خالد محيي الدين الحليبي

نسخة pdf :

سورة القلم

بسم الله الرحمن الرحيم

  • ن والقلم ومايسطرون (1)

((ن))

وهذه الحروف المقطعة ترد  فى مواضع من كتاب الله عز وجل على انها كتاب  منزل من عند الله تبارك و تعالى  ( حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم- غافر1 )  اى ان هذه الحروف المقطعة  كتاب مبين منزل  من عند الله تعالى فيه آيات قرآنية قال تعالى فيها  ( آلر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين – الحجر1) أى ان الحروف المقطعة آيات كتاب هذا الكتاب منزل من أم الكتاب  كما  قال تعالى : (وإنه فى أم الكتاب لدينا لعلى حكيم –  الزخرف 4 ) وفى أم الكتاب كل ماهو كائن إلى يوم القيامة وكل أوامره تبارك و  تعالى ,.

وبالتالى الحروف المقطعة لغة أهل السماء لأن أهل السماء ليس عندهم لغواً ولا كذاباً قال تعالى  (لايسمعون فيها لغواً ولا كذاباً – النبأ 35 ) وكما هي آيات فى أم الكتاب محكمة نزلت إلينا مفصلة  ترد فى مواضع آخرى أيضاً  أنها آيات قرآن كالذى نقرآه مفصلاً ولكن تفصيل ما فيها يفهمه أهل السماء وبعد الموت يفهمون مراد الله تعالى منها وذلك لأن فلسفة الموت هو موت الجسد وحياة النفس والروح كما يقطع أصبع الشخص فينظر إلى أصبعه ملقى على الأرض هكاذ الموت  تنفصل فيه النفس عن الجسد وهو يتحول الإنسان  لحياةأخرى لا لغوا فيها ولا كذابا حتى قيام القيامة ونفخة البعث  وهنا في هذه المرحلة يعرفون أحكام الله تعالى بهذه الحروف المقطعة التي تختصر كل مراد الله تبارك وتعالى فيها  .

و لأن الحروف المقطعة  تأت  فى القرآن المكى فقط وفيه قصص الأمم من قبل وهذه الأمم إذا مات العبد رآهم في الجنة أو في النار إذا الحروف المقطعة أسرارها ومراد الله تعالى منها تفصيلياً يعلمه العبد بعد  موته  ليتعبد الله تعالى بها  قال تعالى فى بيان أنها آيات قرآن (طس تلك آيات القرآن وكتاب مبين- النمل1-2)   وهذا اولاً

ثانياً :

إذا قال تعالى تنزيل فقط بلا حروف مقطعة أوائل السورة فهذا يعنى القرآن الذى بين أيدين او أم الكتاب كقوله تعالى فى أوائل سورة الزمر (  تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم – الزمر )

ثالثاً : هذا الكتاب السماوى به آيات لورود ألفاظ إشارة قبلها تشير إلى أنها آيات قال تعالى ( آلر تلك آيات الكتاب الحكيم – يونس1-2) . وقال تعالى   ( طسم تلك آيات الكتاب المبين – الشعراء1-2) وقال تعالى  ( آلر تلك آيات الكتاب المبين-  يوسف  ) وقوله تعالى ( آلمر تلك آيات الكتاب والذى أنزل إليك من ربك الحق –  الأعراف) أى ان  ههذه الحروف المقطعة فيها آيات  والآيات أوامر من  الله تعالى إلى خلقه وهي غير النوع الثانى من الآيات التى أنزلت إلى الرسول  صلي الله عليه وآله وهو القرآن الكريم الذي نقرأه بين أيدينا أو بالأدق هو أم الكتاب المنزل منه القرآن الكريم هو كتاب الله تعالى الذي بين أيدينا وكتب الله السماوية من قبل

وقال تعالى (الَرتلك آيات الكتاب وقرآن مبين- الحجر   ) أي أن ام الكتاب منه الر منزلة من أم الكتاب كآيات وقرآن مبين وهى آيات قرآن كريم نزل منها الكتاب السماوي الأخير وهو القرآن الكريم ومنه طسم أيات قرآن وكتاب مبين أي أنها منزلة من أم الكتاب وفيه آيات قرآن وكتاب مبين كما أم طسم في ذاتها  وبما أودعه الله تعالى فيها من أسرار سيعلمها كل من انتقل إلى عالم الأرواح لن يكون فيها أسرار هى أيات قرآن وكتاب مبين فيه احكام ومراد الله تعالى قال تعالى (طسم تلك آيات القرآن وكتاب مبين – النمل 1-2)  ويقول تعالى(طسم تلك آيات الكتاب المبين –القصص 1-2) وأيضاً ألم آيات قرآن وكتاب حكيم قال تعالى فيه : (آلم تلك آيات الكتاب الحكيم – لقمان1-2)  .

رابعاً :  أن هذه  الحروف المقطعة محكمة البيان لمن انتقل من عالم الأشباح إلى عالم الأرواح  وما نزل إلينا هو التفصيل  لمراد الله تعالى وأحكامه كما قال تعالى (الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير-هود   ) والتفصيل للقرآن الكريم وأحكامه قال تعالى فيه  ( ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون – الأعراف 52)   والمحكم عند الله تعالى كما بينا ومنه الحروف المقطعة لقوله بالقطع (وإنه فى أم الكتاب لدينا لعلى حكيم – الزخرف4)  وبالتالى أشار القرآن الكريم صراحةً إلى أنها من المحكمات في قوله تعالى ( الَمَ تلك أيات الكتاب الحكيم – لقمان 1-2)  والمتشابه أكثر للقرآن ليبين بعضه بعضاً ويفسر بعضه بعضاً لنعلم مراد الله تعالى ببيانه لآياته من خلال تلك المتشابهات  قال تعالى( الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاًمثاني تقشعر منه جلود الذين يؤمنون ثم تلين قلوبهم وجلودهم إلى ذكر الله – الزمر) .

خامساً   :  بناءاً عل ما ذكرنا يكون معنى قوله تعالى (ن والقلم ) تتكامل في المعنى  مع قول الله تعالى (حم والكتاب المبين) أي ان ( حم ) و (ن) والحروف المقطعة كلها فيها كل ما أمر الله تعالى به وماهو كائن إلى يوم القيامة من أيات فيأم الكتاب ونزل منه حروف مقطعة فيها بيان لما بعد الموت وما في الكون من غيبيات يمنعنا جسدنا الطيني من رؤيتها فهى آيات مؤجل فهمها لمرحلة ما بعد الموت من لغة وهى آيات كما في الآية  هنا مسطرة  بالقلم قال تعالى هنا ( ن والقلم ومايسطرون ) .

وورد في مذهب أهل البيتأن نون اسم من أسماء رسول الله صلى الله عليه وىله مرفوعاً [ عن ابي جعفر عليه السلام قال : إن لرسول الله صلى الله عليه وىله عشرة أسماء خمسة في القرآن وخمسة ليست في القرآن فأما التي في القرآن محمد وأحمد وعبد الله ويس ون – تفسير نور الثقلين ج5 ص 387] .

[ وعن أبي عبد الله قال : سألته عن ( ن والقلم) قال : إن اله خلق القلم من شجرة في الجنة يقال لها الخلد ثم قال لنهر في الجنة : كن مداداً فجمد النهر وكان أشد بياضاً من الثلج وأحلى من الشهد ثم قال للقلم :أكتب قال : يارب ما أكتب ؟ قال اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة فكتب القلم في رق أشد بياضاَ من الفضة وأصفر من الياقوت ثم طواه فجعله في ركن العرش ثم ختم على فم اللم فلم ينطق ولا ينطق أبداً فهو الكتاب المكنون الذي منه  النسخ كلها أوليتم عرباً ؟ فكيف لا تعرفون معنى الكلام وأحدكم يوقل لصاحبه : إنسخ ذلك الكتاب أوليس إنما ينسخ من كتاب آخر من الأصل وهو قوله تعالى 0 إنا كنا نستنسخ ماكنتم تعملون ) – نور الثقلين للحويزي ج5 ص 388-389 ] .

وهذا الحديث تقريبً يبين ما قصدناه من الحروف المقطعة من قبل .

سادساً  :  الواو بين نون والقلم (ن والقلم)

إذا جاء حرف  الواو بين الحرف المقطوع في بداية القرآن الكريم وما بعده من آيات كقوله تعالى (ق والقرآن المجيد) أو (ص و القرآن ذي الذكر) نجد أن هذه الواو وردت في قوله تعالى ( إقرأ و ربك الأكرم )  أي أن معنى قوله تعالى ( ن والقلم  ومايسطرون )  أي اقرأ ماسطره الله تعالى لك في الدنيا من كتاب الله المنزل وبعد الموت ستقرأ في كتاب أم الكتاب الذي أنزل منه هذا القرآن لأنك ستلتقي بكل الأمم الوارد ذكرها في كتاب الله  تعالى الكريم .

وعلى ذلك إذا جاء لفظ الجلالة بعد الحروف المقطعة فهذا يعنى أن الله تعالى أمر بأوامر أنزلها فى كتاب وبيان لما هو كائن إلى يوم القيامة وذلك كما قال تعالى ( اَلمَ  الله لا اله الا هو الحى  القيوم – آل عمران ) أى أنه من أطاع الله فليعمل بالكتاب وطاعة رسول الله صلى الله عليه وآله ثم يأمر بطاعة أولي الأمر فيما أمر الله تعالى به ورسوله صلى الله عليه وآله  يقول تعالى ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم – النساء 58)    وبالتالى من أراد أن يعبد الله فليعمل بالقرآن الكريم وسنة نبيه صلى الله عليه ثم يتولى أولي الآمر أهل بيت النبي عليهم السلام لعلهم يرحمون كما قال تعالى  { وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون}  .    وما هوكائن إلى يوم القيامة علمته الملائكة لما قرأت في اللوح المحفوظ ما هوكان من أحداث وقتل وسفك دماء منأبناء قابل لأاولاد هابيل إلى أن يشاء الله رفع هذا البلاء عن المظلومين قريب من زماننا هذا إن شاء الله فلما قرأت الملائكة تلك الجرائم وتلك الأحداث قالت ( أتخلق فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ) قال إني أعلم مالا تعلمون- البقرة) .

وأما :

(والقلم )

يقسم الله تبارك وتعالى هنا بالقلم   أنه علم به الخلق وسيعلم الخلق بعضهم بعضاً به ولقداسته جاء بصيغة القسم في قوله تعالى ( إقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان مالم يعلم) ومالم يعلم علم كثير جدا لا تحصيه أقلام الأرض ولا بحارها إن تحولت إلى مداد كما في قوله تعالى ( ولو أن مافي الأرض من شجر أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر مانفدت كلمات الله – لقمان 27)

ومالم يعلمه سيكون بعد الموت سيعلم الكثير منه على حقيقته   بدليل قوله تعالى بعد الموت ( فبصرك اليوم حديد) اي حاداً يرى كل شيئ على حقيقته وما كان يغيبه جسده الطيني عن رويته ويقول صلى الله عليه وآله لذلك [ الناس نيام فإذا ما ماتوا انتبهوا ] وذلك لأنهم يرون كل شيئ على حقيقته ويرون كل ماكان غائباً عنهم في عالم الغيب .

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال : [ أول ما خلق الله القلم فقال له :  أكتب فكتب ماهو كائن إلى يوم القيامة – نور الثقلين للحويزي ج5 ص 389] .

وهو قلم من نور كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله [ …. وأما النون ف( ن  والقلم ومايسطرون) القلم من نور وكتاب من نور في لوح محفوظ يشهده المقربون – تفسير نور الثقلين ج 5 ص 387] . وإذا بحثنا عن لفظ قلم ووروده في قوله تعالى هنا  ( إقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان مالم يعلم) اي أن ماكتبه القلم كان في نون وفيها  كل شيئ  ذكره الله تعالى في اللوح المحفوظ .

وعن هذه الحروف المقطعة في اول السور المكية جمعها القرطبي في تفسيره  مع فصل المكرر منها فخرج معه جملة وهى[ نص حكيم قاطع له سر] وفي مذهب أهل البيت بعض العلماء استخدم نفس الطريقة التي سلكها القرطبي فخرجت ملة وهى [ صراط علي حق نمسكه ] سلام الله عليه وقد استخدمنا هنا نفس الطريقة في بياننا للقرآن الكريم بنفس الطريقة فخرج معنا جملة  مهمة وهى [ أحطك سقر لمن يعصه] وكل ذلك من إعجاز كتاب الله تعالى الذي لا تنقضي عجائبه كما ذكر رسول الله ذلك صلى الله عليه وآله  .

وأما :

( وما يسطرون)

والقسم هنا بما سطره الله تعالى من كل كبيرة وصغيره في الكون كله ما نراه ومالا نراه علمناه أم لم نعلمه قال تعالى  هنا ( وكل صغير وكبير مستطر) – القمر 53) وهذه الكتابه وهذا العلم  سطره الله تبارك و تعالى   بقلم من نور في أم الكتاب نزل منه كتاب مسطور في رق منشور  في قوله تعالى ( والطور وكتاب مسطور في رق منشور – الطور)  . والرق الجلد الخفيف الذي يكتب عليه وهذا وصف للصحف التي كتب عليها القرآن أول مرة قبل الكتابه في الصحف المطهرة وهو كتاب منزل من أم الكتاب في اللوح المحفوظ كما بينا وقال فيه صلى الله عليه وآله [ القلم من نور وكتاب من نور في لوح محفوظ يشهده المقربون – نور الثقلين ج5 ص 378 ] .ثم يقول تعالى عن هذا الكتاب و الإيمان به والعمل بما فيه نعمة ماهو بها بمجنون صلى الله عليه وآله كما قال تعالى :

((2)) ماأنت بنعمة ربك بمجنون ((2))

وهنا :

 (( ماأنت))

أي ما أنت بهذا القرآن متكهن به ولا مجنون عاصى لله عز وجل لورود هذه الآيات في قوله تعالى (فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون – الطور29)

(( بنعمة ربك))

والنعمة هى نعمة القرآن الذى نزل من عند الله عز وجل وفيه كلام الله  تعالى الذي قال فيه  ( واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به – البقرة 231) والكفر بهذا الكتاب كفر بنعمة الله قال تعالى فيه  (افبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون – العنكبوت 67) وهذه النعمة لم يكفر بها صلي الله عليه وآله كما في قوله تعالى  هنا (ما أنت بنعمة ربك بمجنون – القلم 2) وعلى ذلك :

وأما

((بمجنون))

يقول صلى الله عليه وآله في  الحديث [ المجنون من أقام على معصية الله… الحديث ] .

وهذا الجنون برأ منه الله تعالى رسوله كما في قوله تعالى   ( وما صاحبكم بمجنون – التكوير22) وتلك البراءة لأن  الأمم من قبل  اتهموا الرسل دائماً بهذه التهمة لعنهم الله  كما في قوله تعالى ( كذلك ما أتى الذين من قبلك من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحرٌ أو مجنون – الذاريات 52 ) ولذلك يثبته الله تعالى قائلاً ذكر الناس  بالله وردهم إلى طاعته فما أنت كما يفتري عليك المفترون بأنك كاهن أو مجنون قال تعالى ( فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون – الطور 29) وليس ذلك فحسب بل يبشره الله تعالى بأن له أجر غير ممنون وأن خلقه هو الخلق العظيم ومن أراد الآخرة فعليه التأسي به صلى الله عيه وآله عليهم السلام قال تعالى ( ما أنت بنعمة ربك بمجنون  وإن لك لأجراً غير ممنون وإنك لعلى خلق عظيم – القلم 2-4) .

((3))  وإن لك لأجراً غير ممنون ((3))

وهنا :

((وإن لك ))   

وردت هذه الآيات ونقول آيات لأن كل حرف أطلق الله تعالى عليه آيه في قوله تعالى (الم تلك آيات الكتاب المبين) فيكون كل حرف آ ية وردت هذه الايات في قوله تعالى كبيان أن أول هذاالاجر شرح صدره ورفع ذكره صلى الله عليه وآله في الدنيا والآخره كما في قوله تعالى ( الم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك  وزرك الذي أنقض ظهرك ورفعنا لك ذكرك – الشرح ) وهذا سيكون في الآخرة وفي آخر الزمان أيضاً لقوله تعالى ( وللآخرة خير لك من الأولى ولسوف يعطيك ربك فترضى – الضحى)

وهنا سيكون له ولأمته التابعة له صلى الله عليه وآله أجراً غير ممنون قال تعالى فيه هنا ( وإن لك لأجر ا غير ممنون)  .

((لأجر))

وهذا الأجر  ورود في كتاب الله هذا اللفظ كدلالة على أن هذا الأجر للمسلمين كما في قوله تعالى ( بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه – البقرة 112)  هذا الإسلام مرتبط بمودة أهل بيت النبي عليهم السلام وولايتهم لورود هذا اللفظ في قوله تعالى   ( قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى- الشورى 23)   وهؤلاء أعد الله تعالى لهم أجراً كريماً قال تعالى فيه ( تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجراً كريما – الأحزاب 44) وهذا الأجر غير ممنون له صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام  ولأمته كما في قوله تعالى هنا ( وإن لك لأجر غير ممنون) .

((غير ممنون))    

[ ومن المحسن على من أحسن إليه أو منَ عليه إحسانه وذكره له وعده عليه وقرعه كأن يقول : ألم أحسن إليك ما إلى ذلك – معجم الفاظ القرآن باب الميم فصل النون والنون] .

قال تعالى في من بعض الصحابة على رسول الله  صلى الله عليه وآله                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                          بإسلامهم ( يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنون على إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان – الحجرات 17)  وهذا المن يحبط الأعمال ويبطل الصدقات لقوله تعالى ( لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى – البقرة 264) . وهذا المن علينا من الله يكون في الدنيا بأن هدى هذه الأمة للإيمان به تعالى وبنبيها واليوم الآخر وما نزل من الله تعالى و في الآخرة لا من على رسول الله صلى الله عليه وآله و لأمته كما في قوله تعالى هنا ( وإن لك لأجراً غير ممنون) أي غير مقطوع أو معدود عليهم ولا من فيه ولا أذى  وإذا كان لرسول الله ولأمته أجرُ  غير ممنون فلهم إذاً الشكر من الملائكة وخلق الله تعالى الذي شهد للمسلمين من  بني آدم ممن تولى الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام وعبده تعالى وآمن به  عز وجل و   بملائكته ورسله بالغيب قال تعالى لهم  هنا  لذلك ( إن هذا  كان لكم جزاءاً وكان سعيكم مشكورا – ) .

((4)) وإنك لعى خلق عظيم ((4))

((وانك))

ورد هذا اللفظ فى قوله تعالى (وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم صراط الله الذى له ملك السموات والأرض ألا إلى الله تصير الامور – الشورى52) وعلى ذلك الصراط المستقيم الذى كان عليه رسول الله صلى الله عليه وآله من  عمل بالقرآن وولايةً له تعالى هو الخلق العظيم فلما استقام على أمر الله تعالى نزل فيه صلى الله عليه وآله (وإنك لعلى خلق عظيم – القلم4)

وأما :

 (( إنك لعلى))

وهذه الآية وردت  فى  قوله تعالى عن رسول الله صلى الله عليه وآله( وادع إلى ربك إنك لعلى هدى مستقيم – الحج67)  وهذه الدعوة إلى الله والتخلق بخلق القرآن هو  الخلق العظيم الذى قال تعالى فيه هنا (وإنك لعلى خلق عظيم – القلم4)

وأما:

((خلق))

الخلق :السجية والطبع وما يجرى عليه المرء من عادة لازمة.

قال تعالى (إن هذا إلا خلق الأولين – الشعراء137) وخلق رسول الله وسجيته قامت على القرآن كما سئلت السيدة عائشة عن خلقه فقالت كان خلقه القرآن ولذلك قال تعالى عن هذا الخلق أنه خلق عظيم قال تعالى (وإنك لعلى خلق عظيم – القلم4) وهنا يحكم الله تعالى بعدم خطأ رسول الله صلى الله عليه وآله أو سبابه لأحد كما زعم ذلك المنافقون وقالوا زاعمين من سببته أو آذيته …. ولا يجوز نسبة أى سلوك غير لائق بالرسول صلى الله عليه وآله لهذه الآية ولقوله تعالى ( وما ينطق عن الهوى إن هو الا وحى يوحىعلمه شديد القوى – النجم) .

وأما:

((عظيم))

ولفظ عظيم يأتى على القرآن كما فى قوله تعالى(قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون – ص67) ومن عمل بهذا النبأ العظيم فهو على خلق عظيم لأنه عمل بالنبأ العظيم فتولى الله تعالى ورسوله وأهل بيته وآمن بالله العظيم الذى قال تعالى عن نفسه مبيناً عظمته عز وجل فى قوله تعالى (فسبح باسم ربك العظيم – الواقعة74)

ثم يقول تعالى:

((5))فستبصر ويبصرون((5))

وهنا:

(( فستبصر ويبصرون))

وبصر به رآه والبصررؤية غوامض الأمور وخباياها قال تعالى( وقالت لاخته قصيه فبصرت به عن جنب وهم لايشعرون – القصص11) وقال تعالى (قال بصرت بما لم يبصروا به – طه96) ومن أراد أن يرى الغيب على حقيقته فينظر لكل الأمور بالبصائر وهو القرآن الذى قال تعالى فيه (قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمى فعليها –الأنعام103) وبالتالى البصر نظر لدقائق الأمور فإن كان بكتاب الله فهو بصيرة وإن كانت بهوى فهو عمى وعدم بصر قال تعالى ( وتراهم ينظرون إليك وهم لايبصرون –الأعراف198) وقال تعالى فى بيان أن عمى البصيرة من عمى القلب فيمكن أن ينظر العبد بعينيه وهو لايبصر وبالتالى القلوب هى التى تعمى كما قال تعالى (إنها لاتعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور-             ) وعلى ذلك المعنى هنا فستبصر بكتاب الله وهم سيبصرون بأهوائهم بأيكم المفتون الذى سيدخله الله تعالى النار  قال تعالى هنا ( فستبصر ويبصرون بأيكم المفتون – القلم5-6) 

وأما:

((6))بأيكم المفتون((6))

وهنا

((بأيكم))

أى أنه يقول تعالى(وإنا أو إياكم لعلى هدى أو فى ضلال مبين سبأ24) أى أنه يقول تعالى هنا فستبصر ويبصرون أيكم على هدى أو فى ضلال مبين فهو التارك لآيات ربه المعرض عنها لورود هذا اللفظ فى قوله تعالى (وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيماناً )

((المفتون))

فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون – التوبة124) وهنا يعرف المؤمنون المفتونون بإعراضهم عن ذكر الله .

والفتنة الأختبار قال تعالى(إنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامرى – طه85) أى أنه يقول تعالى فستبصرويبصرون أيكم على هدى وولاية لله تعالى ورسوله وأهل بيته وأيكم من أضله سامرى كل أمة الذى يكذب على الأمة بإسم الدين فيخرجهم عن ولاية أهل بيته عليهم السلام وهذا ما حذر تعالى منه قائلاً (واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ماأنزل الله اليك – المائدة49) وقال تعالى أيضاً فى فتنة تبديل الدين وإنحراف الناس عن ولاية أهل بيت نبيهم عليهم السلام (وإن كادوا ليفتنونك عن الذى أوحينا إليك لتفترى علينا غيره إذن لاتخذوك خليلأ – الاسراء73)وما عجزوا عن تبديله فى زمان الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله فعلوه بعد موته وقتلهم لعترته صلى الله عليه وآله وانفلقت الأمو وتشققت لفرق وأحزاب بفعل هذه الفتنة ويوم القيامة سيبصرون من هو المفتون فى جهنم لإن أحد معانى الفتنة التغيير من أثر الناريقال رغيف فتين أى محروقة ويوم القيامة من خرج على ولاية الله الحق فهو من المفتونين فى جهنم قال تعالى (يوم هم على النار يفتنون ذوقوا فتنتكم هذا الذى كنتم به تستعجلون – الذاريات13-14) وهنا يقول تعالى عن فتنتى الدنيا والآخرة (فستبصر ويبصرون بأيكم المفتون – القلم 5-6)أى فى الدنيا ستبصر بالقرآن أنه دعا لولاية أهل البيت ومودتهم وقيادتهم ولذلك أذهب الرجس عنهم وفى الآخرة ستبصر أعدائهم يفتنون على النار كما أنهم فى الدنيا كانوا خارجين على ولاية أهل بيت نبيهم عليهم السلام .

ثم يقول تعالى :

((7))إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين((7))

وهذه الآية مكررة بتمامها فى سورة النحل 125 وسورة النجم 30

وهذه الآية يبينها قوله تعالى (قل إن ربى أعلم من جاء بالهدى ومن هو فى ضلال مبين- القصص85)

وأما :

(إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم )

أى أنه تعالى يعلم سرهم ونجواهم كما قال تعالى (ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب – التوبة78)

وبالتالى هو سبحانه  وتعالى يعلم من ضل ومن اهتدى كما قال تعالى هنا (إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين – القلم7)

وأما:

(بمن ضل عن سبيله)

ومن ضل عن سبيل الله هو الذى عصى وأشرك لقوله تعالى( ومن يعصى الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً – الاحزاب36)

وقال تعالى (ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالاً بعيداً – النساء116) وما دام عصى وأشرك فقد تحاكم للهوى وطواغيت الرجال كما قال تعالى( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً – النساء60)وهنا يضلهم السادة والكبراء والحكام فيدخلون جهنم بضلالهم عن سبيل أهل بيت نبيهم عليهم السلام ويقولون فى النار (ربنا إننا اطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا – الاحزاب 67) والله أعلم بهؤلاء وعداوتهم لله تعاللىورسوله وأهل بيته عليهم السلام والمؤمنون وهو أعلم بالمهتدين .

وأما :

(بالمهتدين)

والمهتدين هم العاملين بالهدى وهو القرآن لقوله تعالى( هذا هدى – الجاثية11) وهم الذين أطاعوا رسول الله صلى الله عليه وآله عاملين بسنته لقوله تعالى فيه (وإن تطيعوه تهتدوا – النور54) وهم الذين يتولون الهادى المهدى من أهل بيت النبى عليهم السلام فى كل زمن لقوله تعالى فيهم (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد –الرعد 7)وهؤلاء هم الذين هداهم الله تعالى واجتباهم وقال تعالى فيهم (ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم – الأنعام 87) وعلامة الإمامة لهؤلاء جهل كل علماء الأمة بما يعلموه من كتاب الله عز وجل وقال فى إمام آخر الزمان من ذريتهم عليهم السلام (أفمن يهدى إلى الحق أحق أن يتبع أمن لايهدى إلا أن يهدى – يونس35) وهؤلاء الذين اهتدوا بالقرآن والرسول صلى الله عليه وآله والعترة الطاهرة الله تعالى أعلم بهم كما قال تعالى هنا (إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين – القلم7)

ثم يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله والمؤمنين

((8)) فلا تطع المكذبين((8))

وهنا:

(فلا تطع)

أى لاتطع الكفار ولا المنافقين لقوله تعالى (يا أيها النبي لاتطع الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم –الأحزاب1) وهؤلاء هم المكذبين هنا المتربصون للإسلام وأهله كل سوء فى كل زمان ومكان قال تعالى هنا (فلا تطع المكذبين ودوالو تدهنم فيدهنون – القلم 8-9)

وأما:

(المكذبين)

والمكذبين فى كتاب الله نوعين :

الأول كفار مكذبين بآيات الله والرسل  وقال تعالى فيهم ( ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا حتى أتاهم نصرنا – الأنعام 34) وهؤلاء يدخلون النار وعند دخولهم لها يقول تعالى لهم (ألم تكن آياتى تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون – المؤمنون105)

والثانى : التاركون الذين زعموا الإسلام فلم يعملوا به وهؤلاء مثلهم كمثل بنى اسرائيل الذين قال تعالى فيهم (مثل الذين حملواالتوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل اسفاراً بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لايهدى القوم الظالمين – الجمعة)

الثالث: منافقون دخلوا الإسلام لهدمه من الداخل بترويج الكذب ومدائح الرجال لصرف الناس عن ولاية الرسول صلى الله عليه وسلم وأهل بيته عليهم السلام . قال تعالى مبيناً أن هؤلاء لايوجد أظلم منهم فى قوله تعالى( ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام والله لايهدى القوم الظالمين يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون – الصف)  وإطفاء نور الله بإستبعاد أهل بيته وترويج مدائح ومناقب لرجال جهلوا شرع الله تعالى كما فى قوله تعالى( ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكى من يشاء ولايظلمون فتيلاً أنظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به اثماً مبيناً – النساء 49-50) وهؤلاء قالوا فى أسماء الله وصفاته ماكرهوه هم لإنفسهم وقال تعالى فيهم (ويجعلون لله مايكرهون وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى – النحل62) وهذه الآية على عموم معناها ولاتخصص فقط على من نسب البنات لله فكل من ألحد فى صفات الله فقد نسب لله ما يكرهه ويأباه لنفسه وتارةً يقولون نحن الموحدون وتارةً آخرى يقولون نحن الفرقة الناجية ومن هؤلاء لما رأى مناقب أمير المؤمنين تسد الشمس فى رابعة النهار ولاينكر فضله إلا أعمى لجأوا لتمام فعل بنى إسرائيل فى الكتمان لجزء من الوحى ذكره صلى الله عليه وآله فى على بن أبى طالب .

قال تعالى ( وإن منهم لفريقاً يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وماهو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون – آل عمران78) ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل تخطاه لقتل العترة الطاهرة ليموت حقهم معهم فى كل زمان ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون وهؤلاء حذر الله تعالى منهم قائلاً هنا ( ولا تطع المكذبين ودوا لو تدهن فيدهنون – القلم -8-9)

ثم يقول تعالى:

((9)) ودوا لو تدهن فيدهنون  ((9))

( تدهن فيدهنون)

ودهن كما فى المعجم الوسيط باب الدال فصل الهاء والنون نافق وأظهر خلاف ما يبطن وفى مجمع البحرين باب النون وما أوله دال نفس المعنى السابق ويضيف أو ترك المناصحة قال تعالى(أفبهذا الحديث أنتم مدهنون وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون –الواقعة 81-82)

أى أن المداهنة التظاهر نفاقاً باللإسلام أو تظاهر الرسول مداهنةلهم بعبادة الأوثان وهذا ماقالوه صراحة فى السيرة تعبد إلاهنا عاماً ونعبد إلاهك عاماً فنزلت (قل ياأيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد – الكافرون) وهذه المداهنة هنا هى علم السياسة وتقريب وجهات النظر بين الأطراف على حساب دين الله والقرآن وهم يودوا من المؤمنين ذلك ولو على سبيل المداهنة ومن فعل ذلك كفر وذلك لأن:

(ودوا)

ورد هذا اللفظ فى قوله تعالى(ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواءاً –النساء 89)وفى سبيل تحقيق ذلك المأرب يلجأون مرة للبطش باليد والقتل والمذابح وتارة فى دار الندوة أو الأمم المتحدة الآن قال تعالى(ويبسطوا أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لوتكفرون – الممتحنة 2) ولذلك نهى الله تعالى عن طاعتهم قائلاً 0 فلا تطع المكذبين ودوا لو تدهن فيدهنون – القلم 8-9)

ثم يقول تعالى:

((10)) ولا تطع كل حلاف مهين((10))

وهنا:

(ولا تطع)

النهى عن الطاعة لكل حلاف مهين وهذه شيمة المنافقين الذين يزعمون الإسلام والإيمان فإن واجهوا المواقف واجهوها بالحلف الكاذب كما فى الآية هنا وهؤلاء قال تعالى فيهم(ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على الله – الأحزاب 48)وهؤلاء هم الذين أبطنوا فى قلوبهم الهوى وغفلوا عن ذكر الله تعالى كما قال عز وجل(ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطاً – الكهف 28) وهؤلاء دائماُ يلجئون للحلف الكاذب تغطيةً على مافى قلوبهم  قال تعالى هنا:

(ولا تطع كل حلاف مهين – القلم10)

وأما:

(حلاف)

وحلف بمعنى أقسم والحلاف :الكثير الحلف

قال تعالى (ثم جاءوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحساناًوتوفيقاً –النساء 62)وهذا الحلف دائماًيستخدمه المنافقون لإرضاء المؤمنين فقط. قال تعالى(يحلفون بالله ليرضوكم والله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين – التوبة 62) ويحلفونعلى أنهم من المسلمين وماهم منهم فى شىئ .

قال تعالى( ويحلفون بالله إنهم لمنكم وماهم منكم ولكنهم قومُ يفرقون – التوبة56) وهؤلاء الحلافين المنافقين نهى الله تعالى المؤمنين عن طاعتهم فى عصيان الله تعالى والخروج على ولايته عز وجل وولاية رسوله وأهل بيته عليهم السلام قائلاً (ولا تطع كل حلاف مهين – القلم 10) وأما:

(مهين)

ومهين من مهن بمعنى قل وضعف قال تعالى (ثم جعل نسله من سلالةَ من ماء مهين – السجدة 8 )  ولاقتران هذا اللفظ بضعف البيان فى قوله تعالى (أم أنا خيرُ من هذا الذى هو مهين ولايكاد يبين – الزخرف 52) أى أن ماء الرجل الذى قال تعالى فيه (ألم نخلقكم من ماءٍ مهين – المرسلات 20) أى ماء غير بَين الملامح أو الخلق وكذلك المعنى هنا المهين هو الضعيف ولورود لفظ المهانة مقترن بعدم القدرة على البيان لِلكنة فى لسان سيدنا موسى  هنا القرآن يشير إلى قوله تعالى(ولا تطع كل حلاف مهين – القلم10) وهو رجل فقير حقير منافق مشهور بلكنة فى لسانه كثير الحلف نهى الله تعالى عن طاعته أو ومن سار على طريقته  ونحلته .

ثم يقول تعالى فى نوع آخر نهى الله تعالى عن طاعته قائلاً:

((11)) همازٍ مشاءٍ بنميم((11))

وهنا الهماز المشاء بالنميمة صفة أيضاً أخرى للحلاف المهين وكل من إتتصفبهذه الصفة فقد نهى الله تعالى عن طاعته فى معصية الله تعالى أو فيمت يخالف الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام . وهنا :

وعن سبب نزول الآية (عن امير المؤمنين عليه السلام أنه كان يمر بالنفر من قريش فيقولون أنظروا إلى هذا الذى اصطفاه محمد واختاره من بين أهله ويتغامزون – تفسير البرهان للسيد هاشم البحرانى ج 4/ص44) وهذا من المؤكد بعد أن أنذر عشيرته فقال لهم صلى الله عليه وآله من يؤازرنى على أن يكون خليفتى ووصيي من بعدى فلم يقم أحد إلا أمير المؤمنين فقال لهم صلى الله عليه وآله هذا خليفتى ووصيي من بعدى اسمعوا له وأطيعوا فقام أبو لهب قائلاً مستهزءاً لأبى طالب اسمع وأطع لإبنك يا أبا طالب… الحديث وهو معروف بالسيرة النبوية  والظاهر أن هذا الأمر أخرجه الملعون أبو لهب من الإطار الأسرى لدار الندوة مستهزءاً فتناقلته الألسن ولاكته العامة والسوقة والجوقة من الجهلاء فنزلت الآية هنا كما فى تفسير البرهان للسيد هاشم البحرانى قدس سره .

وهنا :

(هماز)

وهمز هنا بمعنى عابه ويخصه بعضهم بأن يعيبه فى غيبته وكأنه يضغط على المعيب وينال منه ويقال للمكثر من ذلك والمعتاد له هماز

وهؤلاء الويل لهم كما قال تعالى ( ويلُ لكل همزة لمزة الذى جمع مالاً وعدده يحسب أن ماله أخلده – الهمزة)  وهنا يبين القرآن أن هذا الهماز مستكبر بماله متفاخراً به يعيب فى رسول الله صلى الله عليه وأل بيته والمؤمنين عليهم السلام قال تعالى فيما فعله هؤلاء المجرمون

(إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون وإذا مروا بهم يتغامزون وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون – المطففين 29-32)   وأما:

(مشاء)

ولفظ مشاء من الامشىوهو يأت على من تنكبو الطريق المستقيم وقال تعالىفيهم (أفمن يمشى مكباً على وجهه أهدى أمن يمشى شوياً على صراط مستقيم –الملك22) وكل منافق يبطن الكفر من الذين يمشون مكبين على وجوههم وكذلك الكافرون أيضاً الذين قال تعالى فيهم (وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيءيراد –ص6) وهؤلاء يمشون بالنميمة فى حق رسول الله صلى الله عليه وآله والمؤمنون ونهى الله تعالى عن طاعتهم قائلاً (ولاتطع كل حلاف مهين همازٍ مشاءٍ بنميم – القلم11) وهؤلاء الويل لهم كما قال تعالى صلى الله عليه وسلم ( ويلُ للمشاءون بالنميمة المفرقون بين الأحبة – الحديث

وأما:

(بنميم)

ونم بفلان وعلى فلان وينم نماً ونميمة ونميماً :نقل عنه إلى غيره مايسوءه ويوغر صدره عليه ويفسد الود بينهما ويوقع الوحشة بينهما وعلى ذلك فهو نقل الحديث على وجه الإفساد – معجم الفاظ القرآن باب النون فصل الميم والميم ) قال تعالى { ولاتطع كل حلاف مهين همازٍ مشاءٍ بنميم – 10-11}  

[ و يختلف تعريف الغيبة عن النميمة، حيث تُطلق الغيبة في اللّغة على الاغتياب، أمّا النمّ فهو السّعي لإيقاعِ المشاكل والفتنة بين النّاس، – الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت : وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، صفحة 159، جزء 42 ]

[ وأمَّا اصطلاحاً  الغيبة : ذكر الإنسان بما لا يُحبّ أن يُذكر فيه، أمّا النّميمة: فهيَ نقل الكلام من شخصٍ إلى آخر والذي يؤدّي إلى إيجاد المشاكل والكراهيّة بين النّاس، – موسوعة الأخلاق الإسلامية، صفحة 401، جزء 2. بتصرّف [  .

قال تعالى {  وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ  – الحجرات 12  { .

[  عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أتدرون ما الغيبة ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : ذِكرُك أخاك بما يكره ، قيل : أفرأيتَ إن كان في أخي ما أقول ؟ قال : إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته ، وإن لم يكن فيه فقد بهتَّه .صحيح أبي داود | الصفحة أو الرقم   أخرجه مسلم (2589) باختلاف يسير، وأبو داود (4874) ]

[ عن ابن عباس قال : مرَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلم على قبرين فقال : أما إنَّهما ليُعذَّبان وما يعذبان في كبير ، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة ، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله ، قال : فدعا بعسيبٍ رطْبٍ فشقه باثنين ثم غرس على هذا واحداً وعلى هذا واحداً ثم قال لعله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا .
وعن عائشة رضي اللّه عنها قالتْ:قلتُ للنبيّ صلى اللّه عليه وسلم: حسبُك من صفيّة كذا وكذا ـ قال بعضُ الرواة: تعني قصيرة ـ فقال: “لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ البَحْرِ لَمَزَجَتْهُ” قالت: وحكيتُ له إنساناً فقال: “ما أُحِبُّ أني حَكَيْتُ إنساناً وأنَّ لي كَذَا وكَذَا” قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

وفي كتاب الترمذي، عن معاذ رضي اللّه عنه قال فى حديث طويل وفيه : أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ألا أُخْبِرُكَ برأسِ الأمْرِ وَعمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنامِهِ ؟ قلت: بلى يا رسول اللّه! قال: رأسُ الأمْرِ الإِسْلامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الجِهادُ ، ثم قال : ألا أُخْبِرُكَ بِمَلاكِ ذلكَ كُلِّهُ؟ قلت : بلى يا رسول اللّه! فأخذ بلسانه ثم قال: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا، قلت : يا رسول اللّه! وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ فقال : ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ على وُجُوهِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ ألْسِنَتِهِمْ؟” ]

[ وروى أبو داود وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:  يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه: لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإن من اتبع عوراتهم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه في بيته .]

وهذه المجالس وهؤلاء نهى الله تبارك و تعالى عن مجالستهم لقوله صلى الله عليه وآله النميمة تأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب …. الحديث .

ثم يقول تعالى :

 

(16) مناع للخير معتد أثيم (16)

 

وهنا :

 

(مناع للخير)

 

[ ومنع الشيئ حجبه عن ذلك الشيئ وحال بينه وبينه ويكون ذلك في الاعيان والمعاني تقول منعته الكتاب ومنعته الدخول – معجم الفاظ القرآن باب الميم فصل النون والعين ]

قال تعالى { قال مامنعك ألا تسجد إذ أمرتك – الاعراف 12 } وقال تعالى { فلما رجعوا لإلى أبيهم قالوا يا أبانا منع منا الكيل – يوسف 63  } ومنعهم هنا للخير كان منعاً لحق الله تعالى في المال من زكاة وخمس وصدقات قال تعالى { إذا مسه الخير منوعا – المعارج 21 } وقال تعالى  آيضاً : { ألقيا في جهنم كل كفار عنيد مناع للخير معتد مريب – ق 25 }

وهذا الكفار العنيد الذي قال تعالى  فيه هنا { ألقيا في جهنم كل كفار عنيد مناع للخير معتد مريب – القلم 11-12}  .

حتى لو أنفق فقد حبط عمله وبكفره لن يقبل الله تعالى عمله لقوله عز وجل { وما منعهم أن تقبل نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون – التوبة 54}

وأما :

 

(للخير)

 

[ الخير : كل مافيه نفع وصلاح وهو ضد الشر بوجه عام ويلحق بهذا استعماله فيما هو أداة للنفع والصلاح كالمال والخيل – معجم ألفاظ القرآن باب الخاء فصل الياء والراء ]

 

ومنع الخير هنا منعاً لحق الله تعالى في المال والنفقة المستحقة على العباد لقوله تعالى { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ ۖ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ – البقرة 215 }

 

والخير منه كل أداة للنفع والصلاح كالمال في قوله تعالى { إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف – البقرة 180 } و يأت على الخيل في قصة نبي الله داوود عليه السلام   في قوله تعالى { قال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب – ص 32 } وبالتالي كل مانع لما فيه الخير والصلاح للناس في أمور دينهم ودنياهم فقد بشره الله تبارك وتعالى بالإلقاء في جهنم هنا في قوله تعالى { ألقيا في جهنم كل كفار عنيد مناع للخير معتد مريب – القلم 11-12} .

 

وأما :

 

(معتيدٍ أثيم )  

 

وهنا :

 

(معتدٍ)

 

[ والمعتدِ : الذي تجاوز الحق أو تجاوز الأمر بمعنى تعداه قال تعالى { ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين – الأعراف 55 } والمعنوي منه كقوله تعالى { ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه – البقرة 229 } والمادي كقوله تعالى { ولا تعد عيناك عنهم تريد الحياة الدنيا – الكهف 28 } والعدوان يأت بمعنى تجاوز الحق إلى الظلم لقوله تعالى { تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان  – البقر 85} و المعتدي الذي تعدى حدود الله تعالى كما في قوله تعالى { تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون– البقرة 229 }

ومن هؤلاء المعتدين الذين اعتدوا وظلموا المؤمنين لقوله تعالى { لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ التوبة 10 –  } وهذا المعتدي هو الأثيم  المناع للخير  هنا  قوله تعالى {  وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ  هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ  مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ  – القلم  10 -12} .

 

وأما :

 

(أثيم)

 

[ الإثم : فعل مانهى الله تعالى عنه وأثم يأثم من باب علم يعلم وأثاماً ومأثماً فعل ما نهى الله عنه فهو آثم وأثيم والإثم ةالآثام فعل ما نهى الله تعالى عنه – معجم الفاظ القرآن باب الهمزة فصل الثاءوالميم ] قال تعالى { فمن اضطر فلا باغ ولا عاد فلا إثم عليه – البقرة 731 }

والأثيم سواء كان كافراً أو منافقا الذي يسمع آيات الله فلا يعمل بها ولا يعير لها بالاً قال تعالى { ويل لكل أفاك أثيم يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين – الجاثية 7-8 } وهؤلاء هم المعتدون الذين قال تعالى فيهم هنا { وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ  هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ  مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ  – القلم  10 -12} .

 

ثم يقول تعالى :

 

(13) عتل بعد ذلك زنيم (13)

 

وهنا :

 

(عًتًل)

 

[ من الحسي : العتلة  حديدة يحفر بها والهراوة الغليظة من الخشب و جمعها عَتل والعتَل : الأخذ بقوة وشدة وجفاء وعتل كضرب ونصر والعتل : القوي الجافي الغليظ – معجم الفاظ القرآن بالب العين فصل التاء واللام ] قال تعالى هنا { عتل بعد ذلك زنيم } وورد هذا اللفظ من العتل والصفة غير الحسنة في قوله تعالى { خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم – الدخان 47} واعتلوه كأنه سيعتل بالعتل حتى يرفع ثم يلقى في الهاوية باسفل سافلين وذلك لأنه كان  في الدنيا عتل زنيم كما في الآية الكريمة  .

 

وأما :

 

(بعد ذلك)

 

وردت هذه الايات في مواضع من كتاب الله تعالى تبين أن هؤلااء هم الكافرون الذين فسقوا عن أمر ربهم قال تعالى {  وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ – المائدة 55 } .

ومن هؤلاء المجرمين هنا الذين كفروا بالله تعالى ورسوله  العتل الزنيم كما في قوله تعالى { عتل بعد ذلك زنيم } .

 

وأما :

 

(زنيم)

 

[ الزنيم : الدعي اللصيق والدعي الذي ينسب إلى غير أبيه ويلتصق به  ] والزنيم : الدعي الملصق بقوم ليس منهم مأخوذ من زنمى وهما اللهاتان المعلقتان في حلقها – معجم ألفاظ القرآن باب الزاي فصل النون والميم ] قال تعالى { عتل بعد ذلك زنيم – القلم } وهذا من الألفاظ المنفردة في القرآن الكريم .

وعلى ذلك المحارب للنبي وأهل بيته عليهم السلام حتى الآن لا يمكن إلاأن يكون ابن زنا أو دعي :

 

قال صلى الله عليه وآله  ” لا يبغضنا أهل البيت إلا ولد الزنا ” وهذا الحديث لم ينفرد الشيعة الامامية فقط  بل ان هنالك العديد من الروايات في كتب مذهب اهل السنة والجماعة ما يؤكد ذلك :

[  قال ابن الجزري الشافعي (833 هـ) : ( أخبرنا الإمام العلامة شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن الحسن الحنبلي القاضي في جماعة من آخرين مشافهة عن الإمام القاضي سليمان بن حمزة الدمشقي أن محمد بن فتيان البغدادي في كتابه أنا الإمام أبو موسى محمد بن أبي بكر الحافظ أنا أبو سعد محمد بن الهيثم أنا أبو علي الطهراني ثنا أحمد بن موسى ثنا علي بن الحسين بن محمد الكاتب ثنا أحمد بن الحسن الخزاز ثنا أبي ثنا حصين بن مخارق عن زيد بن عطاء بن السائب عن أبيه عن الوليد بن عبادة بن الصامت عن أبيه عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : ( كنا نبور أولادنا بحب علي بن أبي طالب فإذا رأينا أحدهم لا يحب علي بن أبي طالب علمنا أنه ليس منّا وأنه لغير رشده ) .

قوله لِغَيْرِ رِشْدِهِ هو بكسر الراء وإسكان الشين المعجمة أي ولد زنا وهذا مشهور من قبل وإلى اليوم معروف أنه ما يبغض عليا رضي الله عنه إلا ولد زنا ، و عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ولفظه : ( كنا معشر الأنصار نبور أولادنا بحبهم عليا رضي الله عنه فإذا ولد فينا مولود فلم يحبه عرفنا أنه ليس منا . قوله : نبور بالنون والباء الموحدة وبالراء أي نختبر ونمتحن ) .

– 1 – [  أبي بكر بن مردويه الأصفهاني (410 هـ) ، روى بسنده : عن عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أحمد ، قال : سمعت الشافعي يقول : سمعت مالك بن أنس يقول : قال أنس بن مالك : ( ما كنّا نعرف الرجل لغير أبيه إلّا ببغض علي بن أبي طالب ) – ابن الجزري الشافعي شمس الدين محمد بن محمد ، مناقب الأسد الغالب مُمزّق الكتائب ومُظهر العجائب ليث بن غالب أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب ، تحقيق طارق الطنطاوي ، القاهرة ، مكتبة القرآن ، ص 8 ، حديث رقم  11.]

– 2 [  وروى ابن مردويه أيضا : عن أنس – في حديث- قال : ( كان الرجل من بعد يوم خيبر يحمل ولده على عاتقه ، ثمّ يقف علي طريق علي عليه السلام فإذا نظر إليه أومأ بإصبعه : يا بنيّ ، تحب ذلك الرجل ؟ فإن قال : نعم ، قبله . وإن قال : لا ، طرق به الأرض ، وقال له : الحق بأمّك ) . – أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الأصفهاني ، مناقب علي بن أبي طالب وما نزل من القرآن في علي ، تحقيق عبد الرزاق محمد حسين حرز الدين ، الطبعة الثانية ، إيران ، دار الحديث ، سنة الطبع 1424هـ ، ص76 ، رواية رقم 56   .

3 –  قال ابن حجر الهيتمي المكّي (974هـ) : ( أخرج أبو الشيخ والديلمي : قال النبي (ص) : ( من لم يعرف حق عترتي والأنصار والعرب – ص77 ، رواية رقم 58) ]  .

4 – [ فهو لإحدى ثلاث : إمّا منـافق ، وإمّا ولد زانية ، وإمّا امرؤ حملت به أمّه في غير طُهْر ) – أحمد بن حجر الهيتمي المكّي ، الصواعق المحرقة في الرّد على أهل البدع والزندقة ، تركيا ، مطبعة الحقيقة ، سنة الطبع 1424 هـ / 2003 م ، ص 242 ] .

بنو أمية قتلة محاربي النبي وقتلة أهل بيته عليهم السلام إلا ما رحم الله  ليسوا من قريش :

[  كان اميه عبدا لعبد شمس تبناه وجعل له ما لابنائه واليك بعضا من الادله التي تثبت ان اميه ليس من صلب عبد شمس .
 الدليل الاول
يقول ابو القاسم الكوفي في كتابه الاستغاثه ج1ص 76
كان عبد شمس بن عبد مناف أخا هاشم بن عبد مناف قد تبنى عبدا له روميا يقال له أمية فنسبه عبد شمس إلى نفسه
فنسب أمية بن عبد شمس فدرج نسبه كذلك إلى هذه الغاية. فأصل بني أمية من الروم ونسبهم في قريش
  الدليل الثاني
يصرح ابو طالب بان بنو عبد شمس ليسوا من قريش
قال أبو طالب حین تظاھر علیه وعلى رسول االله صلى االله علیه وآله بنو عبد شمس ونوفل
توالى علینا مولیانا كلاھما
إذا سئلا قالا إلى غیرنا الأمر
بلى لھما أمر ولكن تراجماً
كما ارتجمت من رأس ذي القلع الصخر
أخص خصوصاً عبد شمس ونوفلاً
ھما نبذانا مثل ما نبذ الخمر
قدیماً أبوھم كان عبداً لجدنا
بني أمیة شھلاء جاش بھا البحر

فھنا صرّح أبو طالب بان أمیة عبد وامه جاريه قذف بهما البحر إلى الحجاز بواسطة التجارة أو غیرھا ضمن تجارة الرقیق والإماء
وكلمة شھلاء تخص الروم فالشھل زرقة یشاب بھا سواد العین، وھي صفة عرفت بھا العین الرومیة ويقول المقريزي في كتابه النزاع والتخاصم ان اميه ابن جاريه روميه وصلت الى الحجازمع ركب سفينه جنحت الى الشاطئ وقد تبناه عبد شمس

 الدليل الثالث

الرسول (صلى الله عليه وآله) لم يعط بني عبد شمس وبني نوفل من الخمس لانهم ليسوا من ذوي القربى قال الله تعالى  (وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ) سوره الانفال ايه41
حرم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بني عبد شمس وبني نوفل من الخمس لانهم ليسوا من ابناء بني عبد شمس بل من ادعيائهم الذين تبنوهم وتسموا باسماءهم
وفي فتح الباري شرح صحيح البخاري( حديث رقم 2971 ) يقول
(حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن جبير بن مطعم قال :

مشيت أنا وعثمان بن عفان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا يا رسول الله أعطيت بني المطلب وتركتنا ونحن وهم منك بمنزلة واحدة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد قال الليث حدثني يونس وزاد قال جبير ولم يقسم النبي صلى الله عليه وسلم لبني عبد شمس ولا لبني نوفل) علما بان ابناء عبد مناف اربعه هم عبد شمس والمطلب وهاشم ونوفل
وحاشا رسول الله ان يخالف امر الله ويفرق بين الاخوه من ابناء عبد مناف فيعطي اثنين ويحرم اثنين من دون سبب شرعي
ودخل بنو هاشم وبنو المطلب شعب ابي طالب مع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم حين حاصرتهم قريش، مؤمنهم وكافرهم، فالمؤمن دينا والكافر حمية،
من هذا يتبين ان من دخل مع بني هاشم في الشعب هم من تربطهم صله دم كبني المطلب لا من تربطهم صله تبني واستلحاق

 الدليل الرابع

يعلن علي بن ابي طالب (ع) صراحه بانهم ليسوا من بني عبد مناف
لم یكن عثمان ومعاویة ویزید ومروان وعبد الملك بن مروان أبناء عمومة النبي صلى االله علیه وآله واثناء خلاف معاويه مع علي (ع) قال معاويه لعلي في احد كتبه
(انا ابناء عبد مناف واحد)وكان جواب علي (ع) لمعاويه
وَ أَمَّا قَوْلُكَ إِنَّا بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ فَكَذَلِكَ نَحْنُ وَ لَكِنْ لَيْسَ أُمَيَّةُ كَهَاشِمٍ وَ لاَ حَرْبٌ كَعَبْدِ اَلْمُطَّلِبِ وَ لاَ أَبُو سُفْيَانَ كَأَبِي طَالِبٍ وَ لاَ اَلْمُهَاجِرُ كَالطَّلِيقِ وَ لاَ اَلصَّرِيحُ كَاللَّصِيقِ وَ لاَ اَلْمُحِقُّ كَالْمُبْطِلِ وَ لاَ اَلْمُؤْمِنُ كَالْمُدْغِلِ وَ لَبِئْسَ اَلْخَلْفُ خَلْفٌ يَتْبَعُ سَلَفاً هَوَى فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَ فِي أَيْدِينَا بَعْدُ فَضْلُ اَلنُّبُوَّةِ اَلَّتِي أَذْلَلْنَا بِهَا اَلْعَزِيزَ وَ نَعَشْنَا بِهَا اَلذَّلِيلَ وَ لَمَّا أَدْخَلَ اَللَّهُ اَلْعَرَبَ فِي دِينِهِ أَفْوَاجاً وَ أَسْلَمَتْ لَهُ هَذِهِ اَلْأُمَّةُ طَوْعاً وَ كَرْهاً كُنْتُمْ مِمَّنْ دَخَلَ فِي اَلدِّينِ إِمَّا رَغْبَةً وَ إِمَّا رَهْبَةً عَلَى حِينَ فَازَ أَهْلُ اَلسَّبْقِ بِسَبْقِهِمْ وَ ذَهَبَ اَلْمُهَاجِرُونَ اَلْأَوَّلُونَ بِفَضْلِهِمْ فَلاَ تَجْعَلَنَّ لِلشَّيْطَانِ فِيكَ نَصِيباً وَ لاَ عَلَى نَفْسِكَ سَبِيلاً وَ اَلسَّلاَمُ ( نھج البلاغة، الرساله رقم 17)

ويقول ابن ابي الحديد في شرح المهاجر والطليق والصريح واللصيق
المهاجر : الذي ترك وطنه و لحق برسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و الطليق : الأسير اذا أطلق سبيله بعد فتح مكه و الإمام عليه السلام يشير الى فتح مكة ، فقد كان المنتظر ان يقتص الرسول صلى اللَّه عليه و آله منهم ، و لكنه عفى عنهم تكرّما ،و قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء ، و ابو سفيان و معاوية منهم وفي شرح معنى اللصيق والطليق يقول
الصريح.. الصحيح النسب و اللصيق .. الدعي الملصق بغير أبيه ،(كما ورد في كل معاجم اللغه ومنها معجم المعاني الجامع)

ويذهب المقريزي في كتابه النزاع والتخاصم الى نفس هذا المذهب

وفي شرح نهج البلاغه لابن ابي الحديد ج6 ص 146 يقول :

ومن كلام لعلي عليه السلام قاله لمروان بن الحكم بالبصرة أخذ مروان بن الحكم أسيرا يوم الجمل فاستشفع له الحسن والحسين عليهم السلام إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فكلماه فيه فخلى سبيله، فقالا له: يبايعك يا أمير المؤمنين؟

قال عليه السلام :

أولم يبايعني بعد قتل عثمان! لا حاجة لي في بيعته. إنها كف يهودية، لو بايعني بيده لغدر بسبته

 الدليل الخامس

و روى الواقدي أن يزيد بن معاويه فاخر عبد الله بن جعفربن ابي طالب بأبائه بين يدي معاويه بن ابي سفيان

فقال له عبد الله بن جعفربن ابي طالب  :

بأي آبائك تفاخرني أبحرب الذي أجرناه.. أم بأمية الذي ملكناه ..أم بعبد شمس الذي كفلناه
فقال معاوية :

ألحرب بن أمية يقال هذا ! ما كنت أحسب أن أحدا في عصر حرب يزعم أنه أشرف من حرب
فقال عبد الله بن جعفربن ابي طالب بلى أشرف منه من كفأ عليه إناءه و جلله بردائه
وفي شرح تلك الكلمات نقول

(أ بحرب الذي أجرناه) أما معنى قوله

فان قريشا كانت إذا سافرت فصارت على العقبة لم يتجاوزها أحد حتى تجوز
وحدث ان خرج حرب ليلة فلما صار على العقبة لقيه رجل من بني حاجب بن زرارة التميمي فتنحنح حرب بن أمية و قال أنا حرب بن أمية فتنحنح التميمي و قال أنا ابن حاجب بن زرارة ثم جاز العقبة فقال حرب لا والله لا تدخل بعدها مكة و أنا حي
فمكث التميمي حينا لا يدخل و كان متجره بمكة فاستشار بها بمن يستجير من حرب فأشير عليه بعبد المطلب أو بابنه الزبير بن عبد المطلب فركب ناقته و صار إلى مكة ليلا فدخلها و أناخ ناقته بباب الزبير بن عبد المطلب فرغت الناقة فخرج إليه الزبير فقال أمستجير فتجار أم طالب قرى فتقرى فقال:لاقيت حربا بالثنية مقبلا
و الليل أبلج نوره للساري

فعلا بصوت و اكتنى ليروعني
و دعا بدعوة معلن و شعار
فتركته خلفي و جزت أمامه
و كذاك كنت أكون في الأسفار
فمضى يهددني و يمنع مكة
فقال الزبير اذهب إلى المنزل فقد أجرتك فلما أصبح نادى الزبير أخاه الغيداق فخرجا متقلدين سيفيهما و خرج التميمي معهما فقالا له إنا إذا أجرنا رجلا لم نمش أمامه فامش أمامنا ترمقك أبصارنا كي لا تختلس من خلفنا فجعل التميمي يشق مكة حتى دخل المسجد
فلما بصر به حرب قال و إنك لهاهنا و سبق إليه فلطمه و صاح الزبير ثكلتك أمك أتلطمه و قد أجرته فثنى عليه حرب فلطمه ثانية فانتضى الزبير سيفه فحمل على حرب و سعى الزبير خلفه فلم يرجع عنه حتى دخل حرب دار عبد المطلب
فقال له عبد المطلب:ماشأنك ؟
قال : الزبير
قال عبد المطلب : اجلس و كفأ عليه إناء كبير كان هاشم يهشم فيه الثريد و اجتمع الناس و انضم بنو عبد المطلب إلى الزبير و وقفوا على باب أبيهم وسيوفهم بأيديهم فأزر عبد المطلب حربا بإزار كان له و رداه برداء له طرفان و أخرجه إليهم فعلموا أن أباهم قد أجاره فتركوه  ( أم بأمية الذي ملكناه) – والنسائي –  النزاع والتخاصم للمقريزي و شرح نهج البلاغه لابن ابي الحديد 15/234]

و أما معنى قوله كانت لاميه فرسا سريعه لا يلحق بها احد فاراد ان ينتقم من عبد المطلب فالح عليه في السباق وجعل الرهن لمن سبقت فرسه مائة من الإبل و عشرة أعبد و عشر إماء و استعباد سنة و جز الناصية
فسبق فرس عبد المطلب فأخذ الرهان وقسمه في قريش و أراد جز ناصيته فقال أو أفتدي منك باستعباد عشر سنين ففعل فكان أمية في حشم عبد المطلب و عضاريطه عشر سنين
وعليه فان اميه عبدا في اصله واستعبد ثانيه لعبد المطلب عندما خسر الرهان   ( أم بعبد شمس الذي كفلناه ) و أما قوله فإن عبد شمس كان مملقا لا مال له فكان أخوه هاشم يكفله و يمونه إلى أن مات هاشم – شرح نهج البلاغه لابن ابي الحديد ج15, المحسن السبط ص 62 للسيد محمد مهدي الخرسان ]

  الدليل السادس

[ وروى ابن أبي الحدید في شرح النھج ٣/٤٦٦
أن معاویة قال لدغفل النسابة: أرأیت عبد المطلب؟ قال: نعم، قال: كیف رأیته ؟قال: رأیته رجلاً نبیلاً وضیئ كأن على وجهه نور النبوه
قال معاویة: أفرأیت أمیة ؟

قال: نعم،
قال: كیف رأیته؟
قال: رأیته رجلاً ضئیلاً منحنیاً أعمى یقوده عبده ذكوان
فقال معاویة: ذلك ابنه أبو عمرو(ذكوان)
قال دغفل: أنتم تقولون ذلك أما قریش فلم تكن تعرف إلا أنه عبده وأن أمية كان عقيماً وان اولاده من عبده الرومي ذكوان-  جواهر التاريخ ج2 ص82]

وهذا دليل اضافي على ان ذكوان عبد اميه ايضا فاميه عبد وذكوان عبد

الدليل السابع

[ الرسول (ص) يصرح بان ذكوان يهودي من اهل صفوريه
ولما كان أبو عمرو ( ذكوان ) لیس بابن اميه فقد تنازل أمیة عن زوجته له وزوّجه إیاھا في حیاته – النزاع والتخاصم ٢٢ ،شرح النھج ٣ / ٤٥٦ ] .

وقال النبي صلى االله علیه وآله لعقبة بن أبي معیط ( إنما أنت یھودي من أھل صفوریة)  – السیرة الحلبیة ، الحلبيه الشافعي ٢ /١٨٦ ،وكان ذكوان ( أبو عمرو) یھودیاً من الشام. إذ قال عقیل بن أبي طالب للولید بن عقبة بن أبي معیط بن ذكوان : كأنك لا تدري من أنت، وأنت علج من أھل صفوریة – وھي قریة من أعمال الأردن من بلاد طبریة، كان أبوه ذكوان یھودیاً منھا  –    مروج الذھب، المسعودي 1/ 336
وقال النبي صلى االله علیه وآله لعقبة بن أبي معیط : إنما أنت یھودي من أھل صفوریة
– السیرة الحلبیة ، الحلبي الشافعي ٢ /١٨٦ ]

 الدليل الثامن

[ إن أشرف خصال قريش في الجاهلية اللواء و الندوة و السقاية و الرفادة و زمزم و الحجابة و هذه الخصال مقسومة في الجاهلية لبني هاشم و عبد الدار و عبد العزى من دون بني عبد شمس اما في الإسلام فصارت إلى بني هاشم لأن النبي ( ص ) لما ملك مكة صار مفتاح الكعبة بيده فدفعه إلى عثمان بن طلحة فالشرف راجع إلى من ملك المفتاح لا إلى من دفع إليه و كذلك اللواء ولم يكن لبني عبد شمس شرف لا في الجاهليه ولا في الاسلام لان بني اميه من سلاله عبد وليسوا من قريش فقد حجب عنهم بنو هاشم شرف الاشتراك باداره الكعبه وشؤون مكه

الدليل التاسع

حين نزلت الايه الكريمه (وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ اَلْأَقْرَبِينَ) لم يدع النبي( ص) أحدا من بني عبد شمس وبني اميه و كانت عشيرته الأقربون بني هاشم و بني المطلب
وورد في تفسير الجلالين للايه الكريمه { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ } هم بنو هاشم وبنو المطلب (وقد أنذرهم جهاراً) رواه البخاري ومسلم .

وكما مر بنا فان ابناء عبد مناف اربعه هاشم والمطلب ونوفل وعبد شمس ولما حوصر الرسول (ص) في شعب ابي طالب لم يدخل معه الا بنو هاشم وبنو المطلب اما بنو عبد شمس وبنو نوفل فكانوا من جمله من حاصر محمد (ص) في الشعب
وهذا دليل اخر على ان بنو عبد شمس ( بنو اميه) لم يشعروا بقربهم من محمد (ص) لعدم وجود رابطه دم بينهم وان جدهم اميه كان عبدا لعبد شمس تبناه والحقه به  – شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد المعتزلي ج15] .

جذور بغض آل أمية لأهل بيت النبي عليهم السلام : [ وصنع أمية في الجاهلية شيئاً لم يصنعه أحد من العرب ، زوج ابنه أبا عمرو امرأته في حياته منه ، فأولدها أبا معيط بن أبي عمرو بن أمية. والمقيتون في الاسلام هم الّذين نكحوا نساء آبائهم بعد موتهم ، فأمّا أن يتزوجها في حياة الابّ ويبني عليها وهو يراه ، فإنّه شي‌ء لم يكن قط  – شرح نهج البلاغة تحقيق محمد أبو الفضل ط. مصر 15 /  207  ] .

ولذلك رفض الإمام الحسين بيعة يزيد حينما قال عليه السلام : ” لا يحكم فينا الدعي ابن الدعي”

[روي أنّه لم يبقَ مع الإمام الحسين (عليه السلام)  يوم عاشوراء إلاَّ أهل بيته وخاصَّته.
فتقدّم علي الأكبر (عليه السلام)، وكان على فرس له يدعى الجناح، فاستأذن أبَاه (عليه السلام) في القتال فأذن له، ثُمَّ نظر إليه نظرة آيِسٍ مِنه، وأرخَى عينيه، فَبَكى ثمّ قال: (اللَّهُمَّ كُنْ أنتَ الشهيد عَليهم، فَقد بَرَز إليهم غُلامٌ أشبهُ النَّاس خَلقاً وخُلقاً ومَنطِقاً برسولك).

فشَدَّ علي الأكبر (عليه السلام) عليهم وهو يقول :

أنَا عَليّ بن الحسين بن علي* نحن وبيت الله أولَى بِالنَّبي

تالله لا يَحكُمُ فينا ابنُ الدَّعي* أضرِبُ بالسَّيفِ أحامِي عَن أبي

*ضَربَ غُلام هَاشِميٍّ عَلوي  ثمّ يرجع إلى أبيه فيقول: (يا أباه العطش)!!. … – مقاتل الطالبيين ص 76 ] .

[ حضر أبو مريم السلولي فقال له معاوية: بم تشهد يا أبا مريم؟ فقال: أنا أشهد أن أبا سفيان حضر عندي وطلب مني بغيا فقلت له: ليس عندي إلا سمية. فقال: ائتني بها على قذرها ووضرها. فأتيته بها فخلا معها ثم خرجت من عنده وإن اسكتيها ليقطران منيا. فقال له زياد: مهلا أبا مريم إنما بعثت شاهدا ولم تبعث شاتما. فاستلحقه معاوية  – تاريخ اليعقوبي ٢: ١٩٤، مروج الذهب 2: 56، تاريخ ابن عساكر 5: 409، كامل ابن الأثير 3: 192، شرح ابن أبي الحديد 4: 70، الإتحاف للشبراوي ص 22 ] .

وفي العقد الفريد 3: 3: [  يقال : إن أبا سفيان خرج يوما وهو ثمل إلى تلك الرايات فقال لصاحبة الراية : هل عندك من بغي؟ فقالت ما عندي إلا سمية قال: هاتها على نتن إبطيها. فوقع بها فولدت له زيادا على فراش عبيد.

فوجد زياد نفسه بعد حسبه الواطئ ونسبه الوضيع ، بعد أن كان لا يعزى إلى أب معلوم عمرا طويلا يقرب من خمسين عاما فيقال له: زياد بن أبيه. أخا ملك الوقت وابن من يزعم أنه من شرفاء بيئته، وقد تسنى له الحصول على مكانة رابية فأعرق نزعا في جلب مرضاة معاوية المحابي له بتلك المرتبة التي بمثلها حابت هند ابنها المردد بين خمسة رجال أو ستة من بغايا الجاهلية، لكن آكلة الأكباد ألحقت معاوية بأبي سفيان لدلالة السحنة والشبه، فطفق زياد يلغ في دماء الشيعة ولمعاوية من ورائه تصدية ومكاء، وإن غلواء الرجل المحابي أعمته عن استقباح نسبة الزنا لأبيه يوم استحسن أن يكون له أخ مثل زياد شديد في بأسه، يأتمر أوامره، وينتهي إلى ما يوده من بوائق وموبقات، و لم يكترث لحكم الشريعة بحرمة مثل ذلك الالحاق واستعظامها إياه، ولا يصيخ إلى قول النبي الصادق صلى الله عليه وآله، ]

[قال يونس بن أبي عبيد الثقفي لمعاوية: يا معاوية! قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الولد للفراش وللعاهر الحجر. فعكست ذلك وخالفت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أعد. فأعاد يونس مقاله هذا، فقال معاوية: يا يونس! والله لتنتهين أو لأطيرن بك طيرا بطيأ وقوعها –  الإتحاف للشبراوي ص ٢٢. ]

أنظر إلى إيمان الرجل بنبيه صلى الله عليه وآله، وإخباته إلى حديثه بعد استعادته، وعنايته بقبوله ورعايته حرمته، والحكم في هذه الشنيعة كل ذي مسكة من علماء الأمة وذوي حنكتها ومؤلفيها وكتابها.
قال سعيد بن المسيب: أول  قضية ردت من قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم علانية قضاء فلان، يعني: معاوية في زياد.
وقال ابن يحيي: أول حكم رد من أحكام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحكم في زياد.
وقال ابن بعجة: أول داء دخل على العرب قتل الحسن ” سبط النبي صلى الله وعليه وآله وسلم ” و ادعاء زياد. – (٣) تاريخ ابن عساكر ٥: ٤١٢، تاريخ الخلفاء، للسيوطي ص ١٣١، أوائل السيوطي ص ٥١ ]   وقال الحسن: أربع خصال كن في معاوية لو لم يكن فيه منهن إلا واحدة لكانت موبقة: انتزاؤه على هذه الأمة بالسفهاء حتى ابتزها أمرها بغير مشورة منهم، وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضيلة. واستخلافه ابنه بعده سكيرا خميرا يلبس الحرير ويضرب بالطنابير. وادعائه زيادا وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: الولد للفراش وللعاهر الحجر. – الغدير – الشيخ الأميني – ج ١٠ – الصفحة 224- ٢٢٥ ] .

أنواع نكاح الجاهلية وأثره العداوة للنبي ثم أهل بيته عليهم السلام من بعده :

 

كان في الجاهلية سبعة أنواع من النكاح متعارف فقد روى البخاري أربعة منها عن عائشة أنّها قالت : انّ النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء فنكاح منها :

 

1 ـ نكاح الناس اليوم يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته فيصدقها ثم ينكحها.

 

2 ـ ونكاح آخر كان الرجل يقول لامرأته ، اذا طهرت من طمثها أرسلي إلى فلان ، فاستبضعي منه ، ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبداً ، حتى يتبيّن حملها من ذلك الرجل الّذي تستبضع منه ، فاذا تبيّن حملها ، أصابها زوجها إذا أحب.

 

وانّما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد. فكان هذا النكاح : نكاح الاستبضاع .

3 ـ ونكاح آخر يجتمع الرهط ما دون العشرة ، فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها ، فاذا حملت ووضعت ومر عليها ليالي بعد أن تضع حملها ارسلت اليهم ، فلم يستطع رجل منهم ان يمتنع ، حتى يجتمعوا عندها تقول لهم : قد عرفتم الّذي كان من أمركم وقد ولدت فهو ابنك يا فلان! تسمي من أحبت باسمه ، فيلحق به ولدها لا يستطيع ان يمتنع منه الرجل.

4 ـ والنكاح الرابع يجتمع الناس الكثير ، فيدخلون على المرأة لا تمتنع ممن جاءها وهنّ البغايا كنّ ينصبن على أبوابهنّ رايات تكون علماً فمن أرادهن دخل عليهن ، فاذا حملت احداهن ووضعت جمعوا لها ودعوا لهم القافة ، ثم الحقوا ولدها بالذي يرون ، فالتاط به ودعي ابنه لا يمتنع من ذلك فلما بعث محمد (صلى الله عليه واله وسلم) بالحق هدم نكاح الجاهلية كله إلاّ نكاح الناس اليوم  – البخاري 3 / 165 كتاب النكاح باب من قال لا نكاح إلاّ بوليّ ] .

ومن أمثلة النكاح الثالث :

[ نكاح النابغة أم عمرو بن العاص كما رواه الزمخشري وغيره واللفظ للزمخشري في كتاب ((ربيع الابرار)) قال  :كانت النابغة أم عمرو بن العاص أمَة لرجل من عنزة ، فَسُبيت ، فاشتراها عبد اللّه بن جُدعان التيمي بمكّة ، فكانت بغياً ثم اعتقها فوقع عليها أبو لهب بن عبد المطلب وأمية بن خلف الجمحي ، وهشام بن المغيرة المخزومي وأبو سفيان ابن حرب ، والعاص بن وائل السهمي ، في طهر واحد ، فولدت عمراً ، فادعاه كلهم ، فحكمت امّه فيه ، فقالت : هو من العاص بن وائل ، وذاك لانّ العاص بن وائل كان ينفق عليها كثيراً.

قالوا : وكان أشبه بأبي سفيان وفي ذلك يقول : أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب في عمرو بن العاص.

أبوك أبو سفيان لا شك قد بدت                      لنا فيك منه بينات الشمائل  – ابن أبي الحديد 6 / 283 ، 291 وراجع ج 2 / 125 منه وأوردها الزبير بن بكار في كتاب المفاخرات كما روى عنه ابن أبي الحديد في شرح الخطبة 82 ومن كلام له في ذكر عمرو ابن العاص ط. مصر الاولى 1 / 99]  .

ومن امثلة النكاح الرابع ما رواه ابن حجر في فتح الباري وقال : (هنّ بغايا كنّ في الجاهلية معلومات لهنّ رايات يعرفن بها(

وقال :

وقد ساق ابن الكلبي في كتاب المثالب اسامي صواحب الرايات في الجاهلية فسمّى منهن أكثر من عشر نسوة مشهورات تركت ذكرهن اختياراً.

وذكر قبله اسم واحدة منهنّ  – فتح الباري 11 / 90 في باب لا نكاح إلا بولي من كتاب النكاح ] .

وفي العقد الفريد ما موجزه.

[ كانت سمية أمّ زياد أمة للحارث بن كلدة وزوجها عبيداً عبداً لابنته ، فولدت على فراشه زياداً. وكانت البغايا في الجاهلية لهن رايات يعرفن بها ، وينتحيها الفتيان وكان أكثر الناس ، يُكرِهون اماءهم على البغاء والخروج إلى تلك الرايات يبتغون عرض الحياة الدنيا وان أبا سفيان خرج يوما وهو ثمل إلى تلك الرايات ، فوقع بسمية فولدت له زياداً على فراش عبيد  – العقد الفريد 5 / 4 ـ 5 في ذكر أخبار زياد ] .

5 ـ نكاح الشغار :

من انكحتهم نكاح الشغار : قال ابن الاثير في نهاية اللغة :

[ وهو نكاح معروف في الجاهلية كان يقول الرجل للرجل شاغرني أي زوجني أختك أو ابنتك أو من تلي أمرها ، حتى أُزوجك اختي أو بنتي أو من إليَّ أمرها ولا يكون بينهما مهر ، ويكون بضع كل واحدة منهما في مقابلة بضع الاخرى وقيل له شغار لارتفاع المهر بينهما من شغر الكلب إذا رفع احدى رجليه ليبول  – مادة (شغر) من نهاية اللغة لابن الاثير 2 / 226 وقد لخص ما اورده هنا من الروايات في باب الشغار من كتاب النكاح في صحيح البخاري (3 / 163) وصحيح مسلم ص 1034 ـ 1035 الاحاديث 57 ـ 62 وسنن ابي داود (2 / 227) الحديث 2074 و 2075 وسنن ابن ماجة 1 / 606 الحديث (1883 ـ 1885) وسنن النسائي 6 / 110 ـ 112 وسنن الدارمي 2 / 136 ومسند أحمد (2 / 7 ، 19 ، 25 ، 62 ، 91 ، 215 ، 216 ، 286 ، 439 ، 496) ، (3 / 321 ، 339 ، 4 / 429 ، 439 ، 441 ، 443) ، ومن مادة شغر في معاجم اللغة ] .

6 ـ نكاح المقت :

نكاح المقت قال ابن الاثير في مادة (مقت) من نهاية اللغة والمقت ان يتزوج الرجل امرأة أبيه إذا طلقها أو مات عنها ، وكان يفعل ذلك في الجاهلية وحرّمه الاسلام ، ومثاله ما رواه ابن اسحاق في سيرته وقال :

[ وكان عمرو بن نفيل قد خلف على أم الخطاب بعد ـ أبيه ـ فولدت له زيد ابن عمرو وكان الخطاب عمّه وأخاه لامّه)  – سيرة ابن اسحاق ط. المغرب ص 97 سنة 1396 هـ ]

ومثال آخر منه ما نقله ابن أبي الحديد في شرح النهج وقال :[  وصنع أمية في الجاهلية شيئاً لم يصنعه أحد من العرب ، زوج ابنه أبا عمرو امرأته في حياته منه ، فأولدها أبا معيط بن أبي عمرو بن أمية. والمقيتون في الاسلام هم الّذين نكحوا نساء آبائهم بعد موتهم ، فأمّا أن يتزوجها في حياة الابّ ويبني عليها وهو يراه ، فإنّه شي‌ء لم يكن قط)  – شرح نهج البلاغة تحقيق محمد أبو الفضل ط. مصر 15 / 207 [ .

ولم يقتصر النكاح بالإرث على نكاح الولد زوجة أبيه بعد موته بل يعمّ وارثي المتوفي كما رواه الطبري وغيره في تفسير قوله تعالى {لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ} [النساء : 19] وقالوا :

كان الرجل في الجاهلية يموت أبوه أو أخوه أو ابنه ، فاذا مات وترك امرأته ألقى الرجل عليها ثوبه ، فورث نكاحها ، وكان أحقّ بها ، وكان ذلك عندهم نكاحاً فان شاء أمسكها ، حتى تفتدي منه.

وقال : كان إذا توفى الرجل كان ابنه الاكبر هو أحقّ بامرأته ينكحها إذا شاء إذا لم يكن ابنها أو ينكحها من شاء أخاه أو ابن أخيه.

وقال : وإن كان صغيراً حُبِسَت عليه حتى يكبر فان شاء أصابها ، وإن شاء فارقها.

وقال : كان الرجل إذا مات أبوه أو حميمه ، فهو أحقّ بامرأته إن شاء أمسكها أو يجلسها ، حتى تفتدي منه بصداقها أو تموت فيذهب بمالها    – تفسير الطبري 4 / 208 ـ 209].

 

7 ـ نكاح البدل :

[ وهو أن يقول الرجل للرجل : إنزل عن امرأتك وأنزل لك عن امرأتي ، وكان من هذا القبيل خبر عيينة بن حصن شيخ قبيلة بني فزارة عندما دخل على رسول اللّه (صلى الله عليه واله و سلم) بغير إذن ، فقال له رسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم) وأين الاذن.

فقال ما استأذنت على أحد من مضر وكانت عنده عائشة(رض) قبل ان ينزل الحجاب فقال : من هذه؟

قال : هذه عائشة.

قال : أفلا انزل لك عن أم البنين ـ زوجة عيينة ـ فتنكحها.

فغضبت عائشة وقالت : من هذا؟

ففال رسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم) : هذا أحمق مطاع يعني في قومه – راجع عمدة القارئ 20 / 122 كتاب النكاح الحديث (60) وترجمة عيينة في الاستيعاب واسد الغابة والاصابة ] .

 ومن هؤلاء هنا من قال تعالى فيهم { عتل بعد ذلك زنيم }

 

ثم يقول تعالى في صفة أخرى لهم تبين كثرتهم :

(14) أن كان ذا مال وبنين (14)

وهنا :

(أن )

وهنا ورد لفظ أن في قوله تعالى { ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت – النحل 36 } وفي قوله تعالى { إن الحكم إلا لله أمر أن لا تعبدوا إلا إياه – يوسف 12 } وهنا كفرهؤلاء بهذا الدين استهزاءاً برسول الله كما في قوله تعالى {  وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جائهم الهدى إلا أن قالوا  أبعث الله بشراً رسولا – الإسراء 94} ولذلك قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله هنا لا تطع هؤلاء الذين قالوا أساطير الأولين قال تعالى :  { فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ – القلم 8- 15 } .

وأما :

( أن كان) :

أي أنه يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله لا تطع هؤلاء لأنهم كانوا يكفرون بآيات الله في قوله تعالى { ذلك بأنهم  كانوا يكفرون بآيات الله – آل عمران 112 } .

والآية هنا تبين صفة لهم وهى كثرة المال والأولاد وهذا جعلهم مسرورين في الدنيا مغترين بها لورود هذا اللفظ في قوله تعالى {إنه كان في أهله مسرورا– الإنشقاق 13} .

والمال والبنون نعمتان جعلتهم مسرورين وفي نفس الوقت ورثت فيهم الشح والبخل فلا ينفقونها إلا على شهواتهم وفيما يغضب الله تعالى لقوله تعالى { مناع للخير معتد أثيم عتل بعد ذلك زنيم أن كان ذا مال وبنين – القلم 12 -14 } . وأما :

(ذا)

وهذا اللفظ يبين الله تعالى من خلاله أن من ينفق في سبيل الله ويخرج حق الله تعالى في المال لأصحاب النصاب لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا – الاسراء 26} وهذا الإنفاق من الأعمال الصالحة التي اعتبرها الله تبارك وتعالى  كأنها قرضاً  سيضاعفه الله تعالى لفاعله أضعافاً كثيرة كما في قوله تعالى : { مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ۚ وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ – البقرة245} ولكن هنا يبين تعالى حال الكافرين بكتابه الكريم أنهم سيمنعون هذا الخير لعموم المسلمين والناس كما في قوله تعالى { مناع للخير معتد أثيم عتل بعد ذلك زنيم أن كان ذا مال وبنين – القلم 12 -14 } .

ولذلك قال تعالى لرسوله بأن يصبر على أفعال هؤلاء المجرمين المكذبين بآيات الله تعالى لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا وَجَحِيمًا وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا – المزمل 10-13 } . وذلك لأنهم أصحاب مال وبنين ولكنهم يمنعون الماعون عن الفقراء كفراً بآيات الله تعالى .

وأما  :

(مال وبنين)

وهنا يبين تعالى أن المال والبنون زينة الحياة الدنيا قال تعالى {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا – الكهف 46} . وهؤلاء لما تولوا أمور المسلمين وقتلوا أهل بيت النبي عليهم السلام بعدما قال تعالى {  وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ- آل عمران 144 } .

هنا استضعفوا أهل بيت النبي بكثرتهم وأموالهم حتى قال قائل منهم دعوا محمدا فهو أبتر لا عقب له فأنزل الله تبارك وتعالى { إنا أعطيناك الكوثر فصلي لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر – الكوثر } وبالفعل محى الله ذكرهم وقلل من نسلهم وذريتهم وأصبحت ذرية السيدة فاطمة الزهراء والإمام على عليهما السلام  تملئ الآفاق بحول الله وقوته ووعده ووعيده الذي توعد به هؤلاء المجرمين : { أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ ۚ بَل لَّا يَشْعُرُونَ – المؤمنون 55-56 } .

وهنا يبين تعالى أن هؤلاء المجرمين من ذرية سلفهم الذين أسلفناهم في بيان قوله تعالى { عتل بعد ذلك زنيم} وأنهم من ذرية أصحاب الأنكحة الجاهلية الفاسدة قال تعالى لذلك هنا في آبائهم { عتل بعد ذلك زنيم أن كان ذا مال وبنين – القلم } .

ثم يقول تعالى :

(15) إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين (15)

وهنا :

(إذا تتلى عليه آياتنا قال)

وهنا يبين الله تبارك وتعالى أنواع الكفار وحججهم التي قالوها رداً على رسول الله صلى الله عليه وآله فمنهم من قال هنا

أولاً :

(أساطير الأولين )

ثانياً :

ومنهم من قال أنه سحر يريد به رسول الله صلى الله عيه وآله أن يصدهم عن تقليد آبائهم في قوله تعالى { وإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَٰذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَٰذَا إِلَّا إِفْكٌ مُّفْتَرًى ۚ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ – سبأ 43 } .

ثالثاً :

منهم من طلب إحياء ىبائهم ليكي يؤمنوا بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله كما في قوله عز وجل { وإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ – الجاثية 25 } .

رابعاً :

منهم من قال ائت بقرىن غير هذا أو بدله { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ ۙ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَٰذَا أَوْ بَدِّلْهُ ۚ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ۖ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ – يونس 15 } .

خامساً :

كل هؤلاء المجرمين من كفار ومنافقين يسمع آيات الله وكأنه لم يسمعها فلا يعير لها بالاً قال تعالى : { وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا ۖ فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ مِّن وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ ۖ وَلَا يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ  – الجاثية 7-10} . وهؤلاء سيدخلون جهنم لاعتقادهم بأنه أساطير الأولين ويلحق بهم من سمع آيات الله تعالى فلم يؤمن ويعمل بها  كما أخبرنا الله تعالى الويل لهم .

وأما :

( أساطير الأولين )

[ وأساطير باب سطر والأساطير : جمع إسطار وإسطارة وإسطير وأسطورة وهى الأحاديث التي لا نظام لها أو الأباطيل أو هى جمع أسطر فهى جمع الجمع وهى ماسطرة الأولون ] لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهى تملى عليه بكرة واصيلا – الفرقان 5 } والأساطير قد تكون خرافات وكذب وأباطيل لذلك قالوا : { لَقَدْ وُعِدْنَا هَٰذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِن قَبْلُ إِنْ هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُالأولين  – النمل 68 } .

ثم يقول تعالى :

(16) سنسمه على الخرطوم (16)

وهنا :

(سنسمه)

و [ سنسمه : وسمه يسمه وسماً وسمة جعل له علامة يعرف بها وكان العرب يسمون مواشيهم بالكي أو قطع جزء من الجسم – معجم الفاظ القرآن باب الواو فصل السين والميم ]  قال تعالى { سنسمه على الخرطوم – القلم 16 } . وعن هذه الوسمة أو السمة [  قيل قد أصاب الوليد ابن المغيرة جراحة يوم بدر في أنفه فبقى أثرها –  أنوار التنزيل للبيضاوي ج2 ص 495 وكنز الدقائق للقمي المشهدي ج 13 ص 384 ] .

و [ توسمه توسما : تعرفه وتوسمه : تعرفه وتفرس فيه وتطلب سمته وعلامته والمتوسمين في الدين : المتعرفون حقائقة المتبصرون الذين يتثبتون في نظرهم حتى يصلوا إلى الحق – معجم الفاظ القرآن باب الواو فصل السين والميم ] . قال تعالى { إن في ذلك لآيات للمتوسمين – الحجر 75 } .

وفي الآخرة يعرف المجرمون بسماتهم كما في قوله تعالى { يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام  –  } [ وسوم الشيئ تسويماً جعل عليه علامة والسيمي : العلامة يعرف بها حال الإنسان في الخير والشرصلها السومي و قلبت الواو ياء – معجم الفاط القرآن باب السين فصل الواو والميم ]  قال تعالى { تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا- البقرة 273} .

وبالتالي هذا المجرم في الدنيا سيكون له علامة في انفه أوخرطومه أو وجهه يعرف بها في الدنيا كما في الآية هنا { سنسمه على الخرطوم } .

وهكذا كل من كفر بالله سيعرف بسمته في الدنيا والآخرة كما أن المتقين لهم علامات يعرفون بها في الدنيا والآخرة .

وأما :

(على)

ورد لفظ على في قوله تعالى

{إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ – الحاقة:33-34}

{أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ وَلا يَحُضُّ على طَعَامِ الْمِسْكِينِ –    وقوله تعالى   {وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ – الفجر 18}   أي أن هذا الذي سيسمه الله تعالى على خرطومه من المكذبين بالدين الذين لايؤمنون بالله العظيم قال تعالى هنا { سنسمه على الخرطوم }  .

وأما :

(الخرطوم)  

وهذا اللفظ مما لم يأت له مرادف يبينه في كتاب الله تعالى و[ الخرطوم : الأنف – أي سنجعل له علامة على أنفه الذي هو أظهر مافي وجهه وذلك كناية عنعاريلزمه – معجم ألفاظ القرآن باب الخاء فصل الراء والطاء والميم ] قال تعالى هنا { سنسمه على الخرطوم }

ثم يقول تعالى :

(17) إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17)

وهنا :

(إنا بلوناهم كما بلونا)

[ وبلوت فلاناً وأبليته وابتليته : امتحنته واختبرته  – معجم الفاظ القرآن باب الباء فصل اللام والواو] قال تعالى { وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا ۖ مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَٰلِكَ ۖ وَبَلَوْنَاهُم بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ – الأعراف 168} والإبتلاء كإمتحان واضح معناه في قوله تعالى { ابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ۖ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُوا ۚ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ ۖ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا – النساء 6 } وابتلاء هؤلاء هنا كان بازدهار زراعاتهم وازدياد نتاج جنتهم فأهلكها الله تعالى لما منعوا حق الله في هذه الزراعات قال تعالى { إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَلَا يَسْتَثْنُونَ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ أَنِ اغْدُوا عَلَىٰ حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ  فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ أَن لَّا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ وَغَدَوْا عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ  قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ – القلم 17-31 }. وهنا يبين تعالى أن هلاك مزروعاتهم كان بمنع حق الله تعالى فيها .

وأما :

(كما)

{وحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُّرِيبٍ  – سبأ 54 }

أي كما فعل الله تبارك وتعالى بالأمم الظالمة من قبل سيفعل بهؤلاء وكما نجى الرسل والمؤمنين من قبل سينجي رسوله صلى الله عليه وآله وينصره والمؤمنين على هؤلاء الظالمين وما نزل انتقامه تعالى عليهم إلا بعد ان ابتلاهم  كما قال تعالى في هؤلاء  هنا .{ إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين – القلم } .

وأما :

(أصحاب الجنة)

وهنا أصحاب الجنة ليسوا أصحاب الجنة في الآخرة بل يذكر الله تعالى مثالاً عن أناس يمتلكون حدائق وزراعات منتجة للثماروالفاكهة والمرزوعات يطلق عليها القرآن الكريم جنة  في هذه القصة المذكورة بسورة الكهف قال تعالى :

{ وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئًا ۚ وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا  وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا  وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَٰذِهِ أَبَدًا  وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا  قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا  لَّٰكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا  وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ۚ إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا  فَعَسَىٰ رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا  أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَىٰ مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا  – الكهف 32 -43 }

وكما ضرب الله تعالى هؤلاء مثلاً كذلك ابتلى هذا العتل الزنيم بالأموال والأولاد  والجنان قال تعالى { إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين القلم 17} .

وأما :

(إذ أقسموا)

واقسم بمعنى حلف – معجم الفاظ القرآن باب القاف فصل السين والميم ] قال تعالى فيما قالوه وأقسم عليه هؤلاء المجرمين { وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ ۙ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَن يَمُوتُ ۚ بَلَىٰ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ – النحل 38 } ومن ذرية هؤلاء من أسلم كرها بعد فتح مكة وقال لهم النبي صلىالله عليه وآله “اذهبوا فأنتم الطلقاء” ومن هؤلاء من كان يلجأ للقسم بأنه مؤمن قال تعالى { وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا ۚ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ ۖ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ – المائدة 109}

ولورود لفظ القسم على أول من كفر بالله تعالى وهو إبليس في قوله تعالى { وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين – الاعراف 53} تبين أن هذا العتل الزنيم كان قائداً مطاعاً في قومه يأمرهم وينصحهم بما وافق هواه ويقتدون به كمستشاراً أو زعيما وورثه ذرية من الطلقاء كانوا يقدمون الحلف الكاذب للتغطية على كفرهم بالله تعالى وحقدهم على أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله كما في قوله تعالى : { وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ ۖ قُل لَّا تُقْسِمُوا ۖ طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ – النور 53 } .

وأما :

(ليصرمنها)

[ وصرم : جذ أو قطع النخل وغيره – معجم الفاظ القرآن باب الصاد فصل الراء والميم ] .  قال تعالى { أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين – القلم 22} أي أنهم عقدوا العزم وأقسموا على الحصاد والجذ في الصباح لقوله تعالى هنا { إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين } .

وأما :

(مصبحين)

أي في بكرة الصباح الباكر قال تعالى { ولقد صبحهم عذاب مستقر – القمر38 } وقال تعالى أيضاً { وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَٰلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَٰؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ – الحجر 66 } اي أن المعنى انهم عقدوا العزم على الحصاد في الصباح الباكر قال تعالى هنا { إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين – القلم 17 }

ثم يقول تعالى :

(18) ولا يستثنون (18)

وهنا :

(ولا)

ترد اللا النافية في قوله تعالى { كَلَّا ۖ بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ  – الفجر 17-18 } أي أن هؤلاء لا يستثنون هؤلاء الفقراء واليتامى والمساكين كما في قوله تعالى هنا { ولا يستثنون – القلم 18}

وأما :

(يستثنون)

[ واسثنيت الشيئ من الشيئ حاشيته كأنك صرفت الكلام عن تناوله ورددته عنه – معجم ألفاظ القرآن باب الثاء فصل النون والياء ] . قال تعالى { إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون – القلم } أي لا يستثنون حق المساكين مما اعتزموه من صرمها وقطعها ] وهو حق لله تعالى افترضه عز وجل لأصحاب النصاب لذلك قال تعالى هنا { ولا يستثنون } أي لا يستثنون حق الله في مزروعاتهم وجناتهم للفقراء والمساكين .

ثم يقول تعالى :

(19) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19)

وهنا :

 ( فطاف عليها طائف )

[ وطاف حول الشيئ يطوف طوفاً بالسكون وطوفانا بالتحريك كما يقا لطاف بالبيت طوافاً .. وطاف  دار حوله فالثور الذي يدور حوله البقر في الدياسة أي درس الحصيد – معجم ألفاظ القرآن باب الطاء فصل الواو والفاء ] قال تعالى { وليطوفوا بالبيت العتيق – الحج 29 }  أي يدوروا حوله [ والطائف : ما ألم بالإنسان ] قال تعالى { إن الذين آمنوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون – الأعراف 201 } والطوفان كل ما كان كثيراً محيطاً مطيفاً بالجماعة كلها من ماء وغيره كالقتل الذريع والموت الجارف فهو طوفان قال تعالى { فأرسلنا عليهم الطوفان  والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات } والطائفة كأنها تطيف بالواحد فكل جماعة يمكن أن تحف بشيئ فهى طائفة– معجم ألفاظ القرآن باب الطاء فصل الواو والفاء ] . وبالتالي طاف بهم طائف نزل بزراعاتهم هلاكاً لعدم إيمانهم بالله تبارك وتعالى وإخراج حقه تعالى في المال والذي حدده لأصحاب النصاب من فقراء ومساكين ويتامى ومعوزين قال تعالى { فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصريم –  القلم 17 } .

ولوجود بلد بالحجاز تحت هذا الإسم وهو “الطائف” قد تكون تسمية مميزة لهم وذلك لضمها جنان ومزارع لمستكبرين قرشيين فيها خاصة بعد ضربهم  لرسول الله صلى الله عليه وآله بالحجارة حتى أدموا قدماه الشريفة في بداية الدعوة المكية .

وأما  :

 

(عليها)  

ورد لفظ عليها في قوله تعالى {  وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ  تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ  أُولَٰئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ  – عبس 40 -42 } وهنا يتبين لنا أن هؤلاء منهم الذين منعوا حق الل تعالى في المال فدمر جنانهم وزراعاتهم كما في الآية هنا { فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصريم –  القلم 17 } .

 

وأما  :

 

(وهم نائمون)

 

وهنا يبين تعالى أن هذا العذاب نزل بهم وهم نائمون لقوله تعالى { وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ – الروم 23 } وهنا النوم كان ليلاً فإصبحوا ليجدوا جنانهم قد دمرها الله تعالى لهم  وهم نائمون قال تعالى { فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصريم –  القلم 17 } .

ويقول تعالى للظالمين أنهم لو آمنوا بالله تعالى لبارك لهم في معايشهم وممتلكاتهم وذرياتهم وينذرهم في نفس الوقت هل سيأمنون نزول عذابه تعالى  بالليل أوالنار إن كفروا به قال تعالى { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ  أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ  أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ – الأعراف 96-98  } .

 

وأما :

 

(فأصبحت)

 

ولفظ أصبح ورد في قوله تعالى { فَعَسَىٰ رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا   وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَىٰ مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا  وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا  – الكهف 40-43  } [ والحسبان جمع حسبانة وهى الصواعق ] وكما حدث هنا مع اصحاب الجنة في سورة الكهف حدث مع الذين منعوا حق الله تعالى في زراعاتهم فطاف عليها طائف بالليل وهم نائمون فدمرها كما في قوله تعالى هنا   { فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصريم –  القلم 17 } .

 

وأما :

 

(كالصريم )

 

[ والصريم : الصرم : القطع مادياً كجذ  ومن معناه الأرض السوداء لا تنبت شيئاً والصارم العازم على الفعل وبالمعنيين يمكن تفسيرها في استعمال القرآن والصريم فعيل منه بمعنى مصروم ومجذوذ والصريم الليل المسود وبكل هذه المعاني يمكن تفسير الصريم في استعمال القرآن في قوله تعالى { إذ اقسموا ليصرمنها مصبحين – القلمم 17} أي يجذونها  مصبحين وقوله تعالى { إن كنتم صارمين – القلم 22 } اي عازمين

وهنا فأصبحت كالصريم } أي سوداء وكأن المعنى أنهم بمنعهم حق الله في المال قد جعلوا العذاب ينزل عليهم عزماً من الله تعالى وملائكته  . وذلك العوم للتشدد في بيان حق الله تعالى الذي جعله لأصحاب النصاب من فقراء ويتامى و مساكين .. إلخ .

 

ثم يقول تعالى :

 

(21) فتنادوا مصبحين (21)

 

وهنا ( فتنادوا)

 

[ ونادى به صاح به وزجره والحيوان حينما يسمع الصوت و لا يفهم معاني القرآن  وناداه وجه إليه الخطاب ودعاه وأغلب مايكون علانية مع رفع الصوت … وتنادى القوم تناديا نادى بعضهم بعضا قال تعالى { وياقوم إني أخاف عليكم يوم التناد – غافر 32 } والتناد أصلها التنادي فحذفت الياء ويوم التنادي يوم ينادي أصحاب الجنة أصحاب النار وأصحاب النار أصحاب الجنة – معجم الفاظ  القرآن باب النون فصل الدال والياء ] .

وكما نادى بعضهم بعضاً لصرم ثمارهم وزروعهم في الدنيا يقال لهم في الآخرة { وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقًا البقرة 52 } وندائهم هنا بعضهم على بعض كان في الصباح كما في الآية هنا { فتنادوا مصبحين } .

 

وأما :

 

(مصبحين)

 

اي انهم هنا نفذوا ما تعاهدوا عليه بليل إذ أقسموا ليحصدون ويصرمون في الصباح الباكر قبل ان يدركهم الفقراء والمساكين كما في قوله تعالى { إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين – القلم 17 } فلما أن جاء الصباح الباكر نادى بعضهم بعضاً لتنفيذ ما تعاهدوا عليه من منع الفقراء والمساكين واليتامى حقوقهم كما في الاية هنا : { فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ   أَنِ اغْدُوا عَلَىٰ حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ  فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ  أَن لَّا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ وَغَدَوْا عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ  – القلم 21-25} .

 

ثم يقول تعالى :

 

(22) أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين (22)

 

وهنا :

 

( أن اغدوا)

 

[ وغدا تدور المادة على زمان وما ينشأ أو يفعل فيه ثم توسع في ذلك فالغدوة وجمعها غدى والغداة وجمعها غدوات من أول النهار وقد يقابل هذا الوقت بالأصيل من النهار او العشي كما قوبل بالرواح وفي استعمال القرآن ذهب في ذلك الوقت – معجم الفاظالقرآن باب الغين فصل الدال والواو او الياء  ] .

قال تعالى في مقابلة الغدو بالآصال { وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ  – الاعراف 205 } وفي مقابلة اللفظ بالعشي قال تعالى { النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ۖ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ  – غافر 46 } واقترن بالرواح اي ذهاباً وإياباً في قوله تعالى { ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر – سبأ12 } . ويكون المعنى هنا أي اذهبوا في الصباح الباكر في قوله تعالى { أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين – القلم 22 } .

 

وأما :

(على حرثكم)

 

[ وحرث الأرض أثارها وهيئها للزرع والغرس وحرثها قذف فيها الحب للأزدراع..  والحرث الزرع سواء كان قائماً أو حصيداً – معجم الفاظ القرآن باب الحار فصل الراء والثاء  ]  قال تعالى { أفرأيتم ما تحرثون أئنتم تزرعونه أم نحن الزارعون – الواقعة 63}

[ وقد يستعمل الحرث مراداً منه  نوع من التشبيه والمجاز في الزوجة كما في قوله تعالى { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم – البقرة 223} والدنيا حرث للآخرة كما في قوله تعالى { من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه – الشورى 20 } .

أي ن المعنى هنا اذهبوا لحصاد مزروعاتكم .

 

وأما :

 

( إن كنتم)

 

وهنا كأن المتكلم يحؤض من حوله على التقدم بعمل شيئ كقوله تعالى في نبي الله يوسف عليه السلام وقول إخوته وردت هذه الآيات في قوله تعالى {قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين – يوسف 10 } وقال أيضا نبي الله لوط لقومه { قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين – الحجر 71 } وقال قوم إبراهيم أيضاً { قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين – الأنبياء 68 } أي أن أحدهم قال هنا إن كنتم فاعلين فاغدوا على حرثكم لتنفيذ ما أبرموه بليل أن لا يراهم مسكين { أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين }

 

وأما :

 

 (صارمين )

 

أي إن كنتم اعقدي العزم على حصدها وجزها كما بينا في قوله تعالى من قبل { إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين – القلم 17 } فلما جاء الصباح الباكر تنادوا مصبحين كما في قوله تعالى { فتنادوا مصبحين أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين فانطلقوا وهم يتخافتون أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين – القلم 21-24 } .

 

ثم يقول تعالى :

 

(23) فانطلقوا وهم يتخافتون (23)

وهنا :

 

(فانطلقوا)

 

وأطلق الناقة : حل عقالها  وانطلق وذهب هنا مسرعاً قال تعالى { وانطلق الملاء منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيئ يراد – ص6 } . والملاء هنا تدل على انهم صناديد الكفر القرشي قال تعالى { فانطلقوا وهم يتخافتون } .

وأما :

( وهم يتخافتون)

 

[ والتخافت الحديث الهامس بالمسارة حتى لا يسمعهم أحد – ] قال تعالى { يَتَخَٰافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا – طه ١٠٣-١٠٤ } .

وهنا استخفائهم دلالة على شعورهم بالإثم وخوفهم من نظرة المجتمع والمساكين لهم ولذلك تخافتوا بينهم كما في الآية هنا { فانطلقوا مهم يتخافتون } .

 

ثم يقول تعالى :

 

(24) أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين (24)

 

وهنا  :

 

( أن لا يدخلنها)

أي أنهم أمروا بعدم دخول الفقراء والمساكين عليهم حال حصادهم زروعهم حتى لا يطعموهم منها وذلك لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ۚ- الأحزاب 53 } وهذا فعل رسول الله صلى الله عليه وآله مع الفقراء والمساكين حيث كان يدعوهم للطعام في بيته وهؤلاء فعلوا عكس ذلك بما يخالف الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله هنا كما في الآية {أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين- القلم 24 }  .

 

وأما :

 

(اليوم)

 

وهذا اليوم هنا هو يوم الحصاد الذي أمر فيه الله تبارك وتعالى بإخراج حق الله تعالى فيه من زكاة وصدقات قال تعالى { وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ۚ كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ۖ وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ – الأنعام 141 } .

 

وأما :

 

(مسكين)

والمسكين هو الفقير الذي أسكنته الحاجة وهم أحد أصحاب النصاب الذي حدده الله تعالى في المال عند قوله تعالى  { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ – التوبة 60 } . أي أنهم أمروا باستبعاد الفقراء والمساكين عن مزارعهم وجنانهم يوم الحصاد . وهم الوارد ذكرهم في قوله تعالى { فَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ – الروم 38 } .

 

ثم يقول تعالى :

 

(25) وغدو على حرد قادرين (25)

وهنا :

 

(غدوا على حرد)

أي ذهبوا

 

وهنا :

 

( أن اغدوا)

 

[ وغدا تدور المادة على زمان وما ينشأ أو يفعل فيه ثم توسع في ذلك فالغدوة وجمعها غدى والغداة وجمعها غدوات من أول النهار وقد يقابل هذا الوقت بالأصيل من النهار او العشي كما قوبل بالرواح وفي استعمال القرآن ذهب في ذلك الوقت – معجم الفاظ القرآن باب الغين فصل الدال والواو أو الياء  ] .

 

قال تعالى في مقابلة الغدو بالآصال { وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ  – الاعراف 205 }  وهنا يكون المعنى { اغدوا على حرد } أي المنع بحدة  إن عزموا الحصاد لقوله تعالى { أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين – القلم 22 } فإن كنتم صارمين فاغدوا على حرد أي امنعوهم بشدة .

 

وأما :

 

(على حرد)

وهذا اللفظ من الغير متكرر في القرآن الكريم [ والحرد : من معانيه المنع عن حدة حرد يحرد حرداً – معجم ألفاظ القرآن باب الحاءفصل الراء والدال ٍ] قال تعالى { وغدو على حرد قادرين  – القلم 25 }  . 

 

وأما :

 

( قادرين)

 

 [ وقدر على الشيئ : قدر عليه ] قال تعالى على أهل آخر الزمن وظنهم أنهم قادرون ومسيطرون على كل شيئ { حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ – يونس 24 } . وذلك في آخر الزمان ومع أول الدعوة في ظنوا أيضاً أنهم قادرون على المنع والعطاء لمن يشائون لعنهم الله كما في الآية هنا { وغدو على حرد قادرين } .

 

ثم يقول تعالى :

 

(26) فلما رأوها قالوا إنا لضالون (26)

 

وهنا :

 

(فلما)

 

وهنا ورود هذا اللفظ أو هذه الآيات لأن كل حرف آية في قوله تعالى { فلما أحس عيسى منهم الكفر – ال عمران 36 } وقوله تعالى { فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون – الانبياء 12} تفيد بأنهم قد بدأوا يروا بأعينهم نزول عذاب من الله تعالى في مالهم بسبب مكرهم وكيدهم للفقراء قال تعالى هنا { فلما رأوها قالوا إنا لضالون –  القلم 26} أي فلما رأوا مدمرة قد أهلكها الله تبارك و تعالى بسبب بخلهم وشحهم لورد هذا اللفظ في قوله تعالى عن منافقين زعموا الإيمان ثم بخلوا فأصبحوا منافقين لن يخرج النفاق من قلوبهم إن ماتوا على ذلك قال تعالى : { فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ – التوبة 76-77} .

وبعد إسلامهم نفاقاً مالوا بالسيف على المؤمنين وأهل بيت النبي عليهم السلام لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { فَلَمَّا جَآءَهُم بِٱلْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ ٱقْتُلُوٓاْ أَبْنَآءَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ وَٱسْتَحْيُواْ نِسَآءَهُمْ ۚ وَمَا كَيْدُ ٱلْكَٰفِرِينَ إِلَّا فِى ضَلَٰلٍۢ – غافر 25 } وذرية هؤلاء المجرمين آخر الزمان من قريش وطوائف من أهل الكتاب سيظنون أنهم قادرون على كل الأرض بما عليها وهنا سيكون تدميرهم في تدبيرهم لورود هذا اللفظ في قوله تعاىل كما قلنا من قبل :{ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ – يونس 24 } وذلك بعدما فرحوا بما عندهم من العلم كما فرحت الأمم من قبل قال تعالى { فلما جائتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون – غافر 83 } .

 

وأما :

 

(رأوها)

 

والرؤية هنا لعذاب الله تعالى النازل عليهم وعلى ممتلكاتهم ومزروعاتهم وجنانهم قال تعالى في قوم عاد من قبل : { فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا ۚ بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ ۖ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ – الأحقاف 24 } وهنا أيضا رأوا بأعينهم  بأس الله تعالى النازل عليهم بعدما فرحوا بما عندهم من علم و مال كالأمم من قبل الوارد ذكرهم في قوله تعالى :  { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ  فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ  فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ  فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا ۖسُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ ۖ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ –  غافر 82-85 }

وهنا سيندمون لورد هذا اللفظ في قوله تعالى { وأسروا الندامة لما رأوا العذاب  يونس 54} .  وهذه الندامة هنا كانت في قولهم  { فلما رأوها قالوا إنا لضالون } .

 

وأما :

 

(قالوا)

ورود لفظ قالوا في قوله تعالى { قالوا ياويلنا إنا كنا طاغين – القلم 31 } تؤكد اعترافهم بالضلال والخطأ والذنب مع الله تعالى لذلك قالوا هنا {قالوا إنا لضالون} .

 

وأما :

 

( إنا لضالون)

 

[ وضل أصل الضلال الغيبوبة وضل الطافر إذا غاب عن الحجة وبعد عن الطريق المستقيم والضلال النسيان والضياع – معجم الفاظ القرآن باب الضاد فصل اللام واللام ] .

قال تعالى { ألم يجعل كيدهم في تضليل } والضلال بالخروج على أوامر الله تعالى لقوله عز وجل { فَذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ ۖ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ ۖ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ – يونس 32 } . وولاية هؤلاء للشيطان هنا أضلهم لقوله تعالى { كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير – الحج 4 } فلما وقع بهم العذاب هنا قالوا إنا لضالون أي أخطأوا الطريق قال تعالى { فلما رأوها قالوا إنا لضالون – القلم 26 } .

 

 

ثم يقول تعالى :

 

(27)  بل نحن محرومون (27)

 

وهنا :

 

(بل)

 

وهنا ورود (بل) في قوله تعالى { أولائك كالأنعام بل هم أضل أولائك هم الغافلون – الأعراف 179} تبين أن هؤلاؤ بغفلتهم عن أوامر رربهم وطاعة نبيهم اصبحوا كالأنعام بل هم أضل .

 

وأما :

 

(بل نحن )

 

أي كما في قوله تعالى لما نزل بهم العذاب : { إِنَّا لَمُغْرَمُونَ  بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ – الواقعة 66-67 } وفي آخرالزمان بعدما يصعدون السماء سيقولون بل نحن مسحورون وذلك قبل نزول  عذاب ما قبل يوم القيامة قال تعالى : { وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ – الحجر 14-15} .

 

وأما :

 

(مَحْرُومُونَ)

 

والمحروم : [ حرمه الشيئ يحرمه حرماً وحرماناً : منعه إياه وإسم المفعول منه محروم والمحروم : الممنوع عن الخير وهو  التعس الشقي – معجم ألفاظ القرآن باب الحاء فصل الراء والميم ] .

 

وهنا حق الفقراء والمساكين قال تعالى فيه  { وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم المعارج 24 } .

وهؤلاء المجرمون  لما منعوا حق هؤلاء  حرمهم الله تعالى من كل خير وبركة في الدنيا والآخرة قال تعالى لذلك مبيناً أن الله تعالى هو الخالق لهذه الأنفس وهذه الزروع ولم يفعلوا غير بذر الحبه وسقياها فقط والله تعالى يتولى إنباتها وزرعها لذلك قال تعالى لهؤلاء المجرمين { أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ  إِنَّا لَمُغْرَمُونَ  بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ – الواقعة 63-67 } .

والحرمان المنع من ثواب الدنيا والآجر في الآخرة قال تعالى {  فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ  فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ أَنِ اغْدُوا عَلَىٰ حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ  فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ أَن لَّا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ وَغَدَوْا عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ  قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ  فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ  قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ  عَسَىٰ رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِّنْهَا إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا رَاغِبُونَ كَذَٰلِكَ الْعَذَابُ ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ   – القلم 19-33 } .

 

ثم يقول تعالى :

 

(28) قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28)

 

وهنا :

 

(قال)

 

ورود هذا اللفظ في قوله تعالى { وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن – القصص 80 } تبين أن فيهم من كان مؤمناً أو آمن بعدما رأىى آيات الله تعالى فيهم لما منعوا حق الله تعالى عن الفقراء والمساكين لقوله تعالى هنا { قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ – القلم 28 } .

 

وأما :

 

(أوسطهم)

 

أي أعدلهم والأوسط ماهو بين طرفين ووسط الشيئ يسطه وسِطًة [كان بين طرفيه – قال تعالى ( فأثرن به نقعاً فوسطن به جمعا – العاديات 5 ) – معجم ألفاظ القرآن باب الواوفصل السين والطاء ] و[ الأوسط إسم تفضيل من وَسَط وأنثاه الوسطى  يأتي بمعنى الأقرب إلى الإعتدال والقصد والأبعد عن الغلو في الجودة والرداءة ونحوهما – معجم ألفاظ القرآن باب الواوفصل السين والطاء ] قال تعالى هنا {  قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ – القلم 28 } أي أفضلهم رأياً وأعدلهم

 

 وأما :

 

(ألم أقل لكم )

 

وهذه الآيات تبين أن فيهم مؤمن يعلم حق الفقراء ومانزل فيهم في كل كتب الله المنزلة لورود هذه الآيات في قوله تعالى { قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله مالا تعلمون – يوسف 96 } ولذلك قال لهم هذا المؤمن الذي رافقهم هنا { ألم أقل لكم لولا تسبحون – القلم 28} .

 

وأما :

 

(لولا)

 

وردت هذه الكلمة في قوله تعالى { لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت – المائدة 63} تثبت أن هؤلاء كان بينهم مؤمناً رافضاً هذه المكيدة التي نفذوها بليل في حق الفقراء والمساكين لذلك قال لهم هنا { قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ – القلم 28 } .

 

وأما :

 

( لولا تسبحون)

 

والتسبيح تنزيه لله تعالى لقوله تعالى { سبحانه وتعالى عما يشركون –النحل 1 } وقوله تعالى { سبحانه وتعالى عما يصفون – الأنعام 100 } وقوله تعالى { سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيرا – الإسراء  } والتسبيح لله تعالى سبباً في نزول البركة والنماء والنجاة من المهالك بدليل قوله تعالى عن نبي الله تعالى وهو في بطن الحوت لما قال { لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين – الأنبياء } لذلك قال تعالى { فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون – الصافات 143 } ولذلك قال لهم هذاالمؤمن هنا { ألم أقل لكم لولا تسبحون – القلم  } .

 

ثم يقول تعالى :

 

(29) قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين (29)

 

وهنا :

 

(قالوا سبحان ربنا)

 

وهذا التنزيه لله تعالى هنا إذعاناً منهم  وتسليم بأن الله كانقادراً عليهم وهذا قول اللذن أوتوا العلم لورود هذه الآيات في قوله تعالى { قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا ۚ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا – الإسراء  107-109} وهنا بعد إعلان توبتهم أقروا توبة منهم بأنهم كانوا ظالمين قال تعالى هنا { قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين – القلم 29 } .

 

وأما :

 

(إنا كنا ظالمين)

 

وهنا يبين تعالى إقرارهم على أنفسهم بأنهم كانوا ظالمين وهذا هو قولهم هنا في الدنيا لما رأوا ما نزل بهم من عذاب في أموالهم وما حل بجنانهم من دمار وإن لم يتوبوا فسينسيهم الشيطان ذكر الله في الدنيا حتى يموتوا على ظلمهم ثم يقولون يوم القيامة أيضا إنا كنا ظالمبن وكأنهم لا يؤمنون حتى يروا العذاب قبلا قال تعالى  : {  وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ – الأنبياء 46 } .

 

ثم يقول تعالى :

 

(30) وأقبل بعضهم على بعض يتلاومون (30)

 

وهنا :

(أقبل يعضهم على بعض)

 

أي أقبل بعضهم على بعض يتساءلون عن الأمر لورود هذه الآيات في قوله تعالى { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ  قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ  فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ  إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ  بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ  وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ  إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ  – الصافات } وهنا الذين استكبروا  هم الذين حاولوا أغواء المؤمنين منهم ممن رفضوا خطة صرم الزروع فب الصباح بعيدا عن الفقراء وهم الذين كانوا مشفقين على الفقراء والمساكين لقوله تعالى عنهم : { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ  قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ  إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ ۖ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ  – الطور 25- 28 } .

وهذا التساؤل عن ما حدث وأسبابه ونتائجة ومن المخطئ هو التلاوم الذي دار بين الفريقين هنا وقال تعالى عنه { وأقبل بعضهم على بعض يتلاومون – القلم 30 } .

 

وأما :

 

(يتلاومون)

 

[ ولام الرجل يليم : ارتكب ما يلام عليه من قول أو فعل فهو مليم – معجم ألفاظ القرآن باب اللام فصل الواو والمين ] قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ  – المائدة 54 } .

وقال تعالى أيضاً في بيان الملامة في قصة سيدنا يوسف عليه السلام بصورة أكثر وضوحاً حيث قالت امرأة العزيز { قالت فذلكن الذي لمتنني فيه – يوسف 32 } وبالتالي الملامة توبيخ وتقريع على فعل أو قول ارتكبه الشخص كقوله تعالى { ولاتبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسورا –  الإسراء 29} .

وعلى ذلك المعنى هنا أقبل بعضهم على بعض تابعهم ومتبوعهم يقرعونهم ويوبخونهم على جرم فعالهم سوء تقديرهم وماتسببه في هلاك أموالهم قال تعالى  { وأقبل بعضهم على بعض يتلاومون – القلم 30 } .

 

ثم يقول تعالى :

 

(31) قالوا ياويلنا إنا كنا طاغين (31)