"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

حروف المعاني و الضمائر ببيان القرآن بالقرآن في تفسير ” البينة “

بقلم :

خالد محيي الدين الحليبي 

 

[ إذا : و تأتي بثلاثة أوجه : ظرفيّة، فجائيّة، تفسيريّة:

  1. إذا الظرفيّة: ظرف لما يستقبل من الزمن، مبني على السكون، متضمّن معنى الشرط غالبا، خافض لشرطه متعلّق بجوابه، و تختصّ بالدخول على الجملة الفعليّة، و يكون الفعل بعدها ماضيا غالبا، أو مضارعا، مثل قول الشاعر: إذا نزل البلاء بصاحبي دافعت عنه بناجذي و بمخلبي

*إذا دخلت إذا على اسم مرفوع أو ضمير للغائب، أعرب فاعلا لفعل محذوف يفسّره الفعل الذي يليه، إذا كان هذا الفعل مبنيّا للمعلوم، و إذا كان الفعل بعدها مبنيّا للمجهول أعرب الاسم نائب فاعل؛ نحو قول الشاعر: إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بدّ أن يستجيب القدر (أراد)

إذا: ظرف لما يستقبل من الزمن خافض لشرطه متعلّق بجوابه و هو مضاف.

الشعب: فاعل لفعل محذوف يفسّره الفعل أراد الذي بعده مرفوع. و جملة الشرط (أراد الشعب الحياة )في محل جرّ بالإضافة.

*أمّا إذا دخلت على ضمير للمخاطب أو المتكلّم، فإنّ هذا الضمير يعرب توكيدا للفاعل أو نائبه في الفعل المحذوف ؛ يقول الشاعر: إذا أنت لم تشرب مرارا على القذى ظمئت . أيّ الناس تصفو مشاربه.

أنت: ضمير منفصل مبني في محلّ رفع توكيد للفاعل في الفعل المحذوف الذي يفسّره الفعل بعده.

ملحوظة:قد تزاد ما بعد إذا فلا تغيّر شيئا ، و تعرب ما حرفا زائدا لا محلّ له من الإعراب؛ مثل إذا ما زرتني أكرمتك.

  1. إذا التفسيريّة : حرف مبني على السكون لا محلّ له من الإعراب يأتي في موضع أيّ التفسيريّة في الجمل، و تختلف عنها في كون الفعل بعد إذا لا يكون إلاّ للمخاطب؛ نحو: استكتمته السرّ إذا طلبت منه أن يستره.
  2. إذا الفجائيّة: حرف مبني على السكون لا محلّ له من الإعراب، و هي تختصّ بالدخول على الجملة الاسمية، ولا تحتاج إلى جواب (جملة جواب الشرط)، ولا تقع في ابتداء الكلام، و تلزمها الفاء (الإستئنافيّة) الزائدة ، و الإسم المرفوع بعدها يعرب مبتدأ خبره مذكور كثل قوله تعالى :”فألقاها فإذا هي حيّة تسعى” أو نحو: دخلت الصفّ فإذا بالأستاذ ] .

 

البيان القرآني هنا للفظ (إذا) :

لفظ إذا هنا يعتبر مفتاح فهم الآية كلها وبيانها لوروده في مواضع تبين المقصود من الآية الكريمة فقد ورد في بيان كفر قريش بدعوة النبي صلى الله عليه وآله وقولهم حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا قال تعالى { وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون – المائدة 104} وإذا فعلوا فاحشة قالوا بقدسيتها لفعل آبائهم لها قال تعالى { وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون – الأعراف 28 } وقالوا في كتاب الله أساطير الأولين { وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين – النحل 24 }

وبالتالي كانوا يكرهون كتاب الله تعالى ويكادون يسطون على تاليه كما في قوله تعالى { وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا قل أفأنبئكم بشر من ذلكم النار وعدها الله الذين كفروا وبئس المصير- الحج 72 }

ولما علموا وولاية أهل بيته من عده عليهم السلام حاولوا تبديل آيات الله كما في قوله تعالى {  وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم – يونس 15 } وهذه فتنة حاولوا فيها تبديل حكم الله تعالى وهنا لجأ هؤلاء المجرمين للكذب على الله تعالى ورسوله كما في قوله تعالى { وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا النساء 81 } وقال تعالى { ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم – محمد 16 }.

وهنا برزت طائفة من المنافقين لا هم لها إلا الدنيا ومتاعها لا يراعون لله حرمة في حلال أم حرام وقال تعالى في هؤلاء  { وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا- مريم 73 } .

وهنا فتح الله تعالى عليهم أبواب الدنيا ومتاعها لقوله تعالى {  فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون – الأنعام 44 }

وتظهر طبقة اجتماعية جديدة من المنتفعين الذين منعوا حق الله تعالى في أموالهم بعدما منعوا الماعون وحقوق الفقراء  وخمس أهل بيت النبي المفترض لهم في كتاب الله تعالى وأطلق عليهم القرآن الكريم طبقة المترفين وهؤلاء سيكونون أهم معول لهدم الدولة الإسلامية في كل زمن  قال تعالى { وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا – الإسراء 16 }

وهنا يأت وعد أول وعده الله تعالى بني سرائيل في زمن النبي صلى الله عليه وآله وقال تعالى فيه {  فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا – الإسراء 5} ويكون وعد فيه هلاك قريشاً الأولى لأنهم كبني إسرائيل بين وعدين للهلاك قال تعالى فيه {سنعذبهم مرتين ثم يدون إلى عذاب عظيم – التوبة }

وبين الوعدين ينزل بهم عذابات مختلفة لا يكون فيها ااستئصالاً لهم لعلهم يتوبون من قريب قال تعالى { فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون – الأنبياء 12-13 } ثم يفتح الله تعالى على البشرية بكفرها باباً من العلم ليدمروا بعضهم بمخترعاتهم ومنها المعارج ( الطائرات والصواريخ وكل مايصعد به إلى السماء ) و قال تعالى فيها {ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت ابصارنا بل نحن قوم مسحورون – الحجر14-15} وهذا باب عذاب شديد يفتحه الله تعالى على البشرية بكفرهم ولا رحمة فيه لقوله تعالى { حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد إذا هم فيه مبلسون – المؤمنون 77 } .

وهنا يبدأ الوعد الآخر بعلوا بني إسرائيل في العالم وسيرهم نفس نهج فرعون مع المؤمنين الذي عانوا هم منه من قبل وهنا توعدهم الله تعالى بالوعد الآخر هم وقريش الآخرة كما بينا في عذابهم الثاني قال تعالى { إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا – الإسراء 7 }

ويكون هلاكهم ببعثة إمام آخر الزمان والذي أطلق عليه القرآن الكريم دابة الأرض قال تعالى { وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون – النمل 82 } وآجال الأمم الظالمة من كفار ومنافقين تكون مرهونة ببعثة هذا الإمام لما ورد فيه تصريحا { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ  وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۗ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۚ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ– يونس 47-49 } وهنا يكون قد حل زمان هلاكهم وجمعهم للحساب كما في قوله تعالى { فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون – آل عمران 25 }

وإن كان المقصود بدابة الأرض دابة فعليه فخروجها بعد هلاك العالم والذي يكون أماراته سيطرة الإنسان على كل شيئ بواسطة ما توصل له من علم وتكنولوجيا وكومبيوتر قال تعالى { إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون – يونس 24 } .

ثم تكون الايات بعد ذلك ومنها يأجوج ومأجوج الوارد ذكرهم في قوله تعالى { حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون – الأنبياء 96 }

وهذا من أشراط الساعة كما في قوله تعالى { فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم – محمد 18 } وهنا يتحسونر على ما فرطوا فيه من تركهم العمل بكتاب الله وشرعه الكريم قال تعالى { قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون – الأنعام 31 }

وبالتالي قوله تعالى هنا { والنجم إذا هوى } يحكي قصة كفر قريشاً الأولى وبني إسرائيل وصراعهم مع أهل بيت النبي وقتلهم إياهم وخط سير أحداث آخر الزمان منذ ظهور الإسلام حتى قيام الساعة .

وأما :

(هوى)

[ وهوى بمعنى سقط من شاهق ] قال تعالى { حنفاء لله غير مشركين به ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق – الحج 31 } أي أن شدة شرك هؤلاء وكفرهم بالله تعالى سيكون أهم عوامل إبادتهم بالنجم إذا هوى خاصة إذا فشا فيهم عمل قوم لوط لقوله تعالى فيهم { والمؤتفكة أهوى فغشاها ما غشى – النجم 53 } وهذا في آخر الزمان مع ظهور علامة في السماء وهو النجم ذو الذنب قال تعالى هنا { والنجم إذا هوى} وهذا النجم يهوي على كفار ومنافقي آخر الزمان والذين يعملون بعمل قوم لوط كما بينا وهذا يسبب غضب أهل السماء عليهم فيأذن الله تعالى بسقوط نجماً من السماء عليهم بغضب من الله تبارك وتعالى قال فيه { ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى } .

 

(2)

(59) أفمن هذا الحديث تعجبون (57)

وهنا :

(أفمن)  [ الهمزة حرف استفهام إنكاري ]

(أ)

الهمزة هنا للإستفهام لقوله تعالى { أ كان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم قال الكافرون إن هذا لساحر مبين – يونس 2 } و وهذا الحديث ننزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وهو على بينة لذلك من ربه تبارك وتعالى وشاهد على ذلك وعلى الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله الإمام علي عليه السلام وصي النبي صلى الله عليه وآله كما في قوله تعالى { أ فمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم – محمد 14 } هنا تعجبوا أكثر من كتاب الله تعالى وبعثة رسوله صلى الله عليه وإمامة الإمام علي من بعده لذلك قال تعالى هنا  { أ فمن هذا الحديث تعجبون – النجم }

و هنا ظهرت طائفة منافقة أخذت من كتاب الله ما يحلوا لها وما توافق وأهوائها وتركت مالا يتوافقه وأهوائهم وقال تعالى في ذلك { وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ ۚ وَمَا أُولَٰئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ أ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ ۚ بَلْ أُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ – النور 47-50 }

(أف)

أي أنه يقول تعالى : { أفبهذا الحديث أنتم مدهنون – الواقعة 81 }   و [ والفاء حرف استئناف ] و [ تأتي الفاء حرف استئناف مبنيّ على الفتح لا محلّ له من الإعراب و أنّ الكلام بعدها لا علاقة له بما قبلها، والجملة الّتي بعدها تكون استئنافيّة لا محلّ لها من الإعراب ، نحو قوله تعالى :{ أفبهذا الحديث أنتم مدهنون – الواقعة 81 }  وقال تعالى أيضاً (فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) ] .

(من)

وهنا يبين تعالى أنهم لما تعجبوا وكفروا بالله تعالى حل بهم العذاب  فقالوا ياويلنا لقد كنا في غفلة من هذا  قال تعالى { واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين – الأنبياء 97 } ويقال لهم بعد كشف الغطاء ورؤيتهم نزول  العذاب بهم في الدنيا وخلفه عذاب الآخرة فيقال لهم { لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد – ق 22 }

وأما :

(هذا)

قال تعالى { هذا هدى – الجاثية } ويبين تعالى أن أكثر كفار قريشاً الأولى تعجبوا وقالوا {وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا – الفرقان 7 }

وقالوا أيضاً  ما سمعنا بذلك من قبل قال تعالى { ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق – ص 7 } وقالوا أيضاً { وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد – ص 6 } فقال تعالى في تعجبهم من الرسالة و الرسول صلى الله عليه وآله هنا { أفمن هذا الحديث تعجبون } فنفر أكثرهم من هذا الهدى كما في قوله تعالى { ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا وما يزيدهم إلا نفورا – الإسراء 41 }

وأما :

 (هذا الحديث)

أي أنه يقول تعالى { هذا نذير من النذر الأولى – النجم 56} وهذا النذير وهذا الحديث هم به مكذبون لقوله تعالى { فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون إن كيدي متين – القلم  45}  ومنهم منافقون يداهنون به قولاً لا عملاً يقولون نؤمن بالقرآن وهم فجرة خارجون عليه ويعلنون حب الرسول ولا يعملون بسنته ويعلنون حب البيت وأيديهم ملوثة بدمائهم و لذلك قال تعالى  { أفبهذا الحديث أنتم مدهنون – الواقعة 81 } ومدهنون في اللغة [ أَدْهَنَ: (فعل) أدهنَ يُدهن ، إدهانًا ، فهو مُدهِن أظهر خلاف ما أضمر بقصد الخداع والغِشِّ ، أَدهن في الأمر: لان أَدْهَنَ عليه: أبقى أَدْهَنَ الجلدَ: لَيَّنه بالدّهن أَدْهَنَ فلانًا : داراه ولاينه – المعجم الوسيط ] .

ومن هنا اتخذ هؤلاء كتاب الله هزوا ودينهم لعباً وقال تعالى فيهم هنا { أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون – النجم 57-58} .

وأما :

(الحديث)

الحديث هنا هو القرآن الكريم لقوله تعالى { الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد – الزمر 23 } .

وهذا الحديث كذبت به قريش وترك العمل به الكثير حتى قال تعالى { وقال الرسول ياربي إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا- الفرقان } و هذا العمل أوجع قلب رسول الله صلى الله عليه وأهل بيته حزنا فقال تعالى { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا – الكهف 6 } أي [ فلعلك -أيها الرسول- مُهْلِك نفسك غمًّا وحزنًا على أثر تولِّي قومك وإعراضهم عنك، إن لم يصدِّقوا بهذا القرآن ويعملوا به.- التفسير الميسر ]

ويبين تعالى أن الكثير من الناس بعد ذلك انشغل بلهوال الحديث ومنه القص الذي يقصه القصاصون على زمن ما بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ويدخل فيه الكذب على الله تعالى ورسوله وباطل الكلام لذلك قال تعالى في بيان أنه حديث ولكن ليس فيه حق يضلون به الناس عن ولاية ربهم ورسوله وأهل بيته عليهم السلام فإن تكلموا على كتاب الله ارتهنوه بفهم أحد رجالهم قائلين ماذا قال سلفنا والعلماء في الآية وفقدموا رأي العالم على النص القرآني ليكون حاكما عليه وليس العكس بأن يكون كتاب الله حاكما على العالم وابمتعلم وإذا تكلموا على رسولا لله قدموا عليه أقوال عمر وابي بكر وغيرهم وإن قلت أهل بيت النبي كذبوا القائل وربما قتلوه كما كان على زمن بني أمية وبني العباس وإلى الآن لذلك قال تعالى أن هذا كله من لهوا الحديث لإضلال الناس عن كتاب ربهم وولاية رسول الله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام قال تعالى  { ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين – لقمان 6 } وهؤلاء قال تعالى بأنه سيستدرجهم إلى عذب كبير قبل ظهور بينة الصحف الآخر ةقال تعالى {  فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين – القلم 44-45} فإذا أراد الله تعالى إحقاق الحق والفصل في القضية حل أجل هذه الأمة ظهرت بينة الصحف الآخرة فيتعجبون منها لذلك قال تعالى هنا { أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون  – النجم 59-60 } .

وأما :

(تعجبون)

[ وعجب كل شيئ مؤخره وهو العصعص في الإنسان والعسيب من الدابة ومنه يكون التعجب مما خفى سببه والعجب النظر إلى شيئ غير مألوف ولا معتاد فهو حالة تعرض للإنسان عند الجهل لسبب الشيئ ويكون إنكاراً لما يرد عليه مما يقل اعتياده  والشيئ الذي يكون كذلك عجيب وعجيبة وأعجوبة والوصف عجيب وعجاب – معجم ألفاظ القرآن باب العين فصل الجيم والباء ] .قال تعالى { قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ – هود 72 } وكان تعجبهم من بعثة نبي منهم كما في قوله تعالى  { بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب  – ق 2}  فقال تعالى لهؤلاء الكافرين { أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم قال الكافرون إن هذا لساحر مبين  -يونس 2 } وكان تعجب الجن من كتاب الله ومعجزته لأنهم أكثر علماً من عالم الإنس قال تعالى { إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن شرك بربنا أحدا – الجن 1-2}  ومن هؤلاء فريق من المنافقين [ يقولون مالا يفعلون ويفعلون مالا يؤمرون … حديث شريف ]  قال تعالى فيهم { من الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل – البقرة 204-205}

وهؤلاء في الصدر الأول للإسلام إن تعجبوا من بعثة رسول الله صلى الله عليه وآله فهم من الإمام علي عليه السلام و الأئمة من ذريته عليهم السلام أعجب بعد أن قال تعالى فيهم : { إنما أنت منذر ولك قوقم هاد – الرعد } ولذلك تسلطوا عليهم وعملوا السيف فيهم قتلاً وسجناً وتشريداً ووضعاً وكذباً على الله تعالى ورسوله لصرف الناس عنهم { والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون – يوسف } ولذلك قال تعالى هنا { أفمن هذا الحديث انتم تعجبون – النجم} .