوامل إبادتهم بالنجم إذا هوى خاصة إذا فشا فيهم عمل قوم لوط لقوله تعالى فيهم { والمؤتفكة أهوى فغشاها ما غشى – النجم 53 } وهذا في آخر الزمان مع ظهور علامة في السماء وهو النجم ذو الذنب قال تعالى هنا { والنجم إذا هوى} وهذا النجم يهوي على كفار ومنافقي آخر الزمان والذين يعملون بعمل قوم لوط كما بينا وهذا يسبب غضب أهل السماء عليهم فيأذن الله تعالى بسقوط نجماً من السماء عليهم بغضب من الله تبارك وتعالى قال فيه { ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى } .

ثم يقول تعالى :

  • ما ضل صاحبكم وما غوى (2)

وهنا :

(ما ضل صاحبكم وما  )

وهنا (ما) أي أنه يقول تعالى عن الحنيفية الإبراهيمة التي هى دين الإسلام { ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما و ما كان من المشركين آل عمران 67 } ثم أمره الله تعالى بإبلاغ رسالة ربه عز وجل والإعلان عن استخلاف الإمام علي من بعده كما في آية البلاغ حيث قال تعالى { يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين – المائدة 67 } . وما على الرسول إلا البلاغ كما في قوله تعالى { ما على الرسول إلا البلاغ والله يعلم ما تبدون وما تكتمون – المائدو  99 }

وبالتالي لما أبلغ رسالة ربه تبارك وتعالى ماضل وما غوى كما في الآية هنا { ما ضل صاحبكم وما غوى } وكذلك القرآن الكريم كتاب الله تعالى المنزل على رسوله وما كان له أن يفترى من دون الله تعالى كما في قوله تعالى

{ و ما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله } وبالتالي لم يأتي رسول الله إلا بالحق من عند الله تعالى .

(ضل)

وهنا يبين تعالى أنه عز وجل بين لرسوله طريق الهداية إليه والحق بالوحي لذلك قال تعالى { ووجدك ضالاً فهدى – الضحى } فلما هداه تعالى أنزل عليه كتاباً ليعلم الناس ويخرجهم من الظلمات إلأى النور قال تعالى في بعثته المباركة الطيبة {هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين – الجمعة 2 } وهذه منة من الله تعالى عليهم كما في قوله تعالى { لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين – آل عمران 164} وفي كتابه الكريم بين عز وجل الهداية لهم وبيان طريق الحق والضلال قال تعالى { إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس بالحق فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنت عليهم بوكيل – الزمر 41 }

وبين تعالى أن التحاكم إلى كتابه الكريم يهدي إلى الحق ويصرف عن الضلالة ومن تحاكم إلى غيره فهو مؤمن بالطاغوت كافر بالله عز وجل وهذا من عمل الشيطان الذي يريد إضلال بني آدم  قال تعالى { ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا – النساء 60 } وبالتالي لا يتبغي لمؤمن أن يخرج على طاعة الله تعالى ورسوله قال عز وجل { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا – الأحزاب 36 } ومن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه كما في قوله تعالى { قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل – يونس 108 } ومن اهتدى إلى الله تعالى فقد كفر بالطاغوت والسادة والكبراء الذين لا يتحاكمون لشرع الله ولا يؤمنون لأن هؤلاء يقومون مقام الأصنام بلا صنم وأوثان بلا وثن قال تعالى لذلك في دعاء نبي الله إبراهيم لذريته ومن هنا هم دائموا الثورات على الحكام الظلمة قال تعالى { وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام رب أنهن أضللن كثيراً من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم – إبراهيم 35-36} وهذه الصنمية والوثنية يبين تعالى أنها طاعة الحكام في معصية الله والخروج على ولاية الله الحق وذلك من مهالك الدنيا والآخرة وسيقولون يوم القيامة عند دخولهم النار  { وقالو ربنا إننا أطعنا سادتنا و كبرائنا فأضلونا السبيلا – الأحزاب 67} .

ومادام عصيان الله تعالى ورسوله ضلال و سادتهم وكبرائهم أصنام وأوثان فقد جعل الله تعالى الهداية في ولايته تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام قال تعالى { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا  الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون – المائدة } ولما علم كفار قريش ذلك الأمر وتلك الولاية أنها امتداد رسالة السماء بإمامة أهل بيته من بعده لجأول للكذب والافتراء على الله تعالى  ورسوله لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم إن الله لا يهدي القوم الظالمين – الأنعام 144 }

وهذا الكذب لصرف الناس عن ولاية أهل بيت نبيهم عليهم السلام لذلك قال تعالى فيما فعلته قريش وهمهم إضلال رسول الله صلى الله عليه وآله لولا تثبيت الله تعالى قال عز وجل  { ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك و ما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما – النساء 113 } ويبين تعالى توحد وجهة قريش وكفار أهل الكتاب حيث قال تعالى في طائفةمنهم محاربة لله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام { ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم و ما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون – آل عمران 69 } ويكون المعنى على ذلك ماضل رسول الله صلى الله عليه وآله طريق ربه تعالى ومعرفته والعمل بما أمر ولم يضل عن الدعوة إليه تعالى وإلى إمامة أهل بيته من بعده وهنا تكون أسباب النزول صحيحة التي أوردناها من قبل ومن اهتدى فلنفسه كما في قوله تعالى { من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا – الإسراء 15 } .

وأما :

(صاحبكم)

و [ الصاحب: (مصطلحات) من صحب جمع صحب وأصحاب وصحبة وصحابة ، المعاشر. (فقهية) صاحِب : (اسم) الجمع : أصحاب و صَحابة و صِحاب و صَحْب و صُحْبَة ، المؤنث : صاحبة ، و الجمع للمؤنث : صاحِبات و صَواحِبُ الصَّاحِبُ : المرافق صاحِبُ الشَّيء: مالكه صاحب الدَّار/ المصنع ، الصَّاحِبُ :القائم على الشيءِ  و صحِبَ يَصحَب ، صَحابةً وصُحبةً ، فهو صاحِب ، والمفعول مَصْحوب صحِب الشَّخصَ : لاَزَمَهُ، رَافَقَهُ، عَاشَرَهُ صحِبتك السَّلامةُ: رافقتك ولازمتك، صحِبك اللهُ: حفظك ورافقتك عنايتُه صاحَبَ : (فعل) صاحبَ يُصاحِب ، مُصاحَبةً وصِحابًا ، فهو مُصاحِب ، والمفعول مُصاحَب صاحب أباه : رَافَقَهُ، لاَزَمَهُ، عَاشَرَهُ صاحَبتِ القَضيةَ ملابساتٌ عديدةٌ: أحاطت بها .. ] .

وقال تعالى في بيان أن الصحبة أنها المعاشرة { وصاحبته وأخيه – المعارج 12} وبالتالي صاحبكم أي الذي عاشركم وعاشرتموه ويعرفكم وتعرفوه قال تعالى {إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا – التوبة }

ويبين تعالى أن هؤلاء الذين صاحبوه وعاشروه ويعرفوه لعنهم الله اتهموه بالجنون  إذا كيف لفرد يغير نظام أمة بأكملها قال تعالى لهؤلاء المجرمين { وما صاحبكم بمجنون – النجم 2 } ولذلك وعظهم الله تعالى بأن يقوموا لله تعالى و يتفكروا فرادى أو جماعات فيما يقول وبعثه الله تعالى به إليهم ليوقنوا أنه ليس بمجنون حشا لله تعالى قال عز وجل : { قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد – سبأ 46 } .

وأما :

( وما غوى)

[ وغوى الصبي والفصيل والسخلة : فسد جوفه وأرض مغواة : أي مضله وهى الحفرة تحتفر للأسد وكل مهلكة مغواه ومن هنا يجيئ المعنى من فساد العيش أو إفساد الإعتقاد – معجم ألفاظ القرآن باب الغين فصل الواو والياء ] قال تعالى عن إبليس لعنه الله { ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين – الحجر 34 } أي أنه أنه سيضلهم ويفسد عليهم دينهم  واعتقادهم من الأضاليل والأباطيل ويوقعهم في عصيان الله تعالى ولذلك لما أكل نبي اله آدم وزوجه من الجنة قل تعالى { وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه هدى – طه 121-122 } وهذه الغواية وهذا الضلال برأ الله تعالى منه رسوله صلى الله عليه وآله هنا في قوله تعالى { ما ضل صاحبكم وما غوى – النجم} .

ثم يقول تعالى :

(3) وما ينطق عن الهوى (3)

وهنا :

(وما)

وهنا وما ورد هذا اللفظ في قوله تعالى { قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون – البقرة 136 } أي أنه صلى الله عليه وآله وسلم أوحى الله تعالى له كما أوحى إلى النبيين من قبله فإن آمنوا به وصدقوه وعزروه ونصروه فقد اهتدوا نه لا ينطق إلا بوحي من الله تعالى كما في الآية هنا { وما ينطق عن الهوى }

وأما :

( ينطق)

[ ونطق وينطق و منطقاً : لفظ بصوت ذي حروف ومقاطع يدل على مراده – معجم ألفاظ القرآن باب النون فصل الطاء والقاف ] قال تعالى { وورث سليمان داوود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين – النمل 16 } . ومنطق الطير هنا الأصوات والحروف التي تخرج منه ويفهمه نبي الله سليمان بالوحي من الله تعالى الذي علمه إياه هذه الحروف والأصوات التي تخرج من فم رسول الله صلى الله عليه وآله ليست إلا حي من الله تعالى قال فيه { وما ينطق عن الهوى إن هو إلا حى يوحى علمه شديد القوى } .

[ ونطق الكتاب بكذا : وضحه وبينه ودل عليه على سبيل المجاز ] قال تعالى { هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون – الجاثية 29 } وهنا ينطق لأنه سيفهم كل بلغته التي ينطق بها ولكن لا يستطيعون النطق إن كانوا مجرمين لقوله تعالى { هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون – المرسلات 35-36} . وذلك لأنهم في الدنيا كفروا بالله تعالى ورسوله الذي لا ينطق عن الهوى بل بوحي من الله تعالى علمه شديد القوى قال تعالى { وما ينطق عن الهوى إن هو إلا حى يوحى علمه شديد القوى } .

وأما :

(عن)

ورد هذا اللفظ في قوله تعالى { ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين – البقرة 130 } أي أنه بعث صلى الله عليه وآله على ملة الإسلام الحنيفي وهذا أمر الله تعالى وما نطق إلا بوحي من الله تعالى . وهنا يبين تعالى أنهم حاربوه وقاتلوه وسيقاتلون أمته من بعده لقوله تعالى { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون – البقرة 217} .

وأما :

( الهوى)

والهوى هنا ماتهواه النفس وتشتهيه لقوله تعالى { إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى – النجم 23 }

وكل ما يهواه رسوله الله صلى الله عليه وآله هنا رضا ربه تبارك وتعالى فكان لا يفعل إلا أن يؤمر بالوحي فإذا سئل عن مسألة طلب الإمهال والإنتظار حتى ينزل سيدنا جبريل بالإجابة ولذلك يقول تعالى في كتاب الله كثير بصيغة الإجابة على سؤال في قوله تعالى { يسئلونك } أو { قل } وهى إجابات على أسئلة سألها الناس  لذلك قال تعالى هنا أن كل ما يخرج من فم رسول الله صلى الله وعليه وآله وحياَ من السماء قال تعالى . { وما ينطق عن الهوى إن هو إلا حى يوحى علمه شديد القوى } .

وفي الحديث مايؤكد ذلك :

[ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان متكئ على أريكته، يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من الحلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من الحرام فحرموه، وإنما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حرم الله، ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السباع، ولا لقطة معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه، فإن لم يقروه، فله أن يعقبهم بمثل قراه). – سنن أبي داوود ]

و [ أخرج البزار عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” ما أخبرتكم أنه من عند الله فهو الذي لا شك فيه “.  و عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” لا أقول إلا حقّاً، قال بعض أصحابه: فإنك تداعبنا يا رسول الله، قال: إني لا أقول إلا حقّاً “. وأخرج الدارمي عن يحيى بن أبي كثير قال: كان جبريل ينزل بالسنّة كما ينزل بالقرآن –الدر المنثور للسيوطي ] .

ثم يقول تعالى

(4) إن هو إلا وحي يوحى (4)

وهنا :

(إن هو إلا)

أي أنه يقول تعالى هنا { جنة إن هو إلا نذير مبين – الأعراف 184}  وهنا أيضا يبين تعالى أيضاً تربصهم به صلى الله عليه وآله لعنهم الله قال تعالى { إن هو إلا رجل به جنة فتربصوا به حتى حين – المؤمنون 25} .

وأما :

(وحي يوحى)

[ تعريف الوحي لغةً :

الوحي؛ لغة هو الإعلام والإخبار في خفاء بأن يُلقى الأمر في النفس بشكل خفي، أو هو الكتابة، أو هو الإيماء والإشارة السريعة، وللوحي بالمعنى اللغوي عدة أنواع وهي كما يأتي:

الإلهام الفطري: كالوحي لأم موسى عليه السلام حيث قال الله تعالى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ – القصص 7).

الإلهام الغريزي : كوحي الله تعالى إلى النحل حيث قال الله تعالى: (وَأَوحى رَبُّكَ إِلَى النَّحلِ أَنِ اتَّخِذي مِنَ الجِبالِ بُيوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمّا يَعرِشونَ – النحل 68).

الإشارة السريعة: كإيحاء زكريا عليه السلام حيث قال الله تعالى: (فَخَرَجَ عَلى قَومِهِ مِنَ المِحرابِ فَأَوحى إِلَيهِم أَن سَبِّحوا بُكرَةً وَعَشِيًّا – مريم 11).

وسوسة الشيطان: حيث قال الله تعالى:(وَإِنَّ الشَّياطينَ لَيوحونَ إِلى أَولِيائِهِم لِيُجادِلوكُم– الأنعام 121).

أمر الله تعالى إلى الملائكة : حيث قال الله تعالى: (إِذ يوحي رَبُّكَ إِلَى المَلائِكَةِ أَنّي مَعَكُم فَثَبِّتُوا الَّذينَ آمَنوا – الأنفال 12) .

تعريف الوحي اصطلاحًا يقصد بالوحي في الإصطلاح الشرعي ؛ بأنّه كلام الله تعالى الذي ينزله على أحد من أنبيائه وهذا في حال كان الوحي بمعنى الموحى، أمّا إن كان الوحي بمعنى الإيحاء فهو أن يُعلم الله -تعالى- أحد أنبياءه ويُطلعه على حكم شرعي أو نحو ذلك من القصص والأخبار التي تمّ ذكرها في القرآن الكريم أو السنة النبوية.

وممّا تجدر الإشارة إليه أنّ الفرق بين المعنى اللغوي والإصطلاحي للوحي كما الفرق بين العام والخاص، حيث أنّ الوحي لغة عام يشمل جميع أنواع الإعلام في الخفاء، أمّا الوحي اصطلاحاً خاص يقتصر على ما يُعلم به الله تعالى أحد أنبياءه ] .  

وهنا القرآن هو وحي الله تعالى المنزل على رسوله صلى الله عليه وآله لقوله تعالى { وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير – الشورى 7 } وقال تعالى أيضاً : { وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم – الشورى 52 } وفي كتاب الله شرع الوصية للأئمة عليم السلام من بعد رسول الله صلى الله عليه وآله كما شرعها عز وجل للأنبياء من قبل حيث كان لا يموت نبياً إلا وبعث الله تعالى لهم نبياً آخر قال تعالى { شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب – الشورى 13 } وهذه الوصية بإمامتهم بعد موت كل نبي وبعثة نبياً آخر جعله الله تعالى إماماً وأوحى إليهم الله تعالى فعل الخيرات وإقام الصلاة كما في قوله تعالى { وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين – الأنبياء 73 } .

وهذا هو الوحى الذي أوحاه تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله في القرآن والسنة كما في الآية هنا { إن هو إلا وحى يوحى } . وهذه الوصية جاهدت قريشاً فتنة رسول الله صلى الله عليه وآله وإثنائه عنها لذلك قال تعالى { وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلا – الإسراء 73 } وهنا حذر الله تعالى رسوله من تلك الفتنة التي سيفتنونه بها قال تعالى { واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك – المائدة 49 } .

ثم يقول تعالى :

(5) علمه شديد القوى (5)

وهنا :

(علمه)

هنا يبين تعالى أن العلم مصدره الخالق عز وجل كما في قوله تعالى { إنما العلم عند الله – الملك 26 } وقال تعالى في تعليم القرآن { الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان – الرحمن } وهذا العلم علمه الله تعالى لرسوله بواسطه جبريل عليه السلام والذي وصفه هنا بشديد القوى قال تعالى { علمه شديد القوى }  وهذا العلم لم يكن يعلمه من قبل كقوله تعالى { وعلمك مالم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما – النساء 113 } وهذا العلمه علمه النبي صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين باب مدينة العلم وأهل بيته وصحابته الكرام قال تعالى { ويعلمكم مالم تكونوا تعلمون – البقرة 165 } وهذا العلم شبهه النبي صلى الله عليه وآله في حديثه بمدينة وبابها الإمام علي عليه السلام كما في يالحديث : [ ” أنا مدينة العلم وعلي بابها – وفي زيادة “فمن أتى العلم فليأت الباب . “- رواه الحاكم في المستدرك والطبراني في الكبير، وأبو الشيخ في السنة وغيرهم كلهم عن ابن عباس مرفوعا ورواه الترمذي وأبو نعيم وغيرهم عن علي بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أنا دار الحكمة وعلي بابها ] .

وأما :

(شديد)

ولفظ شديد ورد على الله تبارك وتعالىفي آيات كثيرة منها

{ وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ –غافر 13 } أي أنه تعالى [ يسبِّح الرعد بحمد الله تسبيحًا يدل على خضوعه لربه, وتنزِّه الملائكة ربها مِن خوفها من الله, ويرسل الله الصواعق المهلكة فيهلك بها مَن يشاء من خلقه, والكفار يجادلون في وحدانية الله وقدرته على البعث, وهو شديد الحول والقوة والبطش بمن عصاه.- التفسير الميسر ]  وهو تعالى شديد العقاب لقوله تعالى { إنه قوي شديد العقاب  – غافر 22 }

{ إن بطش ربك لشديد – البروج 12 } وهو تعالى شديد العقاب لمن أكل فيئ أهل بيت النبي عليهم السلام و الفقراء من أصحاب النصاب  لقوله تعالى { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب – الحشر 7 } وقد أنذر الله تعالى الناس من هذا العذاب الشديد إن كفروا به تعالى ونافقوا فقال عز وجل : {الحمد لله الذي أنزل على عبد الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا – الكهف 1-2 }

وبالتالي شديد القوى هنا يأت على الله تعالى خالق كل شيئ لأنه مصدر الخلق والقوة

وكذلك يأت هذا اللفظ على ملائكة هم حرس السماء الذين قال تعالى فيهم  وفي قول الجن عنهم  { وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا  – الجن 8 } وعذاب آخر الزمان على الناس تنزل به ملائكة بإذن الله قال تعالى فيهم { حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد إذا هم فيه مبلسون – المؤمنون 77}

وشديد القوى هنا في البطش بأعداء الله تعالى كما فعل بقم فرعون في قوله تعالى { كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كفروا بآيات الله فأخذهم الله بذنوبهم إن الله قوي شديد العقاب – الأنفال 52 } وكذلك أخذ ربك القرى وهى ظالمة قال تعالى { وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد  – هود 102 } وهذه الشدة لأن الله تعالى له القوة جميعاً  كما في قوله تعالى { ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب – البقرة 165 } وبالتالي كلا المعنيين صحيح بأن المعلم الذي علمه هو الله تبارك وتعالى شديد القوى و هو الذي أرسل جبريل عليه السلام ليعلم الأنبياء وخاتمهم سيدنا محمد صلى الله عليه و آله و شديد القوى بالجمع و أما الملائكة شديدوا القوة بالمفرد وليس الجمع و كبيرهم شديد القوى وهو سيدنا جبريل المعني في الاية فكلا المعنيين صحيح في الأحاديث التي أشارت لكلا المعنيين . وذلك لأن الخالق عز وجل غذا تكلم عن نفسه في الخلق دائماً يتكلم بصيغة الجمع كدلالة  على العظمة والهيمنة كقوله تعالى { وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ  -الحجر 23 } فهل هناك شك من أن هناك ملائكة موكولة لقبض الأرةواح قال تعالى فيها { حتى إذا حضر أحدهم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون } وقال تعالى أيضاَ  { وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون – الصافات 165-166 } وبالتالي المعنى هنا { شديد القوى } بالجمع الله تعالى ثم سيدنا جبريل وكل ملك بعد ذلك كان موكولا بمهمة محددة كي يتم رحلته المباركة إلى الملاء الأعلى .

 (القوى)

وهنا يبين تعالى أن القوي الشديد هو الله تعالى لقوله تعالى { كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز – المجادلة 21 } والقوة لله جميعاً كما في قوله تعالى :نه شديد العذاب قال تعالى   { ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب – البقرة 165 } والله تعالى قوي شديد العقاب للظالمين المجريمين لقوله تعالى { كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كفروا بآيات الله فأخذهم الله بذنوبهم إن الله قوي شديد العقاب – الأنفال 52 } وشديد القوى هنا جبريل عليه السلام والذي استمد قوته من الخالق عز وجل صاحب القوى جميعا في قوله تعالى { وأن القوة لله جميعا}

وتأت القوة على العفريت المؤمن الذي قال لنبي الله سليمان أنا آتيك بعرش ملكة سبأ قبل ان تقوم من مقامك { قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين – النمل 39 } وهنا يبين تعالى أن الذي عنده علم من الكتاب أتى به قبل  أن يرتدد إليه طرفه وهذا بواسطة ملك شديد القوى كما في الآية هنا { علمه شديد القوى }

ويبين تعالى هلاك العالم قبل يوم القيامة بلداً بعد آخر ودولة بعد أخرى إن كفروا بالله تعالى وتركا شرعه الكريم وأفسدوا في الأرض قال تعالى { وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا – الإسراء 58 } وهذا العذاب ينزل به ملكاً شديد القوى قال تعالى فيه { علمه شديد القوى }

ثم يقول تعالى :

(6) ذو مرة فاستوى (6)

وهنا :

(ذو)

[ ذو : بمعنى صاحب وهو إسم يتوصل به إلى الوصف بأسماء الأجناس والأنواع ويضاف إلى الظاهردون المضمر – معجم ألفاظ القرآن باب الذال فصل فصل الواو ] . قال تعالى { والله ذو الفضل العظيم – البقرة 105} وهو ذو العرش المجيد كما قال عز وجل { وهو الغفور الودود ذو العرش المجيد – البروج 15 }  وهو ذو الجلال والإكرام كما في قوله تعالى { كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام – الرحمن 27 } .

وهو الغني سبحانه وتعالى ذو الرحمة قال تعالى { وربك الغني ذو الرحمة – الأنعام 133 } وهو عز وجل ذو عقاب أليم قال تعالى { إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم – فصلت 43 } وهو ذو القوة المتين كما في قوله تعالى { إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين الذاريات 58 } وبالتالي ذو مرة أي أنه عز وجل خلق خلقاً من خلقه ذو مرة أي ذو قوة وشديد العقاب و الإنتقام والغنى والرحمة  قال تعالى هنا { ذو مرة فاستوى – النجم 6 } .

ورد في تفسير البرهان : [   علي بن إبراهيم: ثم قال: { عَلَّمَهُ شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ } ، ثم أذن له فرقى في السماء، فقال: { ذُو مِرَّةٍ فَٱسْتَوَىٰ * وَهُوَ بِٱلأُفُقِ ٱلأَعْلَىٰ * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ } ، كان بين لفظه و بين سماع رسول الله كما بين وتر القوس و عودها: { فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَآ أَوْحَىٰ } ، فسئل رسول الله (صلى الله عليه و آله) عن ذلك الوحي، فقال: “أوحي إلي أن عليا سيد الوصيين، و إمام المتقين، و قائد الغر المحجلين، و أول خليفة يستخلفه خاتم النبيين، فدخل القوم في الكلام، فقالوا له: أمن الله و من رسوله؟ فقال الله جل ذكره لرسوله (صلى الله عليه و آله): قل لهم: { مَا كَذَبَ ٱلْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ } ، ثم رد عليهم، فقال: { أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ } ، ثم قال لهم رسول الله (صلى الله عليه و آله): “قد أمرت فيه بغير هذا، أمرت ان أنصبه للناس، و أقول لهم: هذا وليكم من بعدي، و هو بمنزلة السفينة يوم الغرق، من دخل فيها، نجا، و من خرج عنها غرق”.- البرهان للسيد هاشم البحراني ] .

[عن أبي جعفر عن الربيع ( ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى ) جبريل عليه السلام . وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: عنى بالمرّة: صحة الجسم وسلامته من الآفات والعاهات. والجسم إذا كان كذلك من الإنسان, كان قويا, وإنما قلنا إن ذلك كذلك, لأن المرة واحدة المرر, وإنما أُريد به: ذو مرة سوية. وإذا كانت المرّة صحيحة, كان الإنسان صحيحا. ومنه قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: ” لا تَحِلُّ الصَّدقَةَ لِغَنِيّ, وَلا لذي مرةٍ سَويَّ”. – تفسير الطبري ] .

وأما :

(مرة)

وهذا اللفظ مما ليس له مرادف في كتاب الله أو جذر يبينها إلا البيان اللغوي و [ المرة : قوة الخلق و شدته  والمرة : حصافة العقل وإحكامه والأصل في الكلمة إمرار الحبل : إحكام فتله – معجم ألفاظ القرآن باب الميم فصل الراء والراء ] . قال تعالى هنا { ذو مرة فاستوى }

وأما :

(فاستوى)

[ الإستواء إكتمال الشيئ من الخق أو الحكم والعلم ] قال تعالى { فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين } أي أكملت خلقه وأتمه على أحسن ما يكون فتبارك الله رب العالمين .

وقال تعالى في خلق السماوات { فسواهن سبع سماوات وأوحى في كل سماء أمرها } وهنا استواء خلق سيدنا جبريل عليه السلام قوة وحكماً وشدة وعلماً لقوله تعالى عن خلق نبي الله يوسف عليه السلام   { ولما بلغ اشده واستوى آتيناه حكماً وعلماً }  أي بعدما خلقه الله تبارك وتعالى وآتاه ما أراد من علم وقوة وشدة ومكانة بين خلقه وملائكته قال تعالى فيه هنا { علمه شديد القوى ذو مرة فاستوى وهو بالأفق الأعلى } .

ثم يقول تعالى :

(7) وهو بالأفق الأعلى (7)

وهنا :

محور قرب النبي صلى الله عليه وآله ودنوه وتدليه في الآيات التالية كلها ستدور حول لفظ هو هل هو الله تبارك وتعالى أم جبريل عليه السلام كما هو وارد بالتفاسير ومن وهنا لفظ هو وأين ورد في كتاب الله هو الذي سيحدد بالقطع مراد الله تبارك وتعالى وسنبدأ برواية ما ذكر في ذلك :

الروايات الواردة في تفسير الآية :

ورد في تفسير كنز الدقائق : في قوله تعالى { وهو بالأفق الأعلى}

[ أفق السماء والضمير لجبريل (ثم دنا) من النبي (فتدلى) فتعلق به وهو تمثيل لعروجه بالرسول فيكون إشعاراً بأنه عرج به غير منفصل عن محله تقريراً لشدة قوته فإن التدلي استرسال مع تعلق كتدلي الثمرة ويقال دلى دلوه والدوالي الثمر المعلق (فكان) جبريل كقولك هو مني معقد الإزار أو المسافة بينهما (قاب قوسين) مقدارهما (أو أدنى) على تقديركم كقوله (أويزيدون) والمقصود تمثيل ملكة الاتصال وتحقيق استماعه لما أوحى إليه بنفي البعد الملبس (فأوحى) : جبريل  إلى عبده : عبد الله و إضماره قبل الذكر لكونه معلوماً كقوله (على ظهرها)(ما أوحى) : جبريل وفيه تفخيم للموحي به أو الله إليه – وقيل الضمائر كلها لله تعالى وهو المعني ب( شديد القوى ) كما في قوله {هو الرزاق ذو القوة المتين} ودنوه منه برفع مكانته و (تدليه) جذبه بشراشره إلى جناب القدس . وفي تفسير إبراهيم  ( علمه شديد القوى) يعني الله عز وجل ة(ذو مرة فاستوى) يعني رسول الله صلى الله عليه وآله .

وعن الامام الرضا(عليه السلام) قال: ما بعث الله نبيا ” إلا صاحب مرة سوداء صافية. وقوله : ( وهو بالأفق الأعلى) يعني رسول الله صلى الله عليه وآله (ثم دنا) يعني رسول الله صلى الله عليه وآله من ربه عز وجل (فتدلى) قال إنما نزلت ( ” ثم دنى فتدانى فكان قاب قوسين أو أدنى ” ) قال :  كان من الله كما بين مقبض القوس إلى رأس السية (ماعطف من طرفها)  ( أو أدنى) أي من نعمته ورحمته قال بل أدنى من ذلك . , وعن أبي عبد الله عليه السلام أما قوله ( آمن  الرسول بما أنزل الله إليه من ربه والمؤمنون) أن هذه الآية مشافهة الله لنبيه لما أسرى به إلى السماء وقال النبي (صلى الله عليه وآله) انتهيت إلى سدرة المنتهى وإذا الورقة منها تظل أمة من الأمم فكنت من ربي كقاب قوسين أو أدنى كما حكى الله . , وقال ابو عبد الله عليه السلام : أول من سبق من الرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وذلك أنه كان أقرب الخلق إلى الله وكان بالمكان الذي قال له جبريل لما أسرى به إلى السماء تقدم يامحمد فقد وطئت موطئاً لم يطأه ملك مقرب ولا نبي مرسل ولولا ان روحه ونفسه كات من ذلك المكان لما قدر أن يبلغه وكان من الله عز وجل كما قال الله تعالى ر فكان قاب قوسين أو أدنى}  أي بل أدنى   -كنز الدقائق  ققمي المشهدي – ج 12 ص475-477 ]

[ وعن الصادق (عليه السلام)  أول من سبق من الرسل إلى بلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وذلك أنه أقرب الخلق إلى الله وكان بالمكان الذي قال له جبرئيل لما أسري به إلى السماء تقدم يا محمد فقد وطأت موطأ لم يطأه ملك مقرب ولا نبي مرسل ولولا أن روحه ونفسه كانت من ذلك المكان لما قدر أن يبلغه وكان من الله عز وجل كما قال قاب قوسين أو أدنى أي بل أدنى.

وفي العلل عن السجاد (عليه السلام) أنه سئل عن الله عز وجل هل يوصف بمكان فقال تعالى الله عن ذلك قيل فلم أسري بنبيه محمد (صلى الله عليه وآله) إلى السماء قال ليريه ملكوت السماوات وما فيها من عجائب صنعه وبدائع خلقه قيل فقول الله عز وجل ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى قال ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله)  دنا من حجب النور فرأى ملكوت السماوات ثم تدلى فنظر من تحته إلى ملكوت الأرض حتى ظن أنه في القرب من الأرض كقاب قوسين أو أدنى.وعنه (عليه السلام) فلما أسري بالنبي (صلى الله عليه وآله)  وكان من ربه كقاب قوسين أو أدنى رفع له حجاب من حجبه…- ج ٥ – الصفحة ٨٦ ]

[ عَنْ ثَابِتِ بْنِ دِينَارٍ،قَالَ: سَأَلْتُ زَيْنَ الْعَابِدِينَ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ(عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ)عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ هَلْ يُوصَفُ بِمَكَانٍ؟فَقَالَ:«لاَ،تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ».قُلْتُ:فَلِمَ أَسْرَى بِنَبِيِّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)إِلَى السَّمَاءِ؟قَالَ:«لِيُرِيَهُ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَ مَا فِيهَا مِنْ عَجَائِبِ صُنْعِهِ وَ بَدَائِعِ خَلْقِهِ».قُلْتُ:فَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ:  (ثُمَّ دَنٰا فَتَدَلّٰى فَكٰانَ قٰابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنىٰ)  ؟قَالَ:«ذَاكَ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)دَنَا مِنْ حُجُبِ النُّورِ فَرَأَى مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ،ثُمَّ تَدَلَّى(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)فَنَظَرَ مِنْ تَحْتِهِ إِلَى مَلَكُوتِ الْأَرْضِ حَتَّى ظَنَّ أَنَّهُ فِي الْقُرْبِ مِنَ الْأَرْضِ كَقَابِ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى». – تفسير البرهان ج3 ص 488 ] .

وفي تفسير ابن كثير :

[( وهو بالأفق الأعلى ) يعني جبريل ، استوى في الأفق الأعلى . قاله عكرمة وغير واحد . قال عكرمة : والأفق الأعلى : الذي يأتي منه الصبح . وقال مجاهد : هو مطلع الشمس . وقال قتادة : هو الذي يأتي منه النهار . وكذا قال ابن زيد ، وغيرهم . وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا مصرف بن عمرو اليامي أبو القاسم ، حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن طلحة بن مصرف ، حدثني أبي ، عن الوليد – هو ابن قيس – عن إسحاق بن أبي الكهتلة أظنه ذكره عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لم ير جبريل في صورته إلا مرتين ، أما واحدة فإنه سأله أن يراه في صورته فسد الأفق . وأما الثانية فإنه كان معه حيث صعد ، فذلك قوله : ( وهو بالأفق الأعلى ) . وقد قال ابن جرير هاهنا قولا لم أره لغيره ، ولا حكاه هو عن أحد وحاصله : أنه ذهب إلى أن المعنى : ( فاستوى ) أي : هذا الشديد القوى ذو المرة هو ومحمد صلى الله عليهما وسلم ( بالأفق الأعلى ) أي : استويا جميعا بالأفق ، وذلك ليلة الإسراء كذا قال ، ولم يوافقه أحد على ذلك  ….- تفسير القرآن العظيم ابن كثير ] .

 وورد في تفسير الدر المنثور :

[ أخرج البيهقي في الأسماء والصفات وضعفه من طريق عكرمة عن ابن عباس أنه سئل هل رأى محمد ربه؟ قال: نعم رآه كأنّ قدميه على خضرة دونه ستر من لؤلؤ، فقلت: يا أبا عباس أليس يقول الله: لا تدركه الأبصار؟ قال: لا أم لك ذاك نوره الذي هو نوره إذا تجلى بنوره لا يدركه شيء .

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي ” عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: قالوا يا رسول الله هل رأيت ربك؟ قال: لم أره بعيني ورأيته بفؤادي مرتين ثم تلا { ثم دنا فتدلى } “.

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال: ” سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك؟ قال: رأيت نهراً، ورأيت وراء النهر حجاباً، ورأيت الحجاب نوراً لم أره غير ذلك “.

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي العالية في قوله { ما كذب الفؤاد ما رأى } قال: محمد رآه بفؤاده ولم يره بعينيه.وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي صالح في قوله { ما كذب الفؤاد ما رأى } قال: رآه مرتين بفؤاده.وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير قال: ما أزعم أنه رآه وما أزعم أنه لم يره.
وأخرج مسلم والترمذي وابن مردويه عن أبي ذر قال: ” سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ” هل رأيت ربك؟ فقال: نوراني أراه ” “.وأخرج مسلم وابن مردويه عن أبي ذر ” أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك؟ فقال: رأيت نوراً “.وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي ذر قال: رآه بقلبه ولم يره بعينيه.وأخرج النسائي عن أبي ذر قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه بقلبه ولم يره ببصره.
وأخرج مسلم والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة في قوله { ولقد رآه نزلة أخرى } قال: رأى جبريل عليه السلام.وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم قال: رأى جبريل في صورته.وأخرج عبد بن حميد عن مرة الهمداني قال: لم يأته جبريل في صورته إلا مرتين فرآه في خضر يتعلق به الدر.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله { ولقد رآه نزلة أخرى } قال: رأى نوراً عظيماً عند سدرة المنتهى.- الدر المنثور ]

ورد في تفسير البرهان  :

[  علي بن إبراهيم: ثم قال: { عَلَّمَهُ شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ } ، ثم أذن له فرقى في السماء، فقال: { ذُو مِرَّةٍ فَٱسْتَوَىٰ * وَهُوَ بِٱلأُفُقِ ٱلأَعْلَىٰ * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ } ، كان بين لفظه و بين سماع رسول الله كما بين وتر القوس و عودها: { فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَآ أَوْحَىٰ } ، فسئل رسول الله (صلى الله عليه و آله) عن ذلك الوحي، فقال : “أوحي إلي أن عليا سيد الوصيين، و إمام المتقين، و قائد الغر المحجلين، و أول خليفة يستخلفه خاتم النبيين، فدخل القوم في الكلام، فقالوا له: أمن الله و من رسوله؟ فقال الله جل ذكره لرسوله (صلى الله عليه و آله): قل لهم: { مَا كَذَبَ ٱلْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ } ، ثم رد عليهم، فقال: { أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ } ، ثم قال لهم رسول الله (صلى الله عليه و آله): “قد أمرت فيه بغير هذا، أمرت ان أنصبه للناس، و أقول لهم: هذا وليكم من بعدي، و هو بمنزلة السفينة يوم الغرق، من دخل فيها، نجا، و من خرج عنها غرق”. – البرهان للسيد هاشم البحراني ] .

التفسير :

(وهو)

ورد هذا اللفظ على الخالق عز وجل في أكثر آيات القرآن الكريم حيث قال تعالى :

{ وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون  – الأنعام 3 } { وهو يطعم ولا يطعم – الأنعام 14 } { وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير – الأنعام 18 } { إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين  -الأنعام 57}

{ وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون – الأنعام 60 }

{ ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين – الأنعام62 }

{ وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل – الأنعام 66}

{ وأن أقيموا الصلاة واتقوه وهو الذي إليه تحشرون –الأنعام 72}

{ وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق ويوم يقول كن فيكون قوله الحق وله الملك يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير – الأنعام 73 }

{ وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون –ألأنعام 97 }

{ وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون – الأنعام 98 }

{ وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون – الأنعام 99}

{ ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل – الأنعام 102}

{ أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين – الأنعام 114}

{ وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين الأنعام 141 }

{ وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم – الأنعام 165}

{ وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون – الأعراف 57 }

{ وهو رب العرش العظيم – التوبة 129}

{ وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين – هود 7 }

{ وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون – الرعد 3 }

{ ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال – الرعد 13 }

{ قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار –الرعد 16}

{ وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون – النحل 14 }

{ وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون – الأنبياء 33}

{ وهو الذي أحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم إن الإنسان لكفور – الحج 66 }

{ وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون – المؤمنون 78}

{ وهو خير الرازقين – المؤمنون 72 }

{ وهو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون – المؤمنون 79 }

{ الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير – الروم 54 }

{ خالدين فيها وعد الله حقا وهو العزيز الحكيم – لقمان 9}

{ وهو الذي يحيي ويميت وله اختلاف الليل والنهار أفلا تعقلون – المؤمنون 80 }

{ وهو الذي جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا – الفرقان 47}

{ وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماء طهورا – الفرقان 48 }

{ وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا – الفرقان 53 }

{ وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا – الفرقان 62 }

{ وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم –الروم 27 }

{ وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون – الشورى  25 }

{ وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد – الشورى 28}

{ وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله وهو الحكيم العليم – الزخرف 84 }

{ وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيرا – الفتح 24 }

{ الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير – سبأ 1 }

{ يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور –سبأ 2 }

{ ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير  -سبأ 23 }

{ قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم – سبأ 26}

{ وهو على كل شيء شهيد – سبأ 74} { وهو الخلاق العليم – يس 81 }

{ وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير – الحديد 4 }

{ هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم – الحديد 3 }

{ يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وهو عليم بذات الصدور – الحديد 6}

وقال تعالى { وهو على كل شيئ قدير – المائدة 120 } وقال تعالى {  وهو بكل شيء عليم – البقرة 29 } وقال تعالى { وهو العلي العظيم – البقرة 255} { بل الله مولاكم وهو خير الناصرين  – آل عمران 150 } { وهو السميع العليم – البقرة 137} {  قل أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون – البقرة 139}

وبالتالي هنا لم يرد لفظ هو إلا على الخالق عز وجل بما يؤكد أن الدنو و هو بالأفق الأعلى المقصود منه الله تعالى

وأما عن ورود هذا اللفظ على بشر في قوله تعالى { وهو ألد الخصام – البقرة 204}  وهو مالا يدخل في بيان الآية وذلك لأننا نبحث في كتاب الله عن اللفظ هو هل ورد على الله تبارك وتعالى أم على جبريل عليه السلام والذي لم نجد له أثر هنا بما أكد ماذكرناه من قبل .

ثم يأت هذا اللفظ على مؤمنين وعلى كافرين وعلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله والإمام علي كنسب وصهر قال تعالى فيه { وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا – الفرقان 54 } .

وبالتالي الذي في الأفق الأعلى كان رسول الله صلى الله وآله كما في الرويات وهى مكانته عند الله تبارك و تعالى قبل نزوله للدنيا وبعد رحيله عنها قال تعالى { وهو بالأفق الأعلى } .

وهنا : { وهو بالأفق الأعلى }

وأما :

(بالأفق)

ورد في المعجم الوسيط :

[ الأُفُق : النَّاحية.و الأُفُق خطٌّ دائريّ يَرى فيه المشَاهد السَّماءَ كأَنها مُلْتَقِية بالأَرض، ويبدو متعرِّجًا على اليابس، ومكونًا دائرةً كاملة على الماء .و الأُفُق مدى الاطِّلاع، يقال في المعرفة والرأْي: فلان واسع الأُفق أَو ضيق الأُفق. والجمع : آفاق.ويقال: فلان جَوَّاب آفاق.وفي التنزيل العزيز: فصلت آية 53سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفي أَنْفُسِهِم) ) .المعجم: المعجم الوسيطالأُفُقِيّالأُفُقِيّ : نسبةٌ إِلى الأُفُق.و الأُفُقِيّ من الناس: من لا ينسب إلى وطن.و الأُفُقِيّ من الخطوط: خطٌّ مستقيم يُوازي سطحَ الأَرض المسْتَوية.و الأُفُقِيّ في الصحيفة: ما يمتدُّ من اليمين إِلى اليسار ] .

وفيس معجم ألفاظ القرآن : [الأفق : الناحية من الأرض أو السماء وجمعه آفاق – معجم ألأفاظ القرآن باب الهمزة فصل الفاء والقاف ] قال تعالى {سنريهم آياتنا بالآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق – فصلت 53  } وهنا آفاق جمع أفق والمفرد  قال تعالى فيه { وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ – التكوير 23 } أي و لقد رأى محمد صلى الله عليه وآله جبريل عليه السلام الذي يأتيه بالرسالة في الأفق العظيم . وهذا الأفق المبين بالأفق الأعلى كما في الآية هنا { وهو بالأفق الأعلى } .

وأما :

(الأعلى)

وهنا ورد لفظ الأعلى على الخالق عز وجل في قوله تعالى { سبح اسم ربك الأعلى – الأعلى 1}

{ إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى – الليل 20} وقال تعالى في ماعنده تعالى أنهم الملأ الأعلى قال تعالى

{ لا يسمعون إلى الملإ الأعلى ويقذفون من كل جانب – الصافات 8 } و قال تعالى { ما كان لي من علم بالملإ الأعلى إذ يختصمون – ص 69} والإختصام في كتاب الله ورد على أهل بيت النبي وخصومهم من بني أمية في قوله تعالى { هذان خصمان اختصموا في ربهم – الحج } وقد نزلت هذه الآية [ في غزوة بدر حيث خرج عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة للبراز فخرج إليهم الإمام علي والحمزة والحارث بن عبد المطلب عليهم السلام – أسباب النزول للواحدي وللسيوطي هامش تفسير الجلالين ] وهنا إشارة للإمام علي وأهل بيت النبي بالملاء الأعلى وصحة ماورد في هذا الشأن في مرويات أهل البيت عليهم السلام

والله تبارك وتعالى له المثل الأعلى في الخلق والقوة والشدة قال تعالى { للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم – النحل 60 }

{ وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم – الروم 27 } وهذا يعني أن كل ماعدا الله تعالى أدنى منه سبحانه وتعالى ولذلك يكون معنى { وهو بالأفق الأعلى – النحم 7 } يعني الخالق عز وجل والملاء الأعلى لقوله تعالى {سبح اسم ربك الأعلى } والملاء الأعلى فيهم العليين الذي قال تعالى فيهم { كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين  وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون – المطففين  } .

وطالما سمعت المقربون فيكون أولهم أنبياء الله تعالى لقوله تعالى في نبي الله إدريس عليه السلام { ورفعناه مكاناً عليا – مريم } و أولي قربى النبي صلى الله عليه وآله الذين قال تعالى فيهم { قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى } . وهؤلاء هم الملاء الأعلى

ثم يقول تعالى :

(8) ثم دنى فتدلى (8)

وهنا :

(ثم دنى)

ودنا بمعنى اقترب ولكن هبوطاً من أعلى و : [ دنا منه ودنا اليه يدنو دنوّا : قرب ، فهو دان ، وأدنيت الستر : أرخيته ، ودانيت بين الأمرين : قاربت بينهما. ودنأ يدنؤ بالهمز ، بفتحتين ، ودنؤ يدنؤ مثل قرب يقرب ، دناءة ، فهو دنيء. وفي لغة : دنا يدنو يخفّف من غيرهم ، دناوة ، فهو دنى. ودنا : إذ لؤم فعله وخبث ، ومنهم من يفرق بينهما بجعل المهموز للّئيم والمخفّف للخسيس.- مصباح المنير ]

ودنى اقترب ولكن في هبوط وتلي لأسفل لورود هذا اللفظ في قوله تعالى : { قطوفها دانية – الحاقة 23 } أي اقتربت منهم متدلية لقوله تعالى { ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا – الإنسان 14 }

وأما :

(فتدلى)

و [ تدلَّى / تدلَّى على يتدَلَّى ، تَدَلَّ ، تدَلّيًا ، فهو مُتَدَلٍّ ، والمفعول مُتدلًّى عليه تَدَلَّى مِنَ الحَبْلِ إِلَى قَعْرِ البِئْرِ : نَزَلَ مِنْهُ تَدَلَّتْ عَنَاقِيدُ العِنَبِ مِنَ الكَرْمِ : تَعَلَّقَتْ وتَدَلَّى قُرْصُ الشَّمْسِ فِي السَّمَاءِ (م حسين هيكل) مِنْ أَيْنَ تَدَلَّيْتَ عَلَيْنَا : أَطْلَلْتَ، طَلَعْتَ، أَتَيْتَ تَدَلَّى مِنَ الشَّرْقِ تَدَلَّى فِي الهَاوِيَةِ : هَبَطَ فِيهَا تَدَلَّى باِلشَّرِّ : اِنْحَطَّ بِهِ تَدَلَّى مِنَ الجَبَلِ : أَتَى مِنْهُ ] . و[ تدلى : انحط إلى أسفل : معجم ألفاظ القرآن باب الدال فصل اللام والواو ] قال تعالى { جاءات سيارة فأرسلوا واردهم  فأدلى دلوه – يوسف 19 }

ولأنه قال تعالى عن آدم عليه السلام وإبليس { فَدَلاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ – الأعراف 22 } ودلاهما هنا أي أنزلهما من جنة اللمأوى وبالتالي كان رسوله الله صلى الله عليه وآله عند سدرة المنتهى ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى .

وفي الحديث [.. عن ثابت ابن دينار، قال: سألت زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، عن الله جل جلاله، هل يوصف بمكان؟ فقال: “تعالى الله عن ذلك”.قلت: لم أسرى بنبيه (صلى الله عليه و آله) إلى السماء؟ قال: “ليريه ملكوت السماوات و ما فيها من عجائب صنعه و بدائع خلقه”.قلت: فقول الله عز و جل: { ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ }؟ قال: “ذاك رسول الله (صلى الله عليه و آله)، دنا من حجب النور، فرأى ملكوت السماوات، ثم تدلى (صلى الله عليه و آله) فنظر من تحته إلى ملكوت الأرض، حتى ظن أنه في القرب من الأرض كقاب قوسين أو أدنى”. –تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني ] .

ثم يقول تعالى :

(9) فكان قاب قوسين أو أدنى (9)

وهنا :

(فكان)

ورد هذا اللفظ في قوله تعالى { وفتحت السماء فكانت أبوابا – النبأ 19 }

أي أن رسول الله صلى الله عليه وآله فتحت له أبواب السماء السبعة حتى أصبح قاب قوسين أو أدنى قال تعالى هنا {ثم دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى }

وأما :

(قاب)

وهذا اللفظ مما ليس له مراف [ والقاب : المقدار وقاب القوس مابين مقبضه وطرفه وللقوس قابان وقيل للمعنى قاباً من كل قوس فيكونان قابين أي أن ( قاب قوسين ) يساوي قابي قوس – معجم ألفاظ القرآن باب القاف فصل الواو والباء ] قال تعالى { ثم دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى } . أي مقدار قوسين في المسافة .

وأما :

(قوسين)

[قَوس: (اسم) الجمع : أَقواس ، و قِسيّ القَوْسُ : آلة على هيئة هِلال تُرمى بها السِّهامُ رمَوا أَعداءهم عن قوس واحدة: كانوا مُتّفقين – رَمَاهُ بِالقَوْسِ : آلَةٌ حَرْبِيَّةٌ قَدِيمَةٌ نِصْفُ دَائِرِيَّةٍ، مَشْدُودَةٌ مِنْ طَرَفَيْهَا بِحَبْلٍ مَطَّاطٍ، تُرْمَى بِهَا السِّهَامُ وَتُضَافُ إِلَى مَا يُخَصِّصُهَا فَيُقَالُ: قَوْسُ نَبْلٍ، قَوْسُ قُزَحٍ، قَوْسُ كَمَنْجَةٍ ] . قال تعالى { فكان قاب قوسين أو أدنى }

وأما :

(أوأدنى)

[أَدْنَى : (فعل)أدنى يُدني ، أَدْنِ ، إدناءً ، فهو مُدْنٍ ، والمفعول مُدْنًىأَدْنَى الشيءُ: قرُبأدنى الشَّيءَ: قرَّبه إليه أدنى المصباحَ،أَدْنَى السِّتْرَ: أَرْخَاهُأَدْنَتِ الْحَامِلُ : قَرُبَ وَقْتُ وَضْعِهَاأدنى الثَّوْبَ: أرخاه وأطالهأدنى الحاكمُ مجلسَ فلانٍ: رحَّب به وكرَّمهأدنى فلانًا من نفسه: قرَّبه وأسرَّ إليه ] قال تعالى { ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى } والدنو هنا من الخالق عز وجل دلالة على المكانة العالة والقرب قال تعالى في آية المناجاة {  ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم – المجادلة 7} وهنا في هذه الآية دلالة على مناجاة دارت بين النبي صلى الله عليه وآله وخالقه كما هو وارد في بعض الروايات :

ورد أن [ الصادق الأمين محمد صلى الله عليه وآله أخبر بهم عند الله مشافهة عند نداء الله عز وجل في ليه معراجه إلى السماوات السبع وقد صار من ربه كقاب قوسين أو أدنى وسماهم له واحدا بعد واحد  صلوات الله عليهم – بحار الأنوار ج53 ] .

ثم يقول تعالى :

(10) فأوحى إلى عبده ما أوحى (10)

وهنا :

(فأوحى إلى عبده ما أوحى)

الوحي صلة بين الخالق والمخلوقين لإيصال أوامره تعالى ورسالته للناس

يعدُّ الوحي بأنواعه الطريقة التي يتمُّ من خلالها إيصال أوامر الله تعالى وشرعه إلى أنبيائه لإيصالها إلى خلقه، وله معنىً لغويٌّ وآخر اصطلاحيٌّ وثالثٌ شرعيٌ

المعنى اللغوي للوحي تجتمع معاني الوحي في اللغة على : الأمر السَّريع أو إلقاء العلم في إخفاء أو الإشارة أو الإلهام، والكلام الخفيٌّ، وكلُّ ما ألقيته على غيرك،  فالوحي في الُّلغة يشمل الكلام الخفيَّ وسريعَ، أو الكلام الذي فيه إشارةٌ خفيةٌ يلقيها على الغير  ويشمل حتى الكلام من الشَّياطين إلى أوليائهم من الإنس لقوله تعالى { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا – الأنعام 112} وقال تعالى { وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ – الأنعام } .

والوحي من الله تبارك وتعالى إلى رسله يتم بثلاث طرق قال تعالى فيها : { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ  وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم  – الشورى 51-52 } .

وهذا الوحي أوحاه الله تعالى لأنبيائه من قبل كما في قوله تعالى { إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داوود زبورا – النساء 163}

والوحي كان للنبي صلى الله عليه وآله قرآنا عربيا قال تعالى فيه { وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير – الشورى 7}  وهذا الوحى نزل له الروح الأمين بوحي من الله تعالى في قوله تعالى { نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين – الشعراء 193-194 } ومن هذا الوحي الحنيفية الإبراهيمية التي قال تعالى فيها { ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين – النحل 123 } وهذه الحنيفية الميل عن الشرك والوصية التي قال تعالى فيها { شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب – الشورى  13 } وهنا تعجب المشركون من دعوة توحيد الله نبذ الأوثان الحجرية والأصنام البشرية وتعحبوا أكثر وازداد حنقهم لما علموا باستخلاف الإمام على وصياً له وخليفة خاصة بعدما نزل في أول الدعوة قوله تعالى { وانذر عشيرتك الأقربين } وهنا استخلف رسول الله صلى الله عليه وآله الإمام علي أمام كل بني هاشم وبنو عبد المطلب ولذلك بين تعالى تعجب قريش في قوله تعالى { أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم قال الكافرون إن هذا لساحر مبين – يونس 2 } ولذلك يبين تعالى محاولاتهم صرف رسول الله صلى الله عليه وآله رسول الله صلى الله عليه وىله عن دعوته وخلافة الإمام وعلي ووصيته بأمر من الله تعالى لذلك قال تعالى { وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلا – الإسراء 73 }.

وهنا يبين تعالى أن النوع الثالث من الوحي كان في قوله تعالى : { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ  وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم  – الشورى 51-52 } . وهذا الوحي هنا على ما ذكرناه من قبل كان استخلاف الإمام علي والأئمة من أهل بيته بناءاً على ما فصلته الآيات من قبل ولذلك تصح أحاديث أشارت إلى ذلك .

أورد علي بن إبراهيم في تفسير القمي : [ .. ثم قال: { عَلَّمَهُ شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ } ، ثم أذن له فرقى في السماء، فقال: { ذُو مِرَّةٍ فَٱسْتَوَىٰ وَهُوَ بِٱلأُفُقِ ٱلأَعْلَىٰ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ } ، كان بين لفظه و بين سماع رسول الله كما بين وتر القوس و عودها: { فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَآ أَوْحَىٰ } ، فسئل رسول الله (صلى الله عليه و آله) عن ذلك الوحي، فقال: “أوحي إلي أن عليا سيد الوصيين، و إمام المتقين، و قائد الغر المحجلين، و أول خليفة يستخلفه خاتم النبيين، فدخل القوم في الكلام، فقالوا له: أمن الله و من رسوله؟ فقال الله جل ذكره لرسوله (صلى الله عليه و آله) : قل لهم: { مَا كَذَبَ ٱلْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ } ، ثم رد عليهم، فقال: { أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ } ، ثم قال لهم رسول الله (صلى الله عليه و آله): “قد أمرت فيه بغير هذا، أمرت ان أنصبه للناس، و أقول لهم: هذا وليكم من بعدي، و هو بمنزلة السفينة يوم الغرق، من دخل فيها، نجا، و من خرج عنها غرق”.  ثم قال: { وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ } ، يقول: رأيت الوحي مرة أخرى: { عِندَ سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ } ، التي يتحدث تحتها الشيعة في الجنان، ثم قال الله عز و جل: { إِذْ يَغْشَىٰ ٱلسِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ } يقول: إذ يغشى السدرة ما يغشى من حجب النور: { مَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ } ، يقول: ما عمي البصر عن تلك الحجب { وَمَا طَغَىٰ } يقول: و ما طغى القلب بزيادة فيما أوحي إليه، و لا نقصان: { لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ ٱلْكُبْرَىٰ } يقول: لقد سمع كلاما لو أنه قوي ما قوي.- تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني ] .

ومما أوحاه الله تبارك وتعالى في هذا الموضع الصلوات الخمس كما في الحديث  : [ عن ابن مسعود قال: لما أسريَ برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى به إلى سدرة المنتهى وهي في السماء السادسة إليها ينتهي ما يعرج من الأرواح فيقبض منها وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها { إذ يغشى السدرة ما يغشى } قال: فراش من ذهب قال: وأعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً: أعطي الصلوات الخمس، وأعطي خواتيم سورة البقرة، وغفر لمن لا يشرك بالله شيئاً من أمته المقحمات. – مسلم والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في الدلائل – الدر المنثور للسيوطي ] .

وهذا هو ما أوحاه تبارك وتعالى لنبيه في قوله تعالى هنا { فأوحى إلى عبده ما أوحى }

وأما :

(إلى عبده)

وعبده هنا هو النبي صلى الله عليه وآله وما أوحاه إليه تبارك وتعالى في قوله عز وجل { الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا – الكهف 1 }

وهذا الوحي آيات بينات ليخرج الناس من الظلمات إلى النور قال تعالى { هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور وإن الله بكم لرءوف رحيم – النور 9 } وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعاليم نذيرا قال تعالى { سورةالفرقان – تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا – الفرقان 1 } وما دام هو المنذر صلى الله عليه وآله فقد جعل الله تعالى بعده هادياً مهدياً منأهل بيت النبي أولهم الإمام علي عليه السلام لما نزل فيه من قوله تعالى { إنما أنت منذر ولكل قوم هاد – }

وهذا الأمر بإمامته عليه السلام نزل من السماء قطعاً وليس مصادفة بأن يذكر الله تعالى لفظ عبده في  آية الإسراء وهذا دليل على دقة القرآن الكريم حيث قال تعالى {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير – الإسراء 1} . ويؤكد القرآن الكريم بعد ذلك أنهم لما علموا ذلك من النبي صلى الله عليه وآله كادوا يقتلونه من شدة البغض قال تعالى { وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا –الجن } . وذلك لأنه عز وجل { فأوحى إلى عبده ما أوحى } .

ثم يقول تعالى :

(11) ماكذب الفؤاد ما رأي (11)

وهنا :

(ماكَذَبَ)

ورد هذا اللفظ هنا كَذَبَ لم يرد إلا في موضعين هنا والثاني في قوله تعالى { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ – الزمر 32 } أي أن رسول الله صلى الله علي وآله ما كذب على الله تبارك وتعالى كما في قوله تعالى هنا {ما كَذَبَ الفؤاد ما رأي } .

وأما :

(الفؤاد)

[ وفأد اللحم : شواه فهو فئيد وقالوا منه الفؤاد لحرارته والتفؤد : التوقد – معجم ألفاظ القرآن باب الفاء فصل الهموة والدال ]

والفؤاد على ذلك طاقة الخفية المحركة للقلب ولذلك يطلق على الفؤاد القلب مجازاً  ولم يعرفوا الفرق بينهما

والفؤاد على ذلك هو القلب فعلا ولكن للجسد العلوي المخلوق من طين وكان يعيش به نبي الله آدم وكل بني آدم في جنة عدن قبل أن يأكل نبي الله آدم من الشجرة وزوجه عليهما السلام  وهنا برزت السوءة التي قال تعالى فيها {فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين – الأعراف 22 } وقال تعالى أيضاً { يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون – الأعراف 27 } .

وبالتالي أجسادنا في الدنيا التي نعيش بها بعد أن تخرج من بطون الأمهات من أصل نطفتي الذكر والأثى  هى السوءة والسوءة هى كل الجسد لقوله تعالى في الغراب الذي ابتعثه الله تعالى ليعلم ابن آدم كيف يواريه الثرى و يعلمه كيفية دفن الموتى { فبعث الله غراباً يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه  – المائدة } وبالتالي القلب للجسد الطيني الذي يخلق من نطفة الذكر والأنثى و هو السوءة والفؤاد وهو القلب للنفس المحركة لهذا الجسد والمتوارية بداخله وتنفصل عنه بموته .قال تعالى في بيان أن الفؤاد خلق مع أول خلق لنبي الله آدم وذريته ولم يقل القلب { الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۖ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ ۖ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ  – السجدة 7-9 } ومع النشأة الأولى يخلق الله تعالى فيها الأفئدة قال تعالى {  قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون – الملك 23 }

وهنا الفؤاد كان قد ركبه الله تبارك وتعالى ضمن الجسد الطيني العلوي في جنة عدن وخلف هذا الجسد يتوارى سوءة نجح إبليس في إبرازها فيتوارى الفؤاد بداخل القلب عندمايخرج ابن آدم من بطن أمه  ا فيصبح جسده حائلاً دون رؤية عالم الجن و الملائكة والملأ الأعلى وكل غيب يكون هذا الجسد مانعاً للرؤية لطبيعة خلقته وما يحويه من غائط وبول وتعرق  وكثافة جسدية تمنع من رؤية المغيبات حولها وبالتالي لا تصلح هذه الأجساد لرؤية الملاء الأعلى وعالم الغيب من الجن والملائكة  كما بينا

ومن هنا نقول بأن إسراء النبي وعروجه كان بجسده الطيني المخلوق من طينة الجنة  وا وضعه الله تعالى فيه من فؤاد يرى رؤية روحية علوية عينية رأى بها حقائق منعه جسده من رؤيتها التي اختصها الله تعالى بنوعين من الوحي وهو إرسال الرسول والوحي في قوله تعالى { وماكان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً او من وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء – السورة 51 } وهنا النوع الثالث من الرؤية للنور الإلهي وهذه الأجساد لا تصلح لهذه المهمة وما كذب رسول الله صلى الله عيه وآله فيما أبلغهم به أنه صعد للسماء بجسده ليرى من آيات ربه تبارك وتعالى { ما كذب الفؤاد ما رأى } . ورؤية الفؤاد ليست بالنظر ولكنها بالبصر ومنه البصيرة التي قال تعالى فيها مبيناً أنها بداخل النفس الإنسانية في قوله تعالى { بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره – القيامة 14-15}  وهذه البصيرة لا تعمى عن رؤية الحقائق كما خلقها اللهى على حسب الطينة التي خلقت من تعالى لذلك يقول تعالى { إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور } ولم يقل تعمى الأفئدة فهى تعمل حسب الطينة التي خلقت منها فتدفع القلب للحركة وعقد القرار والتوجه  وتعقله نحو الكفر أو الإيمان لذلك يبين تعالى أن العقل في القلب قال تعالى { أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور- الحج 46 } وحسب طينة الإنسان يكون طاقته المحركة لقلبة كي ينبض ويتحرك كل الجسد من خلفه أي أن المحرك للقلب هو الفؤاد  وهو بداخل الجسد الإنساني الطيني العلوي الموجود بداخل سوءة ابن آدم وهو جسده الذي ولد به من بطن أمه فإذا مات وانفصل جسده عن سوءته كان إلى الجنة بجسده الذي خلقه عز وجل من طين فيدخل به جنة عدن أو يعود إلى جهنم التي خلق منها لقوله تعالى في أهل النار { ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم – الصافات 68 }

وبالتالي الفؤاد فارغ إما يوجه نحو الإيمان بالله لطيب طينته أو إلى النار لخبث طينته الأرضية من جهنم وآخرين أفئدتهم فارغة هواء من الخير والشر يعملون حسب أهوائهم وهؤلاء خلطوا عملا صالحاً وآخر سيئا فهى فارغة من الأعمال قال تعالى فيهم  { وأفئدتهم هواء – إبراهيم 43}

و رؤية الفؤاد رؤية النفس الإنسانية بفؤادها الذي أودعه الله تعالى فيها في عالم الذر و هذه الرؤية لا تخطئ والجسد الذي نعيش به في الدنيا وهو السوءة لا يصلح لعيش الجنة وحياة الملاء الأعلى ولذلك نبي الله موسى عليه السلام لما طلب الرؤية بين تعالى أن جسده سيمنعه من ذلك قال تعالى { ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين – الأعراف } وهنا صعق نبي الله موسى عليه السلام أي أن جسده مات صعقاً بنص الآية وخرجت نفسه ورأى بفؤاده وبصيرته وفؤاده ووعاه قلبه ليعمل جسده في الأرض بما أمر الله عز وجل وما كان خروج نفسه من جسده إلا لينتقل إلى حياة أخرى و وليرى ويعلم ما وراء الغيب ليرى عظمة الخالق بنفسه وروحه وليس هذه السوءة التي هى في الدنيا تكون حائلاً دون رؤية عالم الغيب من جن وملائكة وجنة ونار وملاء أعلى وما هو وراء العالم وما بعد الموت . وهذا نفس ما حدث للنبي صلى الله عليه وآله كما فصلنا وبنص الحديث وسنورده فيما بعد [ … وظننت أن جميع الخلق قد ماتوا، ولم أر غيري أحدا من خلقه، فتركني ما شاء ثم رد علي روحي فأفقت، وكان توفيقا من ربي أن غمضت عيني، فكل بصري، فجعلت أبصر بقلبي كما أبصر بعيني بل أبعد وأبلغ، فذلك قوله تعالى: ” ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى – لبرهان للسيد هاشم البحراني ج4 ص 250-251 ] .]

ولما قال تعالى في أم موسى عليه السلام { وأصبح فؤاد أم موسى فارغا – القصص 10 } بما يعني أنها تحبه بالجسد والنفس والروح معاً وكأنه خرجت منها نفسها أو قطعة قطعت من جسدها قد فقدتها .

وإيمان الفؤاد إيمان النفس وتصديقها من داخلها أي بما وراء الجسد لذلك قال تعالى{والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون – النحل 78}

{ وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا – الإسراء 36 } . وهذه الأفئدة منها الكافرة المنافقة التي خلقت من طينة النار ووضعها الله تبارك وتعالى في أنفس السوء  قال تعالى فيهم { ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون – الأنعام 113 } وهؤلاء ما أغنت عنهم أفئدتهم لأنهم خلقوا من طينة جهنم كما بينا قال تعالى فيهم { ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون – الأحقاف 26 }

ومنهم المؤمنون الذين خلقت أنفسهم من طينة الجنة حتى أصبحت أفئدتهم مرتبطة روحياً وجسدياً في الصوات الخمس والحج والعمرة ببيت الله الحرام لذلك قال تعالى { ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون – إبراهيم 37 }  ويقول تعالى في رسوله صلى الله عليه وآله أنه عز وجل قص عليه قصص الأمم من قبل ليثبت بها فؤاده أي حتى تثبت نفسه من داخلها وجسده وروحه { وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين – هود 120 } .

 وفي الحديث ما يؤكد المعنى السابق بالضبط ذكره النبي صلى الله عليه وآله في روايات أهل البيت عليهم السلام :

[ روى محمد بن العباس، عن محمد بن همام، عن عيسى بن داود، بإسناده يرفعه إلى أبي الحسن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن جده علي عليهم السلام في قوله عز وجل ” إذ يغشى السدرة ما يغشى  ” قال: النبي صلى الله عليه وآله لما أسري به إلى ربه قال: وقف بي جبرئيل عند شجرة عظيمة لم أر مثلها، على كل غصن منها ملك، وعلى كل ورقة منها ملك، وعلى كل ثمرة منها ملك، وقد تجللها نور من نور الله تعالى، فقال جبرئيل: هذه سدرة المنتهى، كان ينتهي الأنبياء قبلك إليها، ثم لا يجاوزونها ، وأنت تجوزها إن شاء الله، ليريك من آياته الكبرى، فاطمئن أيدك الله بالثبات حتى تستكمل كرامات ربك، وتصير إلى جواره، ثم صعد بي إلى تحت العرش، فدنا إلي رفرف أخضر، فرفعني الرفرف بإذن الله إلى ربي، فصرت عنده، وانقطع عني أصوات الملائكة ودويهم، و ذهبت المخاوف والروعات، وهدأت نفسي واستبشرت، وجعلت أنتبه وأنقبض  ، و وقع علي السرور والاستبشار، وظننت أن جميع الخلق قد ماتوا، ولم أر غيري أحدا من خلقه، فتركني ما شاء ثم رد علي روحي فأفقت، وكان توفيقا من ربي أن غمضت عيني، فكل بصري، فجعلت أبصر بقلبي كما أبصر بعيني بل أبعد وأبلغ، فذلك قوله تعالى: ” ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى ” وإنما كنت أبصر من خيط الإبرة نورا بيني وبين ربي، لا تطيقه الابصار، فناداني ربي فقال الله تبارك وتعالى: يا محمد، قلت: لبيك ربي وسيدي وإلهي لبيك، قال: هل عرفت قدرك عندي؟ وموضعك ومنزلتك لدي؟ قلت: نعم يا سيدي، قال: يا محمد هل عرفت موقعك مني وموقع ذريتك؟ قلت: نعم يا سيدي، قال: فهل تعلم يا محمد فيم اختصم الملأ الأعلى ؟ قلت: يا رب أنت أعلم وأحكم وأنت علام الغيوب، قال: اختصموا في الدرجات والحسنات فهل تدري ما الدرجات والحسنات؟ قلت: أنت أعلم يا سيدي وأحكم، قال:إسباغ الوضوء في المفروضات   والمشي بالاقدام إلى الجماعات، معك ومع الأئمة من ولدك، وانتظار الصلاة بعد الصلاة وإفشاء السلام، وإطعام الطعام، والتهجد بالليل و الناس نيام.
ثم قال: ” آمن الرسول بما انزل إليه من ربه ” قلت: ” والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير ” قال: صدقت يا محمد ” لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ” فقلت: ” ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا و ارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين ” قال: ذلك لك يا محمد ولذريتك، يا محمد، قلت: لبيك ربي وسعديك سيدي وإلهي، قال: أسألك عما أنا أعلم به منك: من خلفت في الأرض بعدك؟ قلت، خير أهلها أخي وابن عمي وناصر دينك والغاضب لمحارمك إذا استحلت وهتكت غضب النمر إذا اغضب: علي بن أبي طالب، قال: صدقت يا محمد اصطفيتك بالنبوة، وبعثتك بالرسالة، وامتحنت عليا بالشهادة على أمتك، وجعلته حجة في الأرض معك وبعدك، وهو نور أوليائي، وولي من أطاعني، وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين يا محمد وزوجته فاطمة، فإنه وصيك ووارثك ووزيرك، وغاسل عورتك، وناصر دينك، والمقتول على سنتي وسنتك، يقتله شقي هذه الأمة.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ثم إن ربي أمرني بأمور وأشياء، وأمرني أن أكتمها، ولم يؤذن لي في إخبار أصحابي، ثم هوى بي الرفرف فإذا أنا بجبرئيل يتناولني منه حتى صرت إلى سدرة المنتهى، فوقف بي تحتها، ثم أدخلني جنة المأوى، فرأيت مسكني و مسكنك يا علي فيها، فبينما جبرئيل يكلمني إذ علاني نور الله، فنظرت من مثل مخيط الإبرة إلى ما كنت نظرت إليه في المرة الأولى، فناداني ربي جل جلاله: يا محمد، قلت:
لبيك ربي وإلهي وسيدي، قال: سبقت رحمتي غضبي لك ولذريتك، أنت صفوتي من خلقي، وأنت أميني وحبيبي ورسولي، وعزتي وجلالي لو لقيني جميع خلقي يشكون فيك طرفة عين أو نقصونك أو ينقصون صفوتي من ذريتك لأدخلنهم ناري ولا أبالي، يا محمد علي أمير المؤمنين، وسيد المسلمين، وقائد الغر المحجلين إلى جنات النعيم، أبو السبطين المقتولين ظلما ، ثم فرض علي الصلاة وما أراد تبارك وتعالى، وقد كنت قريبا منه في المرة الأولى مثل ما بين كبد القوسين إلى سيته  فذلك قوله تعالى:
” قاب قوسين أو أدنى ” من ذلك – البرهان للسيد هاشم البحراني ج4 ص 250-251 ] .

وفي الحديث أيضاً :

[ قوله تعالى: «ما كذب الفؤاد ما رأى» الكذب خلاف الصدق يقال: كذب فلان في حديثه، و يقال: كذبه الحديث بالتعدي إلى مفعولين أي حدثه كذبا، و الكذب كما يطلق على القول و الحديث الذي يلفظه اللسان كذلك يطلق على خطاء القوة المدركة يقال: كذبته عينه أي أخطأت في رؤيتها.

و نفي الكذب عن الفؤاد إنما هو بهذا المعنى سواء أخذ الكذب لازما و التقدير ما كذب الفؤاد فيما رأى أو متعديا إلى مفعولين، و التقدير ما كذب الفؤاد – فؤاد النبي – النبي ما رآه أي إن رؤية فؤاده فيما رآه رؤية صادقة.

و على هذا فالمراد بالفؤاد فؤاد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و ضمير الفاعل في «ما رأى» راجع إلى الفؤاد و الرؤية رؤيته.

و لا بدع في نسبة الرؤية و هي مشاهدة العيان إلى الفؤاد فإن للإنسان نوعا من الإدراك الشهودي وراء الإدراك بإحدى الحواس الظاهرة و التخيل و التفكر بالقوى الباطنة كما إننا نشاهد من أنفسنا أننا نرى و ليست هذه المشاهدة العيانية إبصارا بالبصر و لا معلوما بفكر، و كذا نرى من أنفسنا أننا نسمع و نشم و نذوق و نلمس و نشاهد أننا نتخيل و نتفكر و ليست هذه الرؤية ببصر أو بشيء من الحواس الظاهرة أو الباطنة فإنا كما نشاهد مدركات كل واحدة من هذه القوى بنفس تلك القوة كذلك نشاهد إدراك كل منا لمدركها و ليس هذه المشاهدة بنفس تلك القوة بل بأنفسنا المعبر عنها بالفؤاد.

و ليس في الآية ما يدل على أن متعلق الرؤية هو الله سبحانه و أنه لمرئي له (صلى الله عليه وآله وسلم) بل المرئي هو الأفق الأعلى و الدنو و التدلي و أنه أوحى إليه فهذه هي المذكورة في الآيات السابقة و هي آيات له تعالى، و يؤيد ذلك ما ذكره تعالى في النزلة الأخرى من قوله: «ما زاغ البصر و ما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى».على أنها لو دلت على تعلق الرؤية به تعالى لم يكن به بأس فإنها رؤية القلب و رؤية القلب غير رؤية البصر الحسية التي تتعلق بالأجسام و يستحيل تعلقها به تعالى و قد قدمنا كلاما في رؤية القلب في تفسير سورة الأعراف الآية 143.

و ما قيل: إن ضمير «ما رأى» للنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم) و المعنى: ما قال فؤاده (صلى الله عليه وآله وسلم) لما رآه ببصره لم أعرفك و لو قال ذلك لكان كاذبا لأنه عرفه بقلبه كما رآه ببصره، و محصله أن فؤاده صدق بصره فيما رآه.

و كذا ما قيل: إن المعنى أن فؤاده لم يكذب بصره فيما رآه بل صدقه و اعتقد به، و يؤيده قراءة من قرأ «ما كذب» بتشديد الذال.

ففيه أن الذي يعطيه سياق الآيات تأييده تعالى صدق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما يدعيه من الوحي و رؤية آيات الله الكبرى، و لو كان ضمير «ما رأى» للنبي(صلى الله عليه وآله وسلم) كان محصل معنى الآية الاحتجاج على صدق رؤيته باعتقاده ذلك بفؤاده و هو بعيد من دأب القرآن و هذا بخلاف ما لو رجع ضمير «ما رأى» إلى الفؤاد فإن محصل معناه تصديقه تعالى لفؤاده فيما رآه و يجري الكلام على السياق السابق الأخذ من قوله: «ما ضل صاحبكم و ما غوى إن هو إلا وحي يوحى» إلخ.

فإن قلت: إنه تعالى يحتج في الآية التالية «أ فتمارونه على ما يرى» برؤيته (صلى الله عليه وآله وسلم)على صدقه فيما يدعيه فليكن مثله الاحتجاج باعتقاد فؤاده بما يراه بعينه.

قلت: ليس قوله: «أ فتمارونه على ما يرى» مسوقا للاحتجاج برؤيته على صدقه بل توبيخ على مماراتهم إياه (صلى الله عليه وآله وسلم) على أمر يراه و يبصره و مجادلتهم إياه فيه، و المماراة و المجادلة إنما تصح – لو صحت – في الآراء النظرية و الاعتقادات الفكرية و أما فيما يرى و يشاهد عيانا فلا معنى للمماراة و المجادلة فيه، و هو(صلى الله عليه وآله وسلم) إنما كان يخبرهم بما يشاهده عيانا لا عن فكر و تعقل.

قوله تعالى: «أفتمارونه على ما يرى» الاستفهام للتوبيخ و الخطاب للمشركين و الضمير للنبي(صلى الله عليه وآله وسلم) و المماراة الإصرار على المجادلة، و المعنى: أ فتصرون في جدالكم على النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أن يذعن بخلاف ما يدعيه و يخبركم به و هو يشاهد ذلك عيانا.

قوله تعالى: «و لقد رآه نزلة أخرى» النزلة بناء مرة من النزول فمعناه نزول واحد، و تدل الآية على أن هذه قصة رؤية في نزول آخر و الآيات السابقة تقص نزولا آخر غيره.

و قد قالوا: إن ضمير الفاعل المستكن في قوله «رآه» للنبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ، و ضمير المفعول لجبريل، و على هذا فالنزلة نزول جبريل عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) ليعرج به إلى السماوات، و قوله: «عند سدرة المنتهى» ظرف للرؤية لا للنزلة، و المراد برؤيته رؤيته و هو في صورته الأصلية.

و المعنى: أنه نزل عليه (صلى الله عليه وآله وسلم)    نزلة أخرى و عرج به إلى السماوات و تراءى له (صلى الله عليه وآله وسلم) عند سدرة المنتهى و هو في صورته الأصلية.

و قد ظهر مما تقدم صحة إرجاع ضمير المفعول إليه تعالى و المراد بالرؤية رؤية القلب و المراد بنزلة أخرى نزلة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عند سدرة المنتهى في عروجه إلى السماوات فالمفاد أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) نزل نزلة أخرى أثناء معراجه عند سدرة المنتهى فرآه بقلبه كما رآه في النزلة الأولى.

قوله تعالى: «عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى» السدر شجر معروف و التاء للوحدة و المنتهى – كأنه – اسم مكان و لعل المراد به منتهى السماوات بدليل كون الجنة عندها و الجنة في السماء، قال تعالى: «و في السماء رزقكم و ما توعدون»: الذاريات: 22.

و لا يوجد في كلامه تعالى ما يفسر هذه الشجرة، و كان البناء على الإبهام كما يؤيده قوله بعد: «إذ يغشى السدرة ما يغشى» و قد فسر في الروايات أيضا بأنها شجرة فوق السماء السابعة إليها تنتهي أعمال بني آدم و ستمر ببعض هذه الروايات.

و قوله: «عندها جنة المأوى» أي الجنة التي يأوي إليها المؤمنون و هي جنة الآخرة فإن جنة البرزخ جنة معجلة محدودة بالبعث، قال تعالى: «فلهم جنات المأوى نزلا بما كانوا يعملون»: السجدة: 19، و قوله: «فإذا جاءت الطامة الكبرى – إلى أن قال – فإن الجنة هي المأوى»: النازعات: 41 و هي في السماء على ما يدل عليه قوله تعالى: «و في السماء رزقكم و ما توعدون»: الذاريات: 22 و قيل: المراد بها جنة البرزخ.

و قوله: «إذ يغشى السدرة ما يغشى» غشيان الشيء الإحاطة به، و «ما» موصولة و المعنى: إذ يحيط بالسدرة ما يحيط بها، و قد أبهم تعالى هذا الذي يغشى السدرة و لم يبين ما هو كما تقدمت الإشارة إليه.

قوله تعالى: «ما زاغ البصر و ما طغى» الزيغ الميل عن الاستقامة، و الطغيان تجاوز الحد في العمل، و زيغ البصر إدراكه المبصر على غير ما هو عليه، و طغيانه إدراكه ما لا حقيقة له، و المراد بالبصر بصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

و المعنى: أنه (صلى الله عليه وآله وسلم)   لم يبصر ما أبصره على غير صفته الحقيقية و لا أبصر ما لا حقيقة له بل أبصر غير خاطىء في إبصاره.

و المراد بالإبصار رؤيته (صلى الله عليه وآله وسلم) بقلبه لا بجارحة العين فإن المراد بهذا الإبصار ما يعنيه بقوله: «و لقد رآه نزلة أخرى» المشير إلى مماثلة هذه الرؤية لرؤية النزلة الأولى التي يشير إليها بقوله: «ما كذب الفؤاد ما رأى أفتمارونه على ما يرى» فافهم و لا تغفل.

قوله تعالى: «لقد رأى من آيات ربه الكبرى» «من» للتبعيض، و المعنى: أقسم لقد شاهد بعض الآيات الكبرى لربه، و بذلك تم مشاهدة ربه بقلبه فإن مشاهدته تعالى بالقلب إنما هي بمشاهدة آياته بما هي آياته فإن الآية بما هي آية لا تحكي إلا ذا الآية و لا تحكي عن نفسه شيئا و إلا لم تكن من تلك الجهة آية.

و أما مشاهدة ذاته المتعالية من غير توسط آية و تخلل حجاب فمن المستحيل ذلك قال تعالى: «و لا يحيطون به علما»: طه:  110  – الدر المنثور للسيوطي ] .

[ثم قال: حدثني أبي، عن إبراهيم بن محمد الثقفي، عن أبان بن عثمان، عن أبي داود، عن أبي بردة الأسلمي، قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقول لعلي (عليه السلام): “يا علي إن الله أشهدك معي في سبعة مواطن أما أول ذلك: فليلة أسري بي إلى السماء، قال لي جبرئيل: أين أخوك؟ فقلت خلفته ورائي. قال: ادع الله فليأتك به، فدعوت الله، فإذا مثالك معي، و إذا الملائكة وقوف صفوف، فقلت: يا جبرئيل، من هؤلاء؟ قال: هم الذين يباهيهم الله بك يوم القيامة، فدنوت و نطقت بما كان و بما يكون إلى يوم القيامة.

و الثاني: حين أسري بي في المرة الثانية، فقال لي جبرئيل: أين أخوك؟ قلت: خلفته ورائي. قال ادع الله فليأتك به فدعوت الله، فإذا مثالك معي، فكشط لي عن سبع سماوات حتى رأيت سكانها و عمارها و موضع كل ملك منها.

و الثالث: حين بعثت إلى الجن، فقال لي جبرئيل أين أخوك؟ قلت: خلفته ورائي. فقال: ادع الله فليأتك به، فدعوت الله، فإذا أنت معي، فما قلت لهم شيئا، و لا ردوا علي شيئا إلا سمعته.

و الرابع: خصصنا بليلة القدر، و ليست لأحد غيرنا.

و الخامس: دعوت الله فيك فأعطاني فيك كل شيء إلا النبوة، فإنه قال: خصصتك- يا محمد- بها، و ختمتها بك.

و أما السادس: لما أسري بي إلى السماء، جمع الله النبيين فصليت بهم و مثالك خلفي.

و السابع: هلاك الأحزاب بأيدينا”. فهذا رد على من أنكر المعراج .

– و عنه، قال: و من الرد على من أنكر خلق الجنة و النار أيضا، ما حدثني أبي، عن بعض أصحابه، رفعه، قال: كانت فاطمة (عليها السلام) لا يذكرها أحد لرسول الله (صلى الله عليه و آله) إلا أعرض عنه حتى أيس الناس منها، فلما أراد أن يزوجها من علي (عليه السلام) أسر إليها، فقالت: “يا رسول الله، أنت أولى بما ترى، غير أن نساء قريش تحدثني عنه أنه رجل دحداح البطن طويل الذراعين، ضخم الكراديس، أنزع، عظيم العينين، لمنكبه مشاش كمشاش البعير، ضاحك السن، لا مال له”.

فقال لها رسول الله (صلى الله عليه و آله): “يا فاطمة، أما علمت أن الله عز و جل أشرف على الدنيا فاختارني على رجال العالمين، نبيا، ثم اطلع اخرى فاختار عليا على رجال العالمين وصيا، ثم اطلع فاختارك على نساء العالمين! يا فاطمة، إنه لما أسري بي إلى السماء وجدت مكتوبا على صخرة بيت المقدس: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، أيدته بوزيره، و نصرته بوزيره. فقلت لجبرئيل: و من وزيري؟ قال: علي بن أبي طالب، فلما انتهيت الى سدرة المنتهى وجدت مكتوبا عليها: إني أنا الله لا إله إلا أنا وحدي، محمد صفوتي من خلقي، أيدته بوزيره، و نصرته بوزيره، فقلت لجبرئيل: و من وزيري؟ قال: علي بن أبي طالب. فلما جاوزت سدرة المنتهى، انتهيت إلى عرش رب العالمين، فوجدت مكتوبا على كل قائمة من قوائم العرش: أنا الله لا إله إلا أنا، محمد حبيبي، أيدته بوزيره، و نصرته بوزيره، فلما دخلت الجنة رأيت في الجنة شجرة طوبى أصلها في دار علي، و ما في الجنة دار و لا قصر إلا و فيها فنن منها، أعلاها أسفاط حلل من سندس، و إستبرق، و يكون للعبد المؤمن ألف ألف سفط، و في كل سفط مائة ألف حلة، ما فيها حلة تشبه حلة أخرى، على ألوان مختلفة، و هي ثياب أهل الجنة، وسطها ظل ممدود، عرض الجنة كعرض السماء و الأرض أعدت للذين آمنوا بالله و رسله، يسير الراكب في ذلك الظن مائة عام فلا يقطعه، و ذلك قوله تعالى :{ وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ  – الواقعة 30 }، و أسفلها ثمار أهل الجنة و طعامهم متدل في بيوتهم، يكون في القضيب منها مائة لون من الفاكهة مما رأيتم في دار الدنيا و مما لم تروه، و ما سمعتم به و ما لم تسمعوا بمثله، و كلما يجتنى منها شيء نبت مكانها أخرى، لا مقطوعة و لا ممنوعة، و يجري نهر في أصل تلك الشجرة، يتفجر منه الأنهار الأربعة: نهر من ماء غير آسن، و نهر من لبن لم يتغير طعمه، و نهر من خمر لذة للشاربين، و نهر من عسل مصفى.

يا فاطمة، إن الله أعطاني في علي سبع خصال: هو أول من ينشق عنه القبر معي، و أول من يقف معي على الصراط، فيقول للنار: خذي ذا و ذري ذا، و أول من يكسى إذا كسيت، و أول من يقف معي على يمين العرش، و أول من يقرع معي باب الجنة، و أول من يسكن معي عليين، و أول من يشرب معي من الرحيق المختوم، ختامه مسك، و في ذلك فليتنافس المتنافسون.- البرهان للسيد هاشم البحراني ]

ثم يقول تعالى :

(12) أفتمارونه على ما يرى (12)

وهنا :

(أفاتمارونه)

[ وماراه في خبره مراءاً ومماراة : دادله فيه وناظره برده عليه وطلب إليه الحجة عليه – معجم ألفاظ القرآن باب الميم فصل الراء والياء ] قال تعالى {يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق ألا إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد  -الشورى 18 } وطالما سمعنا الساعة في القرآن فهنا يتكلم القرآن الكريم عن كل ما ستمر به هذه الأمة والعالم منذ موته وقوله تعالى { { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين – آل عمران 144 } وحتى أحداث ما قبل القيامة وهلاك القرى التي قال تعالى فيها { وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا – الإسراء 58}

وأخذ الأرض زخرفها في قوله تعالى { إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون  -يونس 24} وما بينهما من أحداث صعود دول وزوالها بين الدولة الأموية والعباسية والطولونية والإخشيدية ثم الفاطميين والأيوبيين والمماليك وبني عثمان ثم الجبرية  وما سيحدث لأهل بيته من أحداث فصلها صلى الله عليه وآله بالوحي المنزل عليه صلى الله عليه وآله وبما رآه في الإسراء والمعراج وهنا جادلوا بالباطل وتماروا بالنذر لورود لفظ المراء في قوله تعالى عن هلاك قوم لوط لعنهم الله وتكذيبهم نزول عذاب الله تعالى بهم { ولقد أنذرهم بطشتنا فتماروا بالنذر – القمر 36 } .وهؤلاء إذا ما نزل بهم بأس الله تعالى سيقال لهم بعد تكذيبهم { إن هذا ماكنتم به تمترون – الدخان 50 } ولتكرار مراء قريش هنا وطائفة من أهل الكتاب كما جادل ومارت الأمم من قبل قال تعالى لهم { أفتمارونه على ما يرى } ويرى فعل مضارع يفيد الإستمرارية بمعنى أنهم لم يماروا فقط في حادث الإسراء والمعراج بل ماروا وجادلوا بالباطل في كل ماجائهم به النبي صلى الله عليه وآله من عند الله تعالى من توحيد لله عز وجل ونبذ أصنام ثم ولايتة صلى الله عليه وآله عليهم كرسول مبعوث من عند الله ورسالته إليهم ثم إمامة أهل بيته من بعده إلى أن يشاء الله تعالى و مع الساعة يكون هلاكهم .

وفي الحديث [ عن أبي الحسن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن جده، عن علي (عليه السلام) في قوله عز و جل: { إِذْ يَغْشَىٰ ٱلسِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ }.

قال: “إن النبي (صلى الله عليه و آله) لما أسري به إلى ربه، قال: وقف بي جبرئيل (عليه السلام) عند شجرة عظيمة، لم أر مثلها، على كل غصن منها ملك، و على كل ورقة منها ملك، و على كل ثمرة منها ملك، و قد تجللها نور من نور الله عز و جل، فقال جبرئيل [ (عليه السلام): هذه سدرة المنتهى، كان ينتهي الأنبياء قبلك إليها]، ثم لا يتجاوزونها، و أنت تجوزها إن شاء الله ليريك من آياته الكبرى، فاطمئن أيدك الله تعالى بالثبات حتى تستكمل كراماته، و تصير إلى جواره، ثم صعد بي إلى تحت العرش، فدلي إلي رفرف أخضر، ما أحسن أصفه، فرفعني بإذن ربي، فصرت عنده، و انقطع عني أصوات الملائكة و دويهم، و ذهبت المخاوف و الروعات، و هدأت نفسي و استبشرت، و جعلت أمتد و أنقبض، و وقع علي السرور و الاستبشار، و ظننت أن جميع الخلائق قد ماتوا، و لم أر غيري أحدا من خلقه، فتركني ما شاء الله، ثم رد علي روحي فأفقت، و كان توفيقا من ربي أن غمضت عيني، و كل بصري و غشي عن النظر، فجعلت أبصر بقلبي كما أبصر بعيني، بل أبعد و أبلغ، و ذلك قوله تعالى: { مَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ * لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ ٱلْكُبْرَىٰ } و إنما كنت أبصر مثل مخيط الإبرة نورا بيني و بين ربي لا تطيقه الأبصار. فناداني ربي، فقال تبارك و تعالى: يا محمد. قلت: لبيك ربي و سيدي و إلهي لبيك. قال: [هل] عرفت قدرك عندي، و موضعك و منزلتك؟ قلت: نعم، يا سيدي. قال: يا محمد، هل عرفت موقعك مني و موقع ذريتك؟ قلت: نعم، يا سيدي، قال: فهل تعلم يا محمد فيما اختصم الملأ الأعلى؟ قلت: يا رب أنت أعلم و أحكم، و أنت علام الغيوب. قال: اختصموا في الدرجات و الحسنات [فهل تدري ما الدرجات و الحسنات]، قلت: أنت أعلم سيدي و أحكم. قال: إسباغ الوضوء في المفروضات، و المشي على الأقدام إلى الجماعات [معك]، و مع الأئمة من ولدك، و انتظار الصلاة بعد الصلاة، و إفشاء السلام، و إطعام الطعام، و التهجد بالليل و الناس نيام.

ثم قال: { ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ –البقرة 285 } قلت: { وَٱلْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِٱللَّهِ وَمَلاۤئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ – البقرة 285}  قال: صدقت، يا محمد: { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ } [البقرة:-286] فقلت: { رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَٱعْفُ عَنَّا وَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلَٰـنَا فَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ – البقرة 285} ، قال: ذلك لك و لذريتك يا محمد، قلت: لبيك ربي و سعديك سيدي و إلهي .قال: أسألك عما أنا أعلم به منك، من خلفت في الأرض بعدك؟ قلت: خير أهلها، أخي و ابن عمي، و ناصر دينك و الغاضب لمحارمك إذا استحلت و لنبيك غضب النمر إذا غضب علي بن أبي طالب.

قال: صدقت يا محمد، إني اصطفيتك بالنبوة، و بعثتك بالرسالة، و امتحنت عليا بالبلاغ و الشهادة على أمتك و جعلته حجة في الأرض معك و بعدك، و هو نور أوليائي، و ولي من أطاعني، و هو الكلمة التي ألزمتها المتقين، يا محمد، و زوجه فاطمة، فإنه وصيك و وارثك و وزيرك، و غاسل عورتك، و ناصر دينك، و المقتول على سنتي و سنتك، يقتله شقي هذه الامة.

قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): ثم إن ربي أمرني بأمور و أشياء، و أمرني أن أكتمها، و لم يأذن لي في إخبار أصحابي بها ثم هوى بي الرفرف، فإذا بجبرئيل (عليه السلام) فتناولني حتى صرت إلى سدرة المنتهى، فوقف بي تحتها، ثم أدخلني جنة المأوى، فرأيت مسكني و مسكنك يا علي فيها، فبينما جبرئيل يكلمني إذ علاني نور من نور الله، فنظرت إلى مثل مخيط الإبرة، مثل ما كنت نظرت إليه في المرة الاولى، فناداني ربي جل جلاله: يا محمد.

قلت: لبيك يا ربي و إلهي و سيدي؟ قال: سبقت رحمتي غضبي لك و لذريتك، أنت صفوتي من خلقي، و أنت أميني و حبيبي و رسولي، و عزتي و جلالي لو لقيني جميع خلقي يشكون فيك طرفة عين أو ينقصونك أو ينقصون صفوتي من ذريتك لأدخلتهم ناري و لا ابالي. يا محمد، علي أمير المؤمنين، و سيد المرسلين، و قائد الغر المحجلين إلى جنات النعيم، أبو السبطين سيدي شباب جنتي المقتولين بي ظلما.

ثم فرض علي الصلاة و ما أراد تبارك و تعالى، و قد كنت قريبا منه فى المرة الأولى مثل ما بين كبد القوس إلى سيته، فذلك قوله تعالى: كقاب قوسين أو أدنى من ذلك”. – البرهان للسيد هاشم البحراني ] .

وأما :

(على مايرى)

والرؤية هنا وردت على رسول الله صلى الله عليه وآله حيث رأى جبريل عليه السلام و الحضرة النورانية في الملاء الأعلى كما في قوله تعالى { ولقد رآه بالأفق المبين – التكوير 23 } وقال تعالى أيضاً { ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى – النجم } ولورود هذا اللفظ في قوله تعالى وقوله تعالى { ألم تر كيف فعل ربك بعاد – الفجر 6} وقوله تعالى { ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل – الفيل 1 } أي أنه بالفعل رأى ما حدث للأمم من قبل بعين الرسالة والوحي مالا يراه غيره من الخلق وبالتالي جدالهم ومرائهم كان فيما رآه عن هؤلاء وعذابهم في النار وما رآه في أهل الجنة ونعيمهم وأنبياء الله عليهم السلام كما أخبر حديث الإسراء والمعراج عن ابن عباس والذي يكذب به الكثير ممن أعمى الله بصيرتهم وذلك لورود لفظ الرؤية على المنعمين في الجنة في قوله تعالى { وإذا رأيت ثم رأيت نعيماً وملكاً كبيرا – الإنسان 20 } وهذا النعيم والملك الكبير هو ما رآه صلى الله عليه وىله في معراجه إلى سدرة المنتهى . وهذا ما كذبه هؤلاء المجرمين لعنهم الله .

ثم يقول تعالى :

(13) ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى (13)

وهنا :

(ولقد)

ورد هذا اللفظ في قوله تعالى { ولقد رآه بالأفق المبين } فلما رآه بالأفق المبين رآه هنا نزلة أخرى في قوله تعالى هنا { ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى- النجم 13 } وورود هذا اللفظ في قوله تعالى { ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين – الأعراف 11 } أي أن هذا هو المكان الذي خلق الله تبارك وتعالى فيه سيدنا آدم وزوجه عليهما

السلام .ولقوله تعالى { ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمإ مسنون – الحجر 26 } ولورود هذا اللفظ في قوله تعالى { ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم – الحجر 87} والسبع مثاني هى فاتحة الكتاب التي هى عمود الصلوات الخمس بما يؤكد صحة الخبر الذي يقول بأن الله تعالى تلقى الصلاة في هذه الرحلة والفاتحة كذلك في هذه الرحلة المباركة  .

[ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: “لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، انْتُهِيَ بِهِ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَهِيَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، إِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُعْرَجُ بِهِ مِنَ الأَرْضِ فَيُقْبَضُ مِنْهَا، وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُهْبَطُ بِهِ مِنْ فَوْقِهَا فَيُقْبَضُ مِنْهَا”، قَالَ: {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى – النجم 16} , قَالَ: “فَرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ”. قَالَ: “فَأُعْطِيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثَلاَثًا: أُعْطِيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَأُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَغُفِرَ لِمَنْ لَمْ يُشْرِكْ بِاللهِ مِنْ أُمَّتِهِ شَيْئًا، الْمُقْحِمَاتُ   وفي رواية الترمذي بسند صحيح زاد: “فَأَعْطَاهُ اللهُ عِنْدَهَا ثَلاَثًا لَمْ يُعْطِهِنَّ نَبِيًّا كَانَ قَبْلَهُ..” . رواه مسلم .]

[عن عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: “بينما جبريل عليه السلام قاعد عند النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- سمع نَقِيضَا من فوقه، فرفع رأسه، فقال: هذا باب من السماء فُتِحَ اليوم ولم يفتح قط إلا اليوم. فنزل منه مَلَكٌ، فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم. فسلم وقال: أبشر بنُورين أُوتِيْتَهُما لم يُؤتهما نَبِيٌّ قبلك: فاتحة الكتاب، وخَوَاتِيمُ سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منها إلا أُعْطِيتَهُ ” – رواه مسلم ] .

ومادامت الصلاة فرضت في السماء في رحلة الإسراء والمعراج فيكون سيدنا جبريل عليه السلام قد علمه كيفية الصلاة بفاتحة الكتاب وأحكامها والفاتحة فيها عامود الصلاة فلا تقبل بدونها كما في الحديث [عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: «لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ». –رواهخ مسلم ] .

 

وأما :

(ولقد رآه)

أي رآه بالأفق المبين كما في قوله تعالى { ولقد رآه بالأفق المبين – التكوير 23 } وهذه رؤية له  أوله  مرة والرؤية الثانية هنا في قوله تعالى { ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى – النجم 13 }  أي مرة بالأفق المبين ومرة عند سدرة المنتهى أي أنه تعالى رأى من آيات ربه الكبرى كما  في قوله تعالى { لقد رأى من آيات و الكبرى – النجم 18 }  .

 

وأما :

(نزلة)

[ ونزل ينزل نزولاً : انحط من أعلى إلى أسفل ومن نزول المطر ونزل المسافر : نزل عن راحلته والمنزل موضع النزول وجمعه منازل والي مرة – معجم ألفاظ القرآن باب النون فصل الزاي واللام ]

قال تعالى { وقرآناً فرقناه على مكث ونزلناه تنزيلا – الإسراء 106 } أي أنه مكان نزول الوحي والأمر الألهي و محل نزول أمر الله تعالى بنزل الخير والشر وكل شيئ لقوله تعالى { وإن من شيئ إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم – الحجر }

وهو محل نزول الأمر الإلهي كما في قوله تعالى { ذلك أمر الله أنزله إليكم ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا – الطلاق 5 } أي أنه المكان الذي ينزل منه أم الله تبارك وتعالى .ثم يتنزل الأمر إلى السماوات السبع لقوله تعالى { الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما – الطلاق 12 }

وهذه النزلة وهذا المنزل بين تعالى أنه عند جنة المأوى الوارد ذكرها في قوله تعالى { أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلا بما كانوا يعملون – السجدة 19 } وهنا نزلاً جمع منازل ومفرد النزول نزلة بما يعني أن النزلة هى الوحيدة التي رأى فيها منازل أهل الجنة الوارد ذكرهم في قوله تعالى

لرسوله صلى الله عليه وآله وللمؤمنين { وقل رب أنزلني منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين – المؤمنون 29 }  وهذه المنازل في الجنة قل تعالى فيها { لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلا من عند الله وما عند الله خير للأبرار – آل عمران 198 } وهذه النزل في جنة الفردوس التي لن يدخلها مؤمن إلا بعد القيامة وميراث الخالق عز وجل لخلقه بعد القيامة قال تعالى { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا – الكهف 107 }

والكفار قال تعالى في نزلهم { وأما إن كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم وتصلية جحيم – الواقعة 93} وقال تعالى { هذا نزلهم يوم الدين – الواقعة 56} وهذه المنازل أطلعها الله تعالى لرسوله كما ورد في حديث ابن عباس عن تفاصيل هذه الرحلة السماوية إلى الملاء الأعلى .لذلك قال تعالى هنا { ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى } .

وفي الروايات وآثار أهل البيت عليهم السلام ورد في تفسير البرهان :

[ الشيخ عمر بن إبراهيم الأوسي في كتابه: قال ابن عباس: إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) ذات يوم قال لجبرئيل (عليه السلام): “أحب أن أراك في الصورة التي تكون فيها بالسماء”. قال: إنك لا تقوى على ذلك. قال: “لا بد لي من ذلك”. فأقسم عليه بخاتم النبوة، فقال جبرئيل: أين تريد ذلك؟ قال: “بالأبطح”. قال: لا يسعني. قال: “بمنى”. قال: لا يسعني. قال: “بعرفات”. قال: لا يسعني، و لكن سر بنا إليه.

فمضى رسول الله (صلى الله عليه و آله) إلى عرفات، و إذا هو جبرئيل بعرفات بخشخشه، و كلكله قد ملأ ما بين المشرق و المغرب، رأسه في السماء و رجلاه في الأرض السابعة، فخر مغشيا عليه، فتحول جبرئيل بصورته الاولى، و ضمه إلى صدره، و قال: يا محمد، لا تخف أنا أخوك جبرئيل.

فقال: “يا أخي، ما ظننت أن الله خلق خلقا في السماء يشبهك”. قال: يا محمد، لو رأيت إسرافيل الذي رأسه تحت العرش، و رجلاه تحت تخوم الأرض السابعة و اللوح المحفوظ بين حاجبيه، و إنه إذا ذكر اسم الله يبقى كالعصفور، سئل: جبرئيل يتصور؟ و إذا هو أجلى الجبين، معتدل الشعر، كأن شعره المرجان، له جناحان خضراوان و قدمان و لونه كالثلج الموشح بالدر، هكذا صورته التي رآه النبي (صلى الله عليه و آله) بها، و ذلك أنه رآه مرتين، و قال تعالى: { وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ * عِندَ سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ } ، فالمرة الثانية طلب منه أن يراه ببقيع الغرقد و إذا بواحد من أجنحته سد من السماء إلى الأرض”.

– و حكى ابن سيرين في (كتابه العظمة): أن حمزة سأل النبي (صلى الله عليه و آله): أرني جبرئيل؟

فقال: “اسكت”. فألح عليه، و إذا جبرئيل قد نزل إلى النبي (صلى الله عليه و آله) في تلك الساعة، فقال: اللهم اكشف عن بصر حمزة. فقال: انظر. فنظر و إذا قدماه كالزبرجد، فخر حمزة مغشيا عليه، فعرج جبرئيل بعد أن بلغ، فقال: “يا حمزة، و ما رأيت”؟ فقال: هيهات يا سيدي أن أتعاهد هذا الفعل.
– قال: و روي أن جبرئيل نزل على محمد (صلى الله عليه و آله)، فقال: يا محمد، تريد أن أريك بعض حظك و منزلتك من الجنة؟ فقال: “بلى” يعني نعم، فكشف له عن جناح بين أجنحته، و إذا هو أخضر، عليه نهر، عليه ألف قصر من ذهب.

-.. قال: و سئل عبد الله بن مسعود: { وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ }؟ قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): “رأيت جبرئيل عند سدرة المنتهى، له ستمائة جناح، يتناثر من ريشه أكابر الدر و الياقوت”.

– البرهان للسيد هاشم البحراني ]

 

وأما :

 

(أخرى)

[ وأخرى : مرة بعد مرة ] قال تعالى { ولقد مننا عليك مرة أخرى – طه 37 }  ومن منة الله تعالى على رسوهله هنا أن جعله يراه مرة أخرى كما في الآية هنا { ولقد رآه نزلة أخرى } وورد هذا اللفظ في قوله تعالى { وأن عليه النشأة الأخرى – النجم 47 } وهذه النشأة الأخرى حياة الجسد الطيني بعد  موت السوءة كما بينا من قبل وهى عكس النشأة الأولى التي قال تعالى فيها { وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأُولَى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ – الواقعة 62 } والنشأة الآخرى قال تعالى فيها أنها  مابعد الموت في قوله تعالى { قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ –  العنكبوت 20} وهذا يؤكد صحة ما ذكرناه من قبل أن الإسراء والمعراج كان بجسد رسول الله صلى الله عليه وآله الطيني المخلوق من كينة الجنة بعد خروج نفسه من الجسد ليرى بنفسه وروحه مالا يمكن رؤيته بالسوؤة الإنسانية .

 

وأما :

(عند)

ورد هذا اللفظ في قوله تعالى { عندها جنة المأوى } أي أن سدة المنتهى عندها جنة المأوى كما في قوله تعالى هنا { ولقدر رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى }  وهذه الجنة للمتقين كما في قوله تعالى { لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلا من عند الله وما عند الله خير للأبرار – آل عمران 198 } . ةهذه هى دار السلام التي قال تعالى فيها {لهم دار السلام عند ربهم } وفيه خزائن الدنيا كما بينا من قبل لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم – الحجر 21 } ومنه ينزل أمر الله تعالى { قل كل من عند الله فما لهؤلاء القوم لا يكادون بفقهون حديثا – النساء  } وفيه أم الكتاب لقوله تعالى {  يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب – الرعد 39 } ومن كان عنده علم الكتاب فو الذي يستمد علمه من الله تبارك وتعالى كالأنبياء والمرسلين والوصيين وخيرهم علي عليه السلام لما نزل فيه من قوله تعالى { ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب – الرعد 43} .

وأما :

(سدرة)

[ والسدر واحدته سدرة وهو شجر النبق وهو شجر شائك له ثمر فيه حلاوة – معجم ألفاظ القرآن باب السين فصل الدال والراء ] قال تعالى في السدر { فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل – سبأ 16 } وسدر الجنة سدر لا شوك فيه

قال تعالى { فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ – الواقعة 28 } أي أن أهل الجنة [ في سِدْر لا شوك فيه ] . وقال تعالى في هذه السدرة من عظم الخلق بما لا يعلم وصفه { إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى – النجم 16 } أي [  إذ يغشى السدرة من أمر الله شيء عظيم , لا يعلم وصفه إلا الله عز وجل – التفسير الميسر ]

وشجر الجنة وفاكهتها لا يعرف منه إلا الأسماء فقط كما في حديث ابن عباس ” لا يعرف من ثمار الجنة إلا الإسم فقط ” ويقول صلى الله عليه وآله في شجرة الجنة يستظل تحتها الراككب مسيرة خمسمائة عام فما بال سدرة المنتهى عند جنة المأوى .

وهنا ورد في آثار أهل البيت عليهم السلام [ ورد في أحاديث والآثار المنقولة عن دريق اهل البيت (عليهم السلام) : [ قال أبو جعفر (عليه السلام): “يا حبيب، { وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ * عِندَ سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ * عِندَهَا جَنَّةُ ٱلْمَأْوَىٰ } ، يعني عند ما وافى جبرئيل حين صعد إلى السماء، قال: فلما انتهى إلى محل السدرة وقف جبرئيل دونها، و قال: يا محمد، إن هذا موقفي الذي وضعني الله عز و جل فيه، و لن أقدر على أن أتقدمه، و لكن امض أنت أمامك إلى السدرة، فقف عندها- قال- فتقدم رسول الله (صلى الله عليه و آله) إلى السدرة، و تخلف جبرئيل (عليه السلام)”. – تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني ]

 

وأما :

 

(المنتهى)

 

وهنا يبين تعالى أنه عند سدرة المنتهى رب العزة لورود هذه اللفظ في قوله تعالى { وأن إلى ربك المنتهى – النجم 42 } أي أن نهايته الرجوع إلى الله لأن (إن إلى ربك) هنا  وردت هذه الآيات في قوله تعالى { وأن إلى ربك الرجعى – العلق 8 } والرجعى هنا منتهى عمل ابن آدم ومآل عمله هنا للمخلوق وليس الخالق وليس مصادفة هنا بل ليعلم الخلق أن المنتهى للمؤمنين عند صاحب الأمر والنهى والخلق للحكم بين العباد والمؤمنين تنتهي أعمالهم في الجنة عند سدرة المنتهى والوصول إليها ليس بمركب بل بالعمل الصالح ومن سبق عليه القول قبل الخلق ولا يكون ذلك إلا بعد الموت والمرور بمرحلة ما بعد الموت وفناء السوءةة ثم بروز الجسد الطيني للعيش في جنة عدن حتى قيام الساعة ثم القيامة و الحساب ثم إنزال الخلائق منازلهم النهائية بالجنة أو النار .

وذلك لأن الله تعالى لا يحد ولا يعد وليس كمثله شيئ ولا مكان يحوية ليدخل فيه ولا يفرغ من مكان إلى مكان ولا يدخل في شيئ ولا يخرج منه وليس له بداية ولا نهاية مكانية أو زمانية وليس كمثله شيئ كما أخبر الأمام علي بهذه الصفات في نهج البلاغة وتفصيل صفاته عز وجل  وإنما النهاية هنا نهاية أعمال الخلق للحساب ومنتهاهم ومرجعهم إلى الله تعالى لقوله تعالى { وإلى الله ترجعون } وفي آثار أهل البيت عليهم السلام [ قال أبو جعفر (عليه السلام): “إنما سميت سدرة المنتهى، لأن أعمال أهل الأرض تصعد بها الملائكة الحفظة إلى محل السدرة، و الحفظة الكرام البررة دون السدرة، يكتبون ما ترفع إليهم الملائكة من أعمال العباد في الأرض، قال: فينتهون به إلى محل السدرة”. – تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني ] .

 

و لورود لفظ منتهى ومنتهاها على علم الساعة في قوله تعالى : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا إِلَىٰ رَبِّكَ مُنتَهَاهَا إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا – النازعات 42-46} أي أن أمرها مرجعه إلى الله تعالى للقضاء فيه وقضاؤه انتهى ورفعت الأقلام وجفت الصحف كما في الحديث وأطلع النبي صلى الله عليه وآله على مافي أم الكتاب من أحداث حيث أطلع صلى الله عليه وآله في رحلتة على كل ما هو كائن إلى يوم القيامة ومنازل أهل الجنة وأهل النار من الله تعالى ومما هو في أم الكتاب عند الله تعالى .وذلك حدث عندما رآه مرة أخرى عند سدرة المنتهى في الاية هنا { ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى } .

 

ثم يقول تعالى :

 

(15) عندها جنة المأوى (15)

 

وهنا :

 

(عندها)

 

{ هم درجات عند الله والله بصير بما يعملون – آل عمران 163 } وهنا أعلى هذه الدرجات عند الله تعالى عند جنة المأوى التي قال تعالى فيها هنا { ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى – النجم 15 } وهذه الجنة لخير البرية وهم الذين تولوا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام وهم خير البرية كما في قوله تعالى { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ  – البينة 7-8 } .

 

وأما :

 

(جنة المأوى)

 

[ والمأوى : مكان إليه يأوى أويا : نزله والتجأ إليه وآواه غيره يؤيه إيواء : ضمه وأنزله والمأوى إسم للمكان الذي يؤى إليه – معجم ألفاظ القرآن باب الهمزة فصل الواو والياء ] قال تعالى { ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه – يوسف69 } والمأوى يوم القيامة للذين آمنوا وعملوا الصالحات وهؤلاء مأواهم الجنة قال تعالى { أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلا بما كانوا يعملون – السجدة 19 } وهؤلاء هم الذين خافوا من ربهم وعملوا بما أمر تعالى ونهوا النفس عن الهوى قال تعالى { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ  فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى– النازعات 40-41 } وهؤلاء هم خير البرية وهم شيعة الإمام علي عليهم السلام الذين سيدخلهم الله تعالى جنة عدن بعد موتهم لما نزل فيهم من قوله تعالى  { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ  – البينة 7-8 } فإذا قامت القيامة أدخلهم الله تعالى جنة المأوى التي قال تعالى فيها هنا { عندها جنة المأوى } .

 

ثم يقول تعالى :

 

(16) إذ يغشى السدرة ما يغشى (16)

وهنا :

(يغشى السدرة ما يغشى )

[ والغشاء : الغطاء ويغشي أي يغطي – معجم ألفاظ القرآن باب الغين فصل الشين والياء ] قال تعالى عن سماء وارض الدنيا { إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين – الأعراف54 } وجنة المأوى لا شمساً فيها ولا زمهريرا قال تعالى { مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا – الإنسان 13 } ولا يوجد في الآخرة بعد القيامة غير العرش ونور الله تبارك وتعالى وهو ما يغشى السدرة .

وحيث أن الغشاوة لأهل النار عذاب في قوله تعالى { أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله – يوسف 107 } وبالتالي ما يغشي أهل السدرة نور الله تعالى ورحماته .

 

وأما :

 

(السدرة)

 

والسدرة هنا هى سدرة المنتهى التي قال تعالى فيها من قبل { ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى  – النجم 13-15 }

 

ثم يقول تعالى :

 

(17) مازاغ البصر وما طغى (17)

وهنا :

(مازاغ)             

[ وزاغ يزيغ زيغاً وزيغاناً : مال عن القصد وزاغ البصر : اضطرب – معجم ألفاظ القرآن باب الزاي فصل الياء والغين ] قال تعالى مبيناً أن الزيغ ورد على البصر في حالات الرعب وخشية الموت  قال تعالى { إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا – الأحزاب 10}  وقال تعالى في تخاصم أهل النار  عن أهل الجنة الذين حكموا بكفرهم في الدنيا { وقالوا مالنا لا نرى رجالاً كنا نعدهم من الأشرار أتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار – ص 63 } وفي قوله تعالى { وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا –الأحزاب 10 } أي لم يضطرب بصره صلى الله عليه وآله بل ثبته الله عز وجل والزيغ يأتي على زيغ القلوب عن أمر الله تعالى كما في قوله تعالى {وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين – الصف 5}  والزيغ عن أمر الله تعالى كما في قوله تعالى { ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير – سبأ 12 } أي أن رسول الله صلى الله عليه وآله ما زاغ بصره خوفاً ولا قلبه استسلاماً لأمر الله ولذلك قال تعالى هنا { ما زاغ البصر وما طغى – النجم 17 } .

 

وأما :

 

(البصر)

 

وبينا من قبل أن النظر غير البصر والبصر خاص بالنفس والنظر خاص بالجسد والبصر لا يعمى لأنه من البصيرة وهى مخلوقة بإذن الله وقتما خلق الله تعالى الإنسان من طين كما في قوله تعالى { ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون – السجدة 9} أي أن البصر خلق مع النفس فلما برزت السوءة ظهر النظر المرتبط بالظواهر العينية دون البصر الذي يبحث عن الحقيقة  وفق ما يدفعه فؤاده نحو الخير أو الشر حسب الطينة التي خلق منها وسعيه نحو الحق أو الباطل

وهذا البصر لا يعمى كعمى العين والقلب و النظر لذلك قال تعالى  { أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور – الحج 46 } , وهذا البصر هنا قال فيه عنه صلى الله عليه وآله ما زاغ وما طغى في الآية هنا { ما زاغ البصر وما طغى }

وهذا الثبات على الإيمان والحق وعدم زيغ الابصار والقلوب عن أمر الله تعالى جعلها في أهل بيته عليهم السلام لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ – النور36-37 } وهنا سأل الصحابة رسول الله صلى الله عليه وآله [ ” أبيت علي وفاطمة منها قال بل من أعلاها ” – شواهد التنزيل للحاكم ] .

 

وهذا البصر في الدنيا لكل المؤمنين يمكن أن يقوى بكتاب الله تعالى لأن فيه البصائر بالجمع لكل حقائق الدنيا والآخرة قال تعالى { هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون – الجاثية 20 } .

 

وأما :

 

(ما طغى)

 

[ وطغى : أي جاوز الحد ] وكل من زاد عن حده فقد طغى قال تعالى { إنا لما طغى الماء جملناكم في الجارية – الحاقة 11 } وقال تعالى في الريح لما تحولت لريح مهلكة على ثمود { وأما ثمود فأهلكوا بالطاغية – الحاقة 5 } ومن آثر الحياة الدنيا على الآخرة فقد طغى قال تعالى { فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هو المأوى – النازعات 37-39 } أي أن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يؤثر الحياة الدنيا ولم يميل بصره ولا قلبه إليها كما في الآية هنا { مازاغ البصر وما طغى } أي لم يؤثر الدنيا بل آثر الدار الآخرة وعمل لها أي أنه صلى الله عليه وآله استقام على أمر الله تعالى كما في قوله عزوجل له صلى الله عليه وآله في سورة هود عليه السلام { فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا ۚ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ – هود 112 } .

 

ثم يقول تعالى :

 

(18) لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ (18)

 

وهنا :

 

(لقد رأى)

 

وهنا ترد الرؤية المنامية للنبي عن فتح مكة فقال تعالى { لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا – الفتح 27 } وهنا الرؤية كانت بالنفس أي بعد انفصالها عن الجسد كما حدث لنبي الله موسى عندما طلب رؤيته تعالى فقال عز وجل { ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين – الأعراف 143 } وهنا أصبح الجسد الطيني الأصلي الذي خلق به بني آدم في الجنة وقد فصلنا ذلك  من قبل عند رؤية الفؤاد في قوله تعالى { ماكذب الفؤاد ما رأى } وهنا رأى آيات كبرى قال تعالى فيها { ولقد رآه نزلة أخرى – النجم 13 } وقال تعالى أيضاً  { ولقد رآه بالأفق المبين – التكوير 23 } ولقد بينا من قبل آيات كبرى رآها قال تعالى { لقد رأى من آيات ربه الكبرى – النجم 18 } .

 

وأما :

 

(من آيات ربه الكبرى)

 

وهنا قال تعالى { مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَىٰ عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ – النجم 11-18 }

ورد لفظ آيات الله الكبرى على ما أعطا عز وجل لنبي الله موسى من آيات كبرى قال تعالى فيها {  وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَىٰ قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَىٰ فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ ۖ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَىٰ وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَىٰ لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ  قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي  وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا – طه17-35} وهنا الآية فيها إشارة لصحة لقاء رسول الله بسيدنا موسى عليه السلام  وفي ذلك آية من ىيات الله الكبرى التي رآها النبي صلى الله عليه وآله في معراجه للملاء الأعلى .

ولورود لفظ الايات في قوله تعالى { خلق الإنسان من عجل سأريكم آياتي فلا تستعجلون – الأنبياء 37 } وما استعجلته قريش نزول عذاب الله تعالى بهم لقوله تعالى { ويستعجلونك بالعذاب وقد خلت من قبلهم المثلات} وهذا العذاب هنا يبين تعالى أن رسول الله صلى الله عليه وآله علم ورأى كل ما سيفعلونه وماسيفعله الله تعالى بهم وقال تعالى في ذلك { لقد رأى من آيات ربه الكبرى } .

وفي الحديث : [ قال: “فنظر رسول الله (صلى الله عليه و آله) فرأى أغصانها تحت العرش و حوله، قال: فتجلى لمحمد (صلى الله عليه و آله) نور الجبار عز و جل، فلما غشي محمد (صلى الله عليه و آله) النور، شخص ببصره و ارتعدت فرائصه، قال: فشد الله عز و جل لمحمد (صلى الله عليه و آله) قلبه، و قوى له بصره، حتى رأى من آيات ربه ما رأى، و ذلك قوله عز و جل: { وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ * عِندَ سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ * عِندَهَا جَنَّةُ ٱلْمَأْوَىٰ } ، يعني الموافاة، قال: فرأى محمد (صلى الله عليه و آله) ببصره من آيات ربه الكبرى، يعني أكبر الآيات”. –  تفسير االبرهان للسيد هاشم البحراني ] .

 

وأما :

 

(الكبرى)

ورود هذا اللفظ هنا عن نزول العذاب على الأمم الظالمة في قوله تعالى { يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون – الدخان 16 } تدل على أن النبي صلى الله عليه وآله اطلع على هذه الأحداث كآية كبرى من الله تعالى واطلع على أهلها بن الجنة والنار وهذا من آيات ربه الكبرى كما في قوله تعالى هنا { لقد رأى من آيات ربه الكبرى – النجم 18}

وعن الآيات الكبرى التي كذب بها فرعون قال تعالى { اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَىٰ فَكَذَّبَ وَعَصَىٰ ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَىٰ فَحَشَرَ فَنَادَىٰ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَىٰ – النازعات 17-25 } أي أنه صلى الله عليه وآله اطلع على الأمم الظالمة من قبل ومنهم قوم فرعون وهؤلاء هم الأشقياء من أهل النار لقوله تعالى { وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَىٰ – الأعلى 11-12} , وكذلك اطلع صلى الله عليه وآله عما سيكون إلى يوم القيامة لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { فإذا جاءت الطامة الكبرى – النازعات 34 } وهذه كلها من الآيات الكبرى التي رآها صلى الله عليه وآله في معراجه وقال تعالى فيها { لقد رأى من آيات ربه الكبرى } .

ثم يقول تعالى :

(19) أفرأيتم اللات والعزى (19) ومناة الثالثة الأخرى (20)

وهنا :

 

(أفرأيتم)

 

ورد هذا اللفظ في قوله عن الأصنام التي عبدها سلف هؤلاء زمن نبي الله إبراهيم  عليه السلام { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ – الشعراء 69-77 } وهذه أصنام لا تنفع ولا تضر كما في قوله تعالى { ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون – الزمر 38 } وهذه الأصنام هنا هى اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى

قال تعالى { أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى}

 

وأما :

 

(اللات والعزى ومناة)

 

[ واللات : أحد الأصنام التي كان العرب يقدسونها في الجاهلية وهى اللات والعزى ومناه وكانت اللات أشهر هذه الأصنام وكانت بالطائف ويرجح أنها كانت تمثل الشمس وقد ذكر اسمها كثيراً في النقوش النبطية وقيل أن أصلها اللات وأنها سميت كذلك لأن يهودياً كان يلت السويق عندها وقيل أن اصلها الألهات فحذفت الألف والهاء على مر الزمن وقيل غير ذلك – معجم ألفاظ القرآن باب اللام فصل الواو والتاء ] .

ورد في تفسير الطبري :

[  يقول تعالى ذكره: أفرأيتم أيها المشركون اللات, وهي من الله ألحقت فيه التاء فأنثت, كما قيل عمرو للذكر, وللأنثى عمرة; وكما قيل للذكر عباس, ثم قيل للأنثى عباسة, فكذلك سمى المشركون أوثانهم بأسماء الله تعالى ذكره, وتقدّست أسماؤهم, فقالوا من الله اللات, ومن العزيز العُزَّى; وزعموا أنهن بنات الله, تعالى الله عما يقولون وافتروا, فقال جلّ ثناؤه لهم: أفرأيتم أيها الزاعمون أن اللات والعُزَّى ومناة الثالثة بنات الله ( أَلَكُمُ الذَّكَرُ ) يقول: أتختارون لأنفسكم الذكر من الأولاد وتكرهون لها الأنثى, وتجعلون ( َلَهُ الأنْثَى ) التي لا ترضونها لأنفسكم, ولكنكم تقتلونها كراهة منكم لهنّ. واختلفت القرّاء في قراءة قوله: ( اللاتَ ) فقرأته عامة قرّاء الأمصار بتخفيف التاء على المعنى الذي وصفتُ. وذُكر أن اللات بيت كان بنخلة تعبده قريش. وقال بعضهم: كان بالطائف. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى ) أما اللات فكان بالطائف. حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله ( أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى ) قال: اللات بيت كان بنخلة تعبده قريش. وقرأ ذلك ابن عباس ومجاهد وأبو صالح ” اللاتَّ” بتشديد التاء وجعلوه صفة للوثن الذي عبدوه, وقالوا: كان رجلا يَلُتّ السويق للحاج; فلما مات عكفوا على قبره فعبدوه. * ذكر الخبر بذلك عمن قاله: حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد (أفَرأيْتُمُ اللاتَّ والعُزَّى) قال: كان يَلُتّ السويق للحاجِّ, فعكف على قبره. قال: ثنا مؤمل, قال: ثنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد (أفَرأيْتُمُ اللاتَّ) قال: اللات: كان يلتّ السويق للحاجِّ. حدثنا ابن حُميد, قال: ثنا مهران, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد ” اللاتَّ” قال: كان يَلُتّ السويق فمات, فعكفوا على قبره. حدثنا ابن حُميد, قال: ثنا جرير, عن منصور, عن مجاهد, في قوله ” اللاتَّ” قال: رجل يلتّ للمشركين السويق, فمات فعكفوا على قبره. حدثنا أحمد بن هشام, قال: ثنا عبيد الله بن موسى, عن إسرائيل, عن أبي صالح, في قوله ” اللاتَّ” قال: اللاتّ: الذي كان يقوم على آلهتهم, يَلُتّ لهم السويق, وكان بالطائف. حدثني أحمد بن يوسف, قال: ثنا أبو عبيد, قال: ثنا عبد الرحمن, عن أبي الأشهب, عن أبي الجوزاء عن ابن عباس, قال: كان يلتّ السويق للحاجّ. وأولى القراءتين بالصواب عندنا في ذلك قراءة من قرأه بتخفيف التاء على المعنى الذي وصفت لقارئه كذلك لإجماع الحجة من قرّاء الأمصار عليه. وأما العُزَّى فإن أهل التأويل اختلفوا فيها, فقال بعضهم: كان شجرات يعبدونها. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن بشار, قال: ثنا مؤمل, قال: ثنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد ( وَالْعُزَّى ) قال: العُزَّى: شُجيرات. وقال آخرون: كانت العُزَّى حَجَرا أبيض. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حُميد, قال: ثنا يعقوب, عن جعفر, عن سعيد بن جُبَير, قال ( الْعُزَّى ) : حَجَرا أبيض. وقال آخرون: كان بيتا بالطائف تعبده ثقيف. * ذكر من قال ذلك: حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله ( وَالْعُزَّى ) قال: العزّى: بيت بالطائف تعبده ثقيف. وقال آخرون: بل كانت ببطن نَخْلة. * ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأخْرَى ) قال: أما مناةُ فكانت بقُدَيد, آلهة كانوا يعبدونها, يعني اللات والعُزَّى ومَناة.حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله ( وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأخْرَى ) قال: مناة بيت كان بالمشلِّل يعبده بنو كعب.واختلف أهل العربية في وجه الوقف على اللات ومنات, فكان بعض نحويّي البصرة يقول: إذا سكت قلت اللات, وكذلك مناة تقول: مناتْ.وقال: قال بعضهم: اللاتّ, فجعله من اللتّ؛ الذي يلت ولغة للعرب يسكتون على ما فيه الهاء بالتاء يقولون: رأيت طَلْحتْ, وكلّ شيء مكتوب بالهاء فإنها تقف عليه بالتاء, نحو نعمة ربك وشجرة. وكان بعض نحويّي الكوفة يقف على اللات بالهاء ” أفَرأيْتُمُ اللاة ” وكان غيره منهم يقول: الاختيار في كل ما لم يضف أن يكون بالهاء رحمة من ربي, وشجرة تخرج, وما كان مضافا فجائزا بالهاء والتاء, فالتاء للإضافة, والهاء لأنه يفرد ويوقف عليه دون الثاني, وهذا القول الثالث أفشى اللغات وأكثرها في العرب وإن كان للأخرى وجه معروف. وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من أهل البصرة يقول: اللات والعزّى ومناة الثالثة: أصنام من حجارة كانت في جوف الكعبة يعبدونها.- تفسير جامع البيان في تفسير القرآن للطبري ] .

 

وفي تفسير البرهان :

 

[ قوله تعالى: { أَفَرَأَيْتُمُ ٱللاَّتَ وَٱلْعُزَّىٰ } قال: اللات رجل، و العزى امرأة، و قوله تعالى: { وَمَنَاةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ } قال: صنم بالمشلل خارج من الحرم على ستة أميال يسمى المناة.

قوله تعالى { أَلَكُمُ ٱلذَّكَرُ وَلَهُ ٱلأُنْثَىٰ } قال: هو ما قالت قريش: إن الملائكة هم بنات الله، فرد عليهم، فقال: { أَلَكُمُ ٱلذَّكَرُ وَلَهُ ٱلأُنْثَىٰ * تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ } أي ناقصة، ثم قال: { إِنْ هِيَ } يعني اللات و العزى و مناة { إِلاَّ أَسْمَآءٌ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ } أي من حجة. – تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني ] .

 

وفي تفسير الدر المنثور :

[ أخرج عبد بن حميد والبخاري وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس قال: كان اللات رجلاً يلت سويق الحاج، ولفظ عبد بن حميد: يلت السويق يسقيه الحاج.

وأخرج النسائي وابن مردويه عن أبي الطفيل قال: ” لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة بعث خالد بن الوليد إلى نخلة، وكان بها العزى فأتاها خالد وكانت على ثلاث سمرات فقطع السمرات وهدم البيت الذي كان عليها، ثم أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: ارجع فإنك لم تصنع شيئاً، فرجع خالد، فلما أبصرته السدنة، وهم حجبتها، امعنوا في الجبل وهم يقولون يا عزى يا عزى، فأتاها خالد فإذا امرأة عريانة ناشرة شعرها تحفن التراب على رأسها، فعممها بالسيف حتى قتلها، ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: تلك العزى “.
وأخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس أن العزى كانت ببطن نخلة وأن اللات كانت بالطائف، وأن مناة كانت بقديد.

وأخرج سعيد بن منصور والفاكهي عن مجاهد قال: كانت اللات رجلاً في الجاهلية على صخرة بالطائف وكان له غنم فكان يأخذ من رسلها ويأخذ من زبيب الطائف والأقط فيجعل منه حيساً ويطعم من يمر من الناس، فلما مات عبدوه وقالوا: هو اللات، وكان يقرأ اللات مشددة.

وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال: كان اللات يلت السويق على الحاج فلا يشرب منه أحداً إلا سمن فعبدوه.

وأخرج الفاكهي عن ابن عباس أن اللات لما مات قال لهم عمرو بن لحي: إنه لم يمت ولكنه دخل الصخرة فعبدوها وبنوا عليها بيتاً.

وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله { أفرأيتم اللات } قال: كان رجل من ثقيف يلت السويق بالزيت فلما توفي جعلوا قبره وثناً، وزعم الناس أنه عامر بن الظرب أخذ عدواناً.

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله { أفرأيتم اللات والعزى } قال: اللات كان يلت السويق بالطائف فاعتكفوا على قبره، والعزى شجرات.

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله { أفرأيتم اللات والعزى ومناة } قال: آلهة كانوا يعبدونها، فكان اللات لأهل الطائف وكانت العزى لقريش بسقام شعب ببطن نخلة، وكانت مناة للأنصار بقديد.

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي صالح قال: اللات الذي كان يقوم على آلهتهم، وكان يلت لهم السويق، والعزى بنخلة كانوا يعلقون عليها السبور والعهن، ومناة حجر بقديد.

وأخرج عبد بن حميد عن أبي الجوزاء قال: اللات حجر كان يلت السويق عليه فسمي اللات. – الدر المنثور ] .

[ عن ابن المنذر عن  قتاده في قوله تعالى ( أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ) قال : آلهة كانوا يعبدونها فكان اللات لأهل الطائف وكانت العزى لقريش بسقام شعب ببطن نخلة وكانت مناة للأنصار بقديد – الدر المنثور ج6 ص 140 ] .

وهذا من أصح ما روى في هذا الأمر لتوافقه مع القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة لأسباب وهى :

  • روى المنافقون أنه رجلأً كان يلت لهم السويق وقالوا بأنه عمرو بن لحي أو عامر بن الظرب فلما مات بنوا عليه بيتاً وعبدوه – الدر المنثور ج6 ص 140 ] . وهنا تعريض من منافقي قريش لعنهم الله على تحريم الصلاة في المساجد التي بها قبور لأنه لم يكن هناك معابد في مكة بل لا يوجد غير بيت الله الحرام الذي ملؤه أصناماً .

وهذا ما روج له المنافقون أن الأصنام بنوا لها بيتاً تعريضاً عن مساجد النبي صلى الله عليه وآله التي دفن بها ثم مساجد أهل بيت النبي عليهم السلام والصالحين لسيتخدمونها كحجة فيما بعد لهدم تلك المساجد والقضاء على الدين الإسلامي بداية من مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وانتهاءاً باصغر مسجد في آخر العالم .

  • هذه الرواية غير صحيحة لتعارضها مع قوله تعالى { وقال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا} وهو خبر غير صحيح ايضاً لتعارضه مع قول الله تعالى عن تحريم الصلاة فوق قبور المنافقين أو الكافرين أو القيام على قبورهم بما يعني حلية ذلك للمؤمنين قال تعالى { ولا تصلي على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره – التوبة } .
اقتران اللات والعزى بمناة وهى آلهة كانت تعبد من دون الله أشهر من أن يدلل عليها أحد بعد ما ورد في كتب السيرة النبوية المطهرة نداء أبو سفيان في غزوة أحد  ” لنا العزى ولا عزى لكم  فقال لهم النبي صلى الله عليه وآله قولوا لهم الله مولانا ولا مولى لكم ”  روى البخاري  عن البراء ابن عازب [ .. ثُمَّ أَخَذَ يَرْتَجِزُ: أُعْلُ هُبَلْ، أُعْلُ هُبَلْ، قالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أَلَا تُجِيبُوا له؟ قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، ما نَقُولُ؟ قالَ: قُولوا: اللَّهُ أَعْلَى وأَجَلُّ، قالَ: إنَّ لَنَا العُزَّى ولَا عُزَّى لَكُمْ. فَقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أَلَا تُجِيبُوا له؟ قالَ: قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، ما نَقُولُ؟ قالَ: قُولوا: اللَّهُ مَوْلَانَا، ولَا مَوْلَى لَكُمْ.- البخاري ] .
وهذا يثبت أن هذه أصناماً كانت تعبد في الجاهلية ولم يبنى عليها بيوتا كما زعم المنافقين ليستخدموها حجة في تحريم الصلوات في المساجد التي دفن بها أهل بيت النبي أو الصالحين من هذه الأمة .

ثم يقول تعالى :

(20) ومناة الثالثة الأخرى (20)

وهنا :

(مناة)

[ مناة : صخرة كانت بين مكة والمدينة يعبدها ثقيف وغيرهم – معجم ألفاظ القرآن باب الميم فصل النون والياء ] .

وأما :

(الثالثة)

أي أنها إما الترتيب الثالث في الآلهة التي عبدت من دون الله تعالى أو عبدت ثلاث مرات فيكون هناك مناة الأولى والثانية وهذه كانت الثالثة في ترتيب زمن النبي صلى الله عليه وآله لورود هذا الرقم وهو ثلاثة في قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم –النور 58 }  أو أنها ثالث الآلهة لقوله تعالى { لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة – المائدة 73 } وهنا تكون مناة ثالث الآلهة المشهورة المعبودة من دون الله في زلك الزمن في قريش وعند العرب . وبالتالي ثالث الثلاثة هنا اللات والعزى ثم مناة الثالثة الأخرى كما في الآيات { أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى } .

 

وأما :

 

(الأخرى)

 

وهنا [ الأخرى : مقابل الأولى – معجم ألفاظ القرآن باب الهمزة فصل الخاء والراء ] قال تعالى { فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ۖ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ ۖ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى – الطلاق 6 } وهنا كما أن الأم هى الأصل في الرضاعة قبل الأخرى البديلة فيكون اللات والعزى أصليتين من الجزيرة والثالثة الأخرى مستجلبة من خارج الجزيرة أو هى ليست من قريش . وهذه آلهة كانت تعبد من دون الله زمن النبي صلى الله عليه وآله لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد قل إنما هو إله واحد وإنني بريء مما تشركون – الأنعام 19 } .

ثم يقول تعالى :

 

(21) ألكم الذكر وله الأنثى (21)

 

[ .. يقول تعالى ذكره: أفرأيتم أيها المشركون اللات, وهي من الله ألحقت فيه التاء فأنثت, كما قيل عمرو للذكر, وللأنثى عمرة; وكما قيل للذكر عباس, ثم قيل للأنثى عباسة, فكذلك سمى المشركون أوثانهم بأسماء الله تعالى ذكره, وتقدّست أسماؤهم, فقالوا من الله اللات, ومن العزيز العُزَّى; وزعموا أنهن بنات الله, تعالى الله عما يقولون وافتروا, فقال جلّ ثناؤه لهم: أفرأيتم أيها الزاعمون أن اللات والعُزَّى ومناة الثالثة بنات الله ( أَلَكُمُ الذَّكَرُ ) يقول : أتختارون لأنفسكم الذكر من الأولاد وتكرهون لها الأنثى, وتجعلون ( َلَهُ الأنْثَى ) التي لا ترضونها لأنفسكم, ولكنكم تقتلونها كراهة منكم لهنّ. واختلفت القرّاء في قراءة قوله: ( اللاتَ ) فقرأته عامة قرّاء الأمصار بتخفيف التاء على المعنى الذي وصفتُ. – تفسير الطبري ] .

 

وهنا :

 (أ)

والهمزة هنا وردت في كتاب الله بموضع يفصل ذلك الأمر في قوله تعالى { أ صطفى البنات على البنين – الصافات 153} وقال تعالى في استفهام استنكاري على ماذكره هؤلاء المجرمين ون نسبة مايكرون لله تعالى وهم البنات التي كانوا يقتلوهن وأداً في التراب { أ فأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا إنكم لتقولون قولا عظيما –الإسراء 40 } وقال تعالى أيضاً { أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين – الزخرف 16 } أي أنه تعالى يستنكر عليهم كيف ينسبون للخالق عز وجل ما يكرهونه هم ولذلك قال تعالى هنا { ألكم الذكر وله الأنثى – النجم }  ولذلك يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله { فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون أم خلقنا الملائكة إناثاً وهم شاهدون – الصافات 149-150 }

وهذه قسمة ضيزى كما في الاية هنا{ ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذن قسمة ضيزى – النجم }

وأما :

(لكم)

وهنا يقول تعالى {   أم لكم سلطان مبين – الصافات 156} أي هل عنكم نص من كتاب الله أو متاب منزل بعبادة تلك الأصنام ثم يقول تعالى : { وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون – ريونس 41 } .

 

وأما :

 

(الذكر وله الأنثى)

 

وهنا يقول تعالى { وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى – النجم 45 } ولكن يبين تعالى أن الذكر ليس  كالأنثى والأنثى ليست كالذكر قال تعالى { فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر ك الأنثى – آل عمران 69 }

وهنا يبين تعالى أنهم نسبو الإناث لله تعالى ولهم الذكور  وهذا قول عظيم قال تعالى فيه { أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا إنكم لتقولون قولا عظيما – الإسراء 40 } ويبين تعالى مدى كراهيتهم لإنجاب الأنثى التي نسبوها لله عز وجل { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ ۙ وَلَهُم مَّا يَشْتَهُونَ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ۚ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ – النحل 57-59 } وهنا يبين تعالى ما داموا يكرهونها لضعفها وجلبها العار لهم على حسب معتقدهم فلم ينسبونها للخالق عز وجل وهو الخالق للذكر والأنثى وهذه قسمة ظالمة قال تعالى فيها هنا {الكم الذكر وله الأنثى تلك إذن قسمة ضيزى } .

ثم يقول تعالى :

(22) تلك إذن قسمة ضيزى (22)

وهنا :

(تلك إذن)

وردت هذه الآيات في قوله تعالى { تلك إذن كرة خاسرة – النازعات 12 } أي أنه كل من مات على ذلك وعلى ولايتهم فهو إلى خسران مبين لأنها قسمة ظالمة قال تعالى فيها { تلك إذن قسمة ضيزى } .

وأما :

(قسمة)

 

[ وقسم الشيئ بين الشركاء يقسمه قسماً جزأه وجعل لكل منهم جزءاً – معجم ألفاظ القرآن باب القاف فصل السين والميم ] قال تعالى { وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه – النساء 8} وقال تعالى أنه عز وجل قسم المعيشة بين الخلق في قوله تعالى { نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا – الزخرف 32 } أي أنه تعالى هو الخالق للذكر والأنثى وقسم بين الخلق معايشهم فكيف للمخلوق أن ينسب للخالق مايكرهه هو كما بينا ولقوله تعالى هنا { ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى } .

وأما :

(ضيزى)

وهذا اللفظ مما ليس له مرادفي في كتاب الله ولا جذر للكلمة , وضيزى : ترجع للمواد الثلاثة ضأز وضاز واوياً ويائياً – على معنى المضغ والإقتحام ونحوها ومنه يجيئ معنى الجور  في الحكم فقالوا ضأز حقه : منعه كضازه يضوزه وضازه يضيزه ومنه قسمة ضيزى : أي جائرة – معجم ألفاظ القرآن باب الضاد فصل الهمزة والزاي والواو والزاي والياء والزاي ] . قال تعالى { تلك إذن قسمة ضيزى } .

 

ثم يقول تعالى :

 

(23) إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى (23)

وهنا :

(إن هى إلا)

وردت هذه الآيات في قوله تعالى فيما اعتقده هؤلاء من كفر { إِنْ هِىَ إِلَّا مَوْتَتُنَا ٱلْأُولَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ – الدخان 35 } وقال تعالى أيضاً في إنكارهم للبعث {  وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين- الأنعام 29 }وقال في كتاب الله تعالى وكتب الله السماوية أساطير الأولين لقوله تعالى    { إن هذا إلا أساطير الأولين – الأنفال 31 }

وبالتالي لما عبدوا الأصنام هنا من الحجر وتقديس بشر من دون الله تعالى ورسوله صلى اللله عليه وأهل بيته عليهم السلام قدسوا تلك الأسماء لأصنامهم ورجالهم لجلب الأرزاق وسلب الناس أموالهم تخت شعار الأصنام التي عبدوها كاللات والعزى ومناة الثالثى الأخرى أو تقديس رجال لم يقدسهم الله تعالى من حكام كل زمان والذين تحولوا إلى اصنام بشرية تعبد من دون الله وهى أسماء لأصنام ورجال هنا قال تعالى فيها { إن هى إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان } وهذه فتنة قال تعالى فيها {إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين  الأعراف 155 }

وأما :

(أسماءاً سميتوها أنتم وآباؤكم)

هنا يبين تعالى أن الإسم الوحيد المأمور بعبادته هو الله تعالى قال تعالى { قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا – الإسراء 110 } ويبين تعالى للخلق هل علمت بمخلوق اسمه الله تبارك وتعالى أو الرحمن من قبل قال تعالى { رب السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا – مريم 65 } والله تعالى له الأيماء الحسنة وقال تعالى فيها { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون – الأعراف 180 } وهذا الخالق العظيم أرسل الرسل وأولهم أبو الأنبياء نبي الله آدم الذي علمه الأسماء كلها قال تعالى { وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين – البقرة 31 } ومن هذه الأسماء أسماءأنبياء ومرسلين كقوله تعالى

ومنها أسماء الأنبياء والمرسلين قال تعالى { وإني سميتها مريم وإني أعيذها وذريتها من الشيطان الرجيم } وقال تعالى { يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا  – مريم 7 }

وهؤلاء الأنبياء والمرسلين والأئمة من أهل بيت النبي عليهم السلام اختيار إلهي قال تعالى فيه { وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون – القصص 68 } وهنا يدخل الهوى في قلوب أهل النار فيرفضون أنبياء الله تعالى ويقتلونهم ويكذبون بدعوة المرسلين ويقتلون الأئمة ليستبدلوهم إما بأصنام حجرية لتعبيد الناس لهم  أو أصنام بشرية من حكام كل زمن ممن يرفضون الحكم بما أنزل الله وهؤلاء دعا نبي الله إبراهيم لذريته بأن يجنبهم عبادة هؤلاء في قوله تعالى { رب اجنبي وبني أن نعبد الأصنام رب إنهم أضللن كثيراً من الناس – إبراهيم } ومما فعله هذا الحزب الشيطاني الكذب على رسل الله تعالى وأنبيائه ونشر افتراءات ومكذوبات في مناقب ومحاسن رجالهم وأصنامهم ولذلك قال لهم نبي الله هود عليه السلام  من قبل { قال قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان فانتظروا إني معكم من المنتظرين – الأعراف 71 }

ونفس المشكلة في زمن نبي الله يوسف وقوله عليه السلام لصاحبي السجن {ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون – يوسف 40 } وفي أمتنا نفس الجريمة تتكرر ويقول لهم الله تعالى في كتابنا الكريم هنا { إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى – النجم 23 }

وأما :

(ما أنزل الله بها )

وما أنزله الله تعالى هو القرآن الكريم قال تعالى { الله لا إله إلا هو الحي القيوم نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام – آل عمران }  وهنا دعا رسول الله صلى الله عليه وآله للإيمان بالله تعالى ورسله وكتبه واليوم الآخر وأن يعملوا بما أنزل الله وهنا يقول تعالى { فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ – الشورى 15 }

ثم يبين تعالى أنهم هموا بأن يضلوا النبي وقطعاً سيفشلوا قال تعالى { ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما – النساء 113 } وقالوها صراحة لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه قال تعالى { وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين –سبأ 31 } وأما المنافقين قال تعالى فيهم أيضاً { وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا –النساء 61 } وما كان كفرهم إلا إصرارهم على تقليد آبائهم بنشر فكرة سلفهم الصالح قال تعالى { وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون – البقرة 170} وقال تعالى أيضاً { وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير –لقمان 21 } .

فلما كفروا بالله تعالى ورسوله و عجزوا عن إضلاله صلى الله عليه وآله وأصروا على  تقليد الآباء والأجداد ارتد المرتدون بعد موته صلى الله عليه وآله في انقلاب قال تعالى فيه { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين – آل عمران 144 } .

وهنا بدأ هؤلاء في نشر مناقب لرجال لم تكن لهم مناقب في حياة النبي صلى الله عليه وآله لتقديم أسماء أرضية بأهوائهم على اسماء سماوية أختارها الله تعالى للعالمين قال تعالى { وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون – آل عمران 72 }

والبداية يذكرهم الله تعالى بأنه من لم يحكم بما أنزل الله فأولائك هم الكافرون قال تعالى { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولائك هم الكافرون – المائدة 44 }  ثم يبين تعالى أنه أمر باتباع ملة إبراهيم حنيفاً في قوله تعالى { قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشكرين – آل عمران 95} وملة إبراهيم عليه السلام منها الوصية بالنبوة والإمامة في ذريته وخاتمهم سيدنا محمد صلى الله عليه والأئمة من أهل بيته لآية الإصطفاء التي قال تعالى فيها { إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض – آل عمران } وهذه الذرية التي اصطفى الله عز وجل منهم الأئمة قال تعالى { شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب – الشورى 13 } وهذه الوصية هنا من الدين وهى بعض ما أنزل الله تعالى والتي حذر الله تعالى من ترك العمل بها قال تعالى لذلك { واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك – المائدة 49 } وما كان الخروج على إمامة أهل البيت هنا بداية من الإمام علي عليه السلام إلا لعبادة الآباء والأجداد قال تعالى { وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون – المائدة 104 } . وهؤلاء الاباء والأجداد هنا أسماءاً قدسوها من أصنام وحكام قال تعالى فيهم هنا { إن هى إلا أسماءاً سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزلا الله بها من سلطان }

وأما :

(من سلطان)

والسلطان حكم الله تعالى المنزل في كتبه عز وجل لقول المرسلين لقومهم { وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله – إبراهيم 11 } ولذلك يقول تعالى فيمن تقولوا على الله بغير علم { إن عندكم من سلطان بهذا أتقولون على الله مالا تعلمون –يونس 68 }  ولذلك يقول تعالى في التوراة المنزلة على نبي الله موسى { ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين – غافر 23 } والسلطان والحكم في كتاب الله تعالى لقوله عز وجل { إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون – النحل 100 } ومن تولاه فقد اتبعه من دون الله تعالى لقوله عز وجل { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين – الحجر 42 } وهؤلاء هم الذين عبدوا آباءهم من دون الله تعالى وقد نهاهم الله تعالى عن ذلك كما في قوله تعالى { قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السماوات والأرض يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا فأتونا بسلطان مبين – إبراهيم 10 } فلما ماتوا على ذلك تبرأ منهم إبليس  إمامهم في الدنيا الذي عبدوه من دون الله تعالى بالهوى والرأي في مقابل القرآن الكريم قال تعالى : {وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم – إبراهيم 22 } .

وبالتالي المعنى هنا { ما أنزل الله بها من سلطان } أي لم يأمر الله تعالى بطاعتهم ولا ولاتهم في كتاب الله وبالتالي سلطان إبليس على من تولوه من دون الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام

 

وأما :

( إن يتبعون إلا)

هنا يبين تعالى أنه أمر باتباع ما أنزل الله عز وجل في قوله تعالى { و اتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون = الزمر55} ومن خرج على أمر الله تعالى ورسوله فهو يعمل بالهوى ويعبد إلهاً غيره تعالى لقوله عز وجل { أرأيت من اتخذ إلهه هواه وأصله الله على علم – الفرقان } وهذا الهوى قال تعالى فيه { فإن لم بستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهوائهم – القصص 50 }

وبالتالي يامر الله تعالى باتباعه وعدم الخروج على ولايته ثم ولاية رسوله وأهل بيته عليهم السلام  فيقول تعالى { اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون – الأعراف 3} .

ومن اتبعوا من دونه أولياء مقلدة الآباء والأجداد الوارد ذكرهم في قوله تعالى { وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير – لقمان 21 } وهؤلاء منهم منافقون كذبوا على الله تعالى ورسوله لقوله تعالى { ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم – محمد 16 }  وهنا يكونوا قد اتبعوا الباطل لقوله عز وجل {  ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم كذلك يضرب الله للناس أمثالهم  -محمد 3 } وذلك الباطل مما يسخط الله تعالى عليهم وعلى من تقلد بهم قال تعالى { ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم – محمد 28 } وهذا السخط والغضب عليهم من الله تعالى لخروجهم على ولاية من سماهم الله تعالى وأمر بولايتهم إلى أسماء قدسوها وعظموها من دون الله  بغير حق قال تعالى { يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وإن الظن لا يغني من الحق شيئا – النجم 23 } .

وأما :

(الظن)

والظن في كتاب الله ظنين الأول قائم على علم من كتاب الله وهو الحق فهو حقيقه ظنيه لأنها تقوم على نص من كتاب الله كقوله تعالى في المؤمنين { الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون – البقرة } والظن الآخر قائم على غير نص من كتاب الله فهو ظن بغير علم قال تعالى { وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ۚ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ – الجاثية 24 }

وقال تعالى أيضاً فيما اعتقدوه من عقائد بغير علم { وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَٰنِ إِنَاثًا ۚ أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ ۚ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ  وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَٰنُ مَا عَبَدْنَاهُم ۗ مَّا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِّن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ  – الجاثية 19-22} ومادام كل ذلك بغير نص من كتاب الله فهو ظن بغير حق قال تعالى فيه { إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا – النجم 28 } وبالتالي هو ظن شيطاني بالهوى من إبليس قال تعالى فيه { ولقد صدق عليهم  إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقاً من المؤمنين – سبأ } ولذلك قال عالى هنا أنهم بالظنة قالوا بعبادة الأصنام الحجرية والبشرية وما هى إلا أسماء هم سموها وقدسوها ولم يقدسها الله عز وجل . قال تعالى { إِنْ هِيَ إِلا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى – النجم 23 } .

وأما :

(وما تهوى الأنفس)

وهنا يبين تعالى أن الهوى إلهاً آخر مع الله تعالى قال فيه { أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون – الفرقان 43 } وقال تعالى أيضاً{ أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون  -الجاثية 23 } ولذلك هذا الأله هو الإله الثاني الذي حذر الله تعالى منه قائلاً { وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد- النحل } وبالتالي ما تهواه أنفسهم من الشيطان ليضل الناس عن سبيل الله قال عز وجل { وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم إن ربك هو أعلم بالمعتدين – الأنعام 119 } وقال تعالى لذلك لنبي الله داوود عليه السلام { يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب – ص 26 } وهنا يبين تعالى أن رسول الله لا ينطق عن الهوى بل هو وحي من الله تعالى كما في قوله عز وجل {و ماينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى – النجم } وهنا بين تعالى بني إسرائيل كلما جائهم رسول على غير أهوائهم فريقاً كذبوا وفريقاً يقتلون قال تعالى { كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون – المائدة 70 } .وقال تعالى أيضاً { ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون – البقرة 87 }  وما هوته أنفسهم هنا كان الكفر برسالة النبي صلى الله عليه وآله بعد محاولات عديدة لقتله بإلقاء حجراً أثناء جلوسه لجدار في بنو قينقاع ومرة أخرى بالشاة المسمومة وغير ذلك من محاولات قريشاً الإجرامية بقتله بالدباب وألقائه وناقته من فوق الجبل وقال تعالى في ذلك { وهموا بمالم ينالوا } .

وذلك لأنهم اتبعوا الظن الشيطاني وما تهوى الأنفس كما بينا لقوله تعالى هنا { إِنْ هِيَ إِلا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى – النجم 23 } .

وأما :

(ولقد جائهم من ربهم)

وهنا يبين تعالى أن الدين عنده الإسلام وكان كل أنبياء الله تعالى من قبل مسلمين قال تعالى {  إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب – آل عمران 19 } ويبين تعالى أنهم كفروا بآيات الله لما جائهم الحق ورسول الله صلى الله عليه وآله وكانوا يعرفونه كما يعرف أحدهم ولده كفروا به قال تعالى { ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين – البقرة 89 } ويبين تعالى أن فريقاً منهم نبذ كتاب الله تعالى وراء ظهره تاركاً العمل بما أنزل الله قال تعالى بعد أن أخذ منهم الميثاق قال تعالى { لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون- المائدة 70 }وهنا بين تعالى أنهم قد نبذوا كتاب الله وحكمه وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون قال تعالى {  ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون – البقرة 101 } .وأما قريش فقد قالت فيه ساحر وهو سحر قال تعالى { فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا إن هذا لسحر مبين – يونس 76 } . وقال تعالى في تعجبهم {بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب – ق 2 } . ويقول تعالى لقريش لعلهم يؤمنون  { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم – التوبة 128  }

وأما :

(من ربهم )

أي أنه يقول تعالى هنا { الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۙ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ ٰلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ – محمد 1-3} .

وأما :

(الهدى)

وهنا يبين تعالى أن الهدة الذي جاءهم من عند الله هو القرآن الكريم لقوله تعالى { وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به – الجن } وطاعة رسول االله صلى الله عليه وآله فيها الهدى لقوله تعالى { قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين  – النور54 } ثم ولاية الأئمة من أهل بيت النبي عليهم السلام فهم الهداة المهديين من ذرية إبراهيم لقوله تعالى { وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ ۖ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۚ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ۚ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَٰؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ  أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ۗ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ – الأنعام 87-90} ولذلك نزل فيهم قوله تعالى { إنما أنت منذر ولكل قوم هاد – الرعد } وقال تعالى في إمام آخر الزمان (عليه السلام)  { أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فمالكم كيف تحكمون – يونس } . وهنا لذلك يقول { ولقد جائهم من ربهم الهدى} أي القرآن الكريم وسنة رسوله صلى الله عليه والأئمة من عترته عليهم السلام .

 ثم يقول تعالى :

(24) أم للإنسان ما تمنى (24)

(أم)

[ وأم : هى المنقطعة المقدرة ببل والهمزة التي للإنكار فأضرب عن أتباعهم الظن الذي هو مجرد التوهم وعن اتباعهم هوى الأنفس وما تميل إليه – فتح القدير ج 5 ص 109 ] .

[ قوله تعالى: ” أم للانسان ما تمنى  أم ” منقطعة والاستفهام إنكاري، والكلام مسوق لنفي أن يملك الانسان ما يتمناه بمجرد أنه يتمناه أي ليس يملك الانسان ما يتمناه بمجرد أنه يتمناه حتى يملك المشركون ما يتمنونه بهوى أنفسهم من شفاعة الملائكة الذين هم أرباب أصنامهم وبنات لله بزعمهم أو يملكوا ألوهية آلهتهم بمجرد التمني.

وفي الكلام تلويح إلى أنهم ليس لهم للدلالة على صحة ألوهية آلهتهم أو شفاعتهم إلا التمني، ولا يملك شئ بالتمني.- الميزان في تفسير القرآن للطباطبائي ج19 ص 39 ] .

ولذلك يرد هذا اللفظ في موضع استنكار حسد الناس لأهل بيت النبي عليهم السلام لما أولاهم الله تعالى من نعم ومنها نعمة نزول الوحي والكتاب والحكمة والنبوة فيهم قال تعالى { أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا – النساء 54 }. وهنا كان تمنيهم بأن تكون النبوة والرسالة والإمامة في قبائلهم دون النبي صلى الله عليه وآله لذلك قالوا { لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم -الفرقان } وقالوا في دفاعهم عن أصنامهم { وقالوا أآلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون – الزخرف 58 } ويستنكر الله تعالى عليهم اعتقادهم أن الملائكة إناثاً كما بينا من قبل  قال تعالى { أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون – الصافت 150 } ثم يقول تعالى هل أنزل الله تعالى عليهم كتاباً يؤيدهم في شركهم هذا وكفرهم  قال تعالى { أم أنزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون – الروم 35 }

و لما استشهدت قريشاً أهل الكتاب في نبوته صلى الله عليه وآله أنكروها و قال تعالى في ذلك  { أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى قل أأنتم أعلم أم الله ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون – البقرة 140 } .

ولما عملوا بالهوى وكفروا بالله تعالى وعجزوا بأن يأتوا بدليل وبرهان من كتاب الله أن تكون لهم الطاعو والولاية  من دون الله تعالى ورسوله صلى الله عيله وأهل بيته عليهم السلام قال لهم عز وجل { أم اتخذوا من دونه آلهة قل هاتوا برهانكم هذا ذكر من معي وذكر من قبلي بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون – الأنبياء 24 } وقال تعالى أيضاً { أم لكم سلطان مبين – الصافات 156 } . أي هل أنزل الله تعالى عليهم كتاباً فيه رضاً بشرككم .

ويقول تعالى هل هذه الآلهة الحجرية والحكام البشرية ستمنعهم من الله أو تنصرهم قال تعالى { أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا لا يستطيعون نصر أنفسهم ولا هم منا يصحبون – الأنبياء 43 } . ويقول تعالى لهم علا تدبروا ما نزل فيهم من عند الله من قول فقال تعالى { أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين – المؤمنون 68 } ثم يبين تعالى بعد ذلك  فريقاً من ذراريهم منافقين لا يعملون بنص القرآني إلا إذا كان لهم فإن كان عليهم نبذوه وراء ظهورهم كبني إسرائيل كأنهم لا يعلمون قال تعالى { ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريقاً منهم من بعد ذلك وما أولائك بالمؤمنين وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون –النور 49-50 } . وهؤلاء هم الذين شرعوا من دين الله مالم يأذن به الله فتولوا غير أهل بيت النبي عليهم السلام وتقولوا على الله تعالى ورسوله في ذكر نصوصاً كثيرة مكذوبة في مناقب الرجال والبلدان كما قال علماء الحديث بأن الوضع دخل في فيها وشرع الله المروي في السنة النبوية محفوظ لأنه من الوحي .  وبهذه المكذوبات نالوا ماتمنوا من تبوء مقاعد للحكم بعد قتل أهل بيت نبيهم عليهم اسلسلام في كل زمن مع تبديل كثير من الأحكام أهمها الولاية وقال تعالى في ذلك التبديل { فمن بدله من بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه – آل عمران } وهذا التبديل في التشريع من الدين لأن لفظ الدين يدخل فيه الأراء وعمل من كان قبلنا ويمكن أن يشرعوا فيه بمالم يأذن به الله لذلك قال تعالى في مدرسة الرأي { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم – الشورى 21 } وهذه مكيد كبيرة بأمة محمد صلى الله عليه وآله أبرموها وقال تعالى لذلك { أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون – الزخرف 79 } وأخيراً يقول تعالى لهؤلاء الكافرين والمنافقين من قريش وأهل الكتاب { أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها – محمد 24 } .

ولماذا تمنوا مامنعه الله تعالى عنهم لما تمنوا مكانة أهل بيت النبي عليهم السلام ظناً لا نصاً من عند الله  قال تعالى { أم للإنسان ماتمنى } .

وأما :

(للإنسان)

هنايبين تعالى تمني الإنسان الخير ودعاءه به مادام حيا وبلا عمل للآخرة قال تعالى لذلك { لا يسأم الإنسان من دعاء الخير وإن مسه الشر فيئوس قنوط – فصلت 49 } وقال تعالى { وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض – فصلت 51 } وقال تعالى {وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فإن الإنسان كفور – الشورةى48 }

أي كما قال تعالى { قتل الإنسان ما أكفره – عبس 17 } يتمنى متاع الدنيا ومتاعها قليل ومن متاعها حسد أهل بيت النبي عليهم السلام وسلبهم ملكهم لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا  إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا – الإنسان 1-9 } وهذه الآيات نزلت في الإمام علي والسيدة فاطمة والحسنين بما يشير إلى تمني كفار قريش ومنافقيها مكانة هؤلاء عند الله وما نزل في حقهم مناقب ملئت الخافقين ومنها سورة الإنسان هنا ( هل أتى) : [عن ابن عباس قال: مرض الحسن والحسين فعادهما جدهما في ناس معه، فقالوا: يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك نذراً، نذر علي وفاطمة وفضة جارية لهما، إن برئا ممّا بهما أن يصوموا ثلاثة أيّام، (طبقا لبعض الرّوايات، أنّ الحسن والحسين أيضا قالا نحن كذلك ننذر أن نصوم) فشفيا وما كان معهم شي‏ء، فاستقرض علي ثلاث أصواع من شعير، فطحنت فاطمة صاعاً واختبزته، فوضعوا الأرغفة بين أيديهم ليفطروا فوقف عليهم سائل، وقال: السلام عليكم، أهل بيت محمد، مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة، فآثروه وباتوا لم يذوقوا إلّا الماء وأصبحوا صياماً.

فلما أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم فآثروه (وباتوا مرة أُخرى لم يذوقوا إلّا الماء وأصبحوا صياماً) ووقف عليهم أسير في الثّالثة عند الغروب، ففعلوا مثل ذلك.

فلما أصبحوا أخذ علي بيد الحسن والحسين وأقبلوا إلى رسول الله ، فلما أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدّة الجوع، قال: «ما أشدّ ما يسوؤني ما أرى بكم» فانطلق معهم، فرأى فاطمة في محرابها قد التصق بطنها بظهرها، و غارت عيناها، فساءه ذلك، فنزل – الزمخشري،. جبرئيل وقال: خذها يا محمد هنّاك اللّه في أهل بيتك فأقرأه السورة الكشاف، ج 4، ص  670] . وبالتالي ما تمناه الناس هنا مكانة أهل بيت النبي عليهم السلام .

وأما :

(ماتمنى)

والتمنى هنا طمعاً فيما فضله الله تعالى على غيرهم بغير حق قال تعالى { ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض } وبالتالي ما تمناه هؤلاء في كتاب الله مكانة النبي وأهل بيته حسداً لهم على النبوة والإمامة . والآية عامة تنهى عن تمني ما في أيدي الناس وإلا تحول هذا التمني إلى حسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب وعن تمني دخول الجنة بلا عمل بل وبسفك دماء وكبائر قال تعالى في تمني أهل الكتاب ذلك { وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداَ  أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهنكم إن كنتم صادقين – البقرة111 } وقال تعالى لهم  إن كانوا صادقين فليتمنوا الموت ولا يفرون منه قال تعالى { قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين – البقرة 94} وقال تعالى لهم إن زعموا أنهم أولياء الله تعالى من دون الله تعالى وورسوله وأهل بيته عليهم السلام فليتمنوا الموت قال تعالى { قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ولا يتمنونه أبداً بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين – الجمعة 6 } . وهنا يرد تبارك وتعالى على قريش وعلى أهل الكتاب قائلاً سبحانه وتعالى { ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا – النساء 123 } .

ثم يقول تعالى :

(25) فلله الآخرة والأولى (25)

وهنا :

(ولله)

أي أنه تقول تعالى  { ولله ملك السماوات والأرض والله على كل شيء قدير آل عمران 189 } وله تعالى الغيب فيهما وهو أعلم بما فيهما لقوله تعالى { ولله غيب السماوات والأرض وإليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعملون  -هود123 } وله تعالى خزائن السماوات والأرض كما في قوله تعالى { ولله خزائن السماوات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون – المنافقون 3 } وله تعالى يسجد من فيهما من دابة والملائكة  قال تعالى { ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون  -النحل 49 } وله تعالى ميراث السماوات والأرض  بعدد فنائها ثم تبديل الأرض غير الأرض والسماوات في قوله تعالى { يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوت وبرزو لله الواحد القهار } ثم ميراث السماوات والأرض قال تعالى { وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السماوات والأرض– الحديد 10 } . ومادام لله تعالى ملك السماوات والأرض وخزائنهما وما فيهما يسجد له تعالى وله ميراثهما فلله تعالى الآخرة و الأولى كما في الاية هنا { ولله الآخرة والأولى } .

وأما :

(الآخرة والأولى )

والأولى هنا وتأخرها بعد تقديم الآخرة تبين أن الحياة الأولى هى الحياة قبل النزول إلى الأرض والأخرة بعد هبوط الإنسان فيها وهذا الهبوط له أول وله آخر قال تعالى { وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون – القصص 70 } . والرجوع إلى الله تعالى هنا للحياة الأولى قبل الهبوط على الأرض وكلاهما الله تعالى له فيهما الحكم وله الملك وله يسجد من فيهما كما بينا وله ميراثهما قال تعالى لذلك هنا { ولله الآخرة والأولى } .

وأما :

(الأخرة)

والآخرة هنا آخرتان الأولى تأت على أنها آخر عمر الدينا  ولها آخر يوم من أيامها وهو من الأيمان بالله تعالى في قوله عز وجل { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا – النساء 59 } وقال تعالى أيضاً {   يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا – النساء 136 } وهذا اليوم الآخر وآخره قيام الساعة له علامات منها وعد الآخرة الذي ذكره تعالى عن بني إسرائيل وقال تعالى فيه { إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا – الإسراء 7 } وقال تعالى ايضاً { وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا – ألإسراء 104 }

وبالتالي الدنيا بعد هبوط الإنسان فيها لها أول ولها آخر قال تعالى في الأمم ما بين اليوم الأول لها واليوم الآخر  { قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ فِي النَّارِ ۖ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا ۖ حَتَّىٰ إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ ۖ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَٰكِن لَّا تَعْلَمُونَ وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ – الأعراف 38-39 } وقال تعالى أيضاً { ألم نهلك الأولين ثم نتبعهم الآخرين إنا كذلك نفعل بالمجرمين  – المرسلات 16-18 } والمؤمنين في الدنيا قلة من الأولين ومثلهم قلة في آخر عمر الدنيا لقوله تعالى { ثلة من الأولين وثلة من الآخرين  – الواقعة} وفي يوم القيامة يجمع الله تعالى الأولين والآخرين للحياب كما في قوله تعالى { قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم  – الواقعة 49-50 } .

وبعد الموت والحساب تكون الآخرة وهذا هو المعنى الثاني في كتاب الله تعالى وقال فيها الدار الآخرة في قوله تعالى : { تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين – القصص 83 } وقال تعالى { وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون – العنكبوت 64 } .

وأما :

(والأولى)

والأولى أيضاً في كتاب الله لها ثلاث مقاصد الأول :

وهو الحياة الأولى قبل الهبوط إلى الأرض وقال تعالى هنا { ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون – الواقعة 62 } والأولى هنا مرحلة اللخلق الأول من طين لورود هذا اللفظ على  عصا موسى عليه السلام وتحولها في قول تعالى { قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى – طه 21 } وهذه مرحلة بداية الخلق لورود هذا اللفظ في قوه تعالى { قل كونوا حجارة أوحديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة فسينغضون إليك رءوسهم ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا – الإسراء 50-51 } ويقول تعالى في هذه المرحلة من الخلق الأول { وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا – الكهف 48 }

المقصد الثاني :

بعد هبوط بني آدم للأرض أصبح لها أمم أولى وأمم آخرة لقوله تعالى { ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون – القصص 43 } وهذه قرون أولى قال تعالى فيها { فما بال القرون الأولى قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى – طه } ومن هذه القرون الأولى عاد وثمود في قوله تعالى { وأنه أهلك عاداً الأولى وثمود فما أبقى – النجم }

المقصد الثالث :

أول عمر أمة محمد كآخر الأمم تبدأ بقتال قريش واليهود للنبي صلى الله عليه وآله في معارك كثيرة منها غزوة بدر وأحد الأحزاب وحنين وفي وآخر عمر هذه الأمة القيامة  وقال تعالى لذلك { ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدءوكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين – التوبة 13 } وعن الوعد الأول من عمر هذه الأمة بهلاك بني إسرائيل  والنصر عليهم وغلبتهم قال تعالى  { فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا – الإسراء 5 } ويبين تعالى أن آخر عمر أمة الإسلام وما بعد الموت خير للنبي من أول عمر هذه الأمة قال تعالى { وللآخرة خير لك من الأولى – الضحى } .

أي أن الله تبارك وتعالى له كل شيئ بالدنيا والآخرة سماواتها وأراضيها وما خلقه عز وجل فيهما فالأمر كله فيهما يرجع إليه تعالى بدايته ومنتهاه . قال تعالى { فلله الآخرة والأولى } .

ثم يقول تعالى :

(26) وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى (26)

وهنا :

(وكم)

ورد قواميس اللغة عن “كم” أنها : [ اسم استفهام مبنيّ على السكون، يستفهم بها عن أي عدد، وتمييزها مفرد منصوب، وقد يحذف إنْ دل عليه دليل، وتسمَّى (كم) الاستفهامية “كم كتابًا قرأتَ؟ – كَمْ رسالةً تسلَّمتَ؟ – كَمْ صُمتَ؟ “.

اسم مبنيّ على السكون يكنّى بها عن العدد الكثير في مقام الافتخار والتعظيم، كما تُستعمل في التعجّب السماعيّ وتمييزها مفرد أو جمع مجرور وقد يحذف، وتسمَّى (كم) الخبريَّة “كَمْ سفينةٍ/ سفنٍ أغرقها البحر! – كَمْ تمنيت زيارتك! – كَمْ هو سعيد!: للتعجّب ] .

وهنا التعجب في إرسال الله تعالى الرسل للثقلين كما في قوله تعالى { وكم أرسلنا من نبي في الأولين  -الزخرف 6 }  ومع ذلك كفر أكثر واستحق الهلاك كما في قوله { وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون – الأعراف 4 } ولم ترد بعد ذلك إلا في هلاك القرى الظالمة لما كفرت بالله تعالى ورسله قال تعالى لذلك { وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا – الإسراء 17 } وهؤلاء الهالكين يقول تعالى فيهم هل تحس منهم من أحد { وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا  – مريم 98 } وقد كانت هذه الأمم أقوى ممن جاءوا من يعدهم قال تعالى  { وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا – مريم 74 } وقال تعالى فيهم أيضاً { وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد هل من محيص – ق 36 }

وماكان هلاك هؤلاء إلا ببطران نعمة الله تعالى الكفر به وبرسله فأهلكهم الله تعالى كما في قوله تعالى { وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين – القصص 58 } بكفرهم وظلمهم قصمهم الله تعالى كما في قوله تعالى { وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين – الأنبياء 11 } وهؤلاء لما أهلكهم الله تعالى يقول تعالى هنا لم تغني شفاعة أحد عنهم ولن يشفع فيهم إلا من أذن الله تعالى. ومن رضى الله تعالى هو النبي صلى الله عليه وآله و المؤمنين معهم وهم القلة في الدنيا  وهم المنتصرون الغالبون لعدوهم كما في قوله  { كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين – البقرة 249 } وهذه القلة وأئمتهم من رسول الله صلى الله عليه وأهل بيته والشهداء منهم هم المرضي عنهم للشفاعة كما في الآية هنا  { وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى – النجم 26}

وأما :

(من ملك في السماوات)

وملائكة السماء ومنهم حملة العرش قال تعالى فيهم { وانشقت السماء فوقهم فهى يومئذٍ واهية والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية – الحاقة 16-17} ومنهم ملائكة تنزل بأمر الله تعالى ورد ذكرهم في قوله تعالى { ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا – الفرقان 25}

وهؤلاء الملائكة لن تغني شفاعتهم عن هؤلاء المجرمين شيئاً  إلا لمن يشاء الله ويرضى كما في الآية هنا { وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى – النجم 26} .

وأما :

(لا تغني)

وهنا لا تغني يبين تعالى من خلال هذا اللفظ أنه لن ينفع يوم القيامة إلا العمل الصالح وولاية الله الحق والويل كل الويل لمن سمع آيات الله تعالى ولم يؤمن ويعمل بمقتضاها قال تعالى { وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ  يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا ۖ فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ مِّن وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ ۖ وَلَا يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ هَٰذَا هُدًى ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ  -الجاثية 7-11 } وفي هذا اليوم لا ولاية إلا لله تعالى ورسوله صلى الله عليه والأئمة من أهل بيته عليهم السلام ولا تغني ولاية غيرهم لقوله تعالى { يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا ولا هم ينصرون – الدخان 41 } ومادام لا يغني مولى عن مولى شيئاً أي فما تنفعهم شفاعة إلا لمن ارتضى وهؤلاء ماتوا على سخط من الله تعالى وخروجاً على حكمه وبالتالي لا شفاعة لأحد فيهم قال تعالى مبيناً أن الشافعة لمن رضى الله تعالى عنهم  كما في الآية هنا { وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى – النجم 26} .  ولن يغني عنهم أولياؤهم من دون الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام ولا ما كسبوه في الدنيا  قال تعالى { من ورائهم جهنم و لا يغني عنهم ما كسبوا شيئا ولا ما اتخذوا من دون الله أولياء ولهم عذاب عظيم  -الجاثية 10 }

والسؤال هنا مادام هؤلاء ماتوا على غير ولاية الله الحق  فهل يرضى عنهم الله تعالى ورسول الله صلى الله عليه والأئمة عليهم السلام ؟!

ومن هنا كان رسول الله صلى الله عليه وآله والإمام علي عليه  السلام كما في الحديث ” قصيم الجنة والنار ” [ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي : لا يحبك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلاّ منافق؟ قلنا بلى، قال: فأين المؤمن؟ قلنا: في الجنة، قال: فأين المنافق؟ قلنا: في النار، قال: فعلي قسيم الجنة والنار-  كفاية الطالب الكنجي ص 22 ] .

وأما :

( شفاعتهم شيئاً)

[ وشفع له عند آخر يشفع له شفاعة : طلب التجاز عن سيئة كأنه ضم نفسه إليه معيناً له فهو شافع وهم شافعون وهو شفيع وهم شفعاء ومنه الشفاعة عند الله – معجم ألفاظ القرآن باب الشين فصل الفاء والعين ] .  قال تعالى { من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها وكان الله على كل شيء مقيتا – النساء 85 } أي من انضم إلى غيره في عمل الصالح وعاونه على فعل الخير شاركه الجزاء أو العقاب  . والشفاعة جميعا لله تعالى أولاً لقوله تعالى { قل لله الشفاعة جميعا له ملك السماوات والأرض ثم إليه ترجعون  -الزمر 44 } .

بعد ذلك لا شفاعة ولا تنفع  إلا من بعد أن يأذن الله تعالى لمن يشاء ويرضى كما فيقوله عز وجل { من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه – البقرة 255 }  وقال تعالى أيضاً {ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير  -سبأ 23 } .وفي هذا اليوم لا تنفع الشفاعة إلا من اتخذ عند الله عهداً  ورضى له قولا كما في قوله تعالى { لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا – مريم 87 } وقال تعالى { يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا  – طه 109 }  ومن رضى الله له قولا فهم رسول الله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام والمؤمنين والشهداء الذين قال تعالى فيهم { رضى الله عنهم روضوا عنه – البينة } وآخر هؤلاء الذين سيرضى عنهم المؤمنين بتأويل آخر الزمان مع إمام أهل البيت عليه السلام وقاتلوا معه وقال تعالى فيه هذا التأويل أن الخارج عيه لا شفاعة له يوم القيامة :{ هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون – الأعراف 53 } .

ويبين تعالى أن هناك من خرجوا على ولاية أهل بيت النبي عليهم السلام واستبدلوها بولاية غيرهم وظنوا أن رجالهم لهم شفاعة  وهؤلاء قال تعالى فيهم { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ ۗ وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ ۖ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ۖ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ ۚ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ – الأنعام93-94} . ومن أسباب عدم قبول الشفاعة عدم إيمانهم بالله تعالى و تركهم الصلاة والصدقة والخوض في آيات الله فكان عاقبتهم سقر وعدم قبول شفاعة أحد فيهم كما في قوله : { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ  فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّىٰ أَتَانَا الْيَقِينُ فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ – المدثر 38-48} .

وهؤلاء هم الذين تولوا غير الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام كما بينا وهؤلاء لا يملكون شيئاً بل وكانوا لا يعقلون فيا لدنيا ليتيقنوا أن الولاية لله تعالى ورسوله وذرية النبييين لا غيرهم من بقية القبائل المتصارعة مع النبي وأهل بيته عليهم السلام قال تعالى  { أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون – الزمر 43 } . وذلك لأن منهم من زعم الشفاعة لأصنامهم  قال تعالى { ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون – يونس 18 } فلما أسلموا نفاقاً رووا في مناقب رجالهم ما ملئ الخافقين زوراً وبهتاناً  وقاتلوا على ذلك وسفك بعضهم دماء بعض في سبيل رجال وليس في سبيل كتاب الله وسنة رسوله والدفاع عن أئمة أهل بيت النبي عليهم السلام وهنا قال تعالى في هؤلاء { وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَىٰ مِنَ الْقَوْلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا هَا أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا – النساء 107-109) وفي هذا اليوم لا يملك الشافعة أحد إلا إذا علم الحق وشهد به كما في قوله تعالى { ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون – الزخرف 86 } وسيكفر بعضهم ببعض في هذا اليوم لقوله تعالى { ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء وكانوا بشركائهم كافرين – الروم 13 } . وهؤلاء لن يشفع فيهم أحد زلو كان ملكاً من السماء قال تعالى هنا : { وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى  -النجم 26 } .

 

وأما :

(شيئاً)

أي أنه يقول تعالى هنا { واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون – البقرة 48 } ولذلك خشى المؤمنون من العمل بالهوى فقال تعالى عفيما حكاه كتاب الله عنهم { أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون- يس 23 } وفي هذا اليم لا يغني مولى عن مولى شيئاً قال تعالى { يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا ولا هم ينصرون – الدخان 41 } وفي هذا اليوم الذي يحاكمون فيه بلا شفيع ولا نصير لا ظلم فيه و لن يجزون إلا ما كانوا يعملون قال تعالى { فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون – يس 54 } .

وأما :

(إلا من بعد أن يأذن الله)

ولفظ الإذن في كتاب الله ورد على البيوت التي أذن الله تعالى في شفاعتهم ورفعتها على بيوت العالمين قال تعالى في أهل بيت النبي عليهم السلام  { في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال – النور 36 } وهؤلاء هم الذين رضى الله تعالى عنهم وأذن لهم بالشفاعة يوم القيامة لرضاه عز وجل عنهم قال تعالى هنا { وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى  -النجم 26 } . ولفظ الإذن ورد في موضع آخر يبين أمر منافقين شرعوا للناس مالم يأذن به الله فأخرجوا الناس عن ولاية أهل بيت نبيهم عليهم السلام لولاية غيرهم ففرقوا الأمة قال تعالى { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله – الشورى } و لا شفيع بعد ذلك إلا من بعد إذنه و { إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون – يونس 3 } والإذن هنا لمن رضى الله عنهم وهى بيوت النبي التي رفعها الله تعالى على غيرها وهذا حكمه عز وجل .

وأما :

(لمن يشاء)

وهنا يقول تعالى { وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون – القصص 68 } والشيئ  الذي أجبر الله تعالى عليه الخلق هو اختيارة للرسالة والنبوة والإمامة في فرع واحد من ذرية نبي الله آدم اصطفاه تعالى لذلك قال فيهم مبينأً أ،هم ذرية بعضها من بعض فقال تعالى { إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل عمران وآل عمران على العالمين ذرية يعضها من بعض والله وسميع عليم – آل عمران } . وهؤلاء هم الذين رضى الله تعالى عنهم وجعل فيهم الشفاعة كما في الآية هنا { وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى  – النجم 26 } .

وأما :

(ويرضى)

وهنا يبين تعالى أنه لا يرضى إلا عن حزبه من الأنبياء والمرسلين وأهل بيته عليهم السلام  ومن تولاهم من دون غيرهم من الآباء والأجداد قال تعالى { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضى الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون – المجادلة 22 } و عن المشفع فيهم فهؤلاء هم الذين أسلموا لله تعالى وتولوا الإمام علي عليه السلام لما نزل فيه بغدير خم من قوله تعالى { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم – المائدة 3 }

وهؤلاء هم المؤمنين الذين قدموا رضا الله تعالى ورسوله على رضا غيرهم قال تعالى { والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين – التوبة 62} و قد تولوا الله ورسوله والإمام علي عليه السلام حتى نزل فيهم أنهم خير البرية في سورة البينة قال تعالى { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا  رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ  ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ – البينة 7-8 } وهنا يقول صلى الله عليه وآله [ علي وشيعته هم الفائزون يأتون يوم القيامة غراً محجلين … الحديث – الدر المنثور للسيوطي ] وبالتالي المرضي عنهم في الشفاعة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام ثم الأنبياء والمرسلين وهؤلاء هم حزبه الذي ر ضى الله تعالى عنه .

وعلى الجانب الآخر ممن كذبوا على الله تعالى في مناقب الرجال وفي أقواله صلى الله عليه كما ورد في قوله تعالى { يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا – النساء 108 } ومالا يرضى من القول هو الكذب على الله تعالى ورسوله وهؤلاء لا تنفعهم شفاعة الشافعين كما بينا من قبل ولله تعالى هنا { وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى – النجم 26 } أي : [ وكثير من الملائكة في السموات مع علوِّ منزلتهم, لا تنفع شفاعتهم شيئًا إلا من بعد أن يأذن الله لهم بالشفاعة, ويرضى عن المشفوع له – التفسير الميسر ] .

ثم يقول تعالى :

(27) إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى (27)

وهنا :

( إن الذين لا يؤمنون بالآخرة )

والذين يؤمنون بالآخرة هم الذين آمنوا بالله تعالى ورسوله وعملوا يكتاب الله تعالى وهو الهادي إلى طريق مستقيم كما في قوله تعالى : { إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا  وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا – الإسراء 9-10 }

وهؤلاء منهم عبدة الأصنام لقول سيدنا يوسف لصاحبي السجن { قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ذلكما مما علمني ربي إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون – يوسف 37} ومن هؤلاء الذين جعلوا الملائكة إناثاً ونسبوهم لله تعالى عما يشركون قال تعالى هنا  { إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى – النجم 27 } وهؤلاء في ضلال بعيد قال تعالى فيه { أفترى على الله كذبا أم به جنة بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد – سبأ 8 } وهذا الضلال الذي وقعوا فيه كان بتزيين الشيطان أعمالهم كما في قوله تعالى { إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون – النمل 4 } فلما ضلوا وزين لهم الشيطان أعمالهم أنكرت قلوبهم القرآن الكريم كما في قوله تعالى : { إلهكم إله واحد فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون – النحل 22} وحاربوا رسول الله صلى الله عيه وآله وناصبوه وذريته العداء من بعده ومالت لهذا العداء كل من اقترف سيئة وخرج على ولاية الله ورسوله وأهل بيته عليهم السلام لقوله تعالى :{ وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ۚ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ وَلِتَصْغَىٰ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا ۚ وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ ۖ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ – الأنعام 112 -113}  وقلنا أن هذه العداوة امتدت لذرية النبي من بعده وذلك لأن لفظ اقترف هنا في الاية ةرد في الخاريجت على مودة أهل البيت عليهم السلام في قوله تعالى { قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا – الشورى} وقد حذر الله تعالى من ولاية هؤلاء الذين عملوا بالظن والهوى أمام النص القرآني و تشمئز قلوبهم من النص القرآني فلا يقبولنه إلا إذا قدمت عليه رأي رجالهم فإن قلت قال ظيد وعمر من الناس استبشروا وإن قلت قال تعالى قالوا لك ما أدراك قال تعالى هنا {وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون – الزمر 45 }

و هؤلاء هم الذين عدلوا الهوى وقدموه على الله تعالى وقد زعموا أنهم مسلمون وسيقولون يوم القيامة : { سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ ۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ حَتَّىٰ ذَاقُوا بَأْسَنَا ۗ قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا ۖ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ  قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ۖ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ  قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا فإن شهدوا فلا تشهد معهم ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون – الأنعام 148- 150 } .

وفي ذلك تأكيد بأن أعداء أهل بيت النبي (عليهم السلام) هم ذرية عبدة الأوثان من قبل وهؤلاء في الاخرة وسلفهم عن الصراط لناكبون أي أنهم ساقطون من عليه في جهنم قال تعالى { وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون – المؤمنون 74 }

وأما :

( ليسمون الملائكة تسمية الأنثى )

وهنا يبين تعالى انهم أطلقواعلى الملائكة تسمية إناث لورود لفظ التسمية على السيدة مريم في قوله تعالى { فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم – آل عمران 36 }  أي أنهم أطلقوا أسماء إناث على الملائكة ونسبوهم لله تعالى عما يشركون . قال تعالى { إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى – النجم 27 }


وأما :

(الملائكة تسمية الأنثى)

أي انهم جعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً قال تعالى { وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَٰنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ ۚ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ – الزخرف 19 } ويسأل الله تعالى هل شهد هؤلاء المجرمين خلقهم قال تعالى  {أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ – الصافات 150 } .ثم يقول تعالى مستنكراً عليهم هذا القول لعنهم الله  {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلا عَظِيمًا – الإسراء 40 }

ثم يقول تعالى في هؤلاء :

(28) ومالهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا (28 )

وهنا :

(ومالهم به من علم إن يتبعون إلا الظن )

أي أن هؤلاء مالهم به من علم ولا آبائهم قال تعالى {وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ ۚ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ۚ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا – الكهف 4-5 }

و من هؤلاء المنكرين للبعث والنشور من الدهرية الذين يقولون إن هى إلا أرحام تدفع وأرض تبلع  بالظن وعدم العلم  قال تعالى : { وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ۚ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ – الجاثية 24-26 }

ويبين تعالى أن هذا المعتقد من جعلهم الملائكة إناثاً ما هو إلا تقليد للآباء والأجداد وهكذا كل أمة تخرج على ولاية الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام فهى مقلدة لأديان الآباء وما كان عليه الأجداد من كفر قلدوهم فيه واتخذوهم قادة لهم على سبيل التخرص وهو التخمين  قال تعالى { وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَٰنِ إِنَاثًا ۚ أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ ۚ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَٰنُ مَا عَبَدْنَاهُم ۗ ما لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِّن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ وَكَذَٰلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ – الزخرف 19-23 }

 وأما :

(إن يتبعون إلا الظن)

أي انهم تركوا كتاب الله تعالى ونبذوه وراء ظهورهم وفيه الهدى وعملوا بالهوى والظن قال تعالى { إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس  ولقد جاءهم من ربهم الهدى  – النجم 23} .

وأما :

(وإن الظن لا يغني من الحق شيئا)

وهنا : [ لايغني : بمعنى الكفاية والإجزاء – معجم ألفاظ القرآن باب الغين فصل النون والياء ] قال تعالى { وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى – النجم 26 } أي لا تجزئ شفاعتهم والمعنى أن الظن لا يكفي ولا يجزئ قال تعالى { ما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا إن الله عليم بما يفعلون – يونس 36 } . ولذلك يأمر الله تعالى رسوله والمؤمنين بالإعراض عن هؤلاء العاملين بالهوى والرأي في مقابل نصوص القرآن الكيم في كل زمان ومكان :

قال تعالى :

(29) فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا (29)

وهنا :

(فأعرض)

[ وأعرض :أي ولى مبدياً عرضه – معجم ألفاظ القرآن باب العين فضل الراء والضاد ] قال تعالى {

كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ – فصلت 3-5 }ولا يوجد أظلم من هؤلاء بعد أن ذكرهم رسول الله بكتاب الله تعالى كما في قوله تعالى { ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا – الكهف 57 } وهؤلاء منهم منافقون تظاهروا بالإسلام زوراًن مع تقديم ولاية رجالهم وقبائلهم مقابل ولاية أهل بيت النبي عليهم السلام وقال تعالى فيهم { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودً فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا – النساء 61-63 }

وهؤلاء قال تعالى فيهم لرسوله وللمؤمنين { فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون – السجدة 30 }

وأما :

(عن من)

وردت هذه الآيات في قوله تعالى { ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار –النور 43 } وكما قدر الله تعالى بأن يصرفسنا برقه عمن يشاءء ويصيب به من يشاء فهنا مشيئته أمر بها رسول الله صلى الله عيه وآله والمؤمنين بأن ينصرفوا عنهم قال تعالى هنا { فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا } .

وأما :

( تولى)

[ ويقال ولى العدو دبره : انثنى عن قتاله ورجع ويقال ولى : ذهب وانصرف – معجم ألفاظ القرآن باب الواو فصل اللام والياء ] قال تعالى { وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين – القصص 31 } أي اتركه وانصرف عنه قال تعالى هما { فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا – النجم 29}

وأما :

(عن ذكرنا)

أي أنه يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله اصبر مع المؤمنين الذين يريدون وجهه عز وجل و أعرض الذين لا يريدون إلا الحياة الدنيا  ولا تطعهم قال تعالى { واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا – الكهف 28 } .

وأما :

(ولم)

هنا يبين تعالى أن سيدنا إبراهيم كان حنيفاً مسلماً ودين الإسلام الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله يقوم على نفس الحنيفية الإبراهيمية قال تعالى { إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين – النحل 120 } وبالتالي نهاهم الله تعالى عن عبادة الأصنام وأنه تعالى ليس له ولد قال تعالى والحمد لله على هذه النعمة قال تعالى { وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا – الإسراء 111 } ومن كفر بهذا الدين وهذه الدعوة إلى الله تعالى فإن الله تعالى أمر رسوله بالإعراض عنهم قال تعالى { فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا – النجم 29}

وأما :

( يرد)

هنا يقول تعالى { وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين – آل عمران 145 } وقال تعالى { مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا  وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا –الإسراء 18-21 }

ومن شرح الله صدره للإسلام سيؤمن به تعالى ويطعه عز وجل ورسوله صلى الله عليه وآله قال تعالى { فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون – الأنعام 125 } ومن أضله الله تعالى ولم يرد إلا الحياة الدنيا هنا يأمر الله تعالى بالإعراض والتولي عنهم قال تعالى { فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا – النجم 29}

وأما :

(إلا)

أي أنه يقول تعالى هنا { وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون – يونس 100 } ولن بؤمن أحد ويذكر إلا أن يشاء الله كما في قوله تعالى { وما يذكرون إلا أن يشاء الله هو أهل التقوى وأهل المغفرة – المدثر 56 } ولذلك أمر الله تعالى رسوله والمؤمنين بالإعراض عنهم فلو أراد الله تعالى لهم الإيمان فسيؤمنوا لذلك يقول تعالى لرسوله وللمؤمنين { فذكر إن نفعت الذكرى – الأعلى 9 } و بالتالي أعرض عنهم إن لم ينفعهم ذكر الله تعالى  .

وأما :

 (الحياة الدنيا)

أي أنه تعالى يبين أنه من أراد الدنيا فسيعطيه منها ولكن ليس له في الآخرة من نصيب ومن أراد  الآخرة فسيعطيه تعالى له قال تعالى {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون – هود 15-16 } ويقول تعالى في الفريقين من أهل الدنيا والآخرة : {كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا – الإسراء 20  } .

ثم يقول تعالى :

(30) ذلك مبلغهم من العلم إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى (30)

وهنا :

(ذلك)

ولفظ ذلك ورد المقصود منه كتاب الله تعالى في قوله عز وجل { ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين – البقرة 2 } وهذا الكتاب فيه هدى للمتقين يهدي به الله تعالى من يشاء كما في قوله تعالى  { ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون – الأنعام 88 } وهؤلاء الجهلاء بحقائق دين الإسلام بين تعالى أنهم ثلاث فرق أو ثلاث أصناف من الخلق :

الأول : وهم الرافضون لولاية أهل بيت النبي باسم الإسلام :

و هنا بينا من قبل بمواضع كثيرة أن دين الإسلام يقوم على الحنيفية الإبراهيمية وهى الميل عن الشرك والوصية ولذلك يقول سيدنا يوسف لصاحبى السجن عن هذا الدين القيم { إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۚ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللَّهِ مِن شَيْءٍ ۚ ذَٰلِكَ مِن فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ۚ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ – يوسف 37-40 } وهذا الدين القيم وهذه الملة الحنيفية القائمة على القرآن الكريم والسنة الواردة عنه صلى الله عليه وآله أوحاها الله تعالى لرسوله لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا – الإسراء 39 } .

ويبين تعالى أن من هذه الأمة  من سيؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض ومن هذا البعض ولاية أهل بيت النبي عليهم السلام وكما قتلت بنو إسرائيل أنبيائهم سيقتل هؤلاء الأئمة من ذرية النبي محمد صلى الله عليه وآله كما قال تعالى فيهم من قبل { ثُمَّ أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأْتُوكُمْ أُسَارَىٰ تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ ۚ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ۚ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ– البقرة 85 } .

الصنف الثاني : فريق من أهل الكتاب :

من هؤلاء المحاربين اللنبي صلى الله عليه وآله والمؤمنين قوم آمنوا برسلهم وكفروا بالننبي الخاتم كما في قوله تعالى { إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا   – النساء 150} .  وذلك مبلغهم من العلم

والصنف الثالث من هؤلاء فريق يعمل للدنيا فقط ولا يعير للآخرة والعمل الصالح بالا  :

وهؤلاء هنا لا يعملون إلا للدنيا وتكبروا عن طاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وهؤلاء صرف الله عملهم عن الآخرة وقال تعالى فيهم { سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين – الأعراف 146 }وهؤلاء لا يعملون بكتاب الله إلا إذا وافق أهوائهم ومصالح دنيوية لهم قال تعالى { ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين – الحج 11 }  وقال تعالى في خطايا هؤلاء وغمرة قلوبهم بالدنيا وانشغالهم بها { وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ ۚ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَٰذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِّن دُونِ ذَٰلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ – المؤمنون 62-63 }وهؤلاء قال تعالى فيهم هنا { ذلك مبلغهم من العلم – النجم } وهؤلاء لكثرتهم قبل يوم القيامة سيعاقبون من الله تعالى عقاباً شديداً كما عاقب تعالى الأمم من قبل وقال في ذلك عز وجل { فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون – النمل 52 } وفي آخر الزمان بزماننا هذا يقول تعالى أيضاَ سيراً على سننه تعالى في الأمم الظالمة يقول تعالى : { وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا – الإسراء 58 } .

وذلك لأنهم قوم لا يعلمون كما قا تعالى  { مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون التوبة 6 } وذلك مبلغهم من العلم بأضاليل ومكذوبات وتوهمات بعيدة كل البعد عن حقائق الدين الإسلامي الصحيح ولذلك قال صلى الله عليه وآله ” إن هذا الدين بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ ” وهنا يقول تعالى لذلك في ضآلة علمهم { ذلك مبلغهم من العلم } .

وأما  :

(مبلغهم)

وهنا يبين تعالى أن مبلغ علم الكافرين والمنافقين هو الدنيا كالأمم من قبل التي قال تعالى فيها : { وكذب الذين من قبلهم وما بلغوا معشار ما آتيناهم فكذبوا رسلي فكيف كان نكير – سبأ 45 } وهذا التكذيب فعلته قريش كما فعلت الأمم من قبل قال تعالى لذلك { وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليهم بوكيل – الأنعام }  وهؤلاء هم الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله والمسجد الحرام كما في قوله تعالى { هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما – الفتح 25 } فقال تعالى لرسوله لذلك بأن يتبرأ منهم كما في قوله تعالى { قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد قل إنما هو إله واحد وإنني بريء مما تشركون – الأنعام 19 }

فلما تبرأ منهم و تزيل المؤمنون عنهم أبلغ أمته صلى الله عليه وآله رسالة ربه واستخلاف الإمام عليا من بعده فلما تأخر في إبلاغ القوم  قال تعالى { يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين – المائدة 67 }

ثم دخل الناس في دين الله أفواجاً كما في قوله تعالى { إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا } وفي هؤلاء منافقين طلقاء قال تعالى فيهم { وإذا جاؤكم قالوا آمنا وهم قد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به – المائدة } وكان خروجهم من دين الله ببرويجهم كذباً مناقب في رجالهم طمسوا بها حق أهل بيت النبي عليهم السلام عن جموع كثيرة من المسلمين فضرب الإضطراب والإختلاف بين المسلمين وأصبح من اراد التدين قدم هؤلاء على أهل بيت النبي عليهم السلام على الرغم من أن كل كرائم القرآن نزلت في علي كما في حديث ابن عباس (رضى الله عنهما) قال : [ مافي القرآن آية إلا على رأسها وقائدها وشريفها وأميرها ولقد عاتب الله أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وما ذكر علياً إلا بخير .. وعنه أيضاً رضى الله عنه ما نزل في أحد من كتاب الله ما نزل في علي عليه السلام – مسند احمد عبن ابن عباس & حلية الأولياء ج1 ص 64 & منتخب كنز العمال هامش مسند احمد ج5 ص 38 & وتاريخ الخلفاء ص 581 & نورالأبصار للشبلنجي ص 81 & ذخائر العقبى ص 89 & شواهد التنزيل للحاكم ج1 ص 39 & ص 48 & ص 54 & نهج الحق وكشف الصدق للحلي ص 209- 210] . فلما شوشوا على أمة محمد أمر دينها وولايتها قال تعالى في أصحاب العلم المنقوص هنا { ذلك مبلغهم من العلم } .

وأما :

(من العلم)

وهنا يبين تعالى أن العلم الحقيقي والصدق في كتابه الكريم قال تعالى { إنما العلم عند الله وإنما أنا تذير مبين – الملك 26 } وهذا العلم رسول الله صلى الله عليه وآله شهيداً على أمته ثم الإمام علي عليه السلام لما نزل فيه من قوله تعالى { ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب – الرعد 43 }  وهذه الشهادة هى الوصية الإبراهيمية المأمور بها في كتاب الله وفي كتب الأولين قال تعالى فيها { شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۚ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ – الشورى 13-14 } وهنا بدأ المنافقون الكذب على الله ورسوله باسم الإسلام ليضلوا الناس   بعدما جاءهم العلم من عند الله قال تعالى { فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم إن الله لا يهدي القوم الظالمين – الأنعام 144 } وكان افتراء الكذب هنا على الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وىله وهم يزعمون أنهم مسلمون لقوله تعالى { فمن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام – الصف } وهذه المكذوبات صيغت بعد ذلك على أنها ضمن سنة النبي صلى الله عليه وآله ولا أصل لها في كتاب الله لأنه لم يأت لمدح قبائل ورجال وتعبيد الناس لهم بل جاء لتعبيد الناس لله تعالى ولذلك يقول عز وجل { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُم ۚ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا  انظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۖ وَكَفَىٰ بِهِ إِثْمًا مُّبِينًا – النساء 49 -50 } وهنا يبين تعالى أن الناس لقلة بحثهم في هذا الأمر جادلوا بغير علم ووقع الإختلاف والتقاتل بين الناس قال تعالى { ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد – الحج 3 } ويبين تعالى هنا أن الصراع والتقاتل والإختلاف كان بين طائفتين أحدهما عالمة والثانية قلية العلم وقال فيهم هنا { ذلك مبلغهم من العلم } .

وأما :

( إن ربك هو أعلم)

وهنا يبين تعالى أنه أعلم بخلقه لذلك ينهى عن نشر فضائل ومناقب في رجال لم يزكيهم الله تعالى ولم يظهر في كتاب الله غير أهل بيت النبي عليهم السلام الذين أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا قال تعالى لذلك { إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ۚ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ ۖ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ ۖ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ – النجم 32 }

وأما :

( إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى )

أي أنه يقول تعالى

{ ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين – النحل 125} ويقول تعالى أيضاَ { إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين – القلم 7 } ومن اهتدى فقد آمن بكتاب الله وعمل بما أمر الله تعالى وفيه الهدى لقوله تعالى { وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به – الجن } وقال تعالى أيضا فيه { هذا هدى – الجاثية } ومن أطاع رسول الله صلى الله عليه وآله فقد اهتدى قال تعالى { وإن تطيعوه تهتدوا – النور 54 } ومن تولى الأئمة من أهل بيت النبي فقد هدى إلى طريق مستقيم لقوله تعالى في ذرية نبي الله إبراهيم وفيهم النبوة والرسالة والإمامة إلأى يوم القيامة { وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ ۖ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۚ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ۚ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَٰؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ۗ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ الأنعام 87-90 } وقد جعل الله تعالى لكل زمان منهم إماماً هاديا مهدياً قال تعالى فيه { إنما أنت منذر ولكل قوم هاد – الرعد }  ومن ضل فقد أطاع سادته وكبراءه في مقابل هؤلاء الأئمة الهداة المهديين ولذلك سيتبرؤون منهم يوم القايمة كما في قوله تعالى { وقالوا ربنا إننا أطعنا سادتنا وكبرائنا فأضلونا السبيلا ربنا وآتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعناً كبيرا – الأحزاب } . وهنا يكون تعالى قد بين سبيل الهدى والضلال لذلك قال تعالى { إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى – النجم 30} .

ثم يقول تعالى :

(31) ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى (31)

 وهنا :

(ولله ما في السماوات وما في الأرض)

أي أنه يقول تعالى { ولله ما في السماوات وما في الأرض وإلى الله ترجع الأمور – آل عمران 109 } فإذا رجعوا إلى الله تعالى نبئهم بما عملوا قال تعالى { ألا إن لله ما في السماوات والأرض قد يعلم ما أنتم عليه ويوم يرجعون إليه فينبئهم بما عملوا والله بكل شيء عليم – النور 64 } فإذا حاسبهم الله تعالى نبئهم بما في نفوسهم قال تعالى { لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير – البقرة 284 }  يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء لقوله تعالى {  ولله ما في السماوات وما في الأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله غفور رحيم – آل عمران 129 } أي أنه تعالى يجزي المسيئ بسيآته والمحسنين بإحسانهم قال تعالى هنا { لله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى – النجم 31 }

وأما :

(ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى)

أي أنه يقول تعالى { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون –الأنعام 160 } ومن جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسية فلا يجزى إلا ما عملوا  قال تعالى { من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون – القصص 84 } ومن عمل صالحاً فهؤلاء جزاؤهم الجنة يرزقون فيها بغير حساب قال تعالى { من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب – غافر 40 }  أي أنه تعالى سيجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزى الذين أحسنوا بالحسنى كما في الاية هنا { لله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى – النجم 31 } .

وأما :

(الذين أحسنوا بالحسنى)

أي أنه يقول تعالى { إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها – الإسراء }

ومن اتقى ه في الدنيا حسنة وسيرثه الله تعالى الجنة ولنعم دارالمتقين  قال تعالى { وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين – النحل 30 } .

وهؤلاء لن يعذبوا ولهم الجنة يوم القيامة قال تعالى { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون – يونس 26 }وهؤلاء سيدخلون الجنة وسيوفيهم الله تعالى أجرهم بغير حساب قال تعالى { قل يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض الله واسعة إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب – الزمر 10 } . وهذه الحسنة بعد العمل بكتاب الله وسنة رسوله وجزاؤها الحسنى تأتي بعد ذلك حسنة مودة أهل بيت النبي لقوله تعالى { قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنى – الشورى 23 } وهنا كأنه يقول تعالى ما خلق السماوات والأرض إلا لطاعته ورسوله ومودة أهل بيته عليهم  السلام ومن أحسن فله الحسنى قال تعالى { ويجزى الذين أحسنوابالحسنى } .

ثم يقول تعالى في الذين سيحسن إليهم في الدنيا والآخرة أنهم هم لذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش قال تعالى :

(32) الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى (32)

وهنا :

(الذين يجتنبون)

أولاً :

كل ما نهى الله تبارك وتعالى عنه كبائر :

يبين الله تعالى هنا أن كل ما حرم الله تعالى ونهى عنه من الكبائر واجتنابها شرطاً لصحة الإيمان قال تعالى { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما – النساء 31 }  وإن هنا شرطية لتكفير السيئات وصح الإيمان وهؤلاء هم الذين اجتنبوا كبائر الإثم والفواحش كما في قوله تعالى { والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون – الشورى 37 } أي أن هؤلاء هم [ الذين يجتنبون كبائر ما نهى الله عنه ، وما فَحُش وقَبُح من أنواع المعاصي، وإذا ما غضبوا على مَن أساء إليهم هم يغفرون الإساءة، ويصفحون عن عقوبة المسيء؛ طلبًا لثواب الله تعالى وعفوه، وهذا من محاسن الأخلاق.- التفسير الميسر ] .

والموت على إحدى هذه الكبائر يستوجب النار تماماً مثل الكفار بالله تعالى كما في قوله عز وجل : { وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما – النساء 18 } وبالتالي هنا حديث شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي موضوع لتعارضه مع حكم كتاب الله تعالى هنا كما بين الله تعالى وفصل آياته الكريمة . ويوم القيامة سيتحسرون على تفريطهم في جنب الله والعمل بكتابه الكريم لقوله تعالى { أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين – الزمر 56 } .

ولفظ الإجتناب في كتاب الله ورد في عدة مواضع تبين مراد الله تعالى من هذه الكبائر كما يلي  :

ثانياً :

من الكبائر طاعة الحكام في العمل بغير ما أنزل الله تعالى وهؤلاء طواغيت وأصنام :

دعا نبي الله إبراهيم لبنيه من بعده بأن يجنبهم عبادة الأصنام في قوله تعالى { وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام رب إنهن أضللن كثيراً من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم – إبراهيم 35 } ومعلوم أن الذي يضل ليس الصنم الجامد بل العاملون المستترون خلفه من حكام وسدنه ولذلك يقول تعالى مبيناً أن الضلال يأتي من الحكام وليس الجماد الذي لا ينطق قال تعالى  { وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا – الأحزاب 67}  وعن الأصنام الجامدة يقول تعالى عن قول نبي الله إبراهيم لهم عندما حطمهم {فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ مالكم لا تنطقون – الصافات91-92 } وبالتالي المضل هو ليس هذا الجماد بل هم  الحكام الذين ينطقون ويقتلون ويعذبون لتطويع الناس لهم من دون الله تعالى  وهؤلاء مابعث الله أنبياءه ورسله إلا للكفر بهم وبأصنامهم وأوثانهم ومايعبدونه من دون الله  والإيمان به تعالى قال عزز وجل

{ ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين  -النحل 36 } والذين اجتنبوها لهم البشرى كما في قوله تعالى : { والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد – الزمر 17 } . وهؤلاء رجس قال تعالى فيه { فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور – الحج 30 } ومادمت سمعت لفظ رجس فيكون القرآن الكريم يوضح أنهم الحكام الخارجين على ولاية أهل بيت النبي الذين اذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا قال تعالى { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا – الأحزاب 33 } .

ثالثاً :

 قول الزور من الكبائر لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور – الحج 30 }

رابعاً : ظن السوء والتجسس والغيبة والنميمة :

لقوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم – الحجرات 12 }  والظن اعتقاد وتقول على الله ورسوله بغير علم قال تعالى { يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من شيء قل إن الأمر كله لله يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور – آل عمران 154 } وهذا الظن مادام بغير علم من كتاب الله فهو من إبليس لقوله تعالى { ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقاً من المؤمنين – سبأ }. وهناك ظن يقوم على نص من كتاب الله فهو حقيقة قال تعالى فيها عن المؤمنين الذين اعتمدوا على كتاب الله في علمهم ومعتقدهم { الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون – البقرة 46 } .

خامساً : الخمر والميسر والأنصاب والأزلام من الكبائر :

قال تعالى {  يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون – المائدة 90 } أي أن [ يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، إنما الخمر: وهي كل مسكر يغطي العقل, والميسر: وهو القمار, وذلك يشمل المراهنات ونحوها, مما فيه عوض من الجانبين, وصدٌّ عن ذكر الله, والأنصاب : وهي الحجارة التي كان المشركون يذبحون عندها تعظيمًا لها, وما ينصب للعبادة تقربًا إليه, والأزلام: وهي القِداح التي يستقسم بها الكفار قبل الإقدام على الشيء, أو الإحجام عنه, إن ذلك كله إثمٌ مِن تزيين الشيطان, فابتعدوا عن هذه الآثام, لعلكم تفوزون بالجنة.- التفسير الميسر ] .

وأما :

(كبائر)

والكبير عكس الصغير والمعاصي والكبائر والأعمال منها الصغير والكبير قال تعالى { وكل صغير وكبير مستطر – القمر 53 } . والكبائر هنا هى الذنوب والآثام والمعاصي التي نهى الله تعالى عنها و قال تعالى فيها { اللذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم – النجم } والجرائم التي حددها كتاب الله تعالى فهى من أكبر الكبائر كالشرك والخروج على ولاية أهل البيت عليهم السلام وشرب الخمر ورمي المحصات كما سنبين فهذه هى أكبر الكبائر .

ومن أكبر الكبائر التي أوردها الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم :

أولاً :

الخروج على الوصية التي أمر الله تعالى بها باالإستخلاف في مرحلة ما بعد النبوة :

قال تعالى مبيناً أنه اصطفى للنبوة الرسالة والإمامة فرعاً من بني آدم موكول لهم هذه المهمة الربانية وهم الذين اصطفاهم الله عز وجل من آدم حتى المهدي عليهم اليام قال تعالى { إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين  ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم – آل عمران 33 -34} وفي قراءة ابن مسعود وأبي ابن كعب [ وآل محمد على العالمين – راجع تفسير البحر المحيط لأبو حيان التوحيي ج 2 ص 435 ] .

وبالتالي الوصية في مرحلة ما بين ختم النبوة ثم الإمامة وهى مرحلة خطيرة و دقيقة من مراحل البشرية لأنها مدخل لعلامات الساعة والقيامة وهذه الوصية أوصى بها من قبل نبي الله نوحاً وإبراهيم والأنبياء من بعدهم قال تعالى فيها  { شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب – الشورى 13 } .

وهنا كبر على المشركين بما يدل على أن الخروج على ولاية الله تعالى ورسوله ويقول تعالى في استكبارهم {  وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ – المنافقون 5 } أي [  وإذا قيل لهؤلاء المنافقين: أقبلوا تائبين معتذرين عمَّا بدر منكم من سيِّئ القول وسفه الحديث, يستغفر لكم رسول الله ويسأل الله لكم المغفرة والعفو عن ذنوبكم, أمالوا رؤوسهم وحركوها استهزاءً واستكبارًا وأبصرتهم  أيها الرسول يعرضون عنك, وهم مستكبرون عن الامتثال لما طُلِب منهم – التفسير الميسر ] وهذا الإستكبار عن ولاية اهل بيت النبي كان عصبي جاهلية لآبائهم وأجدادهم قال تعالى فيها { والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير – الأنفال 73 } أي  إن لم تتولوا الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام من بعده فهو الفساد الكبير .

فلما توفى رسول الله صلى الله عليه وآله أبى هؤلاء ولاية أهل بيت النبي عليهم السلام عليهم فحاربوهم وقتلوهم شر قتله وجادلوا في ذلك بالباطل قال تعالى : { إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير – غافر 56 } و الخروج على ولاية الله تعالى هنا ورسوله صلى الله عيه وأهل بيته عليهم السلام من أكبر الكبائر واجتنابها شرطاً لتكفير الذنوب ودخول الجنة .

ثانياً :

كبيرة الإعراض عن ذكر الله : 

وهنا يبين تعالى أحوال قوم سمعوا آيات الله تتلى عليهم ثم لا يعملون بها ولا يعيرون لها بالاً وهؤلاء قال تعالى فيهم { وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم – الجاثية 7-8 } .

ثالثاً :

  قتال أهل مكة و إخراج أهلها من بيوتهم و استحلال القتل في الأشهرالحرم من أكبر الكبائر :

قال تعالى في الأشهر الحرم : { إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين – التوبة 36 } قتال أهل مكة المكرمة وإخراج أهلها من بيوتهم في الأشهر الحرم أو في غير الأشهر الحرم من الكبائر .

والقتال في الشهر الحرم محرم وكبيرة من الكبائر قال تعالى فيها هنا { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون – البقرة 217 }

رابعاً :

 الخمر والميسر من الكبائر :

قال تعالى { يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون – البقرة 219 }

خامساً :

 رمي المحصنات الغافلات المؤمنات من أكبر الكبائر :

قال تعالى { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون – النور 4} وقال تعالى أيضاً { إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم – النور 23 } وهؤلاء قال تعالى فيمن يتولى هذه الجريمة { إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ  -النور 11 } .

سادساً :

 من أكبر الكبائر أكل مال اليتيم :

قال تعالى { وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا – النساء 2 } .

سابعاً :

الشرك بالله تعالى والعقوق :

قال تعالى { والفتنة أكبر من القتل – البقرة 217 } وهذه الفتنة الشرك بالله تعالى وهو مما حرم الله تعالى في قوله عز وجل { قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا – الأنعام } . ومن الشرك العلماء القائلين في الدين بالرأي وهؤلاء يشرعون في الدين بمالم يأذن به الله كما في قوله عز وجل { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله – الشورى } وهنا تكون طاعة السادة والكبراء من خلال مدرسة الرأي كي يحلوا لأنفسهم ما حرموا منه أهل بيت النبي عليهم السلام وكل بني هاشم وبني عبد المطلب حيث منعوا جميعاً من تقلد كل مناصب الدولة و القيادة والجيش  وولاية الأمصار في عصر أبي بكر وعمر وعثمان مما تسبب في مذابح لهم بالعصر الأموي و العباسي حتى الآن وإلى أن يشاء الله تعالى شيئاً ومن تولى غيرهم من حكام كل عصر سيأتي يوم القيامة ليقول {   وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ربنا وآتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعناً كبيرا – الأحزاء 67-68 } .

عاشراً :

قتل الأولاد و تحديد النسل وكل دعوى لعدم الإنجاب والفواحش من أكبر الكبائر :

وهنا يقول صلى الله عليه وآله في الحديث الشريف : [ تناكحوا تناسلوا فإني مباهي بكم الأمم يوم القيامة .. الحديث ] وبالتايى نهى الله تعالى عن الوأد الأصغر وقتل الأولاد قال تعالى فيما حرمه الله عزو جل وجعله من أكبر الكبائر : { وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ  -الأنعام } وقتل الأولاد كبيره قال تعالى فيها { ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا كبيرا – الإسراء 31 }

وأما :

(الإثم)

[ الإثم : فعل مانهى الله تعالى عنه فهو آثم وأثيم والآثام : مانهى الله تعالى عنه وقد يطلق على الجزاء المترتب على فعل مانهى الله تعالى عنه – معجم ألفاظ القرآن باب الهمزة فصل الثاء والميم ] قال تعالى في بيان أن الإثم كل ما نهى الله تعالى عنه { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب – المائدة 2 } وهذه الآثام منها الظاهر ومنها الخفي الذي لا يعلمه إلا الله لذلك قال تعالى { وذروا ظاهر الإثم وباطنه إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون – الأنعام120 } .

وهذه الذنوب والمعاصي هى الكبائر وأما  ما حدده القرآن الكريم فمخالفته من أكبر الكبائر وليست الكبائر كما بينا من قبل و لذلك يأت لفظ إثم على جرائم محددة في كتاب الله كما يلي :

  • الشرك بالله إثماً عظيما لقوله تعالى { ومن يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيما – النساء 48 }
  • الكفر بالله إثم من أكبر الكبائر قال تعالى { ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين – آل  عمران 178 }
  • الإيمان ببعض والكفر ببعض ما أنزل الله في ولاية أهل بيت النبي عليهم السلام و إخراج أهل بيت النبي عليهم السلام والمؤمنين من ديارهم بغير حق من أكبر الكبائر قال تعالى { ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون –البقرة 85} .
  • إثم تبديل شرع الله والكذب على الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله عن علم وبعمد قال تعالى { فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم – البقرة 181 }
  • مدح وإطراء غير النبي وأهل بيته عليهم السلام إثماً مبينا : وهنا الإثم المبين أي الجلي الواضح والذي لا يحتاج إلى أدلة فقد قال تعالى في أهل بيت نبيه عليهم السلام : { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا – الأحزاب 33 } فكيف يطرى بعد ذلك غيرهم ويقدم عليهم أحداً من خلقه إلا ظالم ولذلك قال تعالى أنه إثماً مبينا هنا بعد أن زكوا وطهروا وقدموا عليهم غيرهم قال تعالى  { ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا انظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به إثما مبينا – النساء 49-50 } ثم يقول تعالى بعد أن جادل هؤلاء عن غير أهل بيت النبي عليهم السلام  وقاتلوا وسفكوا دماء أهل البيت وأشياعهم وأنصارهم من المؤمنين في سبيل مكذوبات على الله تعالى ورسوله تخالف صحيح القرآن الكريم يقول تعالى لهؤلاء { ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا – النساء 109 } .
  • أكل مال أصحاب النصاب في كتاب الله وخمس أهل البيت عليهم السلام بالباطل و استحلالها وإعطائها للحكام من أكبر الكبائر قال تعالى في أصحاب النصاب { إنما الصدقات للفقراء والمساكين } وقال تعالى في الخمس { واعلموا أن ما غنمتم من شيئ فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى } وهذه الأموال المستحقة منعها من أصحابها ليأكلها حكام كل عصر من أكبر الكبائر لورود لفظ إثم في قوله تعالى  { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون – البقرة 188 }
  • الإفساد في الأرض بإهلاك الحرث وقتل النسل والإصرار على ذلك دون توبة من أكبر الكبائر قال تعالى { وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد – البقرة 206 }
  • رمي الناس بالتهم الباطلة قال تعالى { ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا – النساء 112 } . { والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا – الأحزاب 58 }
  • كتمان شهادة الحق وهى الوجه الآخر لقول الزور قال تعالى { ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه – البقرة 283 }
  • القتل من أكبر الكبائر : قال تعالى في ابني آدم { إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين – المائدة 29 }
  • الخمر والميسر لقوله تعالى { يسئلونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما – البقرة 219 } وفي الحديث ” الخمر أم الكبائر ” .
  • أكل مهور النساء وصداقهن حال طلاقهن بغير سبب إلا الإستبدال بزوجة أخرى قال تعالى { وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا – النساء 20 }
  • رمي المحصنات المؤمنات الغافلات وإيذاءالمؤمنين والمؤمنات قال تعالى { إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم -النور 11 } وقال تعالى أيضاً { والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا – الأحزاب 58 } .
  • الربا : قال تعالى { يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم – البقرة 276} .
  • ظن السوء بالله تعالى لقوله عز وجل { يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم – الحجرات 12 }
  • التبذير والإسراف والعمل بالهوى وهو الإله الآخر مع الله تعالى وقتل النفس والزنا قال تعالى { والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا – الفرقان 67-69 } . وهنا في الآية يبين الله تعالى أن من اجتنبها فقد اجتنب أكبر الكبائر ومن وقع في الكبائر فليستغفر الله يجد الله غوراً رحيما قال تعالى { ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما – النساء 110 } .

وأما :

(الفواحش)

[ الفحش : الزيادة والكثرة وتجيئ من هذا مجاوزة القدر والحد فحش والفحشاء والفاحشة : ما اشتد قبحه من الذنوب قولاً أو فعلاً وكثيرأً ما يراد بالفاحشة الزنا وجمع الفاحشة : فواحش – معجم ألفاظ القرآن باب الفاء فصل الحاء والشين ]  قال تعالى في تقليد الآباء أنه من فواحش القول فيما فعلته الأمم من قبل قال تعالى { وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون – الأعراف 28 } . والزنا فاحشة قال تعالى فيها { ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا – الإسراء 32 } وعمل قوم لوط فاحشة قال تعالى فيها { ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين – الأعراف 80 }  وقال تعالى { ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون – النمل 54 } .

وهذه الفواحش من الشيطان لقوله تعالى {  الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم – البقرة 286 } ومن هذه الفواحش التقول على الله بغير علم والإفتآت عليه تعالى كما في قوله تعالى {ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون – البقرة 168-169 } .

وقد نهى الله تعالى عن اتباعه في قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم – النور 21 } .

مويبين تعالى أنه أمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وأولهم قربى رسول الله صلى الله عليه وآله ونهى عن الفحشاء والمنكر والبغي كما في قوله تعالى { إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون – النحل 90 } .

وأما :

(إلا)

ورد هذا الإستثناء على الذين آمنوا وعملوا الصالحات في قوله تعالى { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات – العصر } وهؤلاء هم الذين استثناهم الله تعالى عن العذاب ودخول النار فهم الذين تابوا واستغفروا لله تعالى ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون قال تعالى هنا { والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا للمم } .

وأما :

(اللمم)

[ اللمم صغائر الذنوب أو مقاربة الذنوب – معجم ألفاظ القرآن باب اللام فصل الميم والميم ] والآية هنا لبيان كبائر الذنوب وصغائرها قال تعالى { الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى – النجم 32 } و [ لم بالشيئ يلمه لماً جمعه ولم يترك منه قليلا ولا كثير يقال أكل الطعام أكلاً لما جمعه ولم يترك منه قليلا ولا كثيراً ويقال أكل الطعام أكلاً لما أي ذا لم أي جامعاً لكل شيئ – – معجم ألفاظ القرآن باب اللام فصل الميم والميم ] . قال تعالى { وتأكلون التراث أكلاً لما – الفجر 19 } أي مهما ألم الإنسان من معاصي وآثام فالله تعالى مكفرها ماداموا يستغفرون و يتوبون من قريب ولم يصروا على عليها قال تعالى { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون – آل عمران 135 } .

[ وعن أبي عبد الله : الفواحش والسرقة والرجل يلم بالذنب يستغفر الله منه وفي حديث آخر يلم بالذنب وليس من سليقته ولا من طبعه – نور الثقلين ج4 ص 164 ] وفي الحديث القدسي [ يقول إبليس وعزتك وجلالك لأضلنهم أجمعين قال عز وجل : وعزتي وجلالي لأتوبن عليهم ماداموا يستغفرون – حديث قدسي ] . أي مع الإستغفار والتوبة كل الذنوب تتحول إلى صغائر ثم يمحها الله عز وجل لقوله تعالى { إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما – الفرقان 70 } .

وأما :

(إن ربك واسع)

أي أنه تعالى واسع المغرة ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين قال تعالى { فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين –الأنعام 147 } .

وأما :

(المغفرة)

وهنا يبين تعالى أنه من ظلم نفسه ووقع في السيئات فيستغفر الله تعالى يجده غفوراً رحيما قال تعالى {   ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما – النساء 110 } ومن مات مؤمناً عاملاً للصالحات فله مغفرة وأجر من الله كبير قال تعالى { والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير – فاطر 7 } وهذ الأجر الكبير لأنه تعالى واسع المغفرة في الآية هنا { إن ربك واسع المغفرة } وهذه المغفرة لمن تاب وآمن وعمل عملا صالحاً  كما  في قوله تعالى { وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً ثم اهتدى – طه 82 } .

وأما :

(هو أعلم)

وهنا هو أعلم أي أنه يقول تعالى { إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله و هو أعلم بالمهتدين – الأنعام 117 }

وأما :

(أعلم بكم)

أي أنه يقول تعالى { ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم وما أرسلناك عليهم وكيلا – الإسراء 54 } والآية هنا تبين أنه عز وجل أعلم بخلقه بما يسرون وما يعلنون وما يكتمون ما يظهرون قال تعالى لذلك للملائكة { قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون – البقرة 33 } وبالتالي سبحانه وتعالى أعلم بإيمانهم كما في قوله تعالى { والله أعلم بإيمانكم – النساء 25 } .

وأما :

(إذ أنشأكم من الأرض)

وهنا يبين تعالى أنه لما أنشأهم من الأرض جعل لهم السمع والأبصار والأفئدة ليعرفوا بها ربهم وخالقهم قل تعالى { قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون – الملك 23 } فلما أنشأهم استعمرهم في الأرض أي أسكنهم فيها ليعمروها ويطيعون ربهم فيها قال تعالى { هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه   – هود } وهنا يبين تعالى مراحل إنشاء هذا الإنسان مرحلة الخلق من طين ثم من نطفة ذكر وأنثى في بطون الأمهات قال تعالى { هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى – النجم 32 } .

وأما :

(وإذ أنتم)

وردت هذه الآيات في قوله تعالى { إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى – الأنفال } وهنا إشارةة إلى أن خلق الإنسان يكون في أدنى جزء من جسد الأم بالرحم ويوجد معاد للقاء النطفتين لخلق الجنين كما في قوله تعالى هنا { وإذ أنتم أجنة في بطونأمهاتكم } .

وأما :

(أجنة)

[ الجنين المستور من كل شيئ والحمل في بطن أمه وجمعه أجنة – معجم ألفاظ القرىن باب الجيم فصل النون والنون ] قال تعالى في اجتنان الخلق واختفائهم في ظلمات الليل { فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين – الأنعام 76} ولذلك الجنين بين تعالى أنه مختفي عن الخلق في بطن أمه قال تعالى هنا { هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى – النجم 32 }

وأما :

(في بطون أمهاتكم)

أي أنه يقول تعالى { خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون – الزمر 6 } وهذه الظلمات الثلاث مراحل خلق اإنسان حتى خرروجه إلى الدنيا من بطن أمه قال تعالى هنا { هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى – النجم 32 } وهذه المراحل قال تعالى فيها { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين – المؤمنون 12-14 } فإذا خرج من بطن أمه خرج لا يعلم شيئا فوضع الله تعالى فيه الحواس ليعلمم كل شيئ حوله فيعرف بهذه الحواس ربه تبارك وتعالى كما في قوله عز وجل { والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون – النحل 78 } .

وأما :

(فلا تزكوا أنفسكم)

[ وزكا يزكوا زكواً وزكاءاً: نما وزاد أو طهر وصلح فهو زكي وهى زاكية – معجم ألفاظ القرآن باب الزاي فصل الكاف والميم ] قال تعالى { ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحد أبداً – النور 21 } وهذه التزكية كانت لقبائل وأفراد من الآباء والأجداد في مقابل أهل بيت النبي عليهم السلام الذين أذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا قال تعالى { ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا انظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به إثماً مبينا – النساء 49 -50 } والتزكية ماكانت إلا لرسول الله صلى الله عليه وآله الذي أرسله تعالى ليزكيهم بطاعتهم لله تعالى وولايته الحق فهو مصدر التطهر قال تعالى { كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون –البقرة 151 } وأما زكاة وطهارة أهل بيت النبي عليهم السلام قال تعالى فيها { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا – الأحزاب 33 } و بعد هذه التزكية القرآنية للنبي صلى الله عليه و أهل بيته عليهم السلام لا يجوز شرعاً أن يقدم عليهم أي أحد إلا إذا كان مفتري افتراءاً قال تعالى فيه { انظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به إثما مبينا – النساء 50}  ومن هنا نهى الله تعالى أن تزكية أفراد وقبائل غير النبي صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام .قال تعالى { فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى }

وأما :

(أنفسكم)

وهنا يبين تعالى أنه بعث عز وجل لهم رسولا من أنفسهم قال تعالى في { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم – التوبة 128 } فلا يجوز تزكية غير النبي صلى الله عليه وآله و لا عبرة بقول المنافقين والذي نقله وروجه الجهلاء بغير علم و لا بصيرة وشاع بين الناس وانتشر بعمى القلوب بأن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ينزل الوحي مصدقاً له في ثلاث مواضع مخطئاً لرسوله صلى الله عليه وآله في أمر الأسارى وآية الحجاب وخلق الإنسان في الآية رقم (13) من سورة المؤمنين وهو الذي قال تعالى فيه { وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى } ولا يعتقد هذا المعتقد ويموت عليه إلا زنديق ثم تأتي تزكية الإمام علي عليه السلام بعد ذلك بعد أن كشف القرآن الكريم بأن الإمام علي عليه السلام  نفس رسول الله صلى الله عليه وآله والإمام الحسن والحسين أبنائه والسيدة فاطمة نساءة في آية المباهلة حيث قال تعالى { فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين – آل عمران 61 } وهنا يكون القرآن الكريم نهى عن تزكية وتطهير غير رسل الله تعالى وأنبيائه عليهم السلام  وخاتمهم وإمامهم وسيدهم رسول الله صلى الله عليه و الأئمة من ذريته من بعده لذلك قال تعالى هنا { فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى } .

وأما :

(هو أعلم)

وهنا يبين تعالى أنه عز وجل مصدر العلم قال تعالى { إنما العلم عند الله }

و هو أعلم أي حدد وبين من هم أصحاب العلم المفترض تزكيتهم وتقليدهم والسمع والطاعة لهم وهؤلاء هم أنبياء الله تعالى ورسوله وخاتمهم سيدنا محمد صلى الله عليه والأئمة من أهل بيته وأولهم الإمام علي صاحب العلم اللدني وذلك لأنه تعالى قي في نبي الله آدم الذي تعلم من الله تعالى في قوله تعالى {وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم  -البقرة 31-32 } وبالتالى من أراد التزكية والتعظيم والتقديم فليحدث الناس بسيدنا آدم ومآثرة ومكانته عند الله تعالى .

ثم يؤتي الله تعالى الأنبياء بعد ذلك علماً لهداية الخلق فقال تعالى في البينات التي أرسلها مع أنبيائه من قبل    { ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب – إبراهيم 9 }

وهذه البينات علم قال تعالى في نبي الله صالح عليه السلام  { أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون – الأعراف 62 } وقال نبي الله إبراهيم لأبيه { يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا – مريم 43 } وقال تعالى في نبي الله يوسف عليه السلام { وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق إن ربك عليم حكيم – يوسف 6 } وقال تعالى في التوراة والإنجيل { ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل – آل عمران 48 }

وقال تعالى في سيدنا محمد صلى الله عليه وآله { كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون – البقرة 151 } وهذا من علم الغيب الذي أوحاه الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله  وقال تعالى فيها { تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين – هود 49 }

ثم يأتي بعد ذلك علم الأئمة وأولهم الإمام علي صاحب الأذن الواعية ومن عنده علم الكتاب لنزول قوله تعالى فيه { قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب –   } والذي عنده علم  الكتاب هو الإمام علي وآخر الأئمة من ذريته فهو صاحب التأويل الذي تجهله كل هذه الأمة وورد ذكره في قوله تعالى { هل ينظرون إلا تأويله } وبين تعالى أنه تأويل لا تعلمه هذه الأمة كما في قوله تعالى : { بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين – يونس 39}

وهؤلاء هم أصحاب العلم ومن تعلم منهم فقد حكم الله تعالى له بالعلم  والهدى وهناك من جادلوا بالباطل وبغير علم عن رجالهم وقبائلهم وبلدانهم وقال تعالى فيهم { ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير – الحج8 }

وهؤلاء وهؤلاء لا يستوون عند الله سواءً محياهم ومماتهم قال تعالى  { قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون – الزمر }

وبالتالي الله يعلم من ضل ومن اهتدى كما في قوله عز وجل { إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله و هو أعلم بالمهتدين – الأنعام 117 } والله أعلم بالمفسدين كما في قوله تعالى { ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به وربك أعلم بالمفسدين – يونس 40 } و لذلك نهى الله تبارك و تعالى عن تزكية غير هؤلاء عليهم صلوات الله وسلامه لأنه أعلم بمن اتقى قال تعالى { فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى }

وأما :

(بمن اتقى)

ومن اتقى فقد عمل بما أمر الله تعالى واجتنب ما حرم قال تعالى { وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب – البقرة 197} ولذلك يقول في تعرفها الإمام علي عليه السلام [ ” التقوى هى العمل بالتنزيل والخوف من الجليل والإستعداد ليوم الرحيل ” ] .

ومن التقوى ولاية الصادقين وهم أننبياء الله ثم رسول الله صلى الله عليه وآله والئمة من ذريته وكل من تولاهم بعد ذلك فهو من الصادقين قال تعالى { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين – التوبة 119 } وهنا ورد في تفسير هذه الآية [ عن ابن عباس قال في هذه الآية : هو علي ابن أبي طالب وأصحابة – الدر المنثور للسيوطي ج 3 ص 290 ] .

ومن أوفى بعهده مع رسول الله صلى الله عليه وإمام زمانه فإن الله يحب المتقين قال تعالى { بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين – آل عمران 76 } ,وأول هذه العهود وفاءاً بيعه رسول الله صلى الله عليه وآله ثم الأئمة من أهل بيت النبي عليهم السلام  ومن اتقى السيئات وأصلح  فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون قال تعالى { يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون – الأعراف 35} .

الأحاديث الواردة في الكبائر :

[ عن أبي هريرة رضي الله عنه ،قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ،قال : (اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات)متفق عليه. وهذه أهم الكبائر التي عدها الذهبي في كتابه الكبائر:

الإشراك بالله :

قال تعالى :{ إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار }. وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ الإشراك بالله .. ) متفق عليه . وهو نوعان : شرك أكبر وهو عبادة غير الله ، وشرك أصغر ومنه الرياء.

قتل النفس :

قال تعالى :{ومن يقتل مؤمنًا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابًا عظيمًا }. وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( اجتنبوا السبع الموبقات الشرك بالله والسحر . وقتل النفس التي حرم الله .. )

 السحر :

قال الله تبارك وتعالى : { ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر } وقال صلى الله عليه وسلم : ( اجتنبوا السبع الموبقات : الشرك بالله . والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق .. ) متفق عليه

ترك الصلاة :

قال تعالى : { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيًا إلا من تاب .. } . وقال صلى الله عليه وسلم : ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر ) رواه أحمد والترمذي والنسائي

منع الزكاة :

قال تعالى : { وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون }

عقوق الوالدين :

قال تعالى : { وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً . إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريمًا واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرًا } وقال عليه الصلاة والسلام : ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ .. ) فذكر منها عقوق الوالدين . متفق عليه

 الزنا :

قال تعالى { ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلاً }. وقال صلى الله عليه وسلم ( إذا زنى العبد خرج منه الإيمان . فكان على رأسه كالظلة . فإذا أقلع رجع إليه } [ رواه أبو داود والحاكم ]

اللواط :

قال تعالى عن قوم لوط {أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون } وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( لعن الله من عمل عمل قوم لوط ) [ النسائي ]

أكل الربا :

قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله .. } وقال صلى الله عليه وسلم : ( لعن الله آكل الربا وموكله) رواه مسلم

 أكل مال اليتيم :

قال الله تعالى : { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم نارًا وسيصلون سعيرًا } وقال تعالى : { ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن } .

الكذب على الله عز وجل وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم :

قال تعالى : { ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة } . وقال صلى الله عليه وسلم : ( من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار ) [ رواه البخاري ]

 الكبر والفخر والخيلاء والعجب والتيه :

قال تعالى : { إنه لا يحب المستكبرين } [ النحل : 23 ] وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا يدخل الجنة أحد في قلبه مثقال ذرة من كبر ) ] رواه مسلم .

شهادة الزور :

قال تعالى : { فاجتنبوا الرجس من القول واجتنبوا قول الزور } [ الحج 30 ] وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا تزول قدما شاهد الزور يوم القيامة حتى تجب له النار ) [ ابن ماجه والحاكم ]

شرب الخمر :

قال تعالى : { يا أيها الذين آ منوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون } . وقال صلى الله عليه وسلم : ( لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها ) [ رواه أبو داود والحاكم]

 القمار :

قال تعالى : { إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون }

 قذف المحصنات :

{ إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم } . وقال صلى الله عليه وسلم : ( من قذف مملوكة بالزنى أقيم عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال )[ متفق عليه].

السرقة :

قال تعالى : { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من الله والله عزيز حكيم } وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن . ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ) متفق عليه.

قطع الطريق :

قال تعالى : { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم }.

اليمين الغموس :

قال صلى الله عليه وسلم : ( من حلف على يمين صبر ، يقتطع بها مال امرئ مسلم وهو فيها فاجر؛ لقي الله وهو عليه غضبان)[ رواه البخاري].

الظلم :

وهو أنواع كثيرة ،وأغلبه في التعدي على حقوق الغير ،قال تعالى { وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون } وقال صلى الله عليه وسلم : ( اتقوا الظلم فإنه ظلمات يوم القيامة ..) [رواه مسلم].

قتل النفس :

قال تعالى : { ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً . ومن يفعل ذلك عدوانًا وظلمًا فسوف نصليه نارًا وكان ذلك على الله يسيرًا } وقال صلى الله عليه وسلم : ( لعن المؤمن كقتله ، ومن قذف مؤمنًا بكفر فهو كقاتله ، ومن قتل نفسه بشيء عذبه الله به يوم القيامة ) [متفق عليه].

 الكذب في غالب الأقوال :

قال تعالى : { ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين } وقال صلى الله عليه وسلم : ( … وإن الكذب يهدي إلى الفجور . وإن الفجور يهدي إلى النار ، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابًا )[ متفق عليه].

 الحكم بغير ما أنزل الله :

قال تعالى : { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون }. تشبه النساء بالرجال وتشبه الرجال بالنساء : قال صلى الله عليه وسلم : ( لعن الله المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء ) [رواه البخاري ].

الديوث :

قال صلى الله عليه وسلم : ( ثلاثة لا يدخلون الجنة : العاق لوالديه ، والديوث ، ورجلة النساء ) [النسائي والحاكم وأحمد].والديوث هو الذي يرضى الخبث في أهله.

عدم التنزه من البول :

وهو من فعل النصارى قال تعالى : { وثيابك فطهر } وقد مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال: ( إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير ، أما أحدهما فكان لا يتنزه من بوله ، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة )[ متفق عليه].

الخيانة :

قال تعالى : { وإن الله لا يهدي كيد الخائنين } . وقال صلى الله عليه وسلم : ( أد الأمانة لمن ائتمنك ،ولا تخن من خانك ).

 التعلم للدنيا وكتمان العلم :

قال تعالى : { إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون }. وقال صلى الله عليه وسلم : ( من تعلم علمًا مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضًا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة ) يعني ريحها [أبو داود].

المنان :

قال تعالى : {ياأيهاالذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى } وقال صلى الله عليه وسلم : ( ثلاثة لا يقبل الله منهم صرفًا ولا عدلاً : عاق ، ومنان ، ومكذب بالقدر ) [الطبراني وابن عاصم].

المتسمع على الناس ما يسرونه :

قال تعالى : { ولا تجسسوا } وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون صب في أذنيه الآنك يوم القيامة ، ومن صور صورة عذب ،وكلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ )[ رواه البخاري].

 النميمة :

قال تعالى : { ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم } وقال النبي صلى الله عليه وسلم لما مر بقبرين : ( إنهما ليعذبان ، وما يعذبان في كبير ….وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة.. )[ البخاري].

 اللعن :

قال صلى الله عليه وسلم : ( لعن المؤمن كقتله )[ متفق عليه]. تصديق الكاهن والمنجم : قال صلى الله عليه وسلم : ( من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول ؛ فقد كفر بما أنزل على محمد ) [ أحمد والحاكم ].

نشوز المرأة على زوجها :

قال تعالى : { واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن الله كان عليًا كبيرًا } وقال صلى الله عليه وسلم : ( إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت ؛ فبات غضبان عليها ؛ لعنتها الملائكة حتى تصبح ) [البخاري].

أذى الجار :

قال صلى الله عليه وسلم : ( لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه ) [ رواه مسلم].

غش الإمام للرعية :

قال تعالى : { إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم } وقال صلى الله عليه وسلم : ( أيما راع غش رعيته فهو في النار ) [أحمد].

الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة :

قال صلى الله عليه وسلم : (إن الذي يأكل أو يشرب في إناء الذهب أو الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم ) [رواه مسلم].

لبس الحرير والذهب للرجال :

قال صلى الله عليه وسلم : ( إنما يلبس الحرير في الدنيا من لا خلاق له في الآخرة ) [رواه مسلم].

الجدل والمراء :

قال صلى الله عليه وسلم : ( .. ومن خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط الله حتى ينزع ..) [ رواه أبو داود].

 نقص الكيل والميزان :

قال تعالى : { ويل للمطففين }. الأمن من مكر الله : قال تعالى : { أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون }. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول : ( يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك ) فقيل له : يا رسول الله ! أتخاف علينا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن ، يقلبهما كيف يشاء ) [رواه أحمد والترمذي والحاكم].

 تكفير المسلم :

قال صلى الله عليه وسلم : ( من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما ) [البخاري].

 ترك صلاة الجمعة والصلاة مع الجماعة :

قال صلى الله عليه وسلم : ( لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات ، أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين ) [ رواه مسلم].

المكر والخديعة :

قال الله تعالى : { ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله } وقال صلى الله عليه وسلم : ( المكر والخديعة في النار ) [ البيهقي في شعب الإيمان ].

 سب أحد من الصحابة :

قال صلى الله عليه وسلم : ( لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده، لو أنفق أحدكم مثل أُحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ) [ رواه البخاري]. .

تغيير منار الأرض :

قال صلى الله عليه وسلم : ( .. ولعن الله من غير منار الأرض ) ] [رواه مسلم ]،قال المناوي في فيض القدير:والمنارةهي العلامة التي تجعل بين حدين للجارين وتغييرها أن يدخلها في أرضه فيكون في معنى الغاصب.

الواصلة والنامصة والمتنمصة والمتفلجة والواشمة :

قال صلى الله عليه وسلم : ( لعن الله الواشمات، والمستوشمات ، والنامصات ، والمتنمصات ، والمتفلجات للحسن ، المغيرات خلق الله )[ متفق عليه].

الإلحاد في الحرم :

قال الله تعالى : { .. والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواءً العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم }. وسأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم : ما الكبائر ؟ قال صلى الله عليه وسلم : ( هن تسع : الشرك بالله .. ) وذكر منها ( واستحلال البيت الحرام قبلتكم ) [ رواه أبو داود والنسائي ].

إفطار رمضان بغير عذر ،وترك الحج مع الاستطاعة :

قال صلى الله عليه وسلم : ( بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة ،وحج البيت ) متفق عليه. –  نقلا عن كتاب الكبائر للذهبي ] .

ثم يقول تعالى :

(33) أفرأيت الذي تولى (33)

ورد في أسباب النزول :

[ ورد عند الواحدي قوله تعالى: “أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى وَأَعْطَى قَلِيلاً وَأَكْدَى ” الآيات. (*) قال ابن عباس والسدى والكلبي والمسيب بن شريك : نزلت في عثمان بن عفان كان يتصدق وينفق بالخير، فقال له أخوه من الرضاعة عبد الله بن أبي سرح ماهذا الذي تصنع يوشك أن لا يبقى لك شيئا، فقال عثمان إن لي ذنوبا وخطايا، وإني أطلب بما أصنع رضا الله سبحانه وتعالى وأرجو عفوه، فقال له عبد الله: أعطني ناقتك برحلها وأنا أتحمل عنك ذنوبك كلها، فأعطاه وأشهد عليه وأمسك عن بعض ما كان يصنع من الصَّدقة، فأنزل الله تبارك وتعالى” أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى وَأَعْطَى قَلِيلاً وَأَكْدَى ” فعاد عثمان إلى أحسن ذلك وأجمله.

وقال مجاهد وابن زيد: نزلت في الوليد بن المغيرة، وكان قد اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم على دينه فعيَّره بعض المشركين ، وقال: لم تركت دين الاشياخ وضللتهم وزعمت أﻧﻬم في النار ؟ قال: إني خشيت عذاب الله، فضمن له إن هو أعطاه شيئا من ماله ورجع إلى شِركه أن يتحمل عنه عذاب الله سبحانه وتعالى، فأعطى الذي عاتبه بعض ماكان ضمن له ثم بخل ومنعه فأنزل الله تعالى هذه الآية. **

ورد عند القرطبيفي تفسيره : [  قوله تعالى : “أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى وَأَعْطَى قَلِيلاً وَأَكْدَى أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى” (*) قال مجاهد وابن زيد ومقاتل : نزلت في الوليد بن المغيرة ، وكان قد أتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم على دينه فعيره بعض المشركين ، وقال : لم تركت دين الأشياخ وضللتهم وزعمت أنهم في النار ؟ قال : إني خشيت عذاب الله ؛ فضمن له إن هو أعطاه شيئا من ماله ورجع إلى شركه أن يتحمل عنه عذاب الله ، فأعطى الذي عاتبه بعض ما كان ضمن له ثم بخل ومنعه فانزل الله تعالى هذه الآية. (*) وقال مقاتل : كان الوليد مدح القرآن ثم أمسك عنه فنزل : “وَأَعْطَى قَلِيلاً” أي من الخير بلسانه “وَأَكْدَى” أي قطع ذلك وأمسك عنه. وعنه أنه أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد الإيمان ثم تولى فنزلت : “أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى” الآية. (*) وقال ابن عباس والسدي والكلبي والمسيب ابن شريك : نزلت في عثمان بن عفان رضي الله عنه كان يتصدق وينفق في الخير ، فقال له أخوه من الرضاعة عبدالله بن أبي سرح : ما هذا الذي تصنع ؟ يوشك ألا يبقى لك شيء. فقال عثمان : إن لي ذنوبا وخطايا ، وإني أطلب بما أصنع رضا الله تعالى وأرجو عفوه! فقال له عبدالله : أعطني ناقتك برحلها وأنا أتحمل عنك ذنوبك كلها. فأعطاه وأشهد عليه ، وأمسك عن بعض ما كان يصنع من الصدقة فأنزل الله تعالى : “أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى وَأَعْطَى قَلِيلاً وَأَكْدَى” فعاد عثمان إلى أحسن ذلك وأجمله. ذكر ذلك الواحدي والثعلبي. – أسباب النزول للواحدي ]

[ وقال السدي أيضا : نزلت في العاص بن وائل السهمي ، وذلك أنه كان ربما يوافق النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال محمد بن كعب القرظي : نزلت في أبي جهل بن هشام ، قال : والله ما يأمر محمد إلا بمكارم الأخلاق ؛ فذلك قوله تعالى : “وَأَعْطَى قَلِيلاً وَأَكْدَى”.

وقال الضحاك : هو النضر بن الحرث أعطى خمس قلائص لفقير من المهاجرين حين ارتد عن دينه ، وضمن له أن يتحمل عنه مأثم رجوعه.

ورد عند ابن  الجوزي قوله تعالى: ” أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى وَأَعْطَى قَلِيلاً وَأَكْدَى أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى  “. اختلفوا فيمن نزلت على أربعة أقوال :

– أحدها: [  أنه الوليد بن المغيرة، وكان قد تبع رسول الله صلى الله عليه وسلم على دينه، فعيَّره بعض المشركين، وقال: تركت دين الأشياخ وضللتهم؟ ، قال: إني خشيت عذاب الله، فضمن له إن هو أعطاه شيئا من ماله ورجع إلى شِركه أن يتحمل عنه عذاب الله عز وجل ففعل، فأعطاه بعض الذي ضمن له، ثم بخل ومنعه، فنزلت هذه الآية، قاله مجاهد، وابن زيد . – الدر المنثور للسيوطي ]

–  والثاني: أنه النضر بن الحارث أعطى بعض الفقراء المسلمين خمس قلائص حتى ارتد عن إسلامه، وضمن له أن يحمل عنه إثمه، قاله الضحاك .

–  والثالث: أنه أبو جهل، وذلك أنه قال: والله ما يأمرنا محمد إلا بمكارم الأخلاق، قاله محمد بن كعب القرظي – والرابع: أنه العاص بن وائل السهمي، وكان ربما وافق رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الأمور، قاله السدي .

-الخامس : نافع بن الأزرق : [ أخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله { أعطى قليلاً وأكدى } قال: أعطى قليلاً من ماله، ومنع الكثير ثم كدره بمنه قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم أما سمعت قول الشاعر

أعطى قليلاً ثم أكدى بمنه ومن ينشر المعروف في الناس يحمد
  • الدر المنثور للسيوطي ]
  • وفي تفسير نور الثقلين : [ وفي قوله: أفرأيت الذي تولى “: ونزلت الآيات السبع فيعثمان بن عفان كان يتصدق وينفق ماله، فقال له أخوه من الرضاعة عبد الله بن سعد بن أبي سرح : ما هذا الذي تصنع؟ يوشك أن لا يبقى لك شئ، فقال عثمان : إن لي ذنوبا وإني أطلب بما أصنع رضى الله وأرجو عفوه، فقال له عبد الله: أعطني ناقتك برحلها وأنا أتحمل عنك ذنوبك كلها، فأعطاه وأشهد عليه وأمسك عن الصدقة فنزلت : ” أفرأيت الذي تولى ” أي يوم أحد حين ترك المركز وأعطى قليلا ثم قطع نفقته. إلى قوله : ” سوف يرى ” فعاد عثمان إلى ما كان عليه، عن ابن عباس وجماعة من المفسرين.- نور الثقلين للحويزي ج5 ص 167 طبعة اسماعيليان – قم – إيران ] .

وهنا :

(أفرأيت الذي)

والذيي تولى عن ذكر الله هو الذي كفر بآياته تعالى كما في قوله عز وجل { أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا – مريم 77 }  ولورود هذه الآيات في قوله تعالى { أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين – الماعون 1-3 } يبين أنه منع حقاً من حقوق الفقراء والمساكين وتولى عن أمر الله تعالى كما في قوله عز وجل { أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى أرأيت إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى ألم يعلم بأن الله يرى – العلق } . ولورد هذا للفظ في قوله تعالى { أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى – النجم 19 } تبين أن الآية هنا تتكلم عن رجل من كفار قريش .

وأما :

(تولى)

[ وتولى بمعنى : ترك وأعرض – معجم ألفاظ القرآن باب الواو فصل اللام والياء ] . قال تعالى { وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد – البقرة 205 } و هنا : [ عن السدي : نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي وهو حليف بني زهرة. أقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فأظهر له الإسلام وزعم أنه يحبه وقال: والله يعلم أني لصادق. فلما خرج من عند النبي صلى الله عليه وسلم مر بزرع لقوم من المسلمين وحمر، فأحرق الزرع وعقر الحمر. وقيل: إنه أشار على بني زهرة بالرجوع يوم بدر وقال لهم: إن محمداً ابن أختكم فإن يك كاذباً كفاكموه سائر الناس، وإن يك صادقاً كنتم أسعد الناس به. فقالوا: نعم الرأي ما رأيت. ثم خنس بثلثمائة رجل من بني زهرة عن قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمى بهذا السبب أخنس – وكان اسمه أبي بن شريق – فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعجبه. وعن ابن عباس والضحاك: أن كفار قريش بعثوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنا قد أسلمنا فابعث إلينا نفراً من علماء أصحابك فبعث إليهم جماعة، فلما كانوا ببعض الطريق ركب من الكفار سبعون راكباً فأحاطوا بهم فقتلوهم وصلبوهم ففيهم نزلت. – تفسير غرائبالقرآن ورغائب الفرقان للنيسابوري ] .

[  قوله تعالى: { ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا } الآية نزلت في الأخنس الثقفي وسُمِّيَ الأخنس لانه خنس في جماعة من بني زهرة عن قتال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم بدر وكان رجلاً حلو الكلام يجلس الى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويظهر الإسلام ورسول الله يقبل عليه ولا يعلم باطنه ثم انه كان بينه وبين ثقيف خصومَة فبيّتهم ليلاً واهلك مواشيهم واحرق زروعهم وكان حسن العلانيَّة سيّءُ السريرة، وقيل: نزلت في سريَّة وذلك ان كفار قريش بعثوا الى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) انا قد اسلمنا فابعث الينا نفراً من علماء اصحابك يعلمونا دينك وكان ذلك مكراً منهم فبعث اليهم جماعة فنزلوا بطن الرجيع واتى قريشاً الخبر، فركب سبعون راكباً وأحاطوا بهم وقتلوهم وأسروا خُبَيْباً ثم قتلوه وصلبوه وفيهم نزلت الآية ولهم قصَّة طويلة، وقيل: نزلت في المنافقين، وقيل: نزلت في الزانين { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله } قيل: نزلت في صهيب، وقيل: في رجل أمر بمعروفٍ ونهى عن منكرٍ، وقيل: نزلت في المهاجرين والانصار، وقيل: نزلت في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقيل: نزلت في علي (عليه السلام) بات على فراش رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليلة خرج الى الغار عن ابن عباس، وروي انه لمّا نام على فراشه قام جبريل عند رأسه وميكائيل عند رجليه وجبريل ينادي بخِ بخِ من مثلك يا ابن أبي طالب يباهي الله بك الملائكة، قوله تعالى : { يأيها الذين آمنوا ادخلوا في السِّلم } الآية نزلت في اليهود، وقيل: نزلت في عبد الله بن سلام وأصحابه لما أبقوا السبت، وقيل: نزلت في جميع المؤمنين،- تفسير الأعقم (زيدي) من علماء القرن التسع الهجري ] .

وحيث أن الذي تولى وسعى في الأرض ليفسد فيها منهم جماعة من قريش أو بني زهرة وهم أحد بطون بني أمية فيكون المفسد رجل من قريش أو بني أمية  وهو الذي عبس وتولى في قوله تعالى  { عبس وتولى } وأهم علامة لهؤلاء هو شقاقهم عن الله تعالى ورسوله وولايتهم غير أهل بت النبي عليهم السلام لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا – النساء 115 } وهذا التولي كان عن ولاية أهل بيت النبي عليهم السلام لقوله تعالى { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون – المائدة 55 } . أي أن قوله تعالى هنا { أفرأيت الذي تولى } أي تولى عن اتباع ونصرة وحب الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام في حياته صلى الله عليه وآله وبعد مماته حيث استمر هؤلاء المجرمين في حرب رسول الله في ذريته .

ثم يقول تعالى :

(34) وأعطى قليلاً وأكدى (34)

وهنا :

(وأعطى)

والعطاء : ممن الله تعالى متاع الدنيا أو خير الآخرة أو كلاهما معاً قال تعالى في طالبي الدنيا وطالبي الآخرة {   كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا – الإسراء 20 } وعطاء الله تعالى فيه حق معلوم للسائل والمحروم قال تعالى فيه { وفي أموالهم حق معلوم لليائل والمحروم } وهذا العطاء كان قليلاً كما في الاية هنا أي أنه لم يعمل بما أنزل الله تعالى وأخرج من ماله ما يحلوا له دون التقيد بحسابات الزاكه ئأو الصدقات والخمس . ومن أعطى ةاتقى فييسره الله تعالى لليسرى والجنة قال تعالى { إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ   فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَىٰ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَىٰ  وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَىٰ فسنيسره للعسرى – الليل  }

وحق الله في المال عندما أخرجه النبي صلى الله عليه وآله من المنافقين الخوارج من أبى حكم الله تعالى ورسوله وقال تعالى هنا : { ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون – التوبة 58 } [ أخرج البخاري والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال ” بينما النبي صلى الله عليه وسلم يقسم قسماً إذ جاءه ذو الخويصرة التميمي فقال: اعدل يا رسول الله. فقال: ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل؟! فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا رسول الله ائذن لي فيه فاضرب عنقه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعه فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فينظر في قذذه فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر في نضيه فلا يرى فيه شيء، ثم ينظر في رصافه فلا يرى فيه شيء، ثم ينظر في نصله فلا يوجد فيه شيء، قد سبق الفرث والدم آيتهم رجل أسود إحدى يديه – أو قال ثدييه – مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة، تدردر يخرجون على حين فرقة من الناس قال: فنزلت فيهم { ومنهم من يلمزك في الصدقات… } الآية قال أبو سعيد : أشهد أني سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشهد أن علياً حين قتلهم وأنا معه جيء بالرجل على النعت الذي نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم “.- الدر المنثور ] .

ومن عطاء الله تعالى لرسوله الخير الكثير في الدنيا والكوثر في الآخرة قال تعالى { إنا أعطيناك الكوثر } وسبب نزول السورة في العاص بن واصل الأموي قال دعوه فإنه أبتر لا عقب له وفي رواية أن القائل عمرو بن العاص فأنزل الله تعالى { إنا أعطيناك الكوثر } اي أن أعطى قليلاً ل يخرج من حق الله في المال إلا القليل كما في الآية هنا { أفرأيت الذي تولى وأعطى قليلاً وأكدى }

وأما :

(قليلا)

وهنا ورد لفظ قليل في قوله تعالى { قل متاع الدنيا قليل – النساء } ومتاع الدنيا له زكاة مال في الأرض والركاز والأنعام والذهب وخمس أهل بيت النبي المفترض لهم وصدقات أصحاب النصاب وهنا يبين تعالى أنه كان قليل العطاء أو بخيل أو شحيح اشترى بعهد الله وأيمانه ثمناً قليلاً قال تعالى : { إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم – ىلأ عمران 77 } وهؤلاء هم الذين أعطوا قليلاً من حقوق أصحاب النصاب كما قال تعالى هنا { وأعطى قليلاً وأكدى } وهؤلاء يقول تعالى لهم متوعداً { كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون – المرسلات 46 }

وأما :

(وأكدى)

[ وأكدى الصخرة التي تمنع الحفر من الوصول للبئر – تفسير الجلالين للسيوطي ] و [ يُكدي، أكْدِ، إكداءً، فهو مُكْدٍ ، أكدى الرَّجُلُ : بخِل وأمسك عن العطاء أو قلّله ” {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى. وَأَعْطَى قَلِيلاً وَأَكْدَى} ” و «الكدية»، وهي الحجر العظيم الشديد، فلا يمكنه أن يحفر. و أكدى الْحَافِر بلغ الكدية فَلَا يُمكنهُ أَن يحْفر وَفُلَان بلغ الصَّحرَاء وألح فِي الْمَسْأَلَة وبخل وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {وَأعْطى قَلِيلا وأكدى} وافتقر بعد غنى وقمئ خلقه وخاب وَلم يظفر وَيُقَال للرجل عِنْد قهر صَاحبه لَهُ أكدت أظفارك والمطر قل ونكد والمعدن كدي وَالْعَام أجدب وَفُلَانًا عَن الشَّيْء  – لسان العرب  ].

وهذا للفظ مما ليس له مرادف في كتاب الله وكل الألفاظ التي لا مرادف لها في القرآن ثبت بالبحث أنها مما لا تمس العقيدة والحلال والحرام بأي شي من قريب ولا من بعيد وكأن الخالق اكتفى فيها عز وجل بأن يفهمها العرب بلغتهم . قال تعالى هنا  { وأعطى قليلاً وأكدى } وهذا العطاء القليل بين القرآن بوضوح أنه أعطى بالفعل و لكن قليل وهذا يثبت أنه على الإسلام ويؤكد سير الأحداث بعد موت رسول الله صلى الله عليه وآله أن أحد أهم أسباب مقتل عثمان كما ورد اسمه في أحد أسباب النزول أن هذه الآيات نزلت فيه بأن عطائه لأقربائه من بني أمية أحد أهم أسباب قتله على يد أبناء بعض الصحابة خاصة بعد نفيه أبو ذر الغفاري بالربذة وضربه لعمار بن ياسر لما اعتضوا على عطائه الجزيل لبني أمية حتى قال قولته الشهيرة  ” لو كان معي مفاتيح الجنة لأعطيتها بني أمية ولا أبالي” [عن سالم بن أبي الجعد قال دعا عثمان رضي الله عنه ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم عمار بن ياسر فقال إني سائلكم وإني أحب أن تصدقوني نشدتكم الله أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤثر قريشا على سائر الناس ويؤثر بني هاشم على سائر قريش فسكت القوم فقال عثمان رضي الله عنه لو أن بيدي مفاتيح الجنة لأعطيتها بني أمية حتى يدخلوا من عند آخرهم – مسند أحمد – مسند عثمان بن عفان ] .

وفي كتاب تاريخ المدينة : [ حدثني عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد قال: دعا عثمان رضي الله عنه ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم عمار فقال: إني سائلكم، أنشدكم الله هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤثر قريشا على سائر الناس ويؤثر بني هاشم على سائر قريش ؟ فسكت القوم، فقال: لو أن مفاتيح الجنة في يدي لاعطيتها بني أمية حتى يدخلوا من عند آخرهم، والله لاعطينهم ولاستعملنهم على رغم أنف من رغم. فقال عمار: على رغم أنفي ؟ قال: على رغم أنفك. قال: وأنف أبي بكر وعمر ؟ فغضب عثمان رضي الله عنه فوثب إليه فوطئه وطأ شديدا، فأجفله الناس عنه، ثم بعث إلى بني أمية فقال: أيا أخابث خلق الله أغضبتموني على هذا الرجل حتى أراني قد أهلكته وهلكت. – تاريخ المدينة لابن شبه ] . وهذا يثبت أن له عطاء ولكن عطاءاً بالهوى دون النصاب الذي حدده المولى تبارك وتعالى في كتابه الكريم وهذا يثبت إسلامه وأن الآيات لا تخص كفار قريش بل رجلاً  أسلم ولكنه منع حقاً من حقوق الله تعالى المفترضة لأهل بيت النبي والفقراء والمساكين .

ثم يقول تعالى :

(35) أعنده علم الغيب فهو يرى (35)

وهنا :

(أعنده)

ورد لفظ عنده في كتاب الله على الشفاعة في قوله تعالى { من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه – البقرة 255 } وهنا يشير الله عز وجل إلى القائل ” أنا أحمل عنك ذنبك ” وهنا كأنه يقول تعالى أن هذه القوله باطلة لأنه لا يشفع أحد لأحد يوم القيامة إلا من اذن له الرحمن وقال صوابا وهذا لم يأذن الله تعالى له ولم يقل صوابا في الدنيا ولا في الآخرة سيكون على الصواب أيضاً قال تعالى {  يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا  – النبأ 38 } ولذلك يقول تعالى هنا في الآية { أعنده علم الغيب فهو يرى } .

وأما :

(علم الغيب)

وهنا يقول تعالى { أم عندهم الغيب فهم يكتبون – الطور 41 } (و الآية مكررة في سورة القلم 47) وبالتالي يقول تعالى هل اطلع على الغيب فعلم ماكتبه الله تعالى { أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا – مريم 78 } ويقول تعالى في استفهام استنكاري على  هؤلاء المجرمين { ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب – التوبة 78 }

وهذا الغيب  لم يطلع الله تعالى عليه أحداً إلا من ارتضاه عز وجل من  الرسل قال تعالى { عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا  إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا – الجن 26-37 } ولذلك يقول تعالى هنا في الآية  { أعنده علم الغيب فهو يرى }  .

وأما :

(فهو)

وهنا يبين تعالى أنه من أسلم لله تعالى فهو على نور من ربه قال تعالى { أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين – الزمر 22 } ومن أسلم لله تعالى فقد وعده الله تعالى الجنة وهذا وعد حسن قال تعالى فيه {أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين – القصص 61 }  وبالتالي من يهدي الله فهو المهتدي كما في قوله تعالى { من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون – الأعراف 178 } ومن ترك الإسلام وعمل بالهوى وبدأ في مخالفة كتاب الله تعالى قيض الله تعالى له شيطاناً فهو له قرين قال تعالى { ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين – الزخرف 36 } وهنا يبين تعالى أن هذا القائل بهذه المقولة كانت من شيطانه الذي نطق على لسانه فأعماه الحق المنزل في كتاب الله على رسوله ومادام في الدنيا أعمى عن الحق فهو في الآخرة أعمى ةأضل سبيلا قال تعالى  { ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا  – الإسراء 72} .

وأما :

(يرى)

وهنا يبين تعالى أن الذين أسلموا لله تعالى وأتاهم الله تعالى العلم يعلمون أن الحق فيما أنزل على رسوله صلى الله عليه وآله وبالتالي فهم مهتدون قال تعالى { ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي إلى صراط العزيز الحميد سبأ 6 } ووبالتالي علم هؤلاء أن الله تعالى مطلع على أعمالهم وسيحاسبهم عليها مصداقاً لقوله تعالى { وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون – التوبة 105 }  وبالتالي هؤلاء المجرمين التاركين العمل بما أنزل الله ألا يعلموا بأن الله تعالى يرى أعمالهم من قبل أن يخلقهم وهو أعلم بهم قال تعالى { ألم يعلم بأن الله يرى – العلق 14} وألا يعلم هؤلاء أنه من يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره قال تعالى {  فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره  ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره – الزلزلة 7-8}  وهل علم هؤلاء المجرمين أن كل نفس بما كسبت رهينة وأن لا تزو وازرة وزر أخرى كما في الآيات هنا في هذه السورة حيث قال تعالى    { أعنده علم الغيب فهو يرى أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى ألا تز وازرة وزر أخرى – النجم} .

ثم يقول تعالى :

(36) أم لم ينبأ بما في صحف موسى (36)

وهنا :

(أم لم)

وهنا (أم لم) هذا ورد على كفار قريش حيث حاصرة رسول الله صلى الله عليه وآله في بيته لقتله وخرج عليهم بآيات من سورة ياسين حيث قال تعالى { يس والكتاب الحكيم إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم تنزيل العزيز الحكيم لتنذر قوماً ما أنذر آباؤهم فهم غافلون لقد حق القول على أكثرهم فهم لايؤمنون إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً فهى إلى الأذقان فهم مقمحون وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون وسواء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون – يس 1-10 } . وهنا إثبات بالفعل أن القائلين هذه المقولة رجال من قريش وقال تعالى فيهم أيضاَ {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون – البقرة 6 } وهؤلاء هم الذين برز من بينهم المنافقون وقال تعالى فيهم { سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين – المنافقون 6 } ويقول تعالى في هؤلاء {  أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ –المؤمنون 69 } أي [ أم منعهم من اتباع الحق أن رسولهم محمدًا صلى الله عليه وسلم غير معروف عندهم، فهم منكرون له؟ – التفسير الميسر ] .

ويقول تعالى لهؤلاء لخلطتهم باليهود وأهل الكتاب كمرجعية لهم يسئلونهم ويستشيرونهم  في المسائل قال تعالى لذلك لهم هنا  { أم لم ينبأ بما في صحف موسى و إبراهيم الذي وفى أن لا تزر وازرة وزر أخرى } أي أن هائل هذه المقولة كان قارئً كاتباً يعلم مافي كتب أهل الكتاب من قبل .

وأما :

(ينبأ)

[ وأنبأنه بالشيئ : أخبره به وذكر له قصته – معجم ألفاظ القرآن باب النون فصل الباء والهمزة ] قال تعالى { وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير  -التحريم 3 } وقال تعالى  { قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ذلكما مما علمني ربي إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون – يوسف 37 } ويقول تعالى مبيناً أنه نبأ رسول الله صلى الله عليه وآله بأخبار الأمم من قبل في قوله تعالى  {   ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون _ىلأعمران 44 } وقال تعالى  { ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد – هود 100 } وقال تعالى {   كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد آتيناك من لدنا ذكرا طه 99 } وهذه أنباء ماكا هؤلاء يعلمونها من قبل قال تعالى {   تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين – هود 49 } ويبين تعالى أنهم كذبوا رسول الله صلى الله ليعه وآله كما في قوله تعالى { فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون  -الأنعام 5} وهذه الأنباء إخبار بغيب لا يعلمه أحد إلا بعلم منه عز وجل قال تعالى لنبي الله آدم { قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون – البقرة 33 } وعلى ذلك النبأ للنبي والرسول بعلم من الله تعالى كما في قوله تعالى { نبؤني بعلم إن كنتم صادقين – الأنعام 143 } وهذا العلم المنزل من عند الله تعالى بين أن هذا العلم علمان الأول نزل على رسوله الله صلى الله عليه وآله بعلم وهو علم والثاني تأويل لهذا العلم وهذا الكتاب يوضح ويبين مراد الله تعالى منه لذلك قال الني صلى الله عليه وآله [ أنا مدينة العلم وعلي بابها … الحديث ] وصاحب هذا التأويل وهو الإمام علي عليه السلام وسيختلفون عليه ويقاتلونه حتى قتلوه شهيداً لعنهم الله لذلك نزل فيه قوله تعالى { عم يتسائلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون – النبأ }

وهنا : [ عن أبي حمزة الثمالي قال : سألت أبي جعفر عن قوله تعالى (عم يتساءلون عن النبأ العظيم) فقال : كان علي يقول لأصحابه والله أنا النبأ العظيم الذي اختلف فيه جميع الأمم بألسنتها والله لا يوجد نبؤ أعظظ مني ولا آية أعظم مني – شواهد التنزيل للحاكم ج 2 ص 417] .

و على ذلك هذا التأويل لكتاب الله يبين أن هناك أنباء وأحداث سيعلمها الناس فيما بعد في الممستقبل كما في قوله تعالى { ولتعلمن نبأه بعد حين – ص 88} وهناك أنباء ووقائع ستحدث قال تعالى فيها { لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون – الأنعام 67 }

ولما بلغهم رسول الله صلى الله عليه وآله وعلموا منه ومن أنباء الأمم من قبل عند أهل الكتاب فهم على بينه من قصصهم وما فعله الله تعالى بالأمم التي كفرت بهم لذلك قال تعالى هنا { أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى أن لا تزر وازرة وزر أخرى } .

وأما :

(بما في صحف)

[ الصحف : جمع صحيف وهو المبسوط من الشيئ يكتب فيه وجمعها صحائف- معجم ألفاظ القرآن باب الصاد فصل الحاء والفاء ] .قال تعالى { أولم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى – طه 133}وهذه الصحف الأولة هنا لها بينة أول زمان نزول القرآن الكريم وآخر الزمان فيها كتب قيمة قال تعالى  فيها { لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة رسول من الله يتلوا صحفاً مطهرة فيها كتب قيمة – البينة } وكل ذلك مسطر في كتب الأولين كما في الآية هنا { أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى أن لا تزر وازرة وزر أخرى } .

وأما :

(بما في صحف موسى وإبراهيم)

وهذه الصحف قال تعالى فيها { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى والذي أخرج المرعى فجعله غثاءاً أحوى سنقرأك فلا تنسى إلا ما شاء الله إنه يعلم الجهر وما يخفى ونيسرك لليسرة فذكر إن نفعت الذكرى وسيذكرمن يخشى و يتجنبها الأشقى الذي يصلى النار الكبرى ثم لا يموت فيها ولا يحيا قد افلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى – الأعلى } .

وأما :

(موسى)

وهنا تقديم نبي الله موسى على إبراهيم عليهما السلام فيها حكمة بليغة وذلك لأن نبي الله موسى طلب أن يكون له وزيراً في قوله تعالى { واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي أشدد به أزري واشركه في أمري – طه 29-30 }  وهنا قال تعالى { ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا – الفرقان 35 } وكما دعا الله تعالى بأن يكون له وزيراً كذلك طلب رسول الله صلى الله عليه وآله بأن يكون علياً عليه السلام وزيراً له إلا أنه لا نبي بعده فقال له صلى الله عليه وآله [ .. أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي .. الحديث – رواه مسلم ج 4 ص 108 والبخاري ج 5 ص 23-24  ونهج الحق للحلي ص 216 ] [ وعن عبد خير عن علي بن ابي طالب قال :اقبل صخر بن حرب حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : الأمر بعدك لمن ؟ قال : لمن هو مني بمنزلة هارون من موسى غأنزل الله تعالى { عم يتساءلون عن النبأ العظيم} يعني أهل مكة يسألك أهل مكة عن خلافة علي فمنهم المصدق ومنهم المكذب بولايته (كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون) وهو رد عليهم سيعرفون خلافته أنها حق غذا يسئلون عنها في قبورهم  فلا يبقى منهم ميت في شرق ولا غرب ولا بر ولا بحر إلا ومنكر ونكير يسألانه يقولون للميت من ربك وما دينك ومن نبيك ومن إمامك – شواهد التنزيل للحاكم ج2 ص 418 ] وهذا كله يبين تعالى هناأنه مسطر في توراة موسى وصحف إبراهيم الذي وفى قال تعالى { أم لم ينبئ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى } .

ثم يقول تعالى :

(37) وإبراهيم الذي وفى (37)

وهنا :

(و إبراهيم)

يبين تعالى هنا أن غبراهيم عليه السلام وفى في إبلاغه للناس بأن دين الإسلام في كل عصر يقوم على الحنيفية لله تعالى وهى الميل عن الشرك والوصية لمن سيخلف النبي وهكذا أبلغ نبي الله نوحاً قومه من قبل وكذلك موسة وعيسى عليهم السلام لقوله تعالى { شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب  -الشورى 13 } أي أن في صحف إبراهيم اصطفاء الدين بالرسالة والنبوة والإمامة في ذريته كما قال تعالى { ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون – البقرة 123 }  ولذلك دعا لأهل مكة والحجاز بدعوة قال تعالى فيها { وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير – البقرة 126} والإيمان هنا بنبي آخر الزمان محمد صلى الله عليه وآله خاتم النبيين قال تعالى { ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم – البقرة 129 }

وفي صحف نبي الله إبراهيم عليه السلام فيها بلاغ بوصية الإمام علي عليه السلام ودعا لذلك لإمام آخر الزمان فيقوله تعالى { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ  فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ   رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ  وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ  – الشعراء 69-84 }

كما هو مدون في كتبهم ماهو كائن من أحداث كذلك فيها أيضاً لا يحاسب أحجاً بذنب آخر قال تعالى { أن لا تزر وازرة وزر أخرى} .

وأما :

(الذي وفى)

ووفى : [ وفي : يفي بالعهد و وَفيّ :  (اسم)  الجمع : أوْفياءُ ، المؤنث:  وفيّة ، و الجمع للمؤنث: وفيّات و أوْفياءُ و الوَفِيُّ : التامُّ و الوَفِيُّ : الكثيرُ الوفاء والإخلاص، مَنْ يفي بتعهُّداته ويقوم بواجبه، الوَفِيُّ :الذي يأْخذ الحقّ ويُعطي الحقّ والجمع : أوفياءُ و الوَفِيّ: اسم من أسماء الله الحسنى، ومعناه: الَّذي يُتمّ ما يَعِدُ به، ولا يغدر، أو الَّذي يعطي الحقّ ويأخذ الحقّ ] .

قال تعالى في بيان وفاء سيدنا إبراهيم بالعهد مع الله وذلك لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { وأوفوا بالعهد كان مسؤولا – الإسراء 34 } وبالتالي كان وفياً للعهد مع الله ولم ينقض الميثاق لورود هذا القول في قوله تعالى { الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق – الرعد 20 } .

ثم يقول تعالى :

(38) ألا تزر وازرة وزر أخرى (38)

وهنا يبين تعالى أن صحف إبراهيم وموسى عليهما السلام مكتوب فيها { ألا تزر وازرة وزر أخرى }

[ ووزر الشيئ يزره وزرا : حمله ويأتي ذلك في الأحمال الثقيلة ويقال ذلك على سبيل المجاز في ارتكاب الذنوب والآثام إذا كانت أثقالاً على صاحبها والوصف وازر ووازرة – معجم ألفاظ القرآن باب الواو فصل الزاي والراء ] .  قال تعالى { من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا – طه 100 } والوزر الذنوب وجمعها الذنوب والآثام ويبين تعالى هنا بأنه   [ أنه لا تؤخذ نفس بمأثم غيرها، ووزرها لا يحمله عنها أحد – التفسير الميسر ]  وهذا الحكم العام له خاص وهو منأضل غيره فسيحمل وزره ومن أوزار الذين أضلهم بغير علم قال تعالى { لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ – النحل 25 } أي [ ستكون عاقبتهم أن يحملوا آثامهم كاملة يوم القيامة -لا يُغْفَر لهم منها شيء – ويَحْملوا من آثام الذين كذبوا عليهم; ليبعدوهم عن الإسلام من غير نقص من آثامهم. ألا قَبُحَ ما يحملونه من آثام. –التفسير الميسر ] وبالتالي من ضل فإنما يضل على نفسه  قال تعالى { من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا – الإسراء 15 } فإذا بعث فيهم رسولا قضى بينهم بالقسط ويكون مرجعهم إلى الله تعالى للحساب كما في قوله تعالى { إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون إنه عليم بذات الصدور – الزمر 7 } وقال تعالى أيضاً { قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شيء ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون – الأنعام 164 } .

و سيحملون من أوزار الذين يضلونهم بغير علم كما بينا وبالتالي لا تزر وازة وزر أخرى إلا بالحق ومن تزكى بولاية الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام لأن الله تعالى قد أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا  فإنما يتزكي لنفسه قال تعالى { ولا تزر وازرة وزر أخرى وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه وإلى الله المصير – فاطر 18 }

 ثم يقول تعالى :

(39) وأن ليس للإنسان إلا ما سعى (39)  وأن سعيه سوف يرى (40)

وهنا :

(وأن)

وهنا يبين تعالى من خلال ورود هذه الآيات وذلك لأن كل حرف في كتاب الله آية قال تعالى {الم تلك آيات الكتاب الحكيم } وبالتالي ورود هذه الآيات في مواضه من كتاب الله تعالى تبين أنه أمر بالتحاكم إلى كتاب الله والتحذير والإنذار من ترك بعض ما أنزل الله وهى ولاية أهل بيت النبي (عليهم السلام) قال تعالى : { وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون – المائدة 49 } ويبين تعالى أنه عز وجل شديد العقاب وأنه غفور رحيم  قال تعالى  { اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم – المائدة 98} والله تعالى يبين هنا أن ليس للإنسان إلا ماسعى قال تعالى { وأن ليس للإنسان إلا ماسعى } والله تبارك وتعالى لن يحاسب أحداً إلا بما قدمت يداه من خير أو شر والله تعالى ليس بظلام للعبيد قال تعالى  { ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد – آل عمران 182 }

وأما :

(ليس)

أي أنه يقول تعالى في المتقين { ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون – البقرة 177} وأما الذين أرادوا الحياة الدنيا وزينتها عملوا لها وخرجوا على ولاية الإمام علي عليه السلام الشاهد على هذه الأمة بعد نزول البينة على رسول الله صلى الله عليه وآله كما في قوله تعالى

{ مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ ۖ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَامًا وَرَحْمَةً ۚ أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۚ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ ۚ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ ۚ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ – هود 15-17 } وهنا في أسباب النزول [  الذي على البينة رسول الله (صلى الله عليه آله) والشاهد الإمام علي (عليه السلام) – شواهد التنزيل للحاكم ] وفي الآخرة ليس للإنسان إلا ماسعى كما في الآية هنا { وأن ليس للإنسان إلا ماسعى } . ومن عذبه الله تعالى فبما قدمت يداه قال تعالى { ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد – الحج 10 } .

وأما :

(إلا ما)

وهنا يقول تعالى { لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها – الطلاق 7 } وما أتاهم الله تعالى غير كتاب الله تعالى لذلك يقول تعالى  {  إن أتبع إلا ما يوحى إلي قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون – الأنعام 50 } ومن خرجوا على أوامر الله تعالى فلايجزون إلا ما كانوا يعملون قال تعالى { ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون – النمل 90 } وقال تعالى أيضاً{ والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم هل يجزون إلا ما كانوا يعملون – الأعراف 147}  وبالتالي لا ظلم اليوم كما قال عز وجل {   فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون – يس 54 } .

وأما :

(سعى وأن سعيه) (سوف يرى )

[ وسعى يسعى سعياً : مشى سريعاً دون العدو أو سار مطلق – معجم ألفاظ القرآن باي السين فصل العين والياء ] قال تعالى { فلما بلغ معه السعى قال يابنى إني أرى في المان أني اذبحك – الصافات 102 } .

والسعي في الأرض سعيان :

الأول في عصيان الله تعالى والكفربه عز وجل وقال تعالى فيه { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم – المائدة 33 } وقال تعالى في هؤلاء المجرمين وسعيهم فطفاء نور الله عفي الأرض { ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم – البقرة 114 } وهؤلاء الذين يسعون في الأربعاء فساداً كما في قوله تعالى : { وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد – البقرة 205 } .

والسعي الثاني : في طاعة الله تعالى وقال في ذلك :

وهؤلاء هم الذين آمنوا وعملوا الصالحات كما في قوله تعالى { فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون – الأنبياء 94 } وهؤلاء هم الذين أرادوا الآخرة وعملوا لها كما في قوله تعالى { ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا – الإسراء 19 } وهؤلاء سعيهم سوف يرى كما في الآية هنا { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى } وهذا الجزاء هو الجنة كما في قوله تعالى  : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ لَّا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ  وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ   وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ – الغاشية 8-16 } .

وأما :

(سوف)

وسوف هنا تأتي للمستقبل أي أنهم عملوا في الدنيا لما سوف يواجهونه بعد موتهم قا تعالى { يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا  وَيَنقَلِبُ إِلَىٰ أَهْلِهِ مَسْرُورًا وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ  فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا وَيَصْلَىٰ سَعِيرًا إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُور بَلَىٰ إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا – الإنشقاق 6-15} وبالتالي الذين آمنوا وعملوا الصالحات سوف يدخلون الجنة كما في قله تعالى { إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما – النساء 146 } وقال تعالى أيضاً { والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله غفورا رحيما  -لنساء 152 }

والذين كفروا سوف يصليهم الله تعالى ناراً قال تعالى فيها { إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزا حكيما – النساء 56 } .

وأما:

( يرى)

أي أنه يقول تعالى لكل بني آدم { وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون – التوبة 105} فإذا نبئهمم بما عملوا هنا يحاسبون على سعيهم في الحياة الدنيا وما كانوا يعملونه فيها قال تعالى { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى }

ويبين تعالى أن الكافرين كانوا يحسبون أنهم لا يراهم ولا يراقبهم ولا يحسب عليهم أعمالهم أحد لذلك يقول تعالى { أيحسب ان لم يره أحد – البلد 7 }  ثم يبين تعالى أن من عمل مثقال ذرة خيراَ يره ومن يعم مثقال ذرة شراَ يره قال تعالى { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره – الزلزلة 7-8 } وهنا يبين تعالى في الآخرة يجزاه الجزاء الأوفى .

ثم يقول تعالى :

(41) ثم يجزاه الجزاء الأوفى (41)

وهنا :

(ثم)

أي أنه يقول تعالى { قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون – الجمعة 8 } .

وأما :

(يجزاه الجزاء)

وهنا يبين تعالى أن من أراد الدنيا سيؤتيه منها ومن أراد الآخرة سيؤتيه تعالى منها وسيجزي الشاكرين قال تعالى : { وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين – آل عمران 145 }

والشاكرين هم الذين تولوا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام ولم ينقلبوا على أعقابهم قال تعالى { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين  – آل عمران 144 } وتنفيذ الوصية هنا باستخلاف أمير المؤمنين كما بينا من قبل بهذه السورة وفي مواضع كثيرة من كتاب الله هى بعض ما ستتركه هذه الأمة وستقتل عليه كما فعلت بنو إسرائيل في أنبيائها في قوله تعالى : {  أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون – البقرة 85 } . فإن حاسب الله تعالى كل نفس بما كسبت فلا ظلم اليوم قال تعالى : { اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب – غافر 17 }  وهم لا يظلمون كما في قوله تعالى : { وخلق الله السماوات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون – الجاثية 22} و الذين ظلموا منهم كبراء ومنهم مستضعفين تابعين قال تعالى فيهم { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن نُّؤْمِنَ بِهَٰذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ۗ وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَىٰ بَعْدَ إِذْ جَاءَكُم ۖ بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَادًا ۚ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ – سبأ 31-33} . وهنا إذا كان يوم القيامة جزى الله تعالى هؤلاء الذين استكبروا وتابعيهم بما كانوا يعملون قال تعالى { ثم يجزاه الجزاء الأوفى }

وأما :

(الأوفى)

[ ووفى الشيئ يفي وفيا : تم لم يذهب منه شيئ ويقال في العهد وفى به : نفذه وقام به – معجم ألفاظ القر’آن باب الواو فصل الفاء والياء ] . قال تعالى في الوفاء بعهد الله تعالى لرسوله وأئمة أهل بيته بالبيعه { وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون – البقرة 40} وأول هذه العهود وفاءاً البيعة لرسول الله صلى الله عليه وآله لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ – التوبة 111} . وهذا الأجر العظيم هنا للوفاء بالعهد مع الله تعالى ورسوله صلى الله عليه والأئمة من أهل بيته عليهم السلام بمضاعفة الأجر لورود (الفوز العظيم في قوله تعالى { سورةالنساء – إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما – النساء 40 } أي أن الجزاء الأوفى لولايته الحق تبارك وتعالى مضاعفة الأجر لهؤلاء المؤمنين يوم القيامة قال تعالى { ثم يجزاه الجزاء الأوفى } .

ثم يقول تعالى :

(42) وأن إلى ربك المنتهى (42 )

وهنا :

(وأن إلى ربك)

أي أن المنتهى سيكون بالرجوع إلى الله تعالى قال تعالى { إن إلى ربك الرجعى – العلق 8 } وقال تعالى  { من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون – الجاثية 15 }  ولا ظلم في هذا اليوم ولا تزر وازرة وزر أخرى كما في قوله تعالى : { قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شيء ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون  – الأنعام 164 } , وحيث أن المنتهى إلى الله فالمستقر عنده تبارك و تعالى كما في قوله تعالى { إلى ربك يومئذ المستقر – القيامة 12 } وفي ذلك اليوم سيقول المجرمين أين المفر كما في قوله عز وجل { يَقُولُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ كَلَّا لَا وَزَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ  – القيامة 10-12 } .

 وأما :

(المنتهى)

والمنتهى هنا نهاية عمر الدنيا ومنهاها لقوله تعالى {يسئلونك عن الساعة أيان مرساها إلى ربك منتهاها – النازعات 43-44 } وبنهاية الزمان ينتهى المكان وتتبدل الأرض غير الأرض والسماوات ويكون ملتقى المؤمنين عند سدرة المنتهى لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى – النجم 14-15} وذلك معنى قوله تعالى هنا {إلى ربك المنتهى } .

ثم يقول تعالى :

(43) وأنه هو أضحك وأبكى (43)

وهنا :

(وأنه)

أي أنه تعالى الخلق كما في قوله تعالى { وأنه هو رب الشعرى – النجم 49 } وأنه خلق الذكر والأنثى قال تعالى  { وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى النجم 45 } وهو المغني لخلقه كما في قوله تعالى  { وأنه هو أغنى وأقنى – النجم 48 } وهو يميت ويحي الخلق قال تعالى وقال تعالى   { وأنه هو أمات وأحيا – النجم 44 } وقال تعالى أيضاً { ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير – الحج 6 } وإليه يحشر الخلق كما في قوله تعالى { وأنه إليه تحشرون – الأنفال 24 }

وأما :

(هو أضحك وأبكى)

[ ضحك : اصل المادة البروز والإنكشاف ومنه يجيئ ضحك الإنسان لانبساط وجهه وظهور الضواحك من أسنانه ثم يستعمل في بواعثه المختلفة فيراد منه السخرية أو يراد منه التعجب – معجم ألفاظ القرآن باب الضاد فصل الحاء و الكاف ] . والضحك عكس البكاء قال تعالى { فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون – التوبة 82 } وبكائهم الكثير كان لكفرهم بآيات الله تعالى واستهزائهم وتعجبهم من آيات الله تعالى كما في قوله تعالى { أَفَمِنْ هَٰذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ  وَأَنتُمْ سَامِدُونَ   – النجم 59-61 } ثم يبين تعالى أنهم بعدما تعجبوا استهزءوا بالمؤمنين كما في قوله تعالى  { إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَىٰ أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَٰؤُلَاءِ لَضَالُّون وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ  – المطففين 29-34 } . هؤلاء في الآخرة سيضحكون من هؤلاء المجرمين قال تعالى {  وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ  ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ  – عبس 38-39 } .

وهنا يبين تعالى أن الله تعالى لما خلق العالم وضع فيه أسباب البكاء والضحك أسباب الفرح والحزن وبين أنه من اراد الضحك والسرور والسعادة فليأخذها بحقها وحقها طاعة الله تعالى ورسوله وولايته الحق لذلك قال تعالى هنا { وأنه هو أضحك وابكى} .

ثم يقول تعالى :

(44) وأنه هو أمات وأحيا (44)

وهنا :

( وأنه هو أمات وأحيا)

أي أنه تعالى خلق الحياة الدنيا واالآخرة والموت رحلة انتقال بينهما قال تعالى فيها { الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور – الملك 2 } وعن رحلة تقل الإنسا بين الدنيا وآخرة بالنفس والجسد يقول تعالى { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ۖ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ – البقرة 28 } . وكل ذلك يتم بإذن الله تعالى الخالق المدبر لكل شيئ .قال تعالى هنا { وأنه هو أمات وأحيا } . ولذلك يقول سيدناإبراهيم عليه السلام عن رب العززة { الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ – الشعراء 78-83 }  .

ثم يقول تعالى :

(45) وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى (45) من نطفة إذا تمنى (46)

وهنا :

(وأنه خلق الزوجين)

[ والزوجين : جمع زوج والزوج : الصنف والشيئ يقرن به للتناسل والذكر زوج و الأنثى زوج وهما زوجان والجمع أزواج – معجم ألفاظ القرآن باب الزاي فصل الواو والجيم ] .

وهنا يبين تعالى أن كل شيئ خلقه تعالى شفع أو زوجين أو الشيئ وضده ونقيضه قال تعالى { ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون – الذاريات 49 } ومن هذه المخلوقات التي خلقها الله تبارك وتعالى الذكر والأنثى قال تعالى لنبي الله نوح عليه السلام { فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا فإذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون – المؤمنون 27 } .

وفي الثمرات زوجين ذكر وأنثى قال تعالى فيها { وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون – الرعد 3 } وفي بني آدم قال تعالى { أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَىٰ ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ أَلَيْسَ ذَٰلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ – القيامة 37-40 } .

وأما :

(الذكر والأنثى من نطفة إذا تمنى)

قال تعالى هنا { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير – الحجرات 13 } وكلا الزوجين خلقهما الله تعالى من نطفة مني يمنى قال تعالى فيها {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَىٰ ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ أَلَيْسَ ذَٰلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ – القيامة 37-40 } .

وأما :

(من نطفة)

[ ونطف الماء : سال والنطفة الماء الصافي وفي كتاب الله المراد منه ماء الرجل – معجم الأفاظ القرآن بب النون فصل الطاء والفاء ] قال تعالى { والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجاً – فاطر 11 } ويقول تعالى في المرتابين من البعث والنشور من بعد الموت {  يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج – الحج 5 } .

وأما :

(إذا تمنى)

[ ومني الرجل أو المراة : النطفة قذفها من فرجه عند ثوران الشهوة بالجماع أو غيره وأمناها كذلك – معجم ألفاظ القرآن باب الميم فصل النون والياء] قال تعالى { ألم يك نطفة من مني يمنى – القيامة 37 }

ثم يقول تعالى :

(47) وأن عليه النشأة الأخرى (47)

 وهنا :

(وأن)

أي أنه يقول تعالى { وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور – الحج7 } فإذا بعثهم الله تعالى للحساب كان ذلك منتهى الزمان والمكان عنده تبارك وتعالى كما في قوله تعالى { وأن إلى ربك المنتهى – النجم 42 }

وأما :

( عليه)

ي كما قال تعالى { إنا إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم – الغاشية 25-26 } فإذا قامت القيامة حشرهم الله تعالى إليه جميعاً وذلك على الله يسير قال تعالى { يوم تشقق الأرض عنهم سراعا ذلك حشر علينا يسير – ق 44 }

وأما :

(النشأة)

[ ونشأ ينشأ نشأً ونشأة : ارتفع يقال نشأ الحساب ويقال نشأ إلى عمله : قام ونهض إليه وهو من الإرتفاع ونشأ الشيئ تجدد وحدث كأنه ارتفع من العدم ونشأ الإنسان : حي َوللإنسان نشأتان نشأته في الدنيا ونشأته في الآخرة من بعد الموت وهو البعث وهو النشأة الأخرى أو الآخرة – معجم الفاظ الققرآن باب النون فصل الشيئ والهمزة ]

يبين تعالى أن الخلق من أن بدأ الله تعالى خلق الإنسان من طين ثم االهبوط إلى الأرض والموت ثم البعث و  هذا هو النشأة الأولى قال تعالى { أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ ۖ قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم ۚ بَلَىٰ وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ – يس 77-83 } وهذه النشأة الأولى كانت من الأرض كما في قوله تعالى {وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب – هود 61 } ثم أنشأهم من نبي الله آدم كما في قوله تعالى   {   وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون – الأنعام 98 }

ثم أنشأ الله تعالى البشرية في تطور خلقي في بطون الأمهات من نطفة ذكر وأنثى قال تعالى { الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى – النجم 32 } فإذا ماتوا رجعوا إلى الله تعالى وهنا تكون النشأة الآخرة التي قال تعالى فيها هنا { وأن عليه النشأة الآخرة } .

وأما :

(النشأة الآخرة)

أي أنه قال تعالى هنا { قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير – العنكبوت 20 } وهذه النشأة الآخرة على الله تعالى من بعد الموت كما في قوله تعالى هنا { وأن عليه النشأة الآخرة } .

وأما :

(الآخرة)

وهذه النشأة الآخرة يبين تعالى أنها من بعد الموت بالبعث والنشور قال تعالى { منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى – طه 55} و هذه هى النشأة الآخرة التي قال تعالى فيها هنا { وأن عليه النشأة الآخرة } .

ثم يقول تعالى :

(48) وأنه هو أغنى وأقنى (48)

وهنا :

(وأنه)

أي أنه يقول تعالى {  وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى – النجم 45 } ولما خلقهم أغنناهم الله عز وجل كما في الآية هنا { وأنه هو أغنى وأقنى} .

وأما :

(هو أغنى)

[ وأغنى : أقرب معاننيها في الغنى وهو عدم الحاجة وهو غنى الله تعالى عن خلقه أو بمعنى قلة الحاجة وهو مايسمى غنى النفس أو بمعنى كثرة المقتنيات بحسب ضروب الناس – معجم ألفاظ القرآن باب الغين فصل النون والياء ]   ] قال تعالى في غناه عن خلقه عز وجل  {  له ما في السماوات وما في الأرض وإن الله لهو الغني الحميد – الحج 64 } وقال تعالى أيضاً { لله ما في السماوات والأرض إن الله هو الغني الحميد – لقمان 26 }  ومادام الله تعالى هو الغني فالناس فقراء إليه عز وجل كما في قوله تعالى {   يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد – فاطر 15 } ومن منع حق الله في المال وهو حق افترضه الله تعالى للفقراء والمساكين فقد بخل ومن بخل فإن الله غني عن صدقاتهم وخمسهم وزكاتهم قال تعالى {   الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد – الحديد 24 } وقال تعالى مبيناً أن إبراهيم والذين آمنوا معه كانوا اسوة حسنة لمن كان يرجوا الله تعالى حيث تبرءوا ن كفار زمانهم قال تعالى { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ ۖ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد – الممتحنة 4-6 } ثم يبين تعالى أن الذين أخرجوا حق الله في أموالهم وأحبوا في الله وبغضوا في الله فهؤلاء الذين سيغنيهم الله تعالى في الدنيا ومن الغنى تدبير احتياجاتهم بما يغنيهم عن المسألة قال تعالى { ووجدك عائلا فأغنى – الضحى 8 } وقال تعالى أيضاً : { إن يكونوا فقراء يغنيهم الله من فضله – النور 32 } وقال تعالى في غضب أعداء الله ونقمتهم أن يروا المؤمنين لا يحتاجونهم قال تعالى  { وما نقموا منهم إلا أن أغناهم الله – التوبة 74 } ومن الغنى الزوجة الصالحة قال تعالى { وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله – النور 33 } . فإذا استمرت الهوة بين الفقراء والأغنياء في الإتساع وظن المترفين والمستكبرين أنهم قادرون على حكم الأرض والسيطرة على العباد كان هذا إذناَ بزوال ملكهم وهلاكهم قال تعالى { إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون – يونس 24 } . وهؤلاء الظالمين يوم القيامة لن تغني عنهم أموالهم من عذاب الله تعالى كما في قوله تعالى { ما أغنى عني مالية هلك عني سلطانية – الحاقة 28 -29 } .

وهذا الغنى في الدنيا من الله  وفي الآخرة  جزاؤهم الجنة ولذلك قال تعالى هنا  { وأنه هو أغنى وأقنى } .

وأما :

(وأقنى)  

[ وقنى الرجل يقنى قناً : رضى وقنى الشيئ يقنيه قنياً :إكتسبه يقال قنى الغنم ونحوها :اتخذها لنفسه للتجارة وأقناه الله : أرضاه أو أعطاه القنية وهى ما يقني أو هى المال يدوم ولا يخرج من اليد في الغالب كالحيوان والديار والرياض – معجم ألفاظ القرآن باب الغين فصل النون والياء ] قال تعالى { وأنه هو أغنى وأقنى } . وهذا من الألفاظ التتي لا مرادف لها يبينها إلاباللغة العربية .

ثم يقول تعالى :

(49) وأنه هو رب الشعرى (49)

أما :

(وأنه هو رب)

وهنا يبين تعالى أنه رب كل شيئ كما في قوله تعالى { قل أغير الله أبغي ربا و هو رب كل شيئ – الأنعام 164 } ومن هذه الأشياء الشعرى في السماء الدنيا لقوله تعالى هنا { وأنه هو رب الشعرى } .

وأما :

(الشعرى)

[ والشعرى : نجم وخص بالذكر لأنه عبد من دون الله تعالى عند قبيلة من العرب – معجم ألفاظ القرآن باب الشين فصل العين والراء ] .

ورد في تفسير الطبري :

[ وقوله: ( وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى ) يقول تعالى ذكره: وأن ربك يا محمد هو ربّ الشِّعْرَي, يعني بالشعرى: النجم الذي يسمى هذا الأسم, وهو نجم كان بعض أهل الجاهلية يعبده من دون الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس , قوله ( وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى ) قال: هو الكوكب الذي يدعى الشعرى. – تفسير الطبري ] .

و في التفاسير القمي :

[عن علي بن إبراهيم ، قال : هو نجم في السماء ، يسمى الشعرى ، كانت قريش و قوم من العرب يعبدونه ، و هو نجم يطلع في آخر الليل. – تفسير كنز الدقائق للقمي المشهدي ج12 ص 519 و تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني ] .

وهى شعرى العبور التي هى أشد ضياءاً من الغميصاء والآية هنا تبين أنه تعالى رب الشعرى لأنه رب كل شيئ ومليكه وخالق كل شيئ كما في قوله تعالى { الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل – الزمر62 } .

قصة عبادة نجم الشعرى :

[ وأنه هو رب الشعرى

 

الشِّعْرَى اليَمَانِيَّة أسطع النجوم في السماء ليلاً (أي أكثرها لمعانًا وبريقًا)، يبلغ بريقها 25 ضعف بريق الشمس.

  • الأستاذ الدكتور مسلم شلتوت – أستاذ علوم الفلك في الجامعات المصرية :

الشعرى هو نجم الشعرى اليمانية (سيروسSirius) وهو النجم الوحيد الذي ورد اسمه صريحاً في القرآن الكريم بخلاف الشمس، وهو واحد من أقرب وألمع النجوم إلينا.

وأثبتت الدراسات الفلكية بأن هذا النجم كان معروفاً في فترة العصر الحجري المتأخر لعديد من سكان الأرض، وأنه كانت له قدسية خاصة عندهم.

فسكان نبته القدماء في المنطقة الواقعة في منتصف ما بين أبو سمبل وشرق العوينات في جنوب غرب مصر كانوا قد أقاموا صف من الأحجار على هيئة أعمدة على خط مستقيم للاتجاه الذي سيشرق منه نجم الشعرى يوم الانقلاب الصيفي، وهو بداية الصيف وهبوط الرياح الموسمية الصيفية المحملة بالأمطار؛ لتحيل الصحارى الجافة لمراعي خصبة يملؤها العشب والكلأ للبقر، وتملئ الأحواض الجافة وتصير برك ومستنقعات … كانت هذه المنطقة منطقة سافانا في عصر الهولوسين المطير… وكان لبداية الصيف قدسيته وللشعرى قدسيته الكبرى في ذلك اليوم وغيره وذلك منذ 4800 عام قبل الميلاد.

صورة قديمة للهرم الأكبر خوفو

ونظراً لأن الزراعة في مصر كانت معتمدة على الري من النيل فإن التنبؤ بميعاد فيضان النيل كان هو أهم ما يجب عمله؛ اتقاء لشره إذا كان فيضاناً عارماً، وذلك بترميم الجسور وتحسباً له إذا جاء الفيضان خفيفاً غير وافي؛ لأن ذلك معناه المجاعة بكل أبعادها المخيفة، ولقد لاحظ قدماء المصريين بأن بداية فيضان النيل مرتبطة بشروق الشمس من اتجاه النجم سيروس (الشعرى اليمانية) وهو مايسمى فلكياً بظاهرة الاحتراق الشروقي للنجم سيروس وكان هذا يحدث في صيف كل عام.

كان للنجم سيروس قداسته عند قدماء المصريين؛ لارتباطه بفيضان النيل، لذلك أسموه ‘نجم إيزيس’ لارتباط دموع إيزيس زوجة أوزيريس بفيضان النيل عندما حزنت عليه بعد مقتله على أخيه ست حسب الأسطورة المصرية القديمة. وكان هذا النجم هو قرين للملكات في مصر القديمة في السماء لذلك فإن ما يسمى بفتحة التهوية في الهرم الأكبر الممتد من حجرة الملكة إلى اتجاه الجنوب ما هو إلا فتحة لكي تطل منها الملكة في مرقدها على قرينها في السماء سيروس عند مروره على دائرة الزوال، لذلك فإن هذه ليست فتحات تهوية بل هي مناظير مزوالية ثابتة متجهة لنجوم معينة في السماء حسب علم الفلك الحديث. ونظراً للمكانة الكبيرة لنجم الشعرى اليمانية (سيروس) وقدسيته عند الشعوب القديمة جاء قول الله تعالى ليؤكد { وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى } (سورة النجم 49) ولا سجود لغيره … سبحانه وتعالى الواحد الأحد … لا شريك له في الملك ولا ند ولا ولد – من صفحة الإعجاز العلمي للقرآن والسنة ]

ثم يقول تعالى :

(50) وأنه أهلك عاداً الأولى (50) وثمود فما أبقى (51)

وهنا :

(وأنه)

أي أنه تعالى يحي ويميت وهو على كل شيئ قدير قال تعالى { ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير – الحج 6} وبقدرته تعالى أهلك عاداً وثمود الأولى في قوله تعالى هنا { وأنه أهلك عااداً الأولى وثمود فما أبقى } .

وأما :

(أهلك عاداً الأولى وثمود )

وهنا يبين تعالى أنه قد أهلك الأمم الأولى كما في قوله تعالى {ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون – القصص 43 } وكما أهلك الله تعالى الأولين بظلمهم كما ف قوله تعالى { ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا كذلك نجزي القوم المجرمين – يونس 13 }

كذلك سيهلك الله تعالى الآخرين إذا فعلوا في نفس فعال الأمم من قبلهم وذلك لأن الأولى عكسها الآخرة فكما أن هناك عاداً وثمود الأولى فهناك مثلهما في آخر الزمان ستفعل نفس فعالهم لذلك يقول تعالى { ألم نهلك الأولين ثم نتبعهم الآخرين – المرسلات  16-17 } . وهلاك الآخرين هنا إن وصل المترفين إلى سدة الحكم كما في قوله تعالى { وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا- الإسراء }

وأما :

(عاداً الأولى وثمود فما أبقى)

وهنا يقول تعالى { ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب – إبراهيم 9 } وأما عن قريش فيبين تعالى أنهم كذبوا كما كذبت الأمم من قبل قال تعالى { وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ – الحج 42 } وكما كذبت قريشاً الأولى كذلك ستظهر آخر الزمان أمتان الأولى تتقلد بعاداً الأولى والثانية ستسير على نعج ثمود الأولى في قتل الإمام علي وأهل البيت عليهم السلام كما قتلت ثمود الناقة وكلتا الأمتان توعدهما الله تبارك وتعالى بقتبلة نووية تبيهم وهى صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود وانتبه هنا للفظ ( مثل) أي قريبة منها قال تعالى بعدا بين كفر قريش الأولى في سورة فصلت حيث قال تعالى فيهم :

  • الآية رقم 4 من سورة فصلت { بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ – فصلا 4 }
  • وفي الآية 5 من السورة أيضاً { وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ – فصلت 5 }
  • { وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ – فصلت 5}
  • { وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ – فصلا 5 }

ثم توعد الله تعالى المشركين وعرفهم بأنهم لا يؤتون الزكاة ولا يعملون للآخرة الأعمال الصالحة في قوله تعالى  { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ ۗ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ فصلا 6-7 } ثم يبين تعالى أجر المؤمنين قائلاً

{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ – فصلت 8}  ثم يبين تعالى دائماً في كتاب الله تعالى قدرته على خلق السماوات والأرض قبل إعلان هلاك القوم فيقول تعالى { لهؤلاء وكفرهم بالله تعالى :

  • قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ۚ ذَٰلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا ۚ وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ – فصلت 9-12 } . ثم يقول تعالى في وعد وعده الله تعالى لعاد وثمود الآخرة
  • { فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ – فصلت 13 } وهنا مثل أي أنها ليست صاعقة من الله تعالى بل من صناعة البشرية ولكنها قرية الشبة من صاعقة السماء التي ينزل بها جبرائيل عليه السلام وذلك لأن مثل ورد في قوله تعالى عن الفلك ذات الشراع وسفن مثيلة لها ستكون آخر الزمان قال تعالى فيها { وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ وَخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ – يس 41-42} وبالتالي صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود شيئاً من الصناعات التي سيخترعها الإنسان والله خالق كل شيئ لذلك نسب هذا الخلق له تبارك وتعالى لأنه خالق الإنسان وعقله الذي صنه به هذه الصناعات ولذلك قال تعالى { وخلقنا لهم من مثله } وذلك دلالة على أنه لن تبيد دولة دولة أخرى إلا بغذن الله وبجرائمها مع الخالق عز وجل والبداية حكم المترفين الذي قال تعالى فيه { وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا- الإسراء }
ثم يبين تعالى أسباب هلاكهم في قوله عز وجل { إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ ۖ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ۖ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَىٰ ۖ وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَىٰ عَلَى الْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ – فصلت 14-17 } وهنا جريمة قوم ثمود أنهم خيروا فاختاروا دون ضغوط أو حروب وقتلوا الناقة بغير ذنب إلا الحرب على الله تعالى ورسوله وكذلك أمة ستقتل الإمام علي عليه السلام و لذلك يقول صلى الله عليه وآله في التشابه بين امة ثمود وفريق من أمتنا يبغض الإمام علي وأهل بيت النبي وما يمت لهم بصلة : [ عن الإمام علي (عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله أتدري مَن أشْقى الأوَّلينَ؟ قلْتُ: عاقِرُ النَّاقةِ، قال: صَدَقْتَ، فمَن أشْقى الآخِرِينَ؟ قلْتُ: لا عِلْمَ لي يا رسولَ اللهِ، قال: الَّذي يَضرِبُك على هذه، وأشار إلى يافُوخِه، وكان يقولُ: وَدِدتُ أنَّه قدِ انبعَثَ أشقاكُم، فخَضَّبَ هذه مِن هذه. يعني: لِحيتَهُ مِن دَمِ رأْسِه.-  ] ولذلك يقول تعالى في هذه الأمة منذراً {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُود – فصلت13}  ولذلك دعا رسول الله صلى الله عليه وآله [ ” اللهم كما أذقت أول قريش نكالاً فأذق آخرها نوالا” – أمالي الشجري ] .

ومن علامات قوم عاد الأولى في كتاب الله أبنيتهم الشاهقة التي يطلقون عليها ناطحات سحاب ومصانع للسلاح يبيدون بها الأمم من حولهم ومزارع وأعام وبنين يجيشون بهم الجيوش وورد ذكر ذلك في قوله تعالى { كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُم بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُن مِّنَ الْوَاعِظِينَ – الشعراء 123-136 } .

وعلامات هلاكهم فيما قبل الصاعقة ريح صرصر عاتية تسلط على هاتان الدولتان لعلهم يتوبون من قريب قبل هلاكهم كما قال تعالى في  عاد وثمود الأولى { كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ  – الحاقة 4-7 }.

وأما :

(فما)

وهنا ( فما أبقى ) أي أهلكهم الله تعالى ولم يجعل لهم باقية فما استطاعوا من قيام وما كانوا منتصرين قال تعالى {فما استطاعوا من قيام وما كانوا منتصرين – الذاريات 45 } وما من أحد عنهم يحجز أو يوقف نزول عذاب الله تعالى عليهم قال تعالى { فما منكم من أحد عنه حاجزين – الحاقة 47 } وبالتالي ليس لهم قوة ولا ناصر  كما في قوله تعالى { فما له من قوة ولا ناصر – الطارق 10 } وما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين كما قال تعالى في فرعون وملئه { فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين – الدخان 29 } وما كان الله تعالى ليظلمهم ولكنهم كانوا أنفسهم يظلمون قال تعالى { ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وأصحاب مدين والمؤتفكات أتتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون – التوبة 70 } ولذلك قال تعالى هنا { وأنه أهلك عاداً الأولى وثمود فما أبقى }

وأما :

( أبقى)

وهنا يقول تعالى في هلاك عاداً وثمود الأولى فيقول تعالى : {كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ فَهَلْ تَرَىٰ لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ – الحاقة 4-8 } ولورود هذا اللفظ في قوله تعالى عن الوصية الإبراهيمية باستخلاف نبياً بعد نبي ثم إماماً بعد إمام من ذريته عليهم السلام وقال تعالى في تلك الوصية { وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون- الزخرف 28} أي أن هلاك عاداً وثمود الآخرة في آخر الزمان في زمن الوصي الثاني عشر أو القائم المهدي عليه السلام  أو إمام آخر الزمان مهما اتخذوا من تدابيرة أو فعلوا من مكائد و مكر فالله تعالى كما قال عز وجل {والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون – يوسف 21} وهذا الإمام هو بقية الله تعالى في أرضه لقوله تعالى { بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين – هود 86 } وهنا : [ ورد عن الإمام الصادق  عندما سُئل عما يُسلَّم به على القائم  هل يُسلَّم عليه بإمرة المؤْمنين؟ فأجاب إنَّ هذا اللقب مختص بعلي  إنَّما يُسلَّم عليه بـ (السلام عليكَ يا بقيَّة اللَّه – نور الثقلين ج 2 ص 390 ] .

ثم يقول تعالى :

(52) وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى (52)

وهنا :

(وقوم نوح من قبل إنهم كانوا)

وهؤلاء كانوا قوماً فاسقين بنص قووله تعالى { وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ – الذاريات 46 } وهنا يبين تعالى أنهم كانو أظلم وأطغى من الأمم التي جاءت من بعدهم قال تعالى هنا  { وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى }

وأما :

(من قبل)

وهنا يقول تعالى { كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب – غافر 5 } وقال تعالى { كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود – ق 12 } وبالتالي إن كذبتك قريش فقد فعلوا نفس فعال الأمم من قبل كما في قوله تعالى {فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير  – آل عمران 184  }

 وأما :

 (إنهم كانوا)

أي أن الله تعالى أغرقهم لما كذبوا الله تعالى ورسله كما في قوله تعالى :{ وَنُوحًا إِذْ نَادَىٰ مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ – الأنبياء 76-77 } .

وأما :

(هم)

وهنا يبين تعالى أن هؤلاء بظلمهم وطغيانهم أصبحوا وقد النار قال تعالى { إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك هم وقود النار – آل عمران 10 }

وأما :

(أظلم)

وهنا يبين تعالى أنه لا يجد أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها قال تعالى {   ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا – الكهف 57 } ويبين تعالى أن هؤلاء سمعوا آيات الله كما سمع قوم نوح منه آيات الله تعالى فكذبوه جحوداً بعدما استيقنت قلوبهم أن رسل الله على حق قال تعالى في قوم فرعون لذلك { وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين –النمل 14 } وبالتالي كل من سمع آيات الله تعالى وجحدها أو كتمها فهو من أظلم الظالمين قال تعالى {   ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون – البقرة 140 } وبالتاي أمة نوح منهم من قاتله ومنهم من أعرض عن ذكر الله المنزل عليه ومنهم من كتم شهادة الحق ومنهم من كذبوا عليه لورود هذا للفظ في قوله تعالى {   ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين – العنكبوت 68 } .

وأما :

(وأطغى)

[ وطغى : كل من جاوز الحد فقد طغى ومنه تجاوز الحد في العصيان والمغالاة في الكفر والبغي وهو مجاوزة الحد فيالشر – معجم ألفاظ القرآن باب الطاء فصل الغين والياء ] قال تعالى في مجاوزة الريح إلى مستوى الإهلاك { وأما ثمود فأهلكوا بالطاغية – الحاقة 5 } ولما نزل الماء ووصل لمستوى الهلاك  نجا الله تعالى نبي الله نوحاً والذين آمنوا منعه في الفلك قال تعالى { إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية – الحاقة 11 } وما كان غرق قومه إلا بطغيانهم فهم كانوا أظلم من غيرهم قال تعالى{ وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى} .

و قال تعالى في طغيان قوم فرعون لعنهم الله من بعدهم  { وفرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب إن ربك لبالمرصاد – الفجر } وهنا يبن تعالى ان قوم نوح كانوا أظلم وأطغى من الأمم من بعدهم  .

ثم يقول تعالى :

(52) والمؤتفكة أهوى (52)

وهنا :

(والمؤتفكة)

[ المؤتفكة والمؤتفكات : قرى قوم لوط من أفكه فأتفك أي قلبه عن وجهه الذي يحق أن يكون عليه فانقلب وقيل المؤتفكات هى قريات قوم لوط وهود وصالح . ائتفكها الله تعالى بأن قلبها لتدميرها وقيل انقلاب أحوالها من الخير إلى الشر – معجم ألفاظ القرآن باب الهمزة فصل الفاء والكاف ]

[ المؤتَفِكات المؤتَفِكات : الرِّياح تَخْتَلف مهابُّها. و المؤتَفِكات مدائن قوم لوط التي قلبها الله على قومه. المعجم: المعجم الوسيط ائْتَفَكتِ ائْتَفَكتِ الأَرضُ: انقلبت بمن عليها. و ائْتَفَكتِ الرياحُ: هبَّت من كل ناحية. و ائْتَفَكتِ القومُ: اضطربوا وانقلبت أَحوالهم من الخير إلى الشِّر. – المعجم الوسيط ] .

والمؤتفكات قرى تخص أمم كانت قبل فرعون لعنه الله قال تعالى فيهم { وجاء فرعون ومن قبله و المؤتفكات بالخاطئة  – الحاقة 9 } وهذه القرى أرسل الله تعالى إليها الرسل قال تعالى فيها : { ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وأصحاب مدين والمؤتفكات أتتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون – التوبة 70 }

ثم يحدد المولى تبارك وتعالى أن هذا العمل المشين كان يفعله فرعون تحديداً في كتاب الله وبعضاً من الأمم السالفة في قوله تعالى { وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة – الحاقة 9} وحيث أن القرآن حدد رأس الدولة هو من كان يفعل ذلك فإن قوله تعالى في الآية { ومن قبله} أي أن من رؤوس الأمم الظالمة في الأمم من قبل كانوا يفعلون هذا الفعل المشين وبالتالي هى سمة اتسم بها جبابرة كل عصر لذلك قال تعالى  { وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة – الحاقة 9} .

وبالفعل أثبتت أبحاث علمية أن بعض الحكام الفراعين كانوا يعملون قوم لوط . وهذه علامة يعرف بها بالإضافى إلى أنه عقيم لا ينجب لقول زوجته { وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وهم لا يشعرون – القصص 9 }   .

وحيث أن المؤتفكات جمع مؤتفكة وهى التي أفكها الله تبارك وتعالى بأن سلط عليها رياح رفعهتا للسماء وقلبتها كما في كتاب الله تعالى في أول مراحل هلاكهم كما في قوله تعالى : { فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِيْنَ فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّنْ سِجِّيْلٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِيْنَ وَإِنَّها لَبِسَبِيْلٍ مُّقِيْمٍ – الحج 73-76 } . يقول تعالى بعد جعل عاليها سافلها أكمل عز وجل هلاكهم بأمطار من الحجارة تشبه طلقات الرصاص في العصر الحالي  تجهز على من تبقى منهم لاستأصال شأفتهم إلى يوم القيامة قال تعالى : { فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّنْ سِجِّيلٍ مَّنْضُودٍ – هود 82 } . وقال تعالى أيضاً : { ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِيْنَ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَراً فَسَآءَ مَطَرُ المُنْذَرِيْنَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِيْنَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العَزِيْزُ الرَّحِيْمُ –  الشعراء 172-175}  .

ولذلك ورد في التفاسير [ .. وقال السدي : لما أصبح قوم لوط ، نزل جبريل فاقتلع الأرض من سبع أرضين ، فحملها حتى بلغ بها السماء ، حتى سمع أهل السماء الدنيا نباح كلابهم ، وأصوات ديوكهم ، ثم قلبها فقتلهم ، فذلك قوله ( والمؤتفكة أهوى – النجم 53 )  ، ومن لم يمت حين سقط للأرض ، أمطر الله عليه وهو تحت الأرض الحجارة ، ومن كان منهم شاذا في الأرض يتبعهم في القرى ، فكان الرجل يتحدث فيأتيه الحجر فيقتله ، فذلك قوله عز وجل : ( وأمطرنا عليهم ) أي : في القرى حجارة من سجيل . هكذا قال السدي .وقوله : ( وما هي من الظالمين ببعيد ) أي : وما هذه النقمة ممن تشبه بهم في ظلمهم ، ببعيد عنه .وقد ورد في الحديث المروي في السنن عن ابن عباس مرفوعا ” من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط ، فاقتلوا الفاعل والمفعول به ” . – تفسير الطبري عن الآية 83 من سورة هود في قوله تعالى  ( مسومة عند ربك وما هى من الظالمين ببعيد) ] .

وهنا يقول تعالى عن هذه القرى أنه أهوى بها عز وجل بعد رفعها إلى شاهق قال تعالى { والمؤتفكة أهوى } .

وأما :

(أهوى)

وأهوى [ سقط من علوا إلى أسفل – معجم ألفاظ القرآن باب الهاء فصل الواو والياء ]  قال تعالى { والنجم إذا هوى – النجم 1 } وحيث أن النجم يهوى من السماء إلى الأرض كذلك رفع الله تبارك وتعالى هذه القرى الظالمة إلى السماء كما في قوله تعالى هنا {والمؤتفكة أهوى } وفي الحديث

[  مجاهد : أخذ جبريل قوم لوط من سرحهم ودورهم ، حملهم بمواشيهم وأمتعتهم ، ورفعهم حتى سمع أهل السماء نباح كلابهم ثم أكفأهم [ وقال ] وكان حملهم على خوافي جناحه الأيمن . قال : ولما قلبها كان أول ما سقط منها شذانها .وقال قتادة : بلغنا أن جبريل أخذ بعروة القرية الوسطى ، ثم ألوى بها إلى جو السماء ، حتى سمع أهل السماء ضواغي كلابهم ، ثم دمر بعضها على بعض ، ثم أتبع شذاذ القوم سخرا – قال : وذكر لنا أنهم كانوا أربع قرى ، في كل قرية مائة ألف – وفي رواية : [ كانوا ] ثلاث قرى ، الكبرى منها سدوم . قال : وبلغنا أن إبراهيم – عليه السلام – كان يشرف على سدوم ، ويقول : سدوم ، يوم ، ما لك ؟ .وفي رواية عن قتادة وغيره : بلغنا أن جبريل عليه السلام ، لما أصبح نشر جناحه ، فانتسف به أرضهم بما فيها من قصورها ودوابها وحجارتها وشجرها ، وجميع ما فيها ، فضمها في جناحه ، فحواها وطواها في جوف جناحه ، ثم صعد بها إلى السماء الدنيا ، حتى سمع سكان السماء أصوات الناس والكلاب ، وكانوا أربعة آلاف ألف ، ثم قلبها ، فأرسلها إلى الأرض منكوسة ، ودمدم بعضها على بعض ، فجعل عاليها سافلها ، ثم أتبعها حجارة من سجيل . – تفسير الطبري عند قوله تعالى { مسومة عند ربك وما هى من الظالمين ببعيد – هود 83 }  ] .

ثم يقول تعالى :

(53) فغشاها ما غشى (53)

[ وغشى واستغشى : تغطى – معجم ألفاظ القرآن باب الغين فصل الشين والياء ] قال تعالى في بيان المعنى  أنه التغطية { وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا – نوح 7 } وقال تعالى أيضاً { وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون يس 9 } .  وقال تعالى في حجب الرؤية عن الغرقى وعدم إبصارهم اي شيئ  { وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور –لقمان 32 }

وبالتالي المعنى هنا أن الله تبارك وتعالى جعلهم لا يرون ما هو نازل بهم من العذاب حتى فاجئهم به بغتة قال تعالى في قوم فرعون { فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم – طه 78 } وقال تعالى هنا في قوم لوط لعنهم الله { فغشاها ما غشى } .

ثم يقول تعالى :

(54) فبأي ألاء ربك تتمارى (54)

وهنا :

(فبأي ألاء ربك)

[  وألآ في الأمر يألوا وأولوا و ائتلي : قصر وأبطأ ويقال لا آلوك نصحاً أو جهداً أي لا أقصر ولا ألإتر وفي حديث معاذ بن جبل أجتهد رأيي ولا آلو- معجم ألفاظ القرآن باب الألف فصل اللام والواو والياء ] . قال تعالى { ولا أتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي والقربى والمساكين – النور 22 } و [ الآلاء : النعم وواحدها ألو كدلو أو ألاً – معجم ألفاظ القرآن ] .

أي أن الله تعالى لم يقصر في تدبير حاجة الخلق  وهذه نعمة أنعمها عليهم وهذه الآلاء والنعم جادل فيها من لايؤمن بالله تعالى ورسله من الإنس والجن وهم الثقلان قال تعالى { فبأي آلاء ربكما تكذبان – الرحمن 13 } .

و لذلك يقول تعالى للمؤمنين لكي تفلحون في الآخرة اذكروا واشكروا الله تعالى على آلاءه ونعمائه عليكم قال تعالى { أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ – الأعراف 69 } .

وأما :

(تتمارى)

[  وتمارى : ماراه في خبره مراءاً ومماراة : جازلة وناظره برده عليه وطلب إليه الحجة عليه غذا كان غير مقتنع به شاكاً فيه واصل هذا أن يقال مرى الناقة : مسح ظهرها وضرعها ليخرج لبنها وشبه به الجدال لأن المتجادلين يطلب الوقوف على ماعند الآخر ليلزمه الحجة وكأنهما يتحالبان يحلب كلا منهما الآخر – معجم ألفاظ القرآن باب الميم فصل الراء والياء ] .

قال تعالى { ولقد أنذرهم بطشتنا فتماروا بالنذر  – القمر 36 } وقال تعالى هنا في نفس السورة { أفتمارونه على ما يرى – النجم 12 } .

وهذه المماراة على الإسراء والمعراج هنا بين تعالى أنهم كانوا يمارون في كل ما نزل على رسوله صلى الله عليه وآله حتى قالوا عنه أنه ساحر وكاهن وشاعر لذلك قال تعالى هنا { فباي ألآء ربك تتمارى – النجم 55 }  والفرق بين الجدل والمراء الجدل يمكن أن يكون بالباطل قال تعالى {وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم – غافر 5 } والمراء جدل يراد منه الوصول إلى الحقيقة لذلك ورد على أنبياء الله تعالى { الحق من ربك فلا تكونن من الممترين – البقرة 147} وقال تعالى أيضاً { فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين – يونس 94 } وقال تعالى أيضاً { أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين – الأنعام 114 } .

ثم يقول تعالى :

(56) هذا نذير من النذر الأولى (56)

وهنا :

(هذا)

وهنا يبين تعالى أنه أنزل التوراة من قبل على نبي الله موسى إماماً ورحمة و هذا القرآن مصدقاً لما في التوراة  قال تعالى { ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين – الاحقاف 12 } وهذا القرآن يهدي للطريق القويم المستقيم قال تعالى : { إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا – الإسراء 9 }{ ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون – الزمر 29 }

ولذلك قال تعالى في كتاب الله  أنه هدة قال تعالى : { هذا هدى – الجاثية } وهذا بيان للناس فيه هدى وموعظة للمتقين  { هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين – آل عمران 138}  وفيه بصائر قال تعالى { هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون – الجاثية 20 } وقد أمر الله تعالى باتباع هذا الكتاب المنزلمن عند الله تعالى وفيه الهدى قال تعالى { وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون – الأنعام 155 } . وهذا الهدى أنزله الله تبارك وتعالى  كنذير من النذر الأولى قال تعالى { هذا نذير من لنذر الأولى –النجم  } .

وأما :

(هذا نذير من النذر)

قال تعالى في النذر التي ارسل الله تعالى بها نبي الله هود { واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم – الأحقاف 21 } ةقال تعالى في النذر التي أرسل الله تعالى بها نبي الله صالح إلى قومه وتكذيبهم بها { كذبت ثمود بالنذر – القمر 23 }

وقال تعالى  في تكذيب قوم لوط بالنذر { كذبت قوم لوط بالنذر – القمر 33 } وقال تعالى في جدالهم بالباطل ومماراتهم في هذا الهدى {  ولقد أنذرهم بطشتنا فتماروا بالنذر – القمر 36 } ووقال تعالى في النذر التي أرسلها الله تعالى إلى فرعون : { ولقد جاء آل فرعون النذر كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُولَٰئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ – القمر 41-43 }

وبعد أن بين الله تعالى أن كفار آخر الزمان هالكون كالأمم من قبل قال تعالى بأن الآخرين سيهلكون مثل سلفهم والعلامة ستكون دعوة منكرة بين الناس وهو زمان عودة الإسلام غريباً كما كما بدأ غريباً كما بدأ في الحديث [ ” إن هذا الإسلام بدا غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء ” .. الحديث ] . قال تعالى  : {  اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ۚ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّنَ الْأَنبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ ۖ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ ۘ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَىٰ شَيْءٍ نُّكُرٍ خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ مُّهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ ۖ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَٰذَا يَوْمٌ عَسِرٌ – القمر 1-8 }

وفي ذلك الزمان لا تغني الايات والنذر عن أكثر الناس قال تعالى { قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون – يونس 101 } وهذا الإنذار بالقرىن الكريم الذي فهي سعدة البشرية وتعاستها في الدنيا والآخرة قال تعالى : { قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد قل إنما هو إله واحد وإنني بريء مما تشركون – الأنعام 19 } .

وأما :

(الأولى)

أي أنه يقول تعالى عن هذه النذر الأولى أنها مذكورة في صحف إبراهيم وموسى قال تعالى : { إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى  – الأعلى 18 } وفي هذه انذر الأولى هلاك عاد وثمود الأولى كما في قوله تعالى { وأنه أهلك عاداً الأولى وثمود فما أبقى – النجم 50-51} وإذا برزت أمة آخر الزمان تتقلد بقوم عاد [ وهم أمة ما قبل الفراعين في مصر ظن الكثير أنهم  فراعنة أطلق عليهم المؤرخين ومنههم المسعودي في تاريخه أنهم قوم أعاديمون الذين بنو الإهرامات الحجرية الضخمة في مصر – راجع تاريخ المسعودي ج1 ] و أمة أخرى ستسير على نهج ثمود في الكفر بالله دون ضغوط من أي أمة أخرى أو من أحد وأأصبح عندهم قتل أهل بيت النبي وشيعتهم ومحبيهم وأنصارهم سنة كما قتلت ثمود ناقة صالح حبغير سبب منطقي عقلاني حقيقي وهاتان الأمتان قال تعالى فيهما إذا ظهرتا آخر الزمان ظهر في ركابهما بينة لكتاب الله تعالى تكون فيها هلاك الظالمين قال تعالى في هذه البينة { أولم تأتهم بينة مافي الصحف الأولى – طه 133 } وهذا يعني أن هناك بينة للقرآن آخر الزمان لأن كل أول له آخر وهذه البينة قال تعالى فيها { لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ – البينة 1-3} . وهذه البينة تظهر في زمن قلة المؤمنين بالله وانتشار الكفر والفسوق والعصيان وظهور كل آثام وكبائر الأمم من قبل وهنا يكون زمن نجاة القلة المؤمنة من العذاب في الدنيا والآخرة وقال تعالى في هؤلاء { ثلة من الأولين وثلة من الآخرين – الواقعة 13-14} وقال تعالى { ثلة من الأولين وقليل من الآخرين – الواقعة 39-40 }   .ولذلك يقول تعالى بوضوح شديد للناس جميعاً في استفهام استنكاري { ألم نهلك الأولين ثم نتبعهم الآخرين – المرسلات }  ثم يجمعهم الله تعالى في جهنم بلمح البصر في علامات الساعة الكبرى مع أحداث القيامة فتنزل ملائكة ذات معارج لها ثلاثة شعب كالطائرات المصنوعة في زماننا هذا لتدمير  الدجال وأسلحته ومخترعاته آخر الزمان عند انتهاء اليوم المعلوم الذي وعد الله تعالى به إبليس وحزبه  و وهذه المعارج لها ظلال لا فيها ظليل يتمتع بها هؤلاء المجرمين فيتظللون به ولا يفلتون بمخترعاتهم وصناعاتهم التي حاربوا بها الله تعالى ورسله والمؤمنين في آخر الزمان  من دمارها و  اللهب الذي تقصفهم به في حجم القصور الكبيرة ومنها قذائف في حجم الجمال فتنزل هذه الملائكة بعد بينة الصحف الآخرة التي يهلك الله تعالى بها الظالمين بعد إقامة الحجة عليهم ليجدوا أنفسهم جميعاً أمام المحكمة الإلهية الكبرى قال تعالى : { انطَلِقُوا إِلَىٰ مَا كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ انطَلِقُوا إِلَىٰ ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ لَّا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ هَٰذَا يَوْمُ لَا يَنطِقُونَ وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ هَٰذَا يَوْمُ الْفَصْلِ ۖ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ  – المرسلات 29-38 } .

ثم يقول تعالى :

(57) أزفت الآزفة (57)

وهنا :

(أزفت الآزفة)

[ أزف الوقت : كفرح : اقترب ودنا والآزفة القيامة سميت بذلك لأزوفها : أي قربها وهو  يوم الآزفة أي يوم القيامة – معجم ألفاظ القرآن باب الهمزة فصل الزاي والفاء ] . قال تعالى { وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع – غافر 18 } .

ثم يقول تعالى :

(58) ليس لها من دون الله كاشفة (57)

وهنا :

(ليس)

{ سأل سائل بعذاب واقع  للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج – المعارج 1-3 } وهذه المعارج كممابينا هة الملائكة ذات الثلاث شعب قال تعالى هنا { هذا نذير من النذر الأولى أزفت الآزفة ليس لها من دون الله كاشفة – النجم }

وأما :

(لها)

وهنا يبين تعالى أنه خلق كل ما على الأرض من زينة ومتاع  للناس كفتنة وابتلاء ليعلم من يؤمن به ممن يكفر به تعالى قال عز وجل { إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا – الكهف 7 } ولكن يبن تعالى أن الأمم جميعا ً توحد أكثرهم على فكرة عبادة الآباء والخروج بهم على ولاية لله تعالى ورسله عليهم الصلاة و السلام ثم إمامة أهل بيته عليهم السلام قال تعالى { قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين – الأنبياء 53 } وهنا يبين تعالى أنه أمهل كل هؤلاء الأمم ليتوبوا كما في قوله تعالى {  وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير – الحج 48 } وكل أمة لها أجل قال تعالى {  ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون – المؤمنون 43 } وهذا الأجل لا يأتيهم إلا بعد أن يرسل الله تعالى إليهم رسلاً وأئمة تنذر الناس قال تعالى { وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون – الشعراء 208 }

و يبين الله تعالى أنهم إذا هلكونا دخلوا النار جميعاً من أبوابها السبعة و قد يكون هؤلاء دول سبعة كبار أو 7 مجموعات بشرية محاربة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام يدخلون النار لكل باب منهم جزء مقسمون { لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم – الحجر 44 }

وأما :

(من دون الله)

وها يبين تعالى أن هؤلاء المجريمين في الدنيا كانوا لا يعملون بما أمر الله تعالى ويستنصرون بغيره تعالى كما في قوله تعالى { واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون – يس 74}

وودوا بعضهم بعضاً على غير ولاية الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام وظنوا في آبائهم الشفاعة بعدما ملئوا الآفاق عن مناقبهم وفضائلهم وليس لهم عند الله تعالى تلك الفضائل لذلك قال تعالى { ألم ترى إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا تظلمون فتيلا انظر كيف كذبوا على انفسهم وكفى به إثما مبينا – المساء 9 -50 }

وبين تعالى أن تزكية غير الله تعالى ورسله وأنبيائه وأهل بيته عليهم السلام جميعاً وثنية عقائدية عبدها أكثر الناس وهم لا يشعرون قال تعالى { وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين – العنكبوت 25 } وهؤلاء ومن تبعهم بجهالة وعمى قلب وقلة بصيرة ظنوا أن لهم شفاعة يوم القيامة قال تعالى في  { أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون – الزمر 43 } و كان دخولهم النار لشقاقهم و قتالهم أهل بيت النبي عليهم السلام الذين أمر الله تعالى بمودتهم كما في قوله تعالى { قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى – الشورى 13 }  وهؤلاء لا ناصر في الدنيا إذا نزل بهم بأس الله تعالى كما في قوله تعالى عن قوم نوح مثلاً  { مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا – نوح 25 } , ولا ناصر لهم يوم القيامة كما في قوله تعالى {وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله ومن يضلل الله فما له من سبيل – الشوورى 46 }

و لن يجدوا من دون الله ولياً ولا نصيرا قال تعالى {   قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا – الأحزاب 17 } قال تعالى

وهذا العذاب إذا نزل بهم أو إذا حل بهم يوم القيامة لا يكشفه ولا يوقفه ولا يدفعه أحد كما في قوله تعالى هنا عن يوم القيامة { ليس لها من دون الله كاشفة } .

وأما :

(كاشفة)

وهنا يبين تعالىى أنه لا يكشف الضر إلا لله تعالى كما في قوله تعالى {قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا – الإسراء 56 } وقال تعالى أيضاً { ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون – المؤمنون 75 } وبالتالي لا يكشف عذاب الله تعالى إلا هو قال تعالى { وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير – الأنعام 17 }  .

ثم يقول تعالى :

(59) أفمن هذا الحديث تعجبون (57)

وهنا :

(أفمن)  [ الهمزة حرف استفهام إنكاري ]

(أ)

الهمزة هنا للإستفهام لقوله تعالى { أ كان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم قال الكافرون إن هذا لساحر مبين – يونس 2 } و وهذا الحديث ننزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وهو على بينة لذلك من ربه تبارك وتعالى وشاهد على ذلك وعلى الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله الإمام علي عليه السلام وصي النبي صلى الله عليه وآله كما في قوله تعالى { أ فمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم – محمد 14 } هنا تعجبوا أكثر من كتاب الله تعالى وبعثة رسوله صلى الله عليه وإمامة الإمام علي من بعده لذلك قال تعالى هنا  { أ فمن هذا الحديث تعجبون – النجم }

و هنا ظهرت طائفة منافقة أخذت من كتاب الله ما يحلوا لها وما توافق وأهوائها وتركت مالا يتوافقه وأهوائهم وقال تعالى في ذلك { وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ ۚ وَمَا أُولَٰئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ أ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ ۚ بَلْ أُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ – النور 47-50 }

(أف)

أي أنه يقول تعالى : { أفبهذا الحديث أنتم مدهنون – الواقعة 81 }   و [ والفاء حرف استئناف ] و [ تأتي الفاء حرف استئناف مبنيّ على الفتح لا محلّ له من الإعراب و أنّ الكلام بعدها لا علاقة له بما قبلها، والجملة الّتي بعدها تكون استئنافيّة لا محلّ لها من الإعراب ، نحو قوله تعالى :{ أفبهذا الحديث أنتم مدهنون – الواقعة 81 }  وقال تعالى أيضاً (فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) ] .

(من)

وهنا يبين تعالى أنهم لما تعجبوا وكفروا بالله تعالى حل بهم العذاب  فقالوا ياويلنا لقد كنا في غفلة من هذا  قال تعالى { واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين – الأنبياء 97 } ويقال لهم بعد كشف الغطاء ورؤيتهم نزول  العذاب بهم في الدنيا وخلفه عذاب الآخرة فيقال لهم { لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد – ق 22 }

وأما :

(هذا)

قال تعالى { هذا هدى – الجاثية } ويبين تعالى أن أكثر كفار قريشاً الأولى تعجبوا وقالوا {وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا – الفرقان 7 }

وقالوا أيضاً  ما سمعنا بذلك من قبل قال تعالى { ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق – ص 7 } وقالوا أيضاً { وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد – ص 6 } فقال تعالى في تعجبهم من الرسالة و الرسول صلى الله عليه وآله هنا { أفمن هذا الحديث تعجبون } فنفر أكثرهم من هذا الهدى كما في قوله تعالى { ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا وما يزيدهم إلا نفورا – الإسراء 41 }

وأما :

 (هذا الحديث)

أي أنه يقول تعالى { هذا نذير من النذر الأولى – النجم 56} وهذا النذير وهذا الحديث هم به مكذبون لقوله تعالى { فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون إن كيدي متين – القلم  45}  ومنهم منافقون يداهنون به قولاً لا عملاً يقولون نؤمن بالقرآن وهم فجرة خارجون عليه ويعلنون حب الرسول ولا يعملون بسنته ويعلنون حب البيت وأيديهم ملوثة بدمائهم و لذلك قال تعالى  { أفبهذا الحديث أنتم مدهنون – الواقعة 81 } ومدهنون في اللغة [ أَدْهَنَ: (فعل) أدهنَ يُدهن ، إدهانًا ، فهو مُدهِن أظهر خلاف ما أضمر بقصد الخداع والغِشِّ ، أَدهن في الأمر: لان أَدْهَنَ عليه: أبقى أَدْهَنَ الجلدَ: لَيَّنه بالدّهن أَدْهَنَ فلانًا : داراه ولاينه – المعجم الوسيط ] .

ومن هنا اتخذ هؤلاء كتاب الله هزوا ودينهم لعباً وقال تعالى فيهم هنا { أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون – النجم 57-58} .

وأما :

(الحديث)

الحديث هنا هو القرآن الكريم لقوله تعالى { الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد – الزمر 23 } .

وهذا الحديث كذبت به قريش وترك العمل به الكثير حتى قال تعالى { وقال الرسول ياربي إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا- الفرقان } و هذا العمل أوجع قلب رسول الله صلى الله عليه وأهل بيته حزنا فقال تعالى { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا – الكهف 6 } أي [ فلعلك -أيها الرسول- مُهْلِك نفسك غمًّا وحزنًا على أثر تولِّي قومك وإعراضهم عنك، إن لم يصدِّقوا بهذا القرآن ويعملوا به.- التفسير الميسر ]

ويبين تعالى أن الكثير من الناس بعد ذلك انشغل بلهوال الحديث ومنه القص الذي يقصه القصاصون على زمن ما بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ويدخل فيه الكذب على الله تعالى ورسوله وباطل الكلام لذلك قال تعالى في بيان أنه حديث ولكن ليس فيه حق يضلون به الناس عن ولاية ربهم ورسوله وأهل بيته عليهم السلام فإن تكلموا على كتاب الله ارتهنوه بفهم أحد رجالهم قائلين ماذا قال سلفنا والعلماء في الآية وفقدموا رأي العالم على النص القرآني ليكون حاكما عليه وليس العكس بأن يكون كتاب الله حاكما على العالم وابمتعلم وإذا تكلموا على رسولا لله قدموا عليه أقوال عمر وابي بكر وغيرهم وإن قلت أهل بيت النبي كذبوا القائل وربما قتلوه كما كان على زمن بني أمية وبني العباس وإلى الآن لذلك قال تعالى أن هذا كله من لهوا الحديث لإضلال الناس عن كتاب ربهم وولاية رسول الله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام قال تعالى  { ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين – لقمان 6 } وهؤلاء قال تعالى بأنه سيستدرجهم إلى عذب كبير قبل ظهور بينة الصحف الآخر ةقال تعالى {  فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين – القلم 44-45} فإذا أراد الله تعالى إحقاق الحق والفصل في القضية حل أجل هذه الأمة ظهرت بينة الصحف الآخرة فيتعجبون منها لذلك قال تعالى هنا { أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون  – النجم 59-60 } .

وأما :

(تعجبون)

[ وعجب كل شيئ مؤخره وهو العصعص في الإنسان والعسيب من الدابة ومنه يكون التعجب مما خفى سببه والعجب النظر إلى شيئ غير مألوف ولا معتاد فهو حالة تعرض للإنسان عند الجهل لسبب الشيئ ويكون إنكاراً لما يرد عليه مما يقل اعتياده  والشيئ الذي يكون كذلك عجيب وعجيبة وأعجوبة والوصف عجيب وعجاب – معجم ألفاظ القرآن باب العين فصل الجيم والباء ] .قال تعالى { قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ – هود 72 } وكان تعجبهم من بعثة نبي منهم كما في قوله تعالى  { بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب  – ق 2}  فقال تعالى لهؤلاء الكافرين { أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم قال الكافرون إن هذا لساحر مبين  -يونس 2 } وكان تعجب الجن من كتاب الله ومعجزته لأنهم أكثر علماً من عالم الإنس قال تعالى { إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن شرك بربنا أحدا – الجن 1-2}  ومن هؤلاء فريق من المنافقين [ يقولون مالا يفعلون ويفعلون مالا يؤمرون … حديث شريف ]  قال تعالى فيهم { من الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل – البقرة 204-205}

وهؤلاء في الصدر الأول للإسلام إن تعجبوا من بعثة رسول الله صلى الله عليه وآله فهم من الإمام علي عليه السلام و الأئمة من ذريته عليهم السلام أعجب بعد أن قال تعالى فيهم : { إنما أنت منذر ولك قوقم هاد – الرعد } ولذلك تسلطوا عليهم وعملوا السيف فيهم قتلاً وسجناً وتشريداً ووضعاً وكذباً على الله تعالى ورسوله لصرف الناس عنهم { والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون – يوسف } ولذلك قال تعالى هنا { أفمن هذا الحديث انتم تعجبون – النجم} .

ثم يقول تعالى :

(60) وتضحكون ولا تبكون (60)

أي أنه يقول تعالى في هؤلاء وما فعلوه للإستمتاع بالحياة الدنيا بعد ترك العملبما أمر الله تعالى { فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ – التوبة 82 } ولذلك حذرهم الله تعالى هنا من ترك العمل بكتاب الله وهو أحسن الحديث فيلعبون ويلهون ويضحون تاركين ورائهم يوماً ثقيلا سيبكون بعده بكاءاً وثبورا كثيراً قال تعالى هنا{ وتضحكون ولا تبكون } .

ثم يقول تعالى :

(61) وأنتم سامدون (61)

وهنا :

(وأنتم)

أي أنه يقول تعالى اتقوا الله ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون قال تعالى{ سورةآل عمران – يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون –آل عمران 102 }  وبالتالي يأمر الله تعالى بطاعته وطاعة رسوله وينهى عن التولي عنه كما قال تعالى { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون –الانفال 20 } وكما نهى عن عصيان الله تعالى والكفر به بين تعالى أن ترك العمل بما أنزل الله تعالى يوقعهم في اللهو واللعب أو السمود كما في قوله تعالى هنا { وأنتم سامدون }

وأما :

(سامدون)

[  وسامدون : أي لاهون وقيل سامدون : مستكبرون والسامد : كل رافع رأسه تكبراً – مجمع البيان للطريحي باب الدال وما أوله سين ] و في معجم ألفاظ القرآن [  سمد يسمد سموداً : دأب وغفل لها وتكبر فهو سامد وهم سامدون – معجم ألفاظ القرآن باب السين فصل الميم والدال ] قال تعالى { أفمن هذا الحديث أنتم مدهنون وتضحكون ولا تبكون وأنتم سامدون – النجم } .

ثم يقول تعالى :

(62) فاسجدوا لله واعبدوه (62)

وهنا :

(فاسجدوا لله)

والسجود لله تعالى طاعة وعبادده قال تعالى فيها لإبليس { ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين – الأعراف 11 }

أي أنه يقول تعالى للكفار { ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون – فصلا 37 } أي أنه تعالى امرهم بعبادته وطاعة آدم لأن الله تعالى اصطفاه كما في قوله تعالى { إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم – آل عمران 33-34}  وذرية بعضها من بعض تعني أن الله تعالى أمر بطاعة وولاية كل أنبياء الله الذين اصطفاهم حتى زمان انتهاء عمر البشرية وبعثة آخر ذراري الأنبياء من خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وىله وذلك معنى الآية هنا { فاسجدوا لله واعبدوه }

ويقول تعالى للمؤمنين أيضاً : { يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون – الحج 77 } .

وأما :

(واعبدوه)

والعبادة هى الطاعة قال تعالى { فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ – المؤمنون 47 } وهذه العبادة كانت طاعة لقوله تعالى { فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين – الزخرف 54 } ولذلك يقول تعالى مبيناً أنها إما طلعة لله أو طاعة لإبليس ولا ثالث لهما قال تعالى لأهل النار يوم القيامة { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ  وَأَنِ اعْبُدُونِي ۚ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ  وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا ۖ أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ – يس 60-62} وهذه العبادة لله تعالى رسالة بعث بها كل أنبياء الله تعالى ورسله كما في قوله تعالى { ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين – النحل 36 } ولذلك قال تعالى هنا { فاسجدوا لله واعبدوه – النجم 62 } .

هذا وبالله التوفيق وما توفيقي إلا بالله

عليه توكلت وإليه أنيب وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين

انتهى العمل من هذه السورة الكريمة في 11 شوال سنة 1420 ه،

والقمر بمنزلة الخرثان بعد المغرب ساعة المريخ

 الموافق 18 يناير سنة 2000 للميلاد

 

 (22)

السورة رقم 22 عبس

  • عبس وتولى (1)

[ ورد في اسباب النزول للواحدي أن الآية نزلت في رسول الله صلى الله عليه وآله حيث عبس في وجه ابن أم مكتوم – أسباب النزول للواحدي ] .

وفي تفسير الدر المنثور :

[ .. أخرج الترمذي وحسنه وابن المنذر وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه عن عائشة قالت: أنزل سورة عبس وتولى في ابن أم مكتوم الأعمى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول: يا رسول الله أرشدني وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من عظماء المشركين، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض عنه، ويقبل على الآخر، ويقول أترى بما أقول بأساً فيقول لا، ففي هذا أنزلت.

وأخرج ابن المنذر وابن مردويه عن عائشة قالت: ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس من ناس من وجوه قريش منهم أبو جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة فيقول لهم أليس حسناً أن جئت بكذا وكذا؟ فيقولون: بلى والله، فجاء ابن أم مكتوم وهو مشتغل بهم فسأله فأعرض عنه، فأنزل الله { أما من استغنى فأنت له تصدى وأما من جاءك يسعى وهو يخشى فأنت عنه تلهى } يعني ابن أم مكتوم  .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وأبو يعلى عن أنس قال: جاء ابن أم مكتوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يكلم أبيّ بن خلف، فأعرض عنه، فأنزل الله { عبس وتولى أن جاءه الأعمى } فكان النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يكرمه.

وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس قال: ” بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يناجي عتبة بن ربيعة والعباس بن عبد المطلب وأبا جهل بن هشام، وكان يتصدى لهم كثيراً، ويحرص أن يؤمنوا، فأقبل إليه رجل أعمى يقال له عبدالله بن أم مكتوم يمشي وهو يناجيهم، فجعل عبدالله يستقرىء النبي صلى الله عليه وسلم آية من القرآن. قال يا رسول الله: علمني مما علمك الله، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبس في وجهه، وتولى، وكره كلامه، وأقبل على الآخرين. فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم نجواه، وأخذ ينقلب إلى أهله أمسك الله ببعض بصره ثم خفق برأسه ثم أنزل الله { عبس وتولى أن جاءه الأعمى } فلما نزل فيه ما نزل أكرمه نبي الله وكلمه يقول له: ما حاجتك؟ هل تريد من شيء؟ “.- الدر المنثور للسيوطي ] .

 التفسير :

  • عبس وتولى (1)

وهنا :

(عبس)

و [ عبَسَ يعبِس ، عَبْسًا وعُبوسًا ، فهو عابسٌ، وعبَّاسٌ، وعَبُوسٌ عبَس الشَّخصُ : قطَّب ما بين عينيه وتجهَّم لإبداء الاستياء وعدم الرِّضا، ظهر أثرُ الحزن على وجهه، اكفهرَّ  ]

أولا : ورود لفظ عبس على كفار قريش وأهل النار يجعل من المستحيل نسبة هذا العبوس للنبي ولا يقول به إلا زنديق مجرم بلغ شأواً في الإجرام مع الله  ورسوله لم يصل إليه أحد غير القائلين بأن عمر ينزل الوحي موافق له مخالفاً لرأي النبي صلى الله عليه وآله وذلك نقوله لورود هذا اللفظ على أحد صناديد الكفر القرشي وهو الوليد بن المغيرة الذي نزل فيه قوله تعالى  {  إِنَّهُۥ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَیۡفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَیۡفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدۡبَرَ وَٱسۡتَكۡبَرَ فَقَالَ إِنۡ هَـٰذَاۤ إِلَّا سِحۡر یُؤۡثَرُ إِنۡ هَـٰذَاۤ إِلَّا قَوۡلُ ٱلۡبَشَرِ – المدثر ١٨-٢٥ }    .

وورد هذا اللفظ على المؤمنين وخشية المؤمنين من دخولها في قوله تعالى عنهم { إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَٰلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا – الإننسان 10-11 } وهل الذين يخافون يوماً عبوساً قمطريرا هم الذين يعبسون في وجوه الفقراء و المساكين ؟! وقد ورد عنه صلى الله عليه وآله أنه كان يقول في دعاءٍ له [  اللهم احييني مسكيناً وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين .. الحديث ] فكيف يطردهم ويعبس في وجوههم على خلاف ما أمر به الله تعالى في قوله عز وجل :  { وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا – الكهف 28 } كما نزل في أهل بيته قوله تعالى { ويطعمون الطعام على حبه مسيكناً ويتيماً وأسيرا – الإنسان } وكذلك اشتهار سيدنا الحمزة عليه السلام عم رسول الله بحب المساكين وإطعامهم لينفي عبوس رسول الله صلى الله عليه وأهل بيته في وجه سائل أو مسكين ولو كان صناديد قريشاً أو غيرهم من الكبراء .

وأما :

(وتولى)

وهذا اللفظ أيضاً ليؤكد بأن العابس ليس النبي صلى الله عليه وآله وذلك لأن التولي يكون عن ذكر الله ومن العدو يوم الزحف لذلك لم يرد هذا اللفظ على رسول الله ولا أي نبي غيره إلا سيدنا موسى في قوله تعالى لرؤسته الحية في قوله تعالى { وَأَلْقِ عَصَاكَ ۚ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ ۚ يَا مُوسَىٰ لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ – النمل 10 } وقوله تعالى { فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ  – القصص 24 } .

والتولي ورد على فاسقين في قوله تعالى { فمن تولى بعد ذلك فأولائك هم الفاسقون – آل عمران 82 } وهذه الاية تجعل نسبة العبوس للنبي مستحيلة وذلك لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل – البقرة 205 } .

وهنا يبين تعالى أنه لا يتولى إلا الفاسقين والمفسدين في الأرض والذين شاقوا الله ورسوله في قوله تعالى { ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا – النساء 115} وهنا نكون قد تأكد لنا بأن الذين عبسوا في وجوه الفقراء كبراء قريش وفيهم الوليد بن المغيرة .

ثم يقول تعالى  :

  • أن جاءه الأعمى (2)

وهنا :

(أن جاءه)

وهنا (أن جاءه) وردت هذه الآيات بمواضع في كتاب الله تحكي ما حدث في هذا اللقاء كما يلي :

قال تعالى مبيناً أن قريشاً كانت في حالة من التعجب من هذا القرآن الكريم وما يقوله رسول الله صلى الله عليه وآله وينشره بينهم  قال تعالى { أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون – الأراف 63 } . ويبين تعالى أن منهم من اتهم رسول الله بالكفر لقوله تعالى {  وعجبوا أن جاءهم منذر منهم و قال الكافرون هذا ساحر كذاب – ص 4} ومنهم من قال في القرآن الكريم هذا شيئ عجيب قال تعالى { بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب – ق 2 } ومنهم من قدم حرصاً وعصبية في تقليد الآباء والأجداد لقوله تعالى { وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم وقالوا ما هذا إلا إفك مفترى وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين – سبأ  43 }

وهنا الواضح من سياق الايات  أنهم لم يكونوا جميعاً على قلب رجل واحد لقوله  تعالى { بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج – ق 5 } فمنهم :

  • الذي تعجب من القرآن الكريم .
  • ومنهم من اتهم رسول الله صلى الله عليه وآله بافتراء الكذب والسحر  .
  • ومنهم من قدم عصبية لأصنامهم التي عبدها آباؤهم وأجدادهم . ويبين تعالى أن هؤلاء كانوا يحاربون الله تعالى و رسوله صلى الله عليه وآله من أجل أسماء لآبائهم و سلفهم ووأصنامهم قال تعالى فيها { إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى- النجم 23 } .

والواضح أنهم ذهبوا للنبي صلى الله عليه وآله لاستيضاح الأمر والسماع منه ومساومته على ترك هذا الدين , و يبين تعالى أن ابن ام مكتوم كان قد سبقهم إلى النبي صلى الله عليه وآله كما في قوله تعالى هنا { أن جاءه الأعمى – عبس 2 } . ولذلك وردت هذه الايات على نبي الله يعقوب وكان قد عمى وفقد بصره في قوله تعالى {فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون – يوسف 96 }.

والبشارة هنا كانت في انتصار القرآن لابن أم مكتوم ونزول قرآناً فيه يقدمه على كبراء وصناديد الكفر القرشي والذين جاءوا لمساومة النبي صلى الله عليه وآله في ترك الدعوة إلى الله تعالى وهؤلاء لا يستوون بمن آمن بالله تعالى ورسوله  .

فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وآله في ديار بني هاشم وبني عبد المطلب و من عادة العرب إكرام الضيف أي أنهم ذبحوا لهم ذبيحة لإطعامهم لورود هذه الآيات ( أن جاءه ) في قوله تعالى { ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ – هود 69 }

فلما عرضوا أمرهم على رسول الله صلى الله عليه وآله وهنا ذكرهم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله أن عليهم يشكروا الله تعالى ويؤمنوا به بعد أن من عليهم و جعلهم خلفاء من بعد أنبياء الله تعالى من لدن نوح إلى بعثة المصطفى صلى الله عليه وآله قال تعالى { أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون – الأعراف 69 } .

وأما :

(جاءه)

ورد هذا اللفظ في قوله تعالى { وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ – يس 20 } وهذه الآية تبين أن هذا الصحابي الجليل الأعمى جاء من أقصى المدينة ولورود هذااللفظ على آكلي الربا تبين أن من الذين قدموا على رشول الله صلى الله عليه وآله أناس من آكلي الربا لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون – البقرة 275} .

ومنهم من يعمل عمل قوم لوط لورود هذا اللفظ في قوله تعالى عن هذه الأمة الملعونة { وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد – هود 78 } .

وهؤلاء هم الذين عبسوا في وجه الصاحبي المؤمن الذين نزلت في الآيات الكريمة وفي قوم كفروا بالله تعالى ورسوله وتأففوا من الفقراء والمساكين ونفروا منهم وعبسوا في وجوههم . فلما عجزوا عن مواجهة الحجة بالحجة لجأ هؤلاء إلى الكذب على الله تعالى ورسوله ولا يوجد أظلم من هؤلاء  المنافقين كما في قوله تعالى { ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين – العنكبوت 68 } .

وفي نفس الوقت يشير القرآن الكريم أن رسول الله صلى الله عليه وآله كما يأتيه ويدخل عليه الكفار والمنافقين لقوله تعالى {  إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون – المنافقون 1 } كذلك يدخل عليه المؤمنين وأمره الله تعالى بالسلام عليهم والدعاء لهم قال تعالى { وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم – الأنعام 54 } .

وهنا لما أمره الله تعالى بالسلام على هؤلاء المؤمنين وأكثرهم استضعافاً و هو الأعمى فكيف يعبس في وجهه وقد أوصى الله تعالى به وبالمؤمنين والسلام عليهم  وأما الكفار فدأبهم في كل عصر و في كل مصر التكبر على الفقراء والمستضعفين والأنفة والتأفف منهم كما في قولهم لنبي الله نوحاً عليه السلام { فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين – هود 27 }

كما أن القرآن الكريم دائماً فواتح السور تتكامل في البيان مع خواتيمها كقوله تعالى في أوائل سورة البقرة على سبيل المثال { ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ  وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ  أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ – البقرة 2-5} وخواتيمها تبين من هم هؤلاء المؤمنين في قوله تعالى { آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ – البقرة 285} وكذلك سور الكهف على سبيل المثال فاواتحها يقول تعالى فيها { لينذر الذين اتخذ الله ولدا -} وخواتيمها تقول في بيان متكامل للمعنى { هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا} وكذلك هنا إذا قال تعالى في أوائل سورة عبس { عبس وتولى أن جاءه الأعمى } تبين خواتيمها أن هذا العمل يقوم به مجرمين من أهل النار قال تعالى فيهم { وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ  تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ  أُولَٰئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ  – عبس 40-42} وبالتالي بالقطع واليقين الذي لا شك فيه لا يمكن نسبة هذا العبوس للنبي صلى الله عليه وآله .

وأما :

 (الأعمى)

والأعمى الذي لا يرى وهو عكس المبصر والعمى لا يكون في النظر بل في البصيرة كما في قوله تعالى { إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور – الحج 46 } .

والأعمى هو التارك للعمل بكتاب الله كما في قوله تعالى { ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد  -فصلت 44 } وبالتالي عمى النظر عند هذا المؤمن أثبت الله تعالى أنه بإيمانه بصير يبصر الحق من الباطل وهؤلاء الذين ينظرون بأعينهم لم تنفعهم أعينهم ليبصروا الحق قال تعالى { وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون – الأعراف 198 }  .

وبالتالي هذا الأعمى بصير وهؤلاء بأعينهم عمياً لا يبصرون الحق المنزل من عند الله فهو أعمى النظر بصير القلب كما بينا وما الأعمى إلا الكافر التارك للعمل بكتاب الله وهؤلاء لا يستوون قال تعالى { وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء قليلا ما تتذكرون – غافر 58 } .

ثم يقول تعالى :

  • وما يدريك لعله يزكى (3)

وهنا :

(وما يدريك)

[ ودرى الشيئ ودرى به يدري درياً ودراية : علمه وأدراه الشيئ أعلمه به – معجم ألفاظ القرآن باب الدال فصل الراء والياء ] .  وهذا تعريف خاطئ لأنه لو كان نفي العلم فهذا اتهام للنبي صلى الله عليه وآله بأنه لا يعلم شيئاً لقوله تعالى { قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إلي وما أنا إلا نذير مبين –الأحقاف 9 } والفرق بين لا أعلم ولا أدري إذا خفي جزء من العلم عن الشخص مع علمه بالجزء الآخر فهو لا يدري وما يعلمه النبي أحوال أهل الجنة لأنه من أهلها ولا يعلم ولم يشاهد أحوال أهل النار و العذاب إلا بالوحي فقط لذلك هنا يقول تعالى أنه صلى الله عليه وآله لا يدري قال تعالى : {يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا – الأحزاب 63 } ولاختلاط الخير والشر بين الآباء والأبناء لم يقل لا تعلمون بل قال (لا تدرون) في قوله تعالى  { آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا – النساء11 } و الجن أيضاً لما اختلط عليهم الخير و الشر بين البشر بعدما نزل القرآن إلى الأرض قال تعالى { وإنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا – الجن 10 }

ولما تكلم الله تعالى عن الساعة ما فيها من عذاب لن يراه النبي صلى الله عليه وآله ولا أنبياء الله ولا المؤمنين قال تعالى { الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان وما يدريك لعل الساعة قريب – الشورى 17 } وعن العذاب الذي توعده الله تعالى المنافقين والكافرين من قريش ومن حذا حذوهم ولن يراه النبي قال تعالى  { قل إن أدري أقريب ما توعدون أم يجعل له ربي أمدا – الجن 25 }

والمعنى هنا أيضاً لاختلاط كفار قريش ومؤمنين مستضعفين فيهم ابن أم مكتوم قال تعالى { وما يدريك لعله يزكى – عبس 3 } .

وأما :

(لعله)

[حرف ناسخ مشبه بالفعل من أخوات إنّ، ينصب الاسم ويرفَعُ الخبرَ ويفيد التوقُّع والترجِّي في الأمر المحبوب، والإشفاق من المكروه، وقد تحذف لامُه فيصير علَّ، ويمكن اقتران لعلّ بنون الوقاية، وإذا دخلت عليها (ما) كفَّتها عن العمل “لعلّ الحبيبَ قادمٌ- لعلّنِي أحجُّ هذا العام- لعلّ أحدَكم أن يسارع في الخيرات- لعلما النصرُ قريبٌ- ذاكر علَّك تنجح- {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا} “. إغلاق حرف ناسخ يفيد التعليل ” {فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى – طه 44 } “. حرف ناسخ يفيد الاستفهام ” {لاَ تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا –الطلاق 1} “.] .

ورد هذا اللفظ في قوله تعالى { وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين – الأنبياء 111} وهذه الفتنة هنا كانت خلط أولوا الطول بالفقراء قال تعالى { وما يدريك لعله يزكى } فلما اختلط المستكبرون بالمستضعفين لان صلى الله عليهم وآله لهم القول لأن فيهم من هم كفرعون حيث قال تعالى لموسى { فقولا له قولا ليناً لعله يتذكر أو يخشى – طه 44 } فلما لان لهم القول صلى الله عليه وآله ابوا إلا استبعاد المستضعفين والفقراء ومنهم ابن أم مكتوم وكان أعمى  فنزل قوله تعالى {  عبس وتولى أن جاءة الأعمى وما يدريك لعله يزكى } .

وأما :

(يزكى)

وهذا اللفظ يبين تعالى من خلاله أن صناديد الكفر القرشي كانوا يحبن مدح أنفسهم لذلك قال تعالى { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُم ۚ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا انظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۖ وَكَفَىٰ بِهِ إِثْمًا مُّبِينًا – النساء 49-50 } ويبين تعالى أن رسول الله صلى الله عليه وآله بعثه ليعلم الناس ويزكيهم بهذا القرآن وما نزل فيه من أحكام قال تعالى { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ – آل عمران 164 }   وبالتالي النص يشير إلى أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان في جلسه فيها مؤمنين ممن أحبوا ريول الله صلى الله عليه وآله ويتعلمون منه وهؤلاء القرشيون يحبون تزكسة أنفسهم فأبت نفوسهم مجالسة هؤلاء المؤمنين الفقراء المستضعفين وفيهم الأعمى الذي تأففوا منه وغضبوا وعبست وجوههم عن مجالسته فمزل فيهم قولهه تعالى { عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى – عبس } .

ثم يقول تعالى :

  • أو يذكر فتنفعه الذكرى (4)

وهنا يبين تعالى أن الذكرى تنفع المؤمنين قال تعالى {وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين – الذاريات 55 } ومادامت الذكرى تنفع المؤمنين فهم الذين تعلموا من رسول الله صلى الله عليه وتولوه وأهل بيته عليهم السلام لأنها بيوت رفعها الله تعالى بالعلم والوحي قال تعالى { في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال – النور 36}.

وبالتالي من أراد أن يسمع وقبل ولاية الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام فقد أمر الله تعالى بأن يذكره إن رأي ذكر الله تعالى سينفعه قال تعالى { فذكر إن نفعت الذكرى – الأعلى 9 } ومادام هذا الأعمى من المؤمنين وقد اختلط بمجلس كفار ومنافقين قال تعالى لذلك له صلى الله عليه وآله { أو يذكر فتنفعه الذكرى } .

ولما خاضوا في آيات الله تعالى هنا أمر الله تعالى رسوله بعدم مجالستهم والإنصراف عنهم قال تعالى { وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين – الأنعام 68 } .

 ثم يقول تعالى :

  • أما من استغنى (5)

وهنا :

(أما من)

{ فَأَمَّا مَن طَغَىٰ وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَىٰ – النازعات 37-39 } وهذا الي آثر الحياة الدنيا فهو الذي استغنى في الآية هنا في قوله تعالى { أما من استغنى فأنت له تصدى – عبس 5-6}

وأما :

(استغنى)

وهذا اللفظ يدل بالقطع أن رسول الله صلى الله عليه وآله ليس المقصود لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرةى – الليل }

وهؤلاء لما كفروا بالله تعالى استغنى عنهم  لقوله تعالى { ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا فكفروا وتولوا واستغنى الله والله غني حميد  – التغابن 6 } وهنا الذين استغنى الله تعالى عنهم

و

و تولوا عن طاعتة تعالى ورسله و طغوا على من حولهم طمعاً في الدنيا قال تعالى { إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى – العلق 6-7} ولما آثروا الحياة الدنيا بخلوا بما وهبهم الله تعالى عن إخراج حقوق الفقراء والمساكين قل تعالى { وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَىٰ  فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ  – الليل 8-11 } فهل هؤلاء يتصدى لهم النبي كما في قوله تعالى هنا { وأما من استغنى فأنت له تصدى} تاركاً المؤمنين خلف ظهره ؟!! .

ثم يقول تعالى :

  • فأنت له تصدى (6)

وهنا :

(فأنت)

وهنا يبين تعالى أن هؤلاء هم الذين حق عليهم كلمة العذاب قال تعالى { أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار – الزمر 19 } ثم يبين تعالى أنهم استمعوا من رسول الله صلى الله عليه وآله وكأنهم لا يسمعون قال تعالى { ومنهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون – يونس 42 } ولذلك تلهى عنهم النبي صلى الله عليه وآله بذكر الله قال تعالى    { فأنت عنه تلهى – عبس 10 } .

( له)

وهذا اللفظ يبين تعالى أن هؤلاء كانت تأخذهم العزة بالإثم لقوله تعالى { وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد – البقرة 206 } وهل هؤلاء المستكبرين الظالمين يتصدى لهم النبي صلى الله عليه وآله .

وأما :

(تصدى)

[ وترتبط هذه المادة بالصد عن سبيل الله بمادة صدد حتى ليورد بعضهم التصدي والتصدية في مادة صدد وذلك لما يذكر أن يتصدى مأخوذ من الصدد وهو ماستقبلكقال تعالى { فأنت له تصدى – عبس } وأصله يتصدد فقلبت إحدى الدالين ياء كدأبهم في تحويل التضعيف  – معجم ألفاظ القرآن باب الصاد فصل الدال والدال  ] .

ومادام الصد عن سبيل الله أصل هذه المادة قال تعالى {فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه – النساء 55} وقال تعالى في االمنافقين { رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا – النساء 61 } وهنا أيضاً هل ينسب الصد هعن سبيل الله وهل انتبه المسلمون أن السورة من اولها حتى الآن كلها ألفاظ كفرية تعني وتقصد ولم تأتي إلا على معسكر الكفر والنفاق لذلك مستحيل أن يكون الذي عبس وجهه هو النبي صلى الله عليه وآله .وبالتالي الذي تصدى لكفار قريش رجلاً منهم كان هو الصلة والرسول بين النبي صلى الله عليه وآله وصناديد قريش .

ثم يقول تعالى :

  • وما عليك ألا يزكى (7)

وهنا :

(وما عليك)

وهنا يبين تعالى أنه ماعلى الرسول إلا البلاغ المبين قال تعالى { فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين –النحل 82 } أي أن رسول الله صلى الله عليه وآله أبلغهم دعوة ربه تبارك وتعالى تولوا عنها لذلك  قال تعالى له في هؤلاء المجرمين ما عليك إلا البلاغ وعلى الله تعالى الحساب قال تعالى { فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب – الرعد 40 } .

وأما عن الفقراء والمستضعفين وكان فيهم الأعمى رضى الله تعالى عنهم وأرضاهم قال تعالى { ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين – الأنعام 52 } وهنا يبين لنا ربنا بالقطع أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان عاملاً بما أمر الله تعالى وأنه لم يطرد الأعمى كما أمر الله تعالى ولذلك قال تعالى للعابس في وجه هذا الأعمى وهؤلاء الفقراء { وما عليك ألا يزكى } .

وأما :

(ألا)

وهنا يبين تعالى أن رسول الله صلى الله عليه وآله دعاهم إلى كلمة لا إله إلا الله والإيمان به تعالى وبرسوله قال تعالى : { قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون – لأنعام 151 } وقال تعالى في أهل الكتاب وكانوا مستشاروا قريش في الحرب على النبي صلى الله عليه وآله لذلك قال تعالى { قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون – آل عمران 64 }

فلما أبوا إلا الكفر بالله تعالى وهذا أغضب النبي صلى الله عليه وآله وأحزنه لذلك قال تعالى { لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين – الشعراء 3 } وعلم رسول الله صلى الله عليه وآله أنه سيعذبهم لصدهم عن سبيل الله لذلك قال تعالى { وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون – الأنفال 34 } وقال تعالى في نفس الوقت في هذا الأعمى رضى الله تعالى عنه وأرضاه بعدما غضبوا من تواجده بينهم { وما عليك ألا يزكى } .

وأما :

(يزكى)

أي أنه يقول تعالى في الأعمى { وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى – عبس 3-4 } أي لعله يسلم فيزكيه الله تعالى وعن كفار قريش يقول تعالى { وما عليك ألا يزكى }  أي [  و ما عليك إن لم يتطهر فيسلم لله تبارك وتعالى فإنما عليك البلاغ  – تفسير البغوي ] .وهنا كأن رسول الله صلى الله عليه وآله واقف بين فرقين من المستضعفين المؤمنين وفيهم الأعمى وفريق آخر من المستكبرين فقال تعالى عن المؤمنين و ما يدريك لعله يزكى و في الكافرين قال تعالى { وما عليك ألا يزكى } أي ما عليك من حسابه من شيئ إلا البلاغ .

ثم يقول تعالى :

  • وأما من جاءك يسعى (8)

وهنا :

(وأما من)

أي أنه يقول تعالى {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى – النازعات 40 } وهؤلاء هم الذين سعوا في الخيرات وقال تعالى فيهم هنا { وأما من جاءك يسعى وهو يخشى فأنت عنه تلهى – عبس 8-9 } .

وأما :

(جاءك)

وهنا يقول تعالى في هؤلاء المؤمنين { وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم – الأنعام 54 }

وهؤلاء هم الذين جاءوا رسول الله صلى الله عليه وآله يسعون مسرعين في طاعة الله تعالى كما في الآية هنا { وأما من جاءك يسعى وهو يخشى فأنت عنه تلهى }

وكما جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله المؤمنين جاءه أيضا كفار كما في قوله تعالى هنا { عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله تزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى } وكما جاءه مؤمنون و كفار كذلك جاءه منافقون كما في قوله تعالى { إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون – المنافقون 1 } .

ولذلك قال تعالى أنه لم رعض عنه ولم يعبس في وجهه بل تلهى عنه أي انشغل بأمور كثيرة من دعوة ووليمة وإبلاغهم آيات ربه وهنا الوصية لرسول الله صلى الله عليه وآله بأن لا يهتم إلا بالفقراء والمستضعفين قبل المستكبرين لذلك قال تعالى هنا { وأما من جاءك يسعى وهو يخشى فأنت عنه تلهى }

وأما :

(يسعى)

وهنا يبين تعالى أن السعي قدوم الشخص مسرعاً مهرولاً قال تعالى { وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين – يس 20 } . والسعي للناس إما للدنيا أو للآخرة قال تعالى في دليل أن الفريقين من كفار قريش و المؤمنين طالبي رضا الله تعالى والدرا الآخرة وطلاب الدنيا  كانوا في جلسة واحده معاً  {مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا – الإسراء 18-20 } وبالتالي هؤلاء المؤمنين ومنهم الأعمى كان حريصاً على طاعة الله تعالى مسرعاً للقاء رسول الله صلى الله عليه وآله قال تعالى هنا  { وأما من جاءك يسعى وهو يخشى فأنت عنه تلهى }  .

ثم يقول تعالى :

  • وهو يخشى (9)

وهنا :

(وهو)

أي وهو مؤمن يعمل الصالحات لقوله تعالى { ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما طه 112 } وقال تعالى أيضاً { فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون – الأنبياء 94} وهؤلاء هم الذين يخشون ربهم كما في قوله تعالى هنا { وهو يخشى } وهؤلاء يدلهم الله تعالى الجنة كما في قوله تعالى { ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب – غافر 40 } .

وأما :

(يخشى)

أي أنهم أطاعوا الله تعالى واتقوه وهؤلاء هم المفلحون بخشيتهم لله تبارك وتعالى كما في قوله عز وجل    { إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ- النور51-52 }

ثم يقول تعالى :

  • فأنت عنه تلهى (10)

وهنا :

(فأنت)

أي { أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَىٰ فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّىٰ  – عبس 5-6} أي [يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: أما من استغنى بماله فأنت له تتعرّض رجاء أن يُسلِم . حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان ( أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى ) قال: نـزلت في العباس. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى ) قال عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة .- تفسير الطبري ] وأما المؤمن الأعمى المستضعف فقد تلهى عنه بدعوة هؤلاء المستكبرين للإسلام قال تعالى هنا { وَأَمَّا مَن جَاءَكَ يَسْعَىٰ وَهُوَ يَخْشَىٰ فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّىٰ – عبس 8-10 } .

وأما :

(عنه)

يدل هذا اللفظ أن أغنياء القوم وكبرائهم كانوا في خديث مع رسول الله صلى الله عليه وآله ومناجاة بينهم قال تعالى في دليل أنهم علية القوم وكبرائهم { ما أغنى عنه ماله وما كسب – المسد 2}

ومناجاتهم التي عصوا فيها رسول الله صلى الله عليه وآله قال تعالى أيضاً { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ – المجادلة 8 }

ولورود لفظ عنه أيضاً عن حزبه المفلحون في قوله تعالى { رضى الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه – البينة 8} تدل على أن الفريقين كانا معاً و عن مناجاة النبي صلى الله عليه وآله لهم اعتبره القرآن الكريم تلهي عن هؤلاء المؤمنين المستضعفين ومنهم الأعمى قال تعالى { فأنت عنه تلهى }

ولكن رسول الله عمل فيهم بقوله تعالى { واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا – الكهف 28 } وهنا انصرف رسول الله صلى الله عليه وآله عن هؤلاء المستكبرين كما أمره الله تبارك وتعالى .

وأما :

(تلهى)

[ والهاه عن الشيئ يلهيه : شغله أو صرفه عنه واللهو تناول مالا يجدي من الأعمال  – معجم ألفاظ القرآن باب اللام فصل الهاء والواو ] قال تعالى { وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون – الأنعام 32 } وهؤلاء أمر الله تعالى رسوله بالإنصراف عنهم كما في قوله تعالى

{ وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون – الأنعام 70 }

قال تعالى في بيان أن كفار قريش كانوا حريصين على تحقيق مصالح دنيوية لا شأن لها بالدين والتوحيد والإسلام قال تعالى { ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون – الحجر 3 } و كان هؤلاء حرصون على تجارتهم ولهوهم بالحياة الدنيا ومتاعها وزينتها قال تعالى { وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها وتركوك قائماً قل ماعند الله خير من اللهو ومن التجارةة والله خير الراززقين – الجمعة }

وكما أن هناك من ينشغل باللهو التجارة هناك مؤمنين لا تلهيهم تجارة ولا بيع ولا لهو عن ذكر الله قال تعالى فيهم  { رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار – النور 37 } وهذا يثبت أيضاً أن الفريقين من طلاب الدنيا والدين وأهل بيت النبي كانوا في هذه الجلسة وقد أولى النبي اهتماماً بهؤلاء المستكبرين لعلهم يسلمون فعاتبه الله تعالى في اهتاماه بهم فهم لا يستحقون حتى مجالسته ولكن النبي كان حريصاً على ان يسلموا قال تعالى{ لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم – التوبة 128 }

وهنا لبيان وتوضيح ماذكرناه آنفاً في السنة والسيرة النبوية المطهرة ورد في “تفسير القرآن العظيم لابن كثير:

[( فأنت عنه تلهى ) أي : تتشاغل ومن هاهنا أمر الله عز وجل – رسوله صلى الله عليه وسلم ألا يخص بالإنذار أحدا بل يساوي فيه بين الشريف والضعيف والفقير والغني والسادة والعبيد والرجال والنساء والصغار والكبار ثم الله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة قال الحافظ أبو يعلى في مسنده حدثنا محمد هو ابن مهدي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن قتادة عن أنس في قوله ) عبس وتولى ) جاء ابن أم مكتوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يكلم أبي بن خلف فأعرض عنه فأنزل الله ( عبس وتولى أن جاءه الأعمى ) فكان النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يكرمه قال قتادة وأخبرني أنس بن مالك قال رأيته يوم القادسية وعليه درع ومعه راية سوداء يعني ابن أم مكتوم . وقال أبو يعلى وابن جرير حدثنا سعيد بن يحيى الأموي حدثني أبي ، عن هشام بن عروة مما عرضه عليه عن عروة عن عائشة قالت أنزلت ( عبس وتولى ) في ابن أم مكتوم الأعمى أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول أرشدني . قالت وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم من عظماء المشركين قالت فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يعرض عنه ويقبل على الآخر ويقول أترى بما أقول بأسا فيقول : لا ففي هذا أنزلت ( عبس وتولى ) . وقد روى الترمذي هذا الحديث ، عن سعيد بن يحيى الأموي بإسناده مثله ثم قال وقد رواه بعضهم عن هشام بن عروة عن أبيه قال أنزلت ( عبس وتولى ) في ابن أم مكتوم ولم يذكر فيه عن عائشة . قلت كذلك هو في الموطأ . ثم روى ابن جرير وابن أبي حاتم أيضا من طريق العوفي عن ابن عباس قوله ( عبس وتولى أن جاءه الأعمى ) قال بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يناجي عتبة بن ربيعة وأبا جهل بن هشام والعباس بن عبد المطلب وكان يتصدى لهم كثيرا ويحرص عليهم أن يؤمنوا فأقبل إليه رجل أعمى يقال له عبد الله بن أم مكتوم يمشي وهو يناجيهم فجعل عبد الله يستقرئ النبي صلى الله عليه وسلم آية من القرآن وقال يا رسول الله علمني مما علمك الله فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبس في وجهه وتولى وكره كلامه وأقبل على الآخرين فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم نجواه وأخذ ينقلب إلى أهله أمسك الله بعض بصره ثم خفق برأسه ثم أنزل الله ( عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى ) فلما نزل فيه ما نزل أكرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلمه وقال له النبي صلى الله عليه وسلم ما حاجتك هل تريد من شيء ” وإذا ذهب من عنده قال هل لك حاجة في شيء ؟ وذلك لما أنزل الله تعالى ( أما من استغنى فأنت له تصدى وما عليك ألا يزكى ) . فيه غرابة ونكارة وقد تكلم في إسناده وقال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن منصور الرمادي حدثنا عبد الله بن صالح حدثنا الليث حدثنا يونس عن ابن شهاب قال : قال سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم وهو الأعمى الذي أنزل الله فيه ( عبس وتولى أن جاءه الأعمى ) وكان يؤذن مع بلال قال سالم وكان رجلا ضرير البصر فلم يك يؤذن حتى يقول له الناس حين ينظرون إلى بزوغ الفجر أذن . وهكذا ذكر عروة بن الزبير ومجاهد وأبو مالك وقتادة والضحاك وابن زيد وغير واحد من السلف والخلف أنها نزلت في ابن أم مكتوم والمشهور أن اسمه عبد الله ويقال : عمرو والله أعلم –  تفسير القرآن العظيم لابن كثير ] .

ثم يقول تعالى :

  • كلا إنها تذكره (11) فمن شاء ذكره (12)

وهنا :

(كلا إنها)

[ كَلاّ : (اسم)كَلاّ : مصدر كَلَّ كَلاَّ : (حرف/اداة) حرف يفيد الردع والزجر والاستنكار، يجوز الوقوف عليه ] . قال تعالى { يُبَصَّرُونَهُمْ ۚ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ  وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ كَلَّا إِنَّهَا لَظَىٰ نَزَّاعَةً لِّلشَّوَىٰ تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّىٰ  وَجَمَعَ فَأَوْعَىٰ – المعارج 11-17 } وهنا يتمنى المجرم الرجوع إلى الدنيا قال تعالى { حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون – المؤمنون 100 }

وأما عن كلا فقط فيقول تعالى { كلا بل تحبون العاجلة القيامة 20 } فإذا جمعوا المال وعرض الحياة الدنيا واستغنوا طغوا لقوله تعالى { كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى – العلق 6-7 } ولذلك قال تعالى في هؤلاء { كلا سيعلمون ثم كلا سوف يعلمون كلا لو تعلمون علم اليقين لتروون الجحيم ثم لتسئلن يومئذٍ عن النعيم – التكاثر }

 وأما :

(إنه)

أي أنه يقول تعالى { إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون تنزيل من رب العالمين – الواقعة 77-79} وهذا القرآن الكريم هنا تذكرة قال تعالىفيها { كلا إنه تذكرة فمن شاء ذكره }

 وأما :

(تذكره فمن شاء ذكره )

والذكر هو القرآن الكريم المنزل على رسول الله صلى الله عليه وآله لقوله تعالى : { كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاءَ ذَكَرَهُ  وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ۚ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَىٰ وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ- المدثر 54-56 }

وهذا الذكرأنزله الله تعالى ليذكر به قومه كما في قوله تعالى { وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون – الزخرف 4 } وهؤلاء قوم لم يأتيهم نبياً من قبل ليذكرهم كما في قوله تعالى { لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون – القصص 46 } ولعلهم يهتدون كما في قوله تعالى { أم يقولون افتراه بل هو الحق من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون – السجدة 3 }  ولقد يسره الله تعالى بلسانهم العربي المبين كما في قوله تعالى { فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون – الدخان 58 } .

وهو ذكر للعالمين جميعاً إنس وجن وما تشاءون إلا أن يشاء الله تعالى هدايتهم قال تعالى  { إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ و مَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ – التكوير 27-29 } ويبين تعالى أنهم فروا من هذه التذكرة بلا سبب فرار الحمير من الأسد قال تعالى { فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَىٰ صُحُفًا مُّنَشَّرَةً كَلَّا ۖ بَل لَّا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاءَ ذَكَرَهُ وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ۚ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَىٰ وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ  – المدثر 49-56 } .

وإذا كان هذا الذكر هو كتاب الله ففي موضع آخر من كتاب الله يعني رسول الله صلى الله عليه وآله في كتاب الله لقوله عز وجل { أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا رسولا يتلو عليكم آيات الله مبينات ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا قد أحسن الله له رزقا – الطلاق 10-11 } .

ويأتي الذكر على الإمام علي صاحب الأذن الواعية لما نزل فيه من قوله تعالى { لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية – الحاقة 12 } ورد أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال للإمام علي (عليه السلام : [ (يا عليّ، إنّ الله عزّوجلّ أمرني أن أدنيك وأعلّمك لتعي، وأنزلت هذه الآية: “وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ” (فأنت أذنٌ واعيةٌ لعلمي). وفي رواية (خصائص الوحي المبين) أورد النصّ ابن بطريق هكذا: (فأنت أذنٌ واعية). وقد روى ذلك أيضاً أبو نعيم في (حلية الأولياء)، والسيوطيُّ الشافعيُّ في (جمع الجوامع)، والمتّقي الهنديُّ في (كنز العمّال)، والحافظ الحاكم الحسكانيّ الحنفيّ في (شواهد التنزيل) بسندين، مع زيادة قول رسول الله صلّى الله عليه وآله في آخر حديثه المبارك: (يا عليّ، وأنت المدينة وأنت الباب، ولا يؤتى المدينة إلاّ من قبل بابها). كذلك روى ما تقدّم ابن عساكر الدمشقيُّ الشافعيّ في ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من كتابه (تاريخ مدينة دمشق)، والجوينيّ الشافعيّ في (فرائد السمطين). وبسندٍ آخر يروي الحسكانيّ منتهٍ الى زرّ بن حبيش عن عليّ بن أبي طالبٍ قال: (ضمّني رسول الله وقال: أمرني ربّي أن أدنيك ولا أقصيك، وأن تسمع وتعي، وحقّ على الله أن تعي. فنزلت: “وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ”. وفي روايةٍ أخرى قال: (وأُعلّمك لتعي). ومثل هذا ما رواه ابن جرير الطبريُّ في تفسيره (جامع البيان في تفسير القرآن)، والهيثميّ الشافعيّ في (مجمع الزوائد ومنبع الفوائد)، والسيوطيّ في تفسيره (الدرّ المنثور) ] وبالتالي لن يتولى أحد الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام إلا إذا كانت هذه مشيئة الله تعالى فيه كما في الآية هنا { كلا إنها تذكره فمن شاء ذكره وما تشاءون إلا أن يشاء الله }

وأما :

(فمن شاء)

أي أنه يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله  ليبلغهم الحق من ربهم ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر قال تعالى { وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا- الكهف 29 } ومن شاء اتخذ غلى ربه سبيلا قال تعالى { إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا – المزمل 19 } وهذا السبيل هو كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وآله ثم ولاية الإمام علي عليه السلام والأئمة من ذريته كما أمر الله تعالى  .

 

 

ثم يقول تعالى عن هذه التذكرة :

(13)  في صحف مكرمة (13)

  وهنا :

(في صحف)

[ والصحف : المبسوط من الشيئومن ذلك الصحيفة التي يكتب فيها ] قال تعالى { لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة رسول من الله يتلو صحفا مطهرة –البينة 1-2 } وهذه الصحف المكرمة فيها صحف إبراهيم وموسى عليهما السلام لقوله تعالى { قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ إِنَّ هَٰذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَىٰ صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ – الأعلى 14-19 }  وهذه الصحف المكرمة لم يؤمن بها صناديد قريش لقولهم حسداً { وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه أولم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى – طه 133 } .  ونقول حسداً لأنهم كانوا يتمنون نزول هذه الصحف في قبائلهم وبطونهم لقوله تعالى {   بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة – المدثر 52 } ولذلك قالوا { لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم – الزخرف 31} وهذه الصحف مكرمة عند الله تعالى كما في الآية هنا { في صحف مكرمة } .

وأما :

(مكرمة)

[ الكريم : الشريف وكرم رجل شرفه ] قال تعالى { ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر و البحر } والكريم : الشريف أو المنعم أو المحسن قال تعالى { ومن كفر فإن ربي غني كريم – النمل 40 } والكريم سبحانه وتعالى أنزل كتاباً كريماً قال تعالى فيه { إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون – الواقعة 77 } وهذا القرآن الكريم نزل على رسول ككريم قال تعالى فيه { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ – التكوير 19-22 } وقال تعالى أيضاً :{ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ ۚ قَلِيلًا مَّا تُؤْمِنُونَ وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ – الحاقة 40-43 } وقليلاً ما تذكرون هنا لكفرهم وحسدهم فكل امرئ منهم يريد أن ينزل الله تعالى عليه صحفاً كما أنززلها على خاتم النبيين صلى الله عليه وآله كما في قوله تعالى { بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة – المدثر 52 } ولذلك يقال لهم يوم القيامة كما قال تعالى لفرعون إمام الكفرة ومن تقلد به إذا دخلوا النار { ذق إنك أنت العزيز الكريم – الدخان 49} .

ثم يقول تعالى عن هذه الصحف المكرمة :

(14) مرفوعة مطهرة (14)

وهنا :

(مرفوعة)

الرفع هنا مكانة بهذا الذكر الذي قال تعالى فيه  { ورفعنا لك ذكرك – الشرح 4}  وهذا الرفع مكاناً عالياً في الدنيا والآخرة لورود هذا اللفظ في قوله تعالى: { ورفعناه مكاناً عليا – مريم 57 }  وهه الرفعة في الجنة لقوله تعالى { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ لَّا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ – الغاشية 11-16 } .

وقال تعالى أيضاً { وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ وَمَاءٍ مَّسْكُوبٍ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا عُرُبًا أَتْرَابًا لِّأَصْحَابِ الْيَمِينِ ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ  وَثُلَّةٌ مِّنَ الْآخِرِينَ –الواقعة 27-40 }

وهذه المكانة المرفوعة عند الله تعالى لا ينالها العبد إلا بالعمل الصالح لقوله تعالى { من كان يريد العزة فلله العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور – فاطر 10 } وهذا العمل الصالح لا يكون صالحا إلا بالإيممان الله تعالى ورسله أصحاب الدرجات عند الله تعالى وأعلاهم خاتمهم لقوله تعالى { ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات –البقرة} والمؤمنين كذلك درجات عند الله تعالى كما في قوله عز وجل{   يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير – المجادلة 11 } وهؤلاء هم الذين تولوا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام الذين رفع الله تعالى بيوتهم على كل بيوت العالمين قال تعالى فيهم { في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال – النور 36 } ومن أراد أن يرفع الله تعالى درجته تعالى يوم القيامة فليتولى هؤلاء كما بينا .

وأما :

(مطهرة)

[طَهَرَ: (فعل)طهَرَ يَطهَر ويَطهُر ، طُهْرًا ، فهو طاهِرطهَر الشّخصُ :كان نقيًّا منزهًا عن الأدناس، ضِدّ نجُسطَهَرَ الثَّوْبَ : أَزَالَ وَسَخَهُطَهَرَ الشَّيْءَ : أَبْعَدَهُطَهُرَ: (فعل)طهُرَ يَطهُر ، طَهَارةً وطُهْرًا ، فهو طاهِر وطَهُورطَهُرَ : نَقِيَ، سَلِمَ مِنَ النَّجَاسَةِ وَالأَوْسَاخِ وَالأَدْرَانِطهُرتِ الحائضُ أو النفساءُ: انقطع دمُها، أو اغتسلت من الحيض وغيرهطَهُرَ :برئ من كل ما يَشِينُ ] قال تعالى في بيان أن الطهارة بالصلاة والوضوءو الأغتسال امتثالاً لأوامر الله تعالى التي قال تعالى فيها { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ۚ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ۚ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ ۚ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ – المائدة 6 } وههذه هى طهارة البدن وأما طهرة المعتقد في الدين والولاية الحق لرب العالمين ورسوله الكريم لقوله تعالى { { رسول من الله يتلو صحفا مطهرة – البينة 2 } وهذه الصحف المطهرة تدعوا لولاية

المطهرون من أهل بيت النبي عليهم السلام الذين أذهب الله تعالى عنهم وعن ذريتهم دنس الشرك وهو الرجس في قوله تعالى { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا – الأحزاب 33 } .

وبالتالي الجزاء هنا هو الجنة و الزوجات الطاهرات المطهرات لمن تطهر بها عملاً بكتاب الله وتولى أهل بيته عليهم السلام الذين أذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا لقوله تعالى {   والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلا ظليلا – النساء 57 } وقال تعالى أيضاً { وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون – البقرة 25 } وقال تعالى أيضاً  مبيناً أن هذه الجنة كانت بعملهم الصالح وتقواهم لله عز وجل ومنها اجتناب كل ما يسخط الله تعالى ويغضبه عز وجل قال تعالى { قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد – آل عمران 15 }  وهذا هو معنى قوله تعالى هنا { مرفوعة مطهرة – عبس 14 } .

ثم يقول تعالى :

(16) كرام بررة (16)

وهنا :

(كرام)

والكريم و صاحب الكرم وأصله هو الله تبارك وتعالى ذو الجلال والإكرام  لقوله تعالى { ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام – الرحمن 27 } وقال تعالى أيضاً  { تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام – الرحمن 78 } وقال تعالى أيضاَ { يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في اي صورة ماشاء ركبك– الإنفطار6-8 }

والملائكة كراماً ومنهم كتبة أعمال العباد قال تعالى { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ – الإنفطار 10-12 } .

ورد في تفسير هذه الآية :

[ كراما كاتبين أي علي ; كقوله : كرام بررة . وهنا ثلاث مسائل : الأولى : روي عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ” أكرموا الكرام الكاتبين الذين لا يفارقونكم إلا عند إحدى حالتين : الخراءة أو الجماع ، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر بجرم حائط أو بغيره ، أو ليستره أخوه ” . وروي عن علي – رضي الله عنه – قال : ( لا يزال الملك موليا عن العبد ما دام بادي العورة ) وروي ( إن العبد إذا دخل الحمام بغير مئزر لعنه ملكاه ) . الثانية : واختلف الناس في الكفار هل عليهم حفظة أم لا ؟ فقال بعضهم : لا ; لأن أمرهم ظاهر ، وعملهم واحد ; قال الله تعالى : يعرف المجرمون بسيماهم . وقيل : بل عليهم حفظة ; لقوله تعالى : كلا بل تكذبون بالدين وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون . وقال : وأما من أوتي كتابه بشماله وقال : وأما من أوتي كتابه وراء ظهره ، فأخبر أن الكفار يكون لهم كتاب ، ويكون عليهم حفظة . فإن قيل : الذي على يمينه أي شيء يكتب ولا حسنة له ؟ قيل له : الذي يكتب عن شماله يكون بإذن صاحبه ، ويكون شاهدا على ذلك وإن لم يكتب . والله أعلم . الثالثة : سئل سفيان : كيف تعلم الملائكة أن العبد قد هم بحسنة أو سيئة ؟ قال : إذا هم العبد بحسنة وجدوا منه ريح المسك ، وإذا هم بسيئة وجدوا منه ريح النتن . وقد مضى في ( ق ) قوله : ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد زيادة بيان لمعنى هذه الآية . وقد كره العلماء الكلام عن الغائط والجماع ، لمفارقة الملك العبد عند ذلك . وقد مضى في آخر ( آل عمران ) القول في هذا . – تفسير القرطبي ] .

والكرام بعد ذلك أنبياء الله تعالى لقوله عز وجل { وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون – الأنبياء 76 } . وأكرمهم خاتمهم صلى الله عليه وآله لقوله تعالى { ‏‏إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ‏‏‏ – الحاقة 40-42}‏‏‏‏ . وهؤلاء هم الكرام البررة كما في الاية هنا {  كرام بررة – عبس 16 } .

وأما :

(برره)

[ والبررة جمع أبرار : وهو التوسع في الإحسان ] قال تعالى لبيان المعنى{ وبراً بوالديه ولم يكن جباراً عصيا – مريم 14 } والأبرار هم أهل الجنة الذين ماتوا على الإسلام والإيمان فكتبهم الله تعالى في ديوان عليين الذي يشهده المقربون وهم أنبياء الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام قال تعالى { كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون – المطففين } .وهؤلاء في الجنة ينعمون بها لقوله تعالى { إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا عيناً يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا –  الإنسان } وهؤلاء هم الذين عملوا بالذكر كما في قوله تعالى هنا { فمن شاء ذكره في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة كرام بررة –  عبس } .

ثم يقول تعالى :

(17) قتل الإنسان ما أكفره (17)

وهنا :

(قتل)

وهنا {قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ } أي [ لُعِنَ الإنسان الكافر وعُذِّب, ما أشدَّ كفره بربه!! ]

وهنا قتل الإنسان ما أكفره } أي أنه قتل من حيث كفر بالله ومكر بآيات الله ورسله وأهل بيته عليهم السلام والمؤمنين فقتله الله حيث قدر وفكر ومكر قال تعالى : { إنه فكر وقدر فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر ثم نظر ثم عبس وبسر فقال إن هذا إلا سحر يؤثر إن هذا إلا قول البشر – المدثر 19 }  ومن أفعالهم التي قتلهم الله تعالى بها مكرهم برسول الله صلى الله عليه و أهل بيته عليهم السلام والمؤمنين قال تعالى لذلك : {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين – الأنفال 30 } وهنا بين أن مكرهم هذا دار ويدور في كل زمن على ثلاث محاور إما السجن أو قتل الرسول أو الإمام أو المؤمن أو إخراجه من بيته وقال تعالى في تحريم القتل خاصة المقتول مظلوماً وهم أهل بيت النبي عليهم السلام وأولهم الإمام علي والإمام الحسي المقتول مظلوماً قال تعالى { ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا – الإسراء 33 }

وهؤلاء الذين فاقوا الكفار كفراً هم الذين اعتمدوا في معتقدهم على الظن وهم الخراصون الذين كفروا بالله تعالى ورسوله وحاربوا المؤمنين بالظنة فقتلهم الله تعالى قال تعالى  { قتل الخراصون الذين هم في غمرة ساهون – الذاريات 10-11 }  أي [  لُعِن المتكهنون الذين يتخرّصون الكذب والباطل فيتظننونه. – تفسير الطبري ] .

ومن هؤلاء الذين قاتلهم الله تعالى المنافقون بتآمرهم على رسول الله وأهل بيته عليهم السلام والمؤمنين قال تعالى : {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ۖ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ – المنافقون 4 } وهؤلاء ليسوا كفاراً عاديين بل أعظم كفراً من الكفار أنفسهم كما في قوله تعالى هنا { قتل الإنسان ما أكفره} أي ما أشد كفرهم بقتالهم النبي صلى الله عليه وآله و بقتلهم أهل بيته عليهم السلام والمؤمنين [ يقول الإمام جعفر الصادق عليه السلام لما سئل عن قوله تعالى (قتل الإنسان ما أكفره)  قال نعم نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام يعني (ما أكفره) بقتلكم إياه أي الإمام علي عليه السلام _وفي تفسير علي بن إبراهيم في بين الآية قال هو أمير المؤمنين قال (ما أكفره) أي مافعل ذنب حتى قتلوه  –كنز الدقائق للمشهدي القمي ج 14 ص 136-135  ] .

وورد في تفسير القرطبي :

[ قوله تعالى : قتل الإنسان ما أكفره ؟ قتل أي لعن . وقيل : عذب . والإنسان الكافر روى الأعمش عن مجاهد قال : ما كان في القرآن قتل الإنسان فإنما عني به الكافر . وروى الضحاك عن ابن عباس قال : نزلت في عتبة بن أبي لهب ، وكان قد آمن ، فلما نزلت والنجم ارتد ، وقال : آمنت بالقرآن كله إلا النجم ، فأنزل الله – جل ثناؤه فيه – قتل الإنسان أي لعن عتبة حيث كفر بالقرآن ، ودعا عليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال : اللهم سلط عليه كلبك أسد الغاضرة فخرج من فوره بتجارة إلى الشام ، فلما انتهى إلى الغاضرة تذكر دعاء النبي – صلى الله عليه وسلم – ، فجعل لمن معه ألف دينار إن هو أصبح حيا ، فجعلوه في وسط الرفقة ، وجعلوا المتاع حوله ، فبينما هم على ذلك أقبل الأسد ، فلما دنا من الرحال وثب ، فإذا هو فوقه فمزقه ، وقد كان أبوه ندبه وبكى وقال : ما قال محمد شيئا قط إلا كان .

وروى أبو صالح عن ابن عباس ما أكفره : أي شيء أكفره ؟ وقيل : ما تعجب ; وعادة العرب إذا تعجبوا من شيء قالوا : قاتله الله ما أحسنه ! وأخزاه الله ما أظلمه ; والمعنى : اعجبوا من كفر الإنسان لجميع ما ذكرنا بعد هذا . وقيل : ما أكفره بالله ونعمه مع معرفته بكثرة إحسانه إليه على التعجب أيضا ; قال ابن جريج : أي ما أشد كفره ! .

وقيل : ما استفهام أي أي شيء دعاه إلى الكفر ; فهو استفهام توبيخ . و ( ما ) تحتمل التعجب ، وتحتمل معنى أي ، فتكون استفهاما . – تفسير القرطبي ]

وأما :

(الإنسان ما أكفره) 

وهنا إذا قال تعالى عن الإنسان { وبدأ خلق الإنسان من طين } وهذا الإنسان إذا اإناه الله طغى كما في قوله تعالى { كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى – العلق }  ولذط يقول تعالى في أكثر بني آدم كفار بالله تعالى كما في قوله عزو جل {  ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفورا – الإسراء 89 } وقال تعالى أيضاً { وهو الذي أحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم إن الإنسان لكفور – الحج 66 } وإذا كان هذا هو حال الأكثرية من بني آدم فإن الله تعالى يبين أن فيهم من هم أشد كفراً من هؤلاء وهم الذين قال تعالى فيهم هنا { قتل الإنسان ما أكفره }

وأما :

(ما أكفره)

ورد لفظ ما في قوله تعالى { و ما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم – إبراهيم 4 } والكثير من الناس كفروا برسالة ربهم و أشركوا كما في قوله تعالى { وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون – يوسف 106 } ومن هؤلاء المشركين منهم أشد منهم كفراً وقال تعالى فيهم هنا { قتل الإسان ما أكفره } .

ثم يقول تعالى :

(18) من أي شيئ خلقه (18)

وهنا :

كأنه يقول تعالى لهؤلاء الكفرة { أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون – الطور 35 } ويقول تعالى أيضاً { أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون – الطور 36 } فلما كفروا بالله تعالى وهو خالق كل شئ قال تعالى { واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا – الفرقان 3 } وبالتالي هؤلاء المجرمين القتلة يشركون مالا يخلق شيئاً قال تعالى { أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون – الأعراف 191 } وقال تعالى أيضاً { والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون – النحل 20 } .

ثم يقول تعالى :

(19) من نطفة خلقه فقدره (19)

وهنا :

(من نطفة خلقه)

أي أنه يقول تعالى { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ – المؤمنون 12-14 }

وأما :

(خلقه فقدره)

أي أنه خلق كل شيئ فقدره تقديرا قال تعالى { وخلق كل شيء فقدره تقديرا – الفرقان 2 } ومن هذه الأشيائ التي خلقها الله عز وجل خلق الإنسان وقال تعالى فيه { أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ إِلَىٰ قَدَرٍ مَّعْلُومٍ  فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ – المرسلات 20-23 } . وهنا يبين تعالى أنه بعد ما يخلق الله تعالى الإنسان يموت ثم يبعث وينشره الله تعالى للحساب قال تعالى { مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ  ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَه ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنشَرَهُ – عبس 18-22 } .

ثم يقول تعالى :

(20) ثم السبيل يسره (20 )

وهنا :

(السبيل)

والسبيل : الطريق قال تعالى { فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا – الكهف 61 } أي طريقاً له مفتوحًا. وكما يسبح الحوت في الماء كذلك تسبح في نطفة الرجل مايخلق الله تعالى به العلقة بعد ان يتخذ سبيله في رحم الام ولذلك قال تعالى هنا { ثم السبيل يسره عبس 20} وهذا السبيل رحم الأم لذلك قال في رفض قوم لوط هذا السبيل إلى سبيل الخراء والبراز { أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر – العنكبوت 19 } وهنا إذا اجتمعت النطفتان تحولتا إلى علقة وهنا يكتب مابين عينيها ما هو كائن وشقي أم سعيد.

وأما :

(يسره)

[ ويسره أي جعله يسير في يسر ] قال تعالى { فالجاريات يسرا – الذاريات 3 } وكما تجري السفينة الماء بيسر كذلم نطفة الرجل تسير في يسر في ماء رحم المرأة حتى تلتصق به فتعلق وتتحول إلى علقة لذلك قال تعالى هنا { ثم السبيل يسره } .

ثم يقول تعالى :

(21) ثم أماته فأقبره (21)

وهنا :

(ثم )

أي أنه يقول تعالى { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ثُمّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ ثمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ- المؤمنون 12-16 } .

وأما :

(ثم أماته)

أي أنه يقول تعالى { وهو الذي أحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم إن الإنسان لكفور – الحج 66 }

وقال تعالى أيضاً { قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ولكن أكثر الناس لا يعلمون – الجاثية 26 } وهنا يبين تعالى أنه إذا أماته فقد أقبره قال تعالى { ثم أماته فأقبره } .

وأما :

(فأقبره)

وأقبره بمعنى دفن جسده في الأرض حتى البعث لهذا الجسد من بعد الدفن في القبر قال تعالى {   وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور– الحج 7 }

ثم يقول تعالى :

(22) ثم إذا شاء أنشره (22)

وهنا :

(ثم)

أي أنه يقول تعالى { ثمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ- المؤمنون 16 } .وهذا البعث هو يوم النشور الذي قال تعالى فيه هنا { ثم إذا شاء أنشره } وهذا للمؤمنين الذين ماتوا  على الإسلام والإيمان وأما الذين ماتوا على الكفر فلا هم أحياء ولا أموات كما في قوله تعالى { ثم لايموت فيها ولا يحيا – } لذلك قال تعالى هنا { ثم إذا شاء أنشره }

وأما :

(إذا شاء)

وهنا ييقول تعالى { نحن خلقناهم وشددنا أسرهم وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا – الإنسان 28 } وهذا الخلق بعث جديد قال تعالى فيه تعالى هنا { نحن خلقناهم وشددنا أسرهم وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا – الإنسان 28 } والله تعالى يخلق ما يشاء في الدنيا لقوله تعالى { هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء – آل عمران 6} وقال تعالى أيضاً { في أي صورة ما شاء ركبك – الإنفطار 8 }

وهو يخلق ما يشاء سبحانه وتعالى في الدنيا والآخرة كما في قوله تعالى { يخلق ما يشاء والله على كل شيء قدير – المائدة 17 } . ولذلك يقول تعالى هنا { ثم إذا شاء أنشره } .

وأما :

(أنشره)

[ ونشر الله تعالى الميت أحياه من بعد الموت ] قال تعالى { والذي نزل من السماء ماء بقدر فأنشرنا به بلدة ميتا كذلك تخرجون – الزخرف 11 }  وهذا الخروج وإحياء الأجساد وخروجها من الأرض من بعد الموت هو النشور قال تعالى { والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور – فاطر 9 } والنشور إليه تعالى وبأمره عز وجل كما في قوله تعالى { هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور – الملك 15 } فإذا كان يوم القيامة أخرجهم من خلقهم من الأجداث أو القبور كأنهم جراد منشر قال تعالى فيه {  خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر – القمر 7 } .

ثم يقول تعالى :

(23) كلا لما يقضي ما أمره (23)

وهنا :

(كلا)

أي أنه يقول تعالى { كلا إنه تذكره فمن شاء ذكره – المدثر 54-55 }  وهنا يبين تعالى أنه لن يدخل الجنة ولن يبدل الله تعالى أجسادهم بالخلق الجديد ليدخلوا الجنة إلا إذا قضوا ما أمرهم الله تعالى به وعملوا به وفق ما قضاه تعالى في كتابه الكريم لذلك يقول تعالى هنا {  كلا لما يقضي ما أمره } .

وأما :

(لما)

أي أنه يقول تعالى هنا {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة و لما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين – البقرة 142 } . والجهاد هنا في طاعة الله تعالى لذلك قال تعالى { كلا لما يقضي ما أمره } . ثم يبين تعالى أن هناك مكذبين بهذا القضاء وهذا الحق المنزل على رسوله لذلك قال تعالى { فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون – الأنعام 5 }  وفي آخر الزمان أيضاً يكذبون بعلم وتأويل إمام أهل بيت النبي عليهم السلام لقوله تعالى { بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه و لما يأتهم تأويله كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين – يونس 39 }

ولذلك قال تعالى هنا بعصهم وإحيائهم لدخول الجنة خاضع لمشيئة الله أولاً ثم عملهم مبا قضاه الله تعالى في كتابه الكريم قال تعالى هنا { ثم أماته فأقبره ثم إذا شاء أنشره كلا لما يقضي ما أمره } .

وأما :

(يقضي ما أمره)

وما أمر الله تعالى به هنا ولايته عز وجل ثم ولاية رسله وأنبيائه ثم إمامة أهل بيت النبي عليهم السلام ولا خيار لمخلوق في هذا القضاء الإلهي الذي قال تعالى فيه { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا – الأحزاب 36 } وهذا الخيار لا لمخلوق فيه خيار لأنه قضاء واختيار إلهي اصطفى به هذه الشجرة الطيبة التي اولها نبي الله آدم وآخرها وخاتمها سيدنا محمد ثم الأئمة من أهل بيته عليهم السلام وخاتمهم المهدي ثم القيامة لذلك قال تعالى { وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون – القصص 68}   . وهذا هو المقصود من قوله تعالى هنا { كلا لما يقضي ما أمره } .

ثم يقول تعالى :

(24) فلينظر الإنسان إلى طعامه (24)

وهنا :

(فلينظر)

وهنا يبين تعالى أن الدعوة للنظر دعوة للتدبر والتفكر في خلق الله تعالى للإيمان به قال تعالى { قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون – يونس 101 } ولذلك قال تعالى { فلينظر الإنسان مم خلق خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب إنه على رجعه لقادر – الطارق } وقال تعالى أيضاً هنا {  فلينظر الإنسان إلى طعامه – عبس 24 } .

وأما :

(الإنسان)

وهنا يقول تعالى للإنسان واعظاً إياه في كتابه الكريم فيقول { يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ماشاء ركبك  – الإنفطار6-8 } ويقول تعالى ىلهذا الانسان أنك ملاقي ربك للحساب قال تعالى { يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه – الانشقاق 6 } ويقول تعالى للكثير من الناس ممن تركوا العمل بكتابه الكريم { أيحسب الإنسان أن يترك سدى – القيامة 36 } ثم يدعوه تعالى هنا للتفكر في خلقه وحكمته تعالى لعلهم يهتدون قال تعالى { فلينظر الإنسان مما خلق خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب – الطارق } ويقول تعالى له هنا أيضا ليدزهم للتفكر فيقول تعالى { فلينظر الإنسان إلى طعامه أنا صببنا الماء صبا ثم شققنا الأرض شقا فأنبتنا فيها حبا وعنباً وقضبا وزيتوناً ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة أبا متاعاً لكم ولأنعامكم – عبس 28-32} .

ثم يقول تعالى :

(25) أنا صببنا الماء صبا (25)

 (أنا صببنا الماء)

أي أنه يقول تعالى { أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون – السجدة 27 } وهذاا الزرع ينبت هنا بصب الماء على الأرض كما في الآية هنا { أنا صببنا الماء صبا} .

وأما :

(صببنا الماء صبا)

[ وصبه أراقه من أعلى ] قال تعالى { يصب من فوق رؤوسهم الحميم – الحج 19 } وصب الماء هنا من السماء إلى الأرض قال تعالى { أنا صببنا الماء صبا } .

ثم يقول تعالى :

(26) ثم شققنا الأرض شقا (26)

وهنا :

(ثم )

وشق الأرض وخروج بني آدم منها كما تنبت الأرض ورد في قوله تعالى  { والله أنبتكم من الأرض نباتا ثم يعيدكم فيها ويخرجكم منها إجراجا }

وأما :

(شققنا الأرض شقا )

وهنا يبين تعالى هنا أن الأرض تنشق ويخرج منها النبات في قوله تعالى { أنا شققنا الأرض شقا فأنبتنا فيها حبا – عبس }

و كما تنشق الأرض فيخرج منها الزرع مختلف ألوانه كذلك يبعثهم الله تعالى الخلق فتنبت أجسادهم كما ينبت النبات قال تعالى { يَوْمَ تَشَقَّقُ الأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ – الفرقان 44 } .

ثم يقول تعالى :

(27) فأنبتنا فيها حبا (27) وعنباً وقضبا (28) وزيتوناً ونخلا (29)

وهنا يبين تعالى مختلف الزروع التي تنبت بهذا الماء النازل من السماء فتنشق به الأرض مخرجة زرعاً مختلفاً ألوانه وأنواع ومذاقه قال تعالى في الحبوب التي هى سنابل { مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم – البقرة 261  } وهذه الحبوب والزروع تنبت بماء أنزله الله تعالى من السماء قال تعالى

{ وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون – الأنعام 99 } وقال تعالى أيضاً : { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (ترعى به دوابكم)  يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ – النمل 10-11 } .

وأما :

(وقضبا)

[ وقضب الشيئ : قطعه ويقال هو البرسيم الحجازي لقطعه وقضبه عدة مرات وكل مرة ينطبق عليه هذه الصفة بأن يحش فينبت للأكل مرة أخرى فهو قضب- معجم ألفاظ القرآن باب القاف فضل الضاد والباء ] قال تعالى { فأنبتنا فيها حبا و عنباً وقضبا – عبس  27- 28 } . وهذا من الألفاظ التي ليس لها مرادف في كتاب الله فتبين باللغة العربية .

ثم يقول تعالى :

(30) وحدائق غلبا (30)

وهنا :

(حدائق)

حدائقُ جمع حديقة وهى [ روضة، بستان، كلّ أرض ذات شجر وأزهار محدّدة أو محاطة بحاجز “زرع في حديقته أنواعًا نادرة من الأزهار] قال تعالى { أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أئله مع الله بل هم قوم يعدلون  – النمل 60 } .

وأما :

(غلبا)

[ وغلبا : جمع غلباء وهى الحدائق الملتفة فإذا غلبت الحدائق ما حولها فهى غلباء ] قال تعالى في الغلبة  { ربنا غلبت علينا شقوتنا – المؤمؤن 106 } أي غلبت عليهم أهوائهم وكذلك إذا غلبت غلبت الحدائق هنا أصبحت حدائق غلبا قال تعالى { وحدائق غلبا}  .

ثم يقول تعالى :

(31) وفاكهة وأبا (31)

وهنا :

(وفاكهة)

هذه هى فاكهة الدنيا التي قال تعالى فيها { وفاكهة وابا } وهذه الفاكهة فياآلآخرة جعلها الله تعالى للمتقين الذين ماتوا على الإسلام وعلى طاعة الرحمن قال تعالى { إن المتقين في ظلال وعيون وفواكه مما يشتهون – المرسلات 42  } وقال تعالى {  مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ – ص 51 } .

وأما :

(وأبا)

[ الأب : الكلاء والمرعى للأنعام والبهائم ] قال تعالى { وفاكهة وأبا متاعاً لكم ولأنعامكم – عبس } وهذا اللفظ مما ليس له مرادف في كتاب الله .

ثم يقول تعالى :

(32) متاعاً لكم ولأنعامكم (32)

وهذه الآية مكررة بتمامها في قوله تعالى { أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ  فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَىٰ  – النازعات 31-34 }  أي أن الفاكهة والآب متاعاً للإنسان والأنعام كما في قوله تعالى هنا  { وفاكهة وأبا متاعاً لكم ولأتعامكم – عبس 31-32}

 ثم يقول تعالى :

(33) فإذا جاءت الصاخة (33)

وهنا :

(فإذا جاءت)

أي أنه يقول تعالى { فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَىٰ يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَىٰ وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَىٰ فَأَمَّا مَن طَغَىٰ وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَىٰ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ – النازعات 34-41} . والطامة أطلق هذا الإسم على يوم القيامة [ .. التي تطم على كلّ هائلة من الأمور، فتغمر ما سواها بعظيم هولها، وقيل: إنها اسم من أسماء يوم القيامة.- تفسير الطبري ] . وهذا اليوم هو يوم الصاخة كما في الآية هنا { فإذا جاءت الصاخة } . [ والصاخة صيحة يوم القيامة تصمُّ مِن هولها الأسماع – التفسير الميسر].

وأما :

(الصاخة)

[ والصاخة الضرب بشيء صلب على شيئ مصمت والصاخة شدة الصوت ذي النطق لأنها تصخ الأسماع وهو الصوت الشديد يؤثر في الأذن والقلب – معجم ألفاظ القرآن باب الصاد فصل الخاء والخاء ] . قال تعالى { فإذا جاءت الصاخة – عبس 33 } وهذه الصاخة صفة من صفات يوم القيامة كالظامة الكبرى والقارعة والحاقة …إلخ صفات يوم القيامة إلا أن كل اسم له مضمون ومعنى كلها اجتمعت في تسلسل أحداث إنطباق السماء على الأرض كما في قوله  تعالى { يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين – الأنبياء 104} . وهنا يركض كل بني آدم هرباً من هول الموقف قال تعالى { فلما أحسوا بأسنا إذا هم يركضون – الأنبياء 12 } وهنا يقول الإنسان أين المفر لا مفر في هذا اليوم من لقاء الله تعالى كما في قوله عز وجل { يقول الإنسان يومئذ أين المفر كلا لا وزر إلى ربك يومئذ المستقر – القيامة 10-12 } .

ثم يقول تعالى :

(34) يوم يفر المرء من أخيه (34) وأمه وأبيه (35) وصاحبته وبنيه (36)

وهنا :

(يوم)

{ إنا أنذرناكم عذابا قريبا يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا – النبأ 40 } وفي هذا اليوم يفر المرء من أخيه وأمه وابيه وصاحبته وبنيه كما في قوله تعالى هنا{ يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه }

وأما :

(يفر)

وهنا يأمر الله تعالى بني آدم بأن يفروا من المعاصي إلى طاعة الله قال تعالى { ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين – الذاريات 50 } وهذا لأنهم يوم القيامة سيفر كلمنهم من أقرب الناس إليه كي ينجوا من عذاب الله تعالى { يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ – عبس 34-37 } .

(المرء)

والمرء [: الْمَرْءُ عِنْدَ التَّعْرِيفِ، وامْرُؤٌ عِنْدَ التَّنْكِيرِ، بِكَسْرِ هَمْزَةِ الوَصْلِ: جمع: رِجَالٌ مِنْ غَيْرِ لَفْظِهِ مُؤَنَّثُهُ امْرَأَةٌ عِنْدَ التَّنْكِيرِ، وَالْمَرْأَةُ عِنْدَ التَّعْرِيفِ جمع: نِساءٌ وَنِسْوَةٌ (مِنْ غَيْرِ لَفْظِهِ)إنّما المَرْءُ حديثٌ بعده: الحثّ على حسن العمل والتّعامل،المرء كثير بأخيه: الحثّ على الاتّحاد والاتّفاق ] .

يقول تعالى { إنا أنذرناكم عذابا قريبا يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا – النبأ 40 } فإذا نظر إلى ما قدمت يداه قال نفسي نفسي وهنا يفر من أخيه وأمة وابيه كما في الآية هنا { يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ – عبس 34-37 } .

وأما :

(من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه)

وهؤلاء هم المجرمين الذين ماتوا على كفر ونفاق وعصيان لله تبارك وتعالى وقال فيهم { يُبَصَّرُونَهُمْ ۚ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ كَلَّا ۖ إِنَّهَا لَظَىٰ نَزَّاعَةً لِّلشَّوَىٰ تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّىٰ وَجَمَعَ فَأَوْعَىٰ – المعارج 11-18 } وهنا يبين تعالى حتى أمه وأبيه وبنيه سيفر منهم من سوء العذاب وهول هذا اليوم قال تعالى {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ – عبس 34-37 } .

ثم يقول تعالى :

(37) لكل امرء يومئذٍ شأن يغنيه (37)

وهنا :

(لكل امرئ)

أي أنه يقول تعالى { كل امرئ بما كسب رهين – الطور 21 } أي كل إنسان مرهون بعمله, لا يحمل ذنب غيره من الناس لذلك يقول تعالى هنا { لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه – عبس 37 } .

وأما :

(يومئذٍ)

أي أنه في هذا اليوم يقول تعالى فيه { وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد – إبراهيم 49 } وفي هذا اليوم لا تنفعهم معذرة ولا شفاعة ولا هم يستعتبون قال تعالى { فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون – الروم 57 } وفي ذلك اليوم لا تملك نفس لنفس شيئا لقوله تعالى {   يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله – الإنفطار 19 }  ولذلك قال تعالى هنا عن فرارهم من أقرب الأقرباء إليهم نسباً { لكل امرئ منهم يومئذٍ شأن يغنيه }

وأما :

(شأن)

و[ الشأن : الحال ] قال تعالى { فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم – النور 62 }

و شأن الله تعالى أنه كان شهيداً عليهم عز وجل في الدنيا قال تعالى { وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين – يونس 61 } ويوم القيامة ينبئهم الله تعالى بما عملوا لذلك {لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه} أي حال يغنيه عن غيره من شدة هذا اليوم عسر. ولذلك يقولون { مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر  -القمر 8 } .

وأما :

(يغنيه)

وشأن يغنيه أي أنه في هذا اليوم لا يغني والد عن ولده شيئاً ولا مولود هو جاز عن والده قال تعالى

{ يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا ولا هم ينصرون – الدخان 41 } أي لا يجزي  مولى عن مولى شيئا ولا والد عن ولده قال تعالى { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا ۚ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ – لقمان 33 } . أي { لكل امرئ منهم يومئذٍ شأن يغنيه } .

 ثم يقول تعالى :

(38) وجوه يومئذٍ مسفرة (38)

 وهنا :

(وجوه يومئذٍ)

وهذه هى وجوهأهل الجنة الذين قال تعالى فيهم : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ لَّا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ – الغاشية 8-16 } وهؤلاء هم أصحب الوجوه المسفة هنا كما في قوله تعالى  {وجوه يومئذ مسفة ضاحكة مستبشرة – عبس }

وأما :

(مسفرة)

أي أنها وجوه ناضرة مستبشره مشرقة وذلك لأنها عملت بالصحف المكرمة وفق ما أمر الله تعالى لقوله عز وجل { كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاءَ ذَكَرَهُ فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَة بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ – عبس 11-16 } ومن عمل بهذه الصحف المطهرة سيأتي يوم القيامة وجهه مسفراً مستبشراً ضاحكا كما في الآية هنا { وجوه يومئذٍ مسفرة ضاحكة مستبشرة } يسعى نورهم بين أيديهم كما في قوله تعالى { يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم – الحديد12 } .

ثم يقول تعالى :

(38) ضاحكة مستبشرة (38)

وهنا :

(ضاحكة)

أي أنهم يضحكون من الكفار في الآخرة كما استهزءوا بالمؤمنين في الدنيا وكانوا منهم يضحكون كماا في قوله تعالى { إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ  وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَىٰ أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَٰؤُلَاءِ لَضَالُّونَ – المطففين 29-32 } ولذلك قال تعالى في يوم القيامة { فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ – المطففين 34-36 } وهذا هو معنى {ضاحكة مستبشرة } .

وأما :

(مستبشرة)

وهنا : [ بشَّر النَّاسَ: أنبأهم بخبر سارٍّ فأسعدهم :- {يَازَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ اسْمُهُ يَحْيَى} – {وَمِنْ ءَايَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ}: حاملات للسُّحب المُمطِرة.بشَّر النَّاسَ: بلَّغهم وأخبرهم :- (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا)بشَّر النَّاسَ: توعّدهم بما ينطوي على معنى التهكّم ( فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) ] .

وأول بشارة بشرها الله تعالى للمؤمنين في الدنيا بالجنة إن أسلموا لله تعالى لذلك قال تعالى {   وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون – البقرة 25} فإن أسلموا مع رسول الله أو الإمام من أهل بيت النبي عليهم السلام فقد بشرهم الله تعالى بأن بيعتهم بيعة لله تعالى وجزاؤهم الجنة وهى الفوز العظيم  قال تعالى { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم – التوبة 111 } فإذا استشهدوا استبشروا بمن لم يلحقوا بهم قال تعالى { فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون  – آل عمران 170}  وهؤلاء يستبشرون بنعمة من الله وفضل قال تعالى فيه { يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين- آل عمران 171 } . ولذلك قا تعالى هنا {ضاحكة مستبشرة } .

ثم يقول تعالى :

(39) ووجوه يومئذ عليها غبرة (39)

وهنا :

(وجوه يومئذٍ)

أي أن وجوهأهل النار قال تعالى فيهم {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَة تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ – القيامة } [ وباسرة : كاشرة أو مسودة كالحة ، يقال : بسرت وجهه أبسره بسرا : إذا فعلت ذلك ، وبسر وجهه فهو باسر بين البسور – تفسير الطبري ] وفاقرة : داهية .وهنا يبين تعالى أن هؤلاء وجوههم عليها غبرة .

وأما :

(عليها غبرة)

والغبار: ما تبقى من تراب قال تعالى { وجوه يومئذٍ عليها غبرة – عبس } والغابرين هم الذين هلكوا في الأرض ورحلوا في الآخرة بغبارهم كقوله تعالى في امرأة لوط { إلا امرأتك كانت من الغابرين– العنكبوت 33 } وفي الآخرة يبعثون ووجوههم عليها غبرة .

ثم يقول تعالى :

(40) ترهقها قترة (40 )

 وهنا :

(ترهقها)

[ وأرهقه غشاه وذله وقهره ]  قال تعالى { فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفرا – الكهف 80} ورهق من التعب والإجهاد قال تعالى { ولا ترهقني من أمري عسرا – الكهف 73 } والذين ماتوا على الكفر والنفاق والسيئات قال تعالى فيهم { والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون – يونس 27 }  وهذا الإرهاق وهذه الذلة في الآخرة لتركهم الطاعة لله تعالى في الدنيا وهم سالمون قال تعالى {خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون – القلم 43 }

 وأما :

(قترة)

[ والقتر : التضييق على العيال في النفقة قال تعالى { لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين – البقرة 236 } والمؤمنون في الآخرة لا يرهقهم قتر ولا ذلة قال تعالى { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون – يونس 26 } وأما الكفرة الفجرة فهم الذين يرهقهم الله تعالى بالقتر والذلة كما في قوله تعالى { ووجوه يومئذٍ عليها غبرة ترهقها قترة أولائك هم الكفرة الفجرة – عبس 39-42 } .

ثم يقول تعالى في هؤلاء :

(43)أولائك هم الكفرة الفجرة (43)

وهنا :

(أولائك هم الكفرة)

وهؤلاء هم الذين تركوا العمل بكتاب الله تعالى والتحاكم له قاال تعالى { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولائك هم الكافرون – المائدة } . وهؤلاء منهم المنافقون الذين قال تعالى فيهم { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ ۛ  – المائدة 41}

وهؤلاء هم الذين تولوا غير الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام وتولوا آبائهم وأجدادهم وقبائلهم قال تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون –التوبة 23 } .

وأما :

(الفجرة)
: والفاجر : العاصي والكافر لأن الفجور فتح وانبعاث في المعاصي قال تعالى { ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها – الشمس 8 }  والفجار في جحيم لقوله تعالى { إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم – الإنفطار 14 } وهؤلاء الفجار المفسدون في الأرض لا يستوون بالمؤمنين في الدنيا ولا الآخرة قال تعالى { أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار – ص 28 } وهنا ورد في أسباب النزول : [ عن علي (عليه السلام) نزلت هذه الآية في ثلاثة من المسلمين وهم المتقون الذين عملوا الصالحات وفي ثلاثة من المشركين وهم المفسدون الفجار فأما الثلاثة المسلمين فعلي بن اب يطالب  وحمزة بن عبد المطلب و عبيد بن الحارث بن عبد المطلب وهم بارزوا يوم بدر فقتل علي الوليد وقتل حمزة عتبة وقتل عبيدة شيبة– شواهد التنزيل ج 2ص 171-172 ] .

وعلى ذلك الكفرة الفجرة هم أعداء الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام وهؤلاء لا يستوون بالمؤمنين الذين تولوا الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام . أهـ

هذا وبالله التوفيق وما توفيقي إلا بالله

عليه توكلت وإليه أنيب وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .

انتهى العمل من هذه السورة الكريمة

في 11 ذو الحجة سنة 1420هـ الموافق 17 مارس سنة 2000 م .

خالد محيي الدين الحليبي

 

(23)

قيل في إعجاز هذه السورة العددي :

[ – عدد كلمات سورة القدر 30 كلمة بعدد أجزاء القرآن الكريم. وعدد أحرف السورة 114 بعدد سور القرآن الكريم.

  • وكلمة(هي) في الآية رقم 27 والمرجح أنها ليلة القدر .
  • وكلمة القدر تكررت في أرقام5-10-12 وعند جمعهم 5+10+12= 27
  • وعدد حروف ليلة القدروتكرر ثلاث مرات وحاصل ضرب 3فى9هو27

 إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ] .

أسباب نزول السورة والأحادديث التي روويت فيها :

تفسير الدر المنثور :

[ أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: نزلت سورة { إنا أنزلناه في ليلة القدر } بمكة.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس وعائشة مثله.

وأخرج ابن الضريس وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله: { إنا أنزلناه في ليلة القدر } قال: أنزل القرآن في ليلة القدر جملة واحدة من الذكر الذي عند رب العزة حتى وضع في بيت العزة في السماء الدنيا ثم جعل جبريل ينزل على محمد بحراء بجواب كلام العباد وأعمالهم.

وأخرج عبد بن حميد عن الربيع بن أنس { إنا أنزلناه في ليلة القدر } قال: أنزل الله القرآن جملة في ليلة القدر كله { ليلة القدر خير من ألف شهر } يقول: خير من عمل ألف شهر.

وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير ومحمد بن نصر وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإِيمان عن مجاهد { إنا أنزلناه في ليلة القدر } قال: ليلة الحكم.
وأخرج عبد بن حميد عن أنس قال: العمل في ليلة القدر والصدقة والصلاة والزكاة أفضل من ألف شهر.
وأخرج ابن جرير عن عمرو بن قيس الملائي في قوله: { ليلة القدر خير من ألف شهر } قال: عمل فيها خير من عمل في ألف شهر  .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير ومحمد بن نصر وابن المنذر عن قتادة في قوله: { ليلة القدر خير من ألف شهر } قال: خير من ألف شهر ليس فيها ليلة القدر وفي قوله: { تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر } قال: يقضي فيها ما يكون في السنة إلى مثلها { سلام هي } قال: إنما هي بركة كلها وخير { حتى مطلع الفجر } يقول: إلى مطلع الفجر.
وأخرج مالك في الموطأ والبيهقي في شعب الإِيمان عنه أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أري أعمال الناس قبله أو ما شاء الله من ذلك، فكأنه تقاصر أعمار أمته أن لا يبلغوا من العمل مثل ما بلغ غيرهم في طول العمر، فأعطاه الله ليلة القدر خيراً من ألف شهر.

وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال: كان في بني إسرائيل رجل يقوم الليل حتى يصبح، ثم يجاهد العدوّ بالنهار حتى يمسي، ففعل ذلك ألف شهر فأنزل الله { ليلة القدر خير من ألف شهر } قيام تلك الليلة خير من عمل ذلك الرجل ألف شهر.

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن مجاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر رجلاً من بني إسرائيل لبس السلاح في سبيل الله ألف شهر، فعجب المسلمون من ذلك، فأنزل الله { إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر } التي لبس فيها ذلك الرجل السلاح في سبيل الله ألف شهر.

وأخرج ابن أبي حاتم عن علي بن عروة قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً أربعة من بني إسرائيل عبدوا الله ثمانين عاماً لم يعصوه طرفه عين، فذكر أيوب وزكريا وحزقيل بن العجوز ويوشع بن نون، فعجب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك فأتاه جبريل، فقال: يا محمد عجبت أمتك من عبادة هؤلاء النفر ثمانين سنة، فقد أنزل الله خيراً من ذلك، فقرأ عليه { إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر } هذا أفضل مما عجبت أنت وأمتك، فسر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه.
وأخرج الخطيب في تاريخه عن ابن عباس قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني أمية على منبره، فساءه ذلك فأوحى الله إليه إنما هو ملك يصيبونه، ونزلت { إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر }.

وأخرج الخطيب عن ابن المسيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” أرأيت بني أمية يصعدون منبري، فشق ذلك عليّ فأنزل الله { إنا أنزلناه في ليلة القدر }  “.

وأخرج الترمذي وضعفه وابن جرير والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن يوسف بن مازن الرؤاسي قال: قام رجل إلى الحسن بن علي بعدما بايع معاوية فقال: سوّدت وجوه المؤمنين، فقال: لا تؤنبني رحمك الله، فإن النبي صلى الله عليه وسلم رأى بني أمية يخطبون على منبره فساءه ذلك، فنزلت{ إنا أعطيناك الكوثر }  [الكوثر: 1] يا محمد يعني نهراً في الجنة ونزلت { إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر } يملكها بعدك بنو أمية، يا محمد: قال القاسم: فعددنا فإذا هي ألف شهر لا تزيد يوماً ولا تنقص يوماً.

وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن مجاهد في قوله: { إنا أنزلناه في ليلة القدر } قال: ليلة الحكم { وما أدراك ما ليلة القدر } قال: ليلة الحكم.

وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر ومحمد بن نصر وابن أبي حاتم عن مجاهد { ليلة القدر خير من ألف شهر } قال: خير من ألف شهر عملها أو صيامها وقيامها وليس في تلك الشهور ليلة القدر.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن قال: ما أعلم ليوم فضلاً على يوم ولا ليلة إلا ليلة القدر فإنها خير من ألف شهر.

وأخرج ابن المنذر عن الضحاك في قوله: { تنزل الملائكة والروح فيها } قال: الروح جبريل { من كل أمر سلام } قال: لا يحل لكوكب أن يرجم به فيها حتى يصبح.

وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد ومحمد بن نصر وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإِيمان عن مجاهد في قوله: { سلام هي } قال: سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءاً أو يعمل فيها أذى.

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس أنه كان يقرأ { من كل أمر سلام }.

وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن منصور بن زاذان قال: { تنزل الملائكة } من حين تغيب الشمس إلى أن يطلع الفجر يمرون على كل مؤمن يقولون: السلام عليك يا مؤمن.

وأخرج ابن المنذر عن الحسن في قوله: { سلام } قال: إذا كان ليلة القدر لم تزل الملائكة تخفق بأجنحتها بالسلام من الله والرحمة من لدن صلاة المغرب إلى طلوع الفجر.

وأخرج محمد بن نصر وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: { سلام } قال: تلك الليلة تصعد مردة الجن والشياطين وعفاريت الجن، وتفتح فيها أبواب السماء كلها، ويقبل الله فيها التوبة لكل تائب، فلذا قال: { سلام هي حتى مطلع الفجر } قال: وذلك من غروب الشمس إلى أن يطلع الفجر.

وأخرج محمد بن نصر عن سعيد بن المسيب أنه سئل عن ليلة القدر أهي شيء كان فذهب أم هي في كل عام؟ فقال: بل هي لأمة محمد ما بقي منهم اثنان.

وأخرج الديلمي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” إن الله وهب لأمتي ليلة القدر ولم يعطها من كان قبلهم “.
وأخرج عبد بن حميد عن عبدالله بن مكانس مولى معاوية قال: قلت لأبي هريرة: زعموا أن ليلة القدر قد رفعت، قال: كذب من قال ذلك. قلت: هي في كل رمضان أستقبله؟ قال: نعم. قلت: زعموا أن الساعة التي في الجمعة لا يدعو فيها مسلم إلا استجيب له قد رفعت. قال: كذب من قال ذلك، قلت: هي في كل جمعة استقبلها؟ قال: نعم.

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن ابن عمر أنه سئل عن ليلة القدر أفي كل رمضان؟ ولفظ ابن مردويه: أفي رمضان هي؟ قال: نعم، ألم تسمع إلى قول الله تعالى: { إنا أنزلناه في ليلة القدر } وقوله :{ شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن }  [البقرة: 185]

وأخرج أبو داود والطبراني عن ابن عمر قال: ” سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أسمع عن ليلة القدر فقال: هي في كل رمضان “.

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” التمسوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان “.

وأخرج ابن أبي شيبة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  ” تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر “.

وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير ومحمد بن نصر وابن مردويه ” اطلبوا ليلة القدر في العشر الأواخر “.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الفلتان بن عاصم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إني رأيت ليلة القدر ثم نسيتها، فاطلبوها في العشر الأواخر وتراً “.

وأخرج ابن جرير من طريق أبي ظبيان عن ابن عباس أنهم كانوا قعوداً في المجلس حين أقبل إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعاً حتى فزعنا لسرعته، فلما انتهى إلينا ثم سلم قال: ” جئت إليكم مسرعاً لكيما أخبركم بليلة القدر فنسيتها فيما بيني وبينكم، ولكن التمسوها في العشر الأواخر “.

وأخرج أحمد وابن جرير ومحمد بن نصر والبيهقي وابن مردويه عن عبادة بن الصامت أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر فقال: ”  في رمضان في العشر الأواخر فإنها في ليلة وتر في إحدى وعشرين، أو ثلاث وعشرين، أو خمس وعشرين، أو سبع وعشرين، أو تسع وعشرين، أو آخر ليلة من رمضان من قامها إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن أماراتها أنها ليلة بلجة صافية ساكنة ساجية لا حارة ولا باردة، كأن فيها قمراً ساطعاً، ولا يحل لنجم أن يرمى به تلك الليلة حتى الصباح، ومن أماراتها أن الشمس تطلع صبيحتها لا شعاع لها، مستوية، كأنها القمر ليلة البدر، وحرم الله على الشيطان أن يخرج معها يومئذ  “.

وأخرج ابن جرير في تهذيبه وابن مردويه عن جابر بن عبدالله قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم ” إني كنت رأيت هذه الليلة وهي في العشر الأواخر في الوتر، وهي ليلة طلقة بلجة لا حارة ولا باردة، كان فيها قمراً لا يخرج شيطانها حتى يضيء فجرها  “.

وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال: ” سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر قال: قد كنت علمتها ثم اختلست مني، وإنها في رمضان، فاطلبوها في تسع يبقين أو سبع يبقين أو ثلاث يبقين، وآية ذلك أن الشمس تطلع ليس لها شعاع، ومن قام السنة سقط عليها “.

وأخرج ابن أبي شيبة وابن زنجوية وابن نصر عن أبي عقرب الأسدي قال: أتينا ابن مسعود في داره فسمعناه يقول: صدق الله ورسوله، فسألته، فأخبرنا أن ليلة القدر في السبع من النصف الأخير، وذلك أن الشمس تطلع يومئذ بيضاء لا شعاع لها، فنظرت إلى السماء فإذا هي كما حدثت فكبرت.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير من طريق الأسود عن عبدالله قال: تحروا ليلة القدر ليلة سبع تبقى تحروها لتسع تبقى تحروها لإِحدى عشرة تبقى صبيحة بدر فإن الشمس تطلع كل يوم بين قرني شيطان إلا صبيحة ليلة القدر فإنها تطلع يومئذ بيضاء ليس لها شعاع.

وأخرج ابن زنجوية وابن مردويه بسند صحيح عن أبي هريرة قال  ” ذكرنا ليلة القدر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كم بقي من الشهر؟ قلنا: مضت اثنتان وعشرون وبقي ثمان. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مضت اثنتان وعشرون وبقيت سبع التمسوها الليلة الشهر تسع وعشرون “.
وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك عن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: ” التمسوا ليلة القدر في أول ليلة من رمضان، وفي تسعة، وفي إحدى عشرة، وفي أحدى وعشرين، وفي آخر ليلة من رمضان “.
وأخرج أحمد عن أبي هريرة ” عن النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر ” إنها آخر ليلة ” “.وأخرج محمد بن نصر عن معاوية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” التمسوا ليلة القدر آخر ليلة من رمضان “.
وأخرج محمد بن نصر عن أبي ذر قال: ” قلت يا رسول الله: أخبرني عن ليلة القدر أي شيء تكون في زمان الأنبياء ينزل عليهم فيها الوحي فإذا قبضوا رفعت أم هي إلى يوم القيامة؟ قال: بل هي إلى يوم القيامة. قلت يا رسول الله: في أي رمضان هي؟ قال: التمسوها في العشر الأول وفي العشر الأواخر. قال: ثم حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدث فاهتبلت غفلته فقلت: يا رسول الله أقسمت عليك تخبرني أو لما أخبرتني في أي العشر هي فغضب عليّ غضباً ما غضب عليّ مثله لا قبله ولا بعده فقال: إن الله لو شاء لأطلعكم عليها التمسوها في السبع الأواخر لا تسألني عن شيء بعدها “.
وأخرج البخاري وابن مردويه والبيهقي عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان “.

وأخرج مالك وابن أبي شيبة والطيالسي وأحمد والبخاري ومسلم وابن ماجة وابن جرير والبيهقي عن أبي سعيد الخدري قال: ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأوسط من شهر رمضان، فاعتكف عاماً حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي يخرج من اعتكافه فقال: من اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر وقد رأيت هذه الليلة ثم أنسيتها، وقد رأيتني أسجد من صبيحتها في ماء وطين، فالتمسوها في العشر الأواخر، والتمسوها في كل وتر. قال أبو سعيد: فمطرت السماء من تلك الليلة، وكان المسجد على عريش، فوكف المسجد. قال أبو سعيد: فأبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى جبهته وأنفه أثر الماء والطين من صبيحة إحدى وعشرين “.

وأخرج مالك وابن سعد وابن أبي شيبة وأحمد ومسلم وابن زنجويه والطحاوي والبيهقي عن عبدالله بن أنيس أنه سئل عن ليلة القدر فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول  “:  التمسوها الليلة وتلك الليلة ليلة ثلاث وعشرين “.

وأخرج مالك والبيهقي عن أبي النضر مولى عمر بن عبدالله بن أنيس الجهني قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله إني رجل شاسع الدار فمرني بليلة أنزلها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم  “: أنزل ليلة ثلاث وعشرين من رمضان “.

وأخرج البيهقي عن الزهري قال: قلت لضمرة بن عبد الله بن أنيس، ما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبيك ليلة القدر؟ قال: ” كان أبي صاحب بادية، قال: فقلت يا رسول الله مرني بليلة أنزل فيها؟ قال: ” انزل ليلة ثلاث وعشرين “. قال: فلما تولى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” اطلبوها في العشر الأواخر ”

“.وأخرج مالك والبخاري ومسلم والبيهقي عن ابن عمر أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رأوا ليلة القدر في السبع الأواخر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إني أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر “.

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والبخاري والبيهقي عن عبادة بن الصامت قال: خرج نبي الله صلى الله عليه وسلم وهو يريد أن يخبرنا بليلة القدر فتلاحى رجلان من المسلمين قال: ” خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى رجلان من المسلمين فلان وفلان فرفعت ، وعسى أن يكون خيراً لكم فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة “.

وأخرج الطيالسي والبيهقي عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج وهو يريد أن يخبر أصحابه بليلة القدر فتلاحى رجلان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” خرجت وأنا أريد أن أخبركم بليلة القدر فتلاحى رجلان فاختلجت مني فاطلبوها في العشر الأواخر في تاسعة تبقى أو سابعة تبقى أو خامسة تبقى “.
وأخرج البخاري وأبو داود وابن جرير والبيهقي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” التمسوها في العشر الأواخر من رمضان في تاسعة تبقى وفي سابعة تبقى وفي خامسة تبقى “.

وأخرج أحمد عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” التمسوها في العشر الأواخر في تاسعة وسابعة وخامسة “.

وأخرج الطيالسي وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والترمذي وصححه والنسائي وابن جرير والحاكم وصححه والبيهقي عن عبد الرحمن بن جوشن قال: ذكرت ليلة القدر عند أبي بكرة فقال: أما أنا فلست بملتمسها إلا في العشر الأواخر بعد حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

 

” التمسوها في العشر الأواخر لتاسعة تبقى أو سابعة تبقى أو ثالثة تبقى أو آخر ليلة ” فكان أبو بكرة رضي الله عنه يصلي في عشرين من رمضان كما كان يصلي في سائر السنة فإذا دخل العشر اجتهد.
وأخرج أحمد ومسلم وأبو داود والبيهقي من طريق أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” التمسوها في العشر الأواخر من رمضان فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة ” قلت يا أبا سعيد إنكم أعلم بالعدد منا. قال: أجل، قلت: ما التاسعة والسابعة والخامسة؟ قال: إذا مضت واحدة وعشرون فالتي تليها التاسعة، وإذا مضى الثلاث والعشرون، فالتي تليها السابعة، وإذا مضى خمس وعشرون فالتي تليها الخامسة.

وأخرج الطيالسي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” ليلة القدر أربع وعشرون “.

وأخرج أحمد والطحاوي ومحمد بن نصر وابن جرير والطبراني وأبو داود وابن مردويه عن بلال رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ليلة القدر ليلة أربع وعشرين .

وأخرج ابن سعد ومحمد بن نصر وابن جرير عن عبد الرحمن بن عسلة الصنابحي رضي الله عنه قال: ما فاتني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بخمس ليال توفي وأنا بالجحفة، فقدمت على أصحابه متوافرين فسألت بلالاً رضي الله عنه عن ليلة القدر فقال: ليلة ثلاث وعشرين.

وأخرج محمد بن نصر عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” التمسوا ليلة القدر في أربع وعشرين “.

وأخرج الطيالسي وابن زنجويه وابن حبان والبيهقي عن أبي ذر رضي الله عنه قال: ”  صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يقم بنا شيئاً من الشهر حتى إذا كانت ليلة أربع وعشرين السابع مما يبقى صلى بنا حتى كاد أن يذهب ثلث الليل، فلما كانت ليلة خمس وعشرين لم يصل بنا، فلما كانت ليلة ست وعشرين السابع مما بقي صلى بنا حتى كاد أن يتأطر الليل، فقلت يا رسول الله: لو نفلتنا بقية ليلتنا فقال: لا، إن الرجل إذا صلى مع الإِمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة، فلما كانت ليلة سبع وعشرين لم يصل بنا، فلما كانت ليلة ثمان وعشرين جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم واجتمع له الناس فصلى بنا حتى كاد أن يفوتنا الفلاح، ثم لم يصل بنا شيئاً من الشهر ” ، والفلاح السحور.

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن زنجويه وعبد بن حميد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن جرير وابن حبان وابن مردويه والبيهقي عن زر بن حبيش قال:

 

” سألت أبيّ بن كعب عن ليلة القدر قلت: إن أخاك عبدالله بن مسعود يقول: من يقم الحول يصب ليلة القدر، فحلف لا يستثني أنها ليلة سبع وعشرين. قلت: بم تقول ذلك أبا المنذر؟ قال: بالآية والعلامة التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إنها تصبح من ذلك اليوم تطلع الشمس ليس لها شعاع “. ولفظ ابن حبان: ” بيضاء لا شعاع لها كأنها طست ” “.

وأخرج محمد بن نصر وابن جرير والحاكم وصححه والبيهقي من طريق عاصم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان عمر رضي الله عنه يدعوني مع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ويقول: لا تتكلم حتى يتكلموا، فدعاهم فسألهم فقال: أرأيتم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر: ” التمسوها في العشر الأواخر وتراً أي ليلة ترونها؟ ” فقال بعضهم: ليلة إحدى وعشرين، وقال بعضهم: ليلة ثلاث، وقال بعضهم: ليلة خمس، وقال بعضهم: ليلة سبع. فقالوا: وأنا ساكت. فقال: ما لك لا تتكلم؟ فقلت: إنك أمرتني أن لا أتكلم حتى يتكلموا. فقال: ما أرسلت إليك إلا لتكلم فقال: إني سمعت الله يذكر السبع فذكر سبع سموات ومن الأرض مثلهن، وخلق الإِنسان من سبع، ونبت الأرض سبع. فقال عمر رضي الله عنه: هذا أخبرتني بما أعلم أرأيت ما لا أعلم؟ فذلك نبت الأرض سبع. قلت: قال الله عز وجل { شققنا الأرض شقاً فأنبتنا فيها حباً وعنباً وقضباً وزيتوناً ونخلاً وحدائق غلباً وفاكهة وأباً }  [عبس: 26] قال: فالحدائق غلباً الحيطان من النخل والشجر { وفاكهة وأبا } فالأب ما أنبتت الأرض مما تأكله الدواب والأنعام ولا تأكله الناس. فقال عمر رضي الله عنه لأصحابه: أعجزتم أن تقولوا كما قال هذا الغلام الذي لم يجتمع شؤون رأسه، والله إني لأرى القول كما قلت، وقد أمرتك أن لا تتكلم معهم.

وأخرج عبد الرزاق وابن راهويه ومحمد بن نصر والطبراني والبيهقي من طريق عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: دعا عمر رضي الله عنه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألهم عن ليلة القدر فاجتمعوا أنها في العشر الأواخر، فقلت لعمر: إني لأعلم وإني لأظن أي ليلة هي، قال: وأي ليلة هي؟ قال: سابعة تبقى من العشر الأواخر قال عمر رضي الله عنه: ومن أين علمت ذلك قلت: خلق الله سبع سموات وسبع أرضين وسبع أيام وإن الدهر يدور في سبع وخلق الإِنسان من سبع، ويأكل من سبع، ويسجد على سبعة أعضاء، والطواف بالبيت سبع، والجمار سبع لأشياء ذكرها.

فقال عمر رضي الله عنه، لقد فطنت لأمر ما فطنا له، وكان قتادة يزيد عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: ويأكل من سبع. قال: هو قول الله تعالى: { فأنبتنا فيها حباً وعنباً وقضباً } الآية.

وأخرج ابن سعد وعبد بن حميد عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يدني ابن عباس رضي الله عنهما، وكان ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فكأنهم وجدوا في أنفسهم فقال: لأريتكم اليوم منه شيئاً تعرفون فضله فسألهم عن هذه السورة{ إذا جاء نصر الله }  [النصر:1] فقالوا: أمر نبينا صلى الله عليه وسلم إذا رأى مسارعة الناس في الإِسلام ودخولهم فيه أن يحمد الله ويستغفره، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا ابن عباس ما لك لا تتكلم؟ فقال: أعلمه متى يموت. قال: { إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً } فهي آيتك من الموت فقال عمر رضي الله عنه: صدق والذي نفس عمر بيده ما أعلم منها إلا ما علمت. قال: وسألهم عن ليلة القدر فأكثروا فيها فقالوا: كنا نرى أنها في العشر الأوسط، ثم بلغنا أنها في العشر الأواخر، فأكثروا فيها، فقال بعضهم: ليلة إحدى وعشرين، وقال بعضهم: ثلاث وعشرين، وقال بعضهم: سبع وعشرين. فقال له عمر رضي الله عنه ما لك يا ابن عباس لا تتكلم؟ قال: الله أعلم. قال: قد نعلم أن الله أعلم، ولكني إنما أسألك عن علمك، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: إن الله وتر يحب الوتر خلق سبع سموات، وجعل عدد الأيام سبعاً، وجعل الطواف بالبيت سبعاً، والسعي بين الصفا والمروة سبعاً، ورمي الجمار سبعاً، وخلق الإِنسان من سبع، وجعل رزقه من سبع. قال: كيف خلق الإِنسان من سبع وجعل رزقه من سبع فقد فهمت من هذا شيئاً لم أفهمه؟ قال: قول الله { لقد خلقنا الإِنسان من سلالة من طين }  [المؤمنون: 12] إلى قوله { فتبارك الله أحسن الخالقين }  [المؤمنون: 14] ثم ذكر رزقه فقال{ أَنا صببنا الماء صباً }  [عبس: 26] إلى قوله{ وفاكهة وأباً }  [ عبس: 31] فالأبّ ما أنبتت الأرض للأنعام والسبعة رزق لبني آدم قال: لا أراها والله أعلم إلا لثلاث يمضين وسبع يبقين.

وأخرج أبو نعيم في الحلية من طريق محمد بن كعب القرظي رضي الله عنه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جلس في رهط من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين فذكروا ليلة القدر، فتكلم منهم من سمع فيها بشيء مما سمع، فتراجع القوم فيها الكلام، فقال عمر رضي الله عنه، ما لك يا ابن عباس صامت لا تتكلم؟ تكلم ولا يمنعك الحداثة.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: فقلت يا أمير المؤمنين: إن الله تعالى وتر يحب الوتر فجعل أيام الدنيا تدور على سبع، وخلق الإِنسان من سبع، وجعل فوقنا سموات سبعاً، وخلق تحتنا أرضين سبعاً، وأعطى من المثاني سبعاً، ونهى في كتابه عن نكاح الأقربين عن سبع، وقسم الميراث في كتابه على سبع، ونقع في السجود من أجسادنا على سبع، وطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكعبة سبعاً وبين الصفا والمروة سبعاً، ورمى الجمار سبع لإِقامة ذكر الله في كتابه فأراها في السبع الأواخر من شهر رمضان، والله أعلم، قال: فتعب عمر رضي الله عنه وقال: وما وافقني فيها أحد إلا هذا الغلام الذي لم يسر شؤون رأسه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” التمسوها في العشر الأواخر ” ثم قال: ” يا هؤلاء من يؤدي في هذا كأداء ابن عباس “.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” التمسوا ليلة القدر ليلة سبع وعشرين “.

وأخرج ابن أبي شيبة عن زر رضي الله عنه أنه سئل عن ليلة القدر فقال: كان عمر وحذيفة وناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يشكون أنها ليلة سبع وعشرين.

وأخرج ابن نصر وابن جرير في تهذيبه عن معاوية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” التمسوا ليلة القدر في آخر ليلة “.

وأخرج ابن أبي شيبة والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أتيت وأنا نائم في رمضان فقيل لي: إن الليلة ليلة القدر، فقمت وأنا ناعس، فتعلقت ببعض أطناب فسطاط رسول الله الله صلى الله عليه وسلم، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فنظرت في الليلة فإذا هي ليلة ثلاث وعشرين قال: فقال ابن عباس: إن الشيطان يطلع مع الشمس كل يوم إلا ليلة القدر، وذلك أنها تطلع يومئذ بيضاء لا شعاع لها.

وأخرج محمد بن نصر والحاكم وصححه عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان ليلة ثلاث وعشرين إلى ثلث الليل، ثم قمنا معه ليلة خمس وعشرين إلى نصف الليل، ثم قمنا معه ليلة سبع وعشرين حتى ظننت أنا لا ندرك الفلاح، وأنتم تسمون السحور، وأنتم تقولون ليلة سابعة ثلاث عشر، ونحن نقول ليلة سابعة سبع وعشرين أفنحن أصوب أم أنتم؟

وأخرج محمد بن نصر عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  ” التمسوا ليلة القدر في العشر الباقيات من شهر رمضان في الخامسة والسابعة والتاسعة .

وأخرج البخاري في تاريخه عن ابن عمر رضي الله عنه: سأل عمر رضي الله عنه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر فقال ابن عباس رضي الله عنهما: إن ربي يحب السبع { ولقد آتيناك سبعاً من المثاني }  [الحجر: 87] قال البخاري في إسناده نظر.

وأخرج الطيالسي وأحمد وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في ليلة القدر: ” إنها ليلة سابعة أو تاسعة وعشرين، وإن الملائكة في تلك الليلة في الأرض أكثر من عدد الحصى “.

وأخرج محمد بن نصر من طريق أبي ميمون عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إنها السابعة وتاسعة والملائكة معها أكثر من عدد نجوم السماء، وزعم أنها في قوله: أبي هريرة رضي الله عنه ليلة أربع وعشرين.

وأخرج محمد بن نصر وابن جرير والطبراني والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما ” أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله إني شيخ كبير يشق عليّ القيام فمرني بليلة لعل الله أن يوفقني فيها لليلة القدر، قال: ” عليك بالسابعة ” “.

وأخرج ابن أبي شيبة وابن منيع والبخاري في تاريخه والطبراني وأبو الشيخ والبيهقي عن حوّة العبدي قال: سئل زيد بن أرقم رضي الله عنه عن ليلة القدر فقال: ليلة سبع عشرة ما تشك ولا تستثن، وقال: ليلة نزل القرآن ويوم الفرقان يوم التقى الجمعان.

وأخرج الحرث بن أبي أسامة عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه قال: هي الليلة التي لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في يومها أهل بدر، يقول الله {  وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان }  [ الأنفال: 41] قال جعفر رضي الله عنه: بلغني أنها ليلة ست عشرة أو سبع عشرة.

وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة ومحمد بن نصر والطبراني وابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: التمسوا ليلة القدر لسبع عشرة خلت من رمضان، فإنها صبيحة يوم بدر التي قال الله: { وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان } وفي إحدى وعشرين وفي ثلاث وعشرين فإنها لا تكون إلا في وتر.
وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” اطلبوها ليلة سبع عشرة من رمضان وليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين ” ثم سكت.

وأخرج الطحاوي عن عبد الله بن أنيس رضي الله عنه أنه ” سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر فقال: ” تحروها في النصف الأخير ” ثم عاد فسأله فقال: ” إلى ثلاث وعشرين

وأخرج أحمد ومحمد بن نصر عن معاذ بن جبل رضي الله عنه   “.- الدر المثور للسيوطي ] .

 

تفسير البرهان :

[ عن أحمد بن الحسين، عن المختار بن زياد البصري، عن محمد بن سليمان، عن أبيه، عن أبي بصير، قال: كنت مع أبي عبد الله (عليه السلام)، فذكر شيئا من أمر الإمام إذا ولد، فقال: ” استوجب زيادة الروح في ليلة القدر “. فقلت له: جعلت فداك، أليس الروح جبرئيل؟ فقال: ” جبرئيل من الملائكة، و الروح [خلق] أعظم من الملائكة، أليس الله عز و جل يقول: { تَنَزَّلُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ } ؟ “.

–  .. عن سهل بن زياد، و محمد ابن يحيى، عن أحمد بن محمد، جميعا، عن الحسن بن العباس بن الحريش، عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام)، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ” بينا أبي (عليه السلام) يطوف بالكعبة إذا رجل معتجر، قد قيض له، فقطع عليه أسبوعه، حتى أدخله إلى دار جنب الصفا، فأرسل إلي، فكنا ثلاثة، فقال: مرحبا يا بن رسول الله، ثم وضع يده على رأسي، و قال: بارك الله فيك يا أمين الله بعد آبائه، يا أبا جعفر إن شئت فأخبرني، و إن شئت أخبرتك، و إن شئت سألتني، و إن شئت سألتك، و إن شئت فاصدقني، و أن شئت صدقتك، قال: كل ذلك أشاء.

قال: فإياك أن ينطق لسانك عند مسألتي بأمر تضمر لي غيره، قال: إنما يفعل ذلك من في قلبه علمان يخالف أحدهما صاحبه، و إن الله عز و جل أبي أن يكون له علم فيه اختلاف. قال: هذه مسألتي، و قد فسرت طرفا منها، أخبرني عن هذا العلم الذي ليس فيه اختلاف من يعلمه؟

قال: أما جملة العلم فعند الله جل ذكره، و أما ما لا بد للعباد منه فعند لأوصياء، قال: ففتح الرجل عجيرته، و استوى جالسا، و تهلل وجهه، و قال: هذه أردت، و لها أتيت، زعمت أن علم ما لا اختلاف فيه من العلم عند الأوصياء، فكيف يعلمونه؟

قال: كما كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) يعلمه، إلا أنهم لا يرون ما كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) يرى، لأنه كان نبيا، و هم محدثون، و إنه كان يفد إلى الله جل جلاله فيسمع الوحي، و هم لا يسمعون. فقال: صدقت يا بن رسول الله، سآتيك بمسألة صعبة، أخبرني عن هذا العلم ما له لا يظهر كما كان يظهر مع رسول الله (صلى الله عليه و آله) ؟

قال: فضحك أبي (عليه السلام)، و قال: أبى الله عز و جل أن يطلع على علمه إلا ممتحنا للايمان به، كما قضى على رسول الله (صلى الله عليه و آله) أن يصبر على أذى قومه، و لا يجاهدهم إلا بأمره، فكم من اكتتام قد اكتتم به، حتى قيل له:

{ فَٱصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْمُشْرِكِينَ }  [الحجر: 94]، و ايم الله أن لو صدع قبل ذلك لكان آمنا، و لكنه إنما نظر في الطاعة و خاف الخلاف، فلذلك كف، فوددت أن تكون عينك مع مهدي هذه الأمة، و الملائكة بسيوف آل داود بين السماء و الأرض، تعذب أرواح الكفرة من الأموات، و تلحق بهم أرواح أشباههم من الأحياء.

ثم أخرج سيفا، ثم قال: ها إن هذا منها. قال: فقال أبي: إي و الذي اصطفى محمدا على البشر، قال: فرد الرجل اعتجاره و قال: أنا إلياس، ما سألتك عن أمرك و بي منه جهالة، غير أني أحببت أن يكون هذا الحديث قوة لأصحابك، و سأخبرك بآية أنت تعرفها إن خاصموا بها فلجوا.

قال: فقال له أبي: إن شئت أخبرتك بها؟ قال: قد شئت. قال: إن شيعتنا إن قالوا لأهل الخلاف لنا: إن الله عز و جل يقول لرسوله (صلى الله عليه و آله): { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ } إلى آخرها، فهل كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) يعلم من العلم شيئا لا يعلمه في تلك الليلة، أو يأتيه به جبرئيل (عليه السلام) في غيرها؟ فإنهم سيقولون: لا، فقل لهم: فهل كان لما علم بد من أن يظهر؟ فيقولون: لا، فقل لهم: فهل كان فيما أظهر رسول الله (صلى الله عليه و آله) من علم الله عز ذكره اختلاف؟ فإن قالوا: لا، فقل لهم: فمن حكم بحكم الله فيه اختلاف، فهل خالف رسول الله (صلى الله عليه و آله)؟ فيقولون: نعم، فان قالوا: لا، فقد نقضوا أول كلامهم. فقل لهم: { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ٱللَّهُ وَٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ } [آل عمران: 7] فإن قالوا: من الراسخون في العلم؟ فقل: من لا يختلف في علمه.

فإن قالوا: فمن هو ذاك؟ فقل: كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) صاحب ذلك، فهل بلغ أو لا؟ فإن قالوا: قد بلغ، فقل: هل مات رسول الله (صلى الله عليه و آله) و الخليفة من بعده يعلم علما ليس فيه اختلاف؟ فإن قالوا: لا، فقل: إن خليفة رسول الله (صلى الله عليه و آله) مؤيد، و لا يستخلف رسول الله (صلى الله عليه و آله) إلا من يحكم بحكمه، و إلا من يكون مثله إلا النبوة، و إن كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) لم يستخلف في علمه أحدا، فقد ضيع من في أصلاب الرجال ممن يكون بعده.

فإن قالوا لك: فإن علم رسول الله (صلى الله عليه و آله) كان من القرآن، فقل: { حـمۤ * وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ * إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْراً مِّنْ عِنْدِنَآ إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ } [ الدخان: 1-5]. فإن قالوا لك:

لا يرسل الله عز و جل إلا إلى نبي. فقل: هذا الأمر الحكيم الذي يفرق فيه هو من الملائكة و الروح التي تنزل من سماء إلى سماء، أو من سماء إلى أرض. فإن قالوا: من سماء إلى سماء، فليس في السماء أحد يرجع من طاعة إلى معصية، فإن قالوا: من سماء إلى أرض، و أهل الأرض أحوج الخلق إلى ذلك، فقل: فهل: لهم: لا بد من سيد يتحاكمون إليه؟

فإن قالوا: فإن الخليفة هو حكمهم، فقل: { ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ }  إلى قوله :{ خَالِدُونَ }[البقرة: 257]، لعمري ما في الأرض و لا في السماء ولي لله عز و جل إلا و هو مؤيد، و من أيد لم يخطئ، و ما في الأرض عدو لله عز ذكره إلا و هو مخذول، و من خذل لم يصب، كما أن الأمر لا بد من تنزيله من السماء يحكم به أهل الأرض، كذلك و لا بد من وال، فإن قالوا: لا نعرف هذا، فقل لهم: قولوا ما أحببتم، أبى الله عز و جل بعد محمد (صلى الله عليه و آله) أن يترك العباد و لا حجة له عليهم “.

قال أبو عبد الله (عليه السلام): ” ثم وقف فقال: ها هنا- يا بن رسول الله- باب غامض، أ رأيت إن قالوا: حجة الله القرآن؟ قال: إذن أقول لهم: إن القرآن ليس بناطق يأمر و ينهى، و لكن للقرآن أهل يأمرون و ينهون، و أقول: قد عرضت لبعض أهل الأرض مصيبة ما هي في السنة و الحكم الذي ليس فيه اختلاف، و ليست في القرآن، أبي الله لعلمه بتلك الفتنة أن تظهر في الأرض و ليس في حكمه راد لها و لا مفرج عن أهلها.

فقال: ها هنا تفلجون يا بن رسول الله، أشهد أن الله عز و جل قد علم بما يصيب الخلق من مصيبة في الأرض أو في أنفسهم من الدين أو غيره، فوضع القرآن دليلا.

قال: فقال الرجل: هل تدري- يا بن رسول الله- القرآن دليل ما هو؟ قال أبو جعفر (عليه السلام): نعم، فيه جمل الحدود و تفسيرها عند الحكم، فقد أبى الله أن يصيب عبدا بمصيبة في دينه أو في نفسه أو في ماله ليس في أرضه من حكمه قاض بالصواب في تلك المصيبة.

قال: فقال الرجل: أما في هذا الباب فقد فلجتم بحجة، إلا أن يفتري خصمكم على الله فيقول: ليس لله عز ذكره حجة، و لكن أخبرني عن تفسير .

{ لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ } [ الحديد: 23] مما خص به علي (عليه السلام) { وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْ }  [الحديد: 23] قال: في أبي فلان و أصحابه، و واحدة مقدمة، و واحدة مؤخرة، لا تأسوا على ما فاتكم مما خص به علي (عليه السلام)، و لا تفرحوا بما آتاكم من الفتنة التي عرضت لكم بعد رسول الله (صلى الله عليه و آله). فقال الرجل:أشهد أ نكم أصحاب الحكم الذي لا اختلاف فيه. ثم قام الرجل و ذهب فلم أره “.

– و عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: ” بينا أبي جالس و عنده نفر إذ استضحك حتى اغرورقت عيناه دموعا، ثم قال: هل تدرون ما أضحكني؟ قال: فقالوا: لا. قال: زعم ابن عباس أنه من الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا، فقلت له: هل رأيت الملائكة- يا بن عباس- تخبرك بولايتها لك في الدنيا و الآخرة من الأمن من الخوف و الحزن؟ قال: فقال: إن الله تبارك و تعالى يقول:{ إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ }  [الحجرات: 10] و قد دخل في هذا جميع الأمة، فاستضحكت، ثم قلت: صدقت يا بن عباس، أنشدك الله، هل في حكم الله جل ذكره اختلاف؟ قال: فقال: لا.

فقلت: ما ترى في رجل ضرب رجلا أصابعه بالسيف حتى سقطت، ثم ذهب و أتى رجل آخر فأطار كفه، فأتي به إليك و أنت قاض، كيف أنت صانع؟ قال: أقول لهذا القاطع، أعطه دية كفه، و أقول لهذا المقطوع: صالحه على ما شئت و ابعث به إلى ذوي عدل. قلت: جاء الاختلاف في حكم الله عز ذكره، و نقضت القول الأول، أبى الله عز ذكره أن يحدث في خلقه شيئا من الحدود و ليس تفسيره في الأرض، اقطع قاطع الكف أصلا، ثم أعطه دية الأصابع، هذا حكم الله ليلة ينزل فيها أمره، إن جحدتها بعد ما سمعت من رسول الله (صلى الله عليه و آله) فأدخلك الله النار، كما أعمى بصرك يوم جحدتها علي بن أبي طالب (عليه السلام). قال: فلذلك عمي بصري، و قال: و ما علمك بذلك؟ فو الله إن عمي بصري إلا من صفقة جناح الملك، قال: فاستضحكت، ثم تركته يومه ذلك لسخافة عقله، ثم لقيته فقلت: يا بن عباس، ما تكلمت بصدق مثل أمس، قال لك علي بن أبي طالب (عليه السلام): إن ليلة القدر في كل سنة، و إنه ينزل في تلك الليلة أمر السنة، و إن لذلك الأمر ولاة بعد رسول الله (صلى الله عليه و آله)؟ فقلت: من هم؟ فقال : أنا و أحد عشر من صلبي أئمة محدثون.

فقلت: لا أراها كانت إلا مع رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فتبدى لك الملك الذي يحدثه. فقال: كذبت يا عبد الله، رأت عيناي الذي حدثك به علي، و لم تره عيناه، و لكن وعاه قلبه، و وقر في سمعه. ثم صفقك بجناحه فعميت.

ال: فقال ابن عباس: ما اختلفنا في شيء فحكمه إلى الله. فقلت له: فهل حكم الله في حكم من حكمه بأمرين؟ قال: لا. فقلت: ها هنا هلكت و أهلكت “.

–  وعنه: بهذا الإسناد، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: ” قال الله عز و جل في ليلة القدر: {  فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } [ الدخان: 4] يقول: ينزل فيها كل أمر حكيم، و المحكم ليس بشيئين، إنما هو شيء واحد، فمن حكم بما ليس فيه اختلاف فحكمه من حكم الله عز و جل، و من حكم بأمر فيه اختلاف فرأى أنه مصيب فقد حكم بحكم الطاغوت، إنه لينزل في ليلة القدر إلى ولي الأمر تفسير الأمور سنة سنة، يؤمر فيها في أمر نفسه بكذا و كذا، و في أمر الناس بكذا و كذا، و إنه ليحدث لولي الأمر سوى ذلك كل يوم من علم الله عز ذكره الخاص و المكنون العجيب المخزون مثل ما ينزل في تلك الليلة من الأمر ” ثم قرأ { وَلَوْ أَنَّمَا فِي ٱلأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَٱلْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }  [ الفرقان: 27] .

– و عنه: بهذا الاسناد، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: ” كان علي بن الحسين (صلوات الله عليه) يقول:{ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ } صدق الله عز و جل، أنزل [الله] القرآن في ليلة القدر { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ } ، قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): لا أدري. قال الله عز و جل: { لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } ليس فيها ليلة القدر. قال لرسول الله (صلى الله عليه و آله): و هل تدري لم هي خير من ألف شهر؟ قال: لا. قال: لأنها تنزل فيها الملائكة و الروح بإذن ربهم من كل أمر، و إذا أذن الله عز و جل بشيء فقد رضيه { سَلاَمٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ } يقول: تسلم عليك يا محمد ملائكتي و روحي بسلامي من أول ما يهبطون إلى مطلع الفجر.

ثم قال في بعض كتابه: { وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً }  [الأنفال: 25] في { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ } ، و قال في بعض كتابه: { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ أَفإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ ٱللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي ٱللَّهُ ٱلشَّاكِرِينَ }  [آل عمران: 144] يقول في الآية الأولى: إن محمدا حين يموت يقول أهل الخلاف لأمر الله عز و جل: مضت ليلة القدر مع رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فهذه فتنة أصابتهم خاصة، و بها ارتدوا على أعقابهم لأنهم إن قالوا: لم تذهب، فلا بد أن يكون الله عز و جل فيها أمر، و إذا أقروا بالأمر لم يكن له من صاحب الأمر بد “.

– و عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: ” كان علي (عليه السلام) كثيرا ما يقول: ما اجتمع التيمي و العدوي عند رسول الله (صلى الله عليه و آله) و هو يقرأ: { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ } بتخشع و بكاء، فيقولان: ما أشد رقتك لهذه السورة! فيقول رسول الله (صلى الله عليه و آله): لما رأت عيني و وعى قلبي، و لما يرى قبل هذا من بعدي، فيقولان: و ما الذي رأيت و ما الذي يرى؟ قال: فيكتب لهما في التراب { تَنَزَّلُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ }.

قال: ثم يقول: هل بقي شيء بعد قوله عز و جل: { كُلِّ أَمْرٍ }؟ فيقولان: لا، فيقول: هل تعلمان من المنزل إليه بذلك؟ فيقولان: أنت يا رسول الله. فيقول: نعم. فيقول: هل تكون ليلة القدر من بعدي؟ فيقولان: نعم، قال: فيقول: فهل ينزل ذلك الأمر فيها؟ فيقولان: نعم. فيقول: إلى من؟ فيقولان: لا ندري، فيأخذ برأسي و يقول: إن لم تدريا فادريا، هو هذا من بعدي، قال: فإن كانا ليعرفان تلك الليلة بعد رسول الله (صلى الله عليه و آله) من شدة ما يداخلهما من الرعب “.

– و عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: ” يا معشر الشيعة، خاصموا بسورة { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ } تفلجوا، فو الله إنها لحجة الله تبارك و تعالى على الخلق بعد رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و إنها لسيدة دينكم، و إنها لغاية علمنا. يا معشر الشيعة، خاصموا ب { حـمۤ وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ }  [ الدخان: 1-3] فإنها لولاة الأمر خاصة بعد رسول الله (صلى الله عليه و آله). يا معشر الشيعة، يقول الله تبارك و تعالى: { وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ }  [فاطر: 24]  “.

قيل: يا أبا جعفر، نذيرها محمد (صلى الله عليه و آله)؟ فقال: ” صدقت، فهل كان نذير و هو حي من البعثة في أقطار الأرض؟ “. فقال السائل: لا، قال أبو جعفر (عليه السلام): ” أ رأيت بعثه، أليس نذيره؟ كما أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) في بعثه من الله عز و جل نذير “.

فقال: بلى. قال: ” فكذلك لم يمت محمد إلا و له بعيث نذير “. قال: ” فإن قلت: لا، فقد ضيع رسول الله (صلى الله عليه و آله) من في أصلاب الرجال من أمته “. قال: و ما يكفيهم القرآن؟ قال: ” بلى، إن وجدوا له مفسرا “. قال: و ما فسره رسول الله (صلى الله عليه و آله)؟ قال: ” بلى، قد فسره لرجل واحد، و فسر للأمة شأن ذلك الرجل، و هو علي بن أبي طالب (عليه السلام) “.
قال السائل: يا أبا جعفر، كان هذا أمر خاص، لا يحتمله العامة؟ قال: ” أبى الله أن يعبد إلا سرا حتى يأتي إبان أجله الذي يظهر فيه دينه، كما أنه كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) مع خديجة (عليها السلام) مستترا حتى امر بالإعلان “.

قال السائل: فينبغي لصاحب هذا الدين أن يكتم؟ قال: ” أو ما كتم علي بن أبي طالب (عليه السلام) يوم أسلم مع رسول الله (صلى الله عليه و آله) حتى ظهر أمره؟ “. قال: بلى. قال: ” فكذلك أمرنا حتى يبلغ الكتاب أجله “.

– و عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: ” لقد خلق الله جل ذكره ليلة القدر أول ما خلق الدنيا، و لقد خلق فيها أول نبي يكون، و أول وصي يكون، و لقد قضى أن يكون في كل سنة ليلة يهبط فيها بتفسير الأمور إلى مثلها من السنة المقبلة، من جحد ذلك فقد رد على الله عز و جل علمه، لأنه لا يقوم الأنبياء و الرسل و المحدثون إلا أن تكون عليهم حجة بما يأتيهم في تلك الليلة مع الحجة التي يأتيهم بها جبرئيل (عليه السلام) “.

قلت: و المحدثون أيضا يأتيهم جبرئيل أو غيره من الملائكة (عليهم السلام)؟ قال: ” أما الأنبياء و الرسل (صلى الله عليهم) فلا شك، و لا بد لمن سواهم من أول يوم خلقت في الأرض إلى آخر فناء الدنيا أن يكون على ظهر الأرض حجة ينزل ذلك في تلك الليلة إلى من أحب من عباده، و ايم الله لقد نزل الروح و الملائكة بالأمر في ليلة القدر على آدم، و ايم الله ما مات آدم إلا و له وصي، و كل من بعد آدم من الأنبياء قد أتاه الأمر فيها، و وضع لوصيه من بعده، و ايم الله إن كان النبي ليؤمر فيما يأتيه من الأمر في تلك الليلة من آدم إلى محمد (صلى الله عليه و آله) أن أوص إلى فلان، و لقد قال الله عز و جل في كتابه لولاة الأمر من بعد محمد (صلى الله عليه و آله) خاصة: {  وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي ٱلأَرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } إلى قوله تعالى:{ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ }  [ النور: 55] .

يقول: أستخلفكم لعلمي و ديني و عبادتي بعد نبيكم، كما استخلف وصاة آدم من بعده حتى يبعث النبي الذي يليه { يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً }  [النور: 55] يقول: يعبدونني بإيمان لا نبي بعد محمد (صلى الله عليه و آله)، فمن قال غير ذلك { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } [النور: 55] فقد مكن ولاة الأمر بعد محمد (صلى الله عليه و آله) بالعلم، و نحن هم، فاسألونا فإن صدقناكم فأقروا، و ما أنتم بفاعلين، أما علمنا فظاهر، و أما إبان أجلنا الذي يظهر فيه الدين منا حتى لا يكون بين الناس اختلاف، فإن له أجلا من ممر الليالي و الأيام، إذا أتى ظهر، و كان الأمر واحدا.
و ايم الله، لقد قضى الأمر أن لا يكون بين المؤمنين اختلاف، و لذلك جعلهم شهداء على الناس ليشهد محمد (صلى الله عليه و آله) علينا، و لنشهد على شيعتنا، و لتشهد شيعتنا على الناس، أبى الله عز و جل أن يكون في حكمه اختلاف أو بين أهل علمه تناقض “.

ثم قال أبو جعفر (عليه السلام) : ” فضل إيمان المؤمن بجملة { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ } و تفسيرها، على من ليس مثله في الإيمان بها، كفضل الإنسان على البهائم، و إن الله عز و جل ليدفع بالمؤمنين بها عن الجاحدين لها في الدنيا لكمال عذاب الآخرة لمن علم أنه لا يتوب منهم ما يدفع بالمجاهدين عن القاعدين، و لا أعلم أن في هذا الزمان جهادا إلا الحج و العمرة و الجوار “.

–  قال: و قال رجل لأبي جعفر (عليه السلام) : يا بن رسول الله، لا تغضب علي. قال : ” لماذا؟ “. قال: لما أريد أن أسألك عنه. قال: ” قل “. قال: و لا تغضب. قال: ” و لا أغضب “. قال: أ رأيت قولك في ليلة القدر، تنزل الملائكة و الروح فيها إلى الأوصياء، يأتونهم بأمر لم يكن رسول الله (صلى الله عليه و آله) قد علمه، [أو يأتونهم بأمر كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) يعلمه] و قد علمت أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) مات و ليس من علمه شيء إلا و علي (عليه السلام) له واع؟

قال أبو جعفر (عليه السلام): ” ما لي و ما لك أيها الرجل، و من أدخلك علي “؟ قال: أدخلني عليك القضاء لطلب الدين، قال: ” فافهم ما أقول لك، إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) لما أسري به لم يهبط حتى أعلمه الله جل ذكره علم ما قد كان و ما سيكون، و كان كثير من علمه ذلك جملا يأتي تفسيرها في ليلة القدر، و كذلك كان علي بن أبي طالب (عليه السلام) قد علم جمل العلم، و يأتي تفسيره في ليالي القدر، كما كان مع رسول الله (صلى الله عليه و آله ) .

قال السائل: أو ما كان في الجمل تفسيره؟ قال: ” بلى، و لكنه إنما يأتي بالأمر من الله تبارك و تعالى في ليالي القدر إلى النبي (صلى الله عليه و آله) و إلى الأوصياء: افعل كذا و كذا، لأمر قد كانوا علموه، أمروا كيف يعملون فيه “.

قلت: فسر لي هذا؟ قال: ” لم يمت رسول الله (صلى الله عليه و آله) إلا حافظا لجملة العلم و تفسيره “.
قلت: فالذي كان يأتيه في ليالي القدر، علم ما هو؟ قال: ” الأمر و اليسر فيما كان قد علم “.
قال السائل: فما يحدث لهم في ليالي القدر علم سوى ما علموا؟ قال: ” هذا مما أمروا بكتمانه، و لا يعلم تفسير ما سألت عنه إلا الله عز و جل “.

قال السائل: فهل يعلم الأوصياء ما لا يعلم الأنبياء؟ قال: ” لا، و كيف يعلم وصي غير علم ما اوصي إليه؟ “.
قال السائل: فهل يسعنا أن نقول: إن أحدا من الوصاة يعلم ما لا يعلم الآخر؟ قال: ” لا، لم يمت نبي إلا و علمه في جوف وصيه، و إنما تنزل الملائكة و الروح في ليلة القدر بالحكم الذي يحكم به بين العباد “.
قال السائل: و ما كانوا علموا ذلك الحكم؟ قال: ” بلى، قد علموه، و لكنهم لا يستطيعون إمضاء شيء منه حتى يؤمروا في ليالي القدر كيف يصنعون إلى السنة المقبلة “. قال السائل: يا أبا جعفر، لا أستطيع إنكار هذا؟ قال أبو جعفر (عليه السلام): ” من أنكره فليس منا “.

قال السائل: يا أبا جعفر، أ رأيت النبي (صلى الله عليه و آله) هل كان يأتيه في ليالي القدر شيء لم يكن علمه؟ قال:

” لا يحل لك أن تسأل عن هذا، أما علم ما كان و ما يكون؟ فليس يموت نبي و لا وصي إلا و الوصي الذي بعده يعلمه، أما هذا العلم الذي تسأل عنه، فإن الله عز و جل أبى أن يطلع الأوصياء عليه إلا أنفسهم “.
قال السائل: يا بن رسول الله، كيف أعرف أن ليلة القدر تكون في كل سنة؟ قال: ” إذا أتى شهر رمضان فأقرأ سورة الدخان في كل ليلة مائة مرة، فإذا أتت ليلة ثلاث و عشرين فإنك ناظر إلى تصديق الذي سألت عنه “.

– و قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): ” لما ترون من بعثه الله عز و جل للشقاء على أهل الضلالة من أجناد الشياطين و أرواحهم أكثر مما ترون مع خليفة الله الذي بعثه للعدل و الصواب من الملائكة ” قيل:
يا أبا جعفر، و كيف يكون شيء أكثر من الملائكة؟ قال: ” كما يشاء الله عز و جل “.
قال السائل: يا أبا جعفر، إني لو حدثت بعض أصحابنا الشيعة بهذا الحديث لأنكروه، قال: ” كيف ينكرونه؟ ” قال: يقولون: إن الملائكة (عليهم السلام) أكثر من الشياطين. قال: ” صدقت، افهم عني ما أقول لك، إنه ليس من يوم و لا ليلة إلا و جميع الجن و الشياطين تزور أئمة الضلالة، و تزور أئمة الهدى، عددهم من الملائكة، حتى إذا أتت ليلة القدر فهبط فيها من الملائكة إلى ولي الأمر، خلق الله- أو قال: قيض الله- عز و جل من الشياطين بعددهم ثم زاروا ولي الضلالة فأتوه بالإفك و الكذب حتى لعله يصبح فيقول: رأيت كذا و كذا، فلو سئل ولي الأمر عن ذلك لقال:رأيت شيطانا أخبرك بكذا و كذا حتى يفسر له تفسيرا و يعلمه الضلالة التي هو عليها، و ايم الله إن من صدق بليلة القدر ليعلم أنها لنا خاصة، لقول رسول الله (صلى الله عليه و آله) لعلي (عليه السلام) حين دنا موته: هذا وليكم من بعدي، فإن أطعتموه رشدتم، و لكن من لا يؤمن بما في ليلة القدر منكر، و من آمن بليلة القدر ممن على غير رأينا فإنه لا يسعه في الصدق إلا أن يقول: إنها لنا، و من لم يقل، فإنه كاذب، إن الله عز و جل أعظم من أن ينزل الأمر مع الروح و الملائكة إلى كافر فاسق، فإن قال: إنه ينزل إلى الخليفة الذي هو عليها، فليس قولهم ذلك بشيء، و إن قالوا: إنه ليس ينزل إلى أحد، فلا يكون أن ينزل شيء إلى غير شيء، و إن قالوا و سيقولون: ليس هذا بشيء؟ فقد ضلوا ضلالا بعيدا “.
– و عنه: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن حسان بن مهران، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن ليلة القدر، فقال: ” التمسها ليلة إحدى و عشرين، أو ثلاث و عشرين “.

– و عنه : عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمد الجوهري، عن علي بن أبي حمزة الثمالي، قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام)، فقال [له] أبو بصير:
جعلت فداك، الليلة التي يرجى فيها ما يرجى؟ فقال : ” في إحدى و عشرين، أو ثلاث و عشرين “. – تفسير البرهان للسيد هاشم االبحراني ] .

التفسير :

بسم لله الرحمن الرحيم

  • إنا أنزلناه في ليلة القدر (1) وما أدراك ما ليلة القدر (2)

وهنا :

(إنا أنزلناه)

والهاء هنا عائدة على كتاب الله تعالى كما في قوله عز وجل { إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما – النساء 105 } أو القرآن الكريم لقوله تعالى

{ إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا – الإنسان 23 } ويبين تعالى أنه نزل في ليلة القدر كما في قوله تعالى هنا {إنا أنزلناه في ليلة القدر – القدر1 } و هذه الليلة مباركة يفرق فيها الله تعالى كل أمر حكيم من عند الله تعالى بنص قوله تعالى : { إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم أمراً من عندنا إنا كنا مذرين  – الدخان 3-5} . وهذه الليلة هى إحدى ليالي شهر رمضان المبارك لقوله تعالى { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان – البقرة 185 } .

وشهر مفرد وجمعها أشهر قال تعالى { الحج أشهر معلومات } وأشهر لأنه قال تعالى { فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما } وفي الأحاديث هناك أشهر العمرة فيها تعدل حجة كالأشهر الحرم أو رمضان ولذلك قال تعالى الحج أشهر وليس شهر .

و عن شهر رمضان جاء في كتاب الله بصيغة المفرد كدلالة على أنه أول أشهر السنة عندما خلق الله السماوات والأرض قال تعالى { إن عدة الشهور عند الله اثنتا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض – التوبة } ولذلك لفظ شهر ورد على شهر رمضان بصيفة المفرد وهنا (مرفوعا) [ عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض) فغرة الشهور شهر الله شهر رمضان، وقلب شهر رمضان ليلة القدر، ونزل القرآن في أول ليلة من شهر رمضان ، فاستقبل الشهر بالقرآن  – تفسير البرهان ] .

وهذا القرآن الكريم نزل من أم الكتاب لقوله تعالى { وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ – الزخرف 4}  ووقال تعالى { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ  – آل عمران 7 } .

و أم الكتاب هى اللوح المحفوظ الذي نززل منه القرآن الكريم  قال تعالى { يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ – الرعد 39 } والمتشابهات هو القرآن الكريم الذي نزل على رسول لله صلى الله عليه وآله وهو  بين أيدينا الآن لقوله تعالى فيه { الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد – الزمر 23 }

وهذا القرآن نزل بلغة العرب كباب أول لفهم القرآن الكريم قال تعالى { إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون – يوسف 2} وهذا القرآن و الذكر محفوظ بأمر الله تعالى كما في قوله عز وجل { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون – الحجر 9 }

ويأمر الله تعالى رسوله والعالم بأن يعبدوا الله مخلصين له الدين وفق ما أمر الله تعالى في كتابه الكريم قال تعالى  { إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين – الزمر 2 } ومن اهتدى فلنفسه ومن ضل فعليها قال تعالى  : { إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس بالحق فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنت عليهم بوكيل – الزمر 41 }

ولما قدر الله تعالى الأقدار وأمر بالأوامر والنواهي ووضع الحدود والأحكام نزلت في كتاب الله وليس فيه عوج أو اختلاف أوو تناقض  او تضارب قال تعالى { الحمد لله الذي أنزل على عبد الكتاب ولم يجعل له عوجا – الكهف } وهذا الكتاب نزل في ليلة مباركة

وأما :

(في ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر)

هذه الليلة هى ليلة مباركة قال تعالى فيها { إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم أمراً من عندنا إنا كنا مذرين  – الدخان 3-5} وهذه الليلة خير من ألف شهر قال تعالى  {وما أدراك ما ليلة القدر – القدر 2 } ولورود هذا اللفظ في قوله تعالى عن نبي الله موسى ونزول التوراة واستخلاف أخيه هارون في قوله تعالى { وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين – الأعراف } .

وهنا تببين لنا أولا :

أن خلافة الإمام علي عليه السلام نزلت مع أول نزول القرآن كنبوءة للنبي صلى الله عليه وآله أن الإمام علي أول من سيؤمن  به ولذلك بنص من الله تعالى أنه سيكون الخليفة له صلى الله عليه وآله وفي الأحاديث الكثيرة أول من أسلم هو الإمام علي عليه السلام ومع نزول أوائل آيات القرآن الكريم عند قوله تعالى { وأنذر عشيرتك الأقربين – الشعراء } كان أول من صدقه بعد أن جمع النبي بني هاشم وبني عبد المطلب وأعلن الإمام علي نصرته للنبي صلى الله عليه وآله تؤكد صحة ما ذكرناه آنفاً .

ثانيا : الآية { وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين – الأعراف } . تثبت أن نزول التوراة أيضاً كان في ليلة القدر وهى ليلة مبارك كما في الآية هنا { إنا أنزلناه في ليلة القدر } وكل كتب الله السماوية نزلت بناءاً عليى ذلك في هذه الليلة المباركة .

ثالثاً :

إذا كان الوحي قد نزل على رسل الله صلى الله عليه وآله وهو في سن الأربعين فاالتاريخ الإسلامي الحقيقي يبدأ بمولد النبي صلى الله عليه وآله وبالتالي التقويم العمري الذي بدأ بالهجرة لابد وأن يضاف إليه تقريبياً عشر سنوات بمكة بالإضافة إلى أربعون عاماً وهو عمره الشريف وقت نزول الوحي بالإضافة إلى عدة شهور لأن الهجرة كانت في ربيع الأول وهذه الأشهر هى 1- ربيع ثاني 2- جماد أول -3- جماد ثاني 4- رجب -5- شعبان6- رمضان 7- ذو القعدة 8- ذو الحجة 9- المحرم الحرام ومن هنا

وبالتالي إذا كنا في سنة 1427 للهجرة + 10 مكية +40 عاما عمر النبي وقت نزول الوحي فيكون عمر أمة الإسلام 1477 من ميلاد النبي صلى الله عليه وآله بالإضافة إلى 9 أشهر فرق التقويم العمري الذي بدأة من محرم .

ونزول الوحي في ليلة القدر كما حددتها سنة النبي صلى الله عليه وآله فيكون التوقيت هو رمضان وفي أول ليلة كما في مرويات أهل بيت النبي عليهم السلام وذلك لأنه أول أشهر العام عندما خلق الله السماوات في الحديث : [ عن أبي عبد الله عليه السلام قال : (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض) فغرة الشهور شهر الله شهر رمضان، وقلب شهر رمضان ليلة القدر، ونزل القرآن في أول ليلة من شهر رمضان ، فاستقبل الشهر بالقرآن  – تفسير البرهان ] .

وأما :

(القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر)

[ قدر: عظمة، شَرَف، مكانة : وهي إحدى الليالي الفرديّة في العشر الأواخر من رمضان وفيها أُنزل القرآن الكريم إلى السماء الدنيا القَدْر: اسم سورة من سور القرآن الكريم، وهي السُّورة رقم 97 في ترتيب المصحف، مكِّيَّة، عدد آياتها خمس آيات جاءَ الشيءُ على قَدْر الشَّيءِ: وافقه وساواه القَدْرُ : مُساوِي الشيءِ من غير زيادة ولا نُقصان القَدْرُ: الحُرْمَةُ والوَقارُ وليلةُ القَدْر: ليلة مباركة من شهر رمضان، أُنزل فيها القرآن الكريم و القَدَر: بالتحريك مصدر قدر وقدر جمع أقدار ، مقدار الشيء ، وما يقدره الله ويحكم به ، ومنه {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ }. (فقهية)  – لسان العرب باب قدر ] .

[ القدْر اسم سورة من سور القرآن الكريم، وهي السُّورة رقم 97 في ترتيب المصحف ، مكِّيَّة، عدد آياتها خمس آيات.المعجم : عربي عامةالقَدَرُالقَدَرُ : مِقدار الشَّيءِ وحالاته المقدَّرة له.وفي التنزيل العزيز: القمر آية 49إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ) .

و القَدَرُ وقتُ الشيء أَو مكانه المقدَّر له.و القَدَرُ القضاءُ الذي يَقضي به الله على عباده. والجمع : أَقْدَارٌ.المعجم: المعجم الوسيطالقَدْرُالقَدْرُ : المقدارُ.يقال: هم قَدْرُ مائة.ويقال: جاءَ الشيءُ على قَدْر الشَّيءِ: وافقه وساواه.

و القَدْرُ مُساوِي الشيءِ من غير زيادة ولا نُقصان. يقال: هذا قَدْرُ هذا.و القَدْرُ الحُرْمَةُ والوَقارُ.يقال: له عندي قَدْرٌ. والجمع : أَقدارٌ.وسُورةُ القَدْر: من سُوَرِ القرآن الكريم. وليلةُ القَدْر: ليلة مباركة من شهر رمضان، أُنزل فيها القرآن الكريم.المعجم: المعجم الوسيط ]

وهنا يقول تعالى  {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ }. وكل خلقه تعالى عنده عز وجل خزائنه التي لا تنفد قال تعالى { وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم – الحجر 21 } ويبين تعالى أنه خلق السماوات والأرض وقدرها في قوله تعالى { قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ۚ ذَٰلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ –فصلت 9-11 } . ولما خلق الله تعالى الساء والأرض جعل فيها شمساً وقمراً ليعلم الناس ويقدرون الليل والنهار والزمن و يعلموا الحساب ومنه تخرج النظريات والإختراعات في كل زمن قال تعالى { هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون – يونس 5 } وليعلم الناس التقويم قال تعالى  { والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم – يس 39 } . وقال تعالى في اليوم والليلة { والله يقدر الليل والنهار – المزمل 20 }

ولما دارت الشمس مع أول يوم من أيام الخلق جعل الله تعالى لكل شيئ قدرا قال تعالى { قد جعل الله لكل شيئ قدرا – الطلاق 3 } فقد الله تعالى نعم القدر قال تعالى { فقدرنا فنعم القادرون – المرسلات 23 }

ثم قدر الله تعالى خرق بني آدم قال تعالى { أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ إِلَىٰ قَدَرٍ مَّعْلُومٍ  فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ – المرسلات 20-23 } ثم قدر الله تعالى أرزاقهم قال تعالى { ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير – الشورى 27 } وقال تعالى { له مقاليد السماوات والأرض يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه بكل شيء عليم الشورى 12 }

ثم يبين تعالى أنه قدر الموت بين بني آدم وهو الإنتقال بين العوالم وليس الفناء كما يظن الدهرية قال تعالى { نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين – الواقعة 60 }

ولما قال تعالى عن كفار قريش ومنهم الوليد بن المغيرة{إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ  ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ فَقَالَ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ – المزمل 28-24 } وهنا يشير الله تعالى إلى أن قوله تعالى { ليلة القدر خير من ألف شهر – القدر } أي ألف شهر تحكمها قريش كما في بعض النصوص .

[ .. حدثنا أبو داود الطيالسي حدثنا القاسم بن الفضل الحداني عن يوسف بن سعد قال قام رجل إلى الحسن بن علي بعد ما بايع معاوية فقال سودت وجوه المؤمنين أو يا مسود وجوه المؤمنين فقال لا تؤنبني رحمك الله فإن النبي صلى الله عليه وسلم أري بني أمية على منبره فساءه ذلك فنزلت إنا أعطيناك الكوثر يا محمد يعني نهرا في الجنة ونزلت هذه الآية إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر يملكها بعدك بنو أمية يا محمد قال القاسم فعددناها فإذا هي ألف شهر لا يزيد يوم ولا ينقص قال أبو عيسى هذا حديث غريب – تحفة الأحوذي في شرح صحيح الترمذي للمباركفوري ج 9 ص 196 ] .

[ وأخرج الخطيب عن بن المسيب قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله أريت بني أمية يصعدون على منبري فشق ذلك علي فأنزل الله تعالى ( إناأنزلناه في ليلة القدر) – الدر المنثور للسيوطي ج6 ص 415 ] .

[قام رجلٌ إلى الحسن بن علي بن أبي طالب بعد ما بايع معاويةَ قال سوَّدتَ وجوه المؤمنين أو يا مُسوِّدَ وجوه المؤمنين فقال لا تُؤنِّبْني رحمك اللهُ فإنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أُرِيَ بني أُميَّةَ على منبرِه فساءَه ذلك فنزلت إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ يا محمدُ يعنى نهرًا في الجنة ونزلت (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ  وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ  لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) يملكُها بعدك بنو أميةَ يا محمدُ قال الفضلُ فعددْنا فإذا هي ألفُ شهر ٍلا تزيد يومًا ولا تنقصُ –  البداية والنهاية لابن كثير ج8 ص 19 & و الدر المنثور للسيوطي ج6 ص 415 ] .

وأما :

(وما أدراك)

 [ أدراك : (اسم) أدراك : جمع دَرَك دَرَك: (اسم) الجمع : أدراك اِسْمُ مَصْدَرٍ مِنَ الإدْرَاكِ حَاوَلَ الدَّرَكَ بِهِ : اللَّحَاقَ بِهِ بَلَغَ الدَّرَكَ الأسْفَلَ : أسْفَلَ سَافِلِينَ، أقْصَى حَدٍّ رِجَالُ الدَّرَكِ : قُوَّاتُ الشُّرْطَةِ العَسْكَرِيَّةِ تُحَافِظُ عَلَى الأمْنِ العَامِّ، وَبِالأخَصِّ فِي الطُّرُقِ وَالبَوَادِي، لإدراكهم الفارّ والمجرم الدَّرَكُ: التَّبِعَة الدَّرَكُ :الطبَقُ من أطباق جهنم دَرَّكَ: (فعل) دَرَّكَ، يُدَرِّكُ، مصدر تَدْرِيكٌ دَرَّكَ المطرُ وغيرُه: تتابع كأَنه يُدْرِكُ بعضُه بعضًا ] .

والإدراك للنبي صلى الله عليه وآله  والمؤمنين كل أمر خاص بالظالمين وأهل النار وعذابهم قال تعالى { وما أدراك ماسجين – المطففين 8} وقال تعالى { وما أدراك ما سقر – المدثر 7 }   وسقر وديوان سجين علمه رسول الله صلى الله عليه وآله بالوحي ولم يشاهده لذلك قال تعالى هنا { وما أدراك ماليلة القدر } .

 

وأما :

 

(ليلة القدر)

وهنا ليلة القدر التي قال تعالى فيها { إنا أنزلناه في ليلة القدر – القدر 1 } وهذه الليلة خير من ألف شهر كما في قوله تعالى {ليلة القدر خير من ألف شهر – القدر } .

وأما :

(خير)

وهنا يبين تعالى أن الخير في الدنيا والآخرة في طاعة الله تعالى { من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون – القصص 84 } وقال تعالى أيضاً { فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون – التغابن 16 } ومن آمن بالله تعالى فليطعه وليطع رسوله صلى الله عليه ويتولة الإمام علي وهؤلاء هم خير البرية بنص قوله تعالى { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية – البينة 7}

[حدثنا ابن حميد، قال: ثنا عيسى بن فرقد، عن أبي الجارود، عن محمد بن عليّ (( أُولَئِكَ هُم خَيرُ البَرِيَّةِ )) فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: ” أنتَ يا عَليُّ وَشِيعَتُكَ  –  تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ)  ]

[ عن إبراهيم بن مهاجر مولى آل شخبرة قال: حدثني يزيد بن شراحيل الأنصاري كاتب علي، قال: سمعت علياً يقول: (حدثني رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنا مسنده إلى صدري فقال: يا علي أما تسمع قول الله عز وجل: (( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُم خَيرُ البَرِيَّةِ )) (البينة:7) هم أنت وشيعتك، وموعدي وموعدكم الحوض، إذا اجتمعت الأمم للحساب تدعون غراءً محجلين) ]

وفي [  (الدر المنثور ج6ص379 )ذكر من أخرج الحديث فقال: وأخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد الله قال كنا عند النبي (صلى الله عليه وسلم) فأقبل عليّ فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): (والذي نفسي بيده ان هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة ونزلت (( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُم خَيرُ البَرِيَّةِ )) فكان أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم) إذا أقبل عليّ قالوا جاء خير البرية.]

وأخرج ابن عدي وابن عساكر عن أبي سعيد مرفوعا عليٌ خير البرية. وأخرج ابن عدي عن ابن عباس قال: لما نزلت (( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُم خَيرُ البَرِيَّةِ )) قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لعليّ: (هو أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين) .

وأخرج ابن مردويه عن علي قال: (قال لي رسول الله (صلى الله عليه وسلم):ألم تسمع قول الله (( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُم خَيرُ البَرِيَّةِ )) أنت وشيعتك، وموعدي وموعدكم الحوض إذا جثت الأمم للحساب تدعون غراً محجلين) .

و في [  (كفاية الطالب ص 118 ط الغري): قال:أخبرنا إبراهيم بن بركات القرشي أخبرنا الحافظ علي بن الحسن الشافعي أخبرنا أبو القاسم بن السمر قندي أخبرنا عاصم بن الحسن أخبرنا الحافظ أبو العباس حدثنا محمد بن أحمد القطواني حدثنا إبراهيم بن أنس الأنصاري حدثنا إبراهيم بن جعفر ابن عبد الله بن محمد بن مسلم عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله…. ]

[ ابن عساكر في تاريخه: وأخبرني المقرئ أبو إسحاق بن يوسف بن بركة الكتبي عن الحافظ أبي العلاء الحسن بن أحمد بن الحسن الهمداني عن أبي الفتح عبدوس عن الشريف أبي طالب المفضل بن محمد بن طاهر الجعفري أخبرنا الحافظ أحمد بن مردويه أخبرنا أحمد بن محمد بن السري حدثنا المنذر بن محمد بمن المنذر حدثني أبي حدثني عمي الحسين بن سعيد عن إبراهيم بن مهاجر حدثني يزيد بن شراحيل قال سمعت علياً يقول] ….

[ و في (شواهد التنزيل ج2ص364 ط بيروت): أخبرنا أبو عمر البسطامي أخبرنا أبو أحمد بن عيد الجرجاني أخبرنا الحسن بن علي بن عبد الله الاهوازي،أخبرنا معمر بن سهل أخبرنا أبو سمرة أحمد بن سالم بن خالد بن جابر بن سمرة أخبرنا شريك عن الأعمش عن عطية عن أبي سعيد قال] …
 

[ و قال الهيثمي في مجمع الزوائد 9/173: وعن أبي هريرة: أن علي بن أبي طالب قال: يا رسول الله أيما أحب إليك أنا أم فاطمة؟! قال (صلى الله عليه وآله) : فاطمة أحب إلى منك وأنت أعز على منها وكأني بك وأنت على حوضي تذود عنه الناس وان عليه لأباريق مثل عدد نجوم السماء وأني وأنت والحسن والحسين وفاطمة وعقيل وجعفر في الجنة إخوانا على سرر متقابلين أنت معي وشيعتك في الجنة ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم (( إِخوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ )) (الحجر:47) لا ينظر أحد في قفا صاحبه. ثم قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط وفيه سلمي بن عقبة ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات ] .

 

[  وقال الهيثمي في مجمع زوائده ايضا 9/131: وبسنده (يقصد الطبراني): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي: أنت وشيعتك تردون على الحوض رواة مرويين مبيضة وجوهكم وان عدوك يردون على الحوض ظمأ مقمحين. (ولم يعلق عليه الهيثمي بشيء) ]

[  وقال الهيثمي في مجمع زوائده 9/131: وعن عبد الله ابن أبي نجى أن عليا أتى يوم النضير بذهب وفضة فقال: ابيضي واصفري وغري غيري غري أهل الشام غدا إذا ظهروا عليك فشق قوله ذلك على الناس فذكر ذلك له فأذن في الناس فدخلوا عليه قال: إن خليلي صلى الله عليه وسلم قال يا علي انك ستقدم على الله وشيعتك راضين مرضيين ويقدم عليه عدوك غضاب مقمحين ثم جمع يده إلى عنقه يريهم الإقماح ] .

[  وروى الحاكم في مستدركه على الصحيحين 3/160 عن ميناء بن ابي ميناء مولى عبد الرحمن بن عوف قال: خذوا عني قبل أن تشاب الأحاديث بالأباطيل: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: انا الشجرة وفاطمة فرعها وعلي لقاحها والحسن والحسين ثمرتها وشيعتنا ورقها واصل الشجرة في جنة عدن وسائر ذلك في سائر الجنة. ]

 

[  ورى الهيثمي في مجمع زوائده 9/131 ما نقله عن الطبراني فقال: بسنده ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لعلي: إن أول أربعة يدخلون الجنة أنا وأنت والحسن والحسين وذرارينا خلف ظهورنا وأزواجنا خلف ذرارينا وشيعتنا عن أيماننا وعن شمائلنا. ( ولم يعلق عليه الهيثمي ) ] .

 

[  وقد ذكر الطبري في تفسيره 30/335 وهو شيخ المفسرين عند اهل السنة وجها واحدا منقولا عن السلف في تفسير الاية الكريمة من قوله تعالى: (( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُم خَيرُ البَرِيَّةِ )) (البينة:7)… الى ان قال: يقول (تعالى): من فعل ذلك من الناس فهم خير البرية. وقد: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا عيسى بن فرقد، عن أبي الجارود، عن محمد بن علي أولئك هم خير البرية فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) : أنت يا علي وشيعتك. ] أهـ.

[  ذكر السيوطي في تفسيره الدر المنثور 6/379 والشوكاني في تفسيره فتح القدير 5/476 قالا: أخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد الله قال: كنا عند النبي، فأقبل علي، فقال النبي صلى الله عليه وآله: “والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة “. ونزلت (( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُم خَيرُ البَرِيَّةِ )). فكان أصحاب النبي إذا أقبل علي قالوا: “جاء خير البرية” وأخرج ابن عدي وابن عساكر عن أبي سعيد مرفوعا: “عليا خير البرية”. وأخرج ابن عدي عن ابن عباس قال: لما نزلت (( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُم خَيرُ البَرِيَّةِ )) قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي: “أنت وشيعتك ترد علي يوم القيامة راضين مرضيين”. وأخرج ابن مردويه عن علي، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ” ألم تسمع قول الله (( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُم خَيرُ البَرِيَّةِ ))؟ أنت وشيعتك، وموعدي وموعدكم الحوض إذا جيئت الأمم للحساب تدعون غرا محجلين. أهـ ]

وبالتالي من تولى الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام فهم الذين اختاروا الله تعالى والدار  الآخرة وهى وخير و أبقى قال تعالى  { والآخرة خير وأبقى – الأعلى 17 }  . ومن تولاهم فليلة واحدة هى ليلة القدر خير من ألف شهر يحكمها هؤلاء قال تعالى { ليلة القدر خير من ألف شهر } .

 ورد في [  الصحيفة السجادية : قال لي أبو عبد الله عليه السلام : يا متوكل كيف قال لك يحيى : ابن عمي محمد بن على وابنه جعفرا دعوا الناس إلى الحياة ودعوناهم إلى الموت؟! قلت: نعم أصلحك الله قد قال لي ابن عمك يحيى ذلك. فقال: يرحم الله يحيى، إن أبي حدثني عن أبيه عن جده عن علي عليه السلام أن رسول الله أخذته نعسة وهو على منبره، فرأى في منامه رجالا ينزون على منبره نزو القردة، يردون الناس على أعقابهم القهقرى، فاستوى رسول الله صلى الله عليه وآله جالسا والحزن يعرف في وجهه، فأتاه جبريل عليه السلام بهذه الآية: وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا! يعني بني أمية! قال: يا جبريل على عهدي يكونون وفي زمني؟ قال: لا، ولكن تدوررحى الإسلام من مهاجرك فتلبث بذلك عشرا، ثم تدور رحى الإسلام على رأس خمسة وثلثين من مهاجرك فتلبث بذلك خمسا، ثم لابد من رحى ضلالة هي قائمة على قطبها ثم ملك الفراعنة! قال: وأنزل الله تعالى في ذلك: إنا أنزلناه في ليلة القدر. وما أدراك ما ليلة القدر. ليلة القدر خير من ألف شهر، يملكها بنو أمية فيها ليلة القدر. قال: فأطلع الله عز وجل نبيه عليه السلام أن بني أمية تملك سلطان هذه الأمة وملكها طول هذه المدة، فلو طاولتهم الجبال لطالوا عليها، حتى يأذن الله تعالى بزوال ملكهم، وهم في ذلك يستشعرون عداوتنا أهل البيت بغضنا، أخبر الله نبيه بما يلقى أهل بيت محمد عليهم السلام وأهل مودتهم وشيعتهم منهم في أيامهم وملكهم. قال: وأنزل الله تعالى فيهم: ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار. جهنم يصلونها وبئس القرار. ونعمة الله محمد وأهل بيته صلى الله عليه وآله حبهم إيمان يدخل الجنة، وبغضهم كفر ونفاق يدخل النار، فأسر رسول الله ذلك إلى على وأهل بيته – كنز الدقائق ج 14 ص 363 ] .

وأما :

(من)

وهنا يبين تعالى حسد كفار أهل الكتاب للنبي صلى الله عليه وآله والعرب من نزول هذه الرسالة القرآنية المحمدية فيهم قال تعالى : { ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم – البقرة 105 } ولقد ظهر في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله فئة تعمل للدنيا ويؤثرونها على العمل الصالح لذلك قال تعالى لما رأوا تجارة فتركوا الصلاة وذهبوا إليها فأنزل الله تعالى : {وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو و من التجارة والله خير الرازقين – الجمعة 11 }  وهؤلاء نجحوا في الوصول لسدة الحكم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله قال تعالى {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين – آل عمران 144 } وهؤلاء بين تعالى أن ليلة واحدة وهى ليلة القدر خير من ألف شهر سيحكمها هؤلاء قال تعالى { ليلة القدر خير من ألف شهر – القدر } فإذا انتشر في آخر الزمان أولياء هؤلاء ونشروا الفساد والكفر والفسوق والعصيان آخر الزمان قال تعالى بأنه مسيهلكون كما أهلك الله تعالى الأمم السالفة بفعالهم وجرائمهم قال تعالى { أكفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر – القمر 43 } .

وأما :

(ألف)

الألف كعدد في القرآن الكريم ورد في قوله تعالى على حرص اليهود البقاء فيا لدنيا والإستمتاع بها ونبذ كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون قال تعالى لذلك فيهم : { ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون – البقرة 96 } وبالتالي ألف شهر هنا مدة استمتاع لقوم قدموا الدنيا على الآخرة وقد يكون عددهم مائة ألف لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { وأرسلناه إلى مئة ألف أو يزيدون – الصافات 147 } فلما كفروا وقتلوا أهل بيت النبي كانوا أقرب الشبة بأمة نوح عليه السلام الذي لبث فيهم ألف سنة يدعوهم إلى الله تعالى فلم يزدهم دعائه إلا فرارا وإصراراً على كفرهم قال تعالى { وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا – نوح 7 }

فلما ورود هذا العدد في قوله تعالى عن قوم نوح عليه السلام { ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون – العنكبوت 14 } أثبت أنه سيكون أمة آخر الزمان تتتقلد بهم وستحكم أللف شهر وليلة واحدة خير من ألف شهر يحكمها هؤلاء ومن هذه الليالي   ليلة إصلاح الإمام عليه السلام حيث قال صلى الله عليه وآله ” يصلحه الله تعالى في يوم وليلة ”

[ابن أبي شيبة:۱٥/۱۹۷ ، بروايتين عن علي ، عن النبي صلى الله عليه وآله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله : المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة) . ومثله أحمد:۱/۸٤ ، ونحوه ابن حماد:۱/۳٦۲، بروايتين وتاريخ بخاري:۱/۳۱۷ ، كرواية ابن حماد الثانية ، عن علي عليه السلام ، وابن ماجة:۲/۱۳٦۷، كابن شيبة ، عن علي عليه السلام ، وأبو يعلى:۱/۳٥۹ ، عن ابن شيبة ، وحلية الأولياء:۳/۱۷۷ كما في ابن شيبة ، بتفاوت يسير ، عن علي عليه السلام ، وأخبار إصبهان:۱/۱۷۰، وقال الشافعي في البيان/٤۸۷ , ومال ابن كثير في الفتن:۱/۳۸ الى توثيقه ، وقال السيوطي في الدر المنثور:٦/٥۸: وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن ماجة . ورواه الجامع الصغير:۲/٦۷۲، وحسنه . ومرقاة المفاتيح:٥/۱۸۰، وفيه: من أهل البيت ، وقال: أي يصلح أمره ويرفع قدره في ليلة واحدة أو في ساعة وأحدة من الليل ، حيث يتفق على خلافته أهل الحل والعقد فيها. والمغربي/٥۳۳ )  .

ورواه من مصاد مذهب أهل البيت ورد الحديث في كتاب دلائل الإمامة/۲٤۷ ،عن علي عليه السلام ، كما في ابن أبي شيبة . وفي كمال الدين:۱/۱٥۲ ، عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله المهدي منا أهل البيت يصلح الله له أمره في ليلة ، وفي رواية أخرى: يصلحه الله في ليلة . فروي عن الصادق عليه السلام أنه قال لبعض أصحابه : كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو . فإن موسى ابن عمران عليه السلام خرج ليقتبس لأهله ناراً فرجع إليهم وهو رسول نبي ، فأصلح الله تبارك وتعالى أمر عبده ونبيه موسى عليه السلام في ليلة ، وهكذا يفعل الله تبارك وتعالى بالقائم الثاني عشر من الأئمة عليهم السلام ، يصلح أمره في ليلة كما أصلح أمر نبيه موسى ويخرجه من الحيرة والغيبة إلى نور الفرج والظهور). وعنه البحار:۱۳/٤۲  ] .

وببركة هذه الليلة تنزل الملائكة لنصرته عليه السلام وإجابة لاستغاثة الأمة المحمدية لورود هذا العدد في قوله تعالى { إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين – الأنفال 9 }

وأما :

(شهر)

وهنا يقول تعالى { إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين – التوبة 36 } ومن هذه الأشهر شهر رمضان الذي قال تعالى فيه { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان – البقرة } وفي هذا الشهر ليلة القدر التي قال تعالى فيها { إنا أنزلناه في ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر- القدر } وهذه الليلة ليلة مباركة قال تعالى فيها { إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم أممراً من عندنا إنا كنا منزلين رحمة من ربك إنه هو السميع العليم – الدخان } وبالتالي هذه الليلة خير من ألف شهر بنص الآية هنا .

ثم يقول تعالى :

(4) تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر (4)

وهنا :

(تنزل)

يبين تعالى أنه بعث النبيين بالبينات وأنزل معهك الكتب للحكم بين الناس بالقسط قال تعالى : {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز – الحديد 25 } وقال تعالى مبينا أنه أوحى إلى رسوله صلى الله عليه وآله حيث نزل عليه الروح الأمين بكتاب الله تعالى كما في قوله تعالى { نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين –لشعراء 193-194 }

وقال تعالى له صلى الله عليه وآله  أنه علمه وأمته مالم يعلموا قال تعالى { وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما – النساء 113} وبهذا الحكم وهذه البينات يحكم بين الناس قال تعالى {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما – النساء 105} ويأمر الله تعالى الناس بايمان به وطاعته تعالى وطاعة رسوله قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا – النساء 136 } ثم بين تعالى أن رسول الله صلى الله عليه وآله هو المكلف من قبل الله تعالى ببيان كتابه الكريم قال تعالى { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ ۚ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون – النحل 43-44 }

وهنا يبين تعالى أنهم إن آمنوا به تعالى ورسوله فسينزل عليهم بركات من السماء كما في قوله تعالى {   ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون – الأعراف 96 } وهذه البركات أمر من السماء ينزل من بين السماوات السبع قال تعالى {الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما – الطلاق 12 } ومن هذه البركات ملائكة لنصرة الرسل والأنبياء والأئمة والمؤمنين قال تعالى فيها { إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين – آل عمران 124 } ويقول تعالى أن هذه الملائكة تنزل في ظلل من الغمام قال تعالى هنا :{ ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا– الفرقان 25 }

نزول ملائكة بالبركة على المؤمنين في الدنيا وتبشرهم بالجنة لقوله تعالى {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون – فصلت 30 } وهذه الملائكة منها ملك مكلف من قبل الله تعالى بالقضاء في الأمر آخر الزمان قال تعالى فيه { وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون – الأنعام 8 } و الماؤ مما ينزل من عند الله تعالى من السماء قال تعالى { وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون – المؤمنون 18 } وقال تعالى أيضاً { وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون – الأعراف 57 } وهذا الماء الذي فيه الحياه للخلائق قال تعالى فيه : { وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين – الحجر 22 }

ومما ينزل من السماء أيضاً العذاب على الكافرين قال تعالى {فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون – البقرة 59 } وهذه الأقدار كلها من خير وشر وبركة ولعنة تنزل بقدر من الله تعالى في ليلة القدر كما في الآية هنا { وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح ففيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هى حتى مطلع الفجر – القدر }

وأما :

(الملائكة)

وهنا يبين تعالى أنه يصطفي من الملائكة رسلاً من الناس قال تعالى { الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصير – الحج 75 } وهناك ملائكة حملة للعرش قال تعالى فيهم {وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين – الزمر75 } وهناك ملائكة تنزل بالرحمة والبركة قال تعالى فيهم { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون – فصلت 30 } وملائكة تستغفر للمؤمنين في الأرض قال تعالى فيهم { تكاد السموات يتفطرن من فوقهن والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض ألا إن الله هو الغفور الرحيم – الشورى 5 }

وملائكة لرفع الأعمال قال تعالى فيهم { تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة – المعارج 4 } . وهنالك ملائكة لقبض أرواح الظالمين والإنتقام منهم قال تعالى { يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا – الفرقان 22 } وهناك ملائكة لقبض أرواح الخلق قال تعالى فيهم { فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم – محمد 27 } .

وملائكة تنزل لنصرة الأنبياء والمرلين والصالحين من المؤمنين قال تعالى { بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين –آل عمران 125 }

وملائكة تنزل آخر الزمان لتحقيق قضاء الله تعالى في نصرة الحق وأهله وإمامهم من أهل البيت عليهم السلام قال تعالى { هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك كذلك فعل الذين من قبلهم وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون – النحل 33 } . وكل هذه الأقدار من خير وشر تنزل في ليلة القدر كما في الآية هنا { تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر – القدر}

وأما :

(والروح)

والررح في روايات أهل البيت عليهم السلام ملك أعظم من سيدنا جبريل عليه السلام : [ سعد بن عبد الله : عن أحمد بن الحسين، عن المختار بن زياد البصري، عن محمد بن سليمان، عن أبيه، عن أبي بصير، قال: كنت مع أبي عبد الله (عليه السلام)، فذكر شيئا من أمر الإمام إذا ولد، فقال: ” استوجب زيادة الروح في ليلة القدر “. فقلت له: جعلت فداك، أليس الروح جبرئيل؟ فقال: ” جبرئيل من الملائكة، و الروح [خلق] أعظم من الملائكة، أليس الله عز و جل يقول: { تَنَزَّلُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ }؟   – تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني ] .

وهنا يأت لفظ روح على القرآن الكريم في قوله تعالى { وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم – الشورى 52 } وهذا القرآن الذي أطلق عليه الله تبارك وتعالى روحاً نزل به الروح الأمين على قلبه صلى الله عليه وآله كما في قوله تعالى { نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين  – الشعراء 193-195 } وبهذه الروح التي نزل بها الروح الأمين يتحرك كل الكون خيره وشره وهذه الروح التي هى القرآن الكريم ينزل بها ملك من عند الله تعالى بالفهم الذي أراده الله تعالى وبينه لرسوله وأئمة أهل البيت عليهم السلام وهذه مشيئته تعالى التي قال فيها { رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق – غافر 15 } وقال تعالى أيضاً

{ ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون – النحل 2 } وهذه الروح وفق الإختيار الإلهي نزلت في أول الخلق بليلة القدر من كل أمر كما في قوله تعالى هنا { تنزل الملائكة و الروح فيها بإذن ربهم من كل أمر } .

وكما تنزل الملائكة والروح من أمره كذلك تعرج الملائكة والروح إليه تعالى في يوم كان مقدارة خمسين ألف سنة قال تعالى { تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة – المعارج 4 }

ويوم القيامة أيضاً في نهاية الخلق تقوم الملائكة و هذا الملك الروح صفاً لا يتكلمون بما يؤكد صحة رواية أهل بيت البي عليهم السلام أن روح ملك من ملائكة لله تبارك وتعالى قال فيه عز وجل { يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا – النبأ 38 } .

وأما :

(فيها)

أي أنه يقول تعالى { فيها يفرق كل أمر حكيم } وهذا الأمر الحكيم تنزل به الملائكة والروح في ليلة القدر  قال تعالى { تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر – القدر 4 } .

وأما :

(بإذن ربهم)

والأذن أمر من الله تعالى بالإباحة قال تعالى { قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون – يونس 59 } وما أذن الله تعالى به في كل عام بلية القدر  هو :

  • إذن الله تعالى ببعثة رسول الله صلى الله عليه وآله قال تعالى { وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا- الأحزاب 46 }
  • في هذه الليلة يقدر الله تعالى من هداهم إلى طريقه المستقيم قال تعالى {يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم – المائدة 16 } وقال تعالى أيضاً { وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله – يونس 10 }
  • الوحي بإذن الله تعالى بما يشاء لقوله عز وجل { وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم – الشورى 51 }
  • إمساك العذاب أو نزوله بإذن الله لقوله تعالى { ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض والفلك تجري في البحر بأمره ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه إن الله بالناس لرءوف رحيم – الحج 65 } .
  • تقدير المصائب ونزول العذاب في هذه الليلة قال تعالى { ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله – التغابن 11 }
  • تقدير الإنفصال بين الزوجين والفراق بينهما قال تعالى { وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله – البقرة } .
  • تقدير أعمال وآجال البشر قال تعالى { وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلا –  آل عمران 145 } .
  • تقدير الله تعالى بالنصر والغلبة لؤسل الله والمؤمنين قال تعالى { كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله – البقرة 249 }
  • يقدر الله تعالى فيها بعثة إمام كل عصر سواء كان ظاهراً أم باطناً قال تعالى { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ۗ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ – إبراهيم 24-25 } .
  • تقدير ارزاق كل بلد وما يخرج إليهم من نبات قال تعالى { والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون – الأعراف 58 }

أي أن الملائكة تنزل في هذه الليلة بأقدار الله تعالى من خير وشر على الخلائق كلها قال تعالى { تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر }

وأما :

(من كل)

أي أنه يقول تعالى { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا – النساء 41} وهؤلاء الشهداء من رسل وأنبياء وأئمة وشهداء وصالحين وعلماء يقضي الله تعالى فيهم بأمره في ليلة القدر

و ترد هذه الآيات في قوله تعالى { و من كل شيئ خلقنا زوجين لعلهم يذكرون – الذاريات 49 } أي الشيئ ونقيضه أو ضده من ذكر وأنثى ليل ونهار سماء وأرض خير وشر … إلخ وكل ما قدره الله تعالى في هذه المخلوقات بين السماء والأرض ينزل فيهم حكمه من خير وشر بليلة القدر كما في قوله تعالى هنا { تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر } .

وأما :

(أمر)

وهنا يبين تعالى أن هذا الأمر من ليلة القدر بدأ مع خلق السماوات والأرض وفي هذه الليلة كتب الله تعالى كل ما هو كائن ومقدر على الخلائق إلى يوم القيامة وذلك في اللوح المحفوظ أو أم الكتاب فلما هبط نبي الله آدم وزوجه وإبليس إلى الأرض أصبح هناك ليلة قدر في الأرض ينزل فيها كل عام لهذه الليل ماهو مقدر في اللوح المحفوظ أو أم الكتاب .

أولا :

رسول الله كان قبل الخلق :

قال تعالى  { لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين – الأنعام 163 } وقال تعالى أيضاً { قل إنما أمرت أن أكون أول من أسلم – الزمر } ولفظ أسلم ورد في قووله تعالى { أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ – آل عمران 83 } أي أن خلق رسول الله صلى الله عليه وآله وإسلامه لله تعالى كان قبل الخلق بما يشير إلى أن كل الخلق والأنبياء وما هو في اللوح المحفوظ كله يدور حول بعثة رسول الله صلى الله عليه وآله ولذلك يقول تعالى أنه أخذ في هذه المرحلة الميثاق من كل الأنبياء بنصرة النبي صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام قال تعالى { وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين – آل عمران 81 } وكل ما هو كائن بين أنبياء الله تعالى وأقوامهم والبشارة بالنبي محمد صلى الله عليه و أهل بيته عليهم السلام قدره الله تعالى في ليلة القدر بأم الكتاب  . كما في الآية هنا { تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر – القدر4 }

ثانياً :

ورد لفظ أمر على أمره تعالى في خلق السماوات والأرض

وهذا الأمر هنا بين الكاف والنون كما في قوله تعالى { إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون – يس 82 }

ووكان هذا الخلق سبع سماوات وسبع أراضين وأحى في كل سماءأمرها في ستة أيام قال تعالى فيها { إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون – يونس 3} ويقول تعالى أيضاً : { فقضاهن سبع سموات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم – فصلت 12 } وهنا أبدع الله تعالى خلقه  بكن فكان قبل تقدير الزمن والليل والنهار كما في قوله تعالى { بديع السماوات والأرض وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون – البقرة 117 }  فلما خلق الله تعالى الخلق قدر عليهم الموت والحياة ودبر أمر خلقه قال تعالى { قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون – يونس 31 }

 

ثالثاً :

 قضاء الله تعالى واختياره أنبياءه ورسله والوحي إليهم :

قال تعالى هنا { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا – الأحزاب 36 } وهنا يقول تعالى بأن اختيار رسله وأنبيائه والأئمة بمشيئته تعالى { رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق – غافر 15} وجعل بأمره تعالى من ذريتهم أئمة قال تعالى فيهم { وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون – السجدة 24}

وكما أوحى الله تعالى لرسله وأنبيائه من قبل أوحى للنبي الخاتم صلى الله عليه آله قال تعالى { وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم – الشورى 52 }  وهذا  كله تم في ليلة القدر مع أول خلق الله تعالى ويتنزل الأمر فيها لكل سماء كما في قوله تعالى { فقضاهن سبع سموات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم – فصلت 12 } وهذا تم في ليلة القدر بإذن الله كما بينا .

رابعاً :

الرزق قدره الله تعالى للخلائق في هذه الليلة وكتب فيها الأشقياء والسعداء قال تعالى { ومن يتقي الله يدعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا – الطلاق 3 } وهذه الأقدار قدرها الله تعالى في ليلة القدر كما بينا .

خامساً :

نزول العذاب المقدر على الأمم في هذه الليلة :

 

قال تعالى أن هذا الأمر قد أتى وقضاه الله عز وجل كما في قوله تعالى { أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون – النحل 1 }

وقال تعالى لذلك في قوم عاد { تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين –الأحقاف 25 } وهذا هو يوم الحسرة الذي قدره الله تعالى وقال فيه { وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون – مريم 39 }  الأمر قدره الله تعالى في ليلة القدر .

سادساً :

الجنة وما قدره الله تعالى في أهلها قال تعالى { تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ ۖ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَٰلِكَ ۚ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا – مريم 63-64 }

سابعاً :

كل كيد كاده كفار كل زمان أو مكر مكروه أبرم الله تعالى أمامه أمراً مقدراً في أم الكتاب قال تعالى

{ أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون – الزخرف 79 }

ثامناً :

القيامة وعلاماتها قال تعالى فيها { أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين – الدخان 5 }

تاسعاً :

الموت والحياة وأعمار الخلق قدره الله تعالى في هذه الليلة لقوله تعالى : { هو الذي يحيي ويميت فإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون – غافر 68} وكل هذه الأقدار من خير وشر في الدنيا والآخرة هنا قدرها الله تعالى في هذه الليلة الممباركة قال تعالى {تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر – القدر 4 }

ثم يقول تعالى :

(5) سلام هى حتى مطلع الفجر (5)

وهنا :

(سلام)

والسلام تحية من الله تعالى لأهل الجنة وهى دار السلام لقوله تعالى { والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم – يونس 25 } وهذه التحية قال تعالى فيها { تحيتهم فيها سلام – إبراهيم 23 } وتحية بين أهل الجنة قال تعالى فيها { ونادى أصحاب الجنة أن سلام عليكم – الأعراف 46 } وهى تحية الملائكة لأهل الجنة في قوله تعالى { وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين – الزمر 73 } وقال تعالى أيضاً { الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون – النحل 32 } وهو تحية المؤمنين في الدنيا لقوله تعالى { وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم – الأنعام 54 } وهذه الدعوة إلى دار السلام وما يؤدي إليها من أعمال وأوامر أمر بها الله عز وجل تظل حتى مطلع الفجر وهو وقت إجابة الدعاء كما في قوله تعالى هنا { سلام هى حتى مطلع الفجر – القدر } .

وأما :

(هى)

و هى هنا هى الكلمة رقم (27) من ثلاثين كلمة عدد كلمات السورة

(1) إِنَّا – (2)  أَنزَلْنَاهُ (3) فِي (4)  لَيْلَةِ (5) الْقَدْرِ (6)  وَمَا (7)أَدْرَاكَ (8) مَا (9) لَيْلَةُ (10) الْقَدْرِ (11) لَيْلَةُ  (12) الْقَدْرِ (13) خَيْرٌ (14)مِّنْ(15)أَلْفِ(16) شَهْرٍ(17)  نَزَّلُ(18) الْمَلَائِكَةُ (19) الرُّوحُ (20)َفِيهَا(21) بِإِذْنِ (22) رَبِّهِم (22)مِّن (24)كُلِّ(25) أَمْرٍ (26) سَلَامٌ (27)  هِيَ (28) حَتَّىٰ (29)مَطْلَعِ (30)الْفَجْرِ

وهنا يبين اله تعالى لنا أن هى رقم 27  بما يشير إلى أنها على الأرجح ليلة 27 من  شهر رمضان في الأرض و هى الليلة الأولى من شهر رمضان في أم الكتاب و اللوح المحفوظ { يوم خلق الله السماوات والأرض} .

وهى يبين تعالى من خلالها أن كتاب الله تعالى يهدي للطريق القويم المستقيم قال تعالى { إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا – الإسراء 9 } . و كلمته تعالى في الدنيا والآخرة هى العليا قال تعالى { وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم – التوبة 40 } وفي هذا لليلة قدر الله تعالى على الكفار والمنافقين أن يكونوا من أصحاب النار هى حسبهم قال تعالى  { وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم – التوبة 68 } وكذلك هلاك القرى وهى ظالمة إن أخذه أليم شديد وهذا ما قدره الله تعالى في هذه الليلة لقوله تعالى {  وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد  -هود 102 } وكل هذه التقديرات ومنها إجابة الدعوات حتى مطلع الفجر قال تعالى { سلام هى حتى مطلع الفجر } :

وأما :

(حتى)

{ وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون – البقرة 187 } وهنا هذالخيط الأبيض من الأسود هو وقت مطلع الفجر الذي قال تعالى فيه هنا { سلام هى حتى مطلع الفجر – القدر 5} .

وأما :

(مطلع)

ومطلع الفجر هو وقت ماقبل طلوع الشمس كما قال عز وجل { فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى – طه 130 } وقال تعالى أيضاً { فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب – ق 39 } .أي أن الله تعالى يوصي عباده في هذا اليوم وهذه الليلة بالصلاة والتسبيح قال تعالى { سلام هى حتى مطلع الفجر } .

وأما :

(الفجر)

والفجر وقت الصلاة المعروف قبل طلوع الشمس وهو وقت إمساك عن الطعام للصوم قال تعالى {  وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر – البقرة  187} وهذا الوقت من الأوقات المباركة التي تشهدها الملائكة كما في قوله تعالى { وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا- الإسراء 78 } ولذلك قال تعالى هنا { سلام هى حتى مطلع الفجر } ولعظم بركة هذا الوقت أقسم الله تعالى به في قوله تعالى { والفجر وليال عشر – الفجر } .

هذا وبالله التوفيق وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب

وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين وصلى الله على

سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

انتهى العمل من هذه السورة الكريمة

في 12 ذو الحجة سنة 1420 هـ الموافق 18 مارس سنة 2000 من ميلاد السيد المسيح (ع)

(25)

 سورة البروج

ورد في في تفسير مجمع البيان للطبرسي :

[ الأخدود في اللغة : الشق العظيم في الأرض ومنه ما روي في معجز النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا الشجرة فجعلت تخدّ الأرض خدّاً حتى أتته ومنه الخدّ لمجاري الدموع وتخدد لحمه إذا صار فيه طرائق كالشقوق والوقود ما تشتعل به النار من الحطب وغيره بفتح الواو والوُقود بالضم الإيقاد يقال فتنت الشيء أحرقته والفتين حجارة سود كأنها محرقة وأصل الفتنة الامتحان ثم يستعمل في العذاب.
الإعراب: قال الفراء: قتل أصحاب الأخدود جواب القسم كما كان جواب { والشمس وضحاها – الشمس 1 }  { قد أفلح من زكاها  -الشمس 9 }  وقيل: إن جواب القسم محذوف وتقديره انَّ الأمر حقّ في الجزاء على الأعمال. وقيل: جواب القسم قوله {إن الذين فتنوا المؤمنين} الآية. وقيل: جواب القسم قوله {إن بطش ربك لشديد} النار بدل من الأخدود وهو بدل الاشتمال لأن الأخدود يشتمل على ما فيه من النار أي النار منه وذات الوقود صفة للنار ويسأل على هذا فيقال كيف خصَّت هذه النار بذا وكل نار لها وقود وأجيب عنها بجوابين.
أحدهما: أنه قد يكون نار ليست بذات وقود كنار الحجر ونار الكبد والآخر: أن الوقود معرف فصار مخصوصاً كأنه وقود بعينه كما قال {  وقودها الناس والحجارة  -البقرة 24 }   فكأن الوقود هنا أبدان الناس, إذ هم عليها قعود إذ مضاف إلى الجملة وهي ظرف لقوله {قتل أصحاب الأخدود} إذا كان إخباراً لا دعاء وأن يؤمنوا في موضع نصب قوله {نقموا} والتقدير وما نقموا إلا إيمانهم. فرعون وثمود في موضع جرّ بدل من الجنود ويجوز أن يكون في موضع نصب بإضمار فعل كأنه قال أعني فرعون وثمود.
قصة أصحاب الأخدود
روى مسلم في الصحيح عن هدية بن خالد عن حماد بن سلمة عن ثابت بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “كان ملك فيمن كان قبلكم له ساحر فلما مرض الساحر قال إني قد حضر أجلي فادفع إليَّ غلاماً أعلمه السحر فدفع إليه غلاماً وكان يختلف إليه وبين الساحر والملك راهب فمرَّ الغلام بالراهب فاعجبه كلامه وأمره فكان يطيل عنده القعود فإذا أبطأ عن الساحر ضربه وإذا أبطأ عن أهله ضربوه فشكا ذلك إلى الراهب فقال يا بني إذا استبطأك الساحر فقل حبسني أهلي وإذا استبطأك أهلك فقل حبسني الساحر فبينما هو ذات يوم إذا بالناس قد حبستهم دابة عظيمة فظيعة فقال اليوم أعلم أمر الساحر أفضل أم أمر الراهب فأخذ حجراً فقال اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك فاقتل هذه الدابة فرمى فقتلها ومضى الناس.
فأخبر بذلك الراهب فقال أي بني إنك ستبتلى وإذا ابتليت فلا تدل عليَّ وجعل يداوي الناس فيبرىء الأكمه والأبرص فبينما هو كذلك إذ عمي جليس للملك فأتاه وحمل إليه مالاً كثيراً فقال اشفني ولك ما ها هنا فقال إني لا أشفي أحداً ولكن الله يشفي فإن آمنت بالله دعوت الله فشفاك قال فآمن فدعا الله له فشفاه فذهب فجلس إلى الملك فقال يا فلان من شفاك قال ربي قال أنا قال لا ربي وربك الله قال أو إن لك رباً غيري قال نعم ربي وربك الله فأخذه فلم يزل به حتى دلَّه على الغلام فبعث إلى الغلام فقال لقد بلغ من أمرك أن تشفي الأكمه والأبرص قال ما أشفي أحداً ولكن الله ربي يشفي قال أو إن لك رباً غيري قال نعم ربي وربك الله فأخذه.
فلم يزل به حتى دلَّه على الراهب فوضع المنشار عليه فنشره حتى وقع شقين وقال للغلام ارجع عن دينك فأبى فأرسل معه نفراً وقال: اصعدوا به جبل كذا وكذا فإن رجع عن دينه وإلا فدهدهوه منه قال فعلوا به الجبل فقال اللهم اكفنيهم بما شئت قال فرجف بهم الجبل فتدهدهوا أجمعون وجاء إلى الملك فقال ما صنع أصحابك قال كفانيهم الله فأرسل به مرة أخرى قال انطلقوا به فلججوه في البحر فإن رجع وإلا فغرّقوه فانطلقوا به في قرقور فلما توسَّطوا به البحر قال اللهم أكفنيهم بما شئت قال فانكفأت بهم السفينة وجاء حتى قام بين يدي الملك فقال ما صنع أصحابك قال كفانيهم الله.
ثم قال إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به اجمع الناس ثم اصلبني على جذع ثم خذ سهماً من كنانتي ثم ضعه على كبد القوس ثم قل باسم رب الغلام فإنك ستقتلني.
قال فجمع الناس وصلبه ثم أخذ سهماً من كنانته فوضعه على كبد القوس وقال باسم رب الغلام ورمى فوقع السهم في صدغه ومات فقال الناس آمنّا برب الغلام فقيل له أرأيت ما كنت تخاف قد نزل والله بك آمن الناس فأمر بالأخدود فخددت على أفواه السكك ثم أضرمها ناراً فقال من رجع عن دينه فدعوه ومن أبى فاقتحموه فيها فجعلوا يقتحمونها وجاءت امرأة بابن لها فقال لها يا أمه اصبري فإنك على الحق” .
وقال ابن المسيب كنا عند عمر بن الخطاب إذ ورد عليه أنهم احتفروا فوجدوا ذلك الغلام وهو واضع يده على صدغه فكلما مدَّت يده عادت إلى صدغه فكتب عمر واروه حيث وجدتموه.
وروى سعيد بن جبير قال لما انهزم أهل اسنفندهان قال عمر بن الخطاب ما هم يهود ولا نصارى ولا لهم كتاب وكانوا مجوساً فقال علي بن أبي طالب (ع) بل قد كان لهم كتاب ولكنه رفع وذلك أن ملكاً لهم سكر فوقع على ابنته أو قال على أخته فلما أفاق قال لها كيف المخرج مما وقعت فيه قالت تجمع أهل مملكتك وتخبرهم أنك ترى نكاح البنات وتأمرهم أن يحلّوه فجمعهم فأخبرهم فأبوا أن يتابعوه فخدَّ لهم أخدوداً في الأرض وأوقد فيه النيران وعرضهم عليها فمن أبى قبول ذلك قذفه في النار ومن أجاب خلّى سبيله.
وقال الحسن: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر أمامه أصحاب الأخدود تعوَّذ بالله من جهد البلاء وروى العياشي بإسناده عن جابر عن أبي جعفر (ع) قال أرسل علي (ع) الى أسقف نجران يسأله عن أصحاب الأخدود فأخبره بشيء فقال (ع) ليس كما ذكرت ولكن سأخبرك عنهم إن الله بعث رجلاً حبشياً نبياً وهم حبشة فكذبوه فقاتلهم فقتلوا أصحابه وأسروه وأسروا أصحابه ثم بنوا له حَيْراً ثم ملؤوه ناراً ثم جمعوا الناس فقالوا من كان على ديننا وأمرنا فليعتزل ومن كان على دين هؤلاء فليرم نفسه في النار معه فجعل أصحابه يتهافتون في النار فجاءت امرأة معها صبي لها ابن شهر فلما هجمت على النار هابت ورقت على ابنها فناداها الصبي لا تهابي وارمي بي وبنفسك في النار فإن هذا والله في الله قليل فرمت بنفسها في النار وصبيها وكان ممن تكلم في المهد.
وبإسناده عن هيثم التمار قال سمعت أمير المؤمنين (ع) وذكر أصحاب الأخدود فقال كانوا عشرة وعلى مثالهم عشرة يقتلون في هذا السوق وقال مقاتل: كان أصحاب الأخدود ثلاثة واحد بنجران والآخر بالشام والآخر بفارس حرقوا بالنار أما الذي بالشام فهو أنطياخوس الرومي وأما الذي بفارس فهو بخت نصر وأما الذي بأرض العرب فهو يوسف بن ذي نواس فأما من كان بفارس والشام فلم ينزل الله تعالى فيهما قرآناً وأنزل في الذي كان بنجران وذلك أن رجلين مسلمين ممن يقرؤون الإنجيل أحدهما: بأرض تهامة والآخر: بنجران اليمن أجر أحدهما نفسه في عمل يعمله فجعل يقرأ الإنجيل فرأت ابنة المستأجر النور يضيء من قراءة الإنجيل فذكرت لأبيها فرمق حتى رآه فسأله فلم يخبره فلم يزل به حتى أخبره بالدين والإسلام فتابعه مع سبعة وثمانين إنساناً من رجل وامرأة وهذا بعدما رفع عيسى إلى السماء فسمع يوسف بن ذي نواس بن شراحيل بن تبع الحميري فخدَّ لهم في الأرض وأوقد فيها فعرضهم على الكفر فمن أبى قذفه في النار ومن رجع عن دين عيسى لم يقذف فيها وإذا امرأة جاءت ومعها ولد صغير لا يتكلم فلما قامت على شفير الخندق نظرت إلى ابنها فرجعت فقال لها يا أماه إني أرى أمامك ناراً لا تطفى فلما سمعت من ابنها ذلك قذفها في النار فجعلها الله وابنها في الجنة وقذف في النار سبعة وسبعون إنساناً قال ابن عباس: من أبى أن يقع في النار ضرب بالسياط فأدخل الله أرواحهم في الجنة قبل أن تصل أجسامهم إلى النار.
المعنى: إن الله سبحانه أقسم بالسماء فقال {والسماء ذات البروج} فالبروج المنازل العالية والمراد هنا منازل الشمس والقمر والكواكب وهي اثنا عشر برجاً يسير القمر في كل برج منها يومين وثلاث وتسير الشمس في كل برج شهراً {واليوم الموعود} يعني يوم القيامة في قول جميع المفسرين وهو اليوم الذي يجازى فيه الخلائق ويفصل فيه القضاء {وشاهد ومشهود} فيه أقوال:
أحدها: أن الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة عن ابن عباس وقتادة وروي ذلك عن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع) وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وسمي يوم الجمعة شاهداً لأنه يشهد على كل عامل بما عمل فيه وفي الحديث: “ما طلعت الشمس على يوم ولا غربت على يوم أفضل منه وفيه ساعة لا يوافقها من يدعو فيها الله بخير إلا استجاب له ولا استعاذ من شّر إلاّ أعاذه منه” ويوم عرفة مشهود يشهد الناس فيه موسم الحج وتشهده الملائكة.
وثانيها: أن الشاهد يوم النحر والمشهود يوم عرفة عن إبراهيم.
وثالثها: أن الشاهد محمد صلى الله عليه وسلم والمشهود يوم القيامة عن ابن عباس في رواية أخرى وسعيد بن المسيب وهو المروي عن الحسن بن علي وروي أن رجلاً دخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا رجل يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فسألته عن الشاهد والمشهود فقال نعم الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة فجزته إلى آخر يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك فقال أما الشاهد فيوم الجمعة وأما المشهود فيوم النحر فجزتهما إلى غلام كأن وجهه الدينار وهو يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت أخبرني عن شاهد ومشهود فقال أما الشاهد فمحمد صلى الله عليه وسلم وأما المشهود فيوم القيامة أما سمعته سبحانه يقول { يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً  – الفتح 8 }  وقال ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود فسألت عن الأول فقالوا ابن عباس وسألت عن الثاني فقالوا ابن عمر وسألت عن الثالث فقالوا الحسن بن علي (ع) .
ورابعها: أن الشاهد يوم عرفة والمشهود يوم القيامة وعن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أكثروا الصلاة عليَّ يوم الجمعة فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة وإن أحداً لا يصلي عليَّ إلا عرضت عليَّ صلاته حتى يفرغ منها قال فقلت وبعد الموت فقال: إن الله حرَّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء فنبيّ الله حيٌّ يرزق” .
وخامسها : أن الشاهد الملك يشهد على بني آدم والمشهود يوم القيامة عن عكرمة وتلا هاتين الآيتين { وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد – ق 21 }  { ذلك يوم مشهود  – هود 103 } وقد قيل في ذلك أقوال أخر كقول الجبائي الشاهد الذين يشهدون على الناس والمشهود هم الذين يشهد عليهم وقول الحسين بن الفضل الشاهد هذه الأمة والمشهود سائر الأمم لقوله { لتكونوا شهداء على الناس – البقرة 143 } وقيل : الشاهد أعضاء بني آدم والمشهود هم لقوله { يوم تشهد عليهم ألسنتهم- النور24 }  . وقيل: الشاهد الحجر الأسود والمشهود الحاج. وقيل: الشاهد الأيام والليالي والمشهود بنو آدم وينشد للحسين بن علي (ع) :

مَضى أمْسُكَ الْماضِي شَهِيداً مُعَدّلاً وَخُلِفْـتُ فِي يَــوْمٍ عَلَيْــكَ شَهِيـــدُ

فَإنْ أنْـتَ بِــالأَمْسِ اقْتَرَفْتَ إساءَةً فَقَيِّـــدْ بِـــإحْسانٍ وَأنْــــتَ حَمِيدُ

وَلا تُــرْجَ فعــل الخَيْرِ يَوْماً إلى غَدٍ لَعَــلَّ غَداً يَأَتِـــي وَأَنْـــتَ فَقِيـدُ

وقيل: الشاهد الأنبياء والمشهود محمد صلى الله عليه وسلم بيانه { وإذ أخذ الله ميثاق النبيين-  آل عمران 81}  إلى قوله { فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين – آل عمران: 81} . وقيل: الشاهد الله والمشهود لا إله إلا الله بيانه قوله {  شهد الله أنه لا إله إلا هو – آل عمران: 18}  الآية. وقيل: الشاهد الخلق والمشهود الحق وإليه أشار الشاعر بقوله:

أَيا عَجَباً كَيْفَ يُعْصى الإْله أمْ كَيْــــفَ يَجْحَـــدُهُ الْجاحِدُ

وَلِلَّهِ فِــي كُــــلِّ تَحْرِيكــةٍ وَفِـــي كُــلّ تَسْكِينَةٍ شاهِـدُ

وَفِـي كُــلِّ شَـيْءٍ لَــهُ آيةٌ تَــدُلُّ عَلــى أنَّــهُ واحِــدُ

فهذه ثمانية أقوال أخر {قتل أصحاب الأخدود} أي لعنوا بتحريقهم الناس في الدنيا قبل الآخرة والمراد به الكافرون الذين حفروا الأخدود وعذبوا المؤمنين بالنار ويحتمل أن يكون إخباراً عن المسلمين الذين عذبوا بالنار في الأخدود والمعنى أنهم قتلوا بالإحراق في النار ذكرهم الله سبحانه وأثنى عليهم بحسن بصيرتهم وصبرهم على دينهم حتى أحرقوا بالنار لا يعطون التقية بالرجوع عن الإيمان.
{النار ذات الوقود} أي أصحاب النار الذين أوقدوها بإحراق المؤمنين وقوله {ذات الوقود} إشارة إلى كثرة حطب هذه النار وتعظيم لأمرها فإن النار لا تخلو عن وقود {إذ هم عليها قعود} يعني الكفار إذ هم على أطراف هذه النار جلوس يعذّبون المؤمنون عن ابن عباس. وقيل: يعني هم عندها قعود يعرضونهم على الكفر عن مقاتل قال مجاهد: كانوا قعوداً على الكراسي عند الأخدود وهو قوله {وهم} يعني الملك وأصحابه الذين خدُّوا الأخدود {على ما يفعلون بالمؤمنين} من عرضهم على النار وإرادتهم أن يرجعوا إلى دينهم.

{شهود} أي حضور قال الزجاج: أعلم الله قصة قوم بلغت بصيرتهم وحقيقة إيمانهم إلى أن صبروا على أن أحرقوا بالنار في الله وقال الربيع بن أنس: لما ألقوا في النار نجى الله المؤمنين بأن أخذ أرواحهم قبل أن تمسهم النار وخرجت النار إلى من على شفير الأخدود من الكفار فأحرقتهم. وقيل: إنهم كانوا فرقتين فرقة تعذب المؤمنين وفرقة تشاهد الحال لم يتولوا تعذيبهم لكنهم قعود رضوا بفعل أولئك وكانت الفرقة القاعدة مؤمنة لكنهم لم ينكروا على الكفار صنيعهم فلعنهم الله جميعاً عن أبي مسلم والقعود جمع القاعد وكذلك الشهود جمع الشاهد وهم كل حاضر على ما شاهدوه إما بسمع أو بصر.
{وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله} أي ما كرهوا منهم إلا أنهم آمنوا عن ابن عباس. وقيل: ما أنكروا عليهم دينا وما عابوا منهم شيئاً إلا إيمانهم وهذا كقوله { هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله – المائدة 59 } .

عن الزجاج ومقاتل وقال الجبائي: ما فعلوا بهم ذلك العذاب إلا بإيمانهم {العزيز} القادر الذي لا يمتنع عليه شيء القاهر الذي لا يقهر {الحميد} المحمود في جميع أفعاله {الذي له ملك السماوات والأرض} أي له التصرف في السماوات والأرض لا أعتراض لأحد عليه {والله على كل شيء شهيد} أي شاهد عليهم لم يخف عليه فعلهم بالمؤمنين فإنه يجازيهم وينتصف للمؤمنين منهم.
{إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات} أي الذين أحرقوهم وعذَّبوهم بالنار عن ابن عباس وقتادة والضحاك ومثله}  يوم هم على النار يفتنون  الذاريات: 13}  {ثم لم يتوبوا} من فعلهم ذلك ومن الشرك الذي كانوا عليه وإنما شرط عدم التوبة لأنهم لو تابوا لما توجَّه إليهم الوعيد {فلهم عذاب جهنم} بكفرهم {ولهم عذاب الحريق} بما أحرقوا المؤمنين يسأل فيقال كيف فصّل بين عذاب جهنم وعذاب الحريق وهما واحد. أجيب عن ذلك بأن المراد لهم أنواع العذاب في جهنم سوى الإحراق مثل الزقوم والغسلين والمقامع ولهم مع ذلك الإحراق بالنار. وقيل: لهم عذاب جهنم في الآخرة ولهم عذاب الحريق في الدنيا وذلك أن النار ارتفعت من الأخدود فأحرقتهم عن الربيع بن أنس وهو قول الكلبي وقال الفراء: ارتفعت النار عليهم فأحرقتهم فوق الأخاديد ونجا المؤمنون.

ثم ذكر سبحانه ما أعدَّه للمؤمنين الذين أحرقوا بالنار فقال {إن الذين آمنوا} أي صدَّقوا بتوحيد الله {وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير} النجاة العظيم والنفع الخالص وإنما وصفه بالكبير لأن نعيم العاملين كبير بالإضافة إلى نعيم من لا عمل له من داخلي الجنة لما في ذلك من الإجلال والإكرام والتبجيل والإعظام.

ثم قال سبحانه متوعداً للكفار والعصاة {إن بطش ربك} يا محمد {لشديد} يعني إن أخذه بالعذاب إذا أخذ الظلمة والجبابرة أليم شديد وإذا وصف البطش وهو الأخذ عنفاً بالشدة فقد تضاعف مكروهه وتزايد إيلامه {إنه هو يبدىء} الخلق يخلقهم أولاً في الدنيا {ويعيد} هم أحياء بعد الموت للحساب والجزاء فليس إمهاله لمن يعصيه لإهماله إياه. وقيل: إنه يبدىء بالعذاب في الدنيا ويعيده في الآخرة عن ابن عباس وذلك لأن ما قبله يقتضيه.

{وهو الغفور} لذنوب المؤمنين من أهل طاعته ومعناه كثير الغفران عادته مغفرة الذنوب {الودود} يودُّ أولياءه ويحبُّهم عن مجاهد قال الأزهري في تفسير أسماء الله: يجوز أن يكون ودود فعولاً بمعنى مفعول كركوب وحلوب ومعناه أن عباده الصالحين يودّونه ويحبّونه لما عرفوا من فضله وكرمه ولما أسبغ من ألآئه ونعمه قال وكلتا الصفتين مدح لأنه سبحانه إن أحبَّ عباده المطيعين فهو فضل منه وإن أحبّوه فلما عرفوه من فضله وإحسانه.

{ذو العرش المجيد} أكثر القراءة في المجيد الرفع لأن الله سبحانه هو الموصوف بالمجد ولأن المجيد لم يسمع في غير صفة الله تعالى وإن سمع الماجد ومن كسر المجيد جعله من صفة العرش وروي عن ابن عباس أنه قال يريد العرش وحسنه ويؤيِّده أن العرش وصف بالكرم في قوله { رب العرش الكريم – المؤمنون: 116}  فجاز أيضاً أن يوصف بالمجد لأن معناه الكمال والعلو والرفعة والعرش أكمل كل شيء وأعلاه وأجمعه لصفات الحسن.

{فعال لما يريد} لا يعجزه شيء طلبه ولا يمتنع منه شيء أراده عن عطاء. وقيل: لما يريد من الإبداء والإعادة.
ثم ذكر سبحانه خبر الجموع الكافرة فقال {هل أتاك حديث الجنود} الذين تجندوا على أنبياء الله أي هل بلغك أخبارهم. وقيل: أراد قد أتاك ثم بيَّن سبحانه أصحاب الجنود فقال {فرعون وثمود} والمعنى تذكر يا محمد حديثهم تذكّر مُعتبر كيف كذبوا أنبياء الله وكيف نزل بهم العذاب وكيف صبر الأنبياء وكيف نصروا فَاصْبر كما صبر أولئك ليأتيك النصر كما أتاهم وهذا من الإيجاز البديع والتلويح الفصيح الذي لا يقوم مقامه التصريح {بل الذين كفروا} يعني مشركي قريش {في تكذيب} لك والقرآن قد أعرضوا عما يوجبه الاعتبار وأقبلوا على ما يوجبه الكفر والطغيان {والله من ورائهم محيط} معناه أنهم في قبضة الله وسلطانه لا يفوتونه كالمحاصر المحاط به من جوانبه لا يمكنه الفوات والهرب وهذا من بلاغة القرآن.
{بل هو قرآن مجيد} أي كريم لأنه كلام الرب عن ابن عباس أي ليس هو كما يقولون من أنه شعر أو كهانة وسحر بل هو قرآن كريم عظيم الكرم فيما يعطي من الخير جليل الخطر والقدر. وقيل: هو قرآن كريم لما يعطي من المعاني الجليلة والدلائل النفيسة ولأن جميعه حكم والحكم على ثلاثة أوجه لا رابع لها معنى يعمل عليه فيما يخشى أو يتقى وموعظة تلين القلب للعمل بالحق وحجة تؤدّي إلى تمييز الحق من الباطل في علم دين أو دنيا وعلم الدين أشرفهما وجميع ذلك موجود في القرآن.
{في لوح محفوظ} من التغيير والتبديل والنقصان والزيادة وهذا على قراءة من رفعه فجعله من صفة قرآن ومن جرّه فجعله صفة للوح فالمعنى أنه محفوظ لا يطلع عليه غير الملائكة. وقيل: محفوظ عند الله وهو أمّ الكتاب ومنه نسخ القرآن والكتب وهو الذي يعرف باللوح المحفوظ وهو من درة بيضاء طوله ما بين السماء والأرض وعرضه ما بين المشرق والمغرب عن ابن عباس ومجاهد. وقيل: إن اللوح المحفوظ الذي ذكره الله في جبهة إسرافيل عن أنس. وقيل: اللوح المحفوظ عن يمين العرش عن مقاتل. – مجمع البيان للطبرسي ]

يقول تعالى :

(1) والسماء ذات البروج (1)

(و)

وهنا الواو للقسم كقوله تعالى { والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها – الشمس }

وأما :

(السماء)

{ والسماء ذات الحبك – اذاريات 7 } [ وأقسم الله تعالى بالسماء ذات الخَلْق الحسن والقسم هنا بالسماء وما بناها كما في قوله تعالى { والسماء و ما بناها – الشمس 5 }  وهذه السماء بناها عز وجل بقوة قال تعالى فيها { والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون – الذاريات 47 } وهذا البناء له سقفا محفوظاً قال تعالى فيه { وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون – الأنبياء 32 }

وقد قدر الله تعالى في السماء أن تكون ذات رجع فلا يصعد فيها شيئاً إلى عاد إلى الأرض راجعاً ولا يموت في الأرض عبداً صالحاً إلا رفع إليها راجعاً أيضاً  قال تعالى { والسماء ذات الرجع – الطارق 11} والرجع والرجوع ورد كلفظ في قوله تعالى { وإلى الله ترجعون } فيكون الرجوع للصالحين صعوداً إلى السماء .

وببناء السماء ورفعها وضع الله تعالى الميزان للحساب عز وجل كما في قوله تعالى  { والسماء رفعها ووضع الميزان – الرحمن 7 } ولما بناها عز وجل ورفعها وضع فيها بروجاً  وكواكب قال تعالى فيها  { والسماء ذات البروج – البروج 1 } .

وفي السماء رزق الخلق ينزله تعالى إليهم من السماء كما في قوله تعالى  {هو الذي يريكم آياته وينزل لكم من السماء رزقا وما يتذكر إلا من ينيب – غافر 13 } و أمر الخلائق يدبر من السماء إلى الأرض ثم ترفع أعمالهم إليها بعد تدبير أمرهم بملاكئة موكولة لهذه المهام قال تعالى لذلك { يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون – السجدة 5 }

وكل ما وعده الله تعالى للناس في السماء كما في قوله تعالى { وفي السماء رزقكم وما توعدون – الذاريات 22 } . ولذلك يقسم الله تعالى بالسماء وما فيها من بروج قال تعالى فيها { والسماء ذات البروج }

وهذه البروج والكواكب  جعلها الله تعالى مصابيح للناس كما في قوله تعالى { ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين وأعتدنا لهم عذاب السعير – الملك 5 } والقسم هنا بالسماء وبروجها : قالت تعالى { والسماء ذات البروج }  وهذه البروج منها الشمس والقمر في قوله تعالى { تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا – الفرقان 61 } وقلنا من قبل في سورة الشمس أنها رمزاً لرسول الله والنور الذي بعث به من عند الله لذلك يقول تعالى فيه { وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاَ منيرا – الأحزاب 46} والسراج هى الشمس في قوله تعالى { وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا  – نوح 16} . ولذلك ورد في تفاسير أهل البيت عليهم السلام :

[ عن الأصبغ بن نباتة، قال: سمعت ابن عباس يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): ” ذكر الله عز و جل عبادة، و ذكري عبادة، و ذكر علي عبادة، و ذكر الأئمة من ولده عبادة، و الذي بعثني بالنبوة و جعلني خير البرية، إن وصيي لأفضل الأوصياء، و إنه لحجة الله على عباده، و خليفته على خلقه، و من ولده الأئمة الهداة بعدي، بهم يحبس الله العذاب عن أهل الأرض، و بهم يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، و بهم يمسك الجبال أن تميد بهم، و بهم يسقي خلقه الغيث، و بهم يخرج النبات، أولئك أولياء الله حقا و خلفاؤه صدقا، عدتهم عدة الشهور، و هي اثنا عشر شهرا، و عدتهم عدة نقباء موسى بن عمران (عليه السلام) “. ثم تلا هذه الآية: { وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ }. ثم قال: ” أ تقدر- يا بن عباس- أن الله يقسم بالسماء ذات البروج، و يعني به السماء و بروجها؟ “. قلت:يا رسول الله، فما ذاك، قال: ” أما السماء فأنا، و أما البروج فالأئمة بعدي، أولهم علي و آخرهم المهدي “- البرهان ] .

وقد جعل الله تعالى هذه البروج في السماء الدنيا زينة للناظرين ورجوماً وحفظاً من الشياطين وفيها خزائن الله تعالى قال تعالى { وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ  – الحجر 16-21} ومن هذه النجوم الراجمه لشياطين الجن والإنس النجم الطارق كما في قوله تعالى { والسماء والطارق النجم الثاقب – الطارق 1-2 }

وأما :

(ذات )

و هنا : [ ذات : (اسم) الجمع : ذوات وهى اسم بمعنى صاحبة ، مؤنّث (ذو) ] كقوله تعالى { والسماء ذات الحبك – الذاريات 7 } وقال تعالى أيضاً { والسماء ذات الرجع والأرض ذات الصدع – الطارق 11-12 } وهنا يبين تعالى أن القسم بالسماء ذات البروج قال تعالى { والسماء ذات البروج }

(البروج )

[ بُرُوج: (اسم) بُرُوج : جمع بُرْج بروج: (اسم) مصدر برَجَ برَجَ: (فعل) برَجَ يَبرُج ، بروجًا ، فهو بارج بَرَجَ: ارتفع وظهر و الجمع : أَبْرَاج و بُروج البُرْج : الحصن البُرْج البيت يُبنى على سور المدينة ، وعلى سُور الحِصْن بناء مُرتَفع على شكل مُستدير أو مُربَّع ويكون مستقلاًّ أو قسمًا مِن بناء عظيم، بُرجا الاعتدالَيْن : (الفلك) أصل الحمل والميزان لأنّ الشَّمس إذا صارت في أولهما استوى اللَّيل والنَّهار ، فالحمل برج الاعتدال الربيعيّ ، والميزان برج الاعتدال الخريفيّ البروج : اسم سورة من سور القرآن الكريم، وهي السُّورة رقم 85 في ترتيب المصحف، مكِّيَّة ، عدد آياتها اثنتان وعشرون آية ….  و بروج منازل للكواكب السيّارة كما في سورة : الحجر (ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين – الحجر 16 )  و  بُرْجُ : الرُّكْنُ ، والحِصْنُ ، وواحدُ بُروجِ السَّماءِ ]

بروج الكواكب وموقعها بالسموات السبع  من كتاب فتح البيان للقنوجي :

يقول تعالى [ ﴿تَبَارَكَ ٱلَّذِی جَعَلَ فِی ٱلسَّمَاۤءِ بورجاً وَجَعَلَ فِیهَا سِرَ اجا وقمراً  منيرا – الفرقان 61﴾  (تبارك الذي جعل في السماء بروجاً) المراد بها، بروج النجوم السبعة السيارة ، أي منازلهم ، ومحالها الاثنا عشر، التي تسير فيها.  وقال الحسن، وقتادة، ومجاهد: هي النجوم الكبار، سميت بروجاً لظهورها ، والأول أولى وأصل البروج : القصور العالية.  لأنها للكواكب كالمنازل الرفيعة لمن يسكنها ، واشتقاق البروج من التبرج ، وهو الظهور. وقال الزجاج: إن البرج كل مرتفع، فلا حاجة إلى التشبيه، أو النقل، قال ابن عباس في الآية: هي هذه الاثنا عشر برجاً ، أولها الحمل، ويسمى بالكبش، ثم الثور، ثم الجوزاء، ثم السرطان، ثم الأسد، ويسمى بالليث ، ثم السنبلة، ثم الميزان، ثم العقرب، ثم القوس، ثم الجدي، ثم الدلو، ويسمى بالدالي ثم الحوت وقد نظمها بعضهم وفي قوله: ( حمل الثور جوزة السرطان / ورعى الليث سنبل الميزان ورمى عقرب بقوس لجدي / نزح الدلو بركة الحيتان. وهي منازل الكواكب السيارة السبعة، المريخ وله الحمل، والعقرب، والزهرة ولها الثور، والميزان وعطارد، وله الجوزاء، والسنبلة والقمر، وله السرطان. والشمس ولها الأسد، والمشتري وله القوس، والحوت وزحل وله الجدي والدلو قاله المحلى. وقد نظم بعضهم هذه السبعة بقوله: زحل شرى مريخه من شمسه/ فتزاهرت لعطارد الأقمار. فزحل نجم في السماء السابعة. والمشتري نجم في السماء السادسة. والمريخ نجم في السماء الخامسة. والشمس في الرابعة والزهرة في الثالثة. وعطارد في الثانية. والقمر في الأولى. والحاصل: إن خمسة من الكواكب السبعة أخذت عشرة بروج كل واحد أخذ اثنين وأن اثنين من السبعة وهما الشمس والقمر كل واحد منهما أخذ واحدًا من البروج المذكورة. { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا –الفرقان }  (وجعل فيها سراجاً) أي شمساً ومثله قوله (وجعل الشمس سراجاً) وقرئ سُرُجاً بالجمع أي النجوم العظام الوقادة ورجح الأولى أبو عبيدة وقال الزجاج في تأويل الثانية: أراد الشمس والكواكب (وقمراً منيراً) أي ينير الأرض إذا طلع، وقرئ قُمْراً بضم القاف وإسكان الميم، وهي قراءة ضعيفة شاذة وخص القمر بالذكر لنوع فضيلة عند العرب لأنها تبني السنة على الشهور القمرية. – من  كتاب فتح البيان للقنوجي  ]

وفي حاشية الصاوي على تفسير الجلالين :

[ قوله: ﴿ بُرُوجاً ﴾ جمع برج وهو الأصل القصر العالي، سميت هذه المنازل بروجاً، لأنها للكواكب السبعة السيارة، كالمنازل الرفيعة التي هي كالقصور لسكانها، فالمراد بالبروج الطرق والمنازل للكواكب السيارة. قوله: (الحمل) أي ويسمى بالكبش. قوله: (والأسد) أي ويسمى بالليث أيضاً، وقوله: (والدلو) ويسمى الدلى أيضاً. قوله: (المريخ) بكسر الميم. قوله: (وله) أي من البروج المذكورة، والحاصل أن خمسة من الكواكب السبعة أخذت عشر بروج، كل واحد اثنين واثنان من السبعة وهما الشمس والقمر، كل واحد منهما أخذ واحداً من البروج، وتقدم في سورة الحجر نظم الكواكب والبروج، وتقدم أن زحل نجم في السماء السابعة، والمشتري في السادسة، والمريخ في الخامسة، والشمس في الرابعة، والزهرة في الثالثة، وعطار في الثانية، والقمر في الأولى، وتخصيص الشمس بالأسد لكونه بيتها المنسوب لها، فلا ينافي سيرها في البروج كلها، وكذا غيرها من باقي الكواكب السبعة، وذلك لأن البروج أصلها في سماء الدنيا وتمتمد للسماء السابعة، فالبروج كلها طرق للكواكب السبعة كلها. قوله: (والزهرة) بفتح الهاء. قوله: (وعطارد) بضم العين ممنوع من الصرف منتهى الجموع. قوله: (وزحل) ممنوع من الصرف للعلمية والعدل كعمر، وقد جعل الله تعالى بهذه الكواكب النفع في العالم السفلي كالأكل والشرب، يوجد النفع عندها لا بها، فهي من جملة الأسباب العادية، فمن اعتقد تأثيرها بطبعها فقد كفر، أو بقوة جعلها الله فيها فقد فسق. قوله: ﴿ وَجَعَلَ فِيهَا ﴾ أي السماء، قوله: (أي نيرات) صفة لموصوف محذوف، أي كواكب نيرات ودخل فيها القمر، فلذلك قال: (وخص القمر) الخ. قوله: (لنوع فضيلة) أي لأن مواقيت العبادة تبنى على الشهور القمرية قال تعالى:﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَٱلْحَجِّ – البقرة 189  ﴾[
قوله: (أي يخلف كل منهما الآخر) أي بأن يقوم مقامه، فكل واحد من الليل والنهار يخلف صاحبه. قوله: (بالتشديد) أي فأصله يتذكر قلبت التاء دالاً وأدغمت في الذال. قوله: (والتخفيف) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: (كما تقدم) أي في قوله:﴿ لَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُواْ  – الفرقان 50 ﴾ – حاشية الصاوي علىى تفسير الجلالين ] .

وعن هذه الكواكب السيارة ورد في كتاب رسائل إخوان الصفا وخلا نالوفا تفاصيلها كما يلي  :

[الْحَمْدُ لِلهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ

اعلم أيها الأخ البار الرحيم، أيدك الله وإيانا بروح منه، أنَّا قد فرغنا من رسالة المدخل إلى علم الهندسة، وبيَّنا فيها الهندسة الحسية والعقلية، واستوفينا الكلام في الخطوط والأشكال والزوايا التي لا بد للمهندسين أَنْ يعرفوها، ونُريد أن نذكر في هذه الرسالة طرفًا مِن علم النجوم مثل ما فيها، فنقول:

إن علم النجوم ينقسم ثلاثةَ أقسام، قسم منها هو معرفة تركيب الأفلاك وكمية الكواكب وأقسام البروج وأبعادها وعظمها وحركاتها وما يتبعها من هذا الفن، ويسمى هذا القسم «علم الهيئة»، ومنها قسمٌ هو معرفةُ حَلِّ الزيجات وعمل التقاويم واستخراج التواريخ، وما شاكل ذلك، ومنها قسمٌ هو معرفة كيفية الاستدلال بدوران الفلك، وطوالع البروج، وحركات الكواكب على الكائنات قبل كونها تحت فلك القمر، ويسمى هذا النوع «علم الأحكام»، فنُريد أن نذكر في هذه الرسالة من كل نوع طرفًا شبه المدخل؛ كيما يسهل الطريق على المتعلمين ويقرب تناولُهُ للمبتدئين، فنقول:

أصل علم النجوم هو معرفة ثلاثة أشياء وهي الكواكب والأفلاك والبروج، فالكواكبُ أجسام كريات مستديرات مضيئات وهي ألفٌ وتسعةٌ وعشرون كوكبًا كبارًا التي أدركت بالرصد منها سبعة يقال لها: السيارة، وهي: زُحل والمشتري والمريخ والشمس والزهرة وعطارد والقمر، والباقية يُقال لها: ثابتةٌ ولكل كوكب من السبعة السيارة فلك يخصه.

والأفلاك هي أجسام كريات مشفات مجوفات، وهي تسعة أفلاك مركبة بعضها في جوف بعض كحلقة البصلة فأدناها إلينا فلك القمر وهو محيطٌ بالهواء من جميع الجهات كإحاطة قشرة البيضة ببياضها والأرض في جوف الهواء كالمح في بياضها، ومن وراء فلك القمر فلك عطارد، ومن وراء فلك عطارد فلك الزهرة، ومن وراء فلك الزهرة فلك الشمس، ومن وراء فلك الشمس فلك المريخ، ومن وراء فلك المريخ فلك المشتري، ومن وراء فلك المشتري فلك زحل، ومن وراء فلك زحل فلك الكواكب الثابتة، ومن وراء فلك الكواكب الثابتة فلك المحيط، وهذا مثال ذلك:

وذلك أن الفلك المحيطَ دائمُ الدوران كالدولاب، يدور من المشرق إلى المغرب فوق الأرض، ومن المغرب إلى المشرق تحت الأرض في كل يوم وليلة دورة واحدة ويدير سائر الأفلاك والكواكب معه، كما قال الله — عز وجل: وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ، وهذا الفلك المحيط مقسومٌ باثني عشر قسمًا كجزر البطيخة كل قسم منها يسمى بُرجًا، وهذه أسماؤُها: الحملُ والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت، فكل برج ثلاثون درجة جملتها ثلاثمائة وستون درجة وكل درجة ستون جزءًا، كل جزء يسمى دقيقة جملتها واحد وعشرون ألفًا وستمائة دقيقة، وكل دقيقة ستون جزءًا يسمى ثانية وكل ثانية ستون جزءًا وكل جزء يسمى ثالثة، وهكذا إلى الروابع والخوامس وما زاد بالغًا ما بلغ، مثال ذلك:

وهذه البروج توصف بأوصاف شتى من جهات عدة، وقبل وصفها نحتاج أن نذكر أشياء لا بد من ذِكْرها، منها: أن الزمان أربعة أقسام، وهي: الربيع والصيف والخريف والشتاء، والجهات أربعٌ، وهي: المشرق والمغرب والجنوب والشمال. والأركان أربعةٌ وهي: النارُ والهواءُ والماء والأرض. والطبائع أربعٌ وهي: الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة. والأخلاطُ أربعٌ وهي: الصفراء والسوداء والبلغم والدم. والرياح أربع وهي: الصبا والدبور والجريباء والتيماء.

(١) فصل في ذكر صفة البروج

فنقول: منها ستة شمالية وستة جنوبية وستة مستقيمة الطلوع وستة معوجة الطلوع، وستة ذكور وستة إناث وستة نهارية وستة ليلية وستة فوق الأرض وستة تحت الأرض، وستة تطلع بالنهار وستة تطلع بالليل وستة صاعدة وستة هابطة وستة يمنة وستة يسرة وستة من حيز الشمس وستة من حيز القمر.

تفصيلها: أما الستة الشمالية فهي الحمل والثور والجوزاءُ والسرطان والأسد والسنبلة، وإذا كانت الشمسُ في واحد منها يكون الليلُ أَقْصَرَ والنهار أطول، وأما الستة الجنوبية فهي الميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت، وإذا كانت الشمسُ في واحدٍ منها يكونُ الليلُ أطول والنهار أقصر، وأما المستقيمة الطلوع فهي السرطان والأسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس، وكل واحد منها يطلع في أكثر من ساعتين، وإذا كانت الشمس في واحد منها تكون هابطة من الشمال إلى الجنوب ومن الأوج إلى الحضيض والليل آخذ من النهار.

وأما المعوجة الطلوع فهي الجدي والدلو والحوت والحمل والثور والجوزاء، وكل واحد منها يطلع في أقل من ساعتين، وإذا كانت الشمسُ في واحد منها تكون صاعدةً من الجنوب إلى الشمال ومن الحضيض إلى الأوج والنهار آخذٌ من الليل، وأما الستة الذكور النهارية فهي الحمل والجوزاء والأسد والميزان والقوس والدلو، وأما الستة الإناث الليلية فهي الثور والسرطان والسنبلة والعقرب والجدي والحوت.

وأما الستة التي تطلع بالنهار فهي من البرج الذي فيه الشمسُ إلى البرج السابع منها، والستة التي تطلع بالليل هي من البرج السابع إلى البرج الذي فيه الشمس، وأما الستة التي من حيز الشمس فهي من بُرج الأسد إلى برج الجدي، والستة التي من حيز القمر هي من بُرج الدلو إلى برج السرطان، ومن وجهٍ آخرَ هذه البروجُ تنقسم أربعة أقسام، منها ثلاثة ربيعيةٌ صاعدةٌ في الشمال زائدة النهار على الليل، وهي: الحمل والثور والجوزاء، وثلاثة صيفية هابطة في الشمال آخذة الليل من النهار، وهي: السرطان والأسد والسنبلة، منها ثلاثة خريفية هابطةٌ في الجنوب زائدة الليل على النهار، وهي: الميزان والعقرب والقوس، ومنها ثلاثةٌ شتويةٌ صاعدةٌ من الجنوب آخذة النهار من الليل، وهي: الجدي والدلو والحوت.

وتنقسم هذه البروج من جهة أُخرى أربعة أقسام ثلاثةٌ منها مثلثات ناريات حارات يابسات شرقيات على طبيعة واحده، وهي: الحمل والأسد والقوس، وثلاثة منها مثلثات ترابيات باردات يابسات جنوبيات على طبيعة واحدة، وهي: الثور والسنبلة والجدي، وثلاثة منها مثلثات هوائيات حارات رطبات غربيات على طبيعة واحدة وهي: الجوزاء والميزان والدلو، ومنها مثلثات مائيات باردات رطبات شماليات على طبيعة واحدة، وهي: السرطان والعقرب والحوت، وكذلك من جهة أُخرى تنقسم هذه البروجُ ثلاثة أثلاث، أربعة منها منقلبة الزمان، وهي: الحمل والسرطان والميزان والجدي، وأربعة منها ثابتة الزمان وهي: الثور والأسد والعقرب والدلو، وأربعة منها ذوات الجسدين وهي: الجوزاء والسنبلة والقوس والحوت.

فقد بَانَ بهذا الوصف في هذا الشكل أن لو كانت البروج أكثر من اثني عشر أو أقل من ذلك لَمَا استمرت فيه هذه الأقسام على هذا الوجه الذي ذكرنا، فإذا بواجب الحكمة كانت اثني عشر؛ لأن الباري — جَلَّ ثناؤُهُ — لا يفعل إلا الأحكم والأتقن، ومن أجل هذا جعل الأفلاك كريات الشكل؛ لأن هذا الشكل أفضل الأشكال، وذلك أنه أوسعها وأبعدها من الآفات وأسرعها حركة ومركزُهُ في وسطه وأقطارُهُ متساوية ويحيط به سطحٌ واحد ولا يماس غيره إلا على نقطة ولا يوجد في شكل غيره هذه الأوصاف، وجعل أيضًا حركته مستديرة؛ لأنها أفضل الحركات، وهذه البروجُ الاثنا عشر تنقسم بين هذه الكواكب السبعة السيارة من عدة وجوه، ولها فيها أقسامٌ وخطوطٌ من وجوه شتى، فمنها البيت والوبال، ومنها الأوج والحضيض، ومنها الشرف والهبوط، ومنها الجوزهر يعني: الرأس والذنب، ومنها ربوبية المثلثات، ومنها ربوبيةُ الوجوه، ومنها ربوبيةُ الحدود، ومنها ربوبيةُ النوبهرات، ومنها ربوبية الاثنَي عشريات، ومنها ربوبيةُ مواضع السهام، وغير ذلك، وأن هذه الكواكب السيارة كالأرواح، والبُرُوج لها كالأجساد.

(٢) فصل في ذِكْر البيوت والوبال

فنقول: اعلم أَنَّ الأسد بيتُ الشمس والسرطان بيت القمر والجوزاء والسنبلة بيتا عطارد والثور والميزان بيتا الزهرة والحمل والعقرب بيتا المريخ والقوس والحوت بيتا المشتري والجدي والدلو بيتا زحل، ولكُلِّ واحدٍ مِنْ هذه الكواكب الخمسة بيتٌ مِنْ حيز الشمس وبيتٌ مِنْ حيز القمر، ووبال كل كوكب في مقابلة بيته، وهذه الكواكبُ لبعضها في بيوت بعض مواضعُ مخصوصةٌ، فمنها الشرف والهبوط ومنها الأوج والحضيض ومنها الجوزهر، مثال ذلك:

تفسيرُ ذلك: فأما الشرفُ فهو أَعَزُّ موضع للكواكب في الفلك والهبوط ضده، والأوج أعلى موضع للكواكب في الفلك والحضيض ضده، فشرفُ الشمس في الحمل وهو بيت المريخ وأوجها في الجوزاء بيت عطارد وشرف زحل في الميزان بيت الزهرة وأوجه في القوس بيت المشتري وجوزهره في السرطان بيت القمر. ومعنى الجوزهر: تقاطُع طريق الكواكب لطريق الشمس بممرها في البُرُوج في موضعين؛ أحدهما يُسَمَّى رأس الجوزهر والآخر ذنب الجوزهر، وذلك أن زحل إذا سار في البروج يكونُ مسيرُهُ في ستة أبراج عن يمنة طريق الشمس ثم يعبر إلى الجانب الآخر ويسير ستة أبراج عن يسرة طريق الشمس، فيحدث لطريقها تقاطعٌ في موضعين أحدُهُما يسمى الرأس والآخر الذنب، وهذا مثاله:

ولكل كوكب من الخمسة السيارة جوزهر مثل ما لزحل مذكور ذلك في الزيجات، وأما المذكور في التقاويم فهو الذي للقمر، ويقال لهما أيضًا: العقدتان، وإنما اختص ذكرهما في التقاويم؛ لأنهما ينتقلان في البروج والدرج ولهما سير كسير الكواكب ولهما دلالة كدلالة الكواكب.

وإذا اجتمع الشمسُ والقمر في وقتٍ من الأوقات عند أحدهما في برج واحد ودرجةٍ واحدة انكسفت الشمس، ولا يكون ذلك إلا في آخر الشهر؛ لأن القمر يصير محاذيًا لموضع الشمس من البرج والدرجة فيمنع نور الشمس عن أبصارنا فنراها منكسفة مثل ما تَمنع قطعة غيم عن أبصارنا نور الشمس إذا مرت محاذية لأبصارنا ولعين الشمس، وإذا كانت الشمس عند أحدهما وبلغ القمر إلى الآخر انكسف القمر ولا يكون كسوف القمر إلا في نصف الشهر؛ لأن القمر في نصف الشهر يكون في البرج المقابل للبرج الذي فيه الشمس وتكون الأرض في الوسط فتمنع نور الشمس عن إشراقه على القمر فيُرى القمر منكسفًا؛ لأنه ليس له نور من نفسه، وإنما يكتسي النور من الشمس، ومثال ذلك:

وشرف المشتري في السرطان، وأوجه في السنبلة، ورأس جوزهره في الجوزاء، وشرف المريخ في الجدي وأوجُهُ في الأسد وجوزهره في الحمل، وشرف الزهرة في الحوت وأوجها في الجوزاء ورأس جوزهرها في الثور، وشرف عطارد في السنبلة وأوجه في الميزان وجوزهره في الحمل، وشرف القمر في الثور وأوجه في البروج متحرك يعرف موضعه ذلك من التقويم والزيج، وجملته أن القمر إذا قارن الشمسَ فهو عند الأوج أو قابلها فهو عند الأوج، وفي مقابلة شرف كل كوكب هبوطُهُ من البرج السابع مثله، وفي مقابلة الأوج الحضيض مثل ذلك، وفي مقابلة شرف رأس الجوزهر موضع الذنب من البرج السابع مثله.

(٣) فصل في ذكر أرباب المثلثات والوجوه والحدود

اعلم أن هذه الكواكب السيارة لبعضها في بيوت بعض شركة تسمى «ربوبية المثلثات»، ولها فيها أقسام تسمى «الوجوه»، ولها فيها خطوط تسمى «الحدود»، تفصيل ذلك أن كل ثلاثة أبراج على طبيعة واحدة تسمى المثلثات كما بين من قبل ذلك، وتديرها ثلاثة كواكب تسمى أرباب المثلثات يستدل بها على أثلاث أعمار المواليد، فأرباب المثلثات الناريات بالنهار الشمس ثم المشتري وبالليل المشتري ثم الشمس وشريكهما بالليل والنهار زحل، وأرباب المثلثات الترابيات بالنهار الزهرة ثم القمر وبالليل القمر ثم الزهرة وشريكهما بالليل والنهار المريخ، وأرباب المثلثات الهوائيات بالنهار زحل ثم عطارد وبالليل عطارد ثم زحل وشريكهما بالليل والنهار المشتري، وأرباب المثلثات المائيات بالنهار الزهرة ثم المريخ وبالليل المريخ ثم الزهرة وشريكهما بالليل والنهار القمر.

(٤) فصل في ذكر أرباب الوجوه

اعلم أن كل برج من هذه الأبراج ينقسمُ ثلاثة أثلاث، كل ثلث عشر درجات يسمى وجهًا منسوبًا ذلك إلى كوكب من السيارة يُقال له: «رب الوجه» يُستدل به على صورة المولود وعلى ظواهر الأُمُور، تفصيل ذلك العشر درجات الأولى من برج الحمل وجه المريخ وعشر درجات الثانية وجه الشمس وعشر درجات الأخيرة وجه الزهرة وعشر درجات من الثور وجه عطارد والعشر الثانية وجه القمر والعشر الأخيرة وجه زُحل وعشر درجات من الجوزاء وجه المشتري والعشر الثانية وجه المريخ والعشر الأخيرة وجه الشمس.

وعلى هذا القياس إلى آخر الحوت كل عشر درجات وجهٌ لكوكبٍ واحدٍ على توالي أفلاكها — كَمَا بَيَّنَّا — فأما ذكر الحدود وأربابها فإن كل برج من هذه الأبراج ينقسم بخمسة أقسام مختلفة الدرج أقل جزء منها درجتان وأكثرها اثنتا عشرة درجة كل جزء منها يُسمى حدًّا منسوبًا ذلك الحد إلى الكوكب من الخمسة السيارة، يقال له: «رب الحد» يستدل به على أخلاق المولود وليس للشمس ولا للقمر فيها نصيب، وقد صورنا لحسابه دائرة فيها مكتوب حرفان الحرف الأول من اسم صاحب الحد والثاني كمية درج الحد وكذلك حساب الوجوه حرفان اسم صاحب الوجه حرف والثاني كمية درج الوجه وهذه أسماؤها: كيوان «ك» مشتري «م» بهرام «ب» شمس «ش» قمر «ق» زهرة «ز» عطارد «ع».

فأما الأوسعُ من الدائرةِ فهو حسابُ الحُدُود حرفان حرفان والدائرةُ الوُسطى حساب الوجوه.

(٥) فصل في ذكر الكواكبِ السيارة

فنقول: اثنان منها نيران وهما الشمس والقمر، واثنان منها سعدان وهما المشتري والزهرة، واثنان منها نحسان وهما زحل والمريخ، وواحد ممتزج وهو عطارد، وعقدتان وهما الرأس والذنب.

ذكر طبائعها: «الشمس» ذكر حار ناري نهاري سعد «زحل» بارد يابس ذكر نهاري نحس «المشتري» حار رطب ذكر نهاري سعد «المريخ» حار يابس أنثى ليلي نحس «الزهرة» باردة رطبة مؤنثة ليلية سعد «عطارد» لطيف ممتزج سعد «القمر» بارد رطب أنثى ليلي سعد أسود «الرأس» مثل المشتري «الذنب» مثل زحل.

ذكر أنوارها: نور الشمس خمس عشرة درجة أمامها، ومثل ذلك خلفها نور زحل والمشتري كل واحد تسع درجات قدامه، ومثل ذلك خلفه نور المريخ ثماني درجات أمامه ومثل ذلك خلفه، نور الزهرة وعطارد كل واحد سبع درجات أمامه ومثل ذلك خلفه، نور القمر اثنتا عشرة درجة قدامه ومثل ذلك خلفه.

ذكر ما لها من الأيام والليالي: اعلم أن الليل والنهار وساعاتهما مقسومةٌ بين الكواكب السيارة، فَأَوَّلُ ساعة من يوم الأحد من ليلة الخميس للشمس، وأول ساعة من يوم الاثنين ومن ليلة الجمعة للقمر، وأول ساعة من يوم الثلاثاء ومن ليلة السبت للمريخ، وأول ساعة من الأربعاء وليله الأحد لعطارد، وأول ساعة من يوم الخميس وليلة الاثنين للمشتري، وأول ساعة من يوم الجمعة وليلة الثلاثاء للزهرة، وأول ساعة من يوم السبت وليلة الأربعاء لزحل، فأما سائر ساعات الليل والنهار فمقسومة بين هذه الكواكب على توالي أفلاكها، مثال ذلك أن الساعة الثانية من يوم الأحد للزهرة التي فلكها دون فلك الشمس والساعة الثالثة لعطارد الذي فلكه دون فلك الزهرة والساعة الرابعة للقمر الذي فلكه دون فلك عطارد والساعة الخامسة لزحل والساعة السادسة للمشتري والساعة السابعة للمريخ والساعة الثامنة للشمس والتاسعة للزهرة والعاشرة لعطارد والحادية عشرة للقمر والثانية عشرة لزحل، وعلى هذا الحساب سائر ساعات الأيام والليالي يبتدئ من رب الساعة الأولى على توالي أفلاكها — كما بَيَّنَّا.

ذكر ما للكواكبِ من الأعداد

إن هذه الكواكب السيارة لكل واحد منها دلالةٌ على أعداد معلومة من السنين والشُّهُور والأيام والساعات يُستدلُّ بها على كمية أعمار المواليد وعلى طُول بقاء الكائنات في عالم الكون والفساد، فمنها:

زحل المشتري المريخ الشمس الزهرة عطارد القمر
العظمى ١٦٥ ٤٢٩ ٢٦٤ ١٤١ ١١٥١ ٤٨٦ ٥٢٥
الكبرى ٥١ عط سو قط قب عو مح
الوسطى ٤٣ مه ب م بط مب مح لط
الصغرى ح يب يه يب ح كه
العدادات ك يب ل ي ح صح
الرأس ح الذنب ب الجميع عه

ذكر دوران الفلك وقسمة أرباعه

الفلك المحيط دائم الدوران كالدولاب يدور من المشرق إلى المغرب فوق الأرض ومن المغرب إلى المشرق تحت الأرض، فيكون في دائم الأوقات نصف الفلك ستة أبراج مائة وثمانين درجة فوق الأرض ويسمى يمنة، والنصف الآخر ستة أبراج مائة وثمانين درجة تحت الأرض يسمى يسرة، وكلما طلعت درجة من أفق المشرق غابت نظيرتها في أفق المغرب من البرج السابع منه فيكون في دائم الأوقات ستة أبراج طلوعها بالنهار وستة طلوعها بالليل ويكون في دائم الأوقات درجة في أفق المشرق وأخرى نظيرتها في أفق المغرب ودرجة أخرى في كبد السماء ويسمى وتد العاشر، وأخرى نظيرتها منحطة تحت الأرض تسمى وتد الرابع فيكون الفلك في دائم الأوقات منقسمًا بأربعة أرباع كل ربع منها تسعون درجة، فمن أفق المشرق إلى وتد السماء تسعون درجة، يقال لها: الربع الشرقي الصاعد في الهواء، ومن وتد السماء إلى وتد المغرب تسعون درجة يقال لها: الربع الجنوبي الهابط، ومن وتد المغرب إلى وتد الأرض تسعون درجة يقال لها: الربع الغربي الهابط في الظلمة، ومن وتد الأرض إلى وتد المشرق تسعون درجة يقال لها: الربع الشمالي الصاعد، وهذا مثال ذلك:

ذكر دوران الشمس في البروج وتغييرات أرباع السنة

الشمس تدور في البروج الاثني عشر في كل ثلاثمائة وخمسة وستين يومًا وربع دورة واحدة تقيم في كل برج ثلاثين يومًا وكسرًا، وفي كل درجة يومًا وليلة وكسرًا تكون بالنهار فوق الأرض وبالليل تحت الأرض وتكون في الصيف في البروج الشمالية في الهواء وتقرب من سمت رءوسنا وتكون في الشتاء في البروج الجنوبية وتنحط في الهواء، وتبعد من سمت رءوسنا، وفي الأوج ترتفع في الفلك وتبعد من الأرض، وفي الحضيض تنحط في الفلك وتقرب من الأرض والدائرة الآتية مثاله وصورته:

ذكر نزول الشمس في أرباع «الفلك وتغييرات الأزمان»

إذا نزلت الشمس أول دقيقة من برج الحمل استوى الليل والنهار، واعتدل الزمان، وانصرف الشتاء، ودخل الربيع، وطاب الهواء، وهب النسيم فذابت الثلوج، وسالت الأودية، ومدت الأنهار، ونبعت العيون، ونبت العشب، وطال الزرع، ونما الحشيش، وتلألأ الزهر وأورق الشجر، وتفتح النور، واخضرَّ وجه الأرض، ونتجت البهائم، ودرت الضروع، وتكوَّنت الحيوانات، وانتشرت على وجه الأرض، وأخرجت الأرض زخرفها وازَّينت، وفرح الناس واستبشروا، وصارت الدنيا كأنها جارية شابة تزينت، وتجلت للناظرين.

ذكر دخول الصيف

إذا بلغت الشمس آخر الجوزاء وأول السرطان تناهى طول النهار وقصر الليل، وأخذ النهار في النقصان، وانصرف الربيع، ودخل الصيف، واشتد الحر، وحمي الهواء، وهبت السموم، ونقصت المياه، ويبس العشب، واستحكم الحب، وأدرك الحصاد، ونضجت الثمار، وسمنت البهائم، واشتدت قوة الأبدان، وأخصبت الأرض، وكثر الريف، ودرت أخلاف النعم، وبطر الإنسان، وصارت الدنيا كأنها عروس غنية منعمة رعناء ذات جمال.

ذكر دخول الخريف

وإذا بلغت الشمس آخر السنبلة وأول الميزان استوى الليل والنهار مرة أخرى، وأخذ الليل في الزيادة على النهار، وانصرف الصيف ودخل الخريف وبرد الهواء وهبت ريح الشمال، وتغير الزمان، وجفت الأنهار، وغارت العيون، واصفر ورق الأشجار، وصرمت الثمار، وديست البيادر، وأحرز الحب، وفني العشب، واغبر وجه الأرض، وهزلت البهائم، وماتت الهوام، وانحجزت الحشرات، وانصرف الطير والوحش يطلب البلدان الدفئة، وأخذ الناس يحرزون القوت للشتاء، وصارت الدنيا كأنها كهلة مُدْبِرة قد تَوَلَّتْ عنها أيامُ الشباب.

ذكر دخول الشتاء

وإذا بلغت الشمس آخر القوس وأول الجدي؛ تناهى طول النهار، وأخذ الليل في الزيادة، وانصرف الخريف، ودخل الشتاء، واشتد البرد، وخشن الهواء، وتساقط ورق الأشجار، ومات أكثرُ النبات، وانحجرتْ هوام الحيوانات في باطن الأرض، وضعفتُ قوى الأبدان، وعَرِيَ وجهُ الأرض من زينته، ونشأت الغيوم، وكثرت الأنداء، وأظلم الهواء، وكلح وجه الأرض، وهرم الزمان، ومُنع الناس عن التصرُّف، وصارت الدنيا كأنها عجوز هرمة قد دنا منها الموت، وإذا بلغت الشمس آخر الحوت وأول الحمل عاد الزمان كما كان في العام الأول وهذا دأبه، ذلك تقديرُ العزيز العليم.

ذكر دوران زحل في البرج وحالاته من الشمس

زحل يدور في البروج الاثني عشر — في كل ثلاثين سنة بالتقريب — دورةً واحدة، يقيم في كل برج سنتين ونصفًا وفي كل درجة شهرًا، وفي كل دقيقة اثنتَي عشرة ساعة، وتُقابلُهُ الشمسُ في كل سنة مرة واحدة إذا صارت الشمسُ في السابع منه وتربعه مرتين، مرة يمنة ومرة يسرة، وتقارنه في كل سنة مرة إذا صارتْ معه في برجٍ واحد ودرجة واحدة، ثم تجاوزُهُ الشمسُ، ويظهر زحل بعد عشرين يومًا من المشرق بالغدوات قبل طلوع الشمس، ويسيرُ زُحلُ من وقت مفارقة الشمس إلى أن تقارنه مرة أخرى ثلاثمائة واحدًا وثمانين يومًا، من ذلك مائة وثلاثة وعشرون يومًا مستقيمًا مشرقًا ومائة وأربعة وثلاثون يومًا راجعًا ومائة وأربعة وعشرون يومًا مستقيمًا مغربًا، وذلك دأبهما في كل سنة، وفيما يلي مثال ذلك:

ذكر دوران المشتري في البروج وحالاته من الشمس

المشتري يدور في البروج الاثني عشر في اثنتي عشرة سنة بالتقريب مرة واحدة يقيم في كل برج سنة وفي كل درجتين ونصف شهرًا وفي كل خمس دقائق يومًا وليلة، وتقابله الشمس في كل مرة إذا صارتْ معه في البرج السابع منه، وتربعه مرتين مرة يمنى ومرة يسرى، وتقارنه في كل سنة مرة إذا صارت معه في برج واحد ودرجة واحدة، ثم تجاوزه الشمس ويظهر المشتري بعد عشرين يومًا من المشرق بالغدوات قبل طلوعها، ويسير المشتري من وقت مفارقتها إلى وقت مقارنتها دفعة أخرى ثلاثمائة وتسعة وتسعين يومًا من ذلك مائة وأربعة وأربعون يومًا مستقيمًا مشرقًا ومائة وأحد عشر يومًا راجعًا ومائة وأربعة وأربعون يومًا مستقيمًا مغربًا، وذلك دأبهما، وهذه دائرة مثال ذلك المذكور وصورته:

ذكر دوران المريخ في الفلك وحالاته من الشمس

المريخ يدور في الفلك في مدة سنتين إلا شهرًا واحدًا بالتقريب يقيم في كل برج خمسة وأربعين يومًا يزيد وينقص ويقيم في كل درجة مقدار يوم وبعض يوم، فإذا رجع في البرج أقام فيه ستة أشهر يزيد وينقص وتقابله الشمس في هذه المدة مرة واحدة عند رجوعه من البرج السابع وتربعه مرتين مرة يمنى ومرة يسرى وتقارنه في هذه المدة مرة إذا صارت معه في برج واحد ودرجة واحدة، ثم تجاوره الشمس ويسير المريخ تحت شعاع الشمس مقدار شهرين، ثم يظهر بالغدوات من المشرق قبل طلوع الشمس مقدار شهرين، ويسير المريخ من وقت مفارقة الشمس له إلى أن تقارنه مرة أخرى ٨٥٨ يومًا من ذلك ٣٢٥ يومًا مستقيمًا مشرقًا و٨٨ يومًا راجعًا و٤٥٥ يومًا مستقيمًا مغربًا وهذا دأبه، ذلك تقدير العزيز العليم.

ذكر دوران الزهرة في الفلك

الزهرة تدور في البروج مثل دوران الشمس غير أنها تسرع السير تارة فتسبق الشمس وتصير قدامها، وتارة تبطئ في السير فترجع وتصير خلفها فتقارنها مرة وهي راجعة ومرة أخرى وهي مستقيمة، فإذا قارنتها وهي راجعة ظهرت بعد خمسة أيام طالعة من المشرق بالغدوات قبل طلوع الشمس وترى ثمانية أشهر تطلع في أواخر الليل، فيقال لها: مشرقية ثم تسرع في السير وتلحق بالشمس وتسير تحت شعاعها ثلاثة أشهر لا ترى، ثم تظهر بالعشيات في المغرب بعد غروب الشمس فترى ثمانية أشهر ثم تغيب في أول الليل وتسمى مغربية فمن وقت مقارنتها الشمس وهي مستقيمة إلى أن تقارنها مرة أخرى يكون ٤٧٨ يومًا، ومن ذلك تكون ٤٥ يومًا راجعة والباقي مستقيمة وأكثر ما تبعد عن الشمس ٤٨ درجة قدامها، ومثل ذلك خلفها، وذلك دأبها.

ذكر دوران عطارد في الفلك وحالاته من الشمس

حالات عطارد من الشمس مثل حالات الزهرة منها غير أن عطارد من وقت مفارقة الشمس وهو مستقيم السير إلى أن يقارنها مرة أخرى على تلك الحال؛ يكون ١٢٤ يومًا من ذلك ٢٢ يومًا راجعًا والباقي مستقيمًا، وأكثر ما يبعد من الشمس ٢٧ درجة قدامها ومثل ذلك خلفها، ويرجع في كل سنة ثلاث مرات، ويحترق ست مرات، ويشرق ثلاث مرات، ويغرب ثلاث مرات، وذلك دأبه.

ذكر دوران القمر في الفلك وحالاته من الشمس

القمر يدور في البروج في كل سنة عربية اثنتَي عشرة مرة في كل شهر مرة، ويقيم في كل برج يومين وثلثًا وفي كل منزل يومًا وليلة وفي كل درجة ساعتين بالتقريب، ويقابل الشمس في كل شهر مرة، ويربعها مرتين مرة يمنة ومرة يسرة، ويقارنها في كل شهر مرة فلا يرى يومين، ثم يظهر في المغرب بعد مغيب الشمس، ويهل ثم يزيد في نوره كل ليلة نصف سبع إلى أن يستكمل ويمتلئ من النور ليلة البدر الرابع عشر من كل شهر، ثم يأخذ في النقصان فينقص كل ليلة نصف السبع إلى أن يمحق في آخر الشهر.

وللقمر في البُرُوج ثمانيةٌ وعشرون منزلة — كما قال الله تعالى: وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ وفي كل ثلاثة أبراج منها سبعةُ منازل، وفي كل بُرج منزلتان وثلث، وهذه أسماؤُها: السرطان البطين الثريا الدبران الهقعة الهنعة الذراع، وهذه منازلُ الربيع: النثرة الطرف الجبهة الزئرة الصرفة العواء السماك، وهذه منازل الصيف الغفر الزبانيان الإكليل القلب الشولة النعائم البلدة، وهذه منازل الخريف: سعد الذابح سعد بلع سعد السعود سعد الأخبية الفرع المقدم الفرع المؤخر بطن الحوت، وهذه منازل الشتاء: الحمل بيت المريخ وشرف الشمس وهبوط زحل ووبال الزهرة، وهو برج ناري شرقي ذكر منقلب طبيعته المرة الصفراء ربيعي إذا نزلت الشمس أول دقيقة منه استوى الليل والنهار، وأخذ النهار يزيد والليل ينقص ثلاثة أشهر تسعين يومًا.

وله ثلاثة أوجُه وخمسة حدود «الثور» بيت الزهرة وشرف القمر ووبال المريخ وهو برج ترابي ليلي جنوبي ثابت ربيعي، وطبيعته المرة السوداء، وله ثلاثة وجوه وخمسة حدود، «الجوزاء» وشرف الرأس وهبوط الذنب ووبال المشتري وهو برج هوائي ذكر نهاري غربي ربيعي دموي ذو جسدين وفي آخره ينتهي طول النهار وقصر الليل، وله ثلاثة وجوه وخمسة حدود، و«السرطان» بيت القمر وشرف المشتري وهبوط المريخ ووبال زحل وهو برج مائي أنثى ليلي شمالي منقلب صيفي بلغمي.

وفي أوله يبتدئ الليل بالزيادة والنهار في النقصان تسعون يومًا، وله ثلاثة وجوه وخمسة حدود، «الأسد» بيت الشمس وليس فيه شرف ولا هبوط وهو وبال زحل وهو برج ناري ذكر نهاري شرقي ثابت صيفي طبيعته مرة صفراء وله ثلاثة وجوه وخمسة حدود، «السنبلة» بيت عطارد وشرفه وهبوط الزهرة ووبال المشتري وهو برج ترابي ليلي أنثي جنوبي صيفي ذو جسدين طبيعته السوداء، وفي آخره يستوي الليل والنهار مرة أخرى، وله ثلاثة وجوه وخمسة حدود، «الميزان» بيت الزهرة وشرف زحل وهبوط الشمس ووبال المريخ وهو برج ذكر هوائي نهاري غربي منقلب خريفي دموي، وفي أوله يبتدئ الليل بالزيادة على النهار ثلاثة أشهر تسعون يومًا.

وله ثلاثة وجوه وخمسة حدود، «العقرب» بيت المريخ وهبوط القمر ووبال الزهرة وهو برج مائي ليلي أنثى خريفي شمالي بلغمي، وله ثلاثة وجوه وخمسة حدود، «القوس» بيت المشتري وشرف الذنب وهبوط الرأس ووبال عطارد وهو برج ناري ذكر نهاري ذو جسدين خريفي طبيعته المرة الصفراء، وفي آخره ينتهي طولُ الليل وقِصَرُ النهار وله ثلاثةُ وُجُوه وخمسة حدود، «الجدي» بيتُ زحل وشرف المريخ وهبوط المشتري ووبال القمر وهو برجٌ ترابيٌّ ليلي منقلب طبيعتُهُ السوداء شتوي جنوبي وفي أوله يأخذ النهار في الزيادة والليل في النقصان ثلاثة أشهر، وله ثلاثة وجوه وخمسة حدود، «الدلو» بيت زحل وليس فيه شرفٌ ولا هبوط بل هو وبال الشمس وهو برج هوائي ذكر ناري غربي ثابت شتوي دموي وله ثلاثة وجوه وخمسة حدود، «الحوت» بيت المشتري وشرف الزهرة وهبوط عطارد ووباله وهو برج مائي أنثي ليلي شمالي بلغمي، وفي آخره يستوي الليل والنهار، ثم تنزل الشمس أول الحمل، ويستأنف الزمان مثل ما كان في العام الأول، ذلك تقدير العزيز العليم.

(٦) فصل في قران الكواكب

وهذه الكواكب السيارة تسير في هذه البروج الاثني عشر بحركاتها المختلفة — كما بينا — فربما اجتمع منها اثنان في برج واحد وثلاثة أو أربعة أو خمسة أو ستة أو كلها، وإذا اجتمع منها اثنان في درجة واحدة من البرج يقال: إنهما مقتربان، وأما في أكثر الأوقات فإنها تكونُ متفرقة في البروج فيعرف مواضعها في البروج والدرج كيف كانت متفرقةً أو مجتمعة من التقويم أو الزيج.

ذكر البيوت الاثني عشر

إذا ولد مولود أو حدث أمر من الأُمُور فلا بُدَّ من أن تكون في تلك اللحظة درجة طالعة من أفق المشرق فمن تلك الدرجة إلى تمام ثلاثين درجة فما يتلوها يُسمى طالع بيت الحياة سواء كانت تلك الدرج من برج واحد أو من برجين، ومن تمام ثلاثين درجة إلى تمام ستين درجة يسمى الثاني بيت المال، وإلى تمام تسعين درجة يسمى الثالث بيت الإخوة، وإلى تمام مائة وعشرين درجة يسمى الرابع بيت الآباء، وإلى تمام مائة وخمسين درجةً يسمى الخامس بيت الأولاد، وإلى تمام مائة وثمانين درجة يُسمى السادس بيت الأمراض، وإلى تمام مائتين وعشر درجات يسمى السابع بيت الأزواج، وإلى تمام مائتين وأربعين درجة يسمى الثامن بيت الموت، وإلى مائتين وسبعين درجة يسمى التاسع بيت الأسفار، وإلى تمام ثلاثمائة درجة يسمى العاشر بيت السرطان، وإلى ثلاثمائة وثلاثين درجة يسمى الحادي عشر بيت الرجاء، وإلى تمام ثلاثمائة وستين درجة يسمى الثاني عشر بيت الأعداد، وكل بيت من هذه البيوت يدل على أشياء كثيرة تركنا ذكرها؛ لأنها مذكورةٌ في كُتُب الأحكام بشرحها.

(٧) فصل في تَجَرُّد النفس واشتياقها إلى عالم الأفلاك

اعلم أيها الأخ البار الرحيم، أيدك الله وإيانا بروح منه، أن العاقل الفهم إذا نظر في علم النجوم وفكر في سعة هذه الأفلاك وسرعة دورانها وعظم هذه الكواكب وعجيب حركاتها وأقسام هذه البروج وغرائب أوصافِها كما وصفنا قبل؛ تشوقت نفسه إلى الصعود إلى الفلك والنظر إلى ما هناك معاينة، ولكن لا يُمكنُ الصعودُ إلى ما هناك بهذا الجسد الثقيل الكثيف، بل النفس إذا فارقت هذه الجثة ولم يعقها شيء من سوء أفعالها أو فساد آرائها وتراكم جهالاتها أو رداءة أخلاقها؛ فهي هناك في أقل من طرفة عين بلا زمان؛ لأن كونها حيث همتها ومحبوبها كما تكون نفس العاشق؛ حيث معشوقه، فإذا كان عشقها هو الكون مع هذا الجسد ومعشوقها هذه اللذات المحسوسة المحرقة الجرمانية وشهواتها هذه الزينة الجسمانية فهي لا تبرح من هاهنا ولا تشتاق الصعود إلى عالم الأفلاك ولا تفتح لها أبواب السماوات، ولا تدخل الجنة مع زُمَر الملائكة بل تبقى تحت فلك القمر سائحةً في قعر هذه الأجسام المستحيلة المتضادة تارة من الكون إلى الفساد وتارة من الفساد إلى الكون كلما نضجت جُلودُهُم بدلناهم جلودًا غيرها ليذوقوا العذاب لابثين فيها أحقابا ما دامت السماواتُ والأرضُ لا يذوقون فيها برد عالم الأرواح الذي هو الروحُ والريحان، ولا يجدون لذةَ شراب الجنان المذكور في القرآن، وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قَالُوا إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ، الظالمين لأنفسهم الكافرين لحقائق الأشياء ويروى عن رسول الله — صلى الله عليه وآله وسلم — أنه قال: «الجنة في السماء والنار في الأرض.»

ويُحْكَى في الحكمة القديمة أنه مَن قدر على خَلْع جسده ورفض حواسه وتسكين وساوسه وصعد إلى الفلك؛ جُوزي هناك بأحسن الجزاء، ويُقال: إن بطليموس كان يعشق علم النجوم، وجعل علم الهندسة سُلَّمًا صعد به إلى الفلك فمسح الأفلاك وأبعادها والكواكب وأعظامها ثم دَوَّنَه في المجسطي، وإنما كان ذلك الصعود بالنفس لا بالجسد وهكذا.

ويُحكى عن هرمس المثلث بالحكمة، وهو إدريس النبي — عليه السلام — أنه صعد إلى فلك زحل، ودار معه ثلاثين سنة حتى شاهد جميع أحوال الفلك، ثم نزل إلى الأرض فخبر الناس بعلم النجوم، قال الله تعالى: وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا.

وقال أرسططاليس في كتاب الثالوجيا شبه الرمزاني: ربما خلوت بنفسي، وخلعت بدني، وصرتُ كأني جوهرٌ مجردٌ بلا بدن، فأكون داخلًا في ذاتي خارجًا عن جميع الأشياء، فأرى في ذاتي من الحُسْن والبهاء ما أبقى له متعجبًا باهتًا فأعلم أني جزء من أجزاء العالم الأعلى الفاضل الشريف.

وقال فيثاغورس في الوصية الذهبية: إذا فعلت ما قلت لك يا ديوجانس وفارقت هذا البدن حتى تصير نحلًا في الجو فتكون حينئذٍ سائحًا غير عائد إلى الإنسانية ولا قابل للموت.

وقال المسيح — عليه السلام — للحواريين في وصية له: إذا فارقت هذا الهيكل فأنا واقف في الهواء عن يمنة عرش ربي وأنا معكم حيثما ذهبتم فلا تخالفوني حتى تكونوا معي في ملكوت السماء غدًا.

وقال رسول الله ﷺ لأصحابه في خطبة له طويلة: «أنا واقف لكم على الصراط وأنكم ستَرِدُون على الحوض غدًا فأقربكم مني منزلًا يوم القيامة من خرج من الدنيا على هيئة ما تركته، أَلَا لا تُغيروا بعدي ألا لا تبدِّلوا بعدي.»

فهذه الحكايات والأخبار كلها دليلٌ على بقاء النفس بعد مفارقة الجسد وأن الإنسان العاقل إذا استبصرتْ نفسه في هذه الدنيا وصَفَتْ من درن الشهوات والمآثم، وزهدت في الكون ها هنا، فإنها عند مفارقة الجسد لا يعوقها شيء عن الصعود إلى السماء ودخول الجنة والكون هناك مع الملائكة وفي مثل هذه النفوس قيل بالعربية شعر:

وما كان إلا كوكبًا كان بيننا

 

فودعنا جادت معاهده دهم

رأى المسكن العلوي أَوْلَى بمثله

 

ففاز وأضحى بين أشكاله نجم

فمن بلغ رتبة نفسه هذه المرتبة كما ذكرت من قبل صار بهذه المنزلة، إلا أن في هذه السماوات جنة لكنها محفوفةٌ بالمكاره، «قال» الله — عز وجل: إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ، وإنما ذكرنا هذه المعاني في هذه الرسالة؛ لأن أكثر أهل زماننا الناظرين في علم النجوم شاكُّون في أمر الآخرة، متحيرون في أحكام أمر الدين، جاهلون بأسرار النبوات، منكرون البعث والحساب، فدللناهم على صحة أُمُور الدين من صناعتهم، واحتججْنا عليهم من علمهم؛ ليكون أقرب من فهمهم وأوضح لتبيانهم.

(٨) فصل في علة انحصار الأفلاك والبروج والكواكب في عدد مخصوص

اعلم أيها الأخ البار الرحيم، أيدك الله وإيانا بروح منه، أن علة كون الأفلاك تسع طبقات والبروج اثني عشر والكواكب السيارة سبعة ومنازل القمر ثمانية وعشرين واقتصارها على هذه الأعداد؛ فيه حكمةٌ جليلةٌ لا يبلغ فهم البشر كُنه معرفتها، ولكن نذكر من ذلك طرفًا؛ ليكون تنبيهًا لنُفُوس المتعلمين المرتاضين بالنظر في خواص العدد ومطابقة الموجودات لخواص العدد وطبيعته على رأي الحكماء الفيثاغوريين، وذلك أن هؤلاء الحكماء لَمَّا نظروا في طبيعة العدد وجدوا لكل عدد خَاصِّيَّة ليست لغيره ثم تأملوا أحوالَ الموجودات فوجدوا كل نوع منها قد اقتصر على عدد مخصوص لا أقل ولا أكثر، ثم بحثوا عن طبيعة ذلك الموجود وخَاصِّيَّة ذلك العدد فكانا مطابقين، واستبان لهم إتقانُ الحكمة الإلهية فيها، فمن أجل هذا قالوا: إن الموجودات بحسب طبيعة العدد وخواصه.

فمن عرف طبيعة العدد وأنواعه وخواص تلك الأعداد؛ تبين له إتقانُ الحكمة وكون الموجودات على أعداد مخصوصة، فكون الكواكب السيارة سبعة مطابقٌ لأول عدد كامل، وكون الأفلاك تسعةً مطابق لأول عدد فرد مجذور، وكون البروج اثني عشر مطابق لأول عدد زائد، وكون المنازل ثمانية وعشرين مطابق لعدد تام، ولما كانت السبعة مجموعة من ثلاثة وأربعة وكان الاثنا عشر من ضرب ثلاثة في أربعة وثمانية وعشرون من ضرب سبعة في أربعة؛ فبواجب الحكمة صارت مقصورة على هذه الأعداد، وكانت السبعةُ والاثنا عشر والتسعة مجموعُها ثمانية وعشرون عددًا؛ لتكون الموجودات الفاضلة مطابقةً للأعداد الفاضلة.

(٩) فصل في حكمة اختلاف خواص الكواكب

وأما الحكمةُ في كون الكواكب السبعة السيارة اثنان منها نيران واثنان منها سعدان واثنان نحسان وواحد ممتزج، وكون البروج الاثني عشر أربعة منها منقلبة وأربعة ثابتة وأربعة ذوات جسدين، وكون العقدتين في خللها؛ فالحكمةُ في ذلك أكثر مما يُحصى، ولكن نذكر منها طرفًا ليكون دليلًا على الباقي، وذلك أن الباري — سبحانه وتعالى — بواجب حكمته جعل حال الموجودات بعضها ظاهرًا جليًّا لا يخفى وبعضها باطنًا خفيًّا لا تدركه الحواس، فمن الموجودات الظاهرة الجلية جواهر الأجسام وأعراضها وحالاتها، ومن الموجودات الباطنة الخفية جواهر النفس، ومن الموجودات الظاهرة الجلية للحواس أيضًا أمور الدنيا، ومن الموجودات الباطنة الخفية عن أكثر العقول أُمُور الآخرة ثم جعل ما كان منها ظاهرًا جليًّا دليلًا على الباطن الخفي، فمن ذلك النَّيِّران: الشمس والقمر؛ فإن أحدهما الذي هو القمر دليلٌ على أمور الدنيا وحالات أهلها من الزيادة والنقصان والتغيير والمحاق، والأخرى التي هي الشمس دليل على أمور الآخرة وحالات أهلها من التمام والكمال والنور والإشراق.

ومن ذلك حالُ السعدَين المشتري والزهرة؛ فإن أحدهما دليلٌ على سعادة أبناءِ الدنيا وهي الزهرة؛ وذلك أنها إذا استولتْ على المواليد دَلَّتْ لهم على نعيم الدنيا من الأكل والشرب والنكاح والميلاد، ومَنْ كانت هذه حالُهُ في الدنيا فهو من السعداء فيها، وأما المشتري فهو دليلٌ على سعادة أبناء الآخرة؛ وذلك أنه إذا استولى على المواليد دل لهم على صلاح الأخلاق وصحة الدين وصدق الورع ومحض التقى، ومن كانت هذه حاله في الدنيا فهو من السعداء في الآخرة.

ومن ذلك أيضًا النحسان: زحل والمريخ، فإن أحدهما دليل على منحسة أبناء الدنيا وهو زحل؛ وذلك أنه إذا استولى على المواليد دل ذلك على الشقاء والبؤس والفقر والمرض والعسر في الأمور، ومن كانت هذه حالُهُ في الدنيا فهو من الأشقياء فيها، وأما المريخ فإنه دليلٌ على منحسة أبناء الآخرة، وذلك أنه إذا استولى على المواليد دل لهم على الشرور من الفسق والفجور والقتل والسرقة والفساد في الأرض، ومن كانت هذه حالُهُ في الدنيا فهو من الأشقياء في الآخرة، وأما من استولى على مولده المشتري والزهرة فسعادتُهُما دلالة على السعادة في الدنيا والآخرة، ومن استولى على مولده زحل والمريخ فنحوستهما دلالة على منحسة الدنيا والآخرة، وأما امتزاج عطارد بالسعادة والنحوسة فهو دليلٌ على أمور الدنيا والآخرة وتعلق إحداهما بالأخرى، وأما كون البروج المنقلبة وحالاتها تدل على تقلُّب أحوال أبناء الدنيا، والبروج الثوابت تدل على ثبات أحوال أبناء الآخرة والبروج ذوات الجسدين تدل على تعلق أمور الدنيا والآخرة أحدهما بالآخر.

وقد قيل: إن طالع الدنيا السرطان وهو برجٌ منقلبٌ وأوتادُهُ مثله، وأما العقدتان اللتان تسمى إحداهما رأس التنين والأُخرى الذنَب فليسا بكوكبين ولا جسمين ولكنهما أمران خفيان — كَمَا بَيَّنَّا قبل — ولهما حركاتٌ في البرج كحركات الكواكب، ولهما دلالةٌ على الكائنات كدلالة الكواكب النحوس وهما خفيَّا الذات ظَاهِرَا الأفعال فخفاءُ ذاتيهما وظهورُ أفعالهما يدل على أن في العالم نفوسًا أفعالُها ظاهرة وذواتُها خفية يسمون الروحانيين، وهُمْ أجناسُ الملائكة وقبائلُ الجن وأحزاب الشياطين، فأجناسُ الملائكة هي نفوسٌ خيرةٌ موكلةٌ بحفظ العالم وصلاح الخليقة، وقد كانت متجسدةً قبلُ وقتًا من الزمان فتهذبت واستبصرت وفارقت أجسادها واستقلت بذاتها، وفازت ونجت وساحت في فضاء الأفلاك وسعة السماوات، فهي مغتبطةٌ فرحانةٌ مسرورةٌ ملتذةٌ ما دامت السماوات والأرض.

وأما عفاريت الجن ومردة الشياطين فهي نفوسٌ شريرةٌ مفسدة، وقد كانت متجسدة قبلُ وقتًا من الزمان ففارقت أجسادها غير مستبصرة ولا متهذبة فبقيتْ عميًا عن رؤية الحقائق صمًّا عن استماع الصواب بُكمًا عن النطق الفكري في المعاني اللطيفة، فهي سابحةٌ في ظلمات بحر الهيولى، غائصةٌ في قعر من الأجسام المظلمة ذي ثلاثة شعب تهوي في هاوية البرزخ كلما نضجتْ جلودُهُم بالبلاء بدلناهم جُلُودًا غيرها بالكون، فذلك دأبُهُم ما دامت السماوات والأرض لابثين فيها أحقابًا لا يجدون برد نسيم عالم الأرواح، ولا يذوقون لذة شراب المعارف، فهذه حالهم إلى يومِ يبعثون.

وأما الظاهر من تأثيرات الرأس والذنب فهو كسوفُ النيرين، وذلك أنهما من أَوْكَدِ الأسباب في كسوفهما، وإنما اقتضت الحكمةُ كسوف النيرين لكيما تزول التهمة والريبة من قلوب المرتابين بأنهما إلهان، فلو كانا إلهين ما انكسفا، وإنما صارتْ محنة الشخصين النيرين الجليلين بأمرين خفيين؛ ليكون دليلًا على أن أَعْظَمِ المحنة من الشيطان على الأنبياء — صلوات الله عليهم أجمعين — لأن الأنبياء هم شُمُوسُ بني آدم وأقمارُهُم، فمِن ذلك قصةُ إبليس مع آدم أبي البشر وإخراجه له من الجنة وقصة رُكُوبه مع نوح في السفينة وقصتُهُ مع إبراهيمَ خليل الرحمن يوم طُرِحَ في النار في إصلاح المنجنيق وقصته مع موسى — عليه السلام — حين وسوس إليه أن هذا الكلام الذي تسمع لعله ليس كلام رب العالمين، فعند ذلك قال موسى: رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي، وقصته مع المسيح وزكريا ويحيى — عليهم السلام — وغيرهم من الأنبياء معروفةٌ يطول شرحها، وإنما ذكرنا هذه الأحرف في هذه الرسالة؛ لأن أكثر أهل زماننا الناظرين في علم النجوم شَاكُّون في أمر الآخرة، متحيرون في أحكام الدين، جاهلون بأسرار النبوات، منكرون للحساب والبعث، فدَلَلْنَاهم على تحقيق ما أنكروه من صناعتهم؛ ليكون أقرب من فهمهم وأوضح لبيانهم، وكذلك فعلنا في سائر رسائلنا التي عملناها في فنون العلوم.

(١٠) فصل في علم أحكام النجوم

وإذ قد ذكرنا طرفًا من علم الهيئة وتركيب الأفلاك شبه المدخل والمقدمات فنريد أن نذكر أيضًا طرفًا من علم «الأحكام» الذي يعرف بالاستدلال:

اعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، أن العلماء مختلفون في تصحيح علم الأحكام وحقيقته، فمنهم من يرى ويعتقد أن للأشخاص الفلكية دلالات على الكائنات في هذا العالم قبل كونها، ومنهم من يرى ويعتقد أن لها أفعالًا وتأثيرات أيضًا مع دلالاتها، ومنهم مَن يرى ويعتقد أن ليس لها أفعالٌ ولا تأثيرات ولا دلالات البتة بل ترى أن حكمها حُكم الجمادات والموات بزعمهم، فأما الذين قالوا : إن لها دلالات فهُم أصحابُ الأحكام، وإنما عرفوا دلالاتها بكثرة العناية بالإرصاد لحركاتها وتأثيراتها والنظر فيها واعتبار أحوالها وشدة البحث عنها.

والناس لتصاريف أُمُورها على ممر الأيام والشهور والأعوام أمة بعد أمة وقرنًا بعد قرن كلما أدركوا شيئًا منها أَثبتوه في الكتب كما ذكروها في كتبهم بشرح طويل، وأما الذين أنكروا ذلك فهم طائفةٌ مِنْ أهل الجدل تركوا النظر في هذا العلم وأَعرضوا عن اعتبار أحوال الفلك وأشخاصه وحركاته ودورانه، وأغفلوا البحث عنها والتأمل لتصاريف أمورها فجهلوا ذلك وأنكروه وعادَوا أهلها وناصبوهم العداوة والبغضاء.

وأما الذين ذكروا أن لها مع دلالاتها أفعالًا وتأثيرات في الكائنات التي تحت فلك القمر، فإنما عرفوا ذلك بطريقٍ آخرَ غير طريق أصحاب الأحكام وبحث أشد من بحثهم واعتبار أكثر من اعتبارهم وهو طريق الفلسفة الروحانية والعلوم النفسانية وتأييد إلهي وعناية ربانية، ونُريد أن نذكر من هذا الفن طرفًا ليكون إرشادًا للمحبين للفلسفة والراغبين فيها ودلالة لهم عليها ورغبة فيها؛ أعني: علم الفلسفة.

فاعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، أن كواكب الفلك هم ملائكة الله وملوك سماواته خلقهم الله تعالى لعمارة عالمه وتدبير خلائقه وسياسة بريته، وهم خلفاءُ الله في أفلاكه، كما أَنَّ مُلُوك الأرض هم خلفاءُ الله في أرضه، خلفهم وملكهم بلاده، وولَّاهم على عباده ليعمروا بلاده، ويسوسوا عبادَه، ويحفظوا شرائعَ أنبيائه بإنفاذ أحكامهم على عباده، وحفظ نظامهم على أحسن حالات ما يتأتى فيهم وأتم غايات ما يمكنهم من البلوغ إليها وأفضل نهايات ما يصلون إليها إما في الدنيا وإما في الآخرة.

فعلى هذا المثال والقياس تجري أحكامُ هذه الكواكب في هذه الكائنات التي تحت فلك القمر، ولها أفعال لطيفة وتأثيرات خفية تدق على أكثر الناس معرفتها وكيفيتها كما تدق على الصبيان والجهال معرفة كيفية سياسة الملوك وتدبيرهم في رعيتهم، وإنما يعرف ذلك منها العقلاء والبالغون المتأملون للأُمُور، فهكذا أيضًا لا يَعرف كيفية تأثيرات هذه الكواكب وأفعالها في هذه الكائنات إلا الراسخون في العلوم من الحكماء والفلاسفة، البالغون في المعارف الربانية، الناظرون في العلوم الإلهية، المؤيدون من السماء بتأييد الله وإلهامه لهم. – رسائل إخوان الصفا وخلان الوفا ج 1 ] .

وهنا يبين تعالى أن هذه البروج ززين الله تعالى بها للسماء كما في قوله تعالى { ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين – الحجر 16 } ويبين تعالى أنه جعل مع هذه البروج شمساً سراجاً لأهل الأرض وقمراً منيراً في ظلمات الليل كما في قوله تعالى { تبارك الذي جعل في السماء بروجا و جعل فيها سراجا وقمرا منيرا – الفرقان 61} . وحيث أن البروج وردت في موضع بكتاب الله عن الحصون المشيدة في قوله تعالى { أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا – النساء 78 }

فيكون على ذلك قوله تعالى هنا { والسماء ذات البروج – البروج 1 } أي أن الآية تشير إلى تواجد  قلاع وحصون في السماء كما هى في الأرض تمنع نفاذ الشياطين وصعود الكفار والمنافقين إليها قال تعالى {  وَالصَّافَّاتِ صَفًّا فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا إِنَّ إِلَٰهَكُمْ لَوَاحِدٌ رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ لَّا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَىٰ وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ دُحُورًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَا ۚ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لَّازِبٍ – الصافات 1-11 } أي أن هذه القلاع والحصون حتى لو وصل إليها أي مخلوق ليمنع الموت عن نفسه فسيلاقه كما في قوله تعالى { قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم } وهنا حتى لو كان الفرار إلى السماء ذات البروج فلن تمنعه من الله تعالى و بالتالي لا مالجأ من الله تعالى إلا إليه .

وفي تفسير الدر المنثور عن البروج :

[ أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: البروج قصور في السماء. وأخرج ابن المنذر عن الأعمش قال: كان أصحاب عبد الله يقولون في قوله: { والسماء ذات البروج } ذات القصور.

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن أبي صالح في قوله: { ذات البروج } قال: النجوم العظام.
وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله ” أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن { والسماء ذات البروج } فقال: الكواكب، وسئل عن { تبارك الذي جعل في السماء بروجاً } فقال : الكواكب. قيل: بروج مشيدة فقال: قصور “.] .

وهنا المعنى حتى لو كان المقصد في أحد أوجه التفسير عن البروج أنها قصوراً فهناك قصوراً في جنة عدن بسماء الحياة الدنيا للنبي صلى الله عليه وآله قال تعالى فيها { تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا – الفرقان 10 } وهنا يكون القسم بالسماء وماحوته من جنات وقصور وزروع أعدها الله تعالى للذين آمنوا وعملوا الصاحالت وتولوه عز وجل ورسوله وأهل بيته عليهم السلام .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة في قوله: { والسماء ذات البروج } قال: بروجها نجومها ]

و في تفسير الطبري عن البروج  :

[ عن ابن عباس ( وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ) قال ابن عباس : قصور في السماء، قال غيره : بل هي الكواكب.حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( الْبُرُوجِ ) يزعمون أنها قصور في السماء، ويقال: هي الكواكب.وقال آخرون: عُنِي بذلك: والسماء ذات النجوم، وقالوا: نجومها: بروجها.* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: ( ذَاتِ الْبُرُوجِ ) قال : البروج : النجوم.- تفسير الطبري ] .

والبروج على عدد الأئمة أثني عشر وعلى عدد الشهور ونقباء بني إسرائيل و على عدد ساعات النهار

 ورد في تفسير البرهان : [ الشيخ المفيد في (الاختصاص): عن محمد بن علي بن بابويه، قال: حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل، عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن موسى بن عمران، عن عمه الحسين بن يزيد، عن علي بن سالم، عن أبيه، عن سالم بن دينار، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة، قال: سمعت ابن عباس يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): ” ذكر الله عز و جل عبادة، و ذكري عبادة، و ذكر علي عبادة، و ذكر الأئمة من ولده عبادة، و الذي بعثني بالنبوة و جعلني خير البرية، إن وصيي لأفضل الأوصياء، و إنه لحجة الله على عباده، و خليفته على خلقه، و من ولده الأئمة الهداة بعدي، بهم يحبس الله العذاب عن أهل الأرض، و بهم يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، و بهم يمسك الجبال أن تميد بهم، و بهم يسقي خلقه الغيث، و بهم يخرج النبات، أولئك أولياء الله حقا و خلفاؤه صدقا، عدتهم عدة الشهور، و هي اثنا عشر شهرا، و عدتهم عدة نقباء موسى بن عمران (عليه السلام) “. ثم تلا هذه الآية: { وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ }.ثم قال: ” أ تقدر- يا بن عباس- أن الله يقسم بالسماء ذات البروج، و يعني به السماء و بروجها؟ “. قلت:يا رسول الله، فما ذاك، قال: ” أما السماء فأنا ، و أما البروج فالأئمة بعدي ، أولهم علي و آخرهم المهدي “.- البرهان للسيد هاشم البحراني  ] .

ثم يقول تعالى :

(2) واليوم الموعود (2) وشاهد ومشهود (3)

ورد في تفسير الدر المنثور :

[ { واليوم الموعود } قال: يوم القيامة { وشاهد ومشهود } قال: يومان عظيمان عظمهما الله من أيام الدنيا كنا نحدث أن الشاهد يوم القيامة و المشهود يوم عرفة.

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن في قوله: { والسماء ذات البروج } قال: حبكت بالخلق الحسن، ثم حبكت بالنجوم { واليوم الموعود } قال: يوم القيامة { وشاهد ومشهود } قال: الشاهد يوم الجمعة ، والمشهود يوم القيامة .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد { والسماء ذات البروج } قال: ذات النجوم { وشاهد ومشهود } قال: الشاهد ابن آدم والمشهود يوم القيامة.

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قول الله: { واليوم الموعود وشاهد ومشهود } قال: اليوم الموعود يوم القيامة، والشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة، وهو الحج الأكبر، فيوم الجمعة جعله الله عيداً لمحمد وأمته، وفضّلهم بها على الخلق أجمعين، وهو سيد الأيام عند الله، وأحب الأعمال فيه إلى الله، وفيه ساعة لا يوافقها عبد قائم يصلي يسأل الله فيها خيراً إلا أعطاه إياه.

وأخرج عبد بن حميد والترمذي وابن أبي الدنيا في الأصول وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : ”  اليوم الموعود يوم القيامة، واليوم المشهود يوم عرفة، والشاهد يوم الجمعة، وما طلعت الشمس، ولا غربت على يوم أفضل منه، فيه ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يدعو الله بخير إلا استجاب الله له، ولا يستعيذ بشيء إلا أعاذه الله منه “.  وأخرج الحاكم وصححه ابن مردويه والبيهقي في سننه عن أبي هريرة رفعه { وشاهد ومشهود } قال: الشاهد يوم عرفة ويوم الجمعة، والمشهود هو الموعود يوم القيامة.

وأخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه من طريق شريح بن عبيد عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” اليوم الموعود يوم القيامة، والشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة، ويوم الجمعة دخره الله لنا، والصلاة الوسطى صلاة العصر “.

أخرج ابن مردويه وابن عساكر عن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: { وشاهد ومشهود } قال : ” الشاهد يوم الجمعة ، والمشهود يوم عرفة “.

وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس و أبي هريرة موقوفاً مثله. وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وعبد بن حميد وابن مردويه عن سعيد بن المسيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إن سيد الأيام يوم الجمعة، وهو الشاهد والمشهود يوم عرفة “.وأخرج ابن جرير عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” أكثروا عليّ من الصلاة يوم الجمعة فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة “.

وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عليّ بن أبي طالب في قوله: { وشاهد ومشهود } قال: الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة.

وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن الحسن بن علي أن رجلاً سأله عن قوله: { وشاهد ومشهود } قال: هل سألت أحداً قبلي؟ قال: نعم، سألت ابن عمرو وابن الزبير فقالا: يوم الريح ويوم الجمعة، فقال: لا، ولكن الشاهد محمد صلى الله عليه وسلم، ثم قرأ { إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً- الأحزاب 45 }  { وجئنا بك شهيداً على هؤلاء- النحل 89  }  والمشهود يوم القيامة ثم قرأ{ ذلك يوم مجموع له الناس  – هود 103}    { وذلك يوم مشهود  -هود 103}    .

وأخرج الطبراني في الأوسط وعبد بن حميد وابن مردويه وابن عساكر من طرق عن ابن عباس { واليوم الموعود } يوم القيامة { وشاهد ومشهود } قال: الشاهد محمد والمشهود يوم القيامة، وتلا { ذلك يوم مجموع له الناس  – هود 103}    { وذلك يوم مشهود  -هود 103}    .

وأخرج ابن جرير من طريق علي عن ابن عباس قال: الشاهد الله والمشهود يوم القيامة.

وأخرج سعيد بن منصور وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة رضي الله عنه قال: الشاهد الذي يشهد على الإِنسان بعمله والمشهود يوم القيامة.

وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن نجي عن عليّ بن أبي طالب قال: كان نبي أصحاب الأخدود حبشياً.- الدر المنثور للسيوطي ] .

التفسير :

وهنا :

(واليوم)

واليوم الموعود :

هو ما بعد يوم القيامة واليوم الآخر من أيام الدنيا

{ إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون – المائدة 69 }

وهو يوم الحساب على أعمال العباد :

قال تعالى  في وعده للمؤمنين ووعيده للكافرين والمنافقين في ذلك اليوم : { هَٰذَا ذِكْرٌ ۚ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ هَٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ إِنَّ هَٰذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ هَٰذَا ۚ وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ هَٰذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ  – ص 49-57 } ولذلك قال نبي الله موسى عليه السلام : {وقال موسى إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب – غافر 27 }

وهو يوم الفصل :

لقوله تعالى { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ – السجدة 25 }

و يوم الجزاء :

{ وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون – الجاثية 28 }

  ويوم الحق :

{ ذلك اليوم الحق فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا – النبأ 39 }

وهو يوم القيامة وميزان الأعمال :

قال تعالى { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين – الأنبياء 47 } وهو يوم جمع الناس قال تعالى : { الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثا – النساء 87 } والله لن يخلف وعده تعالى في ذلك اليوم قال تعالى : { ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد – آل عمران 194}

وهو يوم العدل فلا ظلم في ذلك اليوم  :

{ فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون – يس 54 } . وقال تعالى { اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب – غافر 17 } ويبرز الخلائق للحساب لا يخفون على الله تعالى كما في قوله عز وجل { يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار – غافر 16 } وفي هذا اليوم يجزي الله تعالى كل نفس بما كسبت من خير أو شر قال تعالى { اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب  -غافر 17 }

وفي هذا اليوم يحشر المجرمون عمياً ويعاقب المجرمون بالتجاهل والنسيان لأنهم نسوا العمل الصالح لهذا اليوم كما في قوله تعالى {قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى – طه 125-126} ويميز الله تعالى في هذا اليوم بين المؤمنين والكافرين قال تعالى { وامتازوا اليوم أيها المجرمون يس 59 } .

فإذا جأروا واستغاثوا فلا مجير لهم كما في قوله تعالى { لا تجأروا اليوم إنكم منا لا تنصرون – المؤمنون 65 } ويستسلمون لأمر الله تعالى كما في قوله تعالى { بل هم اليوم مستسلمون – الصافات 26 } ويقال لهم { اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون – يس 64 } ويختم الله تعالى علىأفواهم وتتكلم ايديهم وأرجلهم بما فعلوا في الحياة الدنيا قال تعال { اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون – يس 65 } ولا تملك في هذا اليوم نفس لنفس شيئا من نفع أو ضرر قال تعالى { فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون – سبأ42 }

وهناك يوم موعود ويم فصل في الحياة الدنيا وهو يوم نزول العذاب على الأمم الظالمة ليعتبر بهم من خلفهم ولا عاصم لأحد في هذا اليوم لقوله تعالى عن ابن نبي الله نوحاً عليه السلام { قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين – هود 43 } .

وهذه الأيام التي ينززل فيها عذاب الله تعالى على الأمم الظالمة لنصرة الحق وأهله والإنتقام من الظالمين هى أيام الله تعالى التي توعدهم فيها ولذلك قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله ولكل نبي أن يذكر قومه وأمته بأيام الله قال تعالى { ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بأيام الله إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور – إبراهيم 5} .

وبالتالي اليوم الموعود يوم نزول عذب الله تعالى وهما يومان الأول في الدنيا وهو العذاب الأدنى حتى يتوب الناس ويرجعوا ويتوبون من قريب قبل اليوم الآخر وفيه اليوم الموعود قال تعالى { ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون – السجدة 21  } . وهذا هو اليوم الموعود وولا يقبل فيه من الأعمال إلا ممعتقد إكمال الددين بولاية أهل بيت النبي عليهم السلام لقوله تعالى فيما نزل بغذير خم { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم – المائدة 3 } .

وقاتليأهل بيت النبي وأنصارهم ونحبيهم ومن تولاهم فهو مع الذين قال تعالى فيهم { والسماء ذات البروج واليوم الموعود وشااهد ومشهود قتل أصحاب الأخدود – البروج } فكما قتل هؤلاء ي سبيل ولاية أنبيائهم كذلك العقاب على كل من قتل أهل بيت النبي وشيعتهم وأنصارهم عليهم لعائن الله المتتالية إلى يوم الدين .

وأما :

(الموعود)

و [ مَوعود : (اسم) الجمع : مَوَاعِيدُ اسم مفعول من وعَدَ اليوم المَوْعود: يوم القيامة وَفَّى بِمَوْعُودِهِ : أَيْ بِعَهْدِهِ و مَوْعود : (اسم) مَوْعود : اسم المفعول من وعَدَ موعود بالإحسان .. ووَعَدَ: (فعل) وعَدَ يَعِد ، عِدْ ، وَعْدًا، وعِدَةً، وموعِدًا، وموعِدةً ، وموعودًا، فهو واعد ، والمفعول مَوْعود وعَد فلانًا الأمرَ/ وعَد فلانًا بالأمر : منّاه به، قال إنه يعطيه له أو ينيله إيّاه ، ..  ووعَدَ يَعِد ، عِدْ ، وَعيدًا ، فهو واعِد ، والمفعول مَوْعود وعَد فلانًا : أنذره وهدَّده ،تهدّده . وعَده بالعقاب، هَدَّدَهُ شَرّاً . ]

وقوله { واليوم الموعود } [ .. قسم آخر بهذا اليوم . وروي عن النبي صلى الله عليه وآله انه اليوم الذى يجازى فيه ويفصل فيه القضاء، وهو يوم القيامة – وهو قول الحسن وقتادة وابن زيذ  – تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن للطوسي ] .

واليوم الموعود يوم القيامة حيث يجمع الله تعالى فيه الخلائق للفصل بينهم قال تعالى {  ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد – آل عمران 9 } والموعد في الدنيا يبدأ بهلاك الظالمين ثم يلحقون بجهنم قال تعالى { وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا – الكهف 59 } وقال تعالى أيضا ً في موعد محاكمتهم وما سيدور بين الكبراء وتابعيهم الظلمة يوم القيامة : { قُل لَّكُم مِّيعَادُ يَوْمٍ لَّا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن نُّؤْمِنَ بِهَٰذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ۗ وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَىٰ بَعْدَ إِذْ جَاءَكُم ۖ بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَادًا ۚ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ – سبأ 30-33 } . ويبين تعالى أنهم ماكانوا ليظنوا أنهم سيحاسبون وأن وعد الله حق قال تعالى { وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا – الكهف 48 } وكذلك أكثر الناس لا يعملون لهذا اليوم كما في قوله تعالى { وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون – الروم } . وهذا هو اليوم الموعود وهو يوم الحساب  ونزول العذاب في الدنيا ويوم القيامة على الظالمين و القرى الظالمة أنكره هؤلاء المجرمين كما في قوله تعالى {  وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها قلتم ما ندري ما الساعة إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين – الجاثية 32} . ومن هذه الوعود عذاب قريب من موت رسول الله صلى الله عليه وآله بما فعلواه في أهل بيت نبيهم لذلط يقول تعالى { فاصبر إن وعد الله حق فإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون – غافر 77 } .

ثم يقول تعالى :

 (3) وشاهد ومشهود (3)

وهنا :

(وشاهد)

ورد في تفسير التبيان للطوسي في قوله تعالى : [  { وشاهد ومشهود } قسم آخر بالشاهد والمشهود، فالشاهد النبي صلى الله عليه وآله والمشهود يوم القيامة – في قول الحسن بن علي عليه السلام وتلا قوله { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً }  وقال{  ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود } .  وهو قول ابن عباس وسعيد بن المسيب، وفي رواية اخرى عن ابن عباس إن الشاهد هو الله ، والمشهود يوم القيامة …  وقال الجبائي: الشاهد هم الذين يشهدون على الخلائق، والمشهود هم الذين يشهدون عليهم ، قال : ويجوز أن يكون المراد المدركين والمدركات . وجواب القسم محذوف، وتقديره الأمر حق فى الجزاء على الاعمال. وقيل الجواب قوله { قتل أصحاب الأخدود } و قال الأخفش : يجوز أن يكون على التقديم والتأخير، وتقديره { قتل أصحاب الأخدود.. والسماء ذات البروج } وقوله { قتل أصحاب الأخدود } معناه لعن . وقيل لعنوا بتحريقهم فى الدنيا قبل الآخرة . وقال الجبائي : يحتمل أن يكون المعنى بذلك القاتلين، ويحتمل أن يكون المقتولين ، فاذا حمل على القاتلين، فمعناه لعنوا بما فعلوه من قتل المؤمنين وإن حمل على المقتولين، فالمعنى انهم قتلوا بالاحراق بالنار . وذكر الله هؤلاء. المؤمنين بحسن بصيرتهم فى الصبر على دينهم حتى أحرقوا بالنار، لا يعطون التقية بالرجوع عن الايمان . والاخدود هو الشق العظيم في الارض، ومنه ما روي في معجزة النبي صلى الله عليه وآله أن الشجرة دعاها النبي صلى الله عليه وآله فجعلت تخد الأرض خداً ، حتى اتته . ومنه الخد لمجاري الدموع. والمخدة لوضع الخد عليها، وتخدد لحمه إذا صار فيه طرائق كالشقوق. – التبيان الجامع لعلوم القرآن للطوسي ] .

والشاهد : فاعل قال تعالى فيه تعالى

أولا أنه الله تعالى :

لقوله عز وجل { وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين – يونس 61 } وقال تعالى { أولم يكف بربك أنه على كل شيئ شهيد } وقال تعالى أيضاً :  {ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا – النساء 79 }

ثم تأت شهادة النبي محمد صلى الله عليه وآله على العالمين قال تعالى { وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا   – البقرة 143 }

ثم تـأت شهادة الملائكة على الوقائع وأفعال الخلائق لقوله تعالى { لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا – النساء 166 }

ثم شهادة الأنبياء والمرسلين على قومهم قال تعالى

{ ويوم نبعث من كل أمة شهيدا ثم لا يؤذن للذين كفروا ولا هم يستعتبون – النحل 84 } وقال تعالى وقال تعالى { ونزعنا من كل أمة شهيدا فقلنا هاتوا برهانكم فعلموا أن الحق لله وضل عنهم ما كانوا يفترون – القصص 75 } وقال تعالى أيضاً في شهادة نبي الله عيسى عليه السلام على العالم يقول تعالى { وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا – النساء 159 }

وفي شهادة النبي صلى الله عليه وآله على قومة يقول تعالى { ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين- النحل 89 }

وكل نفس معها شهيد عليها لقوله تعالى { وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد – ق 21 }

ثم تأت شهادة الإمام علي عليه السلام على الأمة لما نزل فيه من قوله تعالى { ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب – الرعد 43 }

ماورد في أن الآية نزلت في الإمام علي عليه السلام من مصادر الأمة الإسلامية :

[عن أبي عبد الله عليه السلام قال : الذي عنده علم الكتاب هو أمير المؤمنين عليه السلام . تفسير القمي ، ج 1 ، ص 367 . ] .

[ محمد بن حسن الصفار فی بصائرالدرجات ینقل بسند صحيح عن الامام الباقر عليه السلام ان مصداق هذه الآية نحن اهل البيت و اولنا و افضلنا و خیرنا بعد النبی صلي الله عليه و آله هو علي عليه السلام. فینقل هنا هکذا: حدثنا محمد بن الحسين و يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن بريد بن معاوية قال قلت لأبي جعفر عليه السلام قل كفي بالله شهيدا بيني و بينكم و من عنده علم الكتاب قال إيانا عني و علي أو لنا و أفضلنا و خيرنا بعد النبي صلي الله عليه وآله . بصائر الدرجات، ص 236  ]

[  الشيخ الصدوق ینقل فی كتاب الامالي بسند صحيح عن النبی صلي عليه وآله انه قال هکذا: حدثنا محمد بن موسي بن المتوكل قال : حدثنا محمد بن يحيي العطار ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن عيسي ، عن القاسم بن يحيي ، عن جده الحسن بن راشد ، عن عمرو بن مغلس ، عن خلف ، عن عطية العوفي ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : سألت رسول الله صلي الله عليه وآله عن قول الله : قال الذي عنده علم من الكتاب . قال : ذاك وصي أخي سليمان بن داود . فقلت له : يا رسول الله ، فقول الله عز وجل : قل كفي بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب ، قال : ذاك أخي علي بن أبي طالب . الأمالي ، الشيخ الصدوق، ص 659 .]

روايات اهل السنة :

الثعلبي یذکر فی ان المقصود فی آیة [ « من عنده علم الكتاب » من هو؛ رواية عن ابي جعفر عليه السلام ان المقصود من هذه الآية هو اميرالمؤمنين عليه السلام، فیقول هکذا: ابن عطاء قال : كنت جالسا مع أبي جعفر في المسجد فرأيت ابن عبد الله بن سلام جالسا في ناحية فقلت لأبي جعفر : زعموا أن الذي عنده علم الكتاب عبد الله بن سلام . فقال : إنما ذلك علي بن أبي طالب عليه السلام عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتاب. تفسير الثعلبي ، ج 5 ، ص 303 ] .

[ الحاكم الحسكاني فی شواهد التنزيل ینقل کم رواية مذکور فیها ان المراد ممن عنده علم الکتاب، هو الإمام علي عليه السلام. الحال فلنشیر الی بعض هذه الروايات. الحاكم ینقل عن طريق ابن عباس و محمد الحنفية رواية ان الآیة المذکورة « من عنده علم الكتاب » نزلت فی اميرالمؤمنين عليه السلام و یقول هکذا : عن ابن عباس في قوله تعالي : « ومن عنده علم الكتاب » قال هو علي بن علي طالب . عن ابن الحنفية في قوله تعالي : « ومن عنده علم الكتاب » قال : هو علي بن أبي طالب . عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أنّ المراد بمن عنده علم الكتاب علي بن أبي طالب و أئمّة الهدي عليهم السّلام » روي بريد بن معاوية عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال : « إيّانا عني ، و علي أولنا ، و أفضلنا ، و خيرنا بعد النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم » و فی الاستمرار یقول: و يؤيّد ذلك ما روي عن الشعبي أنّه قال : ما أحد أعلم بكتاب اللّه بعد النبيّ من عليّ بن أبي طالب عليه السّلام . شواهد التنزيل ، ّالحاكم الحسكاني ، ج 1 ، ص 402 ] .

[ سليمان القندوزي ینقل روایة عن أبی سعيد الخدري فی تفسير آية « من عنده علم الكتاب » ان المراد من هذه الآية هو علي عليه السلام فیقول هکذا: عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : سألت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عن هذه الآية « الذين عنده علم من الكتاب » قال : ذاك أخي سليمان بن داود عليهما السلام . وسألته عن قوله الله عز وجل « قل كفي بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب » قال : ذاك أخي علي بن أبي طالب صاحب المناقب . و ینقل فی رواية وردت عن طرق عدیدة هکذا: روي عن محمد بن مسلم وأبي حمزة الثمالي وجابر بن يزيد عن الباقر عليه السلام . وروي علي بن فضال والفضيل عن الرضا عليه السلام ، وقد روي عن موسي بن جعفر ، وعن زيد بن علي عليه السلام ، وعن محمد بن الحنفية ، وعن سلمان الفارسي ، وعن أبي سعيد الخدري وإسماعيل السدي أنهم قالوا في قوله تعالي : « قل كفي بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب » هو علي بن أبي طالب عليه السلام . ينابيع المودة ، القندوزي ، ج 1 ، ص307 ] .

ثم تأت شهادة الشهداء على قاتليهم في قوله تعالى : { وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون – الزمر 69 } وقال تعالى أيضاً : { والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم  -الحديد 19 } .

وهؤلاء هم الشهداء الذين عناهم الله تعالى في قوله تعالى {وشاهد} وهم الله تبارك وتعالى ورسله وخاتمهم سيدنا محمد ثم الأئمة من أهل بيت النبي وأولهم الإمام علي ثم الشهداء .

وأما :

(ومشهود)

والمشهود مفعول وهو يوم القيامة تشهده الخلاق بين شاهد ومشهود عليه قال تعالى { إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود – هود 103 } والمشهود فعلهم بالمؤمنين من قتل وتعذيب وتنكيل قال تعالى { وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود – البروج 7 } وشهادتهم بأن يختم الله على أفواهم وتتكلم أيديهم وأرجلهم وأجسادهم بما فعلوه من جرائم قال تعالى { وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وقالوا لجلودهم لما شهدتم علينا قالوا انطقنا الله الذي أنطق كل شيئ وهو خلقكم أول مرة – فصلت 40-42 } .

والملائكة تشهد هذا اليوم على صلاة المؤمنين وقيامهم الليل و صلاتهم الفجر  كما في قوله تعالى { أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا – الإسراء 78 } .

ثم يقول تعالى :

(4) قتل اصحاب الأخدود (4)

[ …وأخرج ابن أبي حاتم وابن المنذر من طريق الحسن عن علي بن أبي طالب في قوله: { أصحاب الأخدود } قال: هم الحبشة.

وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عكرمة { قتل أصحاب الأخدود } قال: كانوا من النبط.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: { قتل أصحاب الأخدود } قال: هم ناس من بني إسرائيل خددوا أخدوداً في الأرض ثم أوقدوا فيه ناراً، ثم أقاموا على ذلك الأخدود رجالاً ونساء فعرضوا عليها.

وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد قال: الأخدود شق بنجران كانوا يعذبون الناس فيه.
وأخرج ابن عساكر عن عبد الرحمن بن نفير قال: كانت الأخدود زمان تبع.

وأخرج ابن المنذر عن الضحاك رضي الله عنه { قتل أصحاب الأخدود } قال: هم قوم خددوا في الأرض، ثم أوقدوا فيه ناراً ثم جاؤوا بأهل الإِسلام فقالوا: اكفروا بالله واتبعوا ديننا، وإلا ألقيناكم في هذه النار، فاختاروا النار على الكفر فألقوا فيها.

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في قوله: { قتل أصحاب الأخدود } قال: حدثنا أن علي بن أبي طالب كان يقول: هم أناس بمدارع اليمن اقتتل مؤمنوهم وكفارهم فظهر مؤمنوهم على كفارهم، ثم أخذ بعضهم على بعض عهوداً ومواثيق لا يغدر بعضهم ببعض، فغدرهم الكفار فأخذوهم، ثم إن رجلاً من المؤمنين قال: هل لكم إلى خير، توقدون ناراً ثم تعرضوننا عليه فمن بايعكم على دينكم، فذلك الذي تشتهون، ومن لا اقتحم فاسترحتم منه، فأججوا لهم ناراً وعرضوهم عليها، فجعلوا يقتحمونها حتى بقيت عجوز فكأنها تلكأت، فقال طفل في حجرها: امضي ولا تقاعسي، فقص الله عليكم نبأهم وحديثهم فقال: { النار ذات الوقود إذ هم عليها قعود } قال: يعني بذلك المؤمنين { وهم على ما يفعلون بالمؤمنين } يعني بذلك الكفار.

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة { إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات } قال: حرقوا.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة { إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات } قال: عذبوا.

وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال: كان بعض الجبابرة خد أخدوداً في الأرض، وجعل فيها النيران، وعرض المؤمنين على ذلك فمن تابعه على كفره خلى عنه، ومن أبى ألقاه في النار، فجعل يلقي حتى أتى على امرأة ومعها بني لها صغير، فكأنها أنفت النار فكلمها الصبيّ فقال: يا أمه قعي في النار ولا تقاعسي، فألقيت في النار، والله ما كانت إلا نقطة من نار حتى أفضوا إلى رحمة الله تعالى. قال: الحسن: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” فما ذكرت أصحاب الأخدود إلا تعوذت بالله من جهد البلاء “.

وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن نجي قال: شهدت علياً وأتاه أسقف نجران فسأله عن أصحاب الأخدود، فقص عليه القصة، فقال عليّ: أنا أعلم بهم منك بعث نبي من الحبشة إلى قومه ثم قرأ علي{ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك – غافر 78 }  فدعاهم فتابعه الناس فقاتلهم فقتل أصحابه، وأخذ فأوثق، فانفلت فأنس إليه رجال، يقول: اجتمع إليه رجال فقاتلهم فقتلوا وأخذ فأوثق فخدوا أخدوداً في الأرض وجعلوا فيه النيران، فجعلوا يعرضون الناس فمن تبع النبي رمي به فيها، ومن تابعهم ترك، وجاءت امرأة في آخر من جاء معها صبي لها، فجزعت، فقال الصبي: يا أمه اطمري ولا تماري فوقعت.

وأخرج عبد بن حميد عن سلمة بن كهيل قال: ذكروا أصحاب الأخدود عند عليّ فقال: أما إن فيكم مثلهم فلا تكونن أعجز من قوم.

وأخرج عبد بن حميد عن علي بن أبي طالب قال: كان المجوس أهل كتاب، وكانوا مستمسكين بكتابهم، وكانت الخمر قد أحلت لهم، فتناول منها ملك من ملوكهم فغلبته على عقله، فتناول أخته أو ابنته فوقع عليها، فلما ذهب عنه السكر ندم، وقال لها: ويحك ما هذا الذي أتيت؟ وما المخرج منه؟ قالت: المخرج منه أن تخطب الناس فتقول أيها الناس إن الله قد أحل لكم نكاح الأخوات والبنات، فإذا ذهب ذا في الناس وتناسوه خطبتهم فحرمته، فقام خطيباً فقال: يا أيها الناس إن الله أحل لكم نكاح الأخوات أو البنات، فقال الناس جماعتهم: معاذ الله أن نؤمن بهذا أو نقر به، أو جاءنا به نبي، أو نزل علينا في كتاب، فرجع إلى صاحبته فقال: ويحك إن الناس قد أبوا عليّ ذلك. قالت: إذا أبوا عليك ذلك فابسط فيهم السوط، فبسط فيهم السوط، فأبوا أن يقروا، فرجع إليها فقال: قد بسطت فيهم السوط فأبوا أن يقروا. قالت: فجرد فيهم السيف، فجرد فيهم السيف، فأبوا أن يقروا. قالت: خدّ لهم الأخدود، ثم أوقد فيه النيران فمن تابعك فخلّ عنه. فخدَّ لهم أخدوداً وأوقد فيه النيران، وعرض أهل مملكته على ذلك، فمن أبى قذفه في النار، ومن لم يأب خلّى عنه، فأنزل الله فيهم { قتل أصحاب الأخدود } إلى قوله: { ولهم عذاب الحريق } .

أخرج ابن أبي شيبة عن عوف قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر أصحاب الأخدود تعوذ بالله من جهد البلاء.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد ومسلم والنسائي والترمذي عن صهيب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى العصر همس، فقيل له: إنك يا رسول الله إذا صليت العصر همست، فقال : ”  إن نبياً من الأنبياء كان أعجب بأمته، فقال: من يقوم لهؤلاء فأوحى الله إليه أن خيرهم بين أن ينتقم منهم، وبين أن يسلط عليهم عدوهم، فاختاروا النقمة، فسلط عليهم الموت فمات منهم في يوم سبعون ألفاً قال: وكان إذا حدث بهذا الحديث الآخر قال: كان ملك من الملوك، وكان لذلك الملك كاهن يكهن له، فقال له ذلك الكاهن: انظروا إلى غلاماً فهماً أو قال: فطناً لقناً فأعلمه علمي هذا، فإني أخاف أن أموت فينقطع هذا العلم منكم، ولا يكون فيكم من يعلمه قال: فنظروا له على ما وصف، فأمروه أن يحضر ذلك الكاهن، وإن يختلف إليه، فجعل الغلام يختلف إليه، وكان على طريق الغلام راهب في صومعته، فجعل الغلام يسأل الراهب كلما مر به، فلم يزل به حتى أخبره، فقال: إنما أعبد الله، فجعل الغلام يمكث عند الراهب ويبطيء على الكاهن، فأرسل الكاهن إلى أهل الغلام أنه لا يكاد يحضرني، فأخبر الغلام الراهب بذلك، فقال له الراهب: إذا قال لك: أين كنت؟ فقل: عند أهلي، وإذا قال لك أهلك: أين كنت؟ فقل: عند الكاهن. فبينما الغلام على ذلك إذ مر بجماعة من الناس كثيرة قد حبستهم دابة يقال كانت أسداً، فأخذ الغلام حجراً فقال: اللهم إن كان ما يقول الراهب حقاً فأسألك أن أقتل هذه الدابة، وإن كان ما يقوله الكاهن حقاً فأسألك أن لا أقتلها، ثم رمى فقتل الدابة فقال الناس: من قتلها؟ فقالوا: الغلام. ففزع الناس وقالوا: قد علم هذا الغلام علماً لم يعلمه أحد، فسمع أعمى فجاءه، فقال له: إن أنت رددت بصري فلك كذا وكذا، فقال الغلام: لا أريد منك هذا ولكن أرأيت إن رجع عليك بصرك أتؤمن بالذي رده عليك؟ قال: نعم، فدعا الله فرد عليه بصره فآمن الأعمى فبلغ الملك أمرهم فبعث إليهم، فأتى بهم فقال: لأقتلن كل واحد منكم قتلة لا أقتل بها صاحبه، فأمر بالراهب والرجل الذي كان أعمى فوضع المنشار على مفرق أحدهما فقتله وقتل الآخر بقتلة أخرى ثم أمر بالغلام فقال: انطلقوا به إلى جبل كذا وكذا فألقوه من رأسه. فانطلقوا به إلى ذلك الجبل، فلما انتهوا به إلى ذلك المكان الذي أرادوا أن يلقوه منه جعلوا يتهافتون من ذلك الجبل ويتردون حتى لم يبق منهم إلا الغلام، ثم رجع الغلام فأمر الملك أن ينطلقوا به إلى البحر فيلقوه فيه، فانطلق به إلى البحر، فغرق الله الذين كانوا معه، وأنجاه الله. فقال الغلام للملك: إنك لا تقتلني إلا أن تصلبني وترميني وتقول: بسم الله رب الغلام، فأمر به فصلب ثم رماه وقال: بسم الله رب الغلام، فوضع الغلام يده على صدغه حين رمي ثم مات. فقال الناس: لقد علم هذا الغلام علماً ما علمه أحد فإنا نؤمن برب هذا الغلام، فقيل للملك: أجزعت أن خالفك ثلاثة فهذا العالم كلهم قد خالفوك؟ قال: فخدّ أخدوداً ثم ألقى فيها الحطب والنار، ثم جمع الناس فقال: من رجع عن دينه تركناه، ومن لم يرجع ألقيناه في هذه النار. فجعل يلقيهم في تلك الأخدود فقال: يقول الله: { قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود } حتى بلغ { العزيز الحميد } فأما الغلام فإنه دفن ثم أخرج ”

فيذكر أنه أخرج في زمن عمر بن الخطاب واصبعه على صدغه كما وضعها حين قتل.
وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه عن صهيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” كان ملك ممن كان قبلكم، وكان له ساحر فلما كبر الساحر قال للملك: إني قد كبرت سني وحضر أجلي فادفع إليّ غلاماً أعلمه السحر. فدفع إليه غلاماً فكان يعلمه السحر. وكان بين الساحر وبين الملك راهب فأتى الغلام على الراهب فسمع من كلامه فأعجبه نحوه وكلامه، فكان إذا أتى على الساحر ضربه وقال: ما حبسك؟ فإذا أتى أهله جلس عند الراهب فيبطىء فإذا أتى أهله ضربوه وقالوا: ما حبسك؟ فشكا ذلك إلى الراهب فقال: إذا أراد الساحر أن يضربك فقل: حبسني أهلي، وإذا أراد أهلك أن يضربوك فقل: حبسني الساحر. فبينما هو كذلك إذ أتى ذات يوم على دابة فظيعة عظيمة قد حبست الناس فلا يستطيعون أن يجوزوا، فقال الغلام: اليوم أعلم أمر الراهب أحب إلى الله أم أمر الساحر. فأخذ حجراً فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك وأرضى لك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة، حتى يجوز الناس. فرماها فقتلها، ومضى الناس فأخبر الراهب بذلك، فقال: أي بني أنت أفضل مني وإنك ستبتلى، فإن ابتليت فلا تدل عليّ. وكان الغلام يبرىء الأكمه والأبرص وسائر الأدواء ويشفيهم، وكان جليس الملك قد عمي فسمع به فأتاه بهدايا كثيرة، فقال له: اشفني ولك ما ههنا أجمع، فقال: ما أشفي أنا أحداً إنما يشفي الله، فإن آمنت بالله دعوت الله فشفاك، فآمن فدعا له فشفاه. ثم أتى الملك فجلس منه نحو ما كان يجلس، فقال له الملك: يا فلان من رد عليك بصرك؟ قال: ربي، قال: أنا. قال: لا. قال: أو لك رب غيري؟ قال: نعم. فلم يزل به يعذبه حتى دل على الغلام، فبعث إليه الملك فقال: أي بني قد بلغ من سحرك أن تبرىء الأكمه والأبرص وهذه الأدواء؟ قال: ما أشفي أنا أحداً ما يشفي غير الله. قال: أنا؟ قال: لا. قال: وإن لك رباً غيري؟ قال: نعم ربي وربك الله. فأخذه أيضاً بالعذاب، فلم يزل به حتى دل على الراهب. فقال له: ارجع عن دينك، فأبى فوضع المنشار في مفرقه حتى وقع شقاه على الأرض، وقال للغلام: ارجع عن دينك فأبى، فبعث به مع نفر إلى جبل كذا وكذا، وقال: إذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه وإلا فدهدهوه من فوقه، فذهبوا به، فلما علوا به الجبل قال: اللهم اكفنيهم بما شئت. فرجف بهم الجبل فتدهدهوا أجمعين. وجاء الغلام يتلمس حتى دخل على الملك فقال: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله. فبعث به في قرقور مع نفر فقال: إذا لججتم به البحر فإن رجع عن دينه وإلا فأغرقوه. فلجوا به البحر فقال الغلام: اللهم أكفنيهم بما شئت فغرقوا أجمعين. وجاء الغلام يتلمس حتى دخل على الملك. فقال: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله. ثم قال للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به، فإن أنت فعلت ما آمرك به قتلتني وإلا فإنك لن تستطيع قتلي. قال: وما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد، ثم تصلبني على جذع، وتأخذ سهماً من كنانتي، ثم قل بسم الله رب الغلام فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني. ففعل ووضع السهم في كبد القوس ثم رماه، وقال : بسم الله رب الغلام. فوقع السهم في صدغه. فوضع الغلام يده على موضع السهم ومات . فقال الناس: آمنا برب الغلام. فقيل للملك: أرأيت ما كنت تحذر فقد والله نزل بك هذا من الناس كلهم فأمر بأفواه السكك فخدت فيها الأخدود، وأضرمت فيها النيران وقال : من رجع عن دينه فدعوه وإلا فاقحموه فيها . فكانوا يتقارعون فيها ويتدافعون، فجاءت امرأة بابن لها صغير فكأنها تقاعست أن تقع في النار فقال الصبي: يا أمه اصبري فإنك على الحق  “. – الدر المنثور للسيوطي ] .

وهنا :

(قتل)

والكلمة هنا عن موضوع المقتولين في سبيل الله وشريعه الكريم في كل زمن قال تعالى { الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين – آل عمران 168 } أي أن أصحاب الأخدود كانوا من الشهداء الذين قتلوا في سبيل شرعه الكريم والإيمان به تعالى وبرسله وأنبيائه وولايتهم الحق .

ومن مات شهيداً فهو إلى الله تعالى يحشر وإلى مغفرته وجنته قال تعالى { ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون – آل عمران 158 } وقال تعالى أيضاً { ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون – آل عمران 157 }  فإذا دخلوا الجنة كان ذلك حسرة على الكافرين كما في قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم والله يحيي ويميت والله بما تعملون بصير – آل عمران 156 } .

ومن قتل مؤمناً متعمداً فهو خالد مخلداً في جهنم كما في قوله تعالى { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما – النساء 93 }

وفي أمتنا آخر الأمم يقوول تعالى مبيناً ان رحيل رسول الله صلى الله عليه وآله بالموت أو القتل على يد منافقين أو كافرين بداية انقلاب على شرع الله تعالى وبدابة فتح باب عذابا ً عليهم حتى يرجعوا إلى ولاية الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام  قال تعالى { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين – آل عمران 144 } .

ومن حيث دبروا ومكروا مكرهم وكادوا مكائدهم بالنبي صلى الله عليه وآل بيته عليهم السلام سيحل  بهم العذاب من حيث مكروا وكادوا كما في قوله تعالى { إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا } وقال تعالى { وَمَكَرُواْ مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ  فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوۤاْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ– النمل 50-52 } أي أنهم قتلوا من حيث دبروا وكادوا ومكروا برسل الله وأنبيائه والمؤمنين لقوله تعالى فيما فعلته قريشاً وكبرائهم لعنهم الله بالنبي محمد صلى الله عليه وآله { إنه فكر وقدر فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر – المدثر 19-20 }

وبالتالي قتل أصحاب الأخدود لإيمانهم بالله تعالى ورسله واخاتمهم النبي محمد صلى الله عليه وأهل بيته بما هو مبشربه في توراتهم والتي قال تعالى فيها { الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون – البقرة 146} وهؤلاء ماكان قتلهم إلا لإيمانهم بأنبياء الله تعالى ورسله وخاتمهم النبي محمد صلى الله عليه وآله .

وأما :

(أصحاب الأخدود)

وورود لفظ أصحاب عن ملائكة العذاب في قوله تعالى { وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وما يعلم جنود ربك إلا هو وما هي إلا ذكرى للبشر – المدثر 31 }

كأنه يقول تعالى لقتل المؤمنين بالنار في الدنيا بيد المجرمين سيسلط الله تعالى تبارك وتعالى عليهم أصحاب القصاص يوم القيامة وهم ملائكة العذاب بما فعلوه في المؤمنين بالدنيا كما في قوله تعالى هنا { قتل أصحاب الأخدود } وأصحاب الأخدود ميزة لهم صاحبتهم كقوله تعالى في المؤمنين مع نبي الله نوح في السفينة { فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين – العنكبوت 15 } وكما ميز الله تعالى أصحاب السفينة وميز أيضاً أصحاب الحجر في قوله تعالى{ ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين – الحجر 80 } وكذلك أصحاب الأيكة في قوله تعالى  { وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين  الحجر 78 } وأصحاب الكهف في قوله تعالى { أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا – الكهف 9 } كذلك الميزة هنا في هؤلاء المظلومين هو الأخدود الذي قتلوافيه حرقاً في سبيل الله تعالى كما في قوله تعالى { قتل أصحاب الخدود } وهؤلاء المؤمنين سيكون أولياؤهم يوم القيامة أهل بيت النبي أصحاب الأعراف الذين يعرفون أهل النار وأهل الجنة بسيماهم فيشهدوا على هؤلاء ويشهدوا لهؤلاء كما في قوله تعالى  { وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون – الأعراف 46 }  وقال تعالى فيهم أيضاً وفي معرفتهم أناس بسيماهم { ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم – الأعراف }  .

وبين أصحاب الجنة وأصحاب النار حاجز عظيم يقال له الأعراف , وعلى هذا الحاجز أهل بيت النبي الذين يشهدون على قاتليهم وأعدائهم ويشهدون لأوليائهم ومحبيهم وأنصارهم من أهل الجنة و أهل النار يعرفون كلاً منهم بعلاماتهم , كبياض وجوه أهل الجنة , وسواد وجوه أهل النار  .

وأما :

(الأخدود)

[ الأخدود في اللغة الشق العظيم في الأرض ومنه ما روي في معجز النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا الشجرة فجعلت تخدّ الأرض خدّاً حتى أتته ومنه الخدّ لمجاري الدموع وتخدد لحمه إذا صار فيه طرائق كالشقوق والوقود ما تشتعل به النار من الحطب وغيره بفتح الواو والوُقود بالضم الإيقاد يقال فتنت الشيء أحرقته والفتين حجارة سود كأنها محرقة وأصل الفتنة الامتحان ثم يستعمل في العذاب. – تفسير مجمع البيان للطبرسي ] .

[ والخد : أحد جانبي الوجه قال تعالى ( ولا تصعر خدك للناس – لقمان  18 ) أي  تميله كناية عن الصلف والتكبر .. و خد الأرض يخدها خداً  : شقها ومن ذلك الأخدود والحفرة المستطيلة وهو دعاء بالهلاك على قوم شقوا لمؤمني زمانهم أخدوداً أضرموا فيه النار لإحراقهم – معجم ألفاظ القرآن باب الخاء فصل الدال والدال ]  قال تعالى { قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود إذ هم عليها قعود وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود – البروج }  .

ثم يقول تعالى :

(5) النار ذات الوقود (5)

(النار ذات الوقود)

وهنا النار يبين تعالى أنها في الآخرة وقودها الناس والحجارة في قوله تعالى { فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين – البقرة 24 }

وقال تعالى أيضاً { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون – التحريم 6 } وهنا كأن هؤلاء المجرمين جعلوا أنفسهم آلهة يعاقبون كل من آمن بالله تعالى حرقاً بالنار وجعلوا وقودها المؤمنين بالله تعالى ورسله وولاية أهل بيته عليهم السلام ولذلك قال تعالى فيما فعلوه لعنهم الله { النار ذات الوقود إذ هم عليها قعود وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود } ونسوا بأن عذابهم لحظات وأما عذاب الله تعالى لهؤلاء المجرمين  جزاءاً وفاقاَ سيكون الخلود فيها يوم القيامة بما فعلوه في المؤمنين بالدنيا .

وأما :

(ذات)

ورد هذا اللفظ في قوله تعالى عن أبو لهب وما فعله بالمؤمنين في الدنيا من عذاب وانتقام وسفك دماء بأه سيصلى ناراَ ذات لهب قال تعالى { سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ – المسد } أي سيدخل نارًا متأججة بما فعله برسول الله صلى الله عليه وآهل بيته وصحابته الكرام والمؤمنين .

ثم يقول تعالى :

(6) إذ هم عليها قعود (6)

وهنا :

(إذ هم)

وردت هذه الايات في قوله تعالى كبيان عن أول حروب الكفار الكلامية في كل زمن مع رسل الله صلى الله عليهم وخاتمهم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله ثم أهل بيته عليهم السلام وتكذيب قومهم إياهم : {نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى إذ يقول الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا – الإسراء 47 } وهذه حرباً مع رسول الله صلى الله عليه وآله انتهت بفرار رسول الله صلى الله عليه وآله وصاحبه بدينه منهم بعدما كادوا يقتلونه وصاحبه في قوله تعالى { إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم – التوبة 40 }

وأما :

(عليها)

وهنا يبين تعالى من خلال هذا اللفظ أنهم كانوا على قناعة زائفة بغير نص من الله تعالى أنهم يعملون بأمر الله تعالى حتى ولو فعلوا الفاحشة قال تعالى { وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون – الأعراف 28 } وهلاك القرى يكون غالباً من مترفيها بعد أن يعلنون كفرهم وظلمهم للمؤمنين وسفك دمائهم فيكون تدميرهم في تدبيرهم كما في قوله تعالى : { وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا –الإسراء 16 }

وهؤلاء بفعالهم في الدنيا من كفر وظلم وسفك دماء المؤمنين سيدخلهم الله تعالى جهنم لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون – التوبة 35 } ويقوم بذلك ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم قال تعالى { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون – التحريم 6 } .

وأما :

(قعود)

وقعود الظالمين هنا كان لحصار ومراقبة عملية تعذيب وحرق المؤمنين و الشرط الوحيد لإخلاء سبيلهم هو الكفر بالله تعالى ورسله لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم – التوبة 5 }  ويبين تعالى أن هذا العمل كان مرجعهم فيه وإمامهم هو إبليس الذي قال تعالى عنه وعن توعده إضلال بني آدم عن سبيل الله وإبعادهم عن الصراط المستقيم في قوله تعالى { قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم – الأعراف 16 } وقال تعالى أيضاً { قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم – الأعراف 16} ولما قعدوا مقاعد الحكم فرح المنافقون وكرهوا  أن يجاهدوا في سبييل الله تعالى لقوله عز وجل : {  فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون – التوبة 81 } وهكذا أصحاب الأخدود فرحوا بالحياة الدنيا وما تبوءوه من قربى الحكام  الظالمون وفيها الصد عن سبيل الله وقد نهاهم الله تعالى عن ذلك فقال تعالى { ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجا واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين – الأعراف 86 } ويبشرهم الله تعالى بالخذلان وعدم وجود ناصراً لهم يوم القيامة فقال تعالى

{ لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا – الإسراء 22 } وهنا يبين تعالى أنهم بعدما حفروا الأخدود قعدوا يرصدون من مقاعدهم المؤمنين أثناء إحراقهم كما في قوله تعالى هنا { النار ذات الوقود إذ هم عليها قعود }

ثم يقول تعالى :

(7) وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود (7)

وها قال تعالى بصيغة الفعل المضارع الذي يفيد الإستمرارية في قوله تعالى { وهم على ما يفعلون } والمفترض يقول وهم على ما فعلوا بالمؤمنين شهود بما يؤكد استمرار هذا الحزب الشيطاني يقوم بجرائم تصفية المؤمنين إلى أن يشاء الله تعالى .

وهنا :

(وهم)

ورد هذا اللفظ في قوله تعالى بموضع يبين حالة هؤلاء المظلومين بموضع قال تعالى هنا { كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون – الأنفال 6 } وهنا تلفحهم النار التي اعدوها للمؤمنين في الحياة الدنيا لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون – المؤمنون 104 } وهنا يصطرخون فيها لورود هذا اللفظ على ووصف ربنا عز وجل عن أهل النار في الآخرة في قوله تعالى { وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير – فاطر 37 } وما هى إلا دقائق حتى تذهق أرواحهم إلى بارئها وعذاب الله تعالى في الآخرة أشد وأبقى وهم فيه خالدون  كما في قوله تعالى { ولعذاب الآخرة أشد وأبقى – طه 127} وهم في الدنيا والآخرة شهود على جرائمهم التي اقترفوها في حق الله تعالى و رسله وأهل بيته عليهم السلام والمؤمنين لقوله تعالى { وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود – البروج 7 } وشهادتهم هنا في وقت قريب يدخلهم الله تعالى ناراً خالدين فيها أبداً كلما نضجت جلودهم بدلهم غيرها ليذوقوا العذاب قال تعالى { إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزا حكيما – النساء 56 } وعذاب الله تعالى  هم فيه خالدون  كما في قوله تعالى { ولعذاب الآخرة أشد وأبقى – طه 127}

وأما :

(على مايفعلون بالمؤمنين شهود)

وهنا يقول تعالى {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا – النساء 29-30 } ومن قتل مؤمناً متعمدا فجزاؤه جهنم كما في قوله تعالى { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما – النساء 39 }

ومن قتل مؤمناً فالله تعالى شهيداً على ما يفعلون بالنبي صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام والمؤمنين المظلومين إلى قيام الساعة ويوم الوقت المعلوم فيقول تعالى { وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد على ما يفعلون – يونس 46 } .

وأما :

(بالمؤمنين)

والمؤمنين هم الذين آمنوا بالله تعالى ورسوله  محمد صلى الله عليه وآله لأنه خاتم النبيين وبشرت به كل الكتب السماوية والصحف كما في قوله تعالى {   إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون – الحجرات 15} وهم الذين تولوا خاتمم النبيين صلى الله عليه وآله ثم آمنوا بولاية وإمامة أهل بيته (عليهم السلام) من بعده وأولهم الإمام علي عليه السلام وذلك مسطر في كتب الأولين قال تعالى في تلك الولاية لله الحق و التي  قتل في سبيلها أصحاب الأخدود و كل المؤمنين بالله تعالى في كل زمن  { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون – المائدة 55-56 } وهؤلاء المؤمنين من الله تعالى عليهم بنبي آخر المان الخاتم فقال تعالى { لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين – آل عمران 164 }

يقول تعالى هنا أن حزب الشيطان ما بغض هؤلاء المؤمنين به تعالى إلا لإيمانهم به عز وجل وبرسله وأهل بيته عليهم السلام وولايته الحق قال تعالى { وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد – البروج 8 } وما كان نقمة قريش أيضاً إلا لنفس أسباب كفار الأمم من قبل وهو الإيمان بالله تعالى ورسله ولذلك هموا بقتلة مرات كثيرة قال تعالى فيها { يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله فإن يتوبوا يك خيرا لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا والآخرة وما لهم في الأرض من ولي ولا نصير – التوبة 74 }  وهنا توعد الله تبارك وتعالى هؤلاء في قوله تعالى { إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق – البروج 10 } .

ثم يقول تعالى :

(8) وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد (8)

وهنا :

(ومانقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله)

[ النقمة : شدة الكراهية والبغض ] و هو دائماً يقع من أهل الكفر  قال تعالى في فرعون وبغضه ونقمته من السحرة لما آمنوا بالله تعالى ورسوله : { قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ مُوسَىٰ وَهَارُونَ قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا ۖ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ قَالُوا إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا ۚ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ۚ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ – الأعراف 121-126 } وكما نقم فرعون المؤمنين لإيمانهم بالله  كذلك نقم أهل الكتاب من المسلمين لإسلامهم كما في قوله تعالى : { قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون – المائدة 59 } ولذلك يقول تعالى في استمرار هذه النقمة التي تحولت إلى حرب مستمرة مع المسلمين خفية وعلنية إلى أن يشاء الله تعالى لذلك يقول تعالى { ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون – البقرة 217 } .

وكما نقم أهل الكتاب المسلمين لإيمانهم نقمتهم قريشاً وهموا بقتل رسول الله صلى الله عليه وآله كما في قووله تعالى { يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله فإن يتوبوا يك خيرا لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا والآخرة وما لهم في الأرض من ولي ولا نصير – التوبة 74 } . وبالتالي نقمة الكفار والمنافقين للمؤمنين ممتدة عبر العصور حتى زمان ما بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وإلى أن يشاء الله تعالى .

وأما :

(العزيز)

[ العزيز : الذي لا يغلب – معجمألفاظ القرآن باب العين فصل الزاي والزاي ] ومن أراد العزة فليتعزز بالله تعالى كما في قوله تعالى { من كان يريد العزة فلله العزة جميعا– فاطر 10 } وهنا يأت التصادم بين قوم آمنوا بالله وتعززوا به وآخرين تعززوا ببشر مخلوق من حكام وقادة تعززو بهم من دون الله تعالى وهنا يكونوا قد اتخذوهم آلهة من دون الله قال تعالى فيها {  واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا – مريم 81-82 } ولما انتهج المنافقون نفس النهج بالميل والولاية لمن كان يمتلك عرض الحياة الدنيا من دون الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام قال تعالى في هؤللاء المجرمين { بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا – النساء 138-139 } ولذلك نقم الكفار والمنافقين من المؤمنين بولايتهم لله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام والتعزز بهم كما في قوله تعالى هنا  {وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد – البروج 8 } .

وأما :

(الحميد)

[ والحميد : بمعنى المحمود ] قال تعالى { وإن من شيئ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم – الإسراء 44 } . ولكن الله تعالى يبين أن الكفار والمنافقين يحبون أن يحمدوا كأنهم آلهة يستحقون التحميد والتعظيم والتبجيل قال تعالى { لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم – آل عمران 188 } وهنا أيضاً يأت التصادم في المعتقد بين من يحمدون الله تعالى ومن يتنافسون على من وضعوا أنفسهم موضع الإله ولذلك يبين تعالى أنه الخالق المستحق التحميد قال تعالى { وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد – إبراهيم 8 } . ومن شكر فإنما يشكر لنفسه والله تعالى غني حميد كما في قوله عز وجل : { ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد – لقمان 12 } ولذلك قال تعالى هنا {وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد – البروج 8 } .

ثم يقول تعالى في وصفنفسه عز وجل المستحق للإيمان والتعظيم والتحميد والتهليل والتبجيل والتسبيح  :

(9) الذي له ملك السماوات والأرض والله على كل شيء شهيد (9)

وهنا :

(الذي له ملك السماوات والأرض)

وهنا يبين تعالى أن أصحاب الأخدود كانوا مؤمنين لا يقولون بمعتقد أن لله ولد لقوله تعالى {  تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا – الفرقان 1-2 } وبالتالي هل هؤلاء لهم ملك السماوات والأرض كما في قوله تعالى { أم لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما فليرتقوا في الأسباب – ص 10 } .

وأما :

(والله على كل شيئ)

أي أنه يقول تعالى { وخلق كل شيئ وهو بكل شيئ عليم – الأنعام 101} وهو عز وجل له ما فيهن كما في قووله تعالى { لله ملك السماوات والأرض وما فيهن وهو على كل شيء قدير – المائدة 120 } وقال تعالى أيضاً { ولله ملك السماوات والأرض والله على كل شيء قدير – آل عمران 189} .

وأما :

(شهيد)

وهنايبين تعالى شهادته على كل شيئ خلقه { سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد – فصلت 53 } ومن هذه الشهادات شهادته تعالى على أعمال أهل الكتاب كما في قوله تعالى { قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعملون – آل عمران 98 } والله تعالى شهيد على ما فعلته قريشاً مع النبي محمد صلى الله عليه وأهل بيته من بعده عليهم السلام لقوله تعالى { وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد على ما يفعلون – يونس 46 } .

ثم تأت شهادة النبي صلى الله عليه وآله على قومه والعالمين لقوله تعالى { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا– النساء 41 } .

ثم شهادة الإمام علي على الأمة لما نزل فيه من قوله تعالى { ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب – الرعد 43 } . هنا يبين تعالى أنه الشاهد الأول على الخلق المشهود عليهم كما بينا في قوله تعالى { وشاهد ومشهود } .

ثم يقول تعالى :

(10) إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق (10)

وهنا :

(إن الذين)

وهؤلاء الذين فتنوا المؤمنين في كل زمن هم الذين قتلوا الأنبياء وقال تعالى فيهم { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ – آل عمران 21 } وهؤلاء لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم يوم القيامة من عذاب الله في شيئ قال تعالى { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ – آل عمران 10 } وجزاءاً وفاقاً لما فعلوه بالمؤمنين من قتل وتعذيب وإفقار وسجن سيعذبهم الله تعالى عذاباً فيه البقاء والخلود بما جنته أيديهم قال تعالى { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا – آل عمران 56 } ومن هؤلاء هنا كان اليهود وما فعلوه باصحاب الأخدود وقال تعالى فيهم { إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق – البروج 10 } ثم جاءت أمم من بعد ذلك فرقت الأنبياء في دعوتهم إلى كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وىله فقال تعالى { وقالت اليهود ليست النصارى على شيئ وقالت النصارى ليست اليهود على شيئ وهم يتلون الكتاب – البقرة } وبالتالي ببعثة النبي محمد صلى الله عله وآله حاربوه في دعوته ففرقوا بين الله تعالى ودعوة رسله التي تعصبوا فيها لكل نبي نابذين كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون قال تعالى { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا – النساء 150 } وهؤلاء لن يقبل الله تعالى فيداءاً لهم ليفلتوا من عذا الله تعالى كما في قوله تعالى { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ – المائدة 36 }

ثم يقول تعالى فيمن جتءوا من بعدهم وهم أمة محمد آخر الأمم وقريشاً التي حاربت النبي صلى الله عليه وآله و خرجوا على منهاج الوصية والإمامة في أهل البيت النبي أصحاب الإمتداد الشرعي الطبيعي لرسل الله وأنبيائه عليهم السلام قال تعالى في الوصية لأهل بيت النبي أنها لمأمور بها في الأمم من قبل فقال تعالى : {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ وَمَا تَفَرَّقُوا إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ   – الشورى } وهؤلاء هم الذين تفرقوا على أهل بيت نبيهم وفرقوا دينهم وكانوا شيعاً وفتنوا المؤمنين قتلاً وسجناً وتعذيباً ورمياً بالتهم والأراجيف وقال تعالى في تفرقهم في دينهم بعد أن بين لهم ما يتوحدون عليه ولا يتفرقون { إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ – الأنعام 159 }

وهؤلاء منهم الذين كذبوا على الله ورسوله لاستحلال دماء المخالفين لهم وهؤلاء لا يفلحون في الدنيا ولا الآخرة لقووله تعالى { قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ – يونس 69 } وقد أنذرهم الله تعالى ونهاهم وحذرهم من هذا الكذب على الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام كما في قوله تعالى { وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ – النحل 116 } وهؤلاء ممن زين لهم الشيطان أعمالهم قال تعالى { إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ – النمل 4 } ومن هؤلاء المستمتعين بالحياة الدنيا قال تعالى فيهم { إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ – يونس 7 } وهؤلاء هم شر البرية لقوله تعالى { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ – البينة 6 } وذلك لأنهم حاربوا وقاتلوا رسول الله صلى الله عليه وأهل بيته من بعده عليهم السلام وهم خير البرية لما نزل فيهم من قوله تعالى { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ – البينة 7 } .

وأما :

(فتنوا)

والفتنة تأت بمعنى التغيير [ الفتنة: بكسر فسكون مصدر فتن جمع فتن ، الاختبار والامتحان ، ومنه {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً}. و فِتْنَة: (اسم) فِتْنَة : مصدر فَتَنَ فِتنة : (اسم) الجمع : فِتْنات و فِتَن الفِتْنَةُ : الاختبارُ بالنارِ الفِتْنَةُ : الابتلاءُ ؛ الفِتنتان : المال والولد ] . قال تعالى : { إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم – التغابن 15 }

وهذه الفتنة في الدين لتغيير المعتقد تكون بالتعذيب والقتل لقوله تعالى { فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم وإن فرعون لعال في الأرض وإنه لمن المسرفين – يونس 83 } وهذه الفتنة كانت في قول فرعون لعنه الله { وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون – الأعراف 127 } وهذه الفتنة التي فتنوا بها المؤمنين في الدنيا سترتد عليهم بعد موتهم في الآخرة لذلك يقول تعالى في قول الملائكة لهم عند دخولهم النار {  ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون – الذاريات 14 } والفتنة تعذيب النفس المؤمنة في الحياة الدنيا حتى ترتد عن دين الله وتخرج على ولاية الله تعالى ورسوله صلىلا الله عليه وأهل بيته عليهم السلام فقال تعالى في النهي عن مقارنة فتنة هؤلاءا لجلاوزة في الدنيا بعذاب الله في الآخرة { ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين – العنكبوت 10 }

والفتنة بتغيير الجلود حرقاً [ يقال رغيف فتين أي تغيرت معالمه حرقاً ] وهذه الفتنة هنا حذر الله تعالى منها وهى ولاية الله الحق و ترك بعض ما أنزل الله تعالى في تلك الولاية لأهل بيته عز وجل فقال تعالى محذراً من ترك الإيمان والعمل هذه الجزئية من أحكام القرآن الكريم : { وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون– المائدة 49 } . وكان من فتنة هؤلاء المجرمين الكذب على الله تعالى ورسوله وقلب الأحكام والأمور قال تعالى { لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون – التوبة 48 } وقال تعالى أيضاً في نفاقهم وإيمانهم بالكلامات فقط مع إبطان الكفر والولاية لغير الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام { يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم – المائدة 41 } . وهنا أمر الله تعالى المؤمنين بالهجرة والفرار بالدين قبل فتح مكة فقال تعالى { ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم – النحل 110 } .

فلما فتحت مكة ودخل الناس فيدن الله أفواجاً مات صلى الله عليه وآله انقلب الكثير من هؤلاء المنافقين على أعقابهم كما في قوله تعالى {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ – آل عمران 144 } وهنا ازداد الخطب بعدما فتح باب التقول والكذب على الله تعالى ورسوله وازداد الطين بلة بمنع تدوين الحديث إلا بعد نيف ومائة عام في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز (ر)

وهنا أمر الله تعالى أوليائه بالقتال في سبيل الله والدين كله بما فيه ولاية أهل بيت النبي عليهم السلام حتى لا يضل الناس ويتولون قوماً قالوا كفراً ونفاقاً لضرف الناس عن أهل بيت النبي عليهم السلام  { حسبنا ما وجدنا عليه آبائنا – المائدة 104 } ولذلك قال تعالى للمؤمنين بأن يقاتلوهم ليكون الدين كله لله فقال تعالى { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله – الأنفال 39}  وقال تعالى أيضاً { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين – البقرة 193 }

وأما :

(المؤمنين والمؤمنات)

والمؤمنين والمؤمنات هم الذين آمنوا بالله تعالى ورسله ولم يؤمنوا ببعض ويكفروا ببعض أي أنهم لم يكنوا مثل إبليس الذي أعلم ولايته لله فقط أما آدم فلا ولاية له لأنه أفض منه وهذا هو البعض في الدين الذي قاتل عليه أهل الكفروالنفاق حيث جعلوا الولاية في رجالهم من الآباء والأجداد ليخرجوا الناس من ولاية الأنبياء والمرسلين وأهل بيت النبي عليهم السلام لولاية آبائهم ممن أطلقوا عليهم مصطلح السلف الصالح وهم سلف وهذا حق إنما لا يمكن الجزم بصلاحهم لقوله تعالى { ولا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى – النجم } وهنا قتل هؤلاء الكفار والمنافقين المؤمنين الذين تولوا الله تعالى حق ولايته فقال تعالى { ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون – البقرة 85 } ثم يبين تعالى لجوء هذا الحزب الشيطاني لرمي وقذف الأنبياء والمرسلين وأهل البيت والمؤمنين لإفساح الطريق أمام ولاية آبائهم وأجدادهم فقال تعالى محذراً { والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا – الأحزاب 58 }

وبالتالي المؤمنون والمؤمنات هم الذين تولوا الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام وتحملوا الذى من هؤلاء الشياطين و هم الذين تولوا الله تعالى ورسوله والإمام علي عليه السلام لما نزل فيه من قوله تعالى { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون – المائدة 55-56 } . ويبين تعالى أنه سيعذب ههؤلاء المجرمين و سيتوب على المؤمنين و المؤمنات كما في قوله تعالى { ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما – الأحزاب 73 }

وسيدخل الله تعالى المؤمنين جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة  كما في قوله تعالى { وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم – التوبة 72 } ويبشرهم الله تعالى بنور يسعى بين أيديهم وبأيمانهم  والجنة وذلك هو الفوز العظيم كما في قوله تعالى { يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم – الحديد 12 } وأما الذين فتنوا هؤلاء المؤمنين في الدنيا فسيعذبهم الله تعالى عذاباً شديداً قال تعالى فيه هنا {   إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق – البروج 10 } .

وأما :

(ثم لم) 

هنا يبين تعالى أن المؤمنين هم الذين آمنوا بالله تعالى ورسوله ثم لم يرتابوا قال تعالى { إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون – الحجرات 15 } ويبين تعالى أن هؤلاء كانوا يعرفون رسول الله صلى الله عليه وىله معرفتهم بأبنائهم ولكنهم كفروا به قال تعالى { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ ۘ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ۗ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ انظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ ۚ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ ۖ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۚ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا ۚ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ – الأنعام 20-24 } وهؤلاء إن لم يتوبوا فلهم عذاب الحريق كما في قوله تعالى {   إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق – البروج 10 } .

وأما :

(يتوبوا)

والتوبة هنا تكن من أمرين الأول : توبة علماء الأمة بإظهار الحق في ولاية الله تعالى ورسوله وأهل بيته والحلال والحرام ورد الحكام لدين الله الحق وعدم الدخول عليهم لمصلحة دنيوة  قال تعالى :  { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ۙ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَٰئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ – البقرة 159-161 }

الثاني :

توبة الحكام من دماء المؤمنين وليعلموا بأن من قتل مؤمنا فلا توبة له لأنه الذنب الوحيد في كتاب الله تعالى والذي تفرد بأربع عقوبات قال تعالى فيها {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما – النساء 93 } . وهؤلاء هم الذين فتنوا المؤمنين باللسان في كل زمن العماء بتدليسهم للدين وكذبهم وكتمانهم للحق والحكام بالسنان وذلك بسل سيف الكفر والغدر قتلاً وفتكاً بالمؤمنين في كل زمن إلى أن يشاء الله تعالى وهنا يقول تعالى {   إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق – البروج 10 } .

وأما :

(فلهم عذاب جهنم)

وهنا يؤكد الله تبارك وتعالى أن جهنم لقتلة النفس المؤمنة قال تعالى { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما – النساء 93 } وهؤلاء من كفار ومنافقين وعدهم الله تعالى بنار جهم في قوله تعالى { وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم –التوبة 68 } ويبين تعالى أن هؤلاء المجرمين ماكن عذابهم في جهنم إلا لكراهيتهم الحق وأهله في الدنيا وتددبيرهم للمكر والمكائد لهؤلاء المؤمنين المستضعفين قال تعالى { إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ۖ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم ۚ بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ – الزخرف 74-80 } . وهؤلاء هم الذين كفرووا بربهم كما في قوله تعالى { وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير – الملك 6 }

وأما :

 (ولهم عذاب الحريق )

وهنا يبين تعالى بأن هذا العذاب كان بكفرهم وجدالهم في الله بغير حق قال تعالى { وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۖ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ۖ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ – الحج 8-10 } وهؤلاء لهم عذاب الحريق لا يخرجون منه كلما أرادوا الخروج من جهنم والعياذ بالله أعيدوا فيها تعالى { كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ – الحج 22  } وهنا يبين تعالى أنهم سيدخلونها إن لم يتوبوا عن كفرهم وفتنة المؤمنين بالله تعالى في الدنيا فقال تعالى هنا { إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق – البروج 10 } .

ثم يقول تعالى :

(11) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير (11)

 وهنا :

في هذا اليوم يقول تعالى عن الظالمين والمؤمنين  { ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير – الشورى 22 } وهؤلاء هم الذين آمنوا بالله تعالى ورسله وخاتمهم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله كما في قوله تعالى { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۙ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ – محمد 2 } وهم الذين ودوا النبي صلى الله عليه وآله في أهل بيته عليهم السلام وقال تعالى في ذلك {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا – مريم 96 }  وهذه المدة أمر من الله تعالى لأه بيت النبي عليهم السلام كما في قوله تعالى {  ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور – الشورى 23 } وهؤلاء هم خير البرية لما نزل فيهم من قوله تعالى { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ  جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ – البينة 7-8} وهل يستويس هؤلاء المؤمنين بالمجرمين المفسدين في الأرض في كل زمان ومكان على الأرض قال تعالى { أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار – ص 28 } .

وهؤلاء الكفار الفجار يبين تعالى أنهم في كل زمان كانوا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام فلا يعيرون لله تعالى والدار الآخرة بالا و لا يعملون لها عملاً صالحاً بل منهم الكبراء الذين تلوثت أيديهم بسفك دماء المؤمنين لذلك قال تعالى فيهم  { إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم – محمد 12 } ويقول تعالى فيهم أيضاً { الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير – فاطر 7 } .

وأما :

(ذلك هو الفوز الكبير)

والفوز في كتاب الله فوز عظظيم قال تعالى فيه  {ذلك هو الفوز العظيم – الدخان 57 } وفوزاً مبينا قال تعالى فيه { فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته ذلك هو الفوز المبين – الجاثية 30 } وهذا الفوز بأن يصرف الله تعالى عنهم سيئاتهم وغضبه عز وجل قال تعالى { من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه وذلك الفوز المبين – الأنعام 16 } وقال تعالى أيضاً { وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم – غافر 9 }  وهذا الفوز هو الجنة التي قال تعالى فيها { وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم – التوبة 72 } وقال تعالى أيضا { أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم – التوبة 89 } وهذا هو الفوز الكبير بغفران السيئات وصرف العذاب عنهم وإدخالهم الجنة لذلك قال تعالى هنا { ذلك هو الفوز الكبير } .

وأما :

(الكبير)

وهنا يبين تعالى من خلال هذا اللفظ أن هؤلاء المؤمنين آمنوا بالله تعالى ورسله وهذا هو الحق ومن حاربهم ليطوعوهم في سبيل طاعة كبرائهم من حكام وأهل الضلالة من علمائهم وكهنتهم وساستهم كانوا على الباطل قال تعالى { ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير – الحج 62 } ويبين تعالى أن هذا الحق أرثه الله تعالى في ذرية نبي الله إبراهيم الذين قال تعالى فيهم { إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين – آل عمران 33 } وهذا الأصطفاء اختيار إلهي قال تعالى فيه { وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون – القصص 68} وقال تعالى أيضاً {  وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا – الأحزاب 36 } وهذا الأصطفاء قال تعالى فيه  { ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير – فاطر 32 } وهنا يقول صلى الله عليه وآله في أهل بيته عليهم السلامم [ سابقنا سابق ومقتصدنا ناجي وظظالمنا مغفور له .. الحديث ] وهؤلاء ظن فيهم المؤمنون الشفاعة عند الله تعالى وغيرهم التمسوا الشافعة بأهوائهم رجالهم ممن قالوا فيهم { حسبنا ماوجدنا عليه آبائنا – المائدة 104} وقالوا فيهم بالصلاح والتقوى والمناقب المزيفة والمسرووقة من أهل بيت النبي عليهم السلام وأكثرها نسبوها زوراً لرجالهم ليصدقهم الناس وقد استخدموا في ذلك مدرسة الرأي وتقديم أراء وأهواء رجال في مقال النص القرآني ولذلك حكم الله تعالى في هلاء بدخول النار لتقديمهم الهوى والرأي على نصوص القرآن الكريم فقال تعالى { ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير – غافر 12 } و يوم القيامة لا تنفع شفاعة أحد من نص الله تعالى عليهم في كتاب الله تعالى ورسله وانبيائه وخاتمهم رسول الله ثم غلأئمة من أهل بيته عليهم السلام لانقطاع النبوة وبداية علامات القيامة قال تعالى في هذه الشفاعة يوم القيامة { ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير – سبأ 23 } . ومن قبلت شفاعة نبيه ورسوله ثم شفاعة النبي العظمى يوم القيامة للنبي وأهل بيته عليهم السلام فذلك هوو الفوزو الكبير قال تعالى {ذلك هو الفوز الكبير} .

ثم يقول تعالى :

(12) إن بطش ربك لشديد (12)

 وهنا :

(إن بطش ربك)

[ و يَبطُش ويَبطِش ، بَطْشًا ، فهو باطِش ، والمفعول مبطوش به بَطَشَ بِهِ : فَتَكَ بِهِ، أَوْ أَخَذَهُ عُنْفاً وَسَطْوَةً قال تعالى{ وَإِذا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارينَ – الشعراء 130} وقويّ البَطْش: شديد الظلم والطغيان ] والبطش لبني آدم يكون باليد لقوله تعالى {ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون – الأعراف 195} ولذلك قال تعالى في نبي الله موسى عليه السلام لما قتل المصري { فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين – القصص 19 } وهذا البطش بقتل الممؤمنين والمظلومين المستضعفين قامت به أمم من قبل أقوى من أمة فرعون والأمم التي جاءت من بعدهم فأهلكهم الله تعالى كما في قوله تعالى { فأهلكنا أشد منهم بطشا ومضى مثل الأولين – الزخرف 8 } بل وهذه الأمم من قبل نقبت في البلاد عن الجبابرة والأشداء ليفتكوا بهم كما قال تعالى { وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد هل من محيص – ق 36 } . وهنا المقارنة بين بطشة الخلق وبطشة المخلوق أن بططشة المخلوق تزول بزوال السبب أي بعد قتلهم للمؤمن فلا بطش بعد ذلك إنما الجزاء سيكون الجنة للمظلوم وبطشة الخالق شديدة في الدنيا يعقبها البقاء والخلود في عذاب الله تعالى لذلك قال تعالى في هلاك الأمم من قبل ومنهم أمة لوط ومن سيأتي بعدهم من الأمم الظالمة حتى قيام الساعة وبعثة إمام آخر الزمان ونبي الله عيسى عليهما السلام قال تعالى فيهم : {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ ۖ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ نِّعْمَةً مِّنْ عِندِنَا ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي مَن شَكَرَ وَلَقَدْ أَنذَرَهُم بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُولَٰئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ – القمر 33-43} وهذه هى البطشة الشدية التي قال تعالى فيها { إن بطش ربك لشديد – البروح 12 } ومنها بطشة يوم القيامة التي قال تعالى فيها : { يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون – الدخان 16 } .

وأما :

(شديد)

وهنا يقول تعالى { من كان يريد العزة فلله العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور – فاطر 10 } وهؤلاء الظلمة منهم أمم سالفة قال تعالى فيهم مبيناً أنه تعالى إذا أخذ القرى وأهلكها فإن أخذه تعالى والعياذ بالله أليم شديد قال تعالى { وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد – هود 102 } وكذلك من مكروا بالمؤمنين يبين تعالى ان هؤلاء لهم عذاب شديد قال تعالى فيه { فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين –آل عمران 56 } ومن هذا العذاب الشديد يمكن أن يسلط الله تعالى أسياف المؤمنين عليهم ليقتلوهم بغذن الله كما حدث في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وغزوة بدر و قال تعالى هنا { إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ۚ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ وَمَن يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ – الأنفال 12-13} وذلك كان عقاباً لهم لأنهم كفروا بالله ورسوله كما في قوله تعالى { وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله الله أعلم حيث يجعل رسالته سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون – الأنعام 124 }

وآخر الزمان سينزل الله تعالى بالأمم عذاباً شديداً لكفرهم بآيات الله  وقد أنذرهم الله تعالى في قوله عز وجل :

{ قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا – الكهف 2 } وقال تعالى في وعد بني إسرائيل الأول ثم الثاني والأخير { وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا – الإسراء 4-7 } وقال تعالى في العالم قبل يوم القيامة { وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا – الإسراء 58} وفي ذلك الزمان سيفتح الله تعالى على الناس بظلمهم عذاباً شديداً قال تعالى فيه {حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد إذا هم فيه مبلسون – المؤمنون 77 } ثم تكون القيامة { يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد – الحج 2 } . وذلك معنى قوله تعالى { إن بطش ربك لشديد } .

ثم يقول تعالى :

(13) إنه هو يبدئ ويعيد (13)

وهنا :

( إنه هو)

أي أنه يقول تعالى { إنه هو السميع البصير – غافر 56 } وهو السميع العليم كما في قوله تعالى { إنه هو السميع العليم – فصلت 36 }

وهو العزيز الرحيم كما في قوله تعالى { إلا من رحم الله إنه هو العزيز الرحيم – الدخان 42 } وهو الحكيم العليم { إنه هو الحكيم العليم –  الذاريات30 } وهو البر الرحين بخلقة كما في قوله تعالى { إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم – الطور 28 } أي أنه تعالى هو السميع البصير العزيز الرحيم الحكيم العيم البر الرحيم بخلقه وهو الذي يبدئ ويعيد برحمة منه للمؤمنين وانتقاماً من الظالمين كما في قوله تعالى { ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم – الصافات 68 } أي سيعيدهم إلى الجحيم  وأما المؤمنين ورجوعهم إلى الجنة قال تعالى في ذلك { الله يبدأ الخلق ثم يعيده ثم إليه ترجعون – الروم 11 }

وأما :

(يبدئ ويعيد)

أي أنه يقول تعالى أنه يبدأ الخلق ثم يعيده ما في قوله تعالى { إليه مرجعكم جميعا وعد الله حقا إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون – يونس 4 } وهذا هين على الله تعالى كما في قوله عز وجل { وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم – الروم 27 }  ثم إليه تعالى المرجع والمآل كما في قوله تعالى { الله يبدأ الخلق ثم يعيده ثم إليه ترجعون – الروم11 }

فهل يوجد إله مع الله تعالى يقدر على فعل ذلك قال تعالى { أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أئله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين – النمل 64} وبالتالي هل من شركاء هؤلاء المجرمين الذين كفروا بالله وبطشوا وسفكوا الدماء المؤمنو من يقدر على فهل ذلك قال تعالى { قل هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده قل الله يبدأ الخلق ثم يعيده فأنى تؤفكون – يونس 34 } ولذلك قال تعالى هنا { إنه هو يبدئ ويعيد } .

ثم يقول تعالى :

(14) وهو الغفور الورود (14)

 وهنا :

(وهو الغفور)

وهنا يقول تعالى { إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا لِّيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا – الأحزاب 72-73 } وحتى لا يعذب الله تعالى المؤمنين أمرهم عز وجل بأن يتيقنوا أنه لا إله إلا الله ويستغفروا لذنوبهم قال تعالى { فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم – محمد 19 } وهو غافر الذنب لقوله تعالى { غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير – غافر 3} وغفران الذنب له شروط وهو التوبة والإيمان بالله استغفاراً ثم الإقلاع عن السيئات والعمل الصالح قال تعالى { وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى – طه 82 } والشرط الثاني  الإستغفار عند رسول الله صلى الله عليه وآله فيستغفر للمؤمنين حيا وبعد موته تكون بزيارته في مسجده أو مساجد أهل بيته ليعم السلام طلباً للغفران ورضا الله تعالى قال تعالى { وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما – النساء 64 } وقال تعالى أيضاً { ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما – النساء 110 } .

وأما :

(الودود)

[ وود فلاناً : أحبه وهويه ووصف الفاعل وادْ إذا ووصفت المبالغة منه : ودود ] قال تعالى { واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود – هود 90 } ومن أراد أن يوده الله تعالى فليتولى ويود أهل بيت النبي عليهم السلام لقوله تعالى { قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ۗ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ –الشورى 23 } .

وقد نهى الله تعالى عن مودة أعداءه كما في قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل – الممتحنة 1 } وهؤلاء الأعداء كل من تولى وود غير رسول الله صلى الله عليه والأئمة من أهل بيته عليهم السلام ومن ود غيرهم فهو كعابد وثن قال تعالى فيه هنا { وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين – العنكبوت 25 } . ومن تولاهم فالله تعالى معهم هو الغفور الودود كما في قوله تعالى { وهو الغفور الودود } .

ثم يقول تعالى :

(15) ذو العرش المجيد (15)

وهنا :

(ذو)

أي صاحب كقوله تعالى { والحب ذو العصف والريحان – الرحمن }

وأما :

(ذو العرش)

أي أنه يقول تعالى { رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق – غافر 15 } وكان من مشيئته تعالى أن يلقي الروح على رسول الله صلى الله عليه وآله  صاحب القوة والمكانة عند الله تعالى لقوله تعالى عن { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ – التكوير 19-22 }  والعرش قال تعالى فيه { إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ۗ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ  – الأعراف 54 } ولفظ عرش ورد على عرش ملكة سبأ في قوله تعالى { ولها عرش عظيم – النمل } فلما أن جاء نبي الله سليمان بعرشها وهو رمز دولتها وليس اليمن كله قال لها {  فلما جاءت قيل أهكذا عرشك قالت كأنه هو وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين – النمل 42 } وبالتالي لما قال تعالى { هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير –الحديد 4 } هذه السماوات والأراضين السبع رمز دولة الله تعالى وليست كل الخلق . وهنا يقول تعالى هنا أنه عرش مجيد لقوله تعالى { ذو العرش المجيد } .

وأما :

(المجيد)

[ والمجيد : الذي اتسع شرفه وكرمه والشرف والمجد أطلقهم الله تعالى على سماواته وأرضه – معجم ألفاظ القرآن باب الميم فصل الجيم والدال ]  قال تعالى { ذو العرش المجيد 15 } وهذا المجد والشرف جعله الله تعالى في أوامره المنزلة في كتابه الكريم لذلك قال تعالى { ق والقرآن المجيد – ق} وهذا المجد جعله الله تعالى في رسله وانبيائه ثم الأئمة من أهل بيت النبي عليهم السلام كما في قوله تعالى { رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد – هود 73 } أي أن الشرف والكرم والمجد في الخالق عز وجل أولا صاحب هذ الكون وقد أنزل كتاباً مجيداً  وبين أن بيانه موكول لرسله وأنبيائه وخاتمهم النبي محمد صلى الله عليه وآله عترة خاتم النبيين عليهم السلام والكتاب والعترة  هما الثقلين الذي قال فيهما رسول الله صلى الله عليه وآله : [  أنا تاركٌ فِيكم ثَقلينِ : أوَّلهما : كتابُ الله، فيه الهُدى والنُور؛ فخُذوا بكتاب الله، واستمسِكوا به، فحثَّ على كِتاب الله ورغَّب فيه، ثم قال: وأهلُ بَيْتي، أُذكِّركم اللهَ في أهلِ بيتي، أُذكِّركم اللهَ في أهل بيتي، أُذكِّركم الله في أهلِ بَيتي – رواه البخاري ومسلم ]

.ثم يقول تعالى :

(16) فعال لما يريد (16)

وهنا فعال لما يريد أي أنه يقول تعالى { إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار إن الله يفعل ما يريد – الحج 14 } ويقول تعالى { خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ – هود 107 } ومن أرادة الله تعالى الصدام والإقتتال بين من يريدون الدنيا ومن يريدون الآخرة قال تعالى { ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل مايريد – البقرة 203 } والكافرون حقا هم الذين فرقوا بين الله تعالى ورسله على الرغم من أنه تعالى قد أخذ الميثاق عليهم جميعا للأيمان بالنبي محمد صلى الله عليه وآله ونصرته أي أن دعوة كل أنبياء الله تعالى من لدن آدم حتى نبي الله عيسى إلى كلمة “لا إله إلا الله محمد رسول الله ”  قال تعالى { وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين – آل عمران 81 } وهذه أرادة الله تعالى ومن فرق بين الله تعالى ورسله فهؤلاء هم الكافرون حقا قال تعالى {إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا – النساء 150-151 }

وحيث أن رسول الله صلى الله عليه وىله خاتم النبيين ولا نبوة بعده إلا إمامة أهل بيته عليهم السلام بين تعالى أنه لذلك قد أ1هب الله تعالى عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا قال  تعالى { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا – الأحزاب 33 } والخارج على ولاية هؤلاء لا حظ لهم في الآخرة كما في قوله تعالى { ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر إنهم لن يضروا الله شيئا يريد الله ألا يجعل لهم حظا في الآخرة ولهم عذاب عظيم – آل عمران 167 } . والله تعالى كما قال { فعال لما يريد } .

ثم يقول تعالى :

(17) هل أتاك حديث الجنود (17)

وهنا :

(هل أتاك حديث)

أي هل أتاك حديث وقصة الجنود قال تعالى { هل أتاك حديث موسى إذ رآه ربه بالوادي المقدس طوى – النازعات 15 } وهنا الحديث عن الجنود وهم جنود فرعون وقوم ثمود في قوله تعالى { هل أتاك حديث الجنود فرعون وثمود } .

وأما :

(حديث)

[ والحديث  : كلُّ ما يُتحدَّث به من كلامٍ وخبر ] قال تعالى { ثم أرسلنا رسلنا تترى كل ما جاء أمة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا وجعلناهم أحاديث فبعدا لقوم لا يؤمنون – المؤمنون 44 } وقال تعالى أيضاً : { فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ – سبأ 19 }

والحديث يأت على كتاب الله تعالى في قوله تعالى { الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد – الزمر 23} ومن كذب بهذا الحديث سيسترجه الله تعالى من حيث لا يعلمون قال تعالى { فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون – القلم 44 } وذلك لأنهم كذبوا بكتاب الله تعالى فبأي حديث بعده يؤمنون قال تعالى{ فبأي حديث بعده يؤمنون – المرسلات 50 } وقال تعالى أيضا { أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون – الأعراف 185 } .

وأما :

(الجنود)

وهم جنود فرعون الذين قال تعالى فيهم { إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين – القصص }

ثم يقول تعالى عن هذا الحديث أنه أمر فرعون وثمود قال تعالى :

(18) فرعون وثمود (18)

وهنا :

(فرعون)

وهنا يقول تعالى { إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذاً وبيلا –المزمل 15-16 }  وهنا يقول تعالى { هل أتاك حديث الجنود فرعون وثمود } اي أنه كما أهلك الله تعالى هؤلاء المجريمين وسيهلك من تقلد بهم وخرج على ولاية الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام  وفرعون هنا مثال لما ستمر به مصر بالذات في آخر الزمان من أحداث .

وأما :

(وثمود)

وثمود بالذات هنا أمة من العرب ستقلد ثمود في نهجها الخروج على كتاب ربها بغير حرب من أمة أخرى وبغير ضغوط من احد إلا أنهم خيرهم الله تعالى فاختاروا الكفر على الإيمان قال تعالى { وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون – فصلت 17 } وهذه الصاعقة هم في انتظار أمة ستتقلد بهم في قتل أئمة أهل البيت وشيعتهم وأنصارهم وهؤلاء بشرهم الله تعالى بصاعقة قال تعالى فيها { فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود – فصلت  13 } وثمود الآخرة أمة من العرب قال فيها صلى الله عليه وىله أنهم قريشاً الآخرة ستمضي في الحرب على دين الإسلام وقيمه و أهل بيت النبي عليهم السلام في آخر الزمان وفي الحديث دعا عليهم صلى الله عليه وآله فيما في قوله صلى الله عليه وآله [ اللهم كما أذقت أول قريش نكالا فاذق آخرها نوالا – أمالي الشجري ] .

ثم يقول تعالى :

(19) بل الذين كفروا في تكذيب (19)

وهنا :

(بل الذين)

وهنا يبين تعالى أن هؤلاء يكذبون بكتاب الله ورسوله وإمامة أهل بيته عليهم السلام قال تعالى {بل الذين كفروا يكذبون – الإنشقاق 22 }  وهم كما قال تعالى فيهم أنهم في عزة وشقاق قال تعالى فيه { بل الذين كفروا في عزة وشقاق – ص 2 }

وأما :

(الذين كفروا)

فهم الذين تركوا التحاكم إلى كتاب الله تعالى كما في قوله تعالى { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولائك هم الكافرون – المائدة }  ومن هؤلاء الكفار فريق تظاهر بالإيمان من المنافقين و قال تعالى فيهم { يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم – المائدة 41 } وهؤلاء في مكذبين بآيات الله تعالى ورسوله كما في الآية هنا { بل الذين كفروا في تكذيب } .

وأما :

(في تكذيب)

[ تَكْذيب : مصدر كذَّبَ/ كذَّبَ بـ. تصريح يُثبت عدمَ صحَّة خبر أو ينفي حدوثَ أمر  و تكذيب نبأ اتّهام تَكْذِيبُ أَقْوالِهِ: إِظْهارُ كَذِبِها “لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ على تَكْذِيبِهِ”] وهذا يعني أن التكذيب يقترن بالجدال ليدحضوا به الحق قال تعالى { كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب – غافر 5 } وهذا التكذيب ماكان إلا دفاعاً عن ولاية الطواغيت من رجالهم قال تعالى { ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين – النحل 36 }

وبالتالي كذبوا أنبياء الله تعالى ورسله فعذبهم الله تعالى كما في قوله عز وجل  { فقد كذبوكم بما تقولون فما تستطيعون صرفا ولا نصرا ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا – الفرقان 19 } والتكذيب أيضاً ترك العمل بما أنزل الله تعالى فقد وصف الله تعالى قوما حملهم مشؤولية العمل بالتوراة فلما تركوا العمل بها وصفهم الله تعالى أأنهم كذبوا بآيات الله قال تعالى لذلك { مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين – الجمعة 5 } . ولذلك قال تعالى هنا { بل الذين كفرا في تكذيب } أي في جدال نصرة لابائهم وأجدادهم وتركاً للعمل بكتاب الله تعالى .

ثم يقول تعالى :

(20) والله من ورائهم محيط (20)

وهنا :

( والله من ورائهم)

وهنا من ورائهم أي من بعد موتهم لقوله تعالى { وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا – مريم 5 }  وهؤلاء المجرمين استفتحوا أعمالهم بمحاولة إبادة المؤمنين ومحوهم من الدنيا فخيبهم الله تعالى وخيب ظنهم وأفشل مكرهم وجعل تدميرهم في تدبيرهم ومن وراء موتهم جهنم وهم لا يشعرون قال تعالى { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ۖ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ اسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ مِّن وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَىٰ مِن مَّاءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ ۖ وَمِن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ – إبراهيم 13-17 }

وهؤلاء من ورائهم جهنم كما قال تعالى { من ورائهم جهنم ولا يغني عنهم ما كسبوا شيئا ولا ما اتخذوا من دون الله أولياء ولهم عذاب عظيم – الجاثية 10 } وهذا العذاب في البرزخ قبل يوم القيامة قال تعالى عن مدة عذابهم قبل يوم القيامة { ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون – المؤمنون 100} وبالتالي الله تعالى محيط بهم في الدنيا والآخرة كما في قوله تعالى هنا { والله من ورائهم محيط } .

وأما :

(محيط)

و [مُحيط : فاعل من أَحاطَ و مُحيط: (اسم)الجمع : مُحيطات اسم فاعل من أحاطَ/ أحاطَ بـالمُحِيطُ : العظيمُ من البحار يُحدِق باليابسةبيئة ، وسط يقيم به الإنسان قَطْرَة في محيط : قليل جدًّا والمُحِيطُ : (لحديث) مَنْ أحاط علمه بمائة ألف حديث و المحيط: اسم من أسماء الله الحسنى ، ومعناه : الذي أحاطت قدرتُه وسعة علمه بجميع خَلْقه و مُحِيطُ الدَّائِرَةِ (هن) : الخَطُّ الَّذِي يُحِيطُ بِالدَّائِرَةِ عَالِمٌ مُحِيطٌ بِكُلِّ عُلُومِ عَصْرِهِ : مُلِمٌّ بِهَا، عَارِفٌ بِهَا ] .

قال تعالى { الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما – الطلاق 12 } وهذا اللفظ يبين تعالى بالتحديد أنهم بنو أمية لما نزل فيهم من قوله تعالى { وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا – الإسراء 60 }

وفي الحديث :

[((بني أمية قردة ينزون على منبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم). وما جعلنا الرؤية التي أريناك إلاّ فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ( الأسراء : 60 ) الحاكم النيسابوري – المستدرك – كتاب الفتن – رقم الحديث : ( 8481 )  ]

[  عن أبي هريرة (ر) : أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). ) قال : إني اريت في منامي كان بنى الحكم بن أبي العاص ينزون على منبرى كما تنزو القردة ، قال : فما رؤى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مستجمعاً ضاحكاً حتى توفي ، هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. الهيثمي – مجمع الزوائد – الجزء : ( 5 ) – ص : ( 243 ) ]

و[ بني أمية هم الشجرة الملعونة في القرآن الكريم  وهم من إبتدعوا بدعة عقيدة اهل السنة والجماعة لتفسير تبيان قوله تعالى (وما جعلنا الرؤية التي أريناك إلاّ فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن- الأسراء 60) للسيوطي – الدر المنثور – الجزء: (4) – رقم الصفحة: (191) ] .

[  وأخرج إبن مردويه، عن عائشة: أنها قالت لمروان بن الحكم: سمعت رسول الله :يقول: لأبيك وجدك إنكم الشجرة الملعونة في القرآن.الطبري – تاريخ الطبري – الجزء: (8) – رقم الصفحة: (185)]

[  وأنزل به كتاباً قوله: والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلاّ طغياناً كبيراً، ولا إختلاف بين أحد أنه أراد بها بنى أمية. وما جعلنا الرؤية التي أريناك إلاّ فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن (الأسراء : 60) الحاكم النيسابوري – المستدرك – كتاب الفتن – رقم الحديث: 8481 – 8618 ] .

[  ومنها ما حدثناه : أبو أحمد علي بن محمد الازرقي بمرو، ثنا: أبو جعفر محمد بن إسماعيل بن سالم الصائغ بمكة، ثنا : أحمد إبن محمد بن الوليد الازرقي مؤذن المسجد الحرام، ثنا: مسلم بن خالد الزنجي، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة : أن رسول الله، قال : إني اريت في منامي كان بنى الحكم بن أبي العاص ينزون على منبرى كما تنزو القردة، قال : فما رؤى النبي، مستجمعاً ضاحكاً حتى توفي، هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.وعن أبى هريرة: أن رسول الله، رأى في منامه كان بنى الحكم ينزون على منبره وينزلون فأصبح كالمتغيظ ، فقال : ما لي رأيت بنى الحكم ينزون على منبرى نزو القردة، قال : فما رؤى رسول الله مستجمعاً ضاحكاً بعد ذلك حتى مات، رواه أبو يعلي ورجاله رجال الصحيح غير مصعب بن عبد الله بن الزبير وهو ثقة ] .

:

ثم يقول تعالى :

(21) بل هو قرآن مجيد (21)

وهنا :

(بل هو)

وهنا يقول تعالى { بل هو قرآن مجيد } وهذا القرآن المجيد هو الحق لقوله تعالى { أم يقولون افتراه بل هو الحق من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون – السجدة 3 } وهذا الحق آيات بينات جعلها الله عز وجل في صدور الذين أوتوا العلم كما في قوله تعالى { بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون – العنكبوت 49 } .

وأما :

(قرآن)

وهنا يبين تعالى أنه قرآن كريم في لوح محفوظ قال تعالى فيه { بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ – البروج 21-22 }  وهذا القرآن الكريم لا يمسه إلا المطهرون أي لا يدرك غور معناه إلا من مسه الطهر نسباً يرجع لسلالة أهل بيت النبي عليهم السلام قال تعالى { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ  فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ – الواقعة 77 -79 } وهؤلاء المطهرون هم أئمة أهل البيت عليهم السلام والعلماء من ذريتهم قال تعالى في هذا النسب الطاهر المطهر بالمفعول المطلق { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا – الأحزاب }  وهؤلاء هم الذين جعلوا القرآن حاكماً على القرآن فلا يبينوه ويفسرونه بهوى أحد بل يبينون القرآن بالقرآن وبسنة النبي صلى الله عليه وىله وعلى السنة الأئمة من أهل بيته عليهم السلام قال تعالى {   فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إنا علينا بيانه – القيامة 18-19 }

وأما :

(مجيد)

[ والمجيد : الذي اتسع شرفه وكرمه والشرف والمجد أطلقهم الله تعالى على سماواته وأرضه – معجم ألفاظ القرآن باب الميم فصل الجيم والدال ]  قال تعالى عن نفسه عز وجل أنه تعالى { ذو العرش المجيد 15 } وهنا صاحب هذا المجد والشرف أنزل كتاباً فيه أوامره تعالى لذلك قال تعالى فيه أنه قرآن مجيد في قوله تعالى : { ق و القرآن المجيد – ق} وهذا المجد جعله الله تعالى في رسله وأنبيائه ثم الأئمة من أهل من أهل بيت النبي عليهم السلام ورثة الوحي الشرعيين بأمر من الله تعالى كما في قولهعز وجل { رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد – هود 73 } أي أن الشرف والكرم والمجد في الخالق عز وجل أولا صاحب هذ الكون وقد أنزل كتاباً مجيداً  وبين أن بيانه موكول لرسله وأنبيائه وخاتمهم النبي محمد صلى الله عليه وآله عترة خاتم النبيين عليهم السلام والكتاب والعترة  هما الثقلين الذي قال فيهما [   رسول الله صلى الله عليه وآله : [  أنا تاركٌ فِيكم ثَقلينِ : أوَّلهما : كتابُ الله، فيه الهُدى والنُور؛ فخُذوا بكتاب الله، واستمسِكوا به، فحثَّ على كِتاب الله ورغَّب فيه، ثم قال: وأهلُ بَيْتي، أُذكِّركم اللهَ في أهلِ بيتي، أُذكِّركم اللهَ في أهل بيتي، أُذكِّركم الله في أهلِ بَيتي – رواه البخاري ومسلم ] .

ثم يقول تعالى :

(22) في لوح محفوظ (22)

وهنا :

(في لوح)

واللوح صحيفة يكتب عليها لقوله تعالى { وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأريكم دار الفاسقين – الأعراف 145 } و الألواح لفظ يأت على وصف السفينة التي نجا الله تعالى فيها نبي الله نوحاً والذين آمنوا معه كما في قوله تعالى { وحملناه على ذات ألواح ودسر – القمر } وهذه الألواح عبارة عن لوح رأسي عن يمين ألواح عرضية يمنة ويسرى وهو نفس شكل صدر الإنسان الذي يحوي العلم وقال تعالى فيه هنا { بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ – البروج 21-22 } . وهذا العلم وهذا القرآن وآياته البينات في صدور الذين أوتوا العلم قال تعالى { بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون – العنكبوت 49 } . ولذلك قال صلى الله عليه وآله [ أنا مدينة العلم وعلي بابها ومن أراد المدينة فلياتها من بابها .. الحديث ] .

وأما :

(محفوظ)

وهنا يبين تعالى أنه جعل السماء سقفاً محفوظا قال تعالى { وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون – الأنبياء 32 } وهذه السماء المحفوظة كتب الله تعالى فيها كل ما وعد الناس قال تعالى { وفي السماء رزقكم وما توعدون – الذاريات 22 } وهنا يبين تعالى حفظه لسماواته وما نزل منها من قرآن قال تعالى فيه { وحفظناها من كل شيطان رجيم } وبالتالي القرآن الكريم محفوظاً في السماء و بعدما نزل إلى الأرض لقوله تعالى { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون – الحجر 9 } .

وهذا اللوح فيه كل ما هو كائن إلى يوم القيامة لأنه قرآن نزل من أم الكتاب في قوله تعالى { وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم – الزخرف 4 } . ومن عمل بكتاب الله تعالى فقد وكل له عز وجل ملائكة معقبات تحفظه من بين يديه من خلفه بأمر الله تعالى كما في قوله عز وجل { له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله  –الرعد 11 } . وبالتالي القرآن الكريم محفوظاً في السماء ومحفوظاً في الأرض ومن عمل به وتولاه وتولى رسوله وأهل بيته من بعده عليهم السلام  فهو في معية الله تعالى وفي حفظه وكنفه وولايته عز وجل .

هذا وبالله التوفيق وما توفيقي إلا بالله

عليه توكلت وإليه وأنيب وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين

انتهى العمل من هذه السورة الكريمة

في

25 ذو الحجة سنة 1420ه  الموافق 1 أبريل سنة 2000

الفهرست

21 – النجم

22- عبس

23- القدر

24- الشمس

25 – البروج