الخليج الجديد :
خلال زيارة الرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي” إلى غينيا بيساو في أغسطس/آب 2021، تعهد بمتابعة “التنمية الشاملة للعلاقات مع البلدان الأفريقية” ووصف إيران بأنها “شريك حقيقي” لأفريقيا.
وبعد مرور عام، أعلن “روح الله لطيف”، نائب رئيس نادي “تجار إيران-أفريقيا”، أن التجارة بين إيران وأفريقيا زادت بنسبة 39%. وفي هذا العام، كان شركاء الاستيراد الأساسيون لإيران في أفريقيا هم تنزانيا وكينيا وجنوب إفريقيا، في حين أن شركاء التصدير الرئيسيين هم جنوب إفريقيا وموزمبيق والسودان.
وبالرغم أن تجارة إيران التي بلغت قيمتها 1.056 مليار دولار مع أفريقيا خلال الأشهر الثمانية الأولى من 2022 لا تزال صغيرة مقارنة بالعلاقات التجارية مع الدول الأخرى، فإن نمو الروابط التجارية مع القارة يعكس التزام “رئيسي” بالتراجع عن سياسة التجاهل التي انتهجها سلفه “حسن روحاني” تجاه إفريقيا.
وبالرغم من التزام إيران بوجود أكبر في أفريقيا، فإن استراتيجية طهران في القارة مليئة بالتناقضات؛ فعلى مدار العقدين الماضيين، قامت طهران بتنمية شراكات اقتصادية جديدة واستفادت من المشاعر المناهضة للغرب لكسب النفوذ في أفريقيا.
ومع ذلك، فقد اقترن هذا النهج الدقيق والتوافقي مع تكتيكات زعزعة الاستقرار، مثل محاولة تنميةالجانب الطائفي لدى الأفارقة الشيعة وتسليح الجهات الفاعلة غير الحكومية، وهي الخطوات التي عملت على تشويه صورة إيران.
ويتسبب هذا الدور المزدوج لإيران في تعقيد شراكاتها في أفريقيا ويوفر ثغرات يمكن أن يستغلها منافسوها في الخليج.
ما الصحيح في نهج إيران؟
منذ عام 2006، عندما تم الاحتفاء بالرئيس الإيراني السابق المثير للجدل “محمود أحمدي نجاد” في القمة السنوية للاتحاد الأفريقي في غانا، نظرت إيران إلى العلاقات التجارية مع أفريقيا كمكون حاسم في استراتيجيتها.
وركزت إيران على تسويق النفط إلى الدول الأفريقية حتى ضغطت الولايات المتحدة على المستوردين الرئيسيين، مثل جنوب أفريقيا، لتعليق مشترياتهم في عام 2012.
كما سعت إيران أيضًا إلى توسيع علاقاتها في أفريقيا من خلال مخصصات القروض وبناء المستشفيات واستثمارات الأعمال الصغيرة. وبعد أكثر من عقد من الزمان، حققت هذه الجهود بعض النجاح؛ نظرًا لإنشاء مراكز تجارية في الأسواق الكبرى، مثل جنوب إفريقيا وكينيا، ووسعت إيران بشكل متواضع صادراتها إلى البلدان الأفريقية.
وتراجعا استراتيجية التواصل الاقتصادي مع أفريقيا خلال عهد “روحاني”، حيث سعت إيران لتخفيف العقوبات وغازلت الشركاء الغربيين، لكنها شهدت انبعاثًا في عهد “رئيسي”. وفي يونيو/حزيران 2022، حدد رئيس منظمة تنمية التجارة الإيرانية “علي رضا بيمان باك” هدفًا تجاريًا بقيمة 5 مليار دولار مع البلدان الأفريقية بحلول عام 2025.
ويعتزم “بيمان باك” الوصول لهذا الهدف الطموح من خلال إضفاء الطابع الرسمي على آلية تجارة المقايضة المصممة للتهرب من العقوبات الغربية، بالإضافة إلى التركيز على الاستفادة من الخبرة الفنية لإيران لتعزيز البنية التحتية للنقل البحري في أفريقيا.
وتعد شراكة إيران التجارية مع جنوب إفريقيا نجاحًا مهما لاستراتيجيتها؛ فقد زادت حجم التجارة غير النفطية بين البلدين بنسبة 500% من مارس/آذار 2021 إلى مارس/آذار 2022، ومن المتوقع تعزيز العلاقات من خلال لجنة اقتصادية مشتركة.
وتنامت القوة الناعمة لإيران في أفريقيا من خلال توظيف الخطاب المناهض للغرب والمناهض لإسرائيل، وتحاكي إدانات إيران للكولونيالية الغربية الجديدة والتضامن مع الأنظمة الاستبدادية في أفريقيا استراتيجية القوة الناعمة الروسية.
وخلال اجتماع “رئيسي” في 22 فبراير/شباط مع رئيس غينيا الاستوائية “تيودورو أوبيانغ” – والذي فُرضت عليه هو نفسه عقوبات غربية واسعة – اتهم “رئيسي” الدول الغربية بنهب ثروة أفريقيا، مدعيا أنها “حافظت على روحها الاستعمارية ولم تغير سوى أساليبها الاستعمارية”.
وساعد تأطير إيران للعقوبات الغربية ضد زيمبابوي باعتبارها “إرهابًا اقتصاديًا” على تعزيز العلاقات الثنائية بين طهران وهاراري، وتفاعل وزير الخارجية الإيراني “حسين أمير عبداللهيان” مع انسحاب فرنسا من مالي من خلال وضع “خطط خاصة” لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع الحكومة العسكرية تحت إمرة العقيد “عصيمي غويتا”.
وبالمثل، فإن إدانات إيران الصريحة لـ “نظام الفصل العنصري ضد الشعب الفلسطيني” سهلت العلاقات الوثيقة مع جنوب أفريقيا، والتي تتعاطف حكومتها التي يهيمن عليها حزب “المؤتمر الوطني الأفريقي” إلى حد كبير مع القضية الفلسطينية بالنظر إلى تاريخها مع التمييز.
وبالإضافة إلى إنشاء قنوات تجارية جديدة عبر العلاقات مع أفريقيا، كان صانعو السياسة الإيرانيون يأملون في الحصول على دعم أفريقي لمواقف طهران في الأمم المتحدة؛ ليكون ذلك بمثابة ثقل موازن للسعودية التي سعت في مبادرات دبلوماسية مماثلة في السنوات الأخيرة.
وفي عام 2007، حثت جنوب أفريقيا مجلس الأمن على إسقاط حظر الأسلحة عن إيران والامتناع عن العقوبات المتعددة الأطراف على الحرس الثوري، كما تبع سعي إيران الحثيث لعلاقات وثيقة مع النيجر رفض النيجر لشرعية إعادة الولايات المتحدة للعقوبات ضد إيران عندما ترأست مجلس الأمن في سبتمبر/أيلول 2020.
ومع ذلك، فقد شهدت هذه الاستراتيجية تحديات نتيجة افتقار طهران للموارد المالية مقارنةً بخصومها. وعندما دفعت السعودية كلا من السودان والصومال وجيبوتي لتعليق العلاقات الدبلوماسية مع إيران بعد إعدام رجل الدين الشيعي السعودي “نمر النمر” في يناير/كانون الثاني 2016، نظرت طهران بارتياب إلى مبادرات الرياض الدبلوماسية في أفريقيا.
ولا يمكن أن تتنافس إيران مع القوة المالية للسعودية (مثل اتفاقها الاقتصادي بقيمة 15 مليار دولار مع جنوب أفريقيا في أكتوبر/تشرين الأول 2022)، لذلك حاولت الاستثمار في البعد الطائفي داخل القارة لمواجهة السعودية؛ وهي أداة ذات عواقب خطيرة على علاقاتها المستقبلية في أفريقيا.
ما أخطاء نهج إيران؟
في أعقاب الاغتيال الأمريكي للجنرال الإيراني “قاسم سليماني” في يناير/كانون الثاني 2020، تم التركيز على خطط إيران لعمليات عنف داخل أفريقيا مما عرضها لانتقادات كثيرة من الحكومات الأفريقية.
ففي أعقاب الاغتيال، قيل إن إيران وضعت خطة لاغتيال سفيرة الولايات المتحدة في جنوب أفريقيا “لانا ماركس”. وبحسب التقارير، حاول عملاء الاستخبارات الإيرانيون مهاجمة سفارة الإمارات في إثيوبيا كجزء من حملة أوسع ضد الإمارات وإسرائيل والمواقع الدبلوماسية الأمريكية في أفريقيا.
وفي 7 نوفمبر/تشرين الثاني، ألقت السلطات المحلية في السنغال وغانا وتنزانيا القبض على 5 عملاء مشتبه بهم من فيلق القدس بزعم التآمر لتنفيذ هجمات ضد السياح ورجال الأعمال الإسرائيليين.
وإلى جانب هذه المؤامرات الإرهابية المزعومة، فإن تحالف إيران مع الشبكات الشيعية المتطرفة في جميع أنحاء أفريقيا غذى الانتقادات للجمهورية الإسلامية.
على سبيل المثال، نظرت الحكومة النيجيرية بسلبية لدعم إيران لرجل الدين الشيعي “إبراهيم زكزاكي” (الذي يقود “الحركة الإسلامية” في نيجيريا مستلهمًا أيديولوجية الخميني) بالرغم أن “زكزاكي” لا يدعم تكتيكات إرهابية مثل جماعة “بوكو حرام” لإنشاء دولة إسلامية في نيجيريا.
كما تلطخت سمعة إيران من خلال ارتباطها بـ”حزب الله” اللبناني، والذي ما يزال متورطًا بشدة في شبكات التهريب في غرب أفريقيا. فقد برزت كوت ديفوار كمحور لغسل الأموال والاتجار بالمخدرات في غرب أفريقيا، وعمل مجتمع الشتات اللبناني القوي البالغ 80 ألف شخص كبوابة لانخراط “حزب الله”.
ويمتد تهريب “حزب الله” للأسلحة والمخدرات إلى دول غرب أفريقيا الأخرى، مثل غينيا وتوغو وغينيا بيساو وسيراليون، ويعد ذلك جزءا من أنشطة عالمية تخلق موارد للحزب تقدر بمليار دولار كل عام.
كما ينظر الكثيرون في أفريقيا بارتياب إلى شحنات الأسلحة الإيرانية للجهات الفاعلة من غير الدول، ويعد إنشاء إيران لشبكة وكلاء في الصومال، والتي زُعم أنها قامت بتوجيه الأسلحة إلى الحوثيين في اليمن ولعملاء آخرين في شرق أفريقيا، أكثر مثال جدير بالملاحظة على سياسة طهران في هذا الصدد.
وتزعم وزارة الخزانة الأمريكية أن “محمد أحمد قهاي” رئيس جناح الاستخبارات في حركة “الشباب”، عقد اجتماعات سرية مع إيرانيين في أوائل عام 2020 مما أدى إلى نقل الأموال إلى فرع الصومال التابع لتنظيم “الدولة الإسلامية”.
وبحسب التقارير، فقد قامت إيران بتحويل الطائرات المسيرة الانتحارية “كاميكازي” إلى “جبهة البوليساريو” من أجل قتالها ضد المغرب في منطقة الصحراء الغربية المتنازع عليها، مما ساهم في توتر العلاقات بين طهران ورباط. وفي أوائل عام 2022، أدان وزير الخارجية المغربي “ناصر بوريطة” خطط طهران للتسلل إلى أفريقيا وتوسيع أيديولوجية الثورة الإسلامية في القارة.
وبالرغم من توسع روابط إيران التجارية والدبلوماسية مع أفريقيا تحت قيادة “رئيسي”، فإن سلوكها المزعزع للاستقرار يعقد ويناقض في كثير من الأحيان طموحات طهران الإقليمية.
ومع تراجع احتمالات الاستعادة السريعة للاتفاق النووي ومواجهة إيران لعقوبات غربية إضافية على مساعدتها العسكرية لروسيا، فمن المرجح أن يهتم “رئيسي” أكثر بأفريقيا كمسرح لنشر النفوذ الإيراني في عام 2023، ولكن ستظل نفس التحديات قائمة إلا إذا قبلت طهران تقليص نزعتها الأيديولوجية وعلاقاتها بالنشاط الإجرامي والنزاعات العسكرية المزعزعة للاستقرار.