"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

سورة الشمس رقم (24) في التنزيل من تفسير البينة ( النبأ العظيم)

بقلم :

خالد محيي الدين الحليبي 

السورة بملف PDF :

سورة الشمس رقم 24 (1)

السورة ملف  ورد :

(24)

سورة الشمس

بسم الله الرحمن الرحيم

[عن سهل، عن محمد، عن أبيه، عن أبي محمد، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن قول الله عز و جل: { وَٱلشَّمْسِ وَضُحَاهَا } ، قال: ” الشمس: رسول الله (صلى الله عليه و آله)، به أوضح الله عز و جل للناس دينهم “.

قال: قلت: { وَٱلْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا }؟ قال: ” ذاك أمير المؤمنين (عليه السلام)، تلا رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و نفثه بالعلم نفثا

قال: قلت: { وَٱللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا }؟ قال: ” ذاك أئمة الجور الذين استبدوا بالأمر دون آل الرسول (صلى الله عليه و آله)، و جلسوا مجلسا كان آل الرسول أولى به منهم، فغشوا دين الله بالجور و الظلم، فحكى الله فعلهم، فقال:

قال: فقلت: { وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا }؟ قال: ” ذاك الإمام من ذرية فاطمة (عليها السلام)، يسأل عن دين رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فيجليه لمن يسأل، فحكي الله عز و جل قوله: { وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا }  “.

– علي بن إبراهيم، قال: أخبرني أبي، عن سليمان الديلمي، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن قول الله عز و جل: { وَٱلشَّمْسِ وَضُحَاهَا } ، قال: ” الشمس: رسول الله (صلى الله عليه و آله)، أوضح الله به للناس دينهم “.

قلت: { وَٱلْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا }؟ قال: ” ذاك أمير المؤمنين (عليه السلام) “.

{ وَٱللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا } “.قلت: { وَٱللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا }؟ قال: ” ذاك أئمة الجور، الذين استبدوا بالأمر دون آل رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و جلسوا مجلسا كان آل رسول الله (صلى الله عليه و آله) أولى به منهم، فغشوا دين رسول الله (صلى الله عليه و آله) بالظلم و الجور، و هو قوله: { وَٱللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا } “. قال: ” يغشى ظلمهم ضوء النهار “.قلت: { وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا }؟ قال: ” ذاك الامام من ذرية فاطمة (عليها السلام)، يسأل عن دين رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فيجلى لمن يسأله، فحكى الله قوله: { وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا }  “.

– محمد بن العباس: عن محمد بن القاسم، عن جعفر بن عبد الله، عن محمد بن عبد الله، عن محمد بن عبد الرحمن، عن محمد بن عبد الله، عن أبي جعفر القمي، عن محمد بن عمر، عن سليمان الديلمي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن قول الله عز و جل: { وَٱلشَّمْسِ وَضُحَاهَا } ، قال: ” الشمس رسول الله (صلى الله عليه و آله) أوضح للناس دينهم “.

قلت: { وَٱلْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا }؟ قال: ” ذاك أمير المؤمنين (عليه السلام)، تلا رسول الله (صلى الله عليه و آله) . قلت: { وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا }؟ قال: ” ذاك الإمام من ذرية فاطمة نسل رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فيجلي ظلام الجور و الظلم، فحكى الله سبحانه عنه، فقال: { وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا } يعني به القائم (عليه السلام) “.قلت: { وَٱللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا }؟ قال: ” ذاك أئمة الجور، الذين استبدوا بالأمور دون آل الرسول و جلسوا مجلسا كان آل الرسول أولى به منهم، فغشوا دين الله بالجور و الظلم، فحكى الله سبحانه فعلهم فقال: { وَٱللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا } “.

– و عنه: عن محمد بن أحمد الكاتب، عن الحسين بن بهرام، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): ” مثلي فيكم مثل الشمس، و مثل علي مثل القمر، فإذا غابت الشمس فاهتدوا بالقمر “.

– و عنه: عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن حماد، بإسناده إلى مجاهد، عن ابن عباس، في قول الله عز و جل: { وَٱلشَّمْسِ وَضُحَاهَا } ، قال: هو النبي (صلى الله عليه و آله) { وَٱلْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا } ، قال: علي بن أبي طالب (عليه السلام) { وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا } ، [قال]: الحسن و الحسين (عليهما السلام) { وَٱللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا } بنو أمية.

ثم قال ابن عباس: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): ” بعثني الله نبيا، فأتيت بني أمية، فقلت: يا بني أمية، إني رسول الله إليكم، قالوا: كذبت، ما أنت برسول، ثم أتيت بني هاشم، فقلت: إني رسول الله إليكم، فآمن بي علي بن أبي طالب (عليه السلام) سرا و جهرا، و حماني أبو طالب جهرا، و آمن بي سرا، ثم بعث الله جبرئيل (عليه السلام) بلوائه، فركزه في بني هاشم، و بعث إبليس بلوائه فركزه في بني أمية، فلا يزالون أعداءنا، و شيعتهم أعداء شيعتنا إلى يوم القيامة “.
– شرف الدين النجفي، قال: روى علي بن محمد، عن أبي جميلة، عن الحلبي، و رواه أيضا علي ابن الحكم، عن أبان بن عثمان، عن الفضل أبي العباس، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، أنه قال: { وَٱلشَّمْسِ وَضُحَاهَا }: ” الشمس: أمير المؤمنين (عليه السلام)، و ضحاها: قيام القائم (عليه السلام)، لأن الله سبحانه قال:وَأَن يُحْشَرَ ٱلنَّاسُ ضُحًى } [طه: 59]، { وَٱلْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا } الحسن و الحسين (عليهما السلام) { وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا } هو قيام القائم (عليه السلام) { وَٱللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا } حبتر و دولته، قد غشى عليه الحق “.– تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني ] .

وفي تفسير الدر المنثور :

[أخرج الحاكم وصححه من طريق مجاهد عن ابن عباس في قوله: { والشمس وضحاها } قال: ضوءها { والقمر إذا تلاها } قال: تبعها { والنهار إذا جلاها } قال: أضاءها { والسماء وما بناها } قال: الله بنى السماء { وما طحاها } قال: دحاها { فألهمها فجورها وتقواها } قال: عرفها شقاءها وسعادتها { وقد خاب من دساها } قال: أغواها.

وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس { والقمر إذا تلاها } قال: يتلو النهار { والأرض وما طحاها } يقول: ما خلق الله فيها { فألهمها فجورها وتقواها } قال: علمها الطاعة والمعصية.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس { والقمر إذا تلاها } قال: تبعها.

وأخرج ابن أبي حاتم عن يزيد بن ذي حمامة قال: إذا جاء الليل قال الرب غشي عبادي في خلقي العظيم ولليل مهابة والذي خلقه أحق أن يهاب.

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس { والأرض وما طحاها } قال: قسمها { فألهمها فجورها وتقواها } قال: بين الخير والشر.

وأخرج الحاكم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس { فألهمها } قال: علمها { فجورها وتقواها } .

وأخرج أحمد ومسلم وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن عمران بن حصين: ” أن رجلاً قال يا رسول الله: أرأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه شيء قد قضي عليهم ومضى عليهم في قدر قد سبق، أو فيهما يستقبلون ما أتاهم به نبيهم واتخذت عليهم به الحجة؟ قال: بل شيء قضي عليهم. قال: فلم يعملون إذا؟ قال: من كان الله خلقه لواحدة من المنزلتين هيأه لعملها، وتصديق ذلك في كتاب الله { ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها } “..

خرج الطبراني وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس قال: ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تلا هذه الآية { ونفس وما سوّاها فألهمها فجورها وتقواها } وقف ثم قال: اللهم آت نفسي تقواها أنت وليها ومولاها وخير من زكاها – تفسير الدر المنثور للسيوطي ] .

التفسير :

  • والشمس وضحاها (1)

وهنا :

(و)

الواو هنا للقسم وهو القسم بضوء النهار الذي يأتي مع شروق الشمس وتجلي النهار قال تعالى { والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى – الغاشية } وتجلي النهار هنا بالشمس وضحاها والذي قال تعالى فيها هنا { والشمس وضحاها – الشمس 1 }

وأما :

(الشمس)

والقسم هنا بالشمس لضوءها كما قال تعالى  { هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون – يونس 5 } والقسم هنا بالشمس وضحاها هنا في الآية { والشمس وضحاها} لأنه بنورها يجلي الله تعالى به ظلمة الليل كما في قوله تعالى { وجعل الشمس سراجا- نوح 16 } ومن هنا وجه التشبية بين الشمس وضوؤها وحضرة النبي صلى الله عليه وآله الذي قال تعالى فيه { وداعياً  إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا – الأحزاب 46 } وهذا الداعي بين تعالى أنه نور قال تعالى فيه { قد جائكم من الله نور وكتاب مبين – المائدة 15}

ومادامت الشمس وضحاها ونوروها أمثال ضربها الله تعالى للإيمان كذلك ظلمات الليل رمزاً للكفر والضلال وتقلب الليل والنهار رموزاً لتقلب الدول والعالم بين اللإيمان والكفر قال تعالى :

{ خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ألا هو العزيز – الزمر }

{ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى وأن الله بما تعملون خبير – لقمان 29 }

وعن ضرب الأمثال في كتاب الله عن ظلمات الليل وضوء الشمس والنهار وتقلب الدول بين الكفر والإيمان يقول تعالى { ذَٰلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ – الحج60-62 } .

ومع ظلمات الليل والكفر يكون ضياء القمر وهو رمزاً للإمام مع ردة قال تعالى فيها {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ – آل عمران 144}

وبضوء القمر أيضاً يهتدي المهتدون لأنه مادامت الشمس سراجاً وبينا أنها رمزاً لنبي كما في قول الله تعالى عن نبي الله يوسف ورؤياه { إني رأيت أحد عشراً كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين- يوسف } أي أنه أول الأئمة وعددهم اثني عشر على عدد نقباء بني إسرائيل وكما أن الشمس ضوؤها رمزاً لنور الله تعالى الذي أنزله على رسول الله صلى الله عليه وآله وهو نور على نور كذلك القمر نور يستمد نوره من نور رسول الله صلى الله عليه وآله قال تعالى {وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا – نوح 16 } وهذا القمر تكون بعثته في ظلمات ردة تتلوا بعثة النبي صلى الله عليه وآله كما في الآيات هنا {و الشمس وضحاها والقمر إذا تلاها – الشمس 1 } وببعثة النبي والإمام من بعده بالنور المستمد من رسول الله صلى الله تعليه وآله يخرج الناس بهذا النور المنزل عليه من ظلمات الكفر والنفاق إلى نور الإيمان قال تعالى { الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون – البقرة 257 } .

وأما :

(وضحاها)

هنا أيضاً يقسم الله تعالى بضحى الشمس كما في قوله تعالى { والضحى والليل إذا سجى } .

[ والضحى : بضم ففتح ، انبساط الشمس وامتداد النهار . أول وقت الضحى من ارتفاع الشمس مقدار رمح إلى أن يبقى لاستوائها في كبد السماء مقدار رمح ، ويقدر ذلك بنحو عشرين دقيقة…و صلاة الضُّحى: من الصَّلوات النَّوَافِل التي واظب عليها الرسولُ صلّى الله عليه وسلّم، وأقلُّها ركعتان وأكثرها ثماني ركعات، ووقتها من بعد شروق الشَّمس بثلث أو نصف السَّاعة وحتى قبل أذان الظهر بثلث أو نصف السَّاعة – المعجم ] .

ومن هنا الضحى لها أوقات أولها بداية خروج شعاع ضوء الشمس لقوله تعالى { وأغطش ليلها وأخرج ضحاها – النازعات 29 } ونهاية وقتها اشتداد حرارة الشمس إلى ماقبل صلاة الظهر لقوله تعالى لنبي الله آدم {  إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى – طه 118-119 }  . ومادامت الشمس ونورها رمزاً لنور الإيمان فإن بداية الضحوة رمزاً لبداية ظهور الإسلام حتى اشتداد قوته ولذلك قال تعالى في القسم بها وبضحاها { والشمس وضحاها } .

وهنا تكون صحة مرويات مذهبي أهل البيت عليهم السلام أنها رموز لنبي الإسلام محمد صلى الله عليه وآله وخليفته الإمام علي عليه السلام و كذلك بقية تفاصيل الأحاديث في مرويات مذهب السنة .

ثم يقول تعالى :

  • والقمر إذا تلاها (2)

وهنا :

(والقمر)

والقسم هنا بالقمر وما أودعه الله تعالى فيه من حكم إلهية كمعرفة السنين والحساب قال تعالى { فالق الإصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم – الإنعام 96 }  وقال تعالى في حكمة جعله تعالى للحساب والنور في ظلمات الليل البهيم قال تعالى { هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون – يونس 5  } .

والنور بينا من قبل أنه يأتي على الإيمان بالله وإخراج الناس من الظلمات إلى النور قال تعالى { الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور – البقرة} وهذا الخرج من الظلمات إلى النور يكون بنور القرآن الذي قال تعالى فيه { الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد –إبراهيم 1 } وهذا النور  نزل على رسول الله صلى الله عليه وآله يتوله على أمته قال تعالى { رسولا يتلو عليكم آيات الله مبينات ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا قد أحسن الله له رزقا – الطلاق 11 } ولذلك يقول تعالى عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه نور قال تعالى { قد جائكم من الله نور وكتاب مبين – المائدة } .

وبعد هذا النور الذي هو كالشمس في ضحاها وبيناها في الآية السابقة يتلوه نور القمر  المستمد من نور النبوة لذلك قال تعالى في رؤية نبي الله يوسف عليه السلام { إني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين – يوسف } [ والقمر ورد في منام السيدة أم سلمة أنها رأت أن القمر قد وقع في حجرها فبشروها بالزواج من عظيم وقد كانت بشارة بزواجها من النبي صلى الله عليه وآله  – ( راجع سيرة ابن هشام) ] . ولذلك نقول بنور القمر بعد نور الشمس هو نو رالإمامة وسط ظلام من الردة وظهور النفاق وبداية التحول إلى مرحلة الخلافة التي تلت النبوة .

و كما أنه لا يمكن للشمس أن تدرك القمر ولا الليل يسبق النهار كذلك لا يمكن للإمامة أن تسبق النبوة ولا يمكن للنبوة أن تتأخر بعد الإمامة تماماً كما قال تعالى { لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون – يس 40 }

وأما :

(إذا)

وإذا هنا  كقوله تعالى { والصبح إذا أسفر – المدثر 34 } ثم يأت الليل كما في قوله تعالى {والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس – التكوير 17-18} ثم يأت الصبح مع ضوء الشمس كما في قوله تعالى { والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها }

وأما :

(تلاها)

و [ تَلاَ: (فعل) تلا يَتلُو ، اتلُ ، تِلاوَةً ، فهو تالٍ ، والمفعول مَتْلُوّ تَلا الكِتابَ : قَرَأَهُ بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ يَتْلُو آياتٍ مِنَ القُرْآنِ الكَريمِ : يُرَتِّلُها ، { أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلَنا عَلَيْكَ الكِتابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ  – العنكبوت آية 51 } (قرآن) و تَلا الخَبَرَ : أَخْبَرَ بِهِ تَلاَ بَعْدَ قَوْمِهِ : تَأَخَّرَ وَبَقِيَ و تَلاهُ في سَيْرِهِ : تَبِعَهَ تَلا الرَّجُلَ : تَبِعَهُ في عَمَلِهِ تَلا صاحِبَهُ : تَرَكَهُ أَو خَذَلَهُ تَخَلَّى عَنْهُ تَلا عَنْهُ تَلاَ تَلاَ تُلُوًّا: اتَّبَعَ تَلاَ :اشترى تِلْوًا ] .

وبالتالي تلاها هنا تأت على معنيين الأول : التلاوة لكتاب الله تعالى لقوله عز وجل { قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون – الأنعام 151}   .

والثاتي : التبعية والمصاحبة لورود هذا القول في قوله تعالى { أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة – هود 17 } وهذه الآية نزلت في الإمام علي عليه السلام [ قال بن عباس الذي على البينة رسول الله صلى الله عليه عليه وآله والشاهد علي بن أبي طالب – منتخب كنز العمال هامش مسند أحمد باب التفسير ] . وبالتالي القمر إذا تلاها إذا برز في ظلمات الليل وهو رمز لإمامة الإمام علي عليه السلام من بعد رسول الله صلى الله عليه وآله .

ثم يقول تعالى :

  • والنهار إذا جلاها (3)

أي أنه يقول تعالى { والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى – الليل 1-2 }

وأما :

(والنهار)

وتقلب الليل والنهار برحمة من الله تعالى على الخلق قال تعالى { ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون – القصص 73 } .

والنهار لا يتجلى إلا بعد ليل طويل من الظلمات من الردة و الكذب على الله تعالى ورسوله والذي فعلته قريشاً وبني إسرائيل لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار و اكفروا آخره لعلهم يرجعون – آل عمران 72 } وهذا الليل هو فترة من نشر مكذوبات في ظلمات الليل ومكر بالمؤمنين لقوله تعالى فيما سيذكره الكفار المستكبرين وتابعيهم من المستضعفين قال تعالى { وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون – سبأ 31-33 } .

وبالتالي المعنى هنا { والنهار إذا تجلى } أي ظهور نور الإيمان والذي سيظهر بإمامة أهل بيتته عليهم السلام آخر الزمان والذي سيمحوا الله تعالى بها ظلمات متراكمة من المكذوبات والمكر في آيات الله بأهل بيت النبي والمؤمنين وفي ذلك التقلب بين الليل بظلمته والنهار بنورانيته آيات لأولي الأبصار قال تعالى فيها { يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار – النور 44 } .

وأما :

(إذا جلاها)

[ وجلاها هنا : كشفه وأظهره  ] قال تعالى { يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون – الأعراف 187 } فإذا ظهرت أشراط الساعة كان ذلك إيذاناً ببداية وعد الآخرة لبني إسرائيل الذين نشروا المكذوبات والمكر بأهل بيت النبي عليهم السلام والمؤمنين فأججلاهم الله تعالى في الوعد الأول لهم قال تعالى { ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب النار – الحشر 3 } أي [ ولولا أن كتب الله عليهم الخروج مِن ديارهم وقضاه عليهم , لَعذَّبهم في الدنيا ] .وهذا هو وعدهم الأول والآخر قال تعالى فيه { فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا – الإسراء } .

ويكون ذلك زمان جلاء المكذوبات وظهور الحق المخفي بين تلك المكذوبات ومكر التاريخ قال تعالى لذلك هنا { والنهار إذا جلاها } .

وفي الروايات : [ عن سهل، عن محمد، عن أبيه، عن أبي محمد، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن قول الله عز و جل: { وَٱلشَّمْسِ وَضُحَاهَا } ، قال: ” الشمس: رسول الله (صلى الله عليه و آله)، به أوضح الله عز و جل للناس دينهم  “.

قال: قلت: { وَٱلْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا }؟ قال: ” ذاك أمير المؤمنين (عليه السلام)، تلا رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و نفثه بالعلم نفثا “.

قال: قلت: { وَٱللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا }؟ قال: ” ذاك أئمة الجور الذين استبدوا بالأمر دون آل الرسول (صلى الله عليه و آله)، و جلسوا مجلسا كان آل الرسول أولى به منهم، فغشوا دين الله بالجور و الظلم، فحكى الله فعلهم، فقال : قال: فقلت: { وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا }؟ قال: ” ذاك الإمام من ذرية فاطمة (عليها السلام)، يسأل عن دين رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فيجليه لمن يسأل، فحكي الله عز و جل قوله: { وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا }  “.

[علي بن إبراهيم، قال: أخبرني أبي، عن سليمان الديلمي، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن قول الله عز و جل: { وَٱلشَّمْسِ وَضُحَاهَا } ، قال: ” الشمس: رسول الله (صلى الله عليه و آله)، أوضح الله به للناس دينهم “.

قلت: { وَٱلْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا }؟ قال: ” ذاك أمير المؤمنين (عليه السلام)
{ وَٱللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا } “.

قلت: { وَٱللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا }؟ قال: ” ذاك أئمة الجور، الذين استبدوا بالأمر دون آل رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و جلسوا مجلسا كان آل رسول الله (صلى الله عليه و آله) أولى به منهم، فغشوا دين رسول الله (صلى الله عليه و آله) بالظلم و الجور، و هو قوله: { وَٱللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا } “. قال: ” يغشى ظلمهم ضوء النهار “.قلت: { وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا }؟ قال: ” ذاك الامام من ذرية فاطمة (عليها السلام)، يسأل عن دين رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فيجلى لمن يسأله، فحكى الله قوله: { وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا }  “.

– محمد بن العباس : عن محمد بن القاسم، عن جعفر بن عبد الله، عن محمد بن عبد الله، عن محمد بن عبد الرحمن، عن محمد بن عبد الله، عن أبي جعفر القمي، عن محمد بن عمر، عن سليمان الديلمي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن قول الله عز و جل: { وَٱلشَّمْسِ وَضُحَاهَا } ، قال: ” الشمس رسول الله (صلى الله عليه و آله) أوضح للناس دينهم “.- تفسير البرهان ] .

ثم يقول تعالى :

  • والليل إذا يغشاها (4)

وهنا :

( و الليل )

القسم بالليل وظلمته كما في قوله تعالى { والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى – الليل } و الليل بظظلمته رمزاً لحكم الطواغيت لقوله تعالى {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون – البقرة 257 }

ويبين تعالى أن الدول تتعاقب بين الكفر وظلمته و بين الإيمان ونوره و بين العدل والظلم  يقلب الله عز وجل الدولة بينهما قال تعالى { وتلك الأيامم نداولها بين الناس – آل عمران }

و يقلب الله تعالى الدول كما يقلب الليل و النهار  قال تعالى { ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله إن الله لعفو غفور  ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ – الحج 60-61 }.

ويقول تعالى  عن دولة الإيمان والنور بأن أصحابها يحذرون غضب الله تعالى وهمم يعلمون الحلال والحرام من النبي صلى الله عليه وباب مدينة علمه الإمام علي الذي قال فيه صلى الله عليه وآله [ “أنا مدينة العلم وعلي بابها ” ] ولذلك نزل فيه (عليه السلام)  قوله تعالى { أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب – الزمر 9 } .

وهنا : [ عن ابن عباس قال الذين يعلمون : رسول الله وعلي كرم الله وجهه والذين لايعلمون : بنوا أمية وأولوا الألباب : شيعتهم – شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ] .

وأما :

(إذا يغشاها)

[ وغشاه : غطاه ] قال تعالى { فغشيهم من اليم ما غشيهم – طه78  } وغشى الله الليل النهار أي غطى ما به من نور بعد أن أسدل سدوله وهو رمز للكفر بظلامه لورود هذا اللفظ عنن إباء الكفار ورفضهم سماع كتاب الله تعالى والإلتزام بما أمر من حلال وحرام نزل فيه قال تعالى { ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور – هود 5 } .

ويتجلى هذا المشهد الكفري من ردة بعد موت رسول الله صلى الله عليه وآله وهو ماذكره الله تعالى في قوله عز وجل { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين – آل عمران 144} وفي الحديث الذي رواه البخاري [ لترجعن بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض – البخاري ] .

ويظل هذا الإنهيار من دولة خلافة إلى ملكية ثم طاغوتية حتى تأت علامات الساعة وأشراطها ومنها دخان قال تعالى فيه { فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم – الدخان 11-12 } . ويكون ذلك قريب من زمان عودة نبي الله عيسى عليه السلام و بعثة إمام آخر الزمان الذي يجلي الله تعالى به ظلمة ليل طويل قال تعالى فيه هنا {والليل إذا يغشى } وهى فترة كما بينا تكون قد مرت به البشرية  فيكون هو المنقذ للمسلمين و العالم .

ثم يقول تعالى :

  • والسماء وما بناها (5)

وهنا يقول تعالى عن بناء السماء { وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ – الذاريات 47 } أي أنه يقول تعالى [ والسماء خلقناها وأتقناها, وجعلناها سَقْفًا للأرض بقوة وقدرة عظيمة, وإنا لموسعون لأرجائها وأنحائها – التفسير الميسر ] .

ويقول تعالى { أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ ۚ بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَٰلِكَ دَحَاهَا أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَىٰ يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَىٰ وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَىٰ فَأَمَّا مَن طَغَىٰ وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَىٰ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ  – النازعات 27-40 } ولذلك يقسم الله تعالى بالسماء وما بناها في الآية هنا { والسماء وما بناها } .

ثم يقول تعالى :

  • والأرض و ما طحاها (6)

وهنا :

(والأرض)

يقول تعالى هنا { والأرض بعد ذلك دحاها – النازعات 30 } ودحاها بمعنى بسطها ومهدها كالدحية (أي البيضة )

أقوال المفسرين والعلماء في لفظ دحية :

[الوسيط
وقوله ( دَحَاهَا ) من الدحو بمعنى البسط ، تقول : دحوت الشئ أدحوه ، إذا بسطته . .
تفسير البغوي
( دحاها ) بسطها ، والدحو البسط

القرطبي
: دحوت الشيء أدحوه دحوا : إذا بسطته . ويقال لعش النعامة أدحي ; لأنه مبسوط على وجه الأرض

الطبري
الدحوّ إنما هو البسط في كلام العرب، والمدّ يقال منه: دحا يدحو دَحْوا، ودَحيْتُ أدْحي دَحْيا،
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَالأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ) : أي بسطها .
حدثني محمد بن خلف، قال: ثنا رَوّاد، عن أبي حمزة، عن السدي ( دَحَاها ) قال: بسطها .
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان: ( دَحَاها ) بسطها .

التحرير والتنوير
والدَّحْو والدَّحْيُ يقال : دحَوْت ودحيت . واقتصر الجوهري على الواوي وهو الجاري في كلام المفسرين هو : البسط والمدّ بتسوية .
والمعنى : خلقها مدحوَّة ، أي مبسوطة مسوّاة .

العين
دحو: دحي: المِدْحَاُة خَشَبَة يَدْحَى بها الصبيّ، فتَمُرُّ على وجْهِ الأرضِ، لا تأتي على شيء إلاّ آجْتَحَفَتْهُ. ومَطَرٌ داحٍ يَدْحَى الحَصَى عن وجه الأرض. والدَّحْوُ: البَسْطُ. والأدحي: سرب النعام، ومَوضِعُه الّذي يبيض فيه ويفرخ. والأُدْحِيُّ: منزل في السّماء بين النّعائم وسَعِدٍ الذَّابح، يُقالُ له: البَلْدَة

تفسير مقاتل
(‌دحاها) يعنى بسطها من تحت الكعبة

مجاز القران
«وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ ‌دَحاها» (30)  بسطها، يقول: دحوت ودحيت

سيرة ابن هشام
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنُ نُفَيْلٍ:
وَأَسْلَمْتُ وَجْهِي لِمَنْ أَسْلَمَتْ … لَهُ الْأَرْضُ تَحْمِلُ صَخْرًا ثِقَالًا
‌دَحَاهَا فَلَمَّا رَآهَا اسْتَوَتْ عَلَى … الْمَاءِ، أَرْسَى عَلَيْهَا الْجِبَالَا

غريب القران لابن قتيبة
وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ ‌دَحَاهَا أي بَسَطها .

غريب الحديث لابن قتيبة
وَالْأَرْض بعد ذَلِك ‌دحاها وكل شىء بسطته ووسعته فقد دحوته وَمن هَذَا قيل لموْضِع بيض النعامة: أدحي لِأَنَّهَا تدحوه للبيض أَي: نبسطه وتوسعه

الطبري
الدحوّ إنما هو البسط في كلام العرب، والمدّ يقال منه: دحا يدحو دَحْوا، ودَحيْتُ أدْحي دَحْيا، لغتان؛ ومنه قول أُميَّة بن أبي الصلت:
دَارٌ دَحاها ثُمَّ أعْمَرَنا بِها … وَأقامَ بالأخْرَى الَّتِي هي أمجدُ .

تهذيب الاثار
وَأما قَول عَليّ – رَحْمَة الله عَلَيْهِ -: ” اللَّهُمَّ! داحي المدحوات “. فَإِنَّهُ يَعْنِي بقوله: ” داحي المدحوات “: باسط المبسوطات. وَيَعْنِي بباسط المبسوطات:
الْأَرْضين السَّبع. وَذهب فِي ذَلِك إِلَى قَول الله – تَعَالَى ذكره -: وَالْأَرْض بعد ذَلِك ‌دحاها . يُقَال مِنْهُ: دحوت الثَّوْب، إِذا بسطته ومددته، أدحوه دحوا ودحا الصَّبِي الجوزة: إِذا دحرجها. وَمِنْه قيل لمداح الصّبيان: مداح. وفيهَا لُغَة أُخْرَى، وَهِي: دحيته أدحاه دحيا.
وَمن ذَلِك قَول أُميَّة بن أبي الصَّلْت:
(دَار ‌دحاها ثمَّ أعمرنا بهَا … وَأقَام بِالدَّار الَّتِي هِيَ أمجد)

الاشتقاق
” والأرضَ بَعدَ ذلك ‌دَحَاهَا ” والله أعلم. ودِحية: اسمٌ ومن هذا اشتقاقُه. وأُدحِيُّ النَّعام: الموضع الذي تُصلِحه لبَيْضَها. والله أعلم

فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب
وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ ‌دَحاها [النازعات: 30]، فالمعنى: ائتيا على ما ينبغي أن تأتيا عليه من الشكل والوصف، ائتي يا أرض مدحوّة قرارًا ومهادًا لأهلك، وائتي يا سماء مقببة سقفًا لهم

الاضداد لابن الانباري
وقالَ ابن قتيبة: خَلَق الأَرْضَ قبل السَّماء ربوةً في يومين، ثمَّ دَحَا الأَرضَ بعد خلقه السموات في يومين، ومعنى دحاها بسطها

غريب القران للسجستاني
‌دحاها: أَي بسطها
تفسير الماتريدي
وقوله – عَزَّ وَجَلَّ -: (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ … ‌‌) وقال في آية أخرى: (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ ‌دَحَاهَا)، وقال في موضع آخر: (وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ)، وكله واحد، وقال: (الْأَرْضَ فِرَاشًا)، و (مِهَادًا).
يذكرهم نعمه التي أنعمها عليهم

معاني القرآن للنحاس
(والارض بعد ذلك ‌دحاها) فمعناه بسطها
قال أبو جعفر: ومعنى الدّحو في اللغة البسط، يقال: دحوت أدحو ودحيت أدحي ومن الثاني سمي دحية

أمالي القالي
{ وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ ‌دَحَاهَا  –  النازعات: 30 } أي بسطها، ودحوت الكرة إذا ضربتها حتى تسير عَلَى وجه الأرض

تهذيب اللغة
وَقَالَ الفرّاء فِي قَول الله جلّ وعزّ:  { وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ ‌دَحَاهَا  –  النازعات: 30 }. قَالَ: بَسَطَها.
وَقَالَ شمر أنشدتني أعرابية:
الْحَمد لله الَّذِي أَطَاقَا
بَنَى السَّماءَ فَوْقَنَا طِبَاقَا
ثمَّ دَحَا الأرْضَ فَما أَضَافا
قَالَ شمر: وفَسَّرَتْه فَقَالَت: دحا الله الأرْضَ أوْسَعَها. قَالَت: وَيُقَال: نَام فلانٌ فتدَحَّى أَي اضْطجع فِي سَعَةِ الأَرْض
تفسير السمرقندي

وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ ‌دَحاها أي بسطها – ملتقى أهل التفسير ]

 

وهو نفس معنى قوله تعالى هنا { والأرض ما طحاها } و بعدما دحاها عز وجل وطحاها بسطها للأنام كما في قوله تعالى { والأرض وضعها للأنام فيها فاكهة و النخل ذات الأكمام فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام – الرحمن 10-12 } .

وأما :

(وما طحاها)

[ وطحاها : بمعنى  : دَحاها أو بسطها و وطَّأها، و الطَّحا: المنبسط من الأرض ] قال تعالى { والأرض بعد ذلك طحاها } واللفظ ليس له مرادف في كتاب الله .

ثم يقول تعالى :

  • ونفس وما سواها (7)

وهنا :

(ونفس)

والنفس وتسويتها هنا كان قبل تسوية الجسد من طين فلما خلقها الله عز وجل وسواها ألهمها الكفر والإيمان والخير والشر تعرفه بغير وحي أو رسول قال تعالى { ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها – الشمس 7-8}

وهذه هى البصيرة التي وضعها الله عز وجل في نفس الإنسان وقال تعالى فيها { بل الإنسان على نفسه بصيرة  ولو ألقى معاذيره – القيامة 14-15 } وهذه البصيرة حتى عند عبدة الأصنام لأنه عندما كسر سيدنا إبراهيم أصنامهم وقال فاسئلوا كبيرهم إن كانوا ينطقون قال تعالى { فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ قَالُوا مَن فَعَلَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَىٰ أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ فَرَجَعُوا إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ ثُمَّ نُكِسُوا عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَٰؤُلَاءِ يَنطِقُونَ– الأنبياء 58-65 } وهنا رجعوا إلى أنفسهم إي إلى بصيرتهم وميزان الحق الباطل الذي أودعه الله تعالى فيها .

ولذلك قال تعالى في هذه الأنفس إن كانت طيبة فهى نفس مطمئنة قال تعالى فيها { يا أيتها النفس المطمئنة إرجعي إلى ربك راضية مرضية – الفجر } فإن وقعت في المعاصي تابت وأنابت وهى نفس لوامة تلوم صاحبها على معصية الله تعالى قال تعالى { فلا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة – القيامة } وهناك أنفس سوء قال تعالى فيها { إن النفس لأمارة بالسوء إلا مارحم ربي – يوسف } وجميع الأنفس هنا ألهمها الله تعالى فجورها وتقواها كما قلنا من قبل بغير كتاب ولا نبي .

وأما :

(وما)

وهنا ترد هذه الآيات في قوله تعالى { وما خلق الذكر والأنثى – الليل 3 } أي أنه تعالى لنا خلق الأنفس الإنسانية قبل الأجساد خلق منها الذكر ومنها الأنثى لقوله تعالى هنا { ونفس وما سواها – الشمس } فلما خلقها الله تعالى قدر عليها الموت لقوله تعالى { نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين – الواقعة 60 } وهذه النفس لها أجل والجسد له أجل وقال تعالى في أجل وعمر حياة الجسد والنفس أنهماأجلين قال تعالى فيهما { هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده ثم أنتم تمترون – الأنعام 2 } .

وأما :

(وما سواها) 

فلما سوى الله تعالى  الأنفس خلق الأجساد من طين لحمل هذه النفس فقال تعالى في مرحلة تالية لخلق النفس وهى مرحلة خلق الجسد من طين والتي قال تعالى فيها  {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ -الحجر 28-30} .

ولفظ نفس يأتي على رسول الله صلى الله عليه وآله والإمام علي في قوله تعالى  { فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين – آل عمران 61 } وهؤلاء هم أول الأنفس خلقاً أقسم الله تعالى بها في قوله تعالى هنا { والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها والنهار إذا جلاها والليل إذا يغشاها والسماء وما بناها ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها – الشمس 1-8 }

ولذلك يقسم الله تعالى في كتابه الكريم بعمر رسوول الله صلى الله عليه وآله في قوله تعالى { لعمرك إنهم لفي  سكرتهم يعممهون } وهنا [يقسم الخالق بمن يشاء وبما يشاء المخلوق فلا يجوز له القسم إلا بالله, وقد أقسم الله تعالى بحياة محمد صلى الله عليه وآله وسلم  – التفسير الميسر ]

وقلنا فلما سوى الله تعالى الجسد وركب فيه النفس كان أول من خلق قبل نبي الله آدم هو سيدنا محمد صلى الله عليه وآله ثم أنبياء الله تعالى كل على قدر مكانته عند الله تعالى وأخذ منهم الميثاق للإيمان به ونصرته قال تعالى { وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين – آل عمران 81 } وهذا الميثاق أبلغته كل أنبياء الله تعالى ورسله لقومهم ويوم القيامة يود من عصى الله تعالى رسوله لو تسوى به الأرض كما في قوله تعالى {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا – النساء 41-42 } .

ثم يقول تعالى عن كل أنفس الخلق  :

  • فألهمها فجورها وتقواها (8)

وهنا :

(فألهمها)

[ وألهمه الله الرشد : مكنه في قلبه وهداه إليه – معجم ألفاظ القرآن باب اللام فصل الهاء والميم ] قال تعالى {فألهمها فجورها وتقواها } أي ألقى فيها إحساساً تفرق به بين الضلالة والهدى بين الخير والشر .

وأما :

(فجورها)

[ فَجَرَ يفجر فُجورًا، أي: فَسَقَ. وهذه المادة تدل على التَّـفَتُّح في الشَّيء، ومنه: انفجَرَ الماء انفجارًا: تفتَّحَ. والفُجْرَة: موضع تفتُّح الماء. ثمَّ كثُر هذا حتَّى صار الانبعاثُ والتفتُّح في المعاصي فُجورًا؛ ولذلك سُمِّي الكَذِب فجورًا. ثمَّ كثُر هذا حتَّى سُمِّي كلُّ مائلٍ عن الحقِّ فاجرًامعنى الفُجُور اصطلاحًا:قال الجرجاني: (الفُجُور: هو هيئةٌ حاصلةٌ للنَّفس بها يُـبَاشر أمورًا على خلاف الشَّرع والمروءة) وقيل: الفُجُور بمعنى: الانبعاث في المعاصي والتوسع فيهاوقيل: الفُجُور: الميْلُ عن الحقِّ إلى الباطلوقيل: الفُجُور: اسم جامع لكلِّ شرٍّ، أي: الميْل إلى الفساد، والانطلاق إلى المعاصي – ] .

[ والفجر : أصله الشق ] قال تعالى { حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر – البقرة 187 } . والفاجر عكس التقي و الفاجر الخارج على طاعة الله تعالى الشاق لشريعته من كفار ومنافقين وعصاه قال تعالى { أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار – ص 28 } أي أن الله تعالى ألهم كل نفس حين خلقها وسواها بالخير والشر قال تعالى { فألهمها فجورها وتقواها }.

وأما :

(تقواها)

والتقوى العمل الصالح واجتناب ماحرم الله تعالى كما في قوله عز وجل { وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب – البقرة 197 } ولذلك كان يقول الإمام علي عليه السلام في تعريفها : [ ” التقوى هي الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والرضا بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل ” ] . والتقوى كعمل صالح وهو الخير كذلك الفجور وفيه الشر ألهم الله تعالى كل نفس فجورها وتقواها بغير نبي وبغير كتاب منزل حتى لا يكون لها حجة عند الله يوم القيامة قال تعالى { فألهمها فجورها وتقواها } .

ثم يقول تعالى :

  • قد أفلح من زكاها (9)

وزكاها أي طهرها من دنس المعاصي والكبائر وأقام الصلاة وآتى الزكاة وعمل الصالحات قال تعالى  { قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى – الأعلى 14-15 } .

وأما :

(قد أفلح)

أي أفلح المؤمنون الذين قال تعالى فيهم { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ  أُولَٰئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ – المؤمنون 1-11 } . وهؤلاء هم المفلحون الذين زكوا أعمالهم بالأعمال الصالحة واستعلوا بالله تعالى كما قال عز وجل {  وقد أفلح اليوم من استعلى }  .

وأما :

(من زكاها)

وزكاها بمعنى طهرها وطهارة النفس لا تكون إلا بطاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله من بعده قال تعالى { كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون – البقرة 151 } ومن تزكى تولى الإمام علي عليه السلام والأئمة من ذريته من بعده لما نزل فيه من آية الولاية في قوله تعالى { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ – المائدة 55 } .

وكل من مدح غيرهم وتولى غيرهم فهو إلى ضلال وإفك قال تعالى فيه { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُم ۚ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا انظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۖ وَكَفَىٰ بِهِ إِثْمًا مُّبِينًا – النساء 49-50 } . وبالتالي تزكية النفس وطهارتها تكون بولاية الذين أذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا و قال تعالى فيهم { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا – الأحزاب 33 } .

ثم يقول تعالى :

  • وقد خاب من دساها (10)

وهنا :

(وقد خاب)

[ وخاب : لم يظفر بما طلب فهو خائب وهم خائبون – معجم ألفاظ القرآن باب الخاء فصل الياء والباء ] وهذه الخيبة لحزب الشيطان في الدنيا لقوله تعالى { ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين – آل عمران 127 } وفي الآخرة سيخيب كل من حمل ظلماً لنفسه أو لغيره كفراً أو نفاقاً أو عصياناً لله تعالى كما في قوله عز وجل { وعنت الجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما – طه 111 } وقال تعالى في خيبة كل جبار عنيد أيضاً قال تعالى {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ مِّن وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَىٰ مِن مَّاءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ ۖ وَمِن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ – إبراهيم 15-17 } .

وأما :

( من دساها)

[ ودساها دساً : يدسوا دسواً نقص واتضع بأعمال الفجور – معجم ألفاظ القرآن باب الدال فصل السين والواو ] . قال تعالى { وقد خاب من دساها – الشمس 10 } .أي خاب من عمل السيئات ومشى مستخفياً بها بين الناس وهو لا يخشى الله تعالى في السر والعلن قال تعالى { يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَىٰ مِنَ الْقَوْلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا – النساء 108 } وهؤلاء دسوا أنفسهم ووضعوا من قدرها فخابوا وخسروا قال تعالى { وقد خاب من دساها } .

ثم يقول تعالى :

  • كذبت ثمود بطغواها (11)

وهنا :

(كذبت ثمود)

وهنا يبين تعالى أن قوم ثمود كذبوا المرسلين في قوله تعالى { كذبت ثمود المرسلين – الشعراء 141 } وتكذيبهم كان بعذاب الله والنذر التي جاءت بها أنبياء الله من قبل على لسان نبيهم صالح عليه السلام قال تعالى { كذبت ثمود بالنذر – القمر 23 } وما كان هذا التكذيب إلا بطغيانهم كما في قوله تعالى { كذبت ثمود بطغواها – الشمس 11 }

وهنا أهلكهم الله تعالى بريح سموم أطلق عليها الطاغية في قوله تعالى { كذبت ثمود وعاد بالقارعة فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ فَهَلْ تَرَىٰ لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ – الحاقة 4-8 } . وكماأهلك الله تعالى عاد وثمود الأوولى سيهلك عاداً وثمود الآخرة بصاعقة قد يكون اقترب زمانها الآن قال تعالى { فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ ۖ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ۖ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَىٰ ۖ وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَىٰ عَلَى الْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ – فصلت 13-17 }

وأما :

(بطغواها)

و [ بطغواها أي بطغيانها ]  [كذَّبت ثمود نبيها ببلوغها الغاية في العصيان – التفسير الميسر ] وهذا الطغيان يسبب يتسبب في نزول غضب الله تعالى كما فيقوله عز وجل { ولا تطغوا فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقدد هوى – طه } فلما كفروا طغوا سلط عليهم الله تعالى الطاغية قال تعالى { كذبت ثمود وعاد بالقارعة فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ فَهَلْ تَرَىٰ لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ – الحاقة 4-8 } .

ثم يقول تعالى :

  • إذ انبعث اشقاها (12)

والآية هنا مثال  ضربه الله تعالى على أمة ثمود قاتلة ناقة نبي الله صالح وما ستفعله أمتنا بإمامها علي عليه السلام كما في الحديث

[ روى أحمد والحاكم بأسنادهما عن عمّار قال: «كنت أنا وعلي رفيقين في غزوة ذات العشيرة، فلمّا نزلها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم واقام بها، رأينا ناساً من بني مدلج يعملون في عين لهم في نخل فقال لي علي: يا أبا اليقظان، هل لك أن نأتي هؤلاء فننظر كيف يعملون؟ فجئناهم فنظرنا إلى عملهم ساعة ثم غشينا النوم فانطلقت أنا وعلي فاضطجعنا في صور من النخل في دقعاء من التراب فنمنا، فوالله ما أهبنا (ما ايقظنا) الاّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يحرّكنا برجله وقد تترّبنا من تلك الدقعاء، فيومئذ قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لعلي: يا أبا تراب، لما يرى عليه من التراب، قال: ألا أحدثكما بأشقى الناس رجلين؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: احيمر ثمود الذي عقر النّاقة، والّذي يضربك يا علي على هذه ـ يعني قرنه ـ حتى تبلّ منه هذه يعني لحيته»- مسند أحمد ج4 ص263، المستدرك على الصحيحين ج3 ص140 ورواها النسائي في الخصائص ص39 مع فرق يسير] .

[ وروى الحاكم باسناده عن زيد بن أسلم: «أنّ أبا سنان الدؤلي حدثه انه عاد عليّاً رضي الله عنه في شكوى له اشتكاها قال: فقلت له: لقد تخوفنا عليك يا أميرالمؤمنين في شكواك هذه فقال: لكني والله ما تخوّفت على نفسي منه لأني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الصادق المصدوق يقول: انّك ستضرب ضربة ها هنا وضربة ها هنا ـ واشار إلى صدغيه ـ فيسيل دمها حتى تختضب لحيتك ويكون صاحبها أشقاها كما كان عاقر النّاقة اشقى ثمود»-  المستدرك على الصحيحين ج3 ص113 ورواها ابن عساكر في ترجمة الامام علي بن أبي طالب من تاريخ مدينة دمشق ج3 ص276 رقم 1361 مع فرق، والهيثمي في مجمع الزوائد 9 ص 137] .

[ وروى ابن عبد البر بأسناده عن عثمان بن صهيب عن أبيه: «انّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال لعلي عليه السلام: من أشقى الأولين؟ قال: الّذي عقر النّاقة ـ يعني ناقة صالح ـ قال: صدقت، فمن اشقى الآخرين؟ قال: لا أدري، قال: الذي يضربك على هذا يعني يافوخه ويخضب هذه، يعني لحيته»- الاستيعاب القسم الثالث ص1125، ورواه البدخشي في نزل الأبرار ص29 وتحفة المحبين ص170 والشنقيطي في كفاية الطالب ص114.]
[ وروى الثعلبي بأسناده عن الضحاك بن مزاحم، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «يا علي أتدري من أشقى الأولين؟ قلت: الله ورسوله اعلم، قال عاقر الناقة، قال: أتدري من اشقى الآخرين؟ قال: قلت: الله ورسوله اعلم، قال: قاتلك» –  تفسير الثعلبي ص277 ذيل الآية 180 من سورة الأعراف] .

وهنا:

(إذ)

ورد هذا اللفظ في آية استحلال قتل بني إسرائيل لأنبيائها في قوله تعالى { وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون – البقرة 84 } أي أن انبعاث أشقاها هنا كان لقتل نبي الله صالح فلما عجزوا لمنعه تعالى وعصمته من وصولهم إليه قتلوا ناقته كما في الآية هنا { إذ أنبعث اشقاها } وماكان ذلك إلا تقليداً لآبائهم والقتال في سبيلهم قال تعالى { وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون – البقرة 170} وهكذا قتلوا الإمام علي حرباً من قريش تقديماً لهم وخروجاً على منهاج الله تعالى في الرسالة والنبوة وختمها ثم إكمال رسالة الله تعالى لأهل الأرض بواسطة الأئمة بعد ختم النبوة .

وأما :

(انبعث)

[ وانبعث : بمعنى : مضى واندفع ] قال تعالى في ترك المنافقين العمل بما أنزل الله والجهاد في سبيل الله تعالى { ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين – التوبة 46 } وهؤلاء الذين قعدوا عن الجهاد في سبيل الله تعالى نفاقاً فثبططهم الله تعالى وهؤلاء هم الذين قتلوا وقاتلوا الإمام علي و أهل البيت عليهم السلام فيما بعد وأشقاها  قال تعالى فيه هنا { إذ انبعث أشقاها } .

وأما :

(أشقاها)

و [الشَّقَاءُ : العُسْرُ والتَّعَب الشَّقَاءُ :الشِّدَّة والمِحْنَةُ الشَّقَاءُ: الضَّلال ]

والشقاء في الآخرة للجبابرة لقوله تعالى { وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا – مريم 32 } والشقاء في الآخرة بأن يكون العبد من أهل النار لقوله عز وجل { يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد – هود 105 } . وبالتالي الشقاء يكون بالطرد من الجنة كما قال تعالى لنبي الله آدم وزوجه { إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى – طه 117 } .

وماكان هذا الشقاء لبني آدم إلا بوسوسة إمام اشقى الأشقياء إبليس لعنه الله والذي دفع اشقاها دفعاً لسفك دماء ناقة نبي الله صالح ويحرض على قتل الأنبياء والصالحين في كل زمان قاال تعالى { إذ انبعث أشقاها } .

ثم يقول تعالى :

  • فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها (13)

وهنا :

(فقال لهم)

أي أنه عليه السلام أوصاهم برعاية ناقة صالح وعدم إيذائها تماماً كما أوصى رسول الله صلى الله عليه وآله أمته بأمر الله مودة أهل بيته عليهم السلام في قوله تعالى { قل لاأسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى – الشورى} ولكنهم فعلوا كما فعلت أمة ثمود بناقة الله تعالى فتتبعوا أثر أهل بيت النبي عليهم السلام قتلاً وسجناً وتشريداً وفرح هؤلاء المنافقون بمقاعدهم خلف رسول الله صلى الله عليه وآله كما في قوله تعالى { فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون – التوبة 81 } . وهؤلاء هم الذين قدموا ولاية آبائهم على مودة أهل بيت النبي عليهم السلام لقوله تعالى { وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون – المائدة 104} ثم يبين تعالى انقلاب الأمة على منهاج الوصية المأمور به كما في قوله تعالى { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين – آل عمران 144}

ويستمر هذا التبديل والإختلاف حتى يأتي زمان ظهور دابة الأرض أو إمام آخر الزمان في قوله تعالى { فإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون – النمل } و الكلام هنا يكون في إحقاق حق أهل بيت النبي ووإبطال تزكيتهم لرجال ما أنزل الله تعالى بهم من سلطان قال تعالى {قال قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان فانتظروا إني معكم من المنتظرين – الأعراف 71 } .

وأما :

(رسول الله)

وهنا يبين تعالى أن كل رسول دعا قومه لعبادة الله تعالى كما في قوله تعالى { وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون – الأنبياء 25 } كما دعوا قومهم للكفر بالطاغوت وهو كل ماعبد من دون الله تعالى كما في قوله عز وجل { ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين – النحل 36 } وهنا لما أمرهم رسول الله صالح بعبادته والكفر بما يعبد من دون الله وعدم إيذاء ناقة الله كفروا بدعوته وقتلوها قال تعالى { فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها -الشمس} .

وأما :

(ناقة الله)

أي أنه أوصاهم بما أمر الله تعالى به من رعاية ناقة صالح وتركها تأكل في أرض الله ولا يمسوها بسوء كما في قوله تعالى { وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم – الأعراف 73 } وقال تعالى أيضاً { ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب – هود 64 } ولذلك قال لهم نبيهم هنا { فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها } ولكنهم قتلوها وعتوا عن أمر ربهم كما في قوله تعالى { فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين – الأعراف 77} فأخذهم عذاب يوم عظيم وكذلك بعدما قتلت هذه الأمة أهل بيت نبيها ضرب الله تعالى بينهم الخلاف وسفكك الدماء ونزول عذاباً عليهم من فوقهم ومن تحت أرجلهم ولن يرفع حتى يتوبةةاإلى الله ويتولوا أهل بيته عليهم السلام ويتبرؤون من أعدائهم قال تعالى { قُلۡ هُوَ ٱلۡقَادِرُ عَلَىٰۤ أَن یَبۡعَثَ عَلَیۡكُمۡ عَذَابࣰا مِّن فَوۡقِكُمۡ أَوۡ مِن تَحۡتِ أَرۡجُلِكُمۡ أَوۡ یَلۡبِسَكُمۡ شِیَعࣰا وَیُذِیقَ بَعۡضَكُم بَأۡسَ بَعۡضٍۗ ٱنظُرۡ كَیۡفَ نُصَرِّفُ ٱلۡـَٔایَـٰتِ لَعَلَّهُمۡ یَفۡقَهُونَ – الأنعام ۝٦٥﴾   .

وأما :

(وسقياها)

وسقياها : شربها الماء في يومها المحدد لها كما في قوله تعالى { قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم – الشعراء 155 } وهذا الماء قسمة بينهم قال تعالى فيها { ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر – القمر 28 } وهذا الشرب سقاء جعله الله تعالى قسمة بينهم ولذلك أمر الله تعالى بحفظها وسقياها في الآية هنا { فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها } أي [ فقال لهم رسول الله صالح عليه السلام : احذروا أن تمسوا الناقة بسوء ؛ فإنها آية أرسلها الله إليكم , تدل على صدق نبيكم ، واحذروا أن تعتدوا على سقيها , فإن لها شِرْب يوم ولكم شِرْب يوم معلوم. فشق عليهم ذلك.- التفسير الميسر ] .

ثم يقول تعالى :

  • فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها (14)

وهنا :

(فكذبوه)

أي أن هؤلاء كذبوا بالنذر  زاعمين أن طاعة فرد واحد هو الضلال وكأنهم استدوا مشروعيتهم بالكثرة وتقليد الآباء قال تعالى : { كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ فَقَالُوا أَبَشَرًا مِّنَّا وَاحِدًا نَّتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَّفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَّنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ  إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَّهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ ۖ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَىٰ فَعَقَرَ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ – القمر 23 – 31 } .

فلما عقروها دمدم الله تعالى عليهم بذنبهم كما في قوله تعالى { فكذبوه فدمدم عليهم ربهم بذننبهم فسواها } وكما فعل الله تعالى بهؤلاء سينتقم من كل أمة تتقلد بهم فقال تعالى { أكفاركم خير من أولائكم أم لكم براءة في الزبر – القمر } وقد بين تعالى أن في آخر الزمان ستقوم قريشاً الأولى والآخرة بنفس فعالهم فتعوعدهم بوعدين الأول في زمن النبي قال تعالى فيه { قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد – آل عمران 12 } والوعد الآخر صاعقة من الله تعالى قال فيها { فإن أعرضوا فقل أنذرتكم بصاعقة مثل صاعقة عاد وثمود – فصلت 13 } وما كان ذلك إلا بكذبهم على الله تعالى ورسوله ولا يوجد أظلم من فاعل ذلك لأنه يضل ويضل جبلاً كثيراً قال تعالى {ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام والله لا يهدي القوم الظالمين يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون هو الذي أرسل رسوله بالهدى ويدن الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون – الصف 7-9 } . ويتم ذلك النصر والتمكيم للنبي وأهل بيتهآخر الزمان بهلاك قريشاً الآخرة التي دعا عليها النبي صلى الله عليه وآله في قوله [ اللهم كما أذقتأول قريش نكالاً فاذق آخرها نوالاً – أمالي الشجري ] .

وأما :

(فعقروها)

و [عقَرَ يَعقِر ، عَقْرًا ، فهو وهي عاقِرٌ، وهم عُقَّرٌ، وهُنَّ عُقَّرٌ وعواقِرُ ، والمفعول معقور – للمتعدِّ يعَقَرَتِ الْمَرْأَةُ : لَمْ تَلِدْ و عَقَرَ السَّرْجُ أَوِ الرَّحْلُ الظَّهْرَ : جَرَحَهُ و عَقَرَ الكَلْبُ الوَلَدَ : عَضَّهُ و عَقَرَهُ عَنْ حَاجَتَهِ : قَطَعَهُ عَنْهَا و عَقَرَ النَّخْلَ عَقْرًا: قطعَها من رأْسها و عَقَرَ الحيوانَ: ذَبَحَهُ ] ولورود هذا اللفظ في قوله تعالى { وكانت امرأتي عاقراً – مريم 8 } أي توقفت عملية الإنجاب عندها من أسفل بطنها وهو نفس مكان ضربة الناقة القاتلة التي ضربها “قيدار” لعنه الله قال تعالى {فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَىٰ فَعَقَرَ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ – القمر 29 – 31 } . وهنا بشرهم ننبيهم صالحح عليه السلام بالتمتع في دارهم ثلاثة أيام ثم يأتيهم الفناء قال تعالى { فعقروها فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب – هود 65 }

فلما أخذتهم الصيحة هنا دمدم الله تعالى عليهم بيوتهم فسواها بالأرض كما في قوله تعالى هنا { فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذننبهم فسواها } .

وأما :

(فدمدم)

[ ودمدمه : من دمهَ يدُمهُ دماً : طحنه فأهلكه ] قال تعالى { فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها } . وهذا اللفظ مما ليس له مرادف .

وأما :

(عليهم ربهم)

هنا يبين تعالى أن هؤلاء من الأمم التي حق عليها القول وكلمة العذاب لقوله تعالى { إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ  – يونس 96-97 }

وأما :

(بذنبهم)

و الذنب [الجمع : ذُنوب الذَّنْبُ : الأمرُ غير المشروع يرتكب الذَّنْبُ : إثم، جُرم، معصية ] قال تعالى في القتل { ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون – الشعراء 14 } وقال تعالى في القتل حتف أنفه صبراً { وإذا المؤودة سئلت بأي ذنب قتلت – التكوير 9-10 }

وفي الزنا يقول تعالى { يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين – يوسف 29 } . والذنوب عامة المعاصي التي اقترفتها الأمم من قبل  قال تعالى { فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون – العنكبوت 40 } . والإسلام يجب ما قبله ويغفر الله تعالى معه الذنوب قال تعالى { غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير – غافر 3} .

وأما :

(فسواها)

وهنا فسواها أي جعلها مستوية بالأرض لقوله تعالى عن شهادة الأنبياء على أقوامهم يوم القيامة وإمامهم سيد الخلق محمد صلى الله عليه وآله وتمنى الكفار والمنافقين في هذا اليوم أن تسوى بهم الأرض فلا يكون لهم وجوداً عليها ندماً على مافعلوه بأنبياء الله تعالى ورسله وأهل بيت النبي عليهم السلام في أجيال وأمم متتالية ووقعت في عبادة إبليس وصدقته في ظنه كما قال تعالى { ولقد صدق عليهم غبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقاً من المؤمنين –سبأ 20} قال تعالى عن هذا الحزب يوم القيامة وندمه الشديد على ما قدم به على الله تبارك وتعالى  { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا – النساء 41-42 } .

ثم يقول تعالى :

  • ولا يخاف عقباها (15)

وهنا :

(ولا يخاف)

أي أن هؤلاء كانوا لايخافون تبعة أعمالهم فيتمددون في طغيانهم كما في قوله تعالى { ونخوفهم فلا يزيدهم إلا طغياناً كبيرا – الإسراء 60 } . وكان هؤلاء قد وقعوا في أكبر مصيبة مهلكة للعب وهى التخويف من الإنسان المخلوق الضعيف الأقوى وهو السلم في الإستسلامي في الترتيب العسكري أو المدني على السواء إذ لا ينبغي الخوف إلا من الله تعالى وقال تعالى في هذه الطامة التي تقع على الإنسان يوم القيامة { أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ۖ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ ۗ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انتِقَامٍ –الزمر36-37} .

وهؤلاء الذين قدموا الخوف من المخلوق دون الخالق عز وجل وقعوا في ولاية الشياطين فتحولوا ما بين كافر مستككبر وتابعين كفار مستضعفين قال تعالى فيهم { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن نُّؤْمِنَ بِهَٰذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ۗ وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَىٰ بَعْدَ إِذْ جَاءَكُم ۖ بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَادًا ۚ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ –سبأ31-33} ولما وقع هؤلاء في والاية الشيطان لم يعيروا لآخرتهم وووقوفهم أمام خالقهم وأنه لا يجب أن يخشوا إلا الله فلا يطيعون ويتولون إلا الله تعالى ورسله وأهل بيته عليهم السلام ولا يطيعون أحداً إلا في معروف كما في الحديث [إنما الطاعة في معروف ] والحديث [ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ] ولا يفرون من الزحف أمام المخلوقين وهى كبيرة مهلكة إن مات عليها المسلم ومن وقع في تلك الأعمال فهو ممن قال تعالى فيهم {  كلا بل لا يخافون الآخرة بل كانوا لا يريدون نشورا فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ  فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَىٰ صُحُفًا مُّنَشَّرَةً كَلَّا ۖ بَل لَّا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاءَ ذَكَرَهُ وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ۚ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَىٰ وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ– المدثر 53-56} . وهؤلاء ممن لايخافون عاقبة تركهم العمل بما أمر الله تعالى في كتابه الكريم قال تعالى { ولا يخاف عقباها}

وإذا أراد الله إحقاق الحق هنا سيأتي بمؤمنين يجاهدون في سبيلة ولا يخافون لومة لائم كما في قوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ لا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ – المائدة 54 } وهذا فرآخر الزمان ومع الوعد الآخر لبني إسرائيل والوعد الثاني والأخير للمنافقين الأعراب الداعمين لمشروع الحرب على الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام .

وأما :

(عقباها)

و [عاقِبة : (اسم) و الجمع : عواقبُ و العَاقِبَةُ : الولدُ والنَّسْل و العَاقِبَةُ : الجزاءُ بالخير ]

يقول تعالى في إمامة أهل بيت النبي عليهم السلام { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ بَلْ مَتَّعْتُ هَٰؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّىٰ جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُّبِينٌ –الزخرف 27-29 } أي ستظل النبوة والرسالة والإمامة إلى أن تقوم الساعة في عقب نبي الله إبراهيم مابقى فيها أثنان فيكون رجل أهل بيت النبي إماماً على الآخرة والخروج على تلك الولاية خروجاً إلى جهنم والهلاك في الدنيا والآخرة كما فعل الله تعالى بالأمم منقبل وقال فيها { قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ –النمل 69 -72 } . وتلك هى عقبى الذين كفروا في كل زمان ومكان حتى قيام الساعة ممن أنكروا بعض ما أنزل الله تعالى في أهل بيته عليهم السلام على الخصوص على الرغم من أقامهم الصلاة وإيتائهم الزكاة وعملهم بعمل الإسلام ولكن ينكرون بعض ما نزل من عند الله فيهم وفي إمامة عقب نبي الله إبراهيم من خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وهولاء ممن قال تعالى فيهم { ولا يخاف عقباها}  وكما أن عاقبة هؤلاء النار فإن عاقبة المتقين الجنة كما في قوله تعالى { مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ۖ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا ۚ تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوا ۖ وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ۖ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ ۚ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ ۚ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ وَكَذَٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا ۚ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ – الرعد 35-37} .

هذا وبالله التوفيق وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .

انتهى العمل من هذه السورة الكريمة

في 20 ذي الحجة سنة 1420 هـ الموافق 26 مارس عام 2000 للميلاد .

أهـ