تفسير آية الكبائر من سورة النجم من (تفسير البينة )
نسخة : pdf
تفسير آية الكبائر من سورة النجم تفسير البينة
ورد :
الآية رقم :
(32) الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى (32)
وهنا :
(الذين يجتنبون)
أولاً :
كل ما نهى الله تبارك وتعالى عنه كبائر :
يبين الله تعالى هنا أن كل ما حرم الله تعالى ونهى عنه من الكبائر واجتنابها شرطاً لصحة الإيمان قال تعالى { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما – النساء 31 } وإن هنا شرطية لتكفير السيئات وصح الإيمان وهؤلاء هم الذين اجتنبوا كبائر الإثم والفواحش كما في قوله تعالى { والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون – الشورى 37 } أي أن هؤلاء هم [ الذين يجتنبون كبائر ما نهى الله عنه ، وما فَحُش وقَبُح من أنواع المعاصي، وإذا ما غضبوا على مَن أساء إليهم هم يغفرون الإساءة، ويصفحون عن عقوبة المسيء؛ طلبًا لثواب الله تعالى وعفوه، وهذا من محاسن الأخلاق.- التفسير الميسر ] .
والموت على إحدى هذه الكبائر يستوجب النار تماماً مثل الكفار بالله تعالى كما في قوله عز وجل : { وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما – النساء 18 } وبالتالي هنا حديث شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي موضوع لتعارضه مع حكم كتاب الله تعالى هنا كما بين الله تعالى وفصل آياته الكريمة . ويوم القيامة سيتحسرون على تفريطهم في جنب الله والعمل بكتابه الكريم لقوله تعالى { أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين – الزمر 56 } .
ولفظ الإجتناب في كتاب الله ورد في عدة مواضع تبين مراد الله تعالى من هذه الكبائر كما يلي :
ثانياً :
من الكبائر طاعة الحكام في العمل بغير ما أنزل الله تعالى وهؤلاء طواغيت وأصنام :
دعا نبي الله إبراهيم لبنيه من بعده بأن يجنبهم عبادة الأصنام في قوله تعالى { وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام رب إنهن أضللن كثيراً من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم – إبراهيم 35 } ومعلوم أن الذي يضل ليس الصنم الجامد بل العاملون المستترون خلفه من حكام وسدنه ولذلك يقول تعالى مبيناً أن الضلال يأتي من الحكام وليس الجماد الذي لا ينطق قال تعالى { وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا – الأحزاب 67} وعن الأصنام الجامدة يقول تعالى عن قول نبي الله إبراهيم لهم عندما حطمهم {فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ مالكم لا تنطقون – الصافات91-92 } وبالتالي المضل هو ليس هذا الجماد بل هم الحكام الذين ينطقون ويقتلون ويعذبون لتطويع الناس لهم من دون الله تعالى وهؤلاء مابعث الله أنبياءه ورسله إلا للكفر بهم وبأصنامهم وأوثانهم ومايعبدونه من دون الله والإيمان به تعالى قال عزز وجل
{ ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين -النحل 36 } والذين اجتنبوها لهم البشرى كما في قوله تعالى : { والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد – الزمر 17 } . وهؤلاء رجس قال تعالى فيه { فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور – الحج 30 } ومادمت سمعت لفظ رجس فيكون القرآن الكريم يوضح أنهم الحكام الخارجين على ولاية أهل بيت النبي الذين اذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا قال تعالى { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا – الأحزاب 33 } .
ثالثاً :
قول الزور من الكبائر لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور – الحج 30 }
رابعاً : ظن السوء والتجسس والغيبة والنميمة :
لقوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم – الحجرات 12 } والظن اعتقاد وتقول على الله ورسوله بغير علم قال تعالى { يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من شيء قل إن الأمر كله لله يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور – آل عمران 154 } وهذا الظن مادام بغير علم من كتاب الله فهو من إبليس لقوله تعالى { ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقاً من المؤمنين – سبأ }. وهناك ظن يقوم على نص من كتاب الله فهو حقيقة قال تعالى فيها عن المؤمنين الذين اعتمدوا على كتاب الله في علمهم ومعتقدهم { الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون – البقرة 46 } .
خامساً : الخمر والميسر والأنصاب والأزلام من الكبائر :
قال تعالى { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون – المائدة 90 } أي أن [ يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، إنما الخمر: وهي كل مسكر يغطي العقل, والميسر: وهو القمار, وذلك يشمل المراهنات ونحوها, مما فيه عوض من الجانبين, وصدٌّ عن ذكر الله, والأنصاب : وهي الحجارة التي كان المشركون يذبحون عندها تعظيمًا لها, وما ينصب للعبادة تقربًا إليه, والأزلام: وهي القِداح التي يستقسم بها الكفار قبل الإقدام على الشيء, أو الإحجام عنه, إن ذلك كله إثمٌ مِن تزيين الشيطان, فابتعدوا عن هذه الآثام, لعلكم تفوزون بالجنة.- التفسير الميسر ] .
وأما :
(كبائر)
والكبير عكس الصغير والمعاصي والكبائر والأعمال منها الصغير والكبير قال تعالى { وكل صغير وكبير مستطر – القمر 53 } . والكبائر هنا هى الذنوب والآثام والمعاصي التي نهى الله تعالى عنها و قال تعالى فيها { اللذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم – النجم } والجرائم التي حددها كتاب الله تعالى فهى من أكبر الكبائر كالشرك والخروج على ولاية أهل البيت عليهم السلام وشرب الخمر ورمي المحصات كما سنبين فهذه هى أكبر الكبائر .
ومن أكبر الكبائر التي أوردها الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم :
أولاً :
الخروج على الوصية التي أمر الله تعالى بها باالإستخلاف في مرحلة ما بعد النبوة :
قال تعالى مبيناً أنه اصطفى للنبوة الرسالة والإمامة فرعاً من بني آدم موكول لهم هذه المهمة الربانية وهم الذين اصطفاهم الله عز وجل من آدم حتى المهدي عليهم اليام قال تعالى { إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم – آل عمران 33 -34} وفي قراءة ابن مسعود وأبي ابن كعب [ وآل محمد على العالمين – راجع تفسير البحر المحيط لأبو حيان التوحيي ج 2 ص 435 ] .
وبالتالي الوصية في مرحلة ما بين ختم النبوة ثم الإمامة وهى مرحلة خطيرة و دقيقة من مراحل البشرية لأنها مدخل لعلامات الساعة والقيامة وهذه الوصية أوصى بها من قبل نبي الله نوحاً وإبراهيم والأنبياء من بعدهم قال تعالى فيها { شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب – الشورى 13 } .
وهنا كبر على المشركين بما يدل على أن الخروج على ولاية الله تعالى ورسوله ويقول تعالى في استكبارهم { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ – المنافقون 5 } أي [ وإذا قيل لهؤلاء المنافقين: أقبلوا تائبين معتذرين عمَّا بدر منكم من سيِّئ القول وسفه الحديث, يستغفر لكم رسول الله ويسأل الله لكم المغفرة والعفو عن ذنوبكم, أمالوا رؤوسهم وحركوها استهزاءً واستكبارًا وأبصرتهم أيها الرسول يعرضون عنك, وهم مستكبرون عن الامتثال لما طُلِب منهم – التفسير الميسر ] وهذا الإستكبار عن ولاية اهل بيت النبي كان عصبي جاهلية لآبائهم وأجدادهم قال تعالى فيها { والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير – الأنفال 73 } أي إن لم تتولوا الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام من بعده فهو الفساد الكبير .
فلما توفى رسول الله صلى الله عليه وآله أبى هؤلاء ولاية أهل بيت النبي عليهم السلام عليهم فحاربوهم وقتلوهم شر قتله وجادلوا في ذلك بالباطل قال تعالى : { إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير – غافر 56 } و الخروج على ولاية الله تعالى هنا ورسوله صلى الله عيه وأهل بيته عليهم السلام من أكبر الكبائر واجتنابها شرطاً لتكفير الذنوب ودخول الجنة .
ثانياً :
كبيرة الإعراض عن ذكر الله :
وهنا يبين تعالى أحوال قوم سمعوا آيات الله تتلى عليهم ثم لا يعملون بها ولا يعيرون لها بالاً وهؤلاء قال تعالى فيهم { وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم – الجاثية 7-8 } .
ثالثاً :
قتال أهل مكة و إخراج أهلها من بيوتهم و استحلال القتل في الأشهرالحرم من أكبر الكبائر :
قال تعالى في الأشهر الحرم : { إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين – التوبة 36 } قتال أهل مكة المكرمة وإخراج أهلها من بيوتهم في الأشهر الحرم أو في غير الأشهر الحرم من الكبائر .
والقتال في الشهر الحرم محرم وكبيرة من الكبائر قال تعالى فيها هنا { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون – البقرة 217 }
رابعاً :
الخمر والميسر من الكبائر :
قال تعالى { يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون – البقرة 219 }
خامساً :
رمي المحصنات الغافلات المؤمنات من أكبر الكبائر :
قال تعالى { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون – النور 4} وقال تعالى أيضاً { إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم – النور 23 } وهؤلاء قال تعالى فيمن يتولى هذه الجريمة { إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ -النور 11 } .
سادساً :
من أكبر الكبائر أكل مال اليتيم :
قال تعالى { وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا – النساء 2 } .
سابعاً :
الشرك بالله تعالى والعقوق :
قال تعالى { والفتنة أكبر من القتل – البقرة 217 } وهذه الفتنة الشرك بالله تعالى وهو مما حرم الله تعالى في قوله عز وجل { قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا – الأنعام } . ومن الشرك العلماء القائلين في الدين بالرأي وهؤلاء يشرعون في الدين بمالم يأذن به الله كما في قوله عز وجل { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله – الشورى } وهنا تكون طاعة السادة والكبراء من خلال مدرسة الرأي كي يحلوا لأنفسهم ما حرموا منه أهل بيت النبي عليهم السلام وكل بني هاشم وبني عبد المطلب حيث منعوا جميعاً من تقلد كل مناصب الدولة و القيادة والجيش وولاية الأمصار في عصر أبي بكر وعمر وعثمان مما تسبب في مذابح لهم بالعصر الأموي و العباسي حتى الآن وإلى أن يشاء الله تعالى شيئاً ومن تولى غيرهم من حكام كل عصر سيأتي يوم القيامة ليقول { وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ربنا وآتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعناً كبيرا – الأحزاء 67-68 } .
عاشراً :
قتل الأولاد و تحديد النسل وكل دعوى لعدم الإنجاب والفواحش من أكبر الكبائر :
وهنا يقول صلى الله عليه وآله في الحديث الشريف : [ تناكحوا تناسلوا فإني مباهي بكم الأمم يوم القيامة .. الحديث ] وبالتايى نهى الله تعالى عن الوأد الأصغر وقتل الأولاد قال تعالى فيما حرمه الله عزو جل وجعله من أكبر الكبائر : { وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ -الأنعام } وقتل الأولاد كبيره قال تعالى فيها { ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا كبيرا – الإسراء 31 }
وأما :
(الإثم)
[ الإثم : فعل مانهى الله تعالى عنه فهو آثم وأثيم والآثام : مانهى الله تعالى عنه وقد يطلق على الجزاء المترتب على فعل مانهى الله تعالى عنه – معجم ألفاظ القرآن باب الهمزة فصل الثاء والميم ] قال تعالى في بيان أن الإثم كل ما نهى الله تعالى عنه { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب – المائدة 2 } وهذه الآثام منها الظاهر ومنها الخفي الذي لا يعلمه إلا الله لذلك قال تعالى { وذروا ظاهر الإثم وباطنه إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون – الأنعام120 } .
وهذه الذنوب والمعاصي هى الكبائر وأما ما حدده القرآن الكريم فمخالفته من أكبر الكبائر وليست الكبائر كما بينا من قبل و لذلك يأت لفظ إثم على جرائم محددة في كتاب الله كما يلي :
- الشرك بالله إثماً عظيما لقوله تعالى { ومن يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيما – النساء 48 }
- الكفر بالله إثم من أكبر الكبائر قال تعالى { ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين – آل عمران 178 }
- الإيمان ببعض والكفر ببعض ما أنزل الله في ولاية أهل بيت النبي عليهم السلام و إخراج أهل بيت النبي عليهم السلام والمؤمنين من ديارهم بغير حق من أكبر الكبائر قال تعالى { ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون –البقرة 85} .
- إثم تبديل شرع الله والكذب على الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله عن علم وبعمد قال تعالى { فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم – البقرة 181 }
- مدح وإطراء غير النبي وأهل بيته عليهم السلام إثماً مبينا : وهنا الإثم المبين أي الجلي الواضح والذي لا يحتاج إلى أدلة فقد قال تعالى في أهل بيت نبيه عليهم السلام : { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا – الأحزاب 33 } فكيف يطرى بعد ذلك غيرهم ويقدم عليهم أحداً من خلقه إلا ظالم ولذلك قال تعالى أنه إثماً مبينا هنا بعد أن زكوا وطهروا وقدموا عليهم غيرهم قال تعالى { ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا انظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به إثما مبينا – النساء 49-50 } ثم يقول تعالى بعد أن جادل هؤلاء عن غير أهل بيت النبي عليهم السلام وقاتلوا وسفكوا دماء أهل البيت وأشياعهم وأنصارهم من المؤمنين في سبيل مكذوبات على الله تعالى ورسوله تخالف صحيح القرآن الكريم يقول تعالى لهؤلاء { ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا – النساء 109 } .
- أكل مال أصحاب النصاب في كتاب الله وخمس أهل البيت عليهم السلام بالباطل و استحلالها وإعطائها للحكام من أكبر الكبائر قال تعالى في أصحاب النصاب { إنما الصدقات للفقراء والمساكين } وقال تعالى في الخمس { واعلموا أن ما غنمتم من شيئ فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى } وهذه الأموال المستحقة منعها من أصحابها ليأكلها حكام كل عصر من أكبر الكبائر لورود لفظ إثم في قوله تعالى { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون – البقرة 188 }
- الإفساد في الأرض بإهلاك الحرث وقتل النسل والإصرار على ذلك دون توبة من أكبر الكبائر قال تعالى { وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد – البقرة 206 }
- رمي الناس بالتهم الباطلة قال تعالى { ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا – النساء 112 } . { والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا – الأحزاب 58 }
- كتمان شهادة الحق وهى الوجه الآخر لقول الزور قال تعالى { ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه – البقرة 283 }
- القتل من أكبر الكبائر : قال تعالى في ابني آدم { إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين – المائدة 29 }
- الخمر والميسر لقوله تعالى { يسئلونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما – البقرة 219 } وفي الحديث ” الخمر أم الكبائر ” .
- أكل مهور النساء وصداقهن حال طلاقهن بغير سبب إلا الإستبدال بزوجة أخرى قال تعالى { وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا – النساء 20 }
- رمي المحصنات المؤمنات الغافلات وإيذاءالمؤمنين والمؤمنات قال تعالى { إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم -النور 11 } وقال تعالى أيضاً { والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا – الأحزاب 58 } .
- الربا : قال تعالى { يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم – البقرة 276} .
- ظن السوء بالله تعالى لقوله عز وجل { يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم – الحجرات 12 }
- التبذير والإسراف والعمل بالهوى وهو الإله الآخر مع الله تعالى وقتل النفس والزنا قال تعالى { والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا – الفرقان 67-69 } . وهنا في الآية يبين الله تعالى أن من اجتنبها فقد اجتنب أكبر الكبائر ومن وقع في الكبائر فليستغفر الله يجد الله غوراً رحيما قال تعالى { ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما – النساء 110 } .
وأما :
(الفواحش)
[ الفحش : الزيادة والكثرة وتجيئ من هذا مجاوزة القدر والحد فحش والفحشاء والفاحشة : ما اشتد قبحه من الذنوب قولاً أو فعلاً وكثيرأً ما يراد بالفاحشة الزنا وجمع الفاحشة : فواحش – معجم ألفاظ القرآن باب الفاء فصل الحاء والشين ] قال تعالى في تقليد الآباء أنه من فواحش القول فيما فعلته الأمم من قبل قال تعالى { وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون – الأعراف 28 } . والزنا فاحشة قال تعالى فيها { ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا – الإسراء 32 } وعمل قوم لوط فاحشة قال تعالى فيها { ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين – الأعراف 80 } وقال تعالى { ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون – النمل 54 } .
وهذه الفواحش من الشيطان لقوله تعالى { الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم – البقرة 286 } ومن هذه الفواحش التقول على الله بغير علم والإفتآت عليه تعالى كما في قوله تعالى {ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون – البقرة 168-169 } .
وقد نهى الله تعالى عن اتباعه في قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم – النور 21 } ويبين تعالى أنه أمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وأولهم قربى رسول الله صلى الله عليه وآله ونهى عن الفحشاء والمنكر والبغي كما في قوله تعالى { إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون – النحل 90 } .
وأما :
(إلا)
ورد هذا الإستثناء على الذين آمنوا وعملوا الصالحات في قوله تعالى { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات – العصر } وهؤلاء هم الذين استثناهم الله تعالى عن العذاب ودخول النار فهم الذين تابوا واستغفروا لله تعالى ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون قال تعالى هنا { والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا للمم } .
وأما :
(اللمم)
[ اللمم صغائر الذنوب أو مقاربة الذنوب – معجم ألفاظ القرآن باب اللام فصل الميم والميم ] والآية هنا لبيان كبائر الذنوب وصغائرها قال تعالى { الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى – النجم 32 } و [ لم بالشيئ يلمه لماً جمعه ولم يترك منه قليلا ولا كثير يقال أكل الطعام أكلاً لما جمعه ولم يترك منه قليلا ولا كثيراً ويقال أكل الطعام أكلاً لما أي ذا لم أي جامعاً لكل شيئ – – معجم ألفاظ القرآن باب اللام فصل الميم والميم ] . قال تعالى { وتأكلون التراث أكلاً لما – الفجر 19 } أي مهما ألم الإنسان من معاصي وآثام فالله تعالى مكفرها ماداموا يستغفرون و يتوبون من قريب ولم يصروا على عليها قال تعالى { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون – آل عمران 135 } . [ وعن أبي عبد الله : الفواحش والسرقة والرجل يلم بالذنب يستغفر الله منه وفي حديث آخر يلم بالذنب وليس من سليقته ولا من طبعه – نور الثقلين ج4 ص 164 ] وفي الحديث القدسي [ يقول إبليس وعزتك وجلالك لأضلنهم أجمعين قال عز وجل : وعزتي وجلالي لأتوبن عليهم ماداموا يستغفرون – حديث قدسي ] . أي مع الإستغفار والتوبة كل الذنوب تتحول إلى صغائر ثم يمحها الله عز وجل لقوله تعالى { إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما – الفرقان 70 } .
وأما :
(إن ربك واسع)
أي أنه تعالى واسع المغرة ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين قال تعالى { فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين –الأنعام 147 } .
وأما :
(المغفرة)
وهنا يبين تعالى أنه من ظلم نفسه ووقع في السيئات فيستغفر الله تعالى يجده غفوراً رحيما قال تعالى { ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما – النساء 110 } ومن مات مؤمناً عاملاً للصالحات فله مغفرة وأجر من الله كبير قال تعالى { والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير – فاطر 7 } وهذ الأجر الكبير لأنه تعالى واسع المغفرة في الآية هنا { إن ربك واسع المغفرة } وهذه المغفرة لمن تاب وآمن وعمل عملا صالحاً كما في قوله تعالى { وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً ثم اهتدى – طه 82 } .
وأما :
(هو أعلم)
وهنا هو أعلم أي أنه يقول تعالى { إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله و هو أعلم بالمهتدين – الأنعام 117 }
وأما :
(أعلم بكم)
أي أنه يقول تعالى { ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم وما أرسلناك عليهم وكيلا – الإسراء 54 } والآية هنا تبين أنه عز وجل أعلم بخلقه بما يسرون وما يعلنون وما يكتمون ما يظهرون قال تعالى لذلك للملائكة { قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون – البقرة 33 } وبالتالي سبحانه وتعالى أعلم بإيمانهم كما في قوله تعالى { والله أعلم بإيمانكم – النساء 25 } .
وأما :
(إذ أنشأكم من الأرض)
وهنا يبين تعالى أنه لما أنشأهم من الأرض جعل لهم السمع والأبصار والأفئدة ليعرفوا بها ربهم وخالقهم قل تعالى { قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون – الملك 23 } فلما أنشأهم استعمرهم في الأرض أي أسكنهم فيها ليعمروها ويطيعون ربهم فيها قال تعالى { هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه – هود } وهنا يبين تعالى مراحل إنشاء هذا الإنسان مرحلة الخلق من طين ثم من نطفة ذكر وأنثى في بطون الأمهات قال تعالى { هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى – النجم 32 } .
وأما :
(وإذ أنتم)
وردت هذه الآيات في قوله تعالى { إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى – الأنفال } وهنا إشارةة إلى أن خلق الإنسان يكون في أدنى جزء من جسد الأم بالرحم ويوجد معاد للقاء النطفتين لخلق الجنين كما في قوله تعالى هنا { وإذ أنتم أجنة في بطونأمهاتكم } .
وأما :
(أجنة)
[ الجنين المستور من كل شيئ والحمل في بطن أمه وجمعه أجنة – معجم ألفاظ القرىن باب الجيم فصل النون والنون ] قال تعالى في اجتنان الخلق واختفائهم في ظلمات الليل { فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين – الأنعام 76} ولذلك الجنين بين تعالى أنه مختفي عن الخلق في بطن أمه قال تعالى هنا { هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى – النجم 32 }
وأما :
(في بطون أمهاتكم)
أي أنه يقول تعالى { خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون – الزمر 6 } وهذه الظلمات الثلاث مراحل خلق اإنسان حتى خرروجه إلى الدنيا من بطن أمه قال تعالى هنا { هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى – النجم 32 } وهذه المراحل قال تعالى فيها { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين – المؤمنون 12-14 } فإذا خرج من بطن أمه خرج لا يعلم شيئا فوضع الله تعالى فيه الحواس ليعلمم كل شيئ حوله فيعرف بهذه الحواس ربه تبارك وتعالى كما في قوله عز وجل { والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون – النحل 78 } .
وأما :
(فلا تزكوا أنفسكم)
[ وزكا يزكوا زكواً وزكاءاً: نما وزاد أو طهر وصلح فهو زكي وهى زاكية – معجم ألفاظ القرآن باب الزاي فصل الكاف والميم ] قال تعالى { ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحد أبداً – النور 21 } وهذه التزكية كانت لقبائل وأفراد من الآباء والأجداد في مقابل أهل بيت النبي عليهم السلام الذين أذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا قال تعالى { ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا انظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به إثماً مبينا – النساء 49 -50 } والتزكية ماكانت إلا لرسول الله صلى الله عليه وآله الذي أرسله تعالى ليزكيهم بطاعتهم لله تعالى وولايته الحق فهو مصدر التطهر قال تعالى { كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون –البقرة 151 } وأما زكاة وطهارة أهل بيت النبي عليهم السلام قال تعالى فيها { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا – الأحزاب 33 } و بعد هذه التزكية القرآنية للنبي صلى الله عليه و أهل بيته عليهم السلام لا يجوز شرعاً أن يقدم عليهم أي أحد إلا إذا كان مفتري افتراءاً قال تعالى فيه { انظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به إثما مبينا – النساء 50} ومن هنا نهى الله تعالى أن تزكية أفراد وقبائل غير النبي صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام .قال تعالى { فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى }
وأما :
(أنفسكم)
وهنا يبين تعالى أنه بعث عز وجل لهم رسولا من أنفسهم قال تعالى في { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم – التوبة 128 } فلا يجوز تزكية غير النبي صلى الله عليه وآله و لا عبرة بقول المنافقين والذي نقله وروجه الجهلاء بغير علم و لا بصيرة وشاع بين الناس وانتشر بعمى القلوب بأن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ينزل الوحي مصدقاً له في ثلاث مواضع مخطئاً لرسوله صلى الله عليه وآله في أمر الأسارى وآية الحجاب وخلق الإنسان في الآية رقم (13) من سورة المؤمنين وهو الذي قال تعالى فيه { وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى } ولا يعتقد هذا المعتقد ويموت عليه إلا زنديق ثم تأتي تزكية الإمام علي عليه السلام بعد ذلك بعد أن كشف القرآن الكريم بأن الإمام علي عليه السلام نفس رسول الله صلى الله عليه وآله والإمام الحسن والحسين أبنائه والسيدة فاطمة نساءة في آية المباهلة حيث قال تعالى { فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين – آل عمران 61 } وهنا يكون القرآن الكريم نهى عن تزكية وتطهير غير رسل الله تعالى وأنبيائه عليهم السلام وخاتمهم وإمامهم وسيدهم رسول الله صلى الله عليه و الأئمة من ذريته من بعده لذلك قال تعالى هنا { فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى } .
وأما :
(هو أعلم)
وهنا يبين تعالى أنه عز وجل مصدر العلم قال تعالى { إنما العلم عند الله }
و هو أعلم أي حدد وبين من هم أصحاب العلم المفترض تزكيتهم وتقليدهم والسمع والطاعة لهم وهؤلاء هم أنبياء الله تعالى ورسوله وخاتمهم سيدنا محمد صلى الله عليه والأئمة من أهل بيته وأولهم الإمام علي صاحب العلم اللدني وذلك لأنه تعالى قي في نبي الله آدم الذي تعلم من الله تعالى في قوله تعالى {وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم -البقرة 31-32 } وبالتالى من أراد التزكية والتعظيم والتقديم فليحدث الناس بسيدنا آدم ومآثرة ومكانته عند الله تعالى .
ثم يؤتي الله تعالى الأنبياء بعد ذلك علماً لهداية الخلق فقال تعالى في البينات التي أرسلها مع أنبيائه من قبل { ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب – إبراهيم 9 }
وهذه البينات علم قال تعالى في نبي الله صالح عليه السلام { أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون – الأعراف 62 } وقال نبي الله إبراهيم لأبيه { يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا – مريم 43 } وقال تعالى في نبي الله يوسف عليه السلام { وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق إن ربك عليم حكيم – يوسف 6 } وقال تعالى في التوراة والإنجيل { ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل – آل عمران 48 }
وقال تعالى في سيدنا محمد صلى الله عليه وآله { كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون – البقرة 151 } وهذا من علم الغيب الذي أوحاه الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وقال تعالى فيها { تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين – هود 49 }
ثم يأتي بعد ذلك علم الأئمة وأولهم الإمام علي صاحب الأذن الواعية ومن عنده علم الكتاب لنزول قوله تعالى فيه { قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب – } والذي عنده علم الكتاب هو الإمام علي وآخر الأئمة من ذريته فهو صاحب التأويل الذي تجهله كل هذه الأمة وورد ذكره في قوله تعالى { هل ينظرون إلا تأويله } وبين تعالى أنه تأويل لا تعلمه هذه الأمة كما في قوله تعالى : { بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين – يونس 39}
وهؤلاء هم أصحاب العلم ومن تعلم منهم فقد حكم الله تعالى له بالعلم والهدى وهناك من جادلوا بالباطل وبغير علم عن رجالهم وقبائلهم وبلدانهم وقال تعالى فيهم { ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير – الحج8 }
وهؤلاء وهؤلاء لا يستوون عند الله سواءً محياهم ومماتهم قال تعالى { قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون – الزمر }
وبالتالي الله يعلم من ضل ومن اهتدى كما في قوله عز وجل { إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله و هو أعلم بالمهتدين – الأنعام 117 } والله أعلم بالمفسدين كما في قوله تعالى { ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به وربك أعلم بالمفسدين – يونس 40 } و لذلك نهى الله تبارك و تعالى عن تزكية غير هؤلاء عليهم صلوات الله وسلامه لأنه أعلم بمن اتقى قال تعالى { فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى }
وأما :
(بمن اتقى)
ومن اتقى فقد عمل بما أمر الله تعالى واجتنب ما حرم قال تعالى { وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب – البقرة 197} ولذلك يقول في تعرفها الإمام علي عليه السلام [ ” التقوى هى العمل بالتنزيل والخوف من الجليل والإستعداد ليوم الرحيل ” ] .
ومن التقوى ولاية الصادقين وهم أننبياء الله ثم رسول الله صلى الله عليه وآله والئمة من ذريته وكل من تولاهم بعد ذلك فهو من الصادقين قال تعالى { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين – التوبة 119 } وهنا ورد في تفسير هذه الآية [ عن ابن عباس قال في هذه الآية : هو علي ابن أبي طالب وأصحابة – الدر المنثور للسيوطي ج 3 ص 290 ] .
ومن أوفى بعهده مع رسول الله صلى الله عليه وإمام زمانه فإن الله يحب المتقين قال تعالى { بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين – آل عمران 76 } ,وأول هذه العهود وفاءاً بيعه رسول الله صلى الله عليه وآله ثم الأئمة من أهل بيت النبي عليهم السلام ومن اتقى السيئات وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون قال تعالى { يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون – الأعراف 35} .
الأحاديث الواردة في الكبائر :
[ عن أبي هريرة رضي الله عنه ،قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ،قال : (اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات)متفق عليه. وهذه أهم الكبائر التي عدها الذهبي في كتابه الكبائر:
الإشراك بالله :
قال تعالى :{ إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار }. وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ الإشراك بالله .. ) متفق عليه . وهو نوعان : شرك أكبر وهو عبادة غير الله ، وشرك أصغر ومنه الرياء.
قتل النفس :
قال تعالى :{ومن يقتل مؤمنًا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابًا عظيمًا }. وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( اجتنبوا السبع الموبقات الشرك بالله والسحر . وقتل النفس التي حرم الله .. )
السحر :
قال الله تبارك وتعالى : { ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر } وقال صلى الله عليه وسلم : ( اجتنبوا السبع الموبقات : الشرك بالله . والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق .. ) متفق عليه
ترك الصلاة :
قال تعالى : { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيًا إلا من تاب .. } . وقال صلى الله عليه وسلم : ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر ) رواه أحمد والترمذي والنسائي
منع الزكاة :
قال تعالى : { وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون }
عقوق الوالدين :
قال تعالى : { وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً . إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريمًا واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرًا } وقال عليه الصلاة والسلام : ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ .. ) فذكر منها عقوق الوالدين . متفق عليه
الزنا :
قال تعالى { ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلاً }. وقال صلى الله عليه وسلم ( إذا زنى العبد خرج منه الإيمان . فكان على رأسه كالظلة . فإذا أقلع رجع إليه } [ رواه أبو داود والحاكم ]
اللواط :
قال تعالى عن قوم لوط {أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون } وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( لعن الله من عمل عمل قوم لوط ) [ النسائي ]
أكل الربا :
قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله .. } وقال صلى الله عليه وسلم : ( لعن الله آكل الربا وموكله) رواه مسلم
أكل مال اليتيم :
قال الله تعالى : { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم نارًا وسيصلون سعيرًا } وقال تعالى : { ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن } .
الكذب على الله عز وجل وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم :
قال تعالى : { ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة } . وقال صلى الله عليه وسلم : ( من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار ) [ رواه البخاري ]
الكبر والفخر والخيلاء والعجب والتيه :
قال تعالى : { إنه لا يحب المستكبرين } [ النحل : 23 ] وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا يدخل الجنة أحد في قلبه مثقال ذرة من كبر ) ] رواه مسلم .
شهادة الزور :
قال تعالى : { فاجتنبوا الرجس من القول واجتنبوا قول الزور } [ الحج 30 ] وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا تزول قدما شاهد الزور يوم القيامة حتى تجب له النار ) [ ابن ماجه والحاكم ]
شرب الخمر :
قال تعالى : { يا أيها الذين آ منوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون } . وقال صلى الله عليه وسلم : ( لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها ) [ رواه أبو داود والحاكم]
القمار :
قال تعالى : { إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون }
قذف المحصنات :
{ إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم } . وقال صلى الله عليه وسلم : ( من قذف مملوكة بالزنى أقيم عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال )[ متفق عليه].
السرقة :
قال تعالى : { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من الله والله عزيز حكيم } وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن . ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ) متفق عليه.
قطع الطريق :
قال تعالى : { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم }.
اليمين الغموس :
قال صلى الله عليه وسلم : ( من حلف على يمين صبر ، يقتطع بها مال امرئ مسلم وهو فيها فاجر؛ لقي الله وهو عليه غضبان)[ رواه البخاري].
الظلم :
وهو أنواع كثيرة ،وأغلبه في التعدي على حقوق الغير ،قال تعالى { وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون } وقال صلى الله عليه وسلم : ( اتقوا الظلم فإنه ظلمات يوم القيامة ..) [رواه مسلم].
قتل النفس :
قال تعالى : { ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً . ومن يفعل ذلك عدوانًا وظلمًا فسوف نصليه نارًا وكان ذلك على الله يسيرًا } وقال صلى الله عليه وسلم : ( لعن المؤمن كقتله ، ومن قذف مؤمنًا بكفر فهو كقاتله ، ومن قتل نفسه بشيء عذبه الله به يوم القيامة ) [متفق عليه].
الكذب في غالب الأقوال :
قال تعالى : { ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين } وقال صلى الله عليه وسلم : ( … وإن الكذب يهدي إلى الفجور . وإن الفجور يهدي إلى النار ، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابًا )[ متفق عليه].
الحكم بغير ما أنزل الله :
قال تعالى : { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون }. تشبه النساء بالرجال وتشبه الرجال بالنساء : قال صلى الله عليه وسلم : ( لعن الله المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء ) [رواه البخاري ].
الديوث :
قال صلى الله عليه وسلم : ( ثلاثة لا يدخلون الجنة : العاق لوالديه ، والديوث ، ورجلة النساء ) [النسائي والحاكم وأحمد].والديوث هو الذي يرضى الخبث في أهله.
عدم التنزه من البول :
وهو من فعل النصارى قال تعالى : { وثيابك فطهر } وقد مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال: ( إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير ، أما أحدهما فكان لا يتنزه من بوله ، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة )[ متفق عليه].
الخيانة :
قال تعالى : { وإن الله لا يهدي كيد الخائنين } . وقال صلى الله عليه وسلم : ( أد الأمانة لمن ائتمنك ،ولا تخن من خانك ).
التعلم للدنيا وكتمان العلم :
قال تعالى : { إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون }. وقال صلى الله عليه وسلم : ( من تعلم علمًا مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضًا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة ) يعني ريحها [أبو داود].
المنان :
قال تعالى : {ياأيهاالذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى } وقال صلى الله عليه وسلم : ( ثلاثة لا يقبل الله منهم صرفًا ولا عدلاً : عاق ، ومنان ، ومكذب بالقدر ) [الطبراني وابن عاصم].
المتسمع على الناس ما يسرونه :
قال تعالى : { ولا تجسسوا } وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون صب في أذنيه الآنك يوم القيامة ، ومن صور صورة عذب ،وكلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ )[ رواه البخاري].
النميمة :
قال تعالى : { ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم } وقال النبي صلى الله عليه وسلم لما مر بقبرين : ( إنهما ليعذبان ، وما يعذبان في كبير ….وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة.. )[ البخاري].
اللعن :
قال صلى الله عليه وسلم : ( لعن المؤمن كقتله )[ متفق عليه]. تصديق الكاهن والمنجم : قال صلى الله عليه وسلم : ( من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول ؛ فقد كفر بما أنزل على محمد ) [ أحمد والحاكم ].
نشوز المرأة على زوجها :
قال تعالى : { واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن الله كان عليًا كبيرًا } وقال صلى الله عليه وسلم : ( إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت ؛ فبات غضبان عليها ؛ لعنتها الملائكة حتى تصبح ) [البخاري].
أذى الجار :
قال صلى الله عليه وسلم : ( لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه ) [ رواه مسلم].
غش الإمام للرعية :
قال تعالى : { إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم } وقال صلى الله عليه وسلم : ( أيما راع غش رعيته فهو في النار ) [أحمد].
الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة :
قال صلى الله عليه وسلم : (إن الذي يأكل أو يشرب في إناء الذهب أو الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم ) [رواه مسلم].
لبس الحرير والذهب للرجال :
قال صلى الله عليه وسلم : ( إنما يلبس الحرير في الدنيا من لا خلاق له في الآخرة ) [رواه مسلم].
الجدل والمراء :
قال صلى الله عليه وسلم : ( .. ومن خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط الله حتى ينزع ..) [ رواه أبو داود].
نقص الكيل والميزان :
قال تعالى : { ويل للمطففين }. الأمن من مكر الله : قال تعالى : { أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون }. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول : ( يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك ) فقيل له : يا رسول الله ! أتخاف علينا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن ، يقلبهما كيف يشاء ) [رواه أحمد والترمذي والحاكم].
تكفير المسلم :
قال صلى الله عليه وسلم : ( من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما ) [البخاري].
ترك صلاة الجمعة والصلاة مع الجماعة :
قال صلى الله عليه وسلم : ( لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات ، أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين ) [ رواه مسلم].
المكر والخديعة :
قال الله تعالى : { ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله } وقال صلى الله عليه وسلم : ( المكر والخديعة في النار ) [ البيهقي في شعب الإيمان ].
سب أحد من الصحابة :
قال صلى الله عليه وسلم : ( لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده، لو أنفق أحدكم مثل أُحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ) [ رواه البخاري]. .
تغيير منار الأرض :
قال صلى الله عليه وسلم : ( .. ولعن الله من غير منار الأرض ) ] [رواه مسلم ]،قال المناوي في فيض القدير:والمنارةهي العلامة التي تجعل بين حدين للجارين وتغييرها أن يدخلها في أرضه فيكون في معنى الغاصب.
الواصلة والنامصة والمتنمصة والمتفلجة والواشمة :
قال صلى الله عليه وسلم : ( لعن الله الواشمات، والمستوشمات ، والنامصات ، والمتنمصات ، والمتفلجات للحسن ، المغيرات خلق الله )[ متفق عليه].
الإلحاد في الحرم :
قال الله تعالى : { .. والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواءً العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم }. وسأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم : ما الكبائر ؟ قال صلى الله عليه وسلم : ( هن تسع : الشرك بالله .. ) وذكر منها ( واستحلال البيت الحرام قبلتكم ) [ رواه أبو داود والنسائي ].
إفطار رمضان بغير عذر ،وترك الحج مع الاستطاعة :
قال صلى الله عليه وسلم : ( بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة ،وحج البيت ) متفق عليه. – نقلا عن كتاب الكبائر للذهبي ] .
ثم يقول تعالى :
(33) أفرأيت الذي تولى (33)
تفاسير السلف :
تفسير السعدي :
الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم
الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ أي: يفعلون ما أمرهم الله به من الواجبات، التي يكون تركها من كبائر الذنوب، ويتركون المحرمات الكبار، كالزنا، وشرب الخمر، وأكل الربا، والقتل، ونحو ذلك من الذنوب العظيمة، إِلَّا اللَّمَمَ وهي الذنوب الصغار، التي لا يصر صاحبها عليها، أو التي يلم بها العبد، المرة بعد المرة، على وجه الندرة والقلة، فهذه ليس مجرد الإقدام عليها مخرجا للعبد من أن يكون من المحسنين، فإن هذه مع الإتيان بالواجبات وترك المحرمات، تدخل تحت مغفرة الله التي وسعت كل شيء، ولهذا قال: إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ فلولا مغفرته لهلكت البلاد والعباد، ولولا عفوه وحلمه لسقطت السماء على الأرض، ولما ترك على ظهرها من دابة.
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: “الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن، ما اجتنبت الكبائر” [وقوله:] هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ أي: هو تعالى أعلم بأحوالكم كلها، وما جبلكم عليه، من الضعف والخور، عن كثير مما أمركم الله به، ومن كثرة الدواعي إلى بعض المحرمات، وكثرة الجواذب إليها، وعدم الموانع القوية، والضعف موجود مشاهد منكم حين أنشاكم الله من الأرض، وإذ كنتم في بطون أمهاتكم، ولم يزل موجودا فيكم، وإن كان الله تعالى قد أوجد فيكم قوة على ما أمركم به، ولكن الضعف لم يزل، فلعلمه تعالى بأحوالكم هذه، ناسبت الحكمة الإلهية والجود الرباني، أن يتغمدكم برحمته ومغفرته وعفوه، ويغمركم بإحسانه، ويزيل عنكم الجرائم والمآثم، خصوصا إذا كان العبد مقصوده مرضاة ربه في جميع الأوقات، وسعيه فيما يقرب إليه في أكثر الآنات، وفراره من الذنوب التي يتمقت بها عند مولاه، ثم تقع منه الفلتة بعد الفلتة، فإن الله تعالى أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين أرحم بعباده من الوالدة بولدها، فلا بد لمثل هذا أن يكون من مغفرة ربه قريبا وأن يكون الله له في جميع أحواله مجيبا، ولهذا قال تعالى: فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ أي: تخبرون الناس بطهارتها على وجه التمدح هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى [فإن التقوى، محلها القلب، والله هو المطلع عليه، المجازي على ما فيه من بر وتقوى، وأما الناس، فلا يغنون عنكم من الله شيئا].
تفسير البغوي :
مضمون الآية 32 من سورة النجم
ثم وصفهم فقال : ( الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم ) اختلفوا في معنى الآية ، فقال قوم : هذا استثناء صحيح ، واللمم من الكبائر والفواحش ، ومعنى الآية : إلا أن يلم بالفاحشة مرة ثم يتوب ، ويقع الوقعة ثم ينتهي وهو قول أبي هريرة [ ومجاهد ، والحسن ] ، ورواية عطاء عن ابن عباس .
قال عبد الله بن عمرو بن العاص : اللمم ما دون الشرك .
وقال السدي قال أبو صالح : سئلت عن قول الله تعالى : ” إلا اللمم ” ، فقلت : هو الرجل يلم بالذنب ثم لا يعاوده ، فذكرت ذلك لابن عباس فقال : لقد أعانك عليها ملك كريم .
وروينا عن عطاء عن ابن عباس في قوله : ” إلا اللمم ” ، قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ” إن تغفر اللهم تغفر جما وأي عبد لك لا ألما ” .
وأصل ” اللمم والإلمام ” : ما يعمله الإنسان الحين بعد الحين ، ولا يكون إعادة ، ولا إقامة .
وقال آخرون : هذا استثناء منقطع ، مجازه : لكن اللمم ، ولم يجعلوا اللمم من الكبائر والفواحش ، ثم اختلفوا في معناه ، فقال بعضهم : هو ما سلف في الجاهلية فلا يؤاخذهم الله به ، وذلك أن المشركين قالوا للمسلمين : إنهم كانوا بالأمس يعملون معنا ؟ فأنزل الله هذه الآية .
وهذا قول زيد بن ثابت ، وزيد بن أسلم .
وقال بعضهم : هو صغار الذنوب كالنظرة والغمزة والقبلة وما كان دون الزنا ، وهو قول ابن مسعود ، وأبي هريرة ، ومسروق ، والشعبي ، ورواية طاوس عن ابن عباس .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا محمود بن غيلان ، أخبرنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال : ما رأيت أشبه باللمم مما قاله أبو هريرة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – : ” إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة ، فزنا العين النظر ، وزنا اللسان النطق ، والنفس تتمنى وتشتهي ، والفرج يصدق ذلك ويكذبه ” .
ورواه سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – ، وزاد : ” العينان زناهما النظر ، والأذنان زناهما الاستماع ، واللسان زناه الكلام ، واليد [ زناها ] البطش ، والرجل زناها الخطى ” .
وقال الكلبي : ” اللمم ” على وجهين : كل ذنب لم يذكر الله عليه حدا في الدنيا ولا عذابا في الآخرة ، فذلك الذي تكفره الصلوات ما لم يبلغ الكبائر والفواحش ، والوجه الآخر هو الذنب العظيم يلم به المسلم المرة بعد المرة فيتوب منه .
وقال سعيد بن المسيب : هو ما لم على القلب أي خطر .
وقال الحسين بن الفضل : ” اللمم ” النظرة من غير تعمد ، فهو مغفور ، فإن أعاد النظرة فليس بلمم وهو ذنب .
( إن ربك واسع المغفرة ) قال ابن عباس : لمن فعل ذلك وتاب ، تم الكلام هاهنا ، ثم قال : ( هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض ) أي خلق أباكم آدم من التراب ( وإذ أنتم أجنة ) جمع جنين ، سمي جنينا لاجتنانه في البطن ( في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم ) قال ابن عباس : لا تمدحوها .
قال الحسن : علم الله من كل نفس ما هي صانعة وإلى ما هي صائرة ، فلا تزكوا أنفسكم ، لا تبرءوها عن الآثام ، ولا تمدحوها بحسن أعمالها .
قال الكلبي ومقاتل : كان الناس يعملون أعمالا حسنة ثم يقولون : صلاتنا وصيامنا وحجنا ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ( هو أعلم بمن اتقى ) أي : بر وأطاع وأخلص العمل لله تعالى .
التفسير الوسيط :
الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم
وقوله: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ.. صفة لقوله: الَّذِينَ أَحْسَنُوا أو بدل منه.
والمراد بكبائر الإثم: الآثام الكبيرة، والجرائم الشديدة، التي يعظم العقاب عليها.
كقتل النفس بغير حق، وأكل أموال الناس بالباطل..والفواحش: جمع فاحشة، وهي ما قبح من الأقوال والأفعال كالزنا، وشرب الخمر …
وعطفها على كبائر الإثم من باب عطف الخاص على العام، لأنها أخص من الكبائر، وأشد إثما.
واللمم: ما صغر من الذنوب، وأصله: ما قل قدره من كل شيء: يقال: ألم فلان بالمكان، إذا قل مكثه فيه.
وألم بالطعام: إذا قل أكله منه.. وقيل: اللمم، مقاربة الذنب دون الوقوع فيه، من قولهم: ألم فلان بالشيء، إذا قاربه ولم يخالطه..وجمهور العلماء على أن الاستثناء هنا منقطع، وأن اللمم هو الذنوب الصغيرة، كالنظرة الخائنة ولكن بدون مداومة، والإكثار من الممازحة..قال الإمام ابن كثير ما ملخصه: «واللمم» : صغائر الذنوب، ومحقرات الأعمال، وهذا استثناء منقطع..قال الإمام أحمد: عن ابن عباس- رضى الله عنهما- قال: ما رأيت شيئا أشبه باللمم، مما قال أبو هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان النطق، والنفس تتمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه» .
وعن مجاهد أنه قال في هذه الآية إِلَّا اللَّمَمَ الذي يلم بالذنب ثم يدعه، كما قال الشاعر:إن تغفر اللهم تغفر جما …
وأى عبد لك ما ألماومن العلماء من يرى أن الاستثناء هنا متصل، وأن المراد باللمم ارتكاب شيء من الفواحش، ثم التوبة منها توبة صادقة نصوحا..فعن الحسن أنه قال: اللمم من الزنا أو السرقة أو شرب الخمر، ثم لا يعود …
.
ويبدو لنا أن الرأى الأول أقرب إلى الصواب، لأن العلماء قسموا الذنوب إلى كبائر وصغائر، وأن اللمم من النوع الثاني الذي لا يدخل تحت كبائر الإثم والفواحش.
قال صاحب الكشاف: واللمم: ما قل وصغر …
والمراد به الصغائر من الذنوب، ولا يخلو قوله-تبارك وتعالى- إِلَّا اللَّمَمَ من أن يكون استثناء منقطعا.. كأنه قيل: كبائر الإثم غير اللمم .
وليس المقصود من قوله-تبارك وتعالى-: إِلَّا اللَّمَمَ فتح الباب لارتكاب صغائر الذنوب، وإنما المقصود فتح باب التوبة، والحض على المبادرة بها، حتى لا ييأس مرتكب الصغائر من رحمة الله-تبارك وتعالى- وحتى لا يمضى قدما في ارتكاب هذه الصغائر، إذ من المعروف أن ارتكاب الصغائر، قد يجر إلى ارتكاب الكبائر.
كذلك من المقصود بهذا الاستثناء أن لا يعامل مرتكب الصغائر، معاملة مرتكب الكبائر.
هذا، وقد أفاض الإمام الآلوسي في الحديث عن الكبائر والصغائر، فقال: والآية عند الأكثرين دليل على أن المعاصي منها الكبائر، ومنها الصغائر..وأنكر جماعة من الأئمة هذا الانقسام، وقالوا: سائر المعاصي كبائر.
ثم قال: واختلف القائلون بالفرق بين الكبائر والصغائر في حد الكبيرة فقيل: هي كل ما لحق صاحبها عليها بخصوصها وعيد شديد، بنص كتاب أو سنة..وقيل: كل جريمة تؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين، ورقة الديانة.
واعتمد الواحدي أنه لا حد لها يحصرها ويعرفها العباد به، وقد أخفى الله-تبارك وتعالى- أمرها ليجتهدوا في اجتناب المنهي عنه، رجاء أن تجتنب الكبائر.. .
وقوله– سبحانه –: إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ …
تعليل لاستثناء اللمم، وتنبيه على أن إخراجه عن حكم المؤاخذة، ليس لخلوه عن الذنب في ذاته، بل لسعة رحمة الله ومغفرته.
أى: إن ربك- أيها الرسول الكريم- واسع المغفرة والرحمة، لعباده الذين وقعوا فيما نهاهم عنه– سبحانه – ثم تابوا إليه توبة صادقة نصوحا.
ثم بين– سبحانه – أن هذه الرحمة الواسعة، صادرة عن علم شامل للظواهر والبواطن،فقال: هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ، إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ، وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ….والظرف «إذ» متعلق بقوله أَعْلَمُ والأجنة: جمع جنين، ويطلق على ما يكون بداخل الأرحام قبل خروجه منها.
وسمى بذلك، لأنه يكون مستترا في داخل الرحم، كما قال-تبارك وتعالى-: يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ…
أى: هو– سبحانه – أعلم بكم من وقت إنشائه إياكم من الأرض، ضمن خلقه لأبيكم آدم، ومن وقت أن كنتم أجنة في بطون أمهاتكم، يعلم أطواركم فيها، ويرعاكم برحمته، إلى أن تنفصلوا عنها.
وقال– سبحانه – فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ مع أن الجنين لا يكون إلا في بطن أمه، للتذكير برعايته-تبارك وتعالى- لهم، وهم في تلك الأطوار المختلفة من وقت العلوق إلى حين الولادة، وللحض على مداومة شكره وطاعته.
وقوله-تبارك وتعالى-: فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى تحذير من التفاخر بالأعمال والأحساب والأنساب، لأنه– سبحانه – لا يخفى عليه شيء من أحوال الناس، والفاء للتفريع على ما تقدم.
أى: إذا كان الأمر كما ذكرت لكم من عدم مؤاخذتى إياكم على اللمم، فإن ذلك بسبب سعة رحمتي، فلا تمدحوا أنفسكم بأنكم فعلتم كذا وكذا من الأفعال الحسنة، بل اشكروني على سعة رحمتي ومغفرتي، فإنى أنا العليم بسائر أحوالكم، الخبير بالظواهر والبواطن للأتقياء والأشقياء.
قالوا: والآية نزلت في قوم من المؤمنين، كانوا يعملون أعمالا حسنة، ثم يتفاخرون بها.
قال صاحب الكشاف: قوله: فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ …
أى فلا تنسبوها إلى زكاء العمل، زيادة الخير.
وعمل الطاعات، أو إلى الزكاء والطهارة من المعاصي، ولا تثنوا عليها واهضموها فقد علم الله الزكي منكم والتقى أولا وآخرا، قبل أن يخرجكم من صلب آدم، وقبل أن تخرجوا من بطون أمهاتكم.
وهذا إذا كان على سبيل الإعجاب أو الرياء، فأما من اعتقد أن ما عمله من العمل الصالح، من الله وبتوفيقه وتأييده.
ولم يقصد به التمدح، لم يكن من المزكين لأنفسهم، لأن المسرة بالطاعة طاعة، وذكرها شكر لله-تبارك وتعالى-.
وقال الآلوسى: والمراد النهى عن تزكية السمعة أو المدح للدنيا، أو التزكية على سبيل القطع، وأما التزكية لإثبات الحقوق ونحوه- كالإخبار عن أحوال الناس بما يعلم منهم وجربوا فيه من ثقة وعدالة فهي جائزة.
وبعد هذا التوجيه الحكيم للنفوس البشرية، والبيان البديع لمظاهر رحمة الله-تبارك وتعالى- بعباده بعد ذلك أخذت السورة في الحديث مرة أخرى عن الكافرين.
وفي الرد على شبهاتهم، وفي بيان مظاهر قدرته-تبارك وتعالى- فقال– سبحانه –:
تفسير ابن كثير :
شرح الآية 32 من سورة النجم
ثم فسر المحسنين بأنهم الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش ، أي : لا يتعاطون المحرمات والكبائر ، وإن وقع منهم بعض الصغائر فإنه يغفر لهم ويستر عليهم ، كما قال في الآية الأخرى : ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما ) [ النساء : 31 ] . وقال هاهنا : ( الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم ) . وهذا استثناء منقطع ; لأن اللمم من صغائر الذنوب ومحقرات الأعمال .قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر عن ابن طاوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : ” إن الله تعالى كتب على ابن آدم حظه من الزنا ، أدرك ذلك لا محالة ، فزنا العين النظر ، وزنا اللسان النطق ، والنفس تمنى وتشتهي ، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه ” .أخرجاه في الصحيحين ، من حديث عبد الرزاق ، به .وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، أخبرنا ابن ثور حدثنا معمر ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ; أن ابن مسعود قال : ” زنا العينين النظر ، وزنا الشفتين التقبيل ، وزنا اليدين البطش ، وزنا الرجلين المشي ، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه ، فإن تقدم بفرجه كان زانيا ، وإلا فهو اللمم ” . وكذا قال مسروق ، والشعبي .وقال عبد الرحمن بن نافع – الذي يقال له : ابن لبابة الطائفي – قال : سألت أبا هريرة عن قول الله : ( إلا اللمم ) قال : القبلة ، والغمزة ، والنظرة ، والمباشرة ، فإذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل ، وهو الزنا .وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( إلا اللمم ) إلا ما سلف . وكذا قال زيد بن أسلم .وقال ابن جرير : حدثنا ابن المثنى ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن منصور ، عن مجاهد أنه قال : في هذه الآية : ( إلا اللمم ) قال : الذي يلم بالذنب ثم يدعه ، قال الشاعر :إن تغفر اللهم تغفر جما وأي عبد لك ما ألما ؟ !وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قول الله : ( إلا اللمم ) قال : الرجل يلم بالذنب ثم ينزع عنه ، قال : وكان أهل الجاهلية يطوفون بالبيت وهم يقولون :إن تغفر اللهم تغفر جما وأي عبد لك ما ألما ؟ !وقد رواه ابن جرير وغيره مرفوعا .قال ابن جرير : حدثني سليمان بن عبد الجبار ، حدثنا أبو عاصم ، حدثنا زكريا بن إسحاق ، عن عمرو بن دينار ، عن عطاء ، عن ابن عباس : ( الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم ) قال : هو الرجل يلم بالفاحشة ثم يتوب وقال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – :إن تغفر اللهم تغفر جما وأي عبد لك ما ألما ؟ !وهكذا رواه الترمذي ، عن أحمد بن عثمان أبي عثمان البصري ، عن أبي عاصم النبيل . ثم قال : هذا حديث حسن صحيح غريب ، لا نعرفه إلا من حديث زكريا بن إسحاق . وكذا قال البزار : لا نعلمه يروى متصلا إلا من هذا الوجه . وساقه ابن أبي حاتم والبغوي من حديث أبي عاصم النبيل ، وإنما ذكره البغوي في تفسير سورة ” تنزيل ” وفي صحته مرفوعا نظر .ثم قال ابن جرير : حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع ، حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا يونس ، عن الحسن ، عن أبي هريرة – أراه رفعه – : ( الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم ) قال : ” اللمة من الزنا ثم يتوب ولا يعود ، واللمة من السرقة ثم يتوب ولا يعود ، واللمة من شرب الخمر ثم يتوب ولا يعود ” ، قال : ” ذلك الإلمام ” .وحدثنا ابن بشار ، حدثنا ابن أبي عدي ، عن عوف ، عن الحسن في قول الله : ( الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم ) قال : اللمم من الزنا أو السرقة أو شرب الخمر ، ثم لا يعود .وحدثني يعقوب ، حدثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن في قول الله : ( الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم ) قال : كان أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقولون : هو الرجل يصيب اللمة من الزنا ، واللمة من شرب الخمر ، فيجتنبها ويتوب منها .وقال ابن جرير ، عن عطاء ، عن ابن عباس : ( إلا اللمم ) يلم بها في الحين . قلت : الزنا ؟ قال : الزنا ثم يتوب .وقال ابن جرير أيضا : حدثنا أبو كريب ، حدثنا ابن عيينة ، عن عمرو ، عن عطاء ، عن ابن عباس قال : ( اللمم ) الذي يلم المرة .وقال السدي : قال أبو صالح : سئلت عن ( اللمم ) فقلت : هو الرجل يصيب الذنب ثم يتوب . وأخبرت بذلك ابن عباس فقال : لقد أعانك عليها ملك كريم . حكاه البغوي .وروى ابن جرير من طريق المثنى بن الصباح – وهو ضعيف – عن عمرو بن شعيب ; أن عبد الله بن عمرو قال : ( اللمم ) : ما دون الشرك .وقال سفيان الثوري ، عن جابر الجعفي ، عن عطاء ، عن ابن الزبير : ( إلا اللمم ) قال : ما بين الحدين : حد الدنيا وعذاب الآخرة . وكذا رواه شعبة ، عن الحكم ، عن ابن عباس ، مثله سواء .وقال العوفي ، عن ابن عباس في قوله : ( إلا اللمم ) كل شيء بين الحدين : حد الدنيا وحد الآخرة ، تكفره الصلوات ، وهو اللمم ، وهو دون كل موجب ، فأما حد الدنيا فكل حد فرض الله عقوبته في الدنيا ، وأما حد الآخرة فكل شيء ختمه الله بالنار ، وأخر عقوبته إلى الآخرة . وكذا قال عكرمة ، وقتادة ، والضحاك .وقوله : ( إن ربك واسع المغفرة ) أي : رحمته وسعت كل شيء ، ومغفرته تسع الذنوب كلها لمن تاب منها ، كقوله : ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم ) [ الزمر : 53 ] .وقوله : ( هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض ) أي : هو بصير بكم ، عليم بأحوالكم وأفعالكم وأقوالكم التي تصدر عنكم وتقع منكم ، حين أنشأ أباكم آدم من الأرض ، واستخرج ذريته من صلبه أمثال الذر ، ثم قسمهم فريقين : فريقا للجنة وفريقا للسعير . وكذا قوله : ( وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم ) قد كتب الملك الذي يوكل به رزقه وأجله وعمله ، وشقي أم سعيد .قال مكحول : كنا أجنة في بطون أمهاتنا ، فسقط منا من سقط ، وكنا فيمن بقي ، ثم كنا مراضع فهلك منا من هلك . وكنا فيمن بقي ثم صرنا يفعة ، فهلك منا من هلك . وكنا فيمن بقي ثم صرنا شبابا فهلك منا من هلك . وكنا فيمن بقي ثم صرنا شيوخا – لا أبا لك – فماذا بعد هذا ننتظر ؟ رواه ابن أبي حاتم عنه .وقوله : ( فلا تزكوا أنفسكم ) أي : تمدحوها وتشكروها وتمنوا بأعمالكم ، ( هو أعلم بمن اتقى ) ، كما قال : ( ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا ) [ النساء : 49 ] .وقال مسلم في صحيحه : حدثنا عمرو الناقد ، حدثنا هاشم بن القاسم ، حدثنا الليث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن محمد بن عمرو بن عطاء قال : سميت ابنتي برة ، فقالت لي زينب بنت أبي سلمة : إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – نهى عن هذا الاسم ، وسميت برة ، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ” لا تزكوا أنفسكم ، إن الله أعلم بأهل البر منكم ” . فقالوا : بم نسميها ؟ قال : ” سموها زينب ” .وقد ثبت أيضا في الحديث الذي رواه الإمام أحمد حيث قال : حدثنا عفان ، حدثنا وهيب ، حدثنا خالد الحذاء ، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ، عن أبيه قال : مدح رجل رجلا عند النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ” ويلك ! قطعت عنق صاحبك – مرارا – إذا كان أحدكم مادحا صاحبه لا محالة فليقل : أحسب فلانا – والله حسيبه ، ولا أزكي على الله أحدا – أحسبه كذا وكذا ، إن كان يعلم ذلك ” .ثم رواه عن غندر ، عن شعبة ، عن خالد الحذاء ، به . وكذا رواه البخاري ، ومسلم ، وأبو داود ، وابن ماجه ، من طرق عن خالد الحذاء ، به .وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، وعبد الرحمن قالا : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن همام بن الحارث قال : جاء رجل إلى عثمان فأثنى عليه في وجهه ، قال : فجعل المقداد بن الأسود يحثو في وجهه التراب ويقول : أمرنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا لقينا المداحين أن نحثو في وجوههم التراب .ورواه مسلم وأبو داود من حديث الثوري ، عن منصور ، به .
تفسير الطبري :
معنى الآية 32 من سورة النجم
وقوله ( الذين يجتنبون كبائر الإثم ) يقول : الذين يبتعدون عن كبائر [ ص: 532 ] الإثم التي نهى الله عنها وحرمها عليهم فلا يقربونها ، وذلك الشرك بالله ، وما قد بيناه في قوله ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم ) .
وقوله ( والفواحش ) وهي الزنا وما أشبهه ، مما أوجب الله فيه حدا .
وقوله ( إلا اللمم ) اختلف أهل التأويل في معنى” إلا ” في هذا الموضع ، فقال بعضهم : هي بمعنى الاستثناء المنقطع ، وقالوا : معنى الكلام : الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش ، إلا اللمم الذي ألموا به من الإثم والفواحش في الجاهلية قبل الإسلام ، فإن الله قد عفا لهم عنه ، فلا يؤاخذهم به .
ذكر من قال ذلك :حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله ( الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم ) يقول : إلا ما قد سلف .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم ) قال : المشركون إنما كانوا بالأمس يعملون معناه ، فأنزل الله عز وجل ( إلا اللمم ) ما كان منهم في الجاهلية .
قال : واللمم : الذي ألموا به من تلك الكبائر والفواحش في الجاهلية قبل الإسلام ، وغفرها لهم حين أسلموا .
حدثني يعقوب قال : ثنا ابن علية ، عن ابن عياش ، عن ابن عون ، عن محمد قال : سأل رجل زيد بن ثابت ، عن هذه الآية ( الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم ) فقال : حرم الله عليك الفواحش ما ظهر منها وما بطن .
حدثني يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني عبد الله بن عياش قال : قال زيد بن أسلم في قول الله ( الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم ) قال : كبائر الشرك والفواحش : الزنى ، تركوا ذلك [ ص: 533 ] حين دخلوا في الإسلام ، فغفر الله لهم ما كانوا ألموا به وأصابوا من ذلك قبل الإسلام .
وكان بعض أهل العلم بكلام العرب ممن يوجه تأويل ” إلا ” في هذا الموضع إلى هذا الوجه الذي ذكرته عن ابن عباس يقول في تأويل ذلك : لم يؤذن لهم في اللمم ، وليس هو من الفواحش ، ولا من كبائر الإثم ، وقد يستثنى الشيء من الشيء ، وليس منه على ضمير قد كف عنه فمجازه ، إلا أن يلم بشيء ليس من الفواحش ولا من الكبائر ، قال : الشاعر :وبلدة ليس بها أنيس إلا اليعافير وإلا العيسواليعافير : الظباء ، والعيس : الإبل وليسا من الناس ، فكأنه قال : ليس به أنيس ، غير أن به ظباء وإبلا .
وقال بعضهم : اليعفور من الظباء الأحمر ، والأعيس : الأبيض .
وقال بنحو هذا القول جماعة من أهل التأويل .
[ ص: 534 ]ذكر من قال ذلك :حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، أن ابن مسعود قال : زنى العينين : النظر ، وزنى الشفتين : التقبيل ، وزنى اليدين : البطش ، وزنى الرجلين : المشي ، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه ، فإن تقدم بفرجه كان زانيا ، وإلا فهو اللمم .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر قال : وأخبرنا ابن طاوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – : ” إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنى أدركه ذلك لا محالة ، فزنى العينين النظر ، وزنى اللسان المنطق ، والنفس تتمنى وتشتهي ، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه ” .
حدثني أبو السائب قال : ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن مسلم ، عن مسروق في قوله ( إلا اللمم ) قال : إن تقدم كان زنى ، وإن تأخر كان لمما .
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : ثنا ابن علية قال : ثنا منصور بن عبد الرحمن ، قال : سألت الشعبي ، عن قول الله ( يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم ) قال : هو ما دون الزنى ، ثم ذكر لنا عن ابن مسعود قال : ” زنى العينين : ما نظرت إليه ، وزنى اليد : ما لمست ، وزنى الرجل : ما مشت والتحقيق بالفرج .
حدثني محمد بن معمر قال : ثنا يعقوب قال : ثنا وهيب قال : ثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم بن عمرو القاري قال : ثني عبد الرحمن بن نافع الذي يقال له ابن لبابة الطائفي قال : سألت أبا هريرة عن قول الله ( الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم ) قال : القبلة ، والغمزة ، والنظرة والمباشرة ، إذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل ، وهو الزنى .
وقال آخرون : بل ذلك استثناء صحيح ، ومعنى الكلام : الذين يجتنبون [ ص: 535 ] كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إلا أن يلم بها ثم يتوب .
ذكر من قال ذلك :حدثني سليمان بن عبد الجبار قال : ثنا أبو عاصم قال : أخبرنا زكريا بن إسحاق ، عن عمرو بن دينار ، عن عطاء ، عن ابن عباس ( الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم ) قال : هو الرجل يلم بالفاحشة ثم يتوب ; قال : وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – :إن تغفر اللهم تغفر جما وأي عبد لك لا ألماحدثني ابن المثنى قال : ثنا محمد بن جعفر قال ثنا شعبة ، عن منصور ، عن مجاهد ، أنه قال في هذه الآية ( إلا اللمم ) قال : الذي يلم بالذنب ثم يدعه ، وقال الشاعر :إن تغفر اللهم تغفر جما وأي عبد لك لا ألماحدثني محمد بن عبد الله بن بزيع قال : ثنا يونس ، عن الحسن ، عن أبي هريرة ، أراه رفعه : ( الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم ) قال : اللمة من الزنى ، ثم يتوب ولا يعود ، واللمة من السرقة ، ثم يتوب ولا يعود ; واللمة من شرب الخمر ، ثم يتوب ولا يعود ، قال : فتلك الإلمام .
حدثنا ابن بشار قال : ثنا ابن أبي عدي ، عن عوف ، عن الحسن ، [ ص: 536 ] في قول الله ( الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم ) قال : اللمة من الزنى أو السرقة ، أو شرب الخمر ، ثم لا يعود .
حدثني يعقوب قال : ثنا ابن أبي عدي عن عوف ، عن الحسن في قول الله ( الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم ) قال : اللمة من الزنى ، أو السرقة ، أو شرب الخمر ثم لا يعود .
حدثني يعقوب قال : ثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن في قوله ( الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم ) قال : قد كان أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – يقولون : هذا الرجل يصيب اللمة من الزنا ، واللمة من شرب الخمر ، فيخفيها فيتوب منها .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس ( إلا اللمم ) يلم بها فى الحين ، قلت الزنى ، قال : الزنى ثم يتوب .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور قال : قال معمر : كان الحسن يقول في اللمم : تكون اللمة من الرجل : الفاحشة ثم يتوب .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن إسماعيل ، عن أبي صالح قال : الزنى ثم يتوب .
قال : ثنا مهران ، عن أبي جعفر ، عن قتادة ، عن الحسن ( إلا اللمم ) قال : أن يقع الوقعة ثم ينتهي .
حدثنا أبو كريب قال : ثنا ابن عيينة ، عن عمرو ، عن عطاء ، عن ابن عباس قال : اللمم : الذي تلم المرة .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد قال : أخبرني يحيى بن أيوب ، عن المثنى بن الصباح ، عن عمرو بن شعيب ، أن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : اللمم : ما دون الشرك .
[ ص: 537 ]حدثنا ابن بشار قال : ثنا أبو عامر قال : ثنا مرة ، عن عبد الله بن القاسم في قوله ( إلا اللمم ) قال : اللمة يلم بها من الذنوب .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد في قوله ( إلا اللمم ) قال : الرجل يلم بالذنب ثم ينزع عنه .
قال : وكان أهل الجاهلية يطوفون بالبيت وهم يقولون :إن تغفر اللهم تغفر جما وأي عبد لك لا ألماوقال آخرون ممن وجه معنى” إلا ” إلى الاستثناء المنقطع : اللمم : هو دون حد الدنيا وحد الآخرة ، قد تجاوز الله عنه .
ذكر من قال ذلك :حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن جابر ، عن عطاء ، عن ابن الزبير ( إلا اللمم ) قال : ما بين الحدين ، حد الدنيا ، وعذاب الآخرة .
حدثنا ابن المثنى قال : ثنا محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن الحكم ، عن ابن عباس أنه قال : اللمم : ما دون الحدين : حد الدنيا والآخرة .
حدثنا ابن المثنى قال : ثنا ابن أبي عدي ، عن شعبة ، عن الحكم وقتادة ، عن ابن عباس بمثله ، إلا أنه قال : حد الدنيا ، وحد الآخرة .
حدثني يعقوب قال : ثنا ابن علية قال : أخبرنا شعبة ، عن الحكم بن عتيبة قال : قال ابن عباس : اللمم ما دون الحدين ، حد الدنيا وحد الآخرة .
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله ( الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم ) قال : كل شيء بين الحدين ، حد الدنيا وحد الآخرة تكفره الصلوات ، وهو اللمم ، وهو دون كل موجب ; فأما حد الدنيا فكل حد فرض الله عقوبته في الدنيا; وأما حد الآخرة فكل شيء ختمه الله بالنار ، وأخر عقوبته إلى الآخرة .
[ ص: 538 ]حدثنا ابن حميد قال : ثنا يحيى قال : ثنا الحسين ، عن يزيد ، عن عكرمة في قوله : ( إلا اللمم ) يقول : ما بين الحدين ، كل ذنب ليس فيه حد في الدنيا ولا عذاب في الآخرة ، فهو اللمم .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله ( الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم ) واللمم : ما كان بين الحدين لم يبلغ حد الدنيا ولا حد الآخرة ، موجبة قد أوجب الله لأهلها النار ، أو فاحشة يقام عليه الحد في الدنيا .
وحدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران ، عن أبي جعفر ، عن قتادة قال : قال بعضهم : اللمم : ما بين الحدين : حد الدنيا ، وحد الآخرة .
حدثنا أبو كريب ويعقوب قالا : ثنا إسماعيل بن إبراهيم قال : ثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة عن ابن عباس قال : اللمم : ما بين الحدين : حد الدنيا ، وحد الآخرة .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران ، عن سفيان قال : قال الضحاك ( إلا اللمم ) قال : كل شيء بين حد الدنيا والآخرة فهو اللمم يغفره الله .
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال ” إلا ” بمعنى الاستثناء المنقطع ، ووجه معنى الكلام إلى ( الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم ) بما دون كبائر الإثم ، ودون الفواحش الموجبة للحدود في الدنيا ، والعذاب في الآخرة ، فإن ذلك معفو لهم عنه ، وذلك عندي نظير قوله جل ثناؤه : ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما ) فوعد جل ثناؤه باجتناب الكبائر ، العفو عما دونها من السيئات ، وهو اللمم الذي قال النبي – صلى الله عليه وسلم – : ” العينان تزنيان ، واليدان تزنيان ، والرجلان تزنيان ، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه ” ، وذلك أنه لا حد فيما دون ولوج الفرج في الفرج ، وذلك هو العفو من الله في الدنيا عن عقوبة العبد عليه ، والله جل ثناؤه أكرم من أن يعود فيما قد عفا عنه ، كما روي عن النبي – صلى الله عليه وسلم – واللمم في كلام العرب : [ ص: 539 ] المقاربة للشيء ، ذكر الفراء أنه سمع العرب تقول : ضربه ما لمم القتل يريدون ضربا مقاربا للقتل .
قال : وسمعت من آخر : ألم يفعل في معنى : كاد يفعل .
تفاسير أهل البيت (عليهم السلام)
(تفسير البرهان)
[ قوله تعالى: { ٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ إِلاَّ ٱللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ ٱلْمَغْفِرَةِ } – إلى قوله تعالى- { هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰ } [32]
10221/ [1]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، قال: حدثني أبو جعفر الثاني (عليه السلام)، [قال: “سمعت أبي] يقول: سمعت أبي موسى بن جعفر (عليه السلام) يقول: دخل عمرو بن عبيد على أبي عبد الله (عليه السلام)، فلما سلم و جلس تلا هذه الآية { ٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ } ثم أمسك، فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): ما أسكتك؟ قال: أحب أن أعرف الكبائر من كتاب الله عز و جل.
فقال: نعم- يا عمرو- و أكبر الكبائر الشرك بالله، يقول الله: (و من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة) [المائدة 72: 5]، و بعده اليأس من روح الله، لأن الله عز و جل يقول:{ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْكَافِرُونَ } [يوسف: 87] ثم الأمن من مكر الله، لأن الله عز و جل يقول:{ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْخَاسِرُونَ } [الأعراف: 99]، و منها عقوق الوالدين، لأن الله سبحانه جعل العاق جبارا شقيا، و قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، لأن الله عز و جل يقول{ فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَٰلِداً فِيهَا } [النساء: 93]، إلى آخر الآية، و قذف المحصنة، لأن الله عز و جل يقول:{ لُعِنُواْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [النور: 23]، و أكل مال اليتيم، لأن الله عز و جل يقول:{ إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً } [النساء: 10]، و الفرار من الزحف، لأن الله عز و جل يقول:{ وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَآءَ بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } [الأنفال: 16]، و أكل الربا، لأن الله عز و جل يقول:{ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرِّبَٰواْ لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَانُ مِنَ ٱلْمَسِّ } [البقرة: 275]، و السحر، لأن الله عز و جل يقول:{ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ ٱشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلَٰـقٍ } [البقرة: 102]، و الزنا، لأن الله عز و جل يقول:{ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ ٱلْعَذَابُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً } [الفرقان: 68-69]، و اليمين الغموس الفاجرة، لأن الله عز و جل يقول:{ ٱلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَـٰئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ } [آل عمران: 77]، و الغلول، لأن الله عز و جل يقول:{ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } [آل عمران: 161]، و منع الزكاة المفروضة لأن الله عز و جل يقول:{ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ } [التوبة: 35]، و شهادة الزور و كتمان الشهادة، لأن الله عز و جل يقول:
{ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ } [البقرة: 283]، و شرب الخمر، لأن الله عز و جل نهى عنها، كما نهى عن عبادة الأوثان، و ترك الصلاة متعمدا، أو شيئا مما فرض الله، لأن رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال: من ترك الصلاة متعمدا فقد برىء من ذمة الله و ذمة رسوله، و نقض العهد و قطيعة الرحم، لأن الله عز و جل يقول:{ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوۤءُ ٱلدَّارِ } [الرعد: 25].
قال: فخرج عمرو و له صراخ من بكائه، و هو يقول: هلك من يقول برأيه، و نازعكم في الفضل و العلم”.
10222/ [2]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: { ٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ إِلاَّ ٱللَّمَمَ } ، قال: “الفواحش: الزنا و السرقة، و اللهم: الرجل يلم بالذنب فيستغفر الله منه”.
قلت: بين الضلال و الكفر منزلة؟ قال: “ما أكثر عرى الإيمان”.
10223/ [3]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيوب، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قلت له: أ رأيت قول الله عز و جل: { ٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ إِلاَّ ٱللَّمَمَ }؟ قال: “هو الذنب يلم به الرجل، فيمكث ما شاء الله، ثم يلم [به] بعد”.
10224/ [4]- و عنه: عن أبي علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان، عن العلاء، عن محمد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام)، قال: قلت له { ٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ إِلاَّ ٱللَّمَمَ }؟ قال: “الهنة بعد الهنة، أي الذنب بعد الذنب [يلم به] العبد”.
10225/ [5]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن إسحاق بن عمار، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): “ما من مؤمن إلا و له ذنب يهجره زمانا ثم يلم به، و ذلك قول الله عز و جل: { ٱللَّمَمَ } ”.
و سألته عن قول الله عز و جل: { ٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ إِلاَّ ٱللَّمَمَ } ، قال: “الفواحش: الزنا و السرقة، و اللمم: الرجل يلم بالذنب فيستغفر الله منه”.
10226/ [6]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: “ما من ذنب إلا و قد طبع عليه عبد مؤمن، يهجره زمانا ثم يلم به، و هو قول الله عز و جل: { ٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ إِلاَّ ٱللَّمَمَ } ، قال: اللمام: العبد الذي يلم بالذنب بعد الذنب، ليس من سليقته”.
أي من طبعه.
10227/ [7]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، و عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، جميعا، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: “إن المؤمن لا يكون سجيته الكذب و البخل و الفجور، و ربما ألم من ذلك شيئا لا يدوم عليه”. قيل: فيزني؟ قال: “نعم، و لكن لا يولد له من تلك النطفة”.
10228/ [8]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن عبيد، عن زرارة، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الكبائر؟ فقال: “هن في كتاب علي (عليه السلام) سبع: الكفر بالله، و قتل النفس، و عقوق الوالدين، و أكل الربا بعد البينة، و أكل مال اليتيم ظلما، و الفرار من الزحف، و التعرب بعد الهجرة”.
قال: قلت: هذا أكبر المعاصي؟ قال: “نعم”.
قلت: فأكل درهم من مال اليتيم ظلما أكبر، أم ترك الصلاة؟ قال: “ترك الصلاة”.
قلت: فما عددت ترك الصلاة في الكبائر؟ فقال: “أي شيء أول ما قلت لك؟”. [قال]: قلت: الكفر. قال: “فإن تارك الصلاة كافر”. يعني من غير علة.
10229/ [9]- ابن بابويه، قال: حدثني أبي (رحمه الله)، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن محمد بن أحمد، عن أحمد بن محمد السياري، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن مهران الكوفي، عن حنان بن سدير، عن أبيه، عن أبي إسحاق الليثي، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في حديث، قال: “اقرأ يا إبراهيم { ٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ إِلاَّ ٱللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ ٱلْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ } ، يعني من الأرض الطيبة، و الأرض المنتنة { فَلاَ تُزَكُّوۤاْ أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰ } ، منكم، يقول: لا يفتخر أحدكم بكثرة صلاته و صيامه و زكاته و نسكه، لأن الله عز و جل أعلم بمن أتقى منكم، فإن ذلك من قبل اللمم، و هو المزاج”.
10230/ [10]- و عنه: عن أبيه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن محمد بن أبي عمير، عن جميل بن دراج، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: { فَلاَ تُزَكُّوۤاْ أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰ } ، قال: “قول الإنسان: صليت البارحة، و صمت أمس، و نحو هذا”.
ثم قال (عليه السلام): “إن قوما كانوا يصبحون فيقولون: صلينا البارحة، و صمنا أمس، فقال علي (عليه السلام): لكني أنام الليل و النهار، و لو أجد شيئا بينهما لنمته”.
الحسين بن سعيد في كتاب (الزهد): عن محمد بن أبي عمير، عن فضالة، عن جميل بن دراج، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله تبارك و تعالى: { فَلاَ تُزَكُّوۤاْ أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰ } ، فقال: “هو قول الإنسان: صليت البارحة، و صمت أمس”. و ساق الحديث.
10231/ [11]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن علي بن أسباط، عن بعض أصحابه، عن أبي جعفر (عليه السلام)، أنه قال: “الإبقاء على العمل أشد من العمل”.
قال: و ما الإبقاء على العمل؟ قال: “يصل الرجل بصلته، و ينفق نفقته لله وحده لا شريك له، فتكتب له سرا، ثم يذكرها فتمحى، فتكتب له علانية، ثم يذكرها فتمحى، فتكتب له رياء”.