"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

القرآن الكريم ينزه النبي صلى الله عليه و آله من العبوس للأعمى في سورة عبس (من تفسير البينة)

الملف بصيغة pdf :

السورة رقم 22 عبس

(1) عبس وتولى (1)

[ ورد في اسباب النزول للواحدي أن الآية نزلت في رسول الله صلى الله عليه وآله حيث عبس في وجه ابن أم مكتوم – أسباب النزول للواحدي ] .

وفي تفسير الدر المنثور :

[ .. أخرج الترمذي وحسنه وابن المنذر وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه عن عائشة قالت: أنزل سورة عبس وتولى في ابن أم مكتوم الأعمى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول: يا رسول الله أرشدني وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من عظماء المشركين، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض عنه، ويقبل على الآخر، ويقول أترى بما أقول بأساً فيقول لا، ففي هذا أنزلت.

وأخرج ابن المنذر وابن مردويه عن عائشة قالت: ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس من ناس من وجوه قريش منهم أبو جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة فيقول لهم أليس حسناً أن جئت بكذا وكذا؟ فيقولون: بلى والله، فجاء ابن أم مكتوم وهو مشتغل بهم فسأله فأعرض عنه، فأنزل الله { أما من استغنى فأنت له تصدى وأما من جاءك يسعى وهو يخشى فأنت عنه تلهى } يعني ابن أم مكتوم  .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وأبو يعلى عن أنس قال: جاء ابن أم مكتوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يكلم أبيّ بن خلف، فأعرض عنه، فأنزل الله { عبس وتولى أن جاءه الأعمى } فكان النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يكرمه.

وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس قال: ” بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يناجي عتبة بن ربيعة والعباس بن عبد المطلب وأبا جهل بن هشام، وكان يتصدى لهم كثيراً، ويحرص أن يؤمنوا، فأقبل إليه رجل أعمى يقال له عبدالله بن أم مكتوم يمشي وهو يناجيهم، فجعل عبدالله يستقرىء النبي صلى الله عليه وسلم آية من القرآن. قال يا رسول الله: علمني مما علمك الله، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبس في وجهه، وتولى، وكره كلامه، وأقبل على الآخرين. فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم نجواه، وأخذ ينقلب إلى أهله أمسك الله ببعض بصره ثم خفق برأسه ثم أنزل الله { عبس وتولى أن جاءه الأعمى } فلما نزل فيه ما نزل أكرمه نبي الله وكلمه يقول له: ما حاجتك؟ هل تريد من شيء؟ “.- الدر المنثور للسيوطي ] .

وفي مذهب أهل البيت عليهم السلام :

[علي بن إبراهيم، قال : نزلت في عثمان و ابن أم مكتوم، و كان ابن أم مكتوم مؤذنا لرسول الله (صلى الله عليه و آله)، و كان أعمى، فجاء إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) و عنده أصحابه، و عثمان عنده، فقدمه رسول الله (صلى الله عليه و آله) على عثمان، فعبس عثمان وجهه و تولى عنه، فأنزل الله: { عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ } [يعني عثمان] { أَن جَآءَهُ ٱلأَعْمَىٰ * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ } أي يكون طاهرا زكيا { أَوْ يَذَّكَّرُ } قال: يذكره رسول الله (صلى الله عليه و آله) { فَتَنفَعَهُ ٱلذِّكْرَىٰ } . –تفسير البرهان للسيد هاشم البحراتي ] .

ثم خاطب عثمان، فقال: { أَمَّا مَنِ ٱسْتَغْنَىٰ فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّىٰ } ، قال: أنت إذا جاءك غني تتصدى له و ترفعه: { وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّىٰ } أي لا تبالي زكيا كان أو غير زكي، إذا كان غنيا { وَأَمَّا مَن جَآءَكَ يَسْعَىٰ } يعني ابن أم مكتوم { وَهُوَ يَخْشَىٰ فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّىٰ } أي تلهو و لا تلتفت إليه. – تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني ] .

وبالتالي أنت أمام خيارين إما أن تنسب هذه النقيصة وهذا الفعل المشين للنبي حاشا رسول الله صلى الله عليه وآله أو لغيره وهنا سنبين مراد الله تعالى من خلال بيان القرآن بالقرآن :

التفسير :

  • عبس وتولى (1)

وهنا :

(عبس)

و [ عبَسَ يعبِس ، عَبْسًا وعُبوسًا ، فهو عابسٌ، وعبَّاسٌ، وعَبُوسٌ عبَس الشَّخصُ : قطَّب ما بين عينيه وتجهَّم لإبداء الاستياء وعدم الرِّضا، ظهر أثرُ الحزن على وجهه، اكفهرَّ  ]

أولا : ورود لفظ عبس على كفار قريش وأهل النار يجعل من المستحيل نسبة هذا العبوس للنبي ولا يقول به إلا زنديق مجرم بلغ شأواً في الإجرام مع الله  ورسوله لم يصل إليه أحد غير القائلين بأن عمر ينزل الوحي موافق له مخالفاً لرأي النبي صلى الله عليه وآله وذلك نقوله لورود هذا اللفظ على أحد صناديد الكفر القرشي وهو الوليد بن المغيرة الذي نزل فيه قوله تعالى  {  إِنَّهُۥ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَیۡفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَیۡفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدۡبَرَ وَٱسۡتَكۡبَرَ فَقَالَ إِنۡ هَـٰذَاۤ إِلَّا سِحۡر یُؤۡثَرُ إِنۡ هَـٰذَاۤ إِلَّا قَوۡلُ ٱلۡبَشَرِ – المدثر ١٨-٢٥ }    .

وورد هذا اللفظ على المؤمنين وخشية المؤمنين من دخولها في قوله تعالى عنهم { إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَٰلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا – الإننسان 10-11 } وهل الذين يخافون يوماً عبوساً قمطريرا هم الذين يعبسون في وجوه الفقراء و المساكين ؟! وقد ورد عنه صلى الله عليه وآله أنه كان يقول في دعاءٍ له [  اللهم احييني مسكيناً وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين .. الحديث ] فكيف يطردهم ويعبس في وجوههم على خلاف ما أمر به الله تعالى في قوله عز وجل :  { وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا – الكهف 28 } كما نزل في أهل بيته قوله تعالى { ويطعمون الطعام على حبه مسيكناً ويتيماً وأسيرا – الإنسان } وكذلك اشتهار سيدنا الحمزة عليه السلام عم رسول الله بحب المساكين وإطعامهم لينفي عبوس رسول الله صلى الله عليه وأهل بيته في وجه سائل أو مسكين ولو كان صناديد قريشاً أو غيرهم من الكبراء .

وأما :

(وتولى)

وهذا اللفظ أيضاً ليؤكد بأن العابس ليس النبي صلى الله عليه وآله وذلك لأن التولي يكون عن ذكر الله ومن العدو يوم الزحف لذلك لم يرد هذا اللفظ على رسول الله ولا أي نبي غيره إلا سيدنا موسى في قوله تعالى لرؤسته الحية في قوله تعالى { وَأَلْقِ عَصَاكَ ۚ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ ۚ يَا مُوسَىٰ لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ – النمل 10 } وقوله تعالى { فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ  – القصص 24 } .

والتولي ورد على فاسقين في قوله تعالى { فمن تولى بعد ذلك فأولائك هم الفاسقون – آل عمران 82 } وهذه الاية تجعل نسبة العبوس للنبي مستحيلة وذلك لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل – البقرة 205 } .

وهنا يبين تعالى أنه لا يتولى إلا الفاسقين والمفسدين في الأرض والذين شاقوا الله ورسوله في قوله تعالى { ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا – النساء 115} وهنا نكون قد تأكد لنا بأن الذين عبسوا في وجوه الفقراء كبراء قريش وفيهم الوليد بن المغيرة .

ثم يقول تعالى  :

  • أن جاءه الأعمى (2)

وهنا :

(أن جاءه)

وهنا (أن جاءه) وردت هذه الآيات بمواضع في كتاب الله تحكي ما حدث في هذا اللقاء كما يلي :

قال تعالى مبيناً أن قريشاً كانت في حالة من التعجب من هذا القرآن الكريم وما يقوله رسول الله صلى الله عليه وآله وينشره بينهم  قال تعالى { أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون – الأراف 63 } . ويبين تعالى أن منهم من اتهم رسول الله بالكفر لقوله تعالى {  وعجبوا أن جاءهم منذر منهم و قال الكافرون هذا ساحر كذاب – ص 4} ومنهم من قال في القرآن الكريم هذا شيئ عجيب قال تعالى { بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب – ق 2 } ومنهم من قدم حرصاً وعصبية في تقليد الآباء والأجداد لقوله تعالى { وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم وقالوا ما هذا إلا إفك مفترى وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين – سبأ  43 }

وهنا الواضح من سياق الايات  أنهم لم يكونوا جميعاً على قلب رجل واحد لقوله  تعالى { بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج – ق 5 } فمنهم :

  • الذي تعجب من القرآن الكريم .
  • ومنهم من اتهم رسول الله صلى الله عليه وآله بافتراء الكذب والسحر  .
  • ومنهم من قدم عصبية لأصنامهم التي عبدها آباؤهم وأجدادهم . ويبين تعالى أن هؤلاء كانوا يحاربون الله تعالى و رسوله صلى الله عليه وآله من أجل أسماء لآبائهم و سلفهم ووأصنامهم قال تعالى فيها { إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى- النجم 23 } .

والواضح أنهم ذهبوا للنبي صلى الله عليه وآله لاستيضاح الأمر والسماع منه ومساومته على ترك هذا الدين , و يبين تعالى أن ابن ام مكتوم كان قد سبقهم إلى النبي صلى الله عليه وآله كما في قوله تعالى هنا { أن جاءه الأعمى – عبس 2 } . ولذلك وردت هذه الايات على نبي الله يعقوب وكان قد عمى وفقد بصره في قوله تعالى {فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون – يوسف 96 }.

والبشارة هنا كانت في انتصار القرآن لابن أم مكتوم ونزول قرآناً فيه يقدمه على كبراء وصناديد الكفر القرشي والذين جاءوا لمساومة النبي صلى الله عليه وآله في ترك الدعوة إلى الله تعالى وهؤلاء لا يستوون بمن آمن بالله تعالى ورسوله  .

فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وآله في ديار بني هاشم وبني عبد المطلب و من عادة العرب إكرام الضيف أي أنهم ذبحوا لهم ذبيحة لإطعامهم لورود هذه الآيات ( أن جاءه ) في قوله تعالى { ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ – هود 69 }

فلما عرضوا أمرهم على رسول الله صلى الله عليه وآله وهنا ذكرهم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله أن عليهم يشكروا الله تعالى ويؤمنوا به بعد أن من عليهم و جعلهم خلفاء من بعد أنبياء الله تعالى من لدن نوح إلى بعثة المصطفى صلى الله عليه وآله قال تعالى { أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون – الأعراف 69 } .

وأما :

(جاءه)

ورد هذا اللفظ في قوله تعالى { وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ – يس 20 } وهذه الآية تبين أن هذا الصحابي الجليل الأعمى جاء من أقصى المدينة ولورود هذااللفظ على آكلي الربا تبين أن من الذين قدموا على رشول الله صلى الله عليه وآله أناس من آكلي الربا لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون – البقرة 275} .

ومنهم من يعمل عمل قوم لوط لورود هذا اللفظ في قوله تعالى عن هذه الأمة الملعونة { وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد – هود 78 } .

وهؤلاء هم الذين عبسوا في وجه الصاحبي المؤمن الذين نزلت في الآيات الكريمة وفي قوم كفروا بالله تعالى ورسوله وتأففوا من الفقراء والمساكين ونفروا منهم وعبسوا في وجوههم . فلما عجزوا عن مواجهة الحجة بالحجة لجأ هؤلاء إلى الكذب على الله تعالى ورسوله ولا يوجد أظلم من هؤلاء  المنافقين كما في قوله تعالى { ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين – العنكبوت 68 } .

وفي نفس الوقت يشير القرآن الكريم أن رسول الله صلى الله عليه وآله كما يأتيه ويدخل عليه الكفار والمنافقين لقوله تعالى {  إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون – المنافقون 1 } كذلك يدخل عليه المؤمنين وأمره الله تعالى بالسلام عليهم والدعاء لهم قال تعالى { وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم – الأنعام 54 } .

وهنا لما أمره الله تعالى بالسلام على هؤلاء المؤمنين وأكثرهم استضعافاً و هو الأعمى فكيف يعبس في وجهه وقد أوصى الله تعالى به وبالمؤمنين والسلام عليهم  وأما الكفار فدأبهم في كل عصر و في كل مصر التكبر على الفقراء والمستضعفين والأنفة والتأفف منهم كما في قولهم لنبي الله نوحاً عليه السلام { فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين – هود 27 }

كما أن القرآن الكريم دائماً فواتح السور تتكامل في البيان مع خواتيمها كقوله تعالى في أوائل سورة البقرة على سبيل المثال { ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ  وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ  أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ – البقرة 2-5} وخواتيمها تبين من هم هؤلاء المؤمنين في قوله تعالى { آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ – البقرة 285} وكذلك سور الكهف على سبيل المثال فاواتحها يقول تعالى فيها { لينذر الذين اتخذ الله ولدا -} وخواتيمها تقول في بيان متكامل للمعنى { هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا} وكذلك هنا إذا قال تعالى في أوائل سورة عبس { عبس وتولى أن جاءه الأعمى } تبين خواتيمها أن هذا العمل يقوم به مجرمين من أهل النار قال تعالى فيهم { وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ  تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ  أُولَٰئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ  – عبس 40-42} وبالتالي بالقطع واليقين الذي لا شك فيه لا يمكن نسبة هذا العبوس للنبي صلى الله عليه وآله .

وأما :

 (الأعمى)

والأعمى الذي لا يرى وهو عكس المبصر والعمى لا يكون في النظر بل في البصيرة كما في قوله تعالى { إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور – الحج 46 } .

والأعمى هو التارك للعمل بكتاب الله كما في قوله تعالى { ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد  -فصلت 44 } وبالتالي عمى النظر عند هذا المؤمن أثبت الله تعالى أنه بإيمانه بصير يبصر الحق من الباطل وهؤلاء الذين ينظرون بأعينهم لم تنفعهم أعينهم ليبصروا الحق قال تعالى { وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون – الأعراف 198 }  .

وبالتالي هذا الأعمى بصير وهؤلاء بأعينهم عمياً لا يبصرون الحق المنزل من عند الله فهو أعمى النظر بصير القلب كما بينا وما الأعمى إلا الكافر التارك للعمل بكتاب الله وهؤلاء لا يستوون قال تعالى { وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء قليلا ما تتذكرون – غافر 58 } .