"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

ناشونال إنترست : التنافس بين الدول العظمى قد يقسم دول الخليج بين واشنطن وبكين

لندن- “القدس العربي”:

تساءلت مجلة “ناشونال إنترست” عن تنافس القوى الكبرى على منطقة الخليج، وإن كانت ستؤدي لانقسام دوله.

وفي مقال كتبه موردخاي شازيزا، طالب الدكتوراة في جامعة بار إيلان الإسرائيلية، والباحث في علاقات الصين بالخليج، قال إن على دول الخليج تطوير إطار يؤدي لمنع تحول الخليج لساحة تنافس بين الصين والولايات المتحدة.

وفي أثناء زيارته للمنطقة، الشهر الماضي، حضر الرئيس شي جين بينغ قمة الصين- مجلس التعاون الخليجي. وركزت القمة على تحسين علاقات الصين مع المجموعة الخليجية، وبناء علاقات أمنية بين الأطراف جميعها. وقال في خطابه أمام القمة، إن الطرفين هما “شريكان طبيعيان” للتعاون، واقترح خمسة مجالات للتعاون: الطاقة، المال والاستثمار، والإبداع والتكنولوجيا، والفضاء، اللغة والثقافة. ومع ذلك لا بد من نظرة قريبة؛ فبالنسبة لدول الخليج، ستساعد علاقات تجارية مع الصين على تنويع اقتصاداتها، التي تعتمد في الجزء الأكبر على الموارد النفطية. والأهم من كل هذا، ففي سياق التنافس العالمي، لم تقدم القمة أية شراكة إستراتيجية صلبة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي، كما لم يعلن عن شيء في مجال التعاون الأمني.

وفي منطقة الخليج، حيث ظلت الولايات المتحدة اللاعب الخارجي المهيمن لعدة عقود، حاولت الصين علاقات سياسية مع القوى الصاعدة، وتأمين منفذ لمصادر الطاقة، ووسّعت مداها التجاري، وعززت من تأثيرها الإستراتيجي. وفي الوقت الذي تعتقد فيه الصين أن الولايات المتحدة هي قوة في حالة تراجع، فإن نهجها لتحقيق التأثير الأكبر ظل حذراً ومتردداً. فمحاولة إثارة عدم الاستقرار لن تنفع الصين، التي لا تملك الاستعداد والقدرة على ملء الفراغ الأمني الذي لعبته الولايات المتحدة. وبدلاً من ذلك، قامت الصين بتطوير شراكات مع دول مجلس التعاون الرئيسية، والتي قد يؤدي دعمها إلى تعزيز قوتها ويسمح لها بإظهار التأثير في مجالات جديدة. كل هذا يشير إلى أن الصين مصرة على تجنب المواجهة مع الولايات المتحدة، ولا تريد التورط في نزاعات متعددة الجوانب. وتفضل الصين تبنّي عدم التدخل، بشكل يجعلها حيادية في الكثير من النزاعات الإقليمية، وتستفيد في الوقت نفسه من الفرص الإستراتيجية والاقتصادية. ومن هنا فإن مشاريع الحزام والطريق في الخليج تهدف بشكل رئيسي لإظهار تأثير الصين الكبير في المنطقة. وتعتبر سياسة عدم التدخل ضرورية لضمان نجاح مبادرة الحزام والطريق والالتزام بالحيادية، وعدم تنفير أحد. وفي نفس الوقت، ترى ملكيات الخليج في الصين نموذجاً يحتذى به في مجال التجارة لا تتدخل في الشؤون المحلية، وقوة عظمى لها حضور دولي وتأثير سياسي.

وتدير الصين علاقاتها مع دول الخليج من خلال الشراكات الدبلوماسية بدلاً من التحالفات السياسية، وهذه العلاقات ليست تحالفات لأن بكين تتردد في إقامة تحالفات رسمية. ووقعت الصين سلسلة من الشراكات الإستراتيجية مع مجلس التعاون الخليجي، فصّلت فيها استثمارات اقتصادية مهمة وتجارية في إطار مبادرة الحزام والطريق، بما في ذلك شراكة إستراتيجية شاملة مع الإمارات والسعودية، أكبر دولتين في الخليج، إضافة لشراكات اقتصادية مع الكويت وعمان وقطر. ومن المهم الملاحظة أن شراكة الصين الدبلوماسية مع دول الخليج هي ثنائية، وتعتمد على تعميق العلاقات الثنائية والشراكات مع حلفاء الولايات المتحدة الموجودين لتوسيع تأثيرها ووصولها للطاقة بدون المواجهة مع واشنطن. إلا أن تراجع هيمنة أمريكا في الخليج، والذي يحصل في وقت توسع التأثير الصيني، قد يؤدي إلى زعزعة مستوى القوة في المنطقة. ففي الوقت الذي تحاول فيه دول الخليج الحفاظ على العلاقات الإستراتيجية مع واشنطن، فإن هناك بعضاً من دول مجلس التعاون (الإمارات والسعودية) تحاول إحاطة نفسها ضد التهديدات والتغير المتواصل في ميزان القوة، من خلال بناء علاقات مع القوى الأخرى. وتهدف سياسة التحوّط هذه لاستخدام الصين كدعم إضافي سياسي واقتصادي، وكوسيلة للضغط على واشنطن لتعديل سياستها. ويرى أن تنافس القوى العظمى بين الولايات المتحدة والصين، أصبح دينامية مهمة على المسرح العالمي وتشكل النظام العالمي.

وما بين واشنطن القلقة وبكين الحازمة، وجدت دول الخليج نفسها أمام خيار بين حليفتها الإستراتيجية وحليفتها الاقتصادية. إلا أن الشراكة الصينية ودول مجلس التعاون الخليجي لن تحددها ما تريد القوة العظمى من دول الخليج، بل ما تتوقعه هذه الدول من القوة العظمى.

ومع أن القمة ركزت على الوحدة بين دول الخليج، إلا أن دول مجلس التعاون الخليجي ليست لديها فكرة متماسكة حول طريقة التعامل مع الصين. صحيح أن دول الخليج تشترك في رؤية متشككة بمستقبل العلاقة مع الولايات المتحدة، إلا أن رؤيتها للصين، وما يتعلق بتنافس القوى العظمى، مختلفة.

ويمكن تقسيم الآراء هذه إلى ثلاث مجموعات:

الأولى “الدول المتحوطة”، والتي تضم السعودية والإمارات، كلاهما تحاولان التحوط، وبشكل مفتوح، ضد انسحاب أمريكا من الخليج. ولكنهما دمجا عنصراً في الشراكة الإستراتيجية في التعامل مع الصين. وتريد كل من أبو ظبي والرياض تنويع مصادر السلاح، وتمثل الصين مصدراً بديلاً عن واشنطن التي ترفض بيعهما أنواعاً معينة من السلاح.

المجموعة الثانية هي “دول التوازن”، وهما قطر وعمان، وكلاهما بنى علاقات قوية مع الصين من خلال فتح البنى التحتية الوطنية أمام الاستثمار الصيني، لكنهما اتسمتا بالحذر تجاه التنافس بين القوى العظمى، فهما تحتفظان بعلاقات عسكرية مع واشنطن. ورفعت قطر موقعها كحليف لأمريكا من دول غير الناتو نظراً للدور الذي لعبته في عملية الانسحاب الأمريكي من أفغانستان عام 2021. ولم تتردد عمان في شراء السلاح الصيني، خلافاً لقطر، واشترت صواريخ باليستية من بكين، ووقعت إطاراً إستراتيجياً جديداً مع واشنطن عام 2019، أعطى البحرية الأمريكية منفذاً على ميناء دوقم العماني.

المجموعة الثالثة هي “الدول الحذرة”، بما فيها الكويت والبحرين، فكلاهما فتح أبوابه للاستثمار الصيني، لكن مع الابتعاد عن تحويل الشراكة إلى علاقة أمنية، وكلاهما يرى في الحماية الأمريكية ضرورة لأمنهما. وهناك 13.500 جندي أمريكي في الكويت. وتستقبل البحرين الأسطول الخامس الأمريكي، وكلاهما لديه الكثير ليخسره من خلال تعميق العلاقة مع الصين.

وفي ظل الخلاف في المناهج بين دول الخليج من الصين، فإن من الصعب التكهن بمستقبل العلاقات الصينية الخليجية. ووسط التنافس بين القوى الكبرى، وما نجم عن حرب أوكرانيا، فإن دول الخليج أجبرت على التعامل مع حليف تجاري وحليف أمني وعسكري. ويجب على دول الخليج تطوير إطار دبلوماسي لمعالجة الخلافات في السياسة الخارجية، ومنع تحول المنطقة لميدان صراع بين واشنطن وبكين. ولو فشلت دول الخليج في عمل هذا، فالتنافس بين دول الجيران قد يظهر بتداعيات غير متوقعة للمنطقة.