"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

المجلد الثالث (3) من تفسير البينة (النبأ العظيم)

الملف بصيغة PDF :

المجلد الثالث من تفسير البينة

السور رقم (11)

سورة الفجر

تفسير البينة (النبأ العظيم)

ورد في تفسير الدر المنثور : [ أخرج ابن الضريس والنحاس في ناسخه وابن مردويه والبيهقي من طرق عن ابن عباس قال: نزلت { والفجر } بمكة. وعن عبدالله بن الزبير قال: أنزلت { والفجر } بمكة.

أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عبدالله بن الزبير في قوله: { والفجر } قال: قسم أقسم الله به.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ميمون بن مهران قال: إن الله تعالى يقسم بما يشاء من خلقه وليس لأحد أن يقسم إلا بالله.

وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عباس في قوله: {والفجر } قال: فجر النهار.

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله: { والفجر } قال: هو الصبح. –الدر المنثور للسيوطي ] .

تفسير البرهان :                                        

[ عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: ” قوله عز و جل: { وَٱلْفَجْرِ } الفجر هو القائم (عليه السلام): { وَلَيالٍ عَشْرٍ } الأئمة (عليهم السلام) من الحسن إلى الحسن { وَٱلشَّفْعِ } أمير المؤمنين و فاطمة (عليها السلام)، { وَٱلْوَتْرِ } هو الله وحده لا شريك له: { وَٱلَّيلِ إِذَا يَسْرِ } هي دولة حبتر، فهي تسري إلى دولة القائم (عليه السلام) .

– محمد بن العباس: عن الحسين بن أحمد، عن محمد بن عيسى، عن يونس بن يعقوب، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، أنه قال: ” الشفع هو رسول الله (صلى الله عليه و آله) و علي (عليه السلام)، و الوتر هو الله الواحد القهار عز و جل “.

– علي بن إبراهيم، قال: ليس فيها (واو) و إنما هو (الفجر و ليال عشر) قال: عشر ذي الحجة { وَٱلشَّفْعِ } قال: ركعتان { وَٱلْوَتْرِ } ركعة.

–  قال: و في حديث آخر قال: الشفع الحسن و الحسين، و الوتر أمير المؤمنين (عليهم السلام).

– الشيباني في (نهج البيان)، قال: روي عن الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام): ” أن الشفع محمد و علي، و الوتر الله تعالى “.

– الطبرسي، قال: الشفع يوم النحر، و الوتر [يوم] عرفة، قال: و هي رواية جابر، عن النبي (صلى الله عليه و آله).

قال: و الوجه فيه أن يوم النحر يشفع بيوم نفر بعده، و ينفرد يوم عرفة، [و قيل: الشفع يوم التروية، و الوتر يوم عرفة] و روي ذلك عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام) “.- البرهان ] .

التفسير:

  • والفجر (1)

وهنا يقسم الله تبارك وتعالى بالفجر لما فيه من حكم بالغة منها الظاهر ومنها الباطن الظاهر بما فيه من حكم أودعهاالله تعالى في بزوغ ضوء الفجر من بين الظلام الدامس في صورة ضوء رفيع منفرد مايلبث أن يتحول هذا الضور الرفيع إلى نور ساطع منتشر بعد ظلام دامس وفي ذلك آية ظاهرة ومافيه من بواطن وحكم أن ظلمات الليل لا تستمر ولا النور سيستمر لذلك قال تعالى { وتلك الأيام نداولها بين الناس – آل عمران 140} وهذه المداولة بين ظلمات الجلااهلية ونور الإسلام كما سنبين إن شاء الله .

وأما :

(و)

الواو هنا واو قسم كقوله تعالى في قسمه بالظواهر الكونية والتي لا يقدر عليها إلا خالقها وفيها دلالة على ألوهيته وأنه الخالق المستحق للتعظيم و للعبادة قال تعالى { والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها والنهار إذا جلاها والليل إذا يغشاها والسماء وما بناها والأرض وما طحاها ونفس وما سواها – الشمس } { والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى وما خلق الذكر والأنثى –الليل  } وقال تعالى { والجم إذا هوى } وقال تعالى { والضحى والليل إذا  سجى } وما بين الليل والنهار والسماء والأرض يتفجر الفجر لذلك أقسم الله تعالى هنا بالفجر قائلاً سبحانه  { والفجر وليال عشر } .
وأما :

(و الفجر)

[ الفجر : شق عمود الصبح فجره الله لعباده فجراً إذا أظهره في أفق المشرق منتشراًيؤذن بإدبار الليل المظلم وإقبال النهار المضيئ – مجمع البحرين كتاب الراء وما أوله فاء ]  ومنه قوله تعالى { وفجرنا الأرض عيوناً – القمر 12 } أي انشقت الأرض وتفجرت منها العيون كذلك المعنى هنا في الفجر و شق الصبح و انفلاق الصبح من ظلمة الليل قال تعالى فيها :  { فالق الإصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبابنا – الإنعام } قال تعالى في انفلاق الصبح وتفجره بخيط أبيض يتسع حتى يعمل الأفاق قال تعالى في أوقات العشاء والفجر { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر – البقرة } . وهذا الوقت من الفجر يقسم به الله عز وجل لما فيه من بركة وإجابة دعاء فهى أوقات صلاة وتسبيح واستغفار تشهدها الملائكة قال تعالى فيها {  أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا – الإسراء 78 } وهو وقت نزول الملائكة بالأقدار والأرزاق قال تعالى { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ  لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْر تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ – القدر 1-5 } ولذلك يقول صلى الله عليه وآله [ ” جعل رزق أمتي في بكورها” … الحديث ] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاً : [  «اللهم بارك لأمتي في بكورها». وكان إذا بعث سرية أو جيشًا بعثهم من أول النهار، وكان صخر تاجرًا فكان يبعث تجارته أول النهار، فأثرى وكثر ماله  – رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه ] .

. وكأنه يقول تعالى هنا لبني آدم أصبحت وبدأت يومك بطاعته تعالى فصليت ماعليك واستغفرت وسبحت و أديت ما افترضه عليك فحقاً على الله أن يبارك لك في يومك ويرزقك كما يرزق الطير كما في الحديث [ ” لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتروح بطاناً – رواه الترمذي ] . والتوكل على الله والبرطة تبدأ مع صلاة الفجر .

وحيث أننا أثبتنا في سورة الليل والأعلى والتكوير و الضحى وغيرهم  أن الظلام والنور ظاهرهما ظلام الليل و نور النهار ولكنهما رموز للكفر والإيمان ولذلك يشبه القرآن الكريم رسول الله صلى الله عليه وآله في القرآن بالشمس وهى السراج في قوله تعالى { وداعياُ إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا –  الأحزاب 46 } والسراج هى الشمس كما في قوله تعالى { وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا – نوح 16}

ولما رأي سيدنا يوسف في منامه الشمس والقمر وأحد عشرا كوكباً رآهم له ساجدين أولها له نبي الله يعقوب أنهم والديه وإخوته .قال تعالى  { إني رأيت أحد عشراً كوكباً والشمس ةالقمر رأيتهم لي ساجدين – يوسف } وهؤلاء الإثني رموز أيضاً لأئمة اثني عشر فجر الله تعالى لهم اثنتي عشرة عينا كما في قوله تعالى {فافجرت منه اثنتا عشرة عينا – البقرة } . ةهؤلاء الإثني عشر هم نقاء بني إسرائيل قال تعالى فيهم { ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل –  المائدة 12 } . وبالتالي يقسم الله تعالى بظاهر وقت الفجر ومافيه من بركة وخير وأقدار تنزل للناس في ذلك الوقت والقسم أيضاً  يخص الأئمة الإثني عشر من أهل بيت النبي عليهم السلام . ودولتهم التي تخرج على الناس

آخر الزمان من بين ظلمات الجاهلية الآخرة  فيعود الدين غريباً كما بدأ [ ” إن هذا الدين بدا غريباً ويعود غريباً كما بدأ … الحديث ] ويبدأ التدرج بن دولتي الإسلام والجاهلية الآخرة بأن ينشأ في الإسلام من لا يعرف غيره ثم تبدأ جاهلية مبرى آخر الزمان ينشأ فيها من لايعرف عن أصول الدين الإسلامي شيئاً وهنا يبدأ الحق في الظهور غريباً كما بدأ وفي الحديث . [ عن معقل بن يسار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”  لا يلبث الجور بعدي إلا قليلا حتى يطلع، فكلما طلع من الجور شيء ذهب من العدل مثله، حتى يولد في الجور من لا يعرف غيره، ثم يأتي الله بالعدل، فكلما جاء من العدل شيء، ذهب من الجور مثله، حتى يولد في العدل من لا يعرف غيره “.- حاشية مسند الإمام أحمد بن حنبل السندي – أبو الحسن نور الدين محمد بن عبد الهادي السندي ج5 ص 26 ] .

ثم يقول تعالى :

  • وليال عشر (2)

(وليال)

وهنا يقسم الله تعالى بالليال العشر و [ الليل : مايعقب النهار ويمتد من غروب الشمس إلى طلوعها – معجم ألفاظ القرآن باب اللام فصل الياء واللام ]  قال تعالى في بيان أن الليالي ظلمة الليل { قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا – مريم 10}

وفي مواضع أخرى بين أن الأيام تعني النهار قال تعالى : { وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالى وأياما آمنين – سبا 18} وقال تعالى أيضاً { سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية – الحاقة 7}

والقسم هنا كقوله تعالى عندما أقسم بالليل في قوله تعالى {والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى – الليل } والقسم هنا بالليالي العشر في قوله تعالى { وليال عشر – الفجر 2 } ولورود لفظ ليلة على ليلة القدر في قوله تعالى { إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر – القدر 1-3} وهنا يمكن أن تكون أحاديث العشر الأواخر من شهر رمضان هى المقصودة من هذه الليالي العشر وما فيها من ليلة مباركة نزل فيها القرآن الكريم قال تعالى { إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين – الدخان 3}

العشر الاواخر من رمضان :

[ عن ابن عباس في قوله: { وليال عشر } قال: هي العشر الأواخر من رمضان.

وأخرج محمد بن نصر في كتاب الصلاة عن أبي عثمان قال: كانوا يعظمون ثلاث عشرات العشر الأول من المحرم والعشر الأول من ذي الحجة والعشر الأخير من رمضان.- الدر المنثور ] .

العشر الاوائل من ذي الحجة :

[ .. أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الشعب من طرق عن ابن عباس في قوله: { وليال عشر } قال: عشرة الأضحى، وفي لفظ قال: هي ليال العشر الأول من ذي الحجة.

وأخرج عبد الرزاق وابن سعد وابن جرير وابن أبي حاتم عن عبدالله بن الزبير في قوله: { وليال عشر } قال: أول ذي الحجة إلى يوم النحر.

وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن مسروق في قوله: { وليال عشر } قال : هي عشر الأضحى، هي أفضل أيام السنة.

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن مجاهد { وليال عشر } قال: عشر ذي الحجة.

وأخرج عبد بن حميد عن مسروق { وليال عشر } قال: عشر الأضحى وهي التي وعد الله موسى قوله :{ وأتممناها بعشر  الأعراف 142} – الدر المنثور ] .

[ والليلة : الليل وتقابل اليوم أما الليل فيقابله النهار وتستعمل ليلة تمييزاً للعدد وجمعه الليالي بزيادة الباء وجمعه القياسي ليلات وقد ذكرت هذه الكلمة في القرآن الكريم بصيغة المفرد المنكر أو المضاف إلى إسم ظاهر – معجم ألفاظ القرآن باب اللام فصل الياء واللام ] .

قال تعالى : { وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين – الأعراف 142} والليالي العشر هم العشر الأوائل من ذي الحجة كما في تفسير علي بن إبراهيم وغيره من المفسرين وهذه الليالي أقسم الله تعالى بها لعظم مكانتها عند الله تعالى وحيث أنه قال تعالى عن ليالي صيام نبي الله زكريا ثلاث ليال في قوله تعالى { قال آيتك أن لا تكلم الناس ثلاث ليال سويا – مريم 10} أي أنها أيام صيام وعبادة إنا أن تكون أيام صيام العشر الأواخر من رمضان أو العشر الأوائل من ذي الحجة وعظم أجر الصائمين فيهما .

وأما :

(عشر)

والعشرة كعدد جاء في القرآن الكريم على أنه الكمال والتمام قال تعالى : {وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة – البقرة 196} .

وحيث أن التمام والكمال ورد على إكمال الدين و إتمام النعمة بولاية الإمام علي (عليه السلام)  في حجة الوداع وواقعة غدير خم ونزول قوله تعالى { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا – المائدة } فإن عطم بركتها كان تأسياً برسول الله صلى الله عليه وآله في حجة الوداع وولاية الإمام علي عليه السلام .

وبالتالي العشرة هنا تدل على أنهم العشرة الأوائل من ذي الحجة عظم البركة فيها و ولأنها تكلمت على صيام فالأمر في فضل العشر الأواخر من رمضان وذي الحجر كلاهما صحيح كما في الآية هنا { والفجر وليال عشر } وذلك ما ورد في الأحاديث التي ذكرناها من قبل و .

ثم يقول تعالى :

  • والشفع والوتر (3)

وهنا :

(والشفع)

[ الشفع : ضد الوتر أي ضد الفرد قيل إن الشفع هى المخلوفات من حيث أنها مركبات والوتر هو الله تعالى وقيل المراد بهما شفع الليالي ووترها وقيل المراد بهما الصلاة فيها ما هو شفع ووفيها ما هو الوتر من العدد – معجم ألفاظ القرآن باب الشين فصل الفاء والعين ] . وكل هذه المعاني صحيحة لقوله تعالى في  كل خلقه تبارك وتعالى { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ – الحجر 28-29} أي  أنه خلق إنسان مركب من عدة عناصر ماء وتراب وهما عنصري الطين وجسد وروح وهذا شفع وكل مخلوقات الله شفع لقوله تعالى { وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ – الذاريات 49 } والزوجين هما لشيئ وضده كالليل والنهار والشمس والقمر والذكر والأنثى … إلخ  والله تبارك وتعالى لا هو الشيء ولا ضده بل هو وتر قال تعالى { ليس كمثله شيئ وهو السميع البصير الشورى 11 } .

وإذا ورد لفظ الشفاعة والذي يعني [ طلب التجاوز عن سيئة شخص آخر – معجم ألفاظ القرآن  باب الشين فصل الفاء والعين ] قال تعالى { من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه – البقرة 255 } وهو شاهد على الأمة في قوله تعالى { وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ ۚ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ – النحل 89 } والشاهد على الأمة بعد النبي هو الإمام عل عليه السلام لما نزل فيه من قوله تعالى { أفمن كان على بينة شاهد منه من ربه ويتلوه شاهد منه }

[ .. أخرج ابن مردويه ، وابن عساكر عن علي في الآية قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم على بينة من ربه وأنا شاهد منه .

وأخرج ابن مردويه من وجه آخر عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أفمن كان على بينة من ربه ) أنا ( ويتلوه شاهد منه ) : علي .- تفسير الدر المنثور للسيوطي ] .

و نزل فيه أيضاً قوله تعالى { قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب }

[عن أبي سعيد الخدري ، قال : سألت رسول الله صلي الله عليه وآله عن قول الله : قال الذي عنده علم من الكتاب . قال : ذاك وصي أخي سليمان بن داود . فقلت له : يا رسول الله ، فقول الله عز وجل : قل كفي بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب ، قال : ذاك أخي علي بن أبي طالب . –   الأمالي ، الشيخ الصدوق، ص 659 & شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني  ] .

ولذلك في تفاسير أهل البيت (عليهم السلام) :

وهنا يكون الشفع رسول الله صلى الله عليه والإمام علي عليه السلام والوتر هو الله تبارك وتعالى .

[ .. عن محمد بن العباس: عن الحسين بن أحمد، عن محمد بن عيسى، عن يونس بن يعقوب، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، أنه قال: ” الشفع هو رسول الله (صلى الله عليه و آله) و علي (عليه السلام)، و الوتر هو الله الواحد القهار عز و جل “.

– قال: و في حديث آخر قال: الشفع الحسن و الحسين، و الوتر أمير المؤمنين (عليهم السلام).

الشيباني في (نهج البيان)، قال: روي عن الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام): ” أن الشفع محمد و علي، و الوتر الله تعالى “.– تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني ] .

كما أن الشفع والوتر  ركعتين وركعة منفردة [  علي بن إبراهيم، قال: ليس فيها (واو) و إنما هو (الفجر و ليال عشر) قال: عشر ذي الحجة { وَٱلشَّفْعِ } قال: ركعتان { وَٱلْوَتْرِ } ركعة. – تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني ] .

وأما :

(والوتر)

[ والوتر بكسر الواو وفتحها : ضد الشفع معجم ألفاظ القرآن باب الواو فصل التاء والراء ] قال تعالى { ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ– المؤمنون44 } . أي أرسلهم الله تعالى واحداً بعد واحد [ وتترى أصلها وترى وأبدلت الواو تاء كما في التقوى من الوقاية والتيقور من الوقار – معجم ألفاظ القرآن باب الواو فصل التاء والراء ] وعلى ذلك إذا قال تعالى { وإلهكم إله واحد } أي فرد ليس له ثاني كصاحبة أو ولد أو معين وليس كمثله شيئ سبحانه وتعالى .

ثم يقول تعالى :

  • والليل إذا يسر (4)

وهنا :

( والليل)

يقسم الله تعالى هنا بالليل وظلامه وانقضاؤه مع بداية ظهور نور الفجر وذلك بتفجر قوى النور من بين ظلمات الليل الذي هو رمزاً للكفر والظلم فكما يقلب الله تعالى الليل والنهار كذلك يقلب الدولة بين  الكفر والإيمان قال تعالى {ذَٰلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ – الحج 60-61 } وقد بينا ذلك من قبل في قوله تعالى : { والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى- الليل 1-2 }

ويبدأ الليل

{ وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ – التكوير 17 } أي أقبل بظلمه فإذا أقبل غشى النهار وغطاه بظلمته كما في قوله تعالى {  وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا – الشمس 4} وبالليل عندما يغطي الأرض فيكون ما عليها مظلمًا. وفيه تتجمع الدواب والهوام والخلق قال تعالى { وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ – الإنشقاق 17 } وبالليل وما جمع من الدواب والحشرات والهوام وغير ذلك. فإذا انقضى الليل ولى وذهب وأدبر كما في قوله تعالى {  وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ – المدثر 33 }  أي إذ ولى وذهب وهكذا حركة علو الدول وانقضاء مدة ملكها بين الكفر والإيمان لقوله تعالى كما بينا { ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ – الحج 61 } .

وأما :

(إذا يسر)

[ وسرى يسري : مضى وذهب – معجم ألفاظ القرآن باب السين فصل الراء والواو أوالياء] قال تعالى : {فأسر بأهلك بقطع من الليل واتبع أدبارهم ولا يلتفت منكم أحد وامضوا حيث تؤمرون – الحجر 65 } وقال تعالى { فأسر بعبادي ليلا إنكم متبعون – الدخان 23 } . وكما أهلك الله تعالى قوم لوط كذلك سيهلك كل من خرج على أوامره وعلى وتجبر في الأرض وبذلك لأنه تعالى بعدما ذكر قوم عاد وثمود ولوط وشعيب وفرعون قال تعالى لمن سيأتون من بعدهم إلى ما قبل يوم القيامة { أكفاركم خيرٌ من أولائكم أم لكم براءة في الزبر – القمر 43 } .

ثم يقول تعالى :

  • هل في ذلك قسم لذي حجر (5)

(هل)

ورد هذا اللفظ في قوله تعالى { كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ فَهَلْ تَرَىٰ لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ – الحاقة 4-8 } وهؤلاء هم أصحاب الحجر كما في قوله تعالى هنا { هل في ذلك قسم لذي حجر – الفجر 5 } ثم يقول تعالى مبينا أنه لا يهلك إلا القوم الظالمون قال تعالى :{ هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ – الأنعام 47 }

 (في ذلك)

أي أنه يقول تعالى { إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين – آل عمران 49} وفي ذلك آيات لقوم يعقلون كما في قوله تعالى { إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون – الروم 24 } . وفي ذلك آيات لقوم يتفكرون كما في قوله تعالى { إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون – الرعد 3 }

وأما :

(قسم)

[ القسم : الحلف واليمين ]قال تعالى  { فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم – الواقعة 76}  والقسم هنا بمواقع النجوم في الأفلاك وحركتها وتبدل الأيام والليالي والفصول والسنون بها لذلك قال تعالى أنه قسم عظيم لو كانوا يعلمون قال تعالى { فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوَارِ الْكُنَّسِ وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ – التكوير 15-21 } وهذه الجوار الكنس تجري بين الليالي والأيام وما فيها من وقت الفجر الذي أقسم الله تعالى به هنا وبالليل في قوله تعالى { والفجر وليال عشر والشفع والوتر هل في ذلك قسم لذي حجر – الفجر 1-5 }

وأما :

(لذي)

وذي أي صاحب أو أصحاب كقوله تعالى في قوم فرعون { وفرعون ذي الأوتاد – الفجر 10 } وقال تعالى أيضاً  مبيناً أصحاب الحجر أنهم قوم نوح وعاد وثمود وفرعون ذي الأوتاد فقال تعالى { كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد – ص 12 } .

وأما :

(الحجر)

[ والحجر :بفتح الحاء مفرد و جمعها حجارة وهى المادة الصلبة المعروفة التي تتخذ من الجبال – معجم ألفاظ القرآن باب الحاء فصل الجيم والراء ] .

[ والحجر : الحرام الممنوع – معجم ألفاظ القرآن باب الحاء فصل الجيم والراء ] . كقوله تعالى {وقالوا هذه أنعام وحرث حجر لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم –  الأنعام 138}

والحجر : العقل لأنه يحجر صاحبه  و يمنعه مما تدعوا إليه نفسه –  معجم ألفاظ القرآن باب الحاء فصل الجيم والراء ]

وبالتالي لفظ حجر هنا جامع لعدة معاني مندمجة مع بعضها يجمعها لفظ المنع وأصحاب الحجر قوم على ذلك استخدموا العقل في منع العدو وبنوا الحصون والديار والقلاع من الحجارة وجعلوها حجراً محجوراً لحمايتهم لذلك بين تعالى أنهم عدة أمم في قوله تعالى هنا { هل في ذلك قسم لذي حجر } ثم بين تعالى في الآيات التالية من هم هؤلاء المجرمين فقال تعالى في تفصيل شأنهم وما فعله الله تعالى بهم { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ – الفجر 6-14 }

ولأن هؤلاء قوم اتخذوا من الحجارة والجبال بيوتاً وحصوناً قال تعالى في قون عاد { أتبنون بكل ريع آية تعبثون – الشعراء } وقال تعالى في قوم ثمود { وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ – الشعراء 149 } وقال تعالى في قوم فرعون أيضاً سيراً على نفس النهج { وفرعون ذي الأوتاد } وهى الأهرامات التي تشبه الجبال التي أطلق عليها القرآن الكريم أوتاداً في قوله تعالى { والجبال أوتادا – النبأ 7} .

ولذلك في التفاسير ومعاجم اللغة : [الحجر : الحاجز الممنوع والحجر ديار ثمود لأنهم كانوا ينحتونها من الجبال– معجم ألفاظ القرآن باب الحاء فصل الجيم والراء ] والحجر حاجز لقوله تعالى { لا بشرى يومئذٍ للمجرمين ويقولون حجراً محجورا– الفرقان 22 } وقال تعالى أيضاً { وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخاً وحجراً محجورا – الفرقان 53 } .

وفي تفسير البرهان روايات تؤكد نفس المعاني السابقة التي ذكرناها كما يلي :

[  ثم قال علي بن إبراهيم: قال الله لنبيه (صلى الله عليه و آله) { أَلَمْ تَرَ } أي ألم تعلم { كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ * ٱلَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي ٱلْبِلاَدِ } ، ثم مات عاد، و أهلك الله قومه بالريح الصرصر.
قوله تعالى: {وَثَمُودَ ٱلَّذِينَ جَابُواْ ٱلصَّخْرَ بِٱلْوَادِ } ، أي حفروا الجوبة، في الجبال، قوله تعالى:
{وَفِرْعَوْنَ ذِى ٱلأَوْتَادِ } عمل الأوتاد التي أراد أن يصعد بها إلى السماء. –  تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني ]

وفي تفسير ابن كثير : [  ( هل في ذلك قسم لذي حجر ) أي : لذي عقل ولب وحجا – تفسير ابن كثير ] .

في وتفسير الطبري : [ ( لِذِي حِجْرٍ ) : فإنه لِذِي حِجًي وذِي عقل؛ يقال للرجل إذا كان مالكا نفسه قاهرًا لها ضابطا: إنه لذو حِجْر، ومنه قولهم: حَجَر الحاكم على فلان.- تفسير الطبري ]

واللفظ هنا كما بينا جامع لكل هذه المعاني من العقل والحاجز والمنع والمنعه
ولورود لفظ حجارة عن بني إسرائيل في قوله تعالى { وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين – البقرة 60 } كأن اللفظ هنا يأت في موضع ينبئ بأن بني إسرائيل في آخر الزمان سيسيرون على نهج أصحاب الحجر من  قبل من العلوا والظلم والكفر وسفك الدماء ولذلك في موع آخر من كتاب الله يقول فيهم بسورة الإسراء { ولتعلن علواً كبيرا } هنا يصبحون على نفس نهج أصحاب الحجر ويكونون قد اقتربوا من الفناء كما أفنى الله أصحاب الحجر من قبل وقال تعالى في ذلك { فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا – الإسراء 104 }.

ولورود لفظ حجر وحجارة وحجرات في قوله تعالى { إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون – الحجرات } ينبئ بأن من هؤلاء المنافقين ايضاً من سينتهجون نفس النهج لأصحاب الحجر وسيكون هلاكهم مثل قوم عاد وثمود لقوله تعالى فيهم { فإن أعرضوا فقل أنذرتكم بصاعقة مثل صاعقة عاد وثمود – فصلت } وهذا في العذاب الثاني الوارد في قوله تعالى { سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم – التوبة } وهذا العذاب الثاني سيكون مع علوا بني إسرائيل آخر الزمان وقريب من زماننا هذا .

وبالتالي حكمة اختيار اللفظ هنا في كتاب الله ليكون جامعاً مفصلا لما فعلته الأمم من قبل وأشدهم عتواً أصحابالحجر ومثلهم سيكون آخر الزمان ويكون هلاكهم مثل سلفهم .وهنا يقسم بأنه كما أهلك أصحاب الحجر من قبل سيهلك من سيسير على نهج كفرهم وظلمهم وعتوهم وفي ذلك آيات لأولى العقول .

ثم يقول تعالى مفصلاً شأن أصحاب الحجر لعنهم الله :

  • ألم تر كيف فعل ربك بعاد (6)

وهنا :

(ألم تر كيف)

يبين تعالى هنا أن درجات الرؤية تختلف من الرسول إلى الشخص العادي الذي قال تعالى فيه { ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة إن الله لطيف خبير – الحج 63 } وقال تعالى  { ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا – نوح 15-16} وهذه رؤية لكل بني آدم لكي يتفكروا في خلق السماوات والأرض , وأما رؤية الرسول فهى أعلى لأنها بالوحي من الله تعالى فهو يرى كل المغيبات كرؤيا العين لذلك يقول تعالى { ألم تر كيف فعل ربك بعاد – الفجر 6 } وقال تعالى{ ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل – الفيل 1 } وقال تعالى : {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ – إبراهيم 24 }  وفي السنة ما يؤكد ما ذكرناه آنفاً في حادث الإسراء والمعراج لما طلبت منه قريش وصف المسجد الأقصى : [ فلما أصبح أخذ صلى الله عليه وسلم ناحية من البيت وجلس على غير عادته مما يألفه الناس، دنى منه عمرو بن هشام أبو الحكم على نسب قريش، وأبو جهل كما سماه النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رآه متغير الحال، قال: هل من خبر يا محمد؟ قال: نعم، قال: وما ذاك؟ قال: أسري بي ليلة البارحة إلى المسجد الأقصى، قال: وعدت من ليلتك؟ قال: نعم، قال: يا أبن أخي! أترى إن جمعت لك أندية قريش أتخبرهم بما أخبرتني به؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم، فنادى أبو جهل بأعلى صوته، يريد أن يشمت به، يا بني كعب ابن لؤي! يا معشر قريش! هلموا إلي فاجتمعوا من كل حدب وصوب تاركين أنديتهم حتى أقبلوا، قال: اسمعوا ما يقول محمد.

فلما أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم، إذا بأحدهم يضع أصابعه بين أذنيه، وإذا بأحدهم يفغر فاه، ويضع أحدهم يديه على رأسه متعجباً، قالوا: وعدت من ليلتك؟! قال: نعم، وعدت من ليلتي، قالوا: صف لنا بيت المقدس، فلما هم النبي صلى الله عليه وسلم بوصفه وقد رآه في الليل وهو نبي كريم زاهد عابد، لما دخل المسجد لم ينظر إلى أروقته ولا إلى جدرانه ولا إلى حيطانه، فقد صلى وتعبد الله جل وعلا فيه، فلم يقدر أن يصف لهم المسجد، فما هي إلا برهة وجبرائيل يدني المسجد بين يديه، فأخذ صلى الله عليه وسلم ينظر إلى المسجد ويصفه للملأ من قريش، وكلما زاد في وصفه قال القوم من قريش: أما المسجد فكما قال، وأما الوصف فكما وصف.

ثم أخبرهم أنه مر على قافلة لهم وأنها ضلت بعيراً في الطريق، فوعدهم يوم كذا وكذا أن تعود القافلة إلى مكة، فاحتسبوا تلك الأيام حتى خرجوا في ظهيرتهم، فلما خرجوا فما إن طلع حاجب الشمس إلا والقافلة قادمة مقبلة إلى مكة كما أخبر رسولنا صلوات الله وسلامه عليه. – السيرة النبوية لابن هشام ] .

وأما :

(فعل ربك)

وهنا يقول تعالى { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ – الفيل 1} وقال تعالى : { أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ كَذَٰلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ – المرسلات 16-19} ويقول تعالى في الأمم التي جاءت من بعد وسكنوا في مساكن الذين ظلموا { وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ – إبراهيم 45 }. وفي آخر الزمان يحذر الله تعالى أمم من العرب والعجم سينتهجون نهج عاد وثمود قال تعالى {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ ۚ كَذَٰلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ – النحل 33 – 34 } . أي أنه يقول تعالى هنا { ألم تر كيف فعل ربك بعاد } وهذه هى عاداً الأولى وعاد وثمود الآخرة سيهلكهم الله تعالى كما أهلك أسلافهم وقال تعالى في ذلك  { فإن أعرضوا فقل أنذرتكم بصاعقة مثل صاعقة عاد وثمود  فصلت } .

وأما :

(عاد)

[ قال الله لنبيه (صلى الله عليه و آله) { أَلَمْ تَرَ } أي ألم تعلم { كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ  ٱلَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي ٱلْبِلاَدِ } ، ثم مات عاد ، و أهلك الله قومه بالريح الصرصر – البرهان للسيد هاشم البحراني ]

وعاد هنا عرفها الله تعالى قائلا { ألم ترى كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد } .

وعاداً وثمود  أمتان من الأمم الأولى التي كفرت بالله تعالى كما في قوله تعالى { وأنه أهلك عاداً الأولى وثمود فما أبقى – النجم 50-51 } ولذلك قال تعالى فيهما وفي أمم جائت من بعدهم : { ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب – إبراهيم 9 }

ومادام هناك عاداً وثمود الأولى فهناك الآخرة وكما فعلت عاداَ الأولى ستفعل الآخرة وكلاهما يشترك في بناء المباني الشاهقة في السماء ( ناطحات السحاب) كما يسمونها وكذلك المصانع كإسم لفعل صنع يصنع صناعة في قوله تعالى عنهم : { كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ  وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُم بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ َالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُن مِّنَ الْوَاعِظِينَ – الشعراء 123- 136 } . وهذه الآية من المباني الشاهقة في السماء بنيت في مصر وهى ما تسمى بالإهرامات ولذلك يطلق عليها المؤرخون القدامى ومنهم  [ تاريخ المسعودي ل مسعودي ] بأهرامات قوم عاد .وأما المدينة الأثرية الصغيرة الموجودة بالجزيرة العربية لا تبين حضارة كاملة لأمة كانت أقوى الأمم في العالم وهى حقيقية ولكن لكي تكتمل أين مدافنهم ومدنهم و ومساكنهم و مبانيهم الشاهقة في السماء التي تكلم القرآن الكريم عنها { أتبنون بكل ريع آية تعبثون } وهنا لن تجد إجابة إلا أنها التي في مصر و كان ذلك قبل طوفان الأرض في زمن نبي الله نوح (عليه السلام) .

وأما أمة ثمود فهى أمة ضرب الله تعالى لها المثل بأن هناك ثمود الأولى التي قتلت الناقة وكفرت باختيارها كراهية في نبيها وأهل بيته الأنبياء من بعد صالح عليه السلام فقتلوا الناقة وعتوا عن أمر ربهم والعرب تسير في هذا الإتجاه من سلوك الأمم من قبل لذلك يقول صلى الله عليه وآله

[ روى المحدثون أن النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) قال لعلي ( عليه السَّلام ) : ” أتدري من أشقى الأولين ؟ قال : ” نعم ، عاقر ناقة صالح ” .قال : ” أفتدري من أشقى الآخرين ؟ ” .

قال : ” الله و رسوله أعلم ” . قال : ” من يضربك على هذه حتى تخضب هذه ” ـ أي من يضربك على رأسك حتى تخضب لحيتك بالدم  – شرح نهج البلاغة لأبن أبي الحديد : 10 / 264 ] .

وفي كتاب الله بيان لما سيفعله الله تعالى بثمود الآخرة التي ستقاتل كل مايمت لعلي عليه السلام وأهل البيت بصلة فقال تعالى في جرائم أسلافهم ممن حارب النبي في زمن قريشاً الأولى

{ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيرًا وَنَذِيرًا

  • فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ
  • وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ
  • وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا
  • وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ – فصلت 3-5 } أربع جرائم تبين كفرهم وبغضهم للقرآن الكريم والنبي وأهل بيته عليهم السلام وسيكون داعماً لهم أمة كما بينا ستكون على نهج عاداً الأولى وبعد ذكر جرائم ثمود الآخرة الأربعة في أوائل سورة فصلت قال تعالى مبيناً عظمة لسماواته وأرضه فقال تعالى { قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ۚ ذَٰلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا ۚ وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ – فصلت 9-12 } ثم قال تعالى متوعداً الأمتين آخر الزمان وقريب من زماننا هذا { فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ ۖ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ – فصلت 13-14 } .

وهنا مثل تبين أنها ليست الأصلية التي نزلت من عند الله بواسطة سيدنا جبريل بل من مخترعات البشرية آخر الزمان وهة القنبلة النووية الآن وذلك لأن (مثل صاعقة عاد وثمود) قال تعالى في لفظ مثل { وخلقنا لهم من مثله ما يركبون – النحل } وذلك على السفن الحديثة في آخر الزمان ويكون هلاهما في قوله تعالى هنا في الوعد الآخر { فقل أنذرتكم بصاعقة مثل صاعقة عاد وثمود} .

ثم بين تعالى أسباب هلاك كل أمة منهما فقال تعالى في قوم عاد :

{ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ۖ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَىٰ ۖ وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ فصلت 15-16}

وأما جريمة ثمود أنهم خيروا فاختاروا دون ضغوط أو حرب من أمم أخرى اللهم إلا الحسد لبني هاشم وبني عبد المطلب أن تكون النبوة فيهم قال تعالى في جريمة ثمود { وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَىٰ عَلَى الْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ – فصلت 15-17 }

ويبين تعالى أن قوم عاد أرسل الله تعالى عليهم ريحاً صرصر وكذلك عاد الآخرة سيبتليها الله تعالى قبل الهلاك الأعظم بريح تدمر بقاعاً كبيرة فيها حتى يرجعوا قال تعالى لذلك : { كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِر فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ – القمر 18-21 }  والغريب في تلك الريح والأعاصير والتسونامي يظنون وفق تقديراتهم الخاطئة أنها لهم وأنها ريح طيبة وما هى كذلك على وجه الحقيقة فما تلبث أن تتحول من ريح إلى رياح صرصر عاتية  قال تعالى :

{وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَٰكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا ۚ بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ ۖ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَىٰ إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ – الأحقاف 21-25} .

ثم يقول تعالى :

  • إرم ذات العماد (7)

[ عن مجاهد في قوله: { إرم } قال: أمة { ذات العماد } قال: كان لها جسم في السماء.

وأخرج ابن المنذر عن السدي في قوله: { بعاد إرم } قال: عاد بن إرم نسبهم إلى أبيهم الأكبر.

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال: كنا نحدث أن إرم قبيلة من عاد كان يقال لهم ذات العماد، كانوا أهل عمود { التي لم يخلق مثلها في البلاد } قال: ذكر لنا أنهم كانوا اثني عشر ذراعاً طولاً في السماء.

وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن المقدام بن معد يكرب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر { إرم ذات العماد } فقال: ” كان الرجل منهم يأتي إلى الصخرة فيحملها على كاهله فيلقيها على أي حي أراد فيهلكهم  .. .و عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله: { جابوا الصخر } قال نقبوا الحجارة في الجبال فاتخذوها بيوتاً. قال: وهل تعرف ذلك العرب؟  ..  – الدر المنثور للسيوطي ] .

وهنا :

(إرم)

وإرم من الألفاظ التي ليس لها مرادف في كتاب الله فهو إسم من الأسماء :

[ واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : ( إرَمَ ) فقال بعضهم: هي اسم بلدة، ثم اختلف الذين قالوا ذلك في البلدة التي عُنِيت بذلك، فقال بعضهم : عُنِيت به الإسكندرية. ذكر من قال ذلك: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال : ثني يعقوب بن عبد الرحمن الزهريّ، عن أبي صخر، عن القُرَظي، أنه سمعه يقول : ( إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ ) الإسكندرية. قال أبو جعفر، وقال آخرون: هي دِمَشق. * ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عبد الله الهلالي من أهل البصرة، قال : ثنا عبيد الله بن عبد المجيد، قال: ثنا ابن أبي ذئب، عن المقْبري ( بِعَادٍ  إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ) قال : دمشق. وقال آخرون: عُنِي بقوله: ( إرَمَ ) : أمة. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمارة، قال : ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد قوله: ( إرَمَ ) قال : أمة. وقال آخرون: معنى ذلك: القديمة. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال : ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( إرَمَ ) قال: القديمة. وقال آخرون: تلك قبيلة من عاد. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ) قال: كنا نحدّث أن إرم قبيلة من عاد، بيت مملكة عاد. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله : ( إرَمَ ) قال : قبيلة من عاد كان يقال لهم: إرم، جدّ عاد. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ) يقول الله: بعاد إرم، إن عاد بن إرم بن عوص بن سام بن نوح. وقال آخرون: ( إرَمَ ): الهالك. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال : ثني أبي، قال : ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ) يعني بالإرم : الهالك؛ ألا ترى أنك تقول : أرم بنو فلان؟ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله : ( بِعَادٍ إِرَمَ ) الهلاك ؛ ألا ترى أنك تقول أُرِمَ  بنو فلان : أي هَلَكوا . – تفسير الطبري ]

يقول المسعودي في تاريخه :

[ فأما سام فسكن وسط الأرض من بلاد الحرم إلى حضرموت إلى عمان إلى عالج، فمن ولده إرم بن سام، وإرفخشذ بن سام ومن ولد إرم بن سام عاد بن عوص بن إرم (ابن سام)وكانوا ينزلون الأحقاف من الرمل فأرسل إليهم هوداً (عليه السلام) – مروج الذهب ج1 ص 41 ] .

ولذلك قال السدي : إرم نسبة إلى أبيهم – الدر المنثور ج6 ص 378 ] .

وأما :

(ذات)

[ بينا من قبل أن ذي وذو وذات بمعنى صاحب وهو إسم يتوصل به إلى الوصف ]

قال تعالى { والسماء ذات البروج – البروج } وبالتالي { ذات العماد } المباني الشاهقة التي تصل إلى السماء كما قال تعالى { أتبنون بكل ريع آية – الشعراء } وهى المباني الشاهقة التي كانوا يبنونها كمراصد لأفلاك السماء لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { والسماء ذات الحبك – الذاريات 7 } وقوله تعالى {والسماء ذات البروج – البروج 1 } وقوله تعالى : { وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه ذلك من آيات الله من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا – الكهف 17 } أي أنهم كانوا يراقبون من هذه المباني الشاهقة حركة الشمس والقمر والنجوم في السماء .

وهذه المباني كانت في مصر لورود هذا اللفظ في قوله تعالى عن نبي الله عيسى وأمه عليهما السلام عندما دخلوا مصر فقال تعالى {وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين – المؤمنون 50} وقيل في التفسير أن هذه الربوة هى مصر. وبالتالي هنا المعنى في { إرم ذات العماد} أي ذات المباني الشاهقة التي استخدمها هؤلاء كمراصد للسماء وتتبع حركة الأفلاك والنجوم في السماء .

وأما :

(العماد)

[ والعمود والعماد : مايقوم عليه الخباء والجمع عُمُد وعَمَد بضمتين وفتحتين والعماد كذلك البناء – معجم ألفاظ القرآن باب العين فصل الميم والدال ] .قال تعالى فيما يؤكد كل المعاني السابقة والتي وضحها الله تبارك وتعالى من خلال قوله تعالى { اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ۖ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۖ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ – الرعد 2 } أي أن قوله تعالى { إرم ذات العماد }  أي ذات المراصد السماوية وهى المباني الشاهقة في مصر كما بينا واستقرار عرش هؤلاء القوم كان من خلال اطلاعهم على علوم سماوية سبقوا بها بقية الأمم لذلك قال تعالى { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ – ق 36 }  .

ثم يقول تعالى :

  • التي لم يخلق مثلها في البلاد (8)

والآية هنا صفة أخرى لإرم والضمير لها سواء جعلت إسم القبيلة أو البلدة والصفة هنا لقوم بنوا حضارة بأجساد قوية لم يخلق الله لها نظير في العالم أي أنها حضارة مميزة ليس لها نظير وهى ما يعرف الآن بالمصريات ولا يوجد في العالم أمريكيات أو أوروبيات أو أسياويات ولا مغربيات ولا عراقيات و لا تركيات ولا إيرانيات لتلك الآية هنا { التي لم يخلق مثلها في البلاد}

وهنا :

(التي لم يخلق)

وهنا الخلق خلقان :

الأول : خلق خلقه الله تعالى وهو كل شيئ نعلمه أم لم نعلمه قال تعالى { لا إله إلا هو خالق كل شيئ فاعبدوه – الأنعام 102 } .

الثاني : خلق يخلقه الإنسان بعقله الذي خلقه الله تعالى وقال تعالى في ذلك مستنكراً { أم لهم شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم – الرعد 16 } وهذا الخلق الذي خلقوه بمواد خلقها الله تعالى وبعقولهم التي خلقها الله تعالى فخلقوا خلقاً ليحاربوا به الخالق قال تعالى مبينا أن كل ما خلقواه من صناعات من حجارة وهى المعادن والحديد قال تعالى { قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا أَوْ خَلْقًا مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ ۚ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا ۖ قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ۚ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ ۖ قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَرِيبًا – الإسراء 50-51 } . ولذلك يقول تعالى للناس مبيناً أن سماءه وأرضه أكبر من أي خلق خلقه هذا الإنسان الذي يأمر بطاعة نفسه وينهى عن دخول الناس في طاعة الله والعمل بكتابه الكريم قال تعالى { لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون – غافر } وهنا يقول البغوي في تفسيره [ الدجال مذكور في تلك الآية ] وهذا صحيح ويحدث في آخر الزمان كما ترى في زماننا هذا . بخدعة من الدجال الأكبر وبصناعات مذهلة ولكنها بخلق الله ليحاربوا بها خالق كل شيئ سبحانه وتعالى كما فعلت من قبل غرم ذات العماد  .

وأما :

(مثلها)

[ ومثل الشيئ مشابهه ومساويه في بعض الأمور والمعاني – معجم ألفاظ القرآن باب الميم فصل الثاء واللام ] قال تعالى مبيناً أحوال قوم سوء بعد موت النبي صلى الله عليه وىله وإلى أن يشاء الله تعالى سيعملون للدنيا فقط دون أداء حق الله  ويقولون زوراً أنهم من أهل الجنة والموحدون وأنهم أهل الحق وماعداهم أهل باطل وهم لا هم لهم إلا الدنيا والعمل لها ولو باستخدام الدين في خداع الناس  وهنا قال تعالى في هؤلاء { فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ما فيه والدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون – الأعراف 169} ثم يتوعدهم الله تعالى بأنه قادر على أن يبدل أمثالهم إن تقلدوا بسير الأمم الظالمة من قبلهم قال تعالى { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا – محمد 10} وذلك لأنهم كفروا كما كفرت الأمم من قبل ظلمت وعلت في الأرض بغير الحق وذلك هو الباطل كما في قوله تعالى { ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ – محمد 3} وهنا يذكرهم الله تعالى متوعداً  { فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم قل فانتظروا إني معكم من المنتظرين – يونس 102} .

وأما :

(في البلاد)

[ والبلد والبلدة : كل موضع من الأرض كان عامراً أو كان خلاءاً والجمع بلاد وبلدان – معجم ألفاظ القرآن باب الباء فصل اللام والدال ] قال تعالى { والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور – فاطر 9 } . ويبين تعالى أن قوة الأمم بتقلبها وتحركها بين البلاد للتمكين والبطش والسيطرة قال تعالى لذلك  للمؤمنين بأن لا يغتروا بتقلب هؤلاء السفهاء كما في قوله تعالى { لا يغرنك تقلب اللذين كفروا في البلاد مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۚ وَبِئْسَ الْمِهَادُ – آل عمران 196-197 }

وهنا يثبت الله تعالى أنهم حاربوا كل البلاد وغلبوهم  وانتصروا عليهم كما بينا بما صنعوه من صناعات وبما وهبهم الله تعالى من قوة في الموارد و الأجسام وهى الأسباب التي ينتصرون بها لذلك قال تعالى في ما فعلوه ولماذا أهلكهم الله تعالى { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ – ق 36 } وهذا التنقيب من البحث الدقيق في البلاد عن أي عدو لهم كانت بقوة قال تعالى فيها { إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد – الفجر } ويقول تعالى مبيناً قدرته على إفنائهم واستبدال وميراث الأرض إلى غيرهم قال تعالى :{ أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيئ وإليه ترجعون – يس 81-82} .

ثم يقول تعالى :

  • وثمود الذين جابوا الصخر بالواد (9)

وهنا :

( وثمود)

يقول المسعودي : [ ثمود بن عابر بن إرم ابن سام وكانوا ينزلون الحجر بين الشام والحجاز فأرسل الله تعالى إليهم أخاهم صالحاً – مروج الذهب ج1 ص 42 ] .

وهنا سنثبت أن صمود ايضاً أحد الدول فيما قبل عصر الأسرات في مصر وذلك لقوله تعالى { كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ – الشعراء 141-150}   وهنا {جنات وعيون وزروع} تبين أنها مصر لأن نفس الألفظ استخدمها الله تعالى مع قوم فرعون أيضاً لما أهلكهم الله تعالى و ذكر ذلك في قوله تعالى :  {كم تركوا من جنات وعيون وزورع ومقام كريم – الدخان 25 } .

والسؤال هنا الذي يطرح نفسه :

أين آثارهم التي نحتوها بجبال الشام ؟

وهنا لن تجد لهم أثار ملموسة ولا إجابة .  وإذا نظرت لبعض معابد مصر القديمة بالفعل ستجدها منحوتة في الجبال بنفس الوصف القرآني الدقيق كما في معبد رمسيس وحتشبسوت وغيرها من الآثاء الدالة على ذلك في كتاب الله تعالى وكانت في زمانها بلاداً   مسيطرة على دولاً أخرى بين أسيا وأفريقيا منذ فجر التاريخ  و هذا سبب وجود بعض آثار مصرية قديمة ودلالات في تلك البقاع من الأرض .

يقول تعالى في هلاك أمة ثمود الآخرة التي سيهلكها الله تعالى ومعها عاد الآخرة  :{ فإن أعرضوا فقل أنذرتكم بصاعقة مثل صاعقة عادٍ وثمود – فصلت 15} وبين تعالى أن هلاكهم لكفرهم عن طواعية  واستحباهم العمى على الهدى وأهله حتى أصبحوا لا يدعمون إلا الكفر والفسوق والعصيان والفجور وقتل المؤمنين كما في قوله تعالى { وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى – فصلت 17} . وكما أهلك الله تعالى الأولين في قوله تعالى { وأنه أهلك عاداً الأولى وثمود فما أبقى – النجم } كذلك سيهلك الآخرين إن فعلوا نفس افعال السابقين قال تعالى { ألم نهلك الأولين ثم نتبعهم الآخرين كذلك نفعل بالمجرمين – المرسلات 16-18 } .

وأما :

(الذين جابوا)

[ وجاب : بمعنى قطعوه ونقبوه والإجابة : الرد على الكلام والاستجابة : القبول – معجم ألفاظ القرآن  باب الجيم فصل الواو والباء ] . قال تعالى { وثمود الذين جابو الصخر بالواد – الفجر 9 } أي اقتطعوه وجابوه  بأمر من حاكم أجابه إليه جنوده وعماله قال تعالى { وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ – الأعراف 82 } .

 وأما :

(الصخر)

[ الصخر : الحجر الصلب وواحدته صخرة – معجم ألفاظ القرآن ]

{ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ – لقمان 16 } ولأنه قال تعالى عن تلك الصخرة التي هى بملتقى البحرين في مصر بين رشيد ودمياط في قوله تعالى { قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا – الكهف 63 } وهذا اللفظ أيضاً يشير هنا إلى أن أمة ثمود كانت في مصر وهم الذين جلبوا الصخر في واد ليس فيه صخر  كما في قوله تعالى { وثمود الذين جابوا الصخر بالواد – الفجر } .

وأما :

(بالواد)

[ والوادي يجمع على أودية وهو المنفرج بين الجبال أو التلال يكون مسلكاً للسيل ومنفذاً – معجم ألفاظ القرآن باب الواو فصل الدال والياء ] .

قال تعالى { أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ – الرعد 17 } ومن هذه الأودية بالفعل نهر النيل الذي يجري في منخفض بين جبلين المقطم وجبال غرب حتى أسوان .

وهنا يمكن أن نثبت أن هذا الوادي هو أكبر الأودية وكان موطن حكم أسرة ثمود في العصر قبل الفرعوني وكانوا ينحتون بيوتهم في الجبال كما ترى في اثار مصر قال تعالى { كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ  وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ – الشعراء 141-149 } وقال تعالى أيضاً { وكانوا ينحتون من الجبال بيوتاً آمنين – الحجر 82} كما أن ورود هذا اللفظ في قوله تعالى { إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى – طه 12 } يشير إلى أنها مصر بالتأكيد لأن ورود هذا اللفظ في قوله تعالى { ربنا إني أسكنت من ذريتي بوادي غير ذي زرع عند بيتك المحرم – إبراهيم } تؤكد أن هذا الوادي محاطاً بجبال فلا  يحتاج أن تجلب لها الصخور بالواد الذي هو محاط بجبال صخرية . ولذلك قال تعالى في ثمود هنا { وثمود الذين جابوا الصخر بالواد } أي أنهم كانوا يأتمرون بأوامر من حاكم لهم فأجابوه وجلبوا الصخر في وادي غير ذي صخر أي ليس به صخور . وهذه هى الأمة الثالثة من أمم استخدمت الحجارة في تشييد حضارتها بعد أمة نوح وعاد ثم ثمود هنا ولعل ذلك سبب وجود مدن كاملة تحت الأرض بأنفاق متصلة بالجبال في مصر يطلق عليها في صعيد مصر (بالقيسارية) وباللهجة الصعيدية مع قلب القاف جيم تنطق (الجيسارية) وكأن القرآن وكمالكريم هنا يحدثنا عن عصر ماقبل الأسرات  وماقبل التاريخ وأن مصر محور تاريخ العالم وهذا هو قدر الله في مصر لهبوط آدم وزوجه وإبليس بها قال تعالى { قلنا اهبطوا منها جميعا} والهبوط قال تعالى فيه { اهبطوا مصراً فإن لكم ما سألتم} ومن هنا الخير الشديد يخرج من مصر وكذلك الشر الشديد الذي قال تعالى فيه عن عصر فرعون ومن سيخلفه في إمامة الكفر التي قال تعالى فيها { وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار } قال تعالى هنا فيمن سيأتمون بفرعون آخر الزمان : { وفرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب إن ربك لبالمرصاد – الفجر } .

ثم يقول تعالى فيالأمة الرابعة من أصحاب الحجر :

  • وفرعون ذي الأوتاد (10)

وهنا :

(وفرعون)

فرعون لعنه الله أحد ملوك مصر المعاصرين لنبي الله موسى عليه السلام قال تعالى : { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ  إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى  اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَىٰ فَكَذَّبَ وَعَصَىٰ ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَىٰ فَحَشَرَ فَنَادَىٰ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى – النبأ 15-25 } وقال تعالى فيه أيضاً

: { وَإِذْ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰ أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ قَوْمَ فِرْعَوْنَ ۚ أَلَا يَتَّقُونَ – الشعراء 10-11 } وقال تعالى أيضاً  مبيناَ أن فرعون بعدما ادعى الألوهية أمر ببناء صرح كبير على الطين ليطلع من خلاله على السماء لعله يرى إله موسى عليه السلام قال تعالى : { وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ – القصص 38  } وقال تعالى أيضاً {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلا فِي تَبَابٍ  – غافر 36-37 }.

وهذا الصرح هنا هو الإهرامات المبنية من طين حول إهرامات قوم عاد  وعلى الطين لأن نهر النيل كان في ذلك الزمن يصل إلى ماتحت سفح تلك الإرهامات وهذه الأهرامات التي هى الصرح هى ذاتها هنا الأوتاد التي قال تعالى فيها { وفرعون ذي الأوتاد} . كما سنبين .

وأما :

(ذي)

وهنا ذي أي صاحب الأوتاد وهو من الأمم التي أطلق عليها سبحانه وتعالى أصحاب الحجر في قوله تعالى { هل في ذلك قسم لذي حجر – الفجر }

وأما :

 الأوتاد)

الأوتاد قيل فيها أنها أوتاد كان فرعون يعذب فيها ضحاياه والذين كفروا به : [عن سعيد بن جُبير ( وَفِرْعَوْنَ ذِي الأوْتَادِ ) قال: كان يجعل رجلا هاهنا ورجلا هاهنا، ويدا هاهنا ويدا هاهنا بالأوتاد. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( ذِي الأوْتَادِ ) قال: كان يوتد الناس بالأوتاد.- تفسير الطبري ومن جاء بعده من المفسرين ] . وفي تفسير كنز الدقائق [  عن ابي عبد الله سئل لأي شيئ سمى ذا الأوتاد؟ فقال لأنه كان إذا عذب رجلاً بسطه على الأرض على وجهه ومد رجليه ويديه فأوتدها بأربعه أوتاد في الأرضوربما بسطه على خشب فوتد رجليه ويديه بأوتاد – تفسير كنز الدقائق للمشهدي ج 14 ص 269]

وهذا خطأ كبير لأنهم لو تدبروا آيات الله لعلموا أن فرعون كان يصلب الناس على جذوع الخل وليس بالأوتاد هكذا قال الله تعالى وهو أصدق القائلين قال تعالى { قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى – طه 71 } .

وبين تعالى أن قوم نوح وعاد وفرعون ذو أوتاد في قوله تعالى في رباط بين أوتاد فرعون وإرم ذات العماد وهى الصروح الأقوى والأكبر {كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد – ص 12}

والأوتاد هنا تجتمع بين هذه الأمم الثلاثة من أصحاب الحجر و بين تعالى أنها الجبال في مواضع أخرى من كتاب الله قال تعالى { والجبال أوتادا – النبأ 7 } والجبال لها قاعدة وقمة مدببه وهو نفس شكل الأوتاد التي وصف الله تعالى بها قوم فرعون هنا في قوله تعالى { وفرعون ذي الأوتاد } .

ثم يقول تعالى فيما فعله قوم فرعون من جرائم :

  • الذين طغوا في البلاد(11)

وهنا :

(الذين طغوا)

[ وكل من جاوز القدر وعلا  فقد طغى ومنه تجاوز الحد في العصيان – معجم ألفاظ القرآن باب الطاء فصل الغين والياء ] قال تعالى لما جاوز الماء حدده وطغى في طوفان نوح عليه السلام { إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية – الحاقة 11 } والريح لما زادت عن حدها في إهلاك قوم ثمود قال تعالى { وأما ثمود فأهلكوا بالطاغية – الحاقة }  وفي كتاب الله تعالى كل من عمل للدنيا ضارباً عرض الحائط بشرع الله تعالى فقد طغى  قال تعالى { وأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هى المأوى – النازعات 37 } وعلى ذلك القرآن الكريم يبين أن فرعون لما عمل للدنيا و كفر بالله ورسوله وادعى الألوهية فقد طغى كما في قوله تعالى { وفرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد – الفجر } .وهنا لما طغى أرسل الله تعالى له موسى علي السلام ليذكره بالله تعالى كما في قوله تعالى لنبي الله موسى عليه السلام { إذهب إلى فرعون إنه طغى فقل هل لك إلى أن تزكى وأهديك إلى ربك فتخشى فأراه الآية الكبرى فكذب  وعصى –  النازعات 17-21} .

وينهى الله تعالى العالمين عن هذا الطغيان في قوله تعالى { وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي ۖ وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىٰ – طه81 } .

وأما :

(في البلاد)

وهنا ورود هذا اللفظ في قوله تعالى { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ – ق 36 } تدل على أن الذين طغوا في البلاد ونشروا الفساد  كان بالبطش والطغيان وسفك الدماء البريئة . وآخر هذه الأمم الظالمة قوم فرعون الذين قال تعالى فيهم :

{ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ – القصص 41 } ومن هنا كل الأمم التي جائت من بعد قوم فرعون أصبحت تقلدهم وتتخذهم أئمة في طريق الطغيان والكفر ومن هنا تكون نهاية الكفر في آخر الزمان أيضاً من مصر وما فترة الجمود فيها إلا من جراء الطلاسم والأسحار التي كان يستخدمها هؤلاء في حياتهم ولتسخير الناس لحكمهم فإذا شاء الله تعالى إبطال تلك الأعمال الكفرية ووقف إمامة فرعون لدول الكفر والنفاق والفسوق والعصيان ظهر أمر الله من مصر أيضاً .

ثم يقول تعالى :

  • فأكثروا فيها الفساد (12)

وأما :

(فأكثروا فيها)

يبين تعالى أن كثيراً من الناس في كل زمان ومكان بلقاء ربهم كافرون قال تعالى { وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون – الروم 8} وقال تعالى { قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين – الروم 42 }

ومن هؤلاء قوم إبراهيم عليه السلام قال تعالى فيهم { رب اجنبي وبني أن نعبد الأصنام رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم – إبراهيم 35-36} وهؤلاء كانوا كثيرون كما في سيكونون في آخر الزمان قال تعالى { أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون – الروم 9 } ولذلك يقول تعالى { ثلة من الأولين وثلة من الآخرين – الواقعة }

وهذا الشرك  والضلال يبين تعالى أن أكثر الناس كانوا ضالين بسبب هؤلاء الطغاة الظالمين قال تعالى { فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه ألا إنما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون – الأعراف 131 } وبعد موت فرعون لعنه الله يبين تعالى أنه قد جعل جسده آية للناس ولكن أكثرهم غفل عن ذكر الله تعالى والإعتبار بما فعله الله تعالى في هؤلاء المجرمين قال تعالى :{ فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون –يونس 92 }

وفي زمن رسول الله صلى الله عليه وآله يحذرهم الله تعالى من ترك بعض ما أنزل الله تعالى وهى لاية أهل بيت النبي عليهم السلام قال تعالى {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون – المائدة 49 } والذي على البينة الشاهد على الأمة بعد النبي صلى الله عليه وآله الإمام علي عليه السلام قال تعالى : {أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة أولئك يؤمنون به ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده فلا تك في مرية منه إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون – هود 17 }

وبالتالي من بعد هلاك فرعون الذي جعله الله تعالى إماماً للكفرة والعتاة الظلمة فقد أكثروا الفساد في زمانهم وفي الأزمان من بعد هلاكهم لأن القرآن الكريم بين أنهم سيكونون أئمة في الكفر قال تعالى { وجعلناهم أئمة يدعون إلأى النار ويم القيامة لا ينصرون – القصص } ومن هنا قال تعالى {فأكثروا فيها الفساد } .

وأما :

(الفساد)

والفساد عكس الأصلاح  ومخالفة أوامر الله تعالى إفساد في الأرض لقوله تعالى { ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها } والفساد مخالفة أوامر الله تعالى لقوله عز وجل { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ – البقرة 11 } ذلك يبين تعالى أن اتباع الهوى فساد في الأرض قال تعالى { ولو اتبع الحق أهوائهم لفسدت السماوات والأرض – المؤمنون 71 }

ومن هنا كل معاصي الله تعالى من شرك أو قتل أو عقوق والدين وقطع أرحام أو ظلم وزنا وسحاق و عمل قوم لوط  و بخس ميزان  و كذب ونفاق أو أكل مال يتيم كل ذلك و غيرة من مخالفة أوامر الله تعالى و إفساد في الأرض قال تعالى { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ ۚ كَانَ أَكْثَرُهُم مُّشْرِكِينَ – الروم 40-41 } وكما أهلك الله تعالى الأمم من قبل لما نشروا الفساد كذلك سيهلك الآخرين إن فعلوا نفس الجرائم وخرجوا على طاعة الله تعالى وولايته الحق  :

وفي كتاب الله تعالى :

  • القتل فساد في الأرض { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ – البقرة 30 } .
  • إهلاك الحرث بقطع الأشجار وإتلاف الزروع بلا سبب شرعي وقتل النفس ووقف النسل إفساد في الأرض قال تعالى {  وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد – البقرة 205 } .
  • ذبح الأطفال والإعتداء على النساء وتفرقة الناس لاستضعاف المؤمنين فساد في الأرض قال تعالى { إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ – القصص 4 } .
  • السحر وإيذاء الناس بالأعمال الفاسدة فساد في الأرض قال تعالى { فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين – يونس 81 }
  • بخس الناس أشيائهم وبخس الميزان إفساد في الأرض قال تعالى فيه {ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين – هود 85 } وقال تعالى أيضاً { ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين – الشعراء 183} .
  • السرقة إفساد في الأرض لقوله تعالى { قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين – يوسف 73 }
  • وعامة المعاصب إفساد في الأرض لقوله تعالى { ولا تفسدوا في الأرض بعد أصلاحها – الأعراف 85} .

وهذه جرائم كلها نشرها فرعون في الأمم من بعده لأن الله تعالى جعله إماماً للكفر حتى ولو كانت مصر صاحبة حضارة وتمنع تلوث النيل كما في وصية كتاب الموتى وعظمة الأخلاق التي تدعوا لعدم تلوث النيل إلا أن دعوته للألوهية وحربه لنبي الله موسى وما اتخذه من تدابير بالسحر لمقاومة نبي الله موسى والمكر الذي مكره بالمؤمنين وقتله للأطفال وسجن المصريين لنبي الله يوسف عليه السلام  من قبل في دولة من دول الحكم الفرعوني في مصر بقيت بعد موتهم وكل من فعل تلك الأفاعيل وهو يجهل أن الله تعالى جعل فرعون إماما للكفرة  الظلمة من قبل وهنا ترتفع البركة من البلاد التي تنتهج هذا النهج أو وصل إليها آثار دولة إمام الكفرة الظلمة فيحل بهم العذاب الخفي والعلني من أمراض وهلكة عامة أو أمراض وأزمات أو أعاصير وطقس مدمر أو تسلط أعداء من خار ج أوطانهم تحتلهم وتنتقم من الشعوب والجيوش وكل تلك الوقائع في مصر وما حولها من دول وهى البلاد العربية والإسلامية تتواكب مع زمان هلاك العالم الوارد في قوله تعالى {وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا – الإسراء 58 } وقال تعالى { ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون – الروم 41 } .  وقال تعالى أيضاً { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا – محمد 10 } .

وهذه كلها مقدمات للقيامة ولا نرى الآن في مصر إلا أن نبش قبور الفراعين وسرقتها وتهريبها في الزمن الحالي أثرأً بعد أثر ما هو إلا بداية لإبطال سحر فرعون الذي استخدمه السحرة في محاربة نبي الله موسى وهارون عليهما السلام وما فعله السامري من عبادة العجل وهو ما ترك أثراً في سلوكيات شعب مصر وماحولهم ممن تقلد بفرعون وهو لا يدري أنه قد اتخذ فرعون إماماً  وبالتالي العالم في طريقة الآن إلى خلافة إسلامية على نهج النبوة وإمامها رجلاً من أهل بيت النبي عليهم السلام .

ثم يقول تعالى :

  • فصب عليهم ربك سوط عذاب (13)

وهنا :

(فصب)

[ وصب الماء ونحوه من السائل يصبه كنصر : أراقه من أعلى – معجم ألفاظ القرآن باب الصاد فصل الباء والباء ] قال تعالى { أنا صببنا الماء صبا – عبس 25  } واختيار القرآن الكريم للفظ بعذاب مميز مختلف عن أمة عاد وثمود تبين أن صب الماء إشارة إلى انتقام الله تعالى منه وجنوده بالغرق وصب الماء من فوقهم ومن بين أيديهم بعدما فرق اللله الماء لموسى وتحول الماء لجبلين كل فرق  كالطود العظيم قال تعالى { فأغرقناه ومن معه جميعا – الإسراء 103 } وذلك بصب الماء من فوقهم ومن بين أيديهم حتى أغرقه الله وجنوده .وهذا الغرق عذاب قال تعالى فيه { فصب عليهم ربك سوط عذاب – الفجر 13} .

وأما :

(ربك)

أي أنه يقول تعالى { إن ربك لبالمرصاد – الفجر 14 } ومرصاد الله تعالى أنه صب عليهم سوط عذاب كما في الآية هنا { فصب عليهم ربك سوط عذاب – الفجر 13} .

وأما :

(سوط)

وهنا [ ساطه يسوطه سوطا : خلطه والسوط بمعنى الجلد الذي يضرب به سمي بذلك لأنه إذا ضرب به خلط الدم باللحم – معجم ألفاظ القرآن باب السين فصل الواو والطاء ] . وسبحان من اختار الألفاظ بدقة يعجز أن يأتي به إنسان فأهل السباحة ومن لهم علم بهذه الرياضة يعلمون أن ضربة الماء الشديدة تعمل في جسد الإنسان كالسوط بالضبط ويقولون فيها (ضربه كرباج ماء) وتكون لها علامة ضربة كأنها ضربة سوط وكأن الله تعالى يقول بأن جسد فرعون بعد غرقه وقول الله تعالى فيه { اليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية – } والعلامة هنا ضربات سوط على جسده من الماء ليميز الله تعالى جسده عن غيره لعنه الله .كما أن موضع الجلد بالسوط على الظهر فيها دليل على أنه وجنوده انكفأوا على وجوههم فضربهم الماء بالسوط على ظهورهم فأغرقهم جميعا . وهذا اللفظ مما ليس له مرادف في كتاب الله .

وأما :

(عذاب)

وهنا يبين تعالى العذاب الذي نزل على فرعون وجنوده فقال تعالى {فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا ۖ وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ۖ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۚ قَالُوا فَادْعُوا ۗ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ  – غافر 45-50 } . وكان بداية هذا العذاب في الدنيا إغراقه وجنوده وهذا عذابهم في الدنيا بالغرق ليدخلوا النار بعد ذلك  كما في قوله تعالى هنا { فصب عليهم ربك سوط عذاب إن ربك لبالمرصاد – الفجر 13-14 }

ثم يقول تعالى :

  • إن ربك لبالمرصاد (14)

وهنا :

(إن ربك)

أي أنه تعالى يقول { إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين – النحل 125 } وهو أعلم بالمعتدين كما في قوله تعالى {إن ربك هو أعلم بالمعتدين – الأنعام 119} والله تعالى بالمرصاد لهؤلاء المجرمين المعتدين قال تعالى هنا { إن ربك لبالمرصاد } .

وأما :

(لبالمرصاد)

[ ورصد يرصده رصداً : قعد له على الطريق يرصده فهو راصد والرَصَد : الحرس المراقبين – معجم ألفاظ القرآن باب الراء فصل الصاد والدال ] .

قال تعالى { فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ۚ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ – التوبة 5 } والله تعالى يعلم أعمال العباد من قبل خلقهم والرصد في الدنيا من خلال ملائكة موكولة بذلك منها رقيب وعتيد لقولتعالى { ما يلفظ من قول إلا لديه ريقب عتيد – ق } وهناك ملائكة موكولة بالفعل ترصد فرعون وكلما كاد كيدا كادت له ما هو عكس كما في قوله تعالى { ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين  – الأنفال 30} . وبالتالي رصد الله تعالى لهؤلاء نصره لرسله كما في قوله تعالى { كتب الله لأغلبن أنا ورسلي – المجادلة 21} و لذلك قال تعالى لنبي الله موسى عليه السلام { قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى – طه 69} ولأن فرعون وملئه كانوا بارعين في السحر بين تعالى أن لله ملائكة كانت تمنع السحرة والجن الكافر من التجسس على نبي الله موسى عليه السلام  و استراق السمع بدليل ورود هذا اللفظ في قوله تعالى عن الجن { وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا – الحن 9} وهؤلاء الجن لما أسلموا مع نبي الله موسى  والسحرة  أسلموا أيضاً لسماعهم القرآن بعدما تأكدوا أنه كتاباً مصدقاً لما بنين يديه كما قالوا { يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ – الأحقاف 30 } وهؤلاء لما أسلموا مع نبي الله موسى و السحرة رضى الله عنهم كانوا يرصدون فرعون ومن كفروا بالله تعالى حماية لنبي الله موسى ودين الإسلام في ذلك الوقت و كذلك في زمن النبي صلى الله عليه وآله كانوا رصد حماية له بعدما أسلموا كما في قوله تعالى { وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به – الجن } ثم قال تعالى عن رصد الحماية للنبي صلى الله عليه وآله { إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا – الجن 27 } . وبالتالي رصد الله تعالى حماية للرسول و المؤمنين و تتبع لإهلاك الظالمين كما قال تعالى في فرعون ومن انتهج نهجه هنا  { إن ريلك لبالمرصاد }

ثم يقول تعالى :

  • فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15)

أي يقول تعالى ذكره : [ فأما الإنسان إذا ما امتحنه ربه بالنعم والغنى ( فأكْرَمَهُ ) بالمال، وأفضل عليه، ( وَنَعَّمَهُ ) بما أوسع عليه من فضله ( فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ) فيفرح بذلك ويسرّ به ويقول: ربي أكرمني بهذه الكرامة. وقوله: ( وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ ) يقول: وأما إذا ما امتحنه ربه بالفقر ( فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ ) يقول: فضيَّق عليه رزقه وقَتَّره، فلم يكثر ماله، ولم يوسع عليه ( فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ) يقول: فيقول ذلك الإنسان: ربي أهانني، يقول: أذلني بالفقر، ولم يشكر الله على ما وهب له من سلامة جوارحه، ورزقه من العافية في جسمه. – تفسير الطبري ]  .

وهنا :

(فأما الإنسان)

أي أنه يقول تعالى : {وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فإن الإنسان كفور – الشورى 48 }  وهذا الفرح لأنه لحب الخير ومتاع الدنيا لشديد قال تعالى { إن الإنسان لربه لكنود وإنه على ذلك لشهيد وإنه لحب الخير لشديد – العاديات } وهنا يبين تعالى أنه إذا أجاب الإنسان وملكه الدنيا وخيرها أعرض ونئا بجانبة كما في قوله تعالى { وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض – فصلت 51 } وبعد إعراضه يطغى على خلق الله كما في قوله تعالى { كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى  العلق 6- 7 } لذلك لا يسأم الإنسان من دعاء الخير ويلح في هذا الدعاء كما في قوله تعالى { لا يسأم الإنسان من دعاء الخير وإن مسه الشر فيئوس قنوط – فصلت 49 } وإذا مسه الضر دعا ربه منيباً إليه كما في قوله تعالى { فإذا مس الإنسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته على علم بل هي فتنة ولكن أكثرهم لا يعلمون – الزمر 49 } وبالتالي هو في حالة من الهلع إذا مسه الشر ويمنع الماعون إن أصابه الخير فيكون شحيحاً بخيلاً على الفقراء والمعوزين إلا المصلين لا يفعلون ذلك قال تعالى  {إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا إِلَّا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ – المعارج 19-23 }  .

ويبين الله تعالى لبني آدم أن الله قد أنعم عليهم بنعم لا تحصى كما في قوله تعالى { وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار – إبراهيم 34 } وبالتالي ما المال أو الخير إلا نعمى من نعم الله فما عليك إلا أن تحمد الله وتشكره على بقية ما أنعمه الله عليك من نعم وقد تكون أدنا الصحة ونعمة البصر وسلامة العيال وتدبير قوت يومهم و [ ” عن سعد بن أبي وقاص – رضِي الله عنه – عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: (( أربعٌ من السعادة: المرأةُ الصالحة، والمسكنُ الواسِع، والجارُ الصالح، والمَرْكَب الهنيء، وأربعٌ من الشقاء: المرأة السوء، والجار السوء، والمركب السوء، والمسكن الضيِّق))، وأخرَجَه كذلك أحمد مُختَصَرًا، وقال الألباني في “السلسلة الصحيحة” مُعَلِّقًا على رواية ابن حبَّان: هذا سند صحيح على شرط الشيخين… الحديث – رواه ابنُ حبَّان في “صحيحه”، والحاكمُ في “المستدرك”، والطبراني في “الكبير” و”الأوسط”، والبيهقيُّ في “الشُّعَب”، وغيرُهم ] .

وأما :

(إذا مابتلاه ربه)

[ وبلوت فلاناً وبلواً وبلاءاً وأبليته وابتليته : كل ذلك بمعنى امتحنته واختبرته ويكون ذلك في الخير والشر – معجم ألفاظ القرآن باب الباءفصل اللام والواو ] قال تعالى { وابتلوا اليتامي فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم – النساء 6 } . والله تعالى يبتلي الناس في الدنيا بالشر والخير فتنة قال تعالى { ولنبلونكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون – الأنبياء 35 } وقال تعالى انه خلق كل ما على الأرض من زينة  لابتلاء الناس أيهم سيطيع الله تعالى ويتولاه حق ولايته قال تعالى { إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا وإنا لجاعلون ما عليها صعيداً جرزا – الكهف 7-8} أي انه كله متاع زائل ولا يبقى إلا رضا الله تعالى والجنة قال تعالى { ما عندكم ينفد وما عند الله باق ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون – النحل 96 } .

وأما :

(فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن)

[ وأكرمه بمعى شرفه وأحسن معاملته وسلك معه مسلك الكرم و الجود – معجم ألأفاظ القرآن باب الكاف فصل الراء والميم ] قال تعالى { وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ – يوسف 21 }  ولقد كرم الله تعالى بني آدم في الدنيا كما في قوله تعالى {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا – الإسراء 70 } وهنا يبين تعالى أن الإنسان فرح فخور فإذا ما أكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن بكرامتي عنده وهو لا يدري أنه ابتلاء من الله تعالى قال فيه هنا { فَأَمَّا الإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ- الفجر 15 }  ويبين الله تعالى أن أكرم الخلق على الله  تعالى في الدنيا وفي الآخرة من بعد الموت أتقاهم لله عز وجل قال تعالى { إن أكرمكم عند الله أتقاكم – الحجرات 13 } .

وأما :

(ونعمه)

[ والنعمة : رفاهية العيش والترف – معجم ألفاظ القرآن باب النون فصل العين والمين ] قال تعالى { كم تركوا من جنات وعيون وزروع مقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين – الدخان 25-27} وهذه النعمة إذا أنعمها الله تعالى على الخلق فكثير من الناس سيعرض عن شكره تعالى وأداء حق الله تعالى في هذه النعمة التي أنعمها عليه قال تعالى{ وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض – فصلت 51 } ويقول تعالى في يأسه إذا نزعت منه نعمة من أنعم الله تعالى {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا – الإسراء 83 } .

وأما :

(فيقول ربي)

يقول تعالى { ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد –ق }

وهنا ما سيقوله الإنسان في نفسه أو مع أحد الله يعلمه ولذلك يقول تعالى هنا أنه إذا أنعم عليه نعمة فسيقول ربي أكرمن و إذا ما نزعت منه سيقول ربي أهانن قال تعالى { وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ – الفجر 16 } . وبالتالي إذا قدر عليه رزقه  وأذهب الله تعالى عنه نعمة من النعم فيؤس قنوط وإذا أنعم عليه مرة أخرى بإجابة دعوته فرح وقال ذهب السيئات عني كما في قوله تعالى {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ – هود 10 }

وليس الأمر في الدنيا فقط بل سيعتقد أن ذلك من رضا الله عليه وإن له في الآخرة الحسنى كما في قوله تعالى {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ – فصلت 50 } وهنا كأنه جعل عرض الحياة الدنيا مقياساً لرضا الله وغضبه وهوبجهله وبعده عن دراسة كتاب الله حتى اصبح جاهلاً منافقاً  لا يعلم أن الله تعالى ما خلق كل الخلق على الأرض إلا ابتلاء للإنسان واختباراً له هل سيؤدي حق الله فيها أم لا ؟ .

وأما :

(أكرمن)

أي أن الله أكرمه بعرض من الدنيا وهو لا يدري أن الكريم أولا هو الله كما في قوله تعالى { ومن كفر فإن ربي غني كريم  النمل 4} وهذا الغني الكريم سبحانه وتعالى أنزل كتاب كريم قال تعالى فيه { إنه لقرآن كريم – الواقعة 77  }  نزل على رسول كريم قال تعالى فيه { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ – التكوير 19-22}  ومن أراد كرامة الدنيا والآخرة فليطع الله تعالى ورسوله ويتولاه ورسوله وأهل بيته عليهم السلام ذرية الذين اصطفاهم الله تعالى كما في قوله تعالى { إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم – آل عمران }.

ثم يقول تعالى :

  • وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16)

 وهنا :

(وأما إذا ابتلاه)

بيناها من قبل أنها امتحان قال تعالى فيه { ولنبولنكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون – الأنبياء }

وأما :

(فقدرعليه)

[ وقدر عليه رزقه : دعله ضيقاً محدوداً وقُدِر عليه رزقه : ضُيق عليه – معجم ألفاظ القرآن باب القاف فصل الدال والراء ] قال تعالى { إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده خبيرا بصيرا – الإسراء 30 } ثم يبين تعالى أن أكثر الناس لا يعلمون {قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ولكن أكثر الناس لا يعلمون – سبأ 36 } فلا يعلمون أن الحياة الدنيا متاع قليل يفرح بها من لا خلاق له قال تعالى { الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع – الرعد 26 } ونسوا أن لله حق قال تعالى فيه { وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم } لذلك يقول تعالى مبيناً أن الله تعالى سيعوض المنفقين خير كما قال تعال{ قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين – سبأ 39 }ولذلك تقول الملائكة للمنفقين في دعائها [ اللهم أعطي منفقاً خلفاوممسكاً تلفا ” ] وقد ضرب الله مثلاً في كتاب الله عمن سيفرحون بالحياة الدنيا وزينتها وهو قارون الذي أهلكه الله تعالى وخسف به وبدار ه الأرض وهنا قال تعالى في الذين كانوا يظنون أنه ذو حظ عظيم بذلك المتاع القليل { وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون – القصص 82 } وهنا بين تعالى أن الجهلاء الذين تركوا شرع اللع والعمل بكتابه هم الذين سيقولون ربي أهانن .

وأما :

(ربي أهانن)

[ وهان يهون هوناً : بفتح الهاء : سهل وتيسر وخف والوصف هين وإسم التفضيل أهون : ويقال هان هوناً: ذل وحقر والوصف هين أيضاً – معجم ألفاظ القرآن باب الهاء فصل الواو والنون ] قال تعالى في فرعون لما استعبد بني إسرائيل وسخرهم لأعماله المهينة والشاقة { ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين مِن فِرْعَوْنَ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِّنَ الْمُسْرِفِينَ – الدخان 30-31 } أي أنه عذبهم عذاباً فيه ذل وحقارة كما قال تعالى في وأد البنات { أيمسكه على هون أم يدسه في التراب – النحل 59 }  وفي الآخرة هؤلاء لهم عذاب مهين قال تعالى فيه { وللكافرين عذاب مهين – البقرة 90 } ومن خرج على حكم الله وعصاه تعالى ورسوله فما له من مكرم قال تعالى { ومن يهن الله فماله من مكرم إن الله يفعل ما يشاء – الحج 18} .

ثم يقول تعالى حق الله في النعنمة التي أنعمها على بعض خلقه دون البعض :

  • كلا بل لا تكرمون اليتيم (17)

وهنا :

(كلا)

وهنا ورد هذا اللفظ في قوله تعالى { كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى – العلق 6 }

فإذا قامت القيامة كما في قوله تعالى عن وصف أحوالها وأهوالها : { كلا إذا دكت الأرض دكاَ دكا وجاء ربك والملك صفاً صفا – الفجر } وهنا سيحاسبون على عدم إكرام اليتيم و عدم إطعامهم للمساكين وأكلهم أموال الناس بالباطل كما في الآية هنا { كلا بل لا تكرمون اليتيم ولا تحاضون على طعام المسكلين وـاكلون التراث أكلاً لما وتحبون المال حباً جما – الفجر } .  وهؤلاء هم الذين آثروا وأحبوا العاجلة على الآخرة الآجلة كما في قوله تعالى { كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة – القيامة 20 } .

وأما :

(بل)

وهنا يبين تعالى من خلال هذا اللفظ أنهم آثروا الحياة الدنيا على الآخرة لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا و الآخرة خير وأبقى – الأعلى } ولماآثروا الحياة الدنيا منعوا حق اليتيم والمسكين .

وأما :

(لا تكرمون)

وإكرام اليتيم تكون بأداء حق الله فيه كما أمر الله تعالى من إعطاءه حقه في المال والرعاية والمعيشة وتدبير احتاجاته حتى البلوغ وفق ما أمر الله تعالى قال تعالى { أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا – يوسف } .

وأما :

(اليتيم)

[اليتيم من الناس : من فقد أباه قبل البلوغ ] قال تعالى { فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر وأنا بنعمة ربك فحدث } . وحق الله فيه يقول تعالى { وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ۖ – الأنعام 152 } . واليتامى لهم حق الإكرام إذا حضروا القسمة بين الورثة لقوله تعالى { وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا – النساء 8 } ولهم حق في خمس المغنم والفيئ لقوله تعالى { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير – الأنفال 41 } وقال تعالى أيضاً { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب – الحشر 7 } .

وقد أثنى الله تبارك وتعالى على الإمام علي والسيدة فاطمة لما أطعموا الطعام للمسكين واليتيم والأسير فنزل فيهم { ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيرا – الإنسان } .

[  عن ابن عباس‏ :‏ وذلك أن علي بن أبي طالب (عليه السلام) نوبة أجر نفسه يسقي نخلا ، بشيء من شعير ليلة حتى أصبح وقبض الشعير وطحن ثلثه فجعلوا منه شيئا ليأكلوا ، يقال له الخزيرة ، فلما تم انضاجه أتى مسكين فأخرجوا إليه الطعام ثم عمل الثلث الثاني ، فلما تم انضاجه أتى يتيم فسأل فأطعموه ، ثم عمل الثلث الباقي ، فلما تم انضاجه أتى أسير من المشركين فأطعموه وطووا يومهم ذلك فأنزلت فيه هذه الآية‏ – أسباب النزول للواحدي النيسابوري ج1 ص 230-231] .‏

وفي تفسير القرطبي :

[… وفي حديث الجعفي : فقامت الجارية إلى صاع من شعير فخبزت منه خمسة أقراص ، لكل واحد منهم قرص ، فلما مضى صيامهم الأول وضع بين أيديهم الخبز والملح الجريش ، إذ أتاهم مسكين ، فوقف بالباب ، وقال : السلام عليكم أهل بيت محمد – في حديث الجعفي – أنا مسكين من مساكين أمة محمد (صلى الله عليه وآله) ، وأنا والله جائع ، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة ، فسمعه علي (ع) ، فأنشأ يقول :

فاطم ذات الفضل واليقين * يا بنت خير الناس أجمعين

أما ترين البائس المسكين * قد قام بالباب له حنين

يشكو إلى الله ويستكين * يشكو إلينا جائع حزين

كل امرئ بكسبه رهين * وفاعل الخيرات يستبين

موعدنا جنة عليين * حرمها الله على الضنين

وللبخيل موقف مهين * تهوي به النار إلى سجين

شرابه الحميم والغسلين * من يفعل الخير يقم سمين

ويدخل الجنة أي حين

 

فانشأت فاطمة (ع) تقول :

 

أمرك عندي يا ابن عم طاعه * ما بي من لؤم ولا وضاعه

غديت في الخبز له صناعه * أطعمه ولا أبالي الساعه

أرجو إذا أشبعت ذا المجاعه * أن الحق الأخيار والجماعه

وأدخل الجنة لي شفاعه.

 

فأطعموه الطعام ، ومكثوا يومهم وليلتهم لم يذوقوا شيئا الا الماء القراح ، فلما أن كان في اليوم الثاني قامت إلى صاع فطحنته واختبزته ، وصلى علي مع النبي (صلى الله عليه وآله) ، ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين أيديهم ، فوقف بالباب يتيم ، فقال : السلام عليكم أهل بيت محمد ، يتيم من أولاد المهاجرين استشهد والدي يوم العقبة ، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة ، فسمعه علي فأنشأ يقول :

 

فاطم بنت السيد الكريم * بنت نبي ليس بالزنيم

لقد أتى الله بذي اليتيم * من يرحم اليوم يكن رحيم

ويدخل الجنة أي سليم * قد حرم الخلد على اللئيم

ألا يجوز الصراط المستقيم * يزل في النار إلى الجحيم

شرابه الصديد والحميم

 

فانشأت فاطمة (ع) تقول :

 

أطعمه اليوم ولا أبالي * وأوثر الله على عيالي

أمسوا جياعا وهم أشبالي * أصغرهم يقتل في القتال

بكربلا يقتل باغتيال * يا ويل للقاتل مع وبال

تهوي به النار إلى سفال * وفي يديه الغل والأغلال

كبولة زادت على الأكبال

 

فأطعموه الطعام ومكثوا يومين وليلتين لم يذوقوا شيئا الا الماء القراح ، فلما كانت في اليوم الثالث قامت إلى الصاع الباقي فطحنته واختبزته ، وصلى علي مع النبي (صلى الله عليه وآله) ، ثم أتى المنزل ، فوضع الطعام بين أيديهم ، إذ أتاهم أسير فوقف بالباب ، فقال : السلام عليكم أهل بيت محمد ، تأسروننا وتشدوننا ولا تطعموننا أطعموني فإني أسير محمد . فسمعه علي فأنشأ يقول :

فاطم يا بنت النبي أحمد * بنت نبي سيد مسود

وسماه الله فهو محمد * قد زانه الله بحسن أغيد

هذا أسير للنبي المهتد * مثقل في غله مقيد

يشكو إلينا الجوع قد تمدد * من يطعم اليوم يجده في غد

عند العلي الواحد الموحد * ما يزرع الزارع سوف يحصد

أعطيه لا لا تجعليه أقعد

 

فانشأت فاطمة (ع) تقول :

 

لم يبق مما جاء غير صاع * قد ذهبت كفي مع الذراع

ابناي والله هما جياع * يا رب لا تتركهما ضياع

أبوهما للخير ذو اصطناع * يصطنع المعروف بابتداع

عبل الذراعين شديد الباع * وما على رأسي من قناع

إلا قناعا نسجه أنساع

 

فأعطوه الطعام ومكثوا ثلاثة أيام ولياليها لم يذوقوا شيئا الا الماء القراح ، فلما أن كان في اليوم الرابع ، وقد قضى الله النذر أخذ بيده اليمنى الحسن ، وبيده اليسرى الحسين ، وأقبل نحو رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع ، فلما أبصرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، قال : يا أبا الحسن ما أشد ما يسوءني ما أرى بكم انطلق بنا إلى ابنتي فاطمة ، فانطلقوا اليها وهي في محرابها ، وقد لصق بطنها بظهرها ، وغارت عيناها من شدة الجوع ، فلما رآها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعرف المجاعة في وجهها بكى وقال : واغوثاه يا الله ، أهل بيت محمد يموتون جوعا ، فهبط جبريل (ع) ، وقال : السلام عليك ، ربك يقرئك السلام يا محمد ، خذه هنيئا في أهل بيتك ، قال : وما آخذ يا جبريل فأقرأه{ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا ( الإنسان : 1 ) } إلى قوله : { وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا @ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا @ ( الإنسان : 8 – }  قال الترمذي : الحكيم أبو عبد الله في نوادر الأصول : فهذا حديث مزوق مزيف ، قد تطرف فيه صاحبه حتى تشبه على المستمعين ، فالجاهل بهذا الحديث يعض شفتيه تلهفا الا يكون بهذه الصفة ، ولا يعلم أن صاحب هذا الفعل مذموم …. – القرطبي – الجامع لأحكام القرآن – سورة الانسان : 7 – قوله تعالى : { يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا } – الجزء : ( 19 ) – رقم الصفحة : ( 116 / 119 ) ] .

 

ثم يقول تعالى :

 

  • ولا تحاضون على طعام المسكين (18)

 

[ وحض : حث كل منهم غيره على فعله – معجم ألفاظ القرآن باب الحاء فصل الضاد والضاد ] قال تعالى مبيناً أن فاعل ذلك الفعل من المكذبين بالدين فقال عز وجل { أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ  – الماعون } كما ينفي الله تعالى عنهم أيضاً الأيمان بمنعهم إطعام المساكين و هؤلاء يوم القيامة سيأخذون كتابهم بشمالهم كما في قوله تعالى { وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ مَا أَغْنَىٰ عَنِّي مَالِيَهْ ۜ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ  وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيم– الحاقة 25-35 } .

ثم يقول تعالى :

  • وتأكلون التراث أكلاً لما (19)

وهنا :

(وتأكلون التراث أكلا)

وأكل التراث أكل مال لقوله تعالى { إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ۖ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا – النساء 10 } لذلك حرم الله تعالى ذلك في قوله تعالى { ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوباً كبيرا- النساء 2 } وقد حرم الله تعالى أكل أموال الناس بالباطل لتصل إلى الحكام بغير حق كما في قوله تعالى {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون – البقرة 188 } ومن الأموال المحرمة هنا أكل أموال التراث أو الميراث .

وأما :

(التراث)

[ والتراث كلمة أصلها مِوراث فإبدلت من الواو يُخلف من المال ويورث – معجم ألفاظ القرآن باب الواو فصل الراء والثاء ٍ]

قال تعالى { يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا – مريم } وهذا الميراث له نصاب محدد في كتاب الله كقوله تعالى { فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث – النساء 11 } وهذا النصاب بينه الله تعالى في كتابه الكريم وقال تعالى { وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضاص لم تطؤها – الأحزاب 27 }  وهذه الأرض والديار والأموال فيئ وأنفال قال تعالى فيها { مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ –الحشر 7 } . ومنع هذا الخمس أيضاً من أكل التراث الذي قال تعالى فيه هنا { وتأكلون التراث أكلاً لما – الفجر } والتراث هنا لفظ أوسع لأنه يضم أكل مال اليتيم وأكل المال عموما وأكل مال اليتيم ومنع الخمس الذي افترضه الله تعالى لأهل بيت النبي وأصحاب النصاب في آيه الفيئ والأنفال لذلك قال تعالى تراث وليس ميراث ليكون محدد فقط بالمواريث والتركات .

وأما :

(لما)

[ ولم بالشيئ يلمه لماً : جمعه ولم يترك منه قليلاً ولا كثيراً يقال أكل الطعام أكلاً لما أي إذا جمع لكل شيئ – معجم ألفاظ القرآن باب اللام فصل الميم والميم ] .

قال تعالى هنا { وتأكلون التراث أكلاً لما } [ أي تجمعون المال جمعاً من أي طريق بأكل أموال الورثةة بالباطل أو بالربا أو بأكل مال اليتيم أو بمنع و أكل مال أصحاب الحقوق في الخمس لأهل بيت النبي (عليهم السلام) وأصحاب النصاب المفترض بالتأولات الباطلة أو بالغش أو الخداع أو سفك الدماء أو الإستيلاء والسطو … إلخ من طرق مخالفة لكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وآله .

ثم يقول تعالى :

  • وتحبون المال حباً جما (20)

وهنا :

( وتحبون المال حباً)

أي حب الخير قال تعالى { وإنه لحب الخير لشديد – العاديات }  وهذه هى العاجلة بكل ما تحويه الدنيا من متاع قال تعالى فيه { إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا – الإنسان 27 }

وأما :

(المال)

وهنا يقول تعالى {المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا – الكهف46}  والويل لكل من جمع مالاً بغير حق أو لم يخرج حق الله فيه لأصحاب النصاب من فقراء ويتامى ومساكين قال تعالى { ويل لكل همزة لمزة الذي جمع مالاً وعدده يحسب أن ماله أخلده كلا لينبذن في الحطمة وما أدراك ما الحطمة نار الله الموقده التي تطلع على الأفئدة – الهمزة } .

والذين يعملون للمال وأضاعوا أعمارهم في جمعه ولم يجعلوا لله تعالى أوقاتاً للطاعة والعبادة وهؤلاء منافقون قالوا { شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا – الفتح 11}

وأما :

(جما)

[ وجم الماء وغيره يَجُم ويجِم : كثر والجم : الكثير – معجم ألفاظ القرآن باب الجيم فصل الميم والميم ] . قال تعالى { وتحبون المال حباً جما – الفجر } وهذا من الألفاظ التي ليس لها مرادف يبينها .

ثم يقول تعالى :

  • كلا إذا دكت الأرض دكاَ دكا (21)

وهنا :

(كلا)

أي أنه يقول تعالى عن يوم القيامة هنا { كلا إذا دكت الأرض دكاَ دكا } وذلك يوم القيامة الذي قال تعالى في تفاصيله { لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ بَلَىٰ قَادِرِينَ عَلَىٰ أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ بَلْ يُرِيدُ الْإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ وَخَسَفَ الْقَمَرُ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ يَقُولُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ كَلَّا لَا وَزَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ – القيامة 1-12 } .

وأما :

(إذا)

أي أنه يقول تعالى عن ذلك اليوم { إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا فَكَانَتْ هَبَاءً مُّنبَثًّا – الواقعة 1-6 } وهذا هو دك الأرض هنا الذي قال تعالى فيه { كلا إذا دكت الأرض دكاَ دكا} .

وأما :

(دكت الأرض دكاَ دكا)

[ ودكه يدكه : فتته ودقه – معجم ألفاظ القرآن باب الدال فصل الكاف والكاف ] قال تعالى { وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة فيومئذٍ وقعت الواقعة – الحاقة 14-15} . ولورود لفظ الدك على يأجوج ومأجوج في قوله تعالى { قَالَ هَٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي ۖ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ ۖ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا – الكهف 98-99 }  يدل على أن خروج هذه الأمة من علامات القيامة الكبرى .

ثم يقول تعالى :

  • وجاء ربك والملك صفاً صفا (22)

وأما قوله عز وجل: (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) وقوله: (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار) وقوله: (ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى) وقوله (يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما) فأما قوله: (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) فإن ذلك في موضع ينتهي فيه أولياء الله عز وجل بعد ما يفرغ من الحساب إلى نهر يسمى الحيوان فيغتسلون فيه ويشربون منه فتنضر وجوههم إشراقا فيذهب عنهم كل قذى ووعث، ثم يؤمرون بدخول الجنة، فمن هذا المقام ينظرون إلى ربهم كيف يثيبهم، ومنه يدخلون الجنة، فذلك قوله عز وجل من تسليم الملائكة عليهم: ﴿سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين﴾   فعند ذلك أيقنوا بدخول الجنة والنظر إلى ما وعدهم ربهم فذلك قوله: (إلى ربها ناظرة) وإنما بالنظر إليه النظر إلى ثوابه تبارك وتعالى. وأما قوله: (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار) فهو كما قال: (لا تدركه الأبصار) يعني لا تحيط به الأوهام (وهو يدرك الأبصار) يعني يحيط بها وهو اللطيف الخبير، وذلك مدح امتدح به ربنا نفسه تبارك وتعالى وتقدس علوا كبيرا، وقد سأل موسى عليه السلام وجرى على لسانه من حمد الله عز وجل ﴿رب أرني أنظر إليك﴾  فكانت مسألته تلك أمرا عظيما وسأل أمرا جسيما فعوقب، فقال الله تبارك وتعالى: لن تراني في الدنيا حتى تموت فتراني في الآخرة   ولكن إن أردت أن تراني في الدنيا

فانظر (إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني) فأبدى الله سبحان بعض آياته وتجلى ربنا للجبل فتقطع الجبل فصار رميما وخر موسى صعقا، يعني ميتا فكان عقوبته الموت ثم أحياه الله وبعثه وتاب عليه، فقال: (سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين) يعني أول مؤمن آمن بك منهم أنه لن يراك، وأما قوله: (ولقد رآه نزلة أخرى عند سدره المنتهى) يعني محمدا صلى الله عليه وآله وسلم كان عند سدرة المنتهى حيث لا يتجاوزها خلق من خلق الله  وقوله في آخر الآية: (ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى) رأى جبرئيل عليه السلام في صورته مرتين هذه المرة ومرة أخرى  وذلك أن خلق جبرئيل عظيم فهو من الروحانيين الذين لا يدرك خلقهم وصفتهم إلا الله رب العالمين  .

وأما قوله: (يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما) لا يحيط الخلائق بالله عز وجل علما إذ هو تبارك وتعالى جعل على أبصار القلوب الغطاء، فلا فهم يناله بالكيف، ولا قلب يثبته بالحدود، فلا يصفه إلا كما وصف نفسه ليس كمثله شئ وهو السميع البصير، الأول والآخر والظاهر والباطن، الخالق البارئ المصور، خلق الأشياء

فليس من الأشياء شئ مثله تبارك وتعالى، فقال: فرجت عني فرج الله عنك، وحللت عني عقدة فأعظم الله أجرك يا أمير المؤمنين.

فقال عليه السلام: وأما قوله: (وما كان لبشر أن يكلمه إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء) وقوله: (وكلم الله موسى تكليما) و قوله: ((وناداهما ربهما) وقوله: (يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة) فأما قوله (ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب) فإنه ما ينبغي لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا وليس بكائن إلا من وراء حجاب، أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء، كذلك قال الله تبارك وتعالى علوا كبيرا، قد كان الرسول يوحى إليه من رسل السماء فيبلغ رسل السماء رسل الأرض، وقد كان الكلام بين رسل أهل الأرض وبينه من غير أن يرسل بالكلام مع رسل أهل السماء، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا جبرئيل هل رأيت ربك  فقال جبرئيل: إن ربي لا يرى، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فمن أين تأخذ الوحي؟ فقال: آخذه من إسرافيل فقال: ومن أين يأخذه إسرافيل؟ قال: يأخذه من ملك فوقه من الروحانيين، قال: فمن أين يأخذه ذلك الملك؟ قال: يقذف في قلبه قذفا، فهذا وحي، وهو كلام الله عز وجل، وكلام الله ليس بنحو واحد، منه ما كلم الله به الرسل، ومنه ما قذفه في قلوبهم، ومنه رؤيا يريها الرسل، ومنه وحي وتنزيل يتلى ويقرأ، فهو كلام الله، فاكتف بما وصفت لك من كلام الله، فإن معنى كلام الله ليس بنحو واحد فإن منه ما يبلغ به رسل السماء رسل الأرض، قال: فرجت عني فرج الله عنك و حللت عني عقدة فعظم الله أجرك يا أمير المؤمنين.
فقال عليه السلام: وأما قوله: (هل تعلم له سميا) فإن تأويله هل تعلم أحدا اسمه الله غير الله تبارك وتعالى، فإياك أن تفسر القرآن برأيك حتى تفقهه عن العلماء، فإنه رب تنزيل يشبه كلام البشر وهو كلام الله، وتأويله لا يشبه كلام  البشر، كما ليس شئ من خلقه يشبهه، كذلك لا يشبه فعله تبارك وتعالى شيئا من أفعال البشر، ولا يشبه شئ من كلامه كلام البشر، فكلام الله تبارك وتعالى صفته وكلام البشر أفعالهم، فلا تشبه كلام الله بكلام البشر فتهلك وتضل، قال: فرجت عني فرج الله عنك، وحللت عني عقدة فعظم الله أجرك يا أمير المؤمنين.

فقال عليه السلام: وأما قوله: (وما يعزب عن ربك من مثقال ذره في الأرض ولا في السماء، كذلك ربنا لا يعزب عنه شئ، وكيف يكون من خلق الأشياء لا يعلم ما خلق وهو الخلاق العليم. وأما قوله: (لا ينظر إليهم يوم القيمة) يخبر أنه لا يصيبهم بخير، وقد تقول العرب: والله ما ينظر إلينا فلان، وإنما يعنون بذلك أنه لا يصيبنا منه بخير، فذلك النظر ههنا من الله تعالى إلى خلقه، فنظره إليهم رحمة منه لهم، وأما قوله: (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) فإنما يعني بذلك يوم القيامة أنهم عن ثواب ربهم محجوبون قال: فرجت عني فرج الله عنك، وحللت عني عقدة فعظم الله أجرك.

فقال عليه السلام: وأما قوله: (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور) وقوله: (وهو الله في السماوات وفي الأرض) وقوله: (الرحمن على العرش استوى) وقوله: (وهو معكم أينما كنتم) وقوله: (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) فكذلك الله تبارك وتعالى سبوحا قدوسا، تعالى أن يجري منه ما يجري من المخلوقين وهو اللطيف الخبير، وأجل وأكبر أن ينزل به شئ مما ينزل بخلقه وهو على العرش استوى علمه، شاهد لكل نجوى، وهو الوكيل على كل شئ، والميسر لكل شئ، والمدبر للأشياء كلها، تعالى الله عن أن يكون على عرشه علوا كبيرا.

فقال عليه السلام: وأما قوله: (وجاء ربك والملك صفا صفا) وقوله: (ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة)، قوله: (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة) وقوله: (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك) فإن ذلك حق كما قال الله عز وجل، و ليس له جيئة كجيئة الخلق، وقد أعلمتك أن رب شئ من كتاب الله تأويله على غير تنزيله ولا يشبه كلام البشر، وسأنبئك بطرف منه فتكتفي إن شاء الله، من ذلك قول إبراهيم عليه السلام: ﴿إني ذاهب إلى ربي سيهدين﴾   فذهابه إلى ربه توجهه إليه عبادة واجتهادا وقربة إلى الله عز وجل، ألا ترى أن تأويله غير تنزيله، وقال ﴿وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد﴾ يعني السلاح وغير ذلك، وقوله: (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة) يخبر محمدا صلى الله عليه وآله وسلم عن المشركين والمنافقين الذين لم يستجيبوا لله وللرسول، فقال: (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة) حيث لم يستجيبوا لله ولرسوله (أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك) يعني بذلك العذاب يأتيهم في دار الدنيا كما عذب القرون الأولى، فهذا خبر يخبر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنهم، ثم قال: (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا) يعني من قبل أن يجيئ هذه الآية، وهذه الآية طلوع الشمس من مغربها، وإنما يكتفي أولوا الألباب والحجى وأولوا النهى أن يعلموا أنه إذا انكشف الغطاء رأوا ما يوعدون، وقال: في آية أخرى: ﴿فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا﴾ يعني أرسل عليهم عذابا، وكذلك إتيانه بنيانهم قال الله عز وجل: ﴿فأتى الله بنيانهم من القواعد﴾   فإتيانه بنيانهم من القواعد إرسال العذاب عليهم، وكذلك ما وصف من أمر الآخرة تبارك اسمه وتعالى علوا كبيرا أنه يجري أموره في ذلك اليوم الذي كان مقداره خمسين ألف سنة كما يجري أموره في الدنيا لا يغيب  ولا يأفل مع الآفلين، فاكتف بما وصفت لك من ذلك مما جال في صدرك مما وصف الله عز وجل في كتابه، ولا تجعل كلامه ككلام البشر، هو أعظم وأجل وأكرم وأعز تبارك وتعالى من أن يصفه الواصفون إلا بما وصف به نفسه في قوله عز وجل: ﴿ليس كمثله شئ وهو السميع البصير﴾   قال: فرجت عني يا أمير المؤمنين فرج الله عنك، وحللت عني عقدة.
فقال عليه السلام: وأما قوله: (بل هم بلقاء ربهم كافرون) وذكر الله المؤمنين (الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم)) وقوله لغيرهم: ﴿إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه﴾ وقوله: (فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا) فأما قوله: (بل هم بلقاء ربهم كافرون) يعني البعث فسماه الله عز وجل لقاءه، وكذلك ذكر المؤمنين (الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم) يعني يوقنون أنهم يبعثون و يحشرون ويحاسبون ويجزون بالثواب والعقاب، فالظن ههنا اليقين خاصة، و كذلك قوله: (فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا) وقوله: (من كان يرجوا لقاء الله فإن أجل الله لآت) يعني: من كان يؤمن بأنه مبعوث فإن وعد الله لآت من الثواب والعقاب، فاللقاء ههنا ليس بالرؤية، واللقاء هو البعث، فافهم جميع ما في الكتاب من لقائه فإنه يعني بذلك البعث، وكذلك قوله: (تحيتهم يوم يلقونه سلام) يعني أنه لا يزول الإيمان عن قلوبهم يوم يبعثون، قال: فرجت عني يا أمير المؤمنين فرج الله عنك، فقد حللت عني عقدة.
فقال عليه السلام: وأما قوله: (ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها) يعني أيقنوا أنهم داخلوها، وكذلك قوله: (إني ظننت أني ملاق حسابيه) يقول إني أيقنت أني أبعث فأحاسب، وكذلك قوله: (يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين) وأما قوله للمنافقين: (وتظنون بالله الظنونا) فهذا الظن ظن شك وليس ظن يقين، والظن ظنان: ظن شك وظن يقين، فما كان من أمر معاد من الظن فهو ظن يقين، وما كان من أمر الدنيا فهو ظن شك فافهم ما فسرت لك، قال: فرجت عني يا أمير المؤمنين فرج الله عنك.- التوحيد للصدوق ص 262-267]

وورد [ في كتاب الاحتجاج للطبرسي (ره) عن أمير المؤمنين عليه السلام واما قوله:
” وجاء ربك والملك صفا صفا ” وقوله: ” هل ينظرون الا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك ” فذلك كله حق وليست له جثة جل ذكره كجثة خلقه وانه رب كل شئ ورب شئ من كتاب الله عز وجل يكون تأويله على غير تنزيله، ولا يشبه تأويل كلام البشر ولا فعل البشر، وسأنبئك بمثال لذلك تكتفى انشاء الله وهو حكاية الله عز وجل عن إبراهيم عليه السلام حيث قال: ” انى ذاهب إلى ربى ” فذهابه إلى ربه توجيهه إلى وعبادته واجتهاده، الا ترى ان تأويله غير تنزيله؟ وقال:” انزل لكم من الانعام ثمانية أزواج ” وقال: ” وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ” فانزاله ذلك خلقه وكذلك قوله: ” إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين ” أي الجاهدين فالتأويل في هذا القول باطنه مضاد لظاهره .

– وفي تفسير علي بن إبراهيم قوله: وجئ يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الانسان وانى له الذكرى قال: حدثني أبي عن عمرو بن عثمان عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: لما نزلت هذه الآية ” وجئ يومئذ بجهنم ” سئل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله فقال بذلك اخبرني الروح الأمين ان الله لا اله غيره إذا برز للخلائق وجمع الأولين والآخرين اتى بجهنم تقاد بألف زمام اخذ بكل زمام الف ملك تقودها من الغلاظ – نور الثقلين للحويزي ج5ص 574] .

التفسير :

(وجاء ربك)

وهنا :

و لفظ جاء ورد في قوله تعالى { وإن من شيعته لإبراهيم إذ جاء ربه بقلب سليم – الصافات 84 } . وهذه الآية تؤكد صحة آثار أمير المؤمنين علي عليه السلام بأن ذهاب إبراهيم إلى ربه أتيانه الطاعات والعبودية لله تعالى أي أن قوله تعالى {وجاء ربك} أي وجاء أمر ربك .كقوله تعالى { يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَٰذَا ۖ إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ – هود 76 } .

{ وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد – ق } وبالتالي المجيئهو مجيئ أمر الله كما في قوله تعالى

{ ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ – هود 58 } وقوله تعالى {فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ إن ربك هو القوي العزيز – هود 66} وقوله تعالى { ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ – هود69 } وقال تعالى { فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط – هود 74 } وقل تعالى {يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود – هود 76 } وبالتالي المجيئ هو أمر الله تعالى باستحضار الخلائق والشهود والجنة والنار وإعداد المحكمة الكبرى للفصل بين الخلق .

وأما :

(ربك)

وهنا (ربك) هو الله تعالى ثم الملائكة الموكولة من الله تعالى هذا اليوم .قال تعالى { إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۖ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ۖ مَا مِن شَفِيعٍ إِلَّا مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ – يونس 3 } وقال تعالى أيضاً { قل أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون – البقرة 139} والله تعالى بفصل بينهم وبين الخلائق يوم القيامة لأنه ربنا وربهم قال تعالى { إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم – آل عمران 51 } وهذا الفصل في هذا اليوم قال تعالى فيه نفس ما ذكرناه من قبل أنه أمر الله تعالى بدليل قوله تعالى عن قدوم الملائكة وأمر الله تعالى للمحاكمة الكبرى قال تعالى :{ هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك كذلك فعل الذين من قبلهم وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون – النحل 33} ولان لفظ رب ورد على الحاكم في قوله  تعلى بسورة يوسف { وقال الملك ائتوني به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم – يوسف 50} فيكون على ذلك رب القيامة الموكول إليهم المحاكمة بأمر الله تعالى يوم القيامة كما بينا .

وأما :

( والملك)

والملك بفتح اللام ملائكة قال تعالى فيها نفس المعاني المذكورة من قبل حيث قال تعالى { والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذٍ ثمانية – الحاقة 17} . ونهذا العرش بينا في سورة الحاقة أنه الكون الجديد الذي قال تعالى فيه { يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار – إبراهيم 48} وذلك في يوم القيامة الذي قال تعالى فيه هنا { وجاء ربك والملك صفاً صفا} .

وأما :

(صفاً صفا)

[ والصف : السطر المستوي من كل شيئئ – معجم ألفاظ القرآن باب الصاد فصل الفاء والفاء ] .

{ إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص –الصف 4 } وإذا أنزل الله تعالى عذاباً على الظالمين نزلت الملائكة في صفوف قال تعالى فيها { وَالصَّافَّاتِ صَفًّا فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا  فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا – الصافات1-3} وهنا أيضا إذا كان يوم القيامة أمر الله تعالى الملائكة بأن يأتوا صفاً صفا في قوله تعالى هنا { وجاء ربك والملائكة صفاً صفا }

ثم يقول تعالى :

  • وجيئ يومئذٍ بجهنم يومئذٍ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى (23)

وهنا ورد في كتاب التوحيد للصدوق : [ عن محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن مفضل بن صالح، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ” قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): أخبرني الروح الأمين أن الله لا إله غيره، إذا وقف الخلائق و جمع الأولين و الآخرين، أتى بجهنم تقاد بألف زمام، أخذ بكل زمام مائة ألف ملك من الغلاظ الشداد، و لها هدة و تحطم و زفير و شهيق، و إنها لتزفر الزفرة، فلو لا أن الله عز و جل أخرها إلى الحساب لأهلكت الجمع، ثم يخرج منها عنق يحيط بالخلائق، البر منهم و الفاجر، فما خلق الله عبدا من عباده، ملك و لا نبي إلا و ينادي: يا رب نفسي نفسي، و أنت تقول: يا رب أمتي أمتي، ثم يوضع عليها صراط أدق من الشعر، و أقطع من السيف، عليه ثلاث قناطر: الأولى عليها الأمانة و الرحم، و الثانية عليها الصلاة، و الثالثة عليها رب العالمين لا إله غيره، فيكلفون الممر عليها، فتحبسهم الأمانة و الرحم، فإن نجوا منها حبستهم الصلاة، فإن نجوا منها كان المنتهى إلى رب العالمين جل ذكره، و هو قوله تبارك و تعالى: { إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِ }.

و الناس على الصراط، فمتعلق تزل قدمه و تثبت قدمه، و الملائكة حولها ينادون: يا حليم يا كريم، اعف و اصفح و عد بفضلك و سلم، و الناس يتهافتون فيها كالفراش، فإذا نجا ناج برحمة الله تبارك و تعالى، نظر إليها فقال:الحمد لله الذي نجاني منك بفضله و منه ”

– و عنه: بإسناده عن الحجال، عن غالب بن محمد، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: { إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِ } ، قال: ” قنطرة على الصراط، لا يجوزها عبد بمظلمة “.

– ابن بابويه، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن علي بن الحكم، عن المفضل بن صالح، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: ” لما نزلت هذه الآية: { وَجِيۤءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ } سئل عن ذلك رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فقال: أخبرني الروح الأمين أن الله لا إله غيره، إذا جمع الأولين و الآخرين، أتى بجهنم تقاد بألف زمام، أخذ بكل زمام مائة ألف ملك من الغلاظ الشداد، و لها هدة و تغيظ و زفير، و إنها لتزفر الزفرة، فلو لا أن الله عز و جل أخرهم إلى الحساب لأهلكت الجميع، ثم يخرج منها عنق يحيط [بالخلائق] بالبر [منهم] و الفاجر، فما خلق الله عز و جل عبدا [من عباده ملكا] و لا نبيا إلا نادى: رب نفسي نفسي، و أنت تنادي يا نبي الله: امتي امتي، ثم يوضع عليها الصراط أدق من حد السيف، عليه ثلاث قناطر: إما واحدة فعليها الأمانة و الرحم، و أما الثانية، فعليها الصلاة، و أما الأخرى فعليها عدل رب العالمين، لا إله غيره، فيكلفون الممر على الصراط، فيحبسهم الرحم و الأمانة، فإن نجوا منها [حبستهم الصلاة، فإن نجوا منها] كان المنتهى لرب العالمين جل و عز، و هو قول الله تبارك و تعالى: { إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِ }.

و الناس على الصراط، فمتعلق و قدم تزل و قدم تستمسك، و الملائكة [حولهم] ينادون: يا حليم اغفر و اصفح و عد بفضلك و سلم، و الناس يتهافتون فيها كالفراش، فإذا نجا ناج برحمة الله عز و جل، نظر إليها فقال  :الحمد لله الذي نجاني منك بعد إياس بمنه و فضله، إن ربنا لغفور شكور

و رواه علي بن إبراهيم، في (تفسيره)، قال: حدثني أبي، عن عمرو بن عثمان، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: ” نزلت هذه الآية { وَجِيۤءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ } سئل عن ذلك رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فقال:

بذلك أخبرني الروح الأمين أن الله لا إله غيره إذا أبرز الخلائق و جمع الأولين و الآخرين، أتى بجهنم تقاد بألف زمام، لكل زمام مائة ألف ملك ” و ذكر الحديث ببعض التغيير.

– (تحفة الإخوان): بحذف الاسناد، عن أبي سعيد الخدري، و سلمان الفارسي، قال: ” لما نزلت هذه الآية تغير وجه رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و عرف ذلك من وجهه حتى اشتد على الصحابة و عظم عليهم ما رأوا من حاله، فانطلق بعضهم إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فقالوا: يا علي، لقد حدث أمر رأيناه في وجه رسول الله (صلى الله عليه و آله)؟ قال: فأتى علي (عليه السلام) فاحتضنه من خلفه و قبل ما بين عاتقيه، ثم قال: يا نبي الله، بأبي [أنت] و أمي، ما الذي حدث عندك اليوم؟ “.

قال: ” جاء جبرئيل، فأقرأني { وَجِيۤءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ }. فقلت: و كيف يجاء بها؟ قال: يؤمر بجهنم فتقاد بسبعين ألف زمام، لكل زمام سبعون ألف ملك، في يد كل ملك مقرعة من حديد، فيقودونها بأزمتها و سلاسلها، و لها قوائم غلاظ شداد، كل قائمة مسيرة ألف سنة من سنين الدنيا، و لها ثلاثون ألف رأس، في كل رأس ثلاثون ألف فم، في كل فم ثلاثون ألف ناب، كل ناب مثل جبل أحد ثلاثون ألف مرة، كل فم له شفتان، كل واحدة مثل أطباق الدنيا، في كل شفة سلسلة يقودها سبعون ألف ملك، كل ملك لو أمره الله أن يلتقم الدنيا كلها والسماوات كلها و ما فيهن و ما بينهن، لهان ذلك عليه.

فعند ذلك تفزع جهنم و تجزع و تقاد على خوف، كل ذلك خوفا من الله تعالى، ثم تقول: أقسمت عليكم يا ملائكة ربي، هل تدرون ما يريد الله أن يفعل بي، و هل أذنبت ذنبا حتى استوجبت منه العذاب؟ فيقولون كلهم : لا علم لنا يا جهنم. قال: فتقف و تشهق و تعلق و تضطرب، و تشرد شردة لو تركت لأحرقت الجمع، كل ذلك خوفا و فزعا من الله تعالى، فيأتي النداء من قبل الله تعالى: مهلا مهلا يا جهنم، لا بأس عليك، ما خلقتك لشيء أعذبك به، و لكني خلقتك عذابا و نقمة على من جحدني، و أكل رزقي، و عبد غيري، و أنكر نعمتي، و اتخذ إلها من دوني.

فتقول: يا سيدي، أ تأذن لي في السجود [و الثناء عليك]؟ فيقول الله: افعلي يا جهنم، فتسجد لله رب العالمين، ثم ترفع رأسها بالتسبيح و الثناء لله رب العالمين “.  “.- البرهان للسيد هاشم البحراني ] .

وهنا :

(وجيئ)

ومجيئ جهنم هنا حضورها فإذا حضرت سيق وحشر إليها الذين كفروا قال تعالى { وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ –الزمر 71 } .

وأما :

(يومئذٍ)                           

وهنا يبين تعالى أنهم إذا حشروا إلى جهنم قالوا أين المفر قال تعالى { يقول الإنسان يومئذٍ أين المفر – القيامة 10 } وفي ذلك اليوم لا تملك نفس لنفس شيئاً كما في قوله تعالى { يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله – الإنفطار19} والويل يومئذٍ للمكذبين التاركين لكتاب الله تعالى وسنة رسوله وولاية أهل بيته عليهم السلام قال تعالى { ويل يومئذ للمكذبين –المطففين 10} .

وأما :

(بجهنم)

وهنا يقول تعالى عن جهنم { بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ ۖ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا – الفرقان 11-12 } وهنا يساق إليها المجرمون وردا كما في قوله تعالى { ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا – مريم 86} ويقال لهم { هذه جهنم التي كنتم توعدون – يس 63 } ثم يدفعون فيها دفعا كما في قوله تعالى { يوم يدعون إلى نار جهنم دعا – الطور 13 } وهؤلاء كانوا في الدنيا شر مكاناً وأضل سبيلا قال تعالى { الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أولئك شر مكانا وأضل سبيلا  -الفرقان 34 } .

وأما :

(يومئذٍ)

أي أنه يقول تعالى { وجيئ يومئذٍ بجهنم} فإذا جاءت تذكر الإنسان أعماله في الدنيا كما في قوله تعالى { يومئذٍ يتذكر الإنسان ماسعى } وفي ذلك اليوم ترى المجرمين مقرنين ي الأصفاد وبالسلاسل يسحبون كما في قوله تعالى { وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار  -إبراهيم 49-50 } .

وأما :

(يتذكر الإنسان)

أي أنه يقول تعالى عن ذلك اليوم  { يوم يتذكر الإنسان ماسعى – النازعات 35 } ولكن يكون هذا بعد فوات الأوان والزمان قال تعالى هنا { يومئذٍ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى – الفجر }

وأما :

( وأنى له الذكرى)

أي أنه يقول تعالى هنا { أنى لهم الذكرى وقد جائهم رسول مبين ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون – الدخان 13-14} فإذا قامت الساعة [ ما ينتظر هؤلاء المكذبون إلا الساعة التي وُعدوا بها أن تجيئهم فجأةً, فقد ظهرت علاماتها ولم ينتفعوا بذلك, فمن أين لهم التذكر إذا جاءتهم الساعة؟.- التفسير الميسر ] قال تعالى : { فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ محمد 18 } .

ثم يقول تعالى :

  • يقول يا ليتني قدمت لحياتي (24)

وهنا :

(يقول ياليتني)

وهنا :

[ ولاته حقه يلته ليتاً : نقصه ولم يؤده كاملا- معجم الفاظ القرآن باب اللام فصل الياء والتاء ] قال تعالى { قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا إن الله غفور رحيم – الحجرات 14 }

[ وليت : حرف يدل على تمني الشيئ والرغبة في الحصول عليه وكثيراً ما يكون مصحوباً بالحرف (يا) فيقال (ياليتني) – معجم الفاظ القرآن باب اللام فصل الياء والتاء ] قال تعالى { فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا – مريم 23}

والتمني يكون بنيل فضل الدنيا والآخرة بأن يكونوا مع الفائزين بنصر الدنيا ورضا الله تعالى و الجنة قال تعالى { ولئن أصابكم فضل من الله ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما النساء 73}

ويتمنون أن يكونوا من المسلمين الموحدين فلا ينزل بهم البلاء في الدنيا كما في قوله تعالى { وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا – الكهف 42 }

ويوم القيامة يتمنى أول ظالم لهذه الأمة بأن يكون مع النبي مطيعاً موالياً لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام قال تعالى { ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا  -الفرقان 27} وفس ذلك اليوم يؤتى المجرمين كتاب أعمالهم بشمالهم كما في قوله تعالى { وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه – الحاقة 25} وهنا يقول ياليتني كنت ترابا كما في قوله تعالى { إنا أنذرناكم عذابا قريبا يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا – النبأ 40} وعندما يرى نعيم أهل الجنة يقول متمنياً أنه عاد إلى الدنيا ليعمل صالحاً يقدمه كي يفوز بالجنة قال تعالى { يقول يا ليتني قدمت لحياتي –الفجر 24 } .

وأما :

(قدمت)

والتقديم في الدنيا يكون بالأعمال الصالحة من صلاة وزكاة وقيام لليل هى التي تنفع يوم القيامة قال تعالى { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله إن الله بما تعملون بصير – البقرة 110} وقال تعالى أيضاً { إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرآن علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرءوا ما تيسر منه وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضا حسنا وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا واستغفروا الله إن الله غفور رحيم – المزمل 20} وبالتالي الآية هنا { ياليتني قدمت لحياتي } أي كقولهم { يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا – الأحزاب 66} .

وأما :

(لحياتي)

وهنا يبين تعالى أن متاع الدنيا قليل والآخرة هى دار الحياة الأبدية السرمدية قال تعالى { وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ – العنكبوت 64 } . ولذلك عندما يحاكمون يوم القيامة ويرون جزيل الثواب والعذاب الشديد هنا يتمنون الرجوع للحياة الدنيا لعلهم يعملون صالحا كما في الآية هنا { يقول ياليتني قدمت لحياتي } .

ثم يقول تعالى :

  • فيومئذٍ لا يعذب عذابه أحد (25)

وهنا :

(فيومئذٍ)

أي أنه يقول تعالى عن ذلك اليوم إذا وقعت الواقعة كما في قوله تعالى { فيومئذ وقعت الواقعة – الحاقة 16} وفي ذلك اليوم قال تعالى { وترى المجرمين يومئذٍ مقرنين في الأصفاد سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار – إبراهيم 49 -50 } وبالتالي لا يعذب عذابه أحد إلا أحداً موكول من الله تعالى بعذابه قال تعالى {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ  وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ  فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ لَّا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ – الحاقة 30-37 } وفي هذا اليوم لا يسأل عن ذنوبه أحد قال تعالى{ فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان – الرحمن 39} ولا تنفع معذرتهم كما في قوله تعالى{ فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون – الروم 57} .

وأما :

(لا يعذب عذابه)

يقول تعالى {إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا وَجَحِيمًا وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا – المزمل 12-13}  وهنا قلنا من قبل أنه لا يعذبه أحد إلا ملكاً موكولا بعذابه ولذلك يؤكد الله تبارك وتعالى هنا هذا المعنى كما في قوله تعالى { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا ۙ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ – الأنعام 50 } أي { لا يعذب عذابه أحد } غير من وكل لهم هذا الأمر وهؤلاء هم الذين كفروا كما في قوله تعالى { فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين- آل عمران 56 } .

وأما :

(أحد)                    

ورد هذا اللفظ في قوله تعالى { ولا يوثق وثاقه أحد – الفجر 26} وقلنا من قبل أنه لا أحد إلا أحد من الملائكة موكول بهذا العذاب فإذا قال تعالى { ولا يوثق وثاقه أحد } فقد بين تعالى بموضع آخر هذه الملائكة الموكول لها توثيقه ليدخلوه إلى الجحيم قال تعالى { خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ – الحاقة 30-34 } .

ثم يقول تعالى :

  • ولا يوثق وثاقه أحد (26)

وهنا :

(ولا يوثق وثاقه)

[ الوثاق يأتي بمعنى الإيثاق وبمعنى الحبل ونحوه يوثق به – معجم ألفاظ القرآن باب الواو فصل الثاء والقاف ] .قال تعالى { فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ۚ ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ ۗ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ – محمد 4 } . والوثاق هنا قال تعالى فيه ماذكرناه من قبل عن طريق ملائكة موكولة بذلك في قوله عالى { خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ – الحاقة 30-31 } .

ثم يقول تعالى :

  • يا أيتها النفس المطمئنة (27)

وهنا :

(يا أيتها)

وهنا يا أيتها كأنه نداء كقوله تعالى { فأذن مؤذن بينهم أيتها العير إنكم لسارقون – يوسف 70 }

والنداء هنا يوم القيامة للأنفس المطمئة في قوله تعالى { يا أيتها النفس المطمئنة ادخلي في عبادي وادخلي جنتي – الفجر } .

وأما :

(النفس)

وهنا النفس المطمئنة هى التي كانت تنهى النفس عن الهوى وما دامت نهت نفسها عنم الهوى فهى التي كانت تأتمر بأمر الله تعالى وأطاعت الله تعالى ورسوله وتولت أهل بيته عليهم السلام قال تعالى {  وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هى المأوى – النازعات 40-41 } وهذه هى النفس المطمئنة هنا .

وأما :

(المطمئنة)

والمطمئنة هى التي تطمئن بذكر الله عملاً وقولا قال تعالى { الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ القلوب  – الرعد 28 } وهذه هى النفس المطمئنة .

ثم يقول تعالى :

  • ارجعي إلى ربك راضة مرضية (28)

وهنا :

(ارجعي إلى ربك)

وهنا يبين تعالى أن كل نفس مرجعها إلى الله كما قال نبي الله نوح إلى قومه في قوله تعالى {هو ربكم وإليه ترجعون – هود 34 } وقال تعالى { إن إلى ربك الرجعى – العلق 8 } وهذه الرجعة من بعد الموت كما في قوله تعالى { كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون – العنكبوت 57}  فإن كانت مؤمنة تعمل الصالحات وفق ما أمر الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآل) فهى نفس مطمئنة كما في الآية هنا { يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية } .

وأما :

(راضية مرضية)

أي أنهم يدخلهم الله تعالى فيمن رضي عنهم ورضوا عنه  وهؤلاء هم الصادقون كما في قوله تعالى {   قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم رضى الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم – المائدة 119} وهؤلاء هم حزبه الذين قال تعالى فيهم { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضى الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون – المجادلة 22 }

وهذا الحزب هم المسلمون الذين تولوا الله تعالى ورسوله ثم الإمام علي وأئمة من أهل البيت عليهم السلام لقوله تعالى في آية الولاية { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ – المائدة 55-56 }

وهؤلاء هم خير البرية الذين نزل فيهم قوله تعالى { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ – البينة7-8} .

[عن محمد بن عليّ( أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ” أنْتَ يا عَلي وَشِيعَتُكَ”.- تفسير الطبري ] .

ثم يقول تعالى :

  • فادخلي في عبادي (29) وادخلي جنتي (30)

وهنا :

(فاخلي في عبادي وادخلي )

أي أنه يقول تعالى { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ – العنكبوت 9 } وقال تعالى عن مدخلهم { وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ لَيُدْخِلَنَّهُم مُّدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ ۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ – الحج 58-59 } وهذا المدخل هو الجنة كما في الآية هنا { فادخلي في عبادي وادخلي جنتي } . وهنا يساقون إلأى الجنة زمراً كما في قوله تعالى { وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ ۖ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ – الزمر 73-74 } .

وأما :

(في عبادي وادخلي جنتي)

أي أنه يقول تعالى هنا { جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا ۖ وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا – مريم 61-63 } .

وأما :

(وادخلي جنت)

وهنا يبين تعالى أن الجنة جعلها الله تعالى للذين آمنوا وعملوا الصالحات كما في قوله تعالى : { ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا – النساء 124} وقال تعالى أيضاً { من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب – غافر40 } وهى للذين تابوا وأصلحوا كما في قوله تعالى { إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا – مريم 60 } وهؤلاء هنا يقال لهم { يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي }

هذا وبالله التوفيق وما توفيقي

إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب وسلام على المرسلين

والحمد لله رب العالمين وصلى الله علي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

انتهى العمل من هذه السورة الشريفة بعد عشاء يوم 17 رمضان 1420ه الموافق 25 ديسمبر سنة 1999 م

 

السورة رقم (12)

  سورة الشرح                                                

 

  • ألم نشرح لك صدرك (1)

وهنا :

(ألم)

[ أداة استفهام مركّبة من حرف الجرّ (إلى) و (ما) الاستفهاميّة، وقد حذفت ألفها لدخول حرف الجرّ عليها] .

[ والاستفهام في هذه الآيه هو استفهام تقريري ، أي أنّ السائل لا يُريد من المُخاطب إجابة ولا يسأل عن شيء كان يجهله بل إنّ كلاهما مُقرٌ بالإجابة ] أي أن الله تعالى يعلم كما أن الرسول يعلم أنّ الله تعالى قد شرح صدره ، لكنّ الله عزّ وجل يُريد من الرسول الإقرار بنِعَم الله تعالى عليه واستفهام التقريري ورد في قوله تعالى { ألم نجعل له عينين – البلد 8} وقال تعالى { ألم يجدك يتيما فآوى – الضحى } وقال تعالى أيضاً { ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ألم يجعل كيدهم في تضليل – الفيل 1-2 }

وأما :

(نشرح لك صدره )

[ وشرح يشرح سرحاً : بسط اللحم ونحوه ومنه الفتح وشرح الصدر : بسطه وفتحه لقبول الشيئ – معجم ألفاظ القرآن باب الشين فصل الراء والحاء ] . و شرح الصدر لا يكون إلا بقبول النفس لدين الإسلام دينا ومعتقداً قال تعالى { أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ ۚ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ – الزمر 22 }  .

و يقول سيدنا موسى عليه السلام داعياً ربه تبارك وتعالى { قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي– طه 25- 30} أي وسع لي صدري  ويكون على ذلك شرح الصدر للإسلام يكون بالإسلام القائم على كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وآله ثم ولاية أمير المؤمنين أهل البيت عليهم السلام لقوله صلى الله عليه وآله في حديث المنزلة : [ أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي – البخاري – كتاب التوحيد  ] وهذه هى الوصية التي قال تعالى فيها { شرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۚ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ – الشورى 13-14 } . وهؤلاء المسلمين العاملين بالوصية فهم الذين شرح الله تعالى صدورهم للإسلام كما في قوله تعالى { أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ ۚ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ – الزمر 22 }

ومن خرج على هذا الإسلام وتلك الولاية مصرأً متعمداً فقد شرح بالكفر صدراً  إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان والولاية لله الحق قال تعالى { مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ – النحل 106 }

وبالتالي ألم نشحر لك صدرك أي ألم نشرح لك صدرك بالإسلام وولاية الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام .

وأما :

(لك)

ومن شرح الله صدره فقد تحاكم إلى كتاب الله تعالى كما في قوله تعالى {وكذلك أنزلناه حكما عربيا ولئن اتبعت أهواءهم بعدما جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا واق – الرعد 37 }

ثم يبين تعالى رفض قريش ومن خرجوا على ولاية الله الحق إلا إذا فجر لهم العيون والأنهار والجنان  ويبعث لهم ملكاَ رسولا كما في قوله تعالى { وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي السَّمَاءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ ۗ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولًا– ألإسراء 90-93} وهنا يقول تعالى ردا على هؤلاء المجرمين { انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا – الإسراء 48}

ثم يقول تعالى أن الأمم من قبل قالت وفعلت نفس الأفعال كما في قوله تعالى { ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم –فصلت 43 }

و بعد أن انتشر الإسلام بعد فتح مكة المكرمة لقوله تعالى { إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما – الفتح 1-2 } يبين تعالى أنهم حاولوا قلب النظام الإسلامي القائم على الوصية والولاية لأهل بيت النبي عليهم السلام وذلك بنشر مكذوبات في مناقب الرجال والقبائل لصرف الناس عن ولاية أهل بيت النبي (عليهم السلام) قال تعالى { لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون – التوبة 48} وهؤلاء منهم منافقون قال تعالى فيهم : { سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا بل كان الله بما تعملون خبيرا – الفتح 11}

ويتوعد الله تعالى هؤلاء بأن الله تعالى قادر على أن يذهب بالذي أوحاه إلى نبيه صلى الله عليه وآله وأول ذلك الرفع اختفاء الفهم والبيان الحقيقي لكتاب الله تعالى والذي تنزل به الملائكة وتحل به البركة والنصر على العدو ثم رضا الله تعالى والجنة وهذا أول رفع وذهاب ببعض الوحي وهو مراد الله تعالى من كتاتبه الكريم وصرفه لتأويلات لا تحقق مراد الله تعالى ولقد علم النبي لك بالوحي وعلامات الساعة وهلاك القوم لذلك قال تعالى { ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلا – الإسراء68} .

ثم يأمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وآله ومن أراد أن يتأسى به بقيام الليل في قوله تعالى { ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا – الإسراء 79 } . وكل هذه الأحداث والتقلبات التي تمر بها أمة محمد صلى الله عليه وآله نزلت في كتاب الله تعالى بعدما شرح الله تعالى صدره وغسلته الملائكة كما سنبين :

وأما :

(صدرك)

 

يقول تعالى هنا { كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ – الأعراف 2 } ولكي لا يكون في صدره حرج شرح الله تعالى صدره كما في الاية هنا { ألم نشرح لك صدرك } [ أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏{‏ألم نشرح لك صدرك‏} ‏ قال‏:‏ شرح الله صدره للإِسلام‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن ‏ {‏ألم نشرح لك صدرك‏}‏ قال‏:‏ مليء حلماً وعلماً ‏ {‏ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك‏}‏ قال‏:‏ الذي أثقل الحمل ‏ {‏ورفعنا لك ذكرك‏} ‏ قال‏:‏ إذا ذكرتُ ذكرت معي‏.‏

وأخرج البيهقي في الدلائل عن إبراهيم بن طهمان قال‏:‏ سألت سعداً عن قوله‏:‏ ‏{‏ألم نشرح لك صدرك‏} ‏ فحدثني به عن قتادة عن أنس قال‏:‏ شق بطنه من عند صدره إلى أسفل بطنه فاستخرج من قلبه، فغسل في طست من ذهب، ثم ملىء إيماناً وحكمة، ثم أعيد مكانه‏.‏

وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن أبيّ بن كعب أن أبا هريرة قال‏:‏ يا رسول الله ما أول ما رأيت من أمر النبوّة‏؟‏ فاستوى رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً وقال‏:‏ ‏ “‏لقد سألت أبا هريرة إني لفي صحراء ابن عشرين سنة وأشهراً إذا بكلام فوق رأسي وإذا رجل يقول لرجل‏:‏ أهو هو‏؟‏ فاستقبلاني بوجوه لم أرها لخلق قط وأرواح لم أجدها في خلق قط وثياب لم أجدها على أحد قط، فأقبلا إليّ يمشيان حتى أخذ كل واحد منهما بعضدي لا أجد لأخذهما مسّاً فقال أحدهما لصاحبه‏:‏ أضجعه‏. فأضجعني بلا قصر ولا هصر، فقال أحدهما‏:‏ افلق صدره فخوّى أحدهما إلى صدري ففلقه فيما أرى بلا دم ولا وجع، فقال له‏:‏ أخرج الغل والحسد‏.‏ فأخرج شيئاً كهيئة العلقة، ثم نبذها، فطرحها، فقال له‏:‏ أدخل الرأفة والرحمة فإذا مثل الذي أخرج شبه الفضة، ثم هز ابهام رجلي اليمنى‏.‏ وقال‏:‏ اغدوا‏‏ سلم‏، فرجعت بها أغدو بها رقة على الصغير ورحمة للكبير‏‏” –الدر المنثور للسيوطي ] ؟

ثم يقول تعالى :

  • ووضعنا عنك وزرك (2)

وهنا :

(ووضعنا عنك)

[ ووضع ضد رفع ويأت بمعنى أثبته وأوجبه ] كقوله تعالى { والسماء رقعها ووضع الميزان – الرحمن }. وقال تعالى في الكتاب إثباتاً لوجوبه للحساب { ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه – الكهف 49} .

[ ويأت بمعنى : وضعه وحطه أسفل ] كقوله تعالى { حملته أمه كرهاً ووضعته كرها – الأحقاف 15}. وقال تعالى أيضاً { وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة – النور58 } .

ولأنه تعالى قال في أغلال وشدائد شرع من قبلنا {وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ۚ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ ۖ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } .

أي أن رسول الله في هذا الوقت من نزول الوحي كان شديد العبادة متشدداً في حلال الله وحرامه الموروث من جدهم سيدنا إبراهيم فنزلت الآيات لوقف العمل بهذا الشرع المتشدد والموروث كبداية لنزول الوحي القرآني وفيه تيسير أكثر مما نزل في صحف سيدناإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام   كما في قوله تعالى هنا { ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك } وهنا وضع الأوزار كان بكتاب الله والذي به يحاسب العباد يوم القيامة وتوزن أعمالهم كما في قوله تعالى{ ووضع الكتاب وجيئ بالنبيين والشهداء – الزمر 69 } .

وهنا خطأ وقعت فيه الأمة بأن نسبت للنبي الذنوب حجاشا لله تعالى فورد في أكثر التفاسير ومنها الدر المنثور :

[ ‏.‏ أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد ‏ {‏ووضعنا عنك وزرك‏} ‏ قال‏:‏ ذنبك ‏ {‏الذي أنقض ظهرك‏} ‏ قال‏:‏ أثقل‏.وأخرج ابن أبي حاتم عن شريح بن عبيد الحضرمي ‏ {‏ووضعنا عنك وزرك‏} ‏ قال‏:‏ وغفرنا لك ذنبك‏.‏وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال‏:‏ في قراءة عبد الله ‏”‏وحللنا عنك وقرك‏”‏‏.‏- الدر المنثور للسيوطي ] .

وفي تفسير الطبري :

[قال قتادة والحسن والضحاك : كانت للنبي – صلى الله عليه وسلم – ذنوب أثقلته فغفرها الله له الذي أنقض ظهرك أي أثقله حتى سمع نقيضه أي صوته . وأهل اللغة يقولون : أنقض الحمل ظهر الناقة : إذا سمعت له صريرا من شدة الحمل . وكذلك سمعت نقيض الرحل أي صريره . قال جميل :وحتى تداعت بالنقيض حباله وهمت بواني زوره أن تحطما بواني زوره : أي أصول صدره . فالوزر : الحمل الثقيل .

قال المحاسبي : يعني ثقل الوزر لو لم يعف الله عنه – الذي أنقض ظهرك أي أثقله وأوهنه . قال : وإنما وصفت ذنوب ، الأنبياء بهذا الثقل ، مع كونها مغفورة ، لشدة اهتمامهم بها ، وندمهم منها ، وتحسرهم عليها .وقال السدي : ووضعنا عنك وزرك أي وحططنا عنك ثقلك . وهي في قراءة عبد الله بن مسعود ( وحططنا عنك وقرك ) . وقيل : أي حططنا عنك ثقل آثام الجاهلية .- تفسير الطبري ]  .

وهذه من الأخطاء الفاحشة في حق النبي صلى الله عليه وآله

وأما :

(وزرك)

[ الوزر : الثقل ] قال تعالى { ولكنا حملنا أوزاراً من زينة القوم – طه87 }

والأوزار أثقال وتعب شديد ونصب قال تعالى فيه { فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم  -محمد 4 } ولأنه قال تعالى عن وزر الإعراض عن ذكر الله تعالى { مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا – طه 100 } .

وهنا لم يكن نزل على رسول الله صلى الله عليه وآله حلالاً ولا حراماً لأنه نزل بالمدينة وبالتالي الأوزار ثقل التعبد بشرع من قبلنا من صحف إبراهيم وموسى والأنبياء من قبل عليهم السلام

وعدم الإلتزام بأمر الله تعالى يعتبر وزر بمعنى ذنب يحمله العبد على ظهره يوم القيامة وهذا منزه عنه النبي مرفعوعاً عنه وعن أهل بيته عليهم السلام الذين أذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهر هم تطهيرا .وذلك لأن [ والوزارة من حمل الثقل واستوزره : حمله ثقل الوزارة كما في قوله تعالى { واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي } وكان الثقل بعد النبي من قال فيه صلى الله عليه وآله للإمام علي عليه السلام :[ إنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي – البخاري باب التوحيد ] .

ثم يقول تعالى :

  • الذي أنقض ظهرك (3)

وهنا :

(الذي)

أي أنه يقول تعالى { اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم – العلق } وهذه القراءة هنا لهذا القرآن بعد نزول الوحي هى التي رفعت عنه صلى الله عليه وآله وزر العبادة المتشددة وفق شرع من قبلنا وتوقف بعد نزول الوحي عنها حضرة النبي فشرح الله تعالى له صدره ووضع عنه وزره والأغلال و الأثقال التي ألزم نفسه بها  ورفع ذكره كما في الآيات هنا { ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك ورفعنا لك ذكرك } .

وأما :

(أنقض)

[ وأنقض ظهرك : أي أثقله حتى جعله نقض والنقض البعير المهزولة الذي أتعبه السفر والسي والعمل فنقض ظهره فيقال حينئذٍ نقض معجم ألأفاظ القرآن باب النون فصل القاف والضاد  ]  قال تعالى { فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا – الكهف 77 } والمعنى على ذلك أن العبادة التي كان عليها النبي صلى الله عليه وآله قبل نزول الوحي كادت ان نتنقض ظهره لذلك قال تعالى {ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك }

فخفف الله تبارك وتعالى و ورفع عنه الإصر و الأغلال والأثقال التي كانت من قبل بالقرآن الكريم الذي قال تعالى فيه { ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر -القمر} .

وأما :

(ظهرك)

[ والظهر في الجارحة خلاف البطن ] والظهر ورد في قوله تعالى { وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون – طه 31 } وهذه الأثقال والأوزار رفعها الله تعالى عن رسوله صلى الله عليه وآله بقيامه الليل والنهار حتى أصبح يقوم الليل فقط حتى تفطرت قدماه فلما قالت له السيدة عائشة لم تفعل هذا وقد غفر الله ما تقدم وما تأخر من ذنبك فقال صلى الله عليه وآله ” ألإلاأحب أن أكون عبداً شكورا ” وهنا تخيل معي أن التخفيف كان يصلي صلى الله عليه وآله حتى تورمت قدماه فكيف كانت عبادته قبل نزول الوحي وتحنثه في غار حراء وكان التخفيف هنا بنزول القرآن الكريم الذي حدد وقت القيام أنه أدنى من ثلثي الليل ونصفه كما في  سورة المدثر وذلك بعد أن كان يقوم الليل والنهار ولذك رفع الله تعالى عنه الأغلال كما بينا وكما قال تعالى هنا  {ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك } .

ثم يقول تعالى :

  • ورفعنا لك ذكرك (4)

 وهنا :

(ورفعنا)

ورد في الحديث :              

[أخرج الشافعي في الرسالة وعبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن مجاهد في قوله‏:‏ ‏ {‏ورفعنا لك ذكرك‏} ‏ قال‏:‏ لا أذكر إلا ذكرت معي أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله‏.‏
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن قتادة ‏{‏ورفعنا لك ذكرك‏}‏ قال‏:‏ رفع الله ذكره في الدنيا والأخرة، فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة إلا ينادي أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله‏.
وأخرج سعيد بن منصور وابن عساكر وابن المنذر عن محمد بن كعب في الآية قال‏:‏ إذا ذكر الله ذكر معه أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله‏.‏
وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك ‏{‏ورفعنا لك ذكرك‏}‏ قال‏:‏ إذا ذكرت ذكرت معي ولا تجوز خطبة ولا نكاح إلا بذكرك معي‏.‏

وأخرج ابن عساكر عن الحسن في قوله‏:‏ ‏ {‏ورفعنا لك ذكرك‏}‏ قال‏:‏ ألا ترى أن الله لا يذكر في موضع إلا ذكر معه نبيه‏.‏
وأخرج البيهقي في سننه عن الحسن ‏ {‏ورفعنا لك ذكرك‏} ‏ قال‏:‏ إذا ذكر الله ذكر رسوله‏.‏
وأخرج أبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏ “‏أتاني جبريل فقال‏:‏ إن ربك يقول‏:‏ تدري كيف رفعت ذكرك‏؟‏ قلت‏:‏ الله أعلم‏.‏ قال‏:‏ إذا ذكرت ذكرت معي‏”
‏‏.‏ وأخرج ابن أبي حاتم عن عدي بن ثابت قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏ “‏سألت ربي مسألة وددت أني لم أكن سألته‏.‏ قلت‏:‏ أي رب اتخذت إبراهيم خليلاً، وكلمت موسى تكليما‏ً.‏ قال‏:‏ يا محمد ألم أجدك يتيماً فآويت، وضالاً فهديت، وعائلاً فأغنيت، وشرحت لك صدرك، وحططت عنك وزرك، ورفعت لك ذكرك فلا أذكر إلا ذكرت معي واتخذتك خليلا‏ً؟‏‏”

‏‏.‏ وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن أنس قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏”‏ “لما فرغت من أمر السموات والأرض قلت يا رب‏:‏ إنه لم يكن نبي قبلي إلا وقد كرّمته، اتخذت إبراهيم خليلاً، وموسى كليماً، وسخرت لداود الجبال ولسليمان الريح والشياطين، وأحييت لعيسى الموتى، فما جعلت لي‏؟‏ قال‏:‏ أو ليس قد أعطيتك أفضل من ذلك كله‏؟‏ أن لا أذكر إلا ذكرت معي، وجعلت صدور أمتك أناجيل يقرؤون القرآن ظاهراً، ولم أعطها أمة، وأعطيتك كنزاً من كنوز عرشي‏:‏ لا حول ولا قوّة إلا بالله‏”

‏‏.‏ وأخرج ابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ‏{‏ورفعنا لك ذكرك‏} ‏ قال‏:‏ لا يذكر الله إلا ذكرت معه‏.‏ – الدر المنثور للسيوطي ] .

[ ورفع يرفع رفاعة : علا فهو رفيع ورفعه : أعلاه فهو رافع – معجم ألفاظ القرآن باب الراء فصل الفاء والعين ] . قال تعالى { نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم – يوسف 76 } والرفع يأت على رفع قواعد بيت الله الحرام كما في قوله تعالى { وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل – البقرة 127 }

ورفع الدرجات لكل من آمن بالله تعالى وأسلم وجهه إلى الله تعالى  وتوجه إلى هذا البيت الحرام قال تعالى { يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير– المجادلة 11 }

وهذه الرفعة لإيمانهم وعملهم وفق كتاب الله تعالى وهو الصحف المطهرة المرفوعة المكرمة كما في قوله تعالى {كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاءَ ذَكَرَهُ فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ-مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ – عبس 11-16 } . ومن عمل بهذه الصحف المطهرة يرفعه الله تعالى في جنات قال تعالى فيها سرر مرفوعه قال تعالى فيها {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ وَمَاءٍ مَّسْكُوبٍ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَة لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَة فُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا عُرُبًا أَتْرَابًا لِّأَصْحَابِ الْيَمِين ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِّنَ الْآخِرِينَ– الغاشية 27-40 } .

وأما :

(لك)

{ وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون – الزخرف 44 } ولما نزل الذكر على رسول الله صلى الله عليه وآله نزل قوله تعالى { ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك ورفعنا لك ذكرك – الشرح }

وهنا بشره الله تعالى بأن الآخرة له ولمن آمن بالله تعالى خير لهم من الأولى وهى الدنيا وآواخر عمرها قال تعالى { وللآخرة خير لك من الأولى – الضحى } وهنا كفر من كفر من قريش قالوا { أآلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون – الزخرف 58}

وأما :

 (ذكرك)

وذكر الله تعالى هو كتابه الكريم والذي أطلق عليه ذكر في قوله تعالى { إن هذه تذكره فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا – المزمل 19 }  ومن الذكر رسول الله صلى الله عليه وآله ذكر في قوله تعالى { أعد الله لهم عذابا شديدا فاتقوا الله يا أولي الألباب الذين آمنوا قد أنزل الله إليكم ذكرا رَّسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا الطلاق10-11}  ثم يأتي الذكر مقترناً بالأذن الواعية وهى أذن الإمام علي كما في قوله تعالى { لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ – الحاقة 12 }  وفي التفاسير [ ثنا الوليد بن مسلم، عن عليّ بن حوشب، قال: سمعت مكحولا يقول: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ) ثم التفت إلى عليّ، فقال: ” سأَلْتُ الله أنْ يَجْعَلَها أُذُنَكَ”، قال عليّ رضي الله عنه : فما سمعت شيئا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فنسيته.حدثني محمد بن خلف، قال: ثني بشر بن آدم، قال: ثنا عبد الله بن الزبير، قال: ثني عبد الله بن رستم، قال: سمعت بُرَيدة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعليّ: ” يا عَليُّ؛ إنَّ اللهَ أمَرَنِي أنْ أُدْنِيَكَ وَلا أُقْصِيَكَ، وأنْ أُعَلِّمَكَ وأنْ تَعي، وحَقٌّ على اللهِ أنْ تَعِي”، قال: فنـزلت ( وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ).- تفسير الطبري ] .

وبالتالي من أراد أن يرفع الله تعالى مكانته في الدنيا والآخرة فليتولى الله تعالى ورسوله ثم أهل بيته عليهم السلام كما تشير كل آيات الكتاب الكريم إلى ذلك وتؤكد عليه بين الفينة والأخرى .

وهؤلاء هم الذين سيرثهم الله تعالى الأرض كما في قوله تعالى { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ – الأنبياء 105 } . ومن نسى ذكر الله تعالى وولايته الحق فهو إلى بوار في الدنيا والآخرة قال تعالى { ولكن متعت هؤلاء وآبائهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوماً بورا – الفرقان 18 } .

ثم يقول تعالى :

  • فإن مع العسر يسرا (5) إن مع العسر يسرا (6)

ورد في الحديث :

[ أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله‏:‏ ‏{‏فإن مع العسر يسرا‏ً} ‏ قال‏:‏ اتبع العسر يسرا‏ً.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله‏:‏ {‏فإن مع العسر يسراً إن مع العسر يسراً‏} قال‏:‏ ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر بهذه الآية أصحابه فقال‏:‏ ‏ “‏لن يغلب عسر يسرين‏”

‏‏.‏ وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن الحسن قال‏:‏ لما نزلت هذه الآية ‏ {‏إن مع العسر يسراً‏} ‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏ “‏ابشروا أتاكم اليسر، لن يغلب عسر يسرين”

‏”‏‏.‏ وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال‏:‏ ” بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن ثلثمائة أو يزيدون، علينا أبو عبيدة بن الجراح، ليس معنا من الحمولة إلا ما نركب فزوّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم جرابين من تمر، فقال بعضنا لبعض‏:‏ قد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أين تريدون وقد علمتم ما معكم من الزاد، فلو رجعتم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألتموه أن يزوّدكم، فرجعنا إليه، فقال‏: إني قد عرفت الذي جئتم له، ولو كان عندي غير الذي زوّدتكم لزوّدتكموه‏.‏ فانصرفنا، ونزلت ‏{‏فإن مع العسر يسراً إن مع العسر يسرا‏ً} ‏ فأرسل نبي الله إلى بعضنا، فدعاه، فقال‏: أبشروا فإن الله قد أوحى إليّ ‏ {‏فإن مع العسر يسراً إن مع العسر يسراً‏} ‏ وإن يغلب عسر يسرين‏”

‏‏.‏ وأخرج البزار وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط والحاكم وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن أنس بن مالك قال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً وحياله حجر، فقال‏:‏ ‏ “‏لو جاء العسر فدخل هذا الحجر لجاء اليسر حتى يدخل عليه فيخرجه، فأنزل الله ‏ {‏فإن مع العسر يسراً إن مع العسر يسرا‏ً} ‏ ولفظ الطبراني‏:‏ وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏{‏فإن مع العسر يسراً إن مع العسر يسراً‏}‏ ‏‏”

‏‏. وأخرج ابن النجار من طريق حميد بن حماد عن عائذ عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قاعداً ببقيع الفرقد، فنزل إلى حائط فقال‏:‏ ‏ “‏يا معشر من حضر والله لو كانت العسر جاءت تدخل الحجر لجاءت اليسر حتى تخرجها، فأنزل الله ‏ {‏فإن مع العسر يسراً إن مع العسر يسرا‏ً}‏ ‏”

‏. وأخرج الطبراني وابن مردويه بسند ضعيف عن ابن مسعود قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏ “‏لوكان العسر في حجر لدخل عليه اليسر حتى يخرجه، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏ {‏إن مع العسر يسراً‏} ‏” .

‏ وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا في الصبر وابن المنذر والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن مسعود قال‏:‏ لو كان العسر في حجر لتبعه اليسر حتى يدخل عليه ليخرجه، ولن يغلب عسر يسرين، إن الله يقول‏:‏ ‏ {‏فإن مع العسر يسراً إن مع العسر يسرا‏ً}‏ ‏.

وأخرج عبد الرزاق وابن جرير والحاكم والبيهقي عن الحسن قال‏:‏ خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فرحاً مسروراً، وهو يضحك ويقول‏:‏ ‏ “‏لن يغلب عسر يسرين ‏{‏فإن مع العسر يسراً إن مع العسر يسراً‏}‏” – الدر المنثور للسيوطي ] .

[ أنس بن مالك يقول : كان النبي صلى الله عليه وسلم جالسا وحياله جحر ، فقال : ” لو جاء العسر فدخل هذا الجحر لجاء اليسر حتى يدخل عليه فيخرجه ” ، فأنزل الله عز وجل : ( فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ) … عن قتادة : ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر أصحابه بهذه الآية فقال : ” لن يغلب عسر يسرين ” . ومعنى هذا : أن العسر معرف في الحالين ، فهو مفرد ، واليسر منكر فتعدد ; ولهذا قال : ” لن يغلب عسر يسرين ” ، يعني قوله : ( فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ) فالعسر الأول عين الثاني واليسر تعدد . وقال الحسن بن سفيان : حدثنا يزيد بن صالح ، حدثنا خارجة ، عن عباد بن كثير ، عن أبي الزناد ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” نزل المعونة من السماء على قدر المؤونة ، ونزل الصبر على قدر المصيبة ” . – تفسير بن كثير ] .

 

والتكرار هنا مرتين لأن عسر أمة محمد يكون مرتين الأولى في زمن النبي صلى الله عليه وآله والثانية في آخر الزمان بعد هلاك عدوهم من بني إسرائيل كما قال تعالى { فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد – الإسراء }

والثاني قال تعالى فيه { فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا – الإسراء 104}

وعذ عذاب قريش أول الزمان وآخره قال تعالى { سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم – التوبة }

والوعد لكلاهما بالسيف لقوله تعالى{ قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد –آل عمران  } .

والوعد الآخر سيكون بالنار والدمار وتسوية ماعلى الأرض بها قال تعالى في صهيانة بني إسرائيل { فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا- الإسراء } وفي هذا الوعد نار تحرق وجوهمم فتتطمسها وتجعلها كأقفيتهم كما في قوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا – النساء 47 }

وعن قريش الآخرة قال تعالى فيها { فإن أعرضوا فقل أنذرتكم بصاعقة مثل صاعقة عاد وثمود – فصلت } وهذا وعد مازال لم ينزل عليهم بكفرهم وحربهم لله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام في كل زمان ومكان يحاربونهم بالسيف واللسان . حتى [ يقول صلى الله عليه وآله من علامات الساعة أن يعير المؤمن بإيمانه كما تعير الزانية بزناها .. الحديث ] وهنا يكون فرج أمة محمد بهلاك الظالمين .

قال تعالى في نزول النصرة بعد البلاء الشديد من جراء وقوع الأمة في المعاصي  { لَّقَد تَّابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ – التوبة 117}

والعسر [  عَسُرَ، يَعْسُرُ، مصدر عُسْرٌ، عُسُرٌ، عَسَارَةٌ عسُر الأمرُ: اشتدَّ وصَعُب، عكْس يَسُرَ ] قال تعالى { سيجعل الله بعد عسر يسرا – الطلاق ] . والتيسير يكون لقراءة القرآن الكريم كما في قوله تعالى { فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا – مريم 97 } وقال تعالى { ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر – القمر } ومن أراد تيسير الأمور فعليه بالصلاة وتلاوة القرآن ومن كذب وترك العمل بما أنزل الله تعالى وبخل فسييسره للعسرى بالدنيا والآخرة ولذلك يقول تعالى { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَىٰ وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَىٰ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ – الليل 5-11 } . وهؤلاء الذين لم يؤمنوا بخلوا بأموالهم على الفقراء والمساكين وأصحاب النصاب المأمور بهم في كتاب الله سيلاقون يوماَ عسيراً قال تعالى فيه { الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا – الفرقان 26}

ثم يقول تعالى :

 

  • فإذا فرغت فانصب (6)

وهنا :

يقول الطبري في تفسيره : [ عن ابن عباس: ( فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ) يقول: فإذا فرغت مما فُرض عليك من الصلاة فسل الله ، وارغب إليه، وانصب له. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ) قال: إذا قمت إلى الصلاة فانصب في حاجتك إلى ربك. حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول: في قوله: ( فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ) يقول: من الصلاة المكتوبة قبل أن تسلِّم، فانصَب. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ) قال: أمره إذا فرغ من صلاته أن يبالغ في دعائه. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: ( فَإِذَا فَرَغْتَ ) من صلاتك ( فَانْصَبْ ) في الدعاء. وقال آخرون: بل معنى ذلك: ( فَإِذَا فَرَغْتَ ) من جهاد عدوّك ( فَانْصَبْ ) في عبادة ربك. – تفسير الطبري ] .

وورد في تفسير الدر المنثور :

[ أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال‏:‏ كانوا يقولون لا يغلب عسر واحد يسرين اثنين‏.‏
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من طرق عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏ {‏فإذا فرغت فانصب‏} ‏ الآية قال‏:‏ إذا فرغت من الصلاة فانصب في الدعاء، واسأل الله وراغب إليه‏.‏

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏ {‏فإذا فرغت فانصب‏}‏ الآية، قال‏:‏ قال الله لرسوله‏:‏ إذا فرغت من صلاتك وتشهدت فانصب إلى ربك واسأله حاجتك‏.‏

وأخرج ابن أبي الدنيا في الذكر عن ابن مسعود ‏ {‏فإذا فرغت فانصب‏} ‏ إلى الدعاء ‏{‏وإلى ربك فارغب‏} في المسألة‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال‏:‏ كان ابن مسعود يقول‏:‏ أيما رجل أحدث في آخر صلاته، فقد تمت صلاته، وذلك قوله‏:‏ ‏ {‏فإذا فرغت فانصب‏} ‏ قال‏:‏ فراغك من الركوع والسجود ‏ {‏وإلى ربك فارغب‏}‏ قال‏:‏ في المسألة وأنت جالس‏.‏

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن مسعود ‏ {‏فإذا فرغت فانصب‏}‏ قال‏:‏ إذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل‏.

وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد ‏{‏فإذا فرغت فانصب‏} ‏ قال‏:‏ إذا جلست فاجتهد في الدعاء والمسألة‏.‏

وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن نصر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله‏:‏ ‏ {‏فإذا فرغت فانصب‏}‏ قال‏:‏ إذا فرغت من أسباب نفسك فصل ‏{‏وإلى ربك فارغب‏}‏ قال‏:‏ اجعل رغبتك إلى ربك‏.‏
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة ‏ {‏فإذا فرغت فانصب‏} ‏ قال‏:‏ إذا فرغت من صلاتك فانصب في الدعاء‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن نصر عن الضحاك ‏{‏فإذا فرغت‏}‏ قال‏:‏ من الصلاة المكتوبة ‏ {‏وإلى ربك فارغب‏} ‏ قال‏:‏ في المسألة والدعاء.

وأخرج عبد بن حميد عن قتادة ‏ {‏فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب‏}‏ قال‏:‏ أمره إذا فرغ من الصلاة أن يرغب في الدعاء إلى ربه، وقال الحسن‏:‏ أمره إذا فرغ من غزوه أن يجتهد في العبادة‏.‏
وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم ‏{‏فإذا فرغت فانصب‏} ‏ قال‏:‏ إذا فرغت من الجهاد فتعبد‏ – الدر المنثور ]

وفي تفسير البرهان :

[- علي بن إبراهيم، في معنى السورة: { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } قال: بعلي، فجعلناه وصيك، قال: حين فتحت مكة، و دخلت قريش في الإسلام، شرح الله صدره و يسره، { وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ } قال: ثقل الحرب { ٱلَّذِيۤ أَنقَضَ ظَهْرَكَ } أي أثقل ظهرك { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } ، قال: تذكر إذا ذكرت، و هو قول الناس: أشهد أن لا إله إلا الله، و أن محمدا رسول الله…

– عبد الله بن جعفر الحميري: عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، قال: سمعت جعفرا [يقول: ” كان أبي (رضي الله عنه)] يقول في قوله تبارك و تعالى: { فَإِذَا فَرَغْتَ فَٱنصَبْ * وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَٱرْغَبْ }: فإذا قضيت الصلاة قبل أن تسلم و أنت جالس، فانصب في الدعاء من أمر الدنيا و الآخرة، و إذا فرغت من الدعاء فارغب إلى الله تبارك و تعالى [أن يتقبلها منك] “.

– الطبرسي: معناه: فإذا فرغت من الصلاة المكتوبة فانصب إلى ربك في الدعاء، و ارغب إليه في المسألة يعطيك. قال: و هو المروي عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام) – البرهان للسيد هاشم البحراني ]

(فإذا فرغت)

[ الفرغ : الأرض  المجدبة وفرغ الدلو : خرقه الذي يفرغ الماء أي سعته والفريغ : العريض فالفراغ خلى من الشغل وفراغاً وفروغاً : خلا من الشغل والوصف فارغ وتفرغ : توفر عليه وعمد إليه – معجم ألفاظ القرآن باب الفاء فصل الراء والغين ] .

قال تعالى { ربنا أفرغ علينا صبراً وتوفنا مسلمين – الأعراف 126 } أي [ ربنا أَفِضْ علينا صبرًا عظيمًا وثباتا عليه, وتوفَّنا منقادين لأمرك متبعين رسولك – التفسير الميسر ] . والفراغ هنا من عباده قال تعالى { سنفرغ لكم ايها الثقلان – الرحمن 31 }

والفراغ يأتي بعد معارك كما في قوله تعالى { وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ – البقرة 250 } ويأت أيضاً مع ذو القرنين في قوله تعالى { آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا – الكهف 96} وهنا كأنه يقول تعالى لهم إن فرغتم من العبادات فانصبوا في دنياكم إلى المعاملات وشغلكم وفق ما أمر الله تعالى وحددته شريعتكم الإسلامية  من صدق وأمانه وذكر أو تسبيح  أو سفر وضرباً في الأرض .

وأما :

(فانصب)

[ ونصب الشيئ ينصبه نصباً : رفعه وأقامه حتى كان شاخصاً ماثلاً بارزاً قال تعالى  { أفلا ينظرون إلى الأبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت – الغاشية } [ونصب ينصب نصبا وهى ناصبة : أعيا وتعب من العناء والعمل – معجم ألفاظ القرآن باب النون فصل الصاد والباء ]   قال تعالى { فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا – الكهف 62 }

والنصب تعب وجد وعمل وشقاء لذلك يقول تعالى عن أهل الجنة { لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين – الحجر 48 }  وسيقول أهل الجنة {وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنل لغفور شكور الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب – فاطر 34-35 }

وعن جهاد النبي صلى الله عليه وآله وصحابته الكرتم وتعبهم في سبيل الله كما جاهد طالوت وذو القرنين قال تعالى { ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين – التوبة 120 } . وبالتالي فإذا فرغت أي إذا فرغت من عبادتك توجه للجهاد الأكبر والجهاد الأصغر قال صلى الله عليه وآله

والنصب  بضم النون التعب الشديد قال تعالى { واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب – ص 41 } وهذا التعب في الحياة الدنيا لقوله تعالى إلى آدم عليه السلام إذا خرج فيا لجنة فسيكابد في الدنيا ويصيبه النصب قال تعالى { إن لك فيها ألا تجوع ولا تعرى وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى – طه 15-16 }. وبالتالي المعنى إذا فرغت من عباداتك فانصب إلى دنياك ومعاملاتك وفق ما أمر الله تعالى .

ثم يقول تعالى :

(8) وإلى ربك فارغب (8)

وهنا:

(وإلى ربك)

أي أنه يقول تعالى { إن إلى ربك الرجعى } فإن آمنت وصدقت أن مرجعك إلى الله تعالى فكم إلى الله تعالى راغباً كما في الآية هنا { وإلى ربك فارغب } .

وأما :

(فارغب)

[رغب في الشيئ يرغب رغباً ورغبة : أراده وحرص عليه – معجم الفاظ القرآن باب الحاء فصل الراء والصاد ] .قال تعالى { إنا إلى الله راغبون – التوبة 59 } أي متوجهون ضارعون سائلون حريصون والله تعالى هو العمل بكتاب الله تعالى وفق ما أمر وهو قائم على ملة إبراهيم حنيفاً كما في قوله تعالى

{وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ – البقة 130} أي وما كان لمؤمن أن يزهد ويصرف رغبته عن ملة إبراهيم القائمة على الميل عن الشرك و طاعة أهله و الوصية الإبراهيمية ومن يرغب عنها فهو السفيه  وما كان لمؤمن ولا مؤمنة ان يتخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وآله  كما في قوله تعالى { ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين – التوبة 120 } ومن رغب في طاعة الله ورسوله فليعمل بالأعمال الصالحة كما أمر الله تعالى ورسوله وكانت أنبياء الله تعالى ورسله على ذلك النهج القويم كما في قوله تعالى عنهم عليهم صلوات الله وسلامه { فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين- الأنبياء 90} وبالتالي { وإلى ربك فارغب } أي كن حريصاً على طاعة الله تعالى ورسوله وولاية أهل بيته عليهم السلام من بعده .

أنتهى العمل من هذه

السورة الكريمة في 23 رمضان سنة 1420هـ الموافق 31 ديسمبر سنة 1999م

هذا وبالله التوفيق وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين

أهـ

السورة رقم (13)

سورة الرحمن

سورة الرحمن من السور المختلف عليها فالبعض يعتبرها مدنية وآخرين يعتبرونها مكية وفي مذهب أهل البيت يعتبرونها مكية وترتيب نزولها كما يلي :

  • العلق 2- القلم 3- الضحى 4- المزمل 5- المدثر 6- الفاتحة 7- تبت 8- التكوير 9- الأعلى – 10- الليل 11- الفجر -12- الشرح 13- الرحمن .

والسورة مكية لتوافر شروط السور المكية فيها كما يلي :

  • قصر مقاطع الآيات من شروط السور المكية وهى متوافقة بالسورة وذلك لأن من سمات السور المدنية طول المقاطع .
  • السورة تتحدث عن الوعد والوعيد والجنة والنار وهى صفات السور المكية .
  • السورة لا تتكلم عن أحكام كالسور المدنية التي تميزها عن المكية وبالتالي الشروط كلها تؤكد أنها مكية وليست مدنية .كما في مذهب أهل البيت عليهم السلام و [ كما في مصاحف أمير المؤمنين(عليهم السلام) وابن عباس وابن مسعود والإمام جعفر الصادق عليه السلام – راجع كتاب القرآن بين المدرستين للسيد مرتضى العسكري ] .
  • الذين وضعوا مكانها سورة العاديات قد وقعوا في خطأ فاضح لأن سورة العاديات تتكلم عن غزو الخيل التي تغير صبحا وهذا الغزو كان بالمدينة وليست مكة بما يؤكد صحة القول بأنها مكية وذلك لأنها تتحدث عن الجهاد وهجوم الخيل على الأعداء وهذا لم يكن إلا بالمدينة وبيان هذه السورة [ (والعاديات ضبحاً فالمغيرات صبحاَ ) وذلك لأن النبي صلى الله عليه وآله بعث سرية إلى بني كنانة فأبطأ عليهم خبرهم فاهتم بذلك فأخبر الله تعالى نبيه عن ذلك على وجه القسم … – تفسير ابن عباس ص 517 –انتشارات استقلال قم – إيران ] .
  • سورة الرحمن هى السورة الوحيدة التي تبدأ بإسم من أسماء الله الحسنى .

وهذه الغزوة هى غزوة بني سليم مما يشير إلى صحة ترتيب مصحف أهل البيت وابن عباس وابن مسعود من أن سورة العاديات منم أواخر ما نزل من قرآن وترتيبها في المصحف على النزول الثاني عشر بعد المائة .

أما بعد :

يقول تعالى :

  • الرحمن (1)

[ ورحم يرحمه رحماً : رق له قلبه وعطف عليه فهو راحم ويقال في المبالغة رحيم والرحمة من الله الإحسان والرحمن إسم من الرحمة ولا يطلق إلا على الله وحده – معجم ألفاظ القرآن باب الراء فصل الحاء والميم ] .

 

قال تعالى { من يصرف عنه يومئذٍ فقد رحمه – الأنعام 16 } والله تعالى أرحم الراحمين كما في قوله تعالى { وأنت أرحم الراحمين – الأعراف 157 } وعلى ذلك رحمن الدنيا والآخرة هو خالقهما ولذلك يقترن لفظ رحمن بالعرش في قوله تعالى { الرحمن على العرش استوى – طه 2 } . وهذا العرش بداية الخلق وأما نهايته وفي يوم القيامة هو الرحمن أيضاً كما في قوله تعالى { الملك يومئذٍ الحق للرحمن وكان يوماً على الكافرين عسيرا – الفرقان 26 } .

ومن رحمته أن بعث للناس رسلاً يبينون لهم طريق رحمته ورضاه تعالى كما قال نبي الله موسى لقومه { إن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري – طه 90 } ولذلك قال تعالى أنه علم القرآن لكي يرحم الله المؤمنين العاملين به في قوله تعالى هنا { الرحمن علم القرآن – الرحمن } ومن أراد أن يرحمه الله فليعلم أنه بعث فيهم رسول رؤوف رحيم بهم قال تعالى { لقدجاءكم رسول من أنفسكم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم – التوبة } .

ومادام الله تعالى رحمن الدنيا والآخرة فهو ليس له تعالى نظير في الإسم ولا في الفعل ومن رحمته أن أعد لعباده المؤمنين جنات في الآخرة بعد رحمتهم في الدنيا فهل تعلم له سمياً  كما قال تعالى : {جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب إنه كان وعده مأتياً لا يسمعون فيها لغواً إلا سلاماً ولهم فيها رزقهم بكرة وعشيا تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا وما نتنزل إلا بأمر ربك له مابين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن  فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا – مريم 61-65 } .

ثم يقول تعالى عن الرحمن سبحانه وتعالى :

  • علم القرآن (2)

وهنا :

(عَلَم)

إلى أن ينزلوهنا يبين تعالى أو أول من تعلم قرآن الله تعالى قبل أن ينزل إلى سماء الدنيا الملائكة  وقتها قرأوا كل ما هو كائن إلى يوم القيامة فقالوا{ أتخلق فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء قال إني أعلم مالا تعلمون – البقرة 30 } ثم يقول تعالى { وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ماعلمتنا – البقرة 31}

وبالتالي علم الله تعالى على قسمين عالم الغيب و هو كل ما غاب عن حواس ابن آدم و عالم الشهادة ففي الدنيا يقول تعالى { وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين – سبأ 3 }

وعن كلا العالمين الغيب والشهادة يقول عز وجل { عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال – الرعد 9 }وقال تعالى { عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون  – المؤمنون 92 } وقال تعالى { ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم – السجدة 6 } فإذا كان يوم القيامة فهو أعلم أيضاَ سبحانه وتعالى { قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون – الزمر 46 } ولذلك يقول تعالى للناس بأن يعملوا في الدنيا على مكانتهم في الآخرة قال تعالى {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون – التوبة 105  } .

ولكي يبين الله تعالى لهم الطريق إلأى رضاه تعالى والجنة أنزل الكتب السماوية وبعث الرسل والأنبياء ولذلك دعا نبي الله إبراهيم ربه ببعثة نبياً من العرب يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم قال تعالى { سورةالبقرة – ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم – البقرة 129} فمن الله تعالى على المؤمنين ببعثة نبيه الخاتم صلى الله عليه وآله كما في قوله تعالى { لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين – آل عمران 164 } فلما نزل الوحي بأول آيات الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وآله قال له ولكل أمة محمد لتعلم قيمة القرآة وأنه لا يستوي الذين يعلمون بالذين لا يعلمون قال تعالى هنا {اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق إقرأ وربك الأكرم  الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم – العلق 1-5 } وبهذا الكتاب والعمل وفق أحكامه يطهرهم الله تعالى ويعلمهم الحكمة وفي ذلك خير الدنيا والآخرة كما في قوله تعالى { كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون – البقرة 151} . ومن أراد رضا الله تعالى فليتولى الله تعالى ورسوله كما بينا أي يعمل وفق ما أمر الله تعالى في كتابه الكريم وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وبعد موت النبي صلى الله عليه وآله فليتولى الإمام علي عليه السلام ثم الأئمة من أهل بيته عليهم السلام لما نزل فيه من قوله تعالى { قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب – الرعد 43  } [  وهنا عن ابن عباس : من عنده علم الكتاب هو علي بن أبي طالب – شواهد التنزيل جذ ص 401 ] [ وعن أبي سعيد الخدري قال سألت رسول الله صلى الله عليه وآله عن قوله تعالى ( ومن عنده علم الكتاب) فقال ذاك أخي علي بن أبي طالب – شواهد التنزيل ج1 ص 400 ]

ونزل فيه أيضاً {أمن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب – الزمر 9 } [ عن ابن عباس قال : هل يستوي الذين يعلمون قال يعني علياً وأهل بيته من بني هاشم (والذين لا يعلمون) قال بنوا أمية و(أولوا الألباب) شيعتهم – شواهد التنزيل ج2 ص 175 ] .وبالتالي بعثة الأنبياء والمرسلين ثم امتداد العلم الحقيقي بعد خاتم النبيين (صلى الله عليه وآله)  عن طريق أئمة أهل البيت عليهم السلام وذاك من رحمة الله تعالى بعياده المؤمنين لذلك قال تعالى { الرحمن علم القرآن } .

وأما :

(القرآن)

وهنا إذا تكلمنا عن كتاب الله تعالى الذي علمه لرسوله صلى الله عليه والأئمة عليهم السلام من بعده وصحابته الكرام رضوان الله تعالى عليهم وهنا لابد وأن نفصل ما هو القرآن وأحكامه و فضائله و ثواب العمل به وحرب الكفار والمنافقين عليه ؟ وهنا سنبين ماذا يعني قوله تعالى { علم القرآن }  .

أولاً : ما هو القرآن :

يقول تعالى هنا { إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا – الإنسان 23 } وهذا النزول إلى سماء الدنيا كان في ليلة القدر كما في قوله تعالى { إنا أنزلناه في ليلة القدر – القدر} وهذا الكتاب منزل من أم الكتاب كما في قوله تعالى { وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم – الزخرف 4} ولذلك الحروف المقطعة بالقرآن الكريم آيات منزلة من أم الكتاب كما في قوله تعالى { يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين يس 1-3  } وقال تعالى { حم والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون – الزخرف 1-3} وقال تعالى { طس تلك آيات القرآن وكتاب مبين – النمل 1 } وقال تعالى أيضاً { الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين- الحجر 1 } فتلقاه النبي صلى الله عليه وآله من الله تعالى كما في قوله تعالى { وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم – النمل 6 }

وهذا التلقي نزل به الروح الأمين عليه السلام على قلب رسول الله صلى الله عليه وآله كما في قوله تعالى {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين – الشعراء 193-195} ثم يبين تعالى أنه نزل بلسان العرب  وضرب فيه من االأمثال لعلهم يتذكرون كما في قوله تعالى {ولقد ضربنا في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون  قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون – الزمر 27-28 } وقال تعالى { ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون – الزمر 27 } . وهذه الأمثال لعلهم يتفكرون قال تعالى { لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون – الحشر 21 }

و فيه سبعاً من المثاني وهى فاتحة الكتاب كما في قوله تعالى { ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم – الحجر 87} .

وفيه قصص وأحسنها من الأمم من قبل لعلهم يذكرون قال تعالى فيها { نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين  -يوسف 3}

ولذلك بين تعالى أنه ميسر للذكر باللسان والبيان العربي كما في قوله تعالى { ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر – القمر 17 } وفي نفس الوقت لا يدرك غور معناه إلا من مسه الطهر من أهل بيت النبي محمد صلى الله عليه وآله كما في قوله تعالى { إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون – الواقعة 77 } والمطهرون هنا هم الذين قال تعالى فيهم { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا – الأحزاب } وذلك الفهم لأن ظاهره أنيق وباطنه عميق ويبين تعالى أن هذا القرآن المجيد في لوح محفوظ كما في قوله تعالى { بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ – البروج 21 } وهذا ظاهر المعنى وفق ماحددته اللغة العربية ولكن  البحث ففي كلمة لوح وألواح في قوله تعالى { وحملناه على ذات ألواح ودسر } وهذه الألواح لوح رئيسي بالطول وألواح عرضية على اليمين  والشمال تشيد بها السفينة  وهو نفس شكل القفص الصدري لابن آدم لذلك قال تعالى { بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون –العنكبوزت 49 } والذين اوتوا العلم أعلمهم باب مدينة العلم الإمام علي عليه السلام بنص الحديث [أنا مدينة العلم وعلي بابها … الحديث ] .

وهذا القرآن يبين تعالى أنه أنزله على قلب رسول الله صلى الله عليه وآله لينذر به أم القرى ومن حولها في كل العالم قال تعالى { وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير – الشورى 7 } .

فلما نزل على قلب رسول الله صلى الله عليه وآله أمره بأن يقرأه على الناس على مكث ولا يتعجل

قال تعالى {وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا – الإسراء 106} ثم يبين تعالى لنبيه أن القرآن وللأمة بأن لا تعجل في القراءة ولا تتعجل تلاوته كما في قوله تعالى { فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا – طه 114 } ولا يتعجل

التقول فيه إلا بعد الدراسة و التدبر وجمع آياته كما سنبين لأن القرآن تبين آياته بعضها بعضا قال تعالى لذلك { إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إنا علينا بيانه  – القيامة 17-19 } ثم يأت بعد ذلك بيان رسول الله صلى الله عليه وآله لكتاب ربه تبارك وتعالى كما في قوله تعالى { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون –النحل 44 } .

ثم يبين تعالى أن هذا القرآن ماكان يفترى من دون الله ولو اجتمعت الإنس والجن قال تعالى { وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين – يونس 37 } ولذلك قال تعالى { قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا – الإسراء 88 } ولذلك عندما استمعته الجن في قوله تعالى { وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين – الأحقاف 29 } فلما سمعوه قالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا كما في قوله تعالى { قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا – الجن 1-2 }

ثم يبشر الله تعالى المؤمنين الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وآله على ولاية الله الحق التي هى لله تعالى ورسوله والإمامة من بعده لأهل بيته عليهم السلام ونصرة كتابه الكريم والجهاد في سبيل الله على ذلك مع إمام أهل البيت عليهم السلام  لذلك قال تعالى في هذه البيعة  { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم – التوبة 111 }

ثانياً : فضائل القرآن :

بين تعالى أن هذا القرآن له فضائل وهى :

  • الهداية للطريق المستقيم لقوله تعالى :{ إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا – الإسراء 9 }
  • وهذا القرآن لم ينزل لشقاء الناس بل لسعادتهم في الدارين بالدنيا والآخرة قال تعالى { ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى – طه 2 } .
  • هذا القرآن فيه شفاء للناس من الأمراض كما في قوله تعالى { وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا –الإسراء 82 } .
  • هذا القرآن فيه حفظ وتحصين عند قراءته من كفار ومنافقي الإنس والجن قال تعالى : { وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا – الإسراء 45 } .

 

ثالثاً :

 الخطة القرآنية لتلاوة و حفظ و تعلم و دراسة وتدبر القرآن كما أمر الله تعالى :

هنا يأمر الله تعالى بدراسة القرآن وفقاً لأربع طرق

  • تلاوة القرآن : لقوله تعالى { إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين وأن أتلو القرآن فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين – النمل 91-92 } . وقال تعالى { إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور – فاطر 29 }
  • حفظ القرآن : لقوله تعالى { بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون – العنكبوت 49 } .
  • دراسة القرآن : لقوله تعالى { وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ – سبأ 44 } وقال تعالى أيضاً : { فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ما فيه والدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون – الأعراف 169} .
  • تدبر القرآن الكريم : قال تعالى {سورة ص – كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب – ص 29 } وقال تعالى أيضاً : { أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها – محمد 24 }

آداب التلاوة وسماع القرآن : هنا يقول تعالى { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون – الأعراف 204 } وإذا قرأه المسلم فليتعوذ بالله تعالى من الشيطان الرجيم كما في قوله تعالى { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم – النحل 98 } ومن الأفضل للقرأة أن يرتلها ترتيلاً كما في قوله تعالى  { ورتل القرآن ترتيلا – المزمل 4 } وتكون القرأة سواء كانت في صلاة الفجر منفردأً أو تلاوة للقرآن أن تكون كما في قوله تعالى { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا – الإسراء 110 } .

رابعاً : الحرب على القرآن :

بدأـ الحرب على القرآن الكريم حسداً للنبي وبني هاشم وبني عبد المطلب لذلك قال تعالى فيما قالوه { وقالوا لولا نزل هذا القرءان على رجل من القريتين عظيم – الزخرف 31 } .

ثم أعلنوا كفرهم وأنهم لن يؤمنوا به أبداً قال تعالى : { وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين – سبأ 31 }. وقال  تعالى في شقاقهم { ص والقرآن ذي الذكر بل الذين كفروا في عزة وشقاق – ص 1- 3} ودعوا إلى عدم ايمان بالقرآن الكريم { وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون – فصلت 26 }  ولما تهموه صلى الله عليه وآله بالشعر نفى الله تعالى عنه هذه التهمة في قوله تعالى { وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين – يس 69} وقالوا لولا نزل هذا القرآن جملة واحدة  كما في قوله تعالى{ وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا الفرقان 32 } ثم يبين تعالى انهم أبوا إلا الكفر بالله تعالى كما في قوله تعالى { ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفورا – الإسراء 89 } وجادلوا بالباطل كما في قوله تعالى { ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شيء جدلا – الكهف 54 } .

واشتد جدالهم بعدما علموا مكانة الإمام علي عليه السلام ويقينهم من أنه خليفته من بعده فطلبوا تبديل هذه الأحكام أو تبديل الكتاب كله كما فيقوله تعالى : { وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم – يونس 13 }

ثم يبين تعالى أنهم حاولوا اللغوا في القرآن أو تبديله والكذب على الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله كما في قوله تعالى  { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ – فصلت 26 } فلما لغوا في كتاب الله تعالى  وأدخلوا فيه مناقب رجالهم ليختلط الأمر على الناس من بعدهم                  فنشروا  بعد موته صلى الله عليه وآله مناقب في رجالهم لصرف الناس عن ولاية أهل بيت النبي عليهم السلام و انتشر الخلاف في فهم كتاب الله حتى أنك ترى سبب النزول وضده والنقيضين في فهم الآية الواحدة وكتاب الله لا يوجد فيه أي خلاف فمن أول كلمة فيه تهدي لولاية الله تعالى ورسوله وأهل بيته حتى آخر كلمة فيه لذلك يقول تعالى { أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا – النساء } فلما نشروا الخلاف على أنه من عند الله تماماً كما قال تعالى عن بني  إسرائيل { وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ – آل عمران 78 } وهنا

.وهنا يقول تعالى في ذلك  {كما أنزلنا على المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين – الحجر 91 } ثم يبين تعالى أن المسؤل عن تلك الجريمة رجال من قريش وعلى رأسهم بنوا أمية لما نزل فيهم من قوله تعالى { وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا – الإسراء 60 } [ راجع تفسير الآية حيث راي النبي في منامه أثنتي عشرة قردأً ينزوون على مبره نزو القردة ] فأولها أنهم رجال من أمية .( راجع تفاسير الدر المنثور – الطبري وغيره من المفسرين ) .

وهنا جعل الله تعالى على قلوبهم أكنة أن يفقهوه كما في قوله تعالى { وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا – الإسراء 64 }

فلما نفروا وحاربوا وتقولوا على الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله شكاهم إلى الله عز وجل في قوله تعالى {ويوم يعض الظالم على يديه يقول ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلا ياويلتي ليتني لم اتخذ فلانا خليلا لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءتي وكان الشيطان للإنسان خذولا وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا – الفرقان 28-30 } .

وهنا نكون قد بينا معنى قوله تعالى { الرحمن علم القرآن } فهذا هو القرآن وبيان الله تعالى لكتابه الكريم والحرب عليه .

ثم يقول تعالى :

  • خلق الإنسان (3)

وهنا يبين تعالى أنه بدأ خلق الإنسان من طين قال تعالى {الذي أحسن كل شيئ خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين – السجدة 7} وهذا الطين صلصال كما في قوله تعالى { ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمإ مسنون – الحجر 26 } أي [ولقد خلقنا آدم مِن طين يابس إذا نُقِر عليه سُمع له صوت, وهذا الطين اليابس من طين أسود متغيِّر لونه وريحه; مِن طول مكثه – التفسير الميسر ] . ثم جعل الله تعالى سلالة له قال تعالى فيها { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين – المؤمنون 12}

ثم جعل نسل هذه السلالة من نطفة ذكر وأنثى لذلك قال تعالى { ثم جعل نسله ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ – السجدة  8 } وقال تعالى { خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين – النحل 4 }

وخلق الإنسان من نطفة ثم من مضغة ثم من علقة في قوله تعالى { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ  – الحج5 }

وقال تعالى   { ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ

– المؤمنون 14 } وهنا يبين تعالى أن هذا الإنسان علمه الله تعالى البيان قال تعالى { خلق الإنسان علمه البيان }  .

ثم يقول تعالى :

  • علمه البيان (4)

وهنا :

(علمه)

وهنا قال تعالى عن أول إنسان على الأرض وهو نبي الله آدم عليه الصلاة والسلام {وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين  – البقرة 31} ولما علمه الأسماء قال تعالى لآدم عليه السلام أن ينبئ الملائكة بما تعلمه من ربه تبارك وتعالى قال عز وجل { قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم – البقرة 33} وهنا قال فعل وليس إسم بما يعني أنه عز وجل علمه الأسماء والأفعال لأنه فهم مراد الله تبارك وتعالى وأمره بما يعني أنه عز وجل علمه البيان كما في قوله تعالى هنا { علمه البيان }

وأما :

(البيان)

[ البيان : الكشف والإيضاح ويسمى الكلام بيانا لكشفه عن المعنى المقصود وإظهاره ويسمى مايشرح المجمل والمبهم من الكلام بيانا – معجم ألأفاظ القرآن باب الباء فصل الياء والنون ] قال تعالى في بيان القرآن للقرآن { فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إنا علينا بيانه – القيامة 18-19} لذلك يقول تعالى في وصف كتابه الكريم أنه بيان وبينات لأن فيه بينة لآياته قال تعالى {هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين – آل عمران 138 } . وكتب الله السماوية من قبل فيها بينات قال تعالى فيها {فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير – آل عمران 184 } وآخر هذه البينات وختامها القرآن الكريم المنزل على خاتم النبيين قال تعالى {  تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد – البقرة 253} ويحذر الله تعالى من الإختلاف على الأئمة لأنه لا نبوة بعده صلى الله عليه وآله قال تعالى { ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم – آل عمران 105}

والبيان يقوم به كل بني آدم إلا بيان الكتاب يقوم النبي صلى الله عليه وآله ثم الأئمة من بعده بكتبهم القيمة لقوله تعالى في الإمام علي عليه السلام { لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ – البينة } .

وهنا يقول صلى الله عليه وآله في خير البرية : [ علي وشيعته هم الفائزون – تفسير الدر المنثور  للسيوطي ] . [ ويقول الإمام الصادق عليه السلام (مرفوعاً) في تفسير قوله تعالى ( يو ندعوا كل أناس بإمامهم) ألأا تحمدوا الله إذا كان يوم القيامة فزع كا أناس إلى من يتولونه وفزعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وفزعتم إلينا فإلى اين ترون يذهب بكم إلى الجنة ورب الكعبة قالها ثلاثاً – مرآة العقول ج4 ص 187 ] .

ثم يقول تعالى في استفهام استنكاري كيف يكفرون وقد بين الله تعالى لهم ورسوله ما يتوحدون على إمامتهم ولا يتفرقون ويختلفون من بعده صلى الله عليه وآله قال تعالى { كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين – آل عمران 68 } .

ثم يقول تعالى :

  • الشمس والقمر بحسبان (5)

وهنا :

[ والحسبان : الحساب جاء في القرآن بمعنى ومصدر  حاسب يحاسب حسباناً وسمى يوم القيامة يوم الحساب لأنه يوم الحساب والحسبان : العد والإحصاء أي أنهما (الشمس والقمر) وسيلتان للعد والحساب ومعرفة الزمن ويأت بمعنى العذاب والبلاء لأنه عن حساب من الله القدير – معجم ألفاظ القرآن باب الحاء فصل السين والباء ] . قال تعالى : { فالق الإصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم – الأنعام 96} أي أن الله سبحانه وتعالى [ هو الذي شق ضياء الصباح من ظلام الليل, وجعل الليل مستقرًا, يسكن فيه كل متحرك ويهدأ, وجعل الشمس والقمر يجريان في فلكيهما بحساب متقن مقدَّر, لا يتغير ولا يضطرب, ذلك تقدير العزيز الذي عزَّ سلطانه, العليم بمصالح خلقه وتدبير شئونهم. والعزيز والعليم من أسماء الله الحسنى يدلان على كمال العز والعلم.- التفسير الميسر ] .

ولذلك قال تعالى هنا { الشمس والقمر بحسبان – الرحمن 5 } .

ثم يقول تعالى :

  • والنجم والشجر يسجدان (6)

وهنا :

(والنجم)

يقول تعالى هنا مبيناً أن الخلق كله مسخر بأمر الله تعالى كما في قوله تعالى { إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا – الأحزاب } وبالتالي النجم والشجر سجودهم امتثالاَ وخضوعاً لأمر الله تعالى فهم مسخرات بأمر الله وذلك سجودهم لذلك يقول تعالى { إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين – الأعراف 54 } وقال تعالى : { وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون – النحل 12 } وهذا هو سجودهم والسجود في قوله تعالى هنا  (يسجدان) [سجد سَجَدَ سجودًا : خضع وانقاد  – معجم ألفاظ القرآن باب السين فصل الجيم والدال ] قال تعالى : { ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء – الحج 18 } وهذا السجود للخلق طوعاً وكرهاً هو إسلامهم لله تعالى  فكل الخلق أسلم كرهاً بعد رفض حمل أمانة الحكم بما أنزل الله وخلافة الله تعالى في الأرض وأما الإنسان فقد حملها طوعاً واختياراً قال تعالى { أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ – آل عمران 83 }

 ثم يقول تعالى :

  • والسماء رفعها ووضع الميزان (7)

وهنا :

(والسماء)

أي أنه يقول تعالى { والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون – الذاريات 47 } وهذا البناء رفعه الله تعالى لأعلى لذلك قال تعالى هنا { والسماء رفعها ووضع الميزان }

وأما :

(والسماء رفعها)

أي أنه تعالى رفع السماوات وبناها بغير عمد مئية للعيان يقول تعالى { الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون – الرعد2 } ولما بناها عز وجل رفعها وجعل لها سمكاً فسواها كما في قوله تعالى :{ أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ ۚ بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَٰلِكَ دَحَاهَا أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ  – النازعات 27-33} وبعدما رفع سمكها عز وجل جعل لها سقفاً محفوظاً قال تعالى فيه { والسقف المرفوع { وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَّحْفُوظًا ۖ وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ – الأنبياء 32 }  و هذا السقف مرفوعاً كما في قوله تعالى { والسقف المرفوع – الطور 5 } .

وهذه السماوات المرفوعة درجات فيها أنبياء ومؤمنين كل على حسب درجته لذلك رفع يرد على :

أولاً : القرآن الكريم ذكر رفعه الله تعالى ورفع العاملين به إلأى أعلى عليين أن تولوه حق ولايته قال تعالى { ورفعنا لك ذكرك – الشرح } وهذه الصحف مكرمة مطهرة قال تعالى فيها { كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاءَ ذَكَرَه فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ – عبس 11-16}

ثانياً : هذا الذكر له أناس خصهم الله تعالى بهذه المكانة العالية وهم أهل بيته عليهم السلام لما نزل فيهم من قوله تعالى { في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه – النور 36 } [ وهنا لما سئل رسول الله صلى الله عليه وآله أبيت علي منها قال بل من أعلاها – شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ] .

ثالثاً :

والذين آمنوا بعد ذلك درجات يرفعهم الله تعالى في درجاتهم التي أعدت لهم قال تعالى { يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات – المجادلة 11 } .

ولما استوى خلقها قال تعالى للناس في استفهام استنكاري فيمن كفروا به عز وجل يقول تعالى : { أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ – الغاشية 17-20} .

وأما :

(ووضع)

وهنا [ وضع : ضد رفع ويقال وضع الشيء في هذا المكان : جعله فيه وأثبته وأقره – معجم ألفاظ القرآن باب الواو فصل الضاد والعين ] . قال تعالى مبيناً أن السماء كما رفعها وضوع الأرض للمخلوقات قال تعالى { والأرض وضعها للأنام فيها فاكهة ونخل ورمان والحب ذو العص والريحان – الرحمن 10-12} .

وعندما وضع الله تعالى الأرض كان أول بيت وضعه فيها هو بيت الله الحرام كما في قوله تعالى {   إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين – آل عمران 96 } ثم هبط آدم وزوجه  وعبد الله تعالى من خلال بيت الله الحرام ثم بعث الله تعالى النبيين بالكتب فإذا قامت القيامة جمعهم الله تعالى بكتبهم وقومهم للحساب قال تعالى {وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون – الزمر 69 }

ثم يؤتى  بكتاب الأعمال لحساب  الأمم كما في قوله تعالى { ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا – الكهف 49 } .

وأما :

(ووضع الميزان)

هنا يقول تعالى { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ – الأنبياء 47 } وهذا الميزان جعله الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم الذي توزن به الأعمال وفق ما أمر الله تعالى ولذلك يصف الله تعالى كتابه الكريم بأنه كتاب أنزله الله تعالى ب الحق والميزان قال تعالى {الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان وما يدريك لعل الساعة قريب –الشورى 17 } . وقال تعالى { لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز – الحديد 25 } .

وعن الميزان والمكيال في الحياة الدنيا فقد أمر الله تعالى فيهما بالقسط يقول تعالى { ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون – الأنعام 152 } . ولذلك قال نبي الله شعيباً لقومه عليه السلام { وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين – الأعراف 85 } .

ثم يقول تعالى :

  • أن لا تطغوا في الميزان (8)

وهنا :

(أن لا)

أي أنه يقول تعالى هنا { أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم – هود 26 } ومما أمر الله تعالى هنا في كتابه الكريم أن لا يطغوا في الميزان قا تعالى { أن لا تطغوا في الميزان }

وأما :

(تطغوا )

[ وكل شيئ زاد عن حده فقد طغى –  معجم ألفاظ القرآن باب الطاء فصل الين والياء ] قال تعالى { إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية – الحاقة 11 } وقال تعالى في الريح لما زادت عن حدها { وأما ثمود فأهلكناهم بالطاغية – الحاقة 5 } ومن آثر الحياة الدنيا وعمل لها فقط فقد طغى كما في قوله تعالى { فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هى المأوى – النازعات 37}  وهنا الأمر من الله تعالى بعدم الإسراف في بخس الميزان وذلك لأنه هنا قد انتقل من درك بخس الميزان إلى درك أسفل منه في جهنم وهو الطغيان قال تعالى : { لا تطغوا في الميزان} بمعنى ألا تظلموا وتبخسوا في الوزن وهذا طغيان قال تعالى في النهى عن الإسراف في الطعام والرزق والإعتدال والوسطية في كل شيئ { كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى – طه 81 }

وأما :

(الميزان)

وهنا يأمر الله تعالى بالقسط في الميزان : {وأوفوا الكيل والميزان بالقسط- الأنعام 152}

ويقول لذلك نبي الله شعيباً إلى قومه : {ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين – هود 85} وبالتالي النهي عن الخسران في الميزان { وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان – الرحمن 9} والخسران في حق المشتري والطغيان هنا في قوله تعالى { ولا تطغوا في الميزان } من أعمال البائع فهو طغيان من البائع وخسران للمشتري كما بين كتاب الله تعالى .

ثم يقول تعالى :

  • وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان (9)

وهنا :

(وأقيموا)

وهنا [ قام بالأمر بمعنى نهض بأعبائه كاملة وعزم عليه أو أسرع تناوله – معجم ألفاظ القرآن باب القاففصل الواو والميم ] .قال تعالى في النهوض بالصلاة بأركانها وشرائطها  { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله – النور 56} وقال تعالى في النهوض للصلاة بالمساجد : { وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد – الأعراف 29 } وقال تعالىفي النهوض بالدين والولاية لله الحق وعدم التفرق في الدين : { أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه – الشورى 13 } وقال تعالى هنا في الأمر بالقيام على الوزن بالقسط وعدم بخس الميزان { وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان – الرحمن 9 }

وأما :

(الوزن بالقسط)

أي أنه قال تعالى {   وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون – الأنعام 152 } وذلك أمر الله تعالى الذي أنزله بالقسط في كتبه الكريمة وخاتمها القرآن الكريم { لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز – الحديد 25 } . ومن القسط هنا امتثالاً لأمر الله تعالى القسط والعدل بالميزان كما في قوله تعالى { وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان }

وأما :

(ولا تخسروا الميزان)

[ وخسران الميزان والمكيال : أدخل على الكيل والوزن النقص فهو مخسر وهم مخسرون – معجم ألفاظ القرآن باب الخاء فصل السين والراء ] . قال تعالى { وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان } والويل لمن بخس الميزان أو طفف الميزان لصالحة بخساً من حقوق المشتري قال تعالى { ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون أفلا يظن أولائك أنهم مبعوثون إلى يوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين – المطففين } .

ثم يقول تعالى :

  • والأرض وضعها للأنام (10)

وهنا :

(والأرض)

أي أنه تعالى يبين أن السماوات والأرض كانتا رتق قطعة واحدة ففتقها الله تعالى كما في قوله تعالى { أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ – الأنبياء 30 } فلما فتقهما الله تعالى رفع السماء ووضع الأرض للأنام كما في قوله تعالى هنا { والسماء رفعها ووضع الميزان – الرحمن 7} وعن الأرض قال تعالى هنا { والأرض وضعها للأنام – الرحمن 10 } . وهذه الأرض سيسكنها الإنسان ويستعمرها إلى حين أي أنها ليست دار بقاء واستمرار قال تعالى { ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين – البقرة 36 }

وأما :

 (وضعها)

والوضع دائماً يكون الحط إلى أسفل لقوله تعالى { أو كنتم مرضى أن تضعواأسلحتكم – النساء 102}  { فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى – آل عمران 36 }   ومن هنا يتبين لنا أن رفع السماء كان إلى أعلى والأرض وضعت لأسفل .لذلك قال تعالى { والأرض وضعها للأنام}

وأما :

(الأنام)

[ والأنام : الخلق معجم ألفاظ القرآن باب الهمزة فصل النون والميم ] .قال تعالى { والأرض وضعها للأنام – الرحمن 10 }  وهذا من الألفاظ التي ليس لها مرادف في كتاب الله والخلق قال تعالى فيه هنا { الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها – الزمر 42 } أي أن الله تعالى حي لا يموت ولا تأخذه سنة ولا نوم وقد  كتب الوفاة والنوم على الخلائق والأنفس والله تعالى لا تأخذه سنة ولا نوم قال تعالى { الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم – البقرة } . ولذلك قال تعالى هنا أنه وضع الأرض لهذه الخلائق التي كتب عليهم فيها الموت والنوم قال تعالى لذلك هنا { والأرض وضعها للأنام } .

ثم يقول تعالى :

  • فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام (11)

وهنا :

(فيها فاكهة)

وهذه الفاكهة والزروع من دواعي التفكر للإيمان بالله تعالى قال عز وجل { فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا وَقَضْبًا وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا وَحَدَائِقَ غُلْبًا وَفَاكِهَةً وَأَبًّا مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ الواقعة 24-32} وهذه هى فاكهة الدنيا وعن فاكهة الآخرة التي لا يعرف منها سوى الإسم فقط كما  قال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما قال تعالى  في أصحاب الجنة وهم أصحاب اليمين { إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُم مَّا يَدَّعُونَ سَلَامٌ قَوْلًا مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ  يس 55-58 } وهذه الجنة ورثوها بأعمالهم الصالحة وإيامنهم بالله تعالى وولايته الحق قال تعالى : { وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ لكم فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِّنْهَا تَأْكُلُونَ – الزخرف 72-73 }.

وأما :

( والنخل)

[ والنخل : شجر الرطب والتمر وواحدتها نخلة والجمع النخل ونخيل – معجم ألفاظ القرآن باب النون فصل الخاء واللام ] قال تعالى { وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ – الرعد 4 } و [ الصنوان : هي الأصول المجتمعة في منبت واحد ، كالرمان والتين وبعض النخيل ، ونحو ذلك وغير الصنوان : ما كان على أصل واحد ، كسائر الأشجار- تفسير القرآن العظيم لابن كثير ] . والنخل والفاكهة ذات أكمام قال تعالى { والنخل ذات الأكمام} .

وأما :

(ذات الأكمام)

[ والكِم : الغلاف بغطى الثمر والحب في الشجر والنخل والزرع والزروع وجمعه أكمام – معجم ألفاظ القرآن باب الكاف فصل الميم والميم ] . قال تعالى { إليه يرد علم الساعة وما تخرج من ثمرات من أكمامها وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه ويوم يناديهم أين شركائي قالوا آذناك ما منا من شهيد – فصلت 47 } . ومن أكمامها أي [ وما تخرج من ثمرات من أوعيتها – التفسير الميسر ] .

ثم يقول تعالى :

  • والحب ذو العصف والريحان (12)

وهنا :

(والحب)

[ والحب : بفتح الحاء :إسم جنس للحنطة وغيرها ممن يكون في السنبل والأكمام والواحدة : حبه – معجم ألفاظ القرآن باب الحاء فصل الباء والباء ] .قال تعالى { وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ۗ انظُرُوا إِلَىٰ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكُمْ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ – الأنعام 99 } أي أن [ الله سبحانه هو الذي أنزل من السحاب مطرًا فأخرج به نبات كل شيء, فأخرج من النبات زرعًا وشجرًا أخضر, ثم أخرج من الزرع حَبًّا يركب بعضه بعضًا, كسنابل القمح والشعير والأرز, وأخرج من طلع النخل -وهو ما تنشأ فيه عذوق الرطب- عذوقًا قريبة التناول, وأخرج سبحانه بساتين من أعناب, وأخرج شجر الزيتون والرمان الذي يتشابه في ورقه ويختلف في ثمره شكلا وطعمًا وطبعًا. انظروا أيها الناس إلى ثمر هذا النبات إذا أثمر, وإلى نضجه وبلوغه حين يبلغ. إن في ذلكم – أيها الناس – لدلالات على كمال قدرة خالق هذه الأشياء وحكمته ورحمته لقوم يصدقون به تعالى ويعملون بشرعه – التفسير الميسر ] . وهنا يبين تعالى أن هذا الحب المتراكب ذو عصف في قوله تعالى { وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ – الرحمن } أي [  الحب ذو القشر؛ رزقًا لكم ولأنعامكم, وفيها كل نبت طيب الرائحة – التفسير الميسر ] .

وقال تعالى مبيناً قدرته تعالى على الخلق ليؤمن به تعالى من آمن ويزداد الذين آمنوا إيمانا قال تعالى : { فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ  أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا وَقَضْبًا وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا  وَحَدَائِقَ غُلْبًا وَأَبًّا مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ – عبس 23 -32} ثم يبين تعالى كذلك خروج الناس من الأرض يوم القيامة كالزرع وحصاده قال تعالى : { وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ رِّزْقًا لِّلْعِبَادِ ۖ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا ۚ كَذَٰلِكَ الْخُرُوجُ – ق 9-11 }

وأما :

(ذو العصف)

[ والعصف : الحطام المتكسر من البيت والعاصف ما يحطمه عصف الريح – المعجم باب العين فصل الصاد والفاء ] قال تعالى { فجعلهم كعصف مأكول – الفيل 5 }أي أن الحب ذو العصف المتكسر من القشور والأكمام المغلفة للحبوب كاحنطة والأرز والشعير وماشابه قال تعالى هنا { والحب ذو العصف والريحان – الرحمن } .

وأما :

(والريحان)

[ الريحان : كل مشموم طيب الريح والريحان : الرزق – معجم ألفاظ القرآن باب الراء فصل الواو والحاء ] قال تعالى { فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ وَأَمَّا إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ – الواقعة 91 }

وفي التفسير [ { وَٱلْحَبُّ ذُو ٱلْعَصْفِ وَٱلرَّيْحَانُ } ، قال: “الحب: الحنطة و الشعير و الحبوب، و العصف: التين، و الريحان: ما يؤكل منه، – البرهان للسيد هاشم البحراني ] .

ثم يقول تعالى :

  • فبأي ألآء ربكما تكذبان (13)

أي [ فبأي نِعَم ربكما الدينية والدنيوية – يا معشر الجن والإنس- تكذِّبان ؟ وما أحسن جواب الجن حين تلا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم هذه السورة, فكلما مر بهذه الآية, قالوا: “ولا بشيء من آلائك ربَّنا نكذب, فلك الحمد”, وهكذا ينبغي للعبد إذا تليت عليه نعم الله وآلاؤه, أن يُقرَّ بها, ويشكر الله ويحمده عليها – التفسير الميسر ] .

[ عن ابن عمر، قال: إن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قرأ سورة الرحمن، أو قُرئت عنده، فقال ” ما لِيَ أسْمَعُ الجنّ أحْسَنَ جَوَابا لِرَبِّها مِنْكُمْ ؟ ” قالوا: ماذا يا رسول الله ؟ قال: ” ما أتَيْتُ على قَوْلِ اللهِ: (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) ؟ إلا قالت الجنّ: لا بِشَيْءٍ مِنْ نِعْمَةِ رَبِّنا نُكَذّبُ .” – تفسير الطبري ]

وفي تفسير البرهان [ و قوله تعالى: { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } ، قال: “في الظاهر مخاطبة للجن و الإنس، و في الباطن فلان و فلان”. – البرهان للسيد هاشك البحراني ]

وفي تفسير معالم التنزيل للبغوي [ .. أيها الثقلان، يريد من هذه الأشياء المذكورة وكرّر هذه الآية في هذه السورة تقريراً للنّعمة وتأكيداً في التذكير بها على عادة العرب في الإِبلاغ والإِشباع، يعدّد على الخلق آلاءه، ويفصل بين كل نعمتين بما ينبههم عليها، كقول الرجل لمن أحسن إليه وتابع عليه بالأيادي وهو ينكرها ويكفرها: ألم تكن فقيراً فأغنيتك أفتنكر هذا؟ ألم تكن عرياناً فكسوتك أفتنكر هذا؟ ألم تك خاملاً؟ فعززتك أفتنكر هذا؟ ومثل هذا التكرار شائع في كلام العرب حسنٌ تقريراً. وقيل: خاطب بلفظ التثنية على عادة العرب تخاطب الواحد بلفظ التثنية كقوله تعالى { أَلْقِيَا فِى جَهَنَّمَ- ق 24 } .. – معالم التنزيل للبغوي ] .

هذه الآية تكررت في هذه السورة الكريمة 31 مرة

[الآيات رقم : (13)&(16)&(18)&(21)&(23)&(25)&(28)&(30)&

(32)&(34)&(36)&(38)&(40)&(42)&(45)&(47)&(49)&(51)&(53)&(55)&(57)&(59)&(61)&(63)&(65)&(67)&(69)&(71)&(73)&(75) & (77) ] .

التفسير :

(فبأي)

ورد هذا اللفظ في قوله تعالى عن الكفار والمنافقين أولم ينظروا في خلق السماوات والأرض  وهذه آيات مشاهدة بالعين وقد أنزل آيات بينات تدل على ذلك فبأي حديث بعد القرآن الكريم سيؤمنون قال تعالى : { أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون – الأعراف 185} وقال تعالى أيضاً { تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون – الجاثية 6 } والويل لهؤلاء كما في قوله تعالى : { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُم مُّجْرِمُونَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ – المرسلات 46-50} . ولورد هذا اللفظ على كفار قريش الأولى الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وآله فهنا وجه من وجوه التفسير وضحه أهل البيت في تفاسيرهم أنهما رجلين من قريش كما في تفسير البرهان [ و قوله تعالى: { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } ، قال : “في الظاهر مخاطبة للجن و الإنس ، و في الباطن فلان و فلان ”. – البرهان للسيد هاشم البحراني ] . ولذلك يقول تعالى في هذين الرجلين { وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ۗ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا – الفرقان 27-30 } وهنا يبين تعالى أنهما رجلين من قريش رجل وخليله من الإنس وكليهما له قرينه من الجن كما في قوله تعالى { وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ۚ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ – الأنعام 112 } . ولذلك الآية هنا في التكذيب وردت بألف الأثنين لكلا الرجلين وكلا من عالمين الإنس والجن كما في قوله تعالى عنهم في يوم الحساب{ ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس و قال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم – الأنعام 128 } وهنا يقول تعالى لهما { فبأي ألآء ربكما تكذبان}

وأما :

(آلاء)

وأما : [ والألآء : النعم وواحدها ألو كدلو أو ألاً كرحا أو إلىً – معجم ألفاظ القرآن باب الهمزة فصل اللام والواو ] .قال تعالى { أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون – الأعراف 69 } . وألآء الله هنا نعمه وأولها نعمة الهداية لكتابه الكريم والإيمان به تعالى وبرسوله لذلك قال تعالى { واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب – البقرة 231 } والآلاء مافوق النعم  والآلاء جزاء الطاعة والولاية في الآخرة أيضاَ وبالتالي فهى نعم متصلة بين الدنيا والآخرة ومن آلاء الله تعالى ميراث الأرض من بعد هلاك الظالمين قال تعالى : { واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين – الأعراف 74 } . ولمن جادلوا بالباطل يقول تعالى في نعمه الكثيرة المتواصلة في الدنيا ثم الآخرة : { فبأي آلاء ربك تتمارى – النجم 55 } .

(ربكما)

وهنا ربكما بألف الأثنين تبين أنه رب الإنس والجن لما حدث بين آدم وإبليس لما وسوس له فأخرجه من الجنة كما في قوله تعالى : { فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين – الأعراف 20 } وكذلك في الدنيا ورد لفظ ربكما في حديث نبي الله موسى وهارون مع فرعون ومن وراءه من قرناء وشياطين جن حيث قال فرعون { قال فمن ربكما ياموسى – طه 49 }

ولذلك الحديث هنا بألف الأثنين عن كفار ومنافقي الإنس والجن لذلك الآيات تحدثت بعد ذلك عن خلقهما كما في الآية هنا : { فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّار فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ – الرحمن 13- 16} .

وأما :

(تكذبان)

التكذيب ترك في كتاب الله فلم يقل أحد من الخلق بكذب كتاب الله قال تعالى في بني إسرائيل لما تركوا العمل بكتاب ربهم وهم مكلفون بحمله ووصفهم بأنهم مكذبين بآيات الله قال تعالى { مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ۚ بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ – الجمعة 5 } .

تكرار الآية هنا في استنكار الله تبارك وتعالى كفر الخلق في الآية هنا { فبأي ألاء ربكما تكذبان } 31 مرة تبين أن هناك 31 جريمة في حق الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام والمسلمين منذ بعثة رسول الله صلى الله عليه وآله حتى قيام الساعة ووصول الناس إلى أدنى درك أخلاقي وديني تقوم معه الساعة ومع كل جريمة يذكرهم الله تبارك وتعالى مستنكراً عليهم كفرهم بآلاء الله تعالى ونعمه عز وجل {فبأي ألاء ربكما تكذبان} .

ثم يقول تعالى :

  • خلق الإنسان من صلصال كالفخار (14)

وهنا :

خلق الإنسان

وهنا يبين تعالى أنه بدأ خلق الإنسان من طين قال تعالى {الذي أحسن كل شيئ خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين – السجدة 7} ثم جعل الله تعالى سلالة له قال تعالى فيها { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين – المؤمنون 12}

ثم جعل نسل هذه السلالة من نطفة ذكر وأنثى لذلك قال تعالى { ثم جعل نسله ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ – السجدة  8 } وقال تعالى { خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين – النحل 4 }

وخلق الإنسان من نطفة ثم من مضغة ثم من علقة في قوله تعالى { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ  – الحج5 }

وقال تعالى   { ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ – المؤمنون 14 } وهنا يبين تعالى أن هذا الإنسان علمه الله تعالى البيان قال تعالى { خلق الإنسان علمه البيان } كما بينا من قبل  .

وأما :

(من صلصال)

[ وصل الحديد والحلي : إذا توهمت في صوته حكاية صل فإن توهمت ترجيعاً قلت صلصل  فالصلصلة صوت مضاعف أشد من الصليل وكل يابس يصلصل والصلصال كل ماجف من الطين قبل أن تصيب النار فيصير فخاراً وخزفاً فهو طين يابس يصلصل من يبسه – معجم ألفاظ القرآن باب الصاد فصل اللام والصاد واللام ] .

وهذا الطين هنا له صلصلة كما في قوله تعالى { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ  وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ – الحجر26-28 } وصلصال أي [ ولقد خلقنا آدم مِن طين يابس إذا نُقِر عليه سُمع له صوت, وهذا الطين اليابس من طين أسود متغيِّر لونه وريحه; مِن طول مكثه – التفسير الميسر ] . وهذا الصلصال هنا كالفخار قال تعالى { من صلصال كالفخار} .

وأما :

(ك)

الكاف هنا للتشبيه كقوله تعالى { فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم – الشعراء 63 } وقال تعالى { ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام – الشورى 32 } وهكذا هنا خلق الله تعالى الإنسان من صلصال كالفخار بما يعني أن وجه الشبه في الإسم والمادة وكلاهما مختلف عن الآخر ولكن هذا يشبه هذا قال تعالى { خلق الإنسان من صلصال كالفخار } .

وأما :

(الفخار)

[ الفخار : الضرب من الخزف يرده الراغب في معنى المادة لصوته عند النقر – معجم ألفاظ القرآن باب الفاء فصل الخاء والراء ] . وهذا اللفظ ممن لا مرادف له في كتاب الله قال تعالى { خلق الإنسان من صلصال كالفخار } .

 ثم يقول تعالى :

  • وخلق الجان من مارج من نار (15)

وهنا :

(وخلق الجان من مارج من نار)

أي أنه يقول تعالى { والجان خلقناه من قبل من نار السموم – الحجر 27 } .

وأما :

(من مارج)

[ والمارج : الشعلة الساطعة ذات اللهبوقيل في تفسيرها هى اللهب الصافي الذي لا دخان فيه أو هو اللهب المختلط بسواد النار واشتقاق من مرج الأمر : اختلط لما فيه من معاني اختلاط العناصر – معجم ألفاظ القرآن باب الميم فصل الراء والجيم ] وفي معجم  مجمع البحرين [ قيل هو طرف النار المختلط بدخان – مجمع البحرين للطريحي كتاب الجيم وماأوله ميم ] .  والمختلط بالدخان هو الأرجح قال تعالى { فهم في أمر مريج – ق 5 } . وهذا الإختلاط والإختلاف ناتج عن تدخل الجن بالوسوسة وهم مخلوقون من مارج من نار كما في الآية هنا { وخلق الجان من مارج من نار – الرحمن 15 } .

وفي خلق هذا الجنس من مخلوقات الله تعالى الغير مرئية لبني آدم [ ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) إن الله تعالى لما خلق نار السموم وهى نار لا حر لها ولا دخان فخلق منها الجان فذلك معنى قوله تعالى { والجان خلقناه من قبل من نار السموم} وسماه مارجاً وخلق منها زوجة وسماها مارجة فوقعها فولدت الجان ثم ولد الجان ولداً أسماه الجن ومنه تفرعت قبائل الجن ومنهم إبليس اللعين وكان يولد للجان الذكر والأنثى ويولد الجن توأمين فصاروا تسعين ألفاً ذكر وأنثى وازدادوا حتى بلغوا عدد الرمال – البرهان للسيد هاشم البحراني ج4 ص 515 تفسير سورة الرحمن – طبعة الهادي – بيروت ] .

ثم يقول تعالى لكلا الجنسين الإنس والجن :

  • فبأي ألآء ربكما تكذبان (16)

سبق بيانها :

ثم يقول تعالى :

  • رب المشرقين ورب المغربين (17)

وهنا حيث أن القرآن نزل بمكة فتكون مكة المكرمة والحجاز مركز الأرض شرقها وغربها بالمفرد في قوله تعالى { رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا – المزمل 9 } فيكون على اليمين خط طول والغرب خط طول آخر

والآية هنا { رب المشرقين ورب المغربين – الرحمن 17 } فيكون هناك خطين طول شرقا وخطين غرباً  وهما خطوط رئيسية وخطوط أخرى طولية لذلكك يقول تعالى { فلا أقسم برب المشارق  المغارب إنا لقادرون – المعارج 40 }

 انظر الصورة وقد أثبت العلم الحديث بأن مكة المكرمة مركز العالم كما أثبت القرآن الكريم ذلك وبالتالي شرقها خطوط طول وكذلك غربها كما بين القرآن الكريم :

 

 ثم يقول تعالى :

  • فبأي ألآء ربكما تكذبان (18)

سبق تفصيلها من قبل

ثم يقول تعالى :

  • مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان (19)

[عن ابن عباس قال‏:‏ المرجان عظام اللؤلؤ‏.‏وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عليّ بن أبي طالب قال‏:‏ المرجان عظام اللؤلؤ‏.‏.. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله ‏ {‏مرج البحرين يلتقيان‏} ‏ قال عليَّ وفاطمة ‏ {‏بينهما برزخ لا يبغيان‏} ‏ قال‏:‏ النبي صلى الله عليه وسلم “‏{‏يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان‏}‏ قال‏: ‏الحسن والحسين‏” ‏‏.‏ وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك في قوله ‏{‏مرج البحرين يلتقيان‏}‏ قال‏:‏ عليَّ وفاطمة ‏ {‏يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان‏}‏ قال‏:‏ الحسن والحسين‏ -الدر المنثور للسيوطي ] .

[روي عن سلمان الفارسي وسعيد بن جبير وسفيان الثوري أن البحرين علي وفاطمة عليهما السلام بينهما برزخ محمد صلى الله عليه وسلم يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان الحسن والحسين عليهما السلام ولا غرو أن يكونا بحرين لسعة فضلهما وكثرة خيرهما فإن البحر إنما يسمى بحراً لسعته وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لفرس ركبه وأجراه فأحمده وجدته بحر أي كثير المعاني الحميدة.- مجمع البحرين للطبرسي ] .

وهنا :

(مرج البحرين)

[ أي أختلط ] ولذلك يقول تعالى { بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج – ق 5} [ ومرج البحرين بمعنة : أطلقهما – معجم ألفاظ القرآن باب الميم فصل الراء والجيم ] قال تعالى في بيان أن البحرين نوعين مختلفين من المياة قال تعالى فيهما : { وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا – الفرقان 53 } . وحيث أنهما مختلفين الشيئ وضده كما في قوله تعالى { ومن كل شيئ خلقنا زوجين لعلكم تذكرون – الذاريات 49 } ومن هذه الأزواج هنا العذب الفرات والملح الأجاج والذكر والأنثى وحيث أن البحر عذبه وملحه ماء والماء قال تعالى فيه { وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا – الفرقان 54 } أي [وهو الذي خلق مِن منيِّ الرجل والمرأة ذرية ذكورًا وإناثًا، فنشأ من هذا قرابة النسب وقرابة المصاهرة. وكان ربك قديرًا على خلق ما يشاء.- التفسير الميسر ] . وهنا يقول صلى الله عليه وآله  خير النسب نسبي وخير الصهر صهري .. الحديث ] قال اللهُ تعالى: {فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ – المؤمنون 101 }    أي : فلا يَتواصَلون بأنسابهم، ولا يتساءَلون، ولا يتزاوَرون  إلَّا نَسَب النبي صلى الله عليه وآله  وصِهرِه  أي : يُنتفَعُ يَومَئذٍ بالنِّسبةِ إليه ، ولا يُنتفَعُ بسائِرِ الأنسابِ و”كُلُّ نَسَبٍ وصِهْرٍ” النَّسَبُ : ما رُفِعَ إلى وِلادةٍ قَريبةٍ من قِبَلِ الآباءِ، والصِّهرُ : ما كان من خُلطةٍ تُشبِهُ القَرابةَ بسَببِ التزوُّجِ، ويُطلَقُ على الزَّوجِ وأقارِبِه وأقاربِ المرأةِ: أصهارٌ، “يَنقطِعُ يومَ القِيامَةِ” ] وهنا النسب والصهر الإمام علي والسيدة فاطمة عليهما السلام . فيكون ظاهر المعنى للآية الكريمة التقاء الماء العذب الفرات والملح الأجاج وباطن المعنى علي وفاطمة كما في الأحاديث التي ذكرناها آنفاً .

وأما :

(يلتقيان)

[ ولاقاه : يأتي بمعنى قابله أو لقيه – معجم ألفاظ القرآن باب اللام فصل القاف والياء ] قال تعالى { وفجرنا الأرض عيوناً فالتقى الماء على شيئ قد قدر – القمر 12 } وهذا يعني التقاء ماءي السماء والأرض والعذب و والفرات حتى أغرقت الأرض فلما استقرت أصبح هناك الماء العذب والأجاج بالبحار وبينهما برزخ قال تعالى هنا { مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان – الرحمن } وهذا ظاهر المعنى  وباطنه حدده ورود هذا اللفظ في قوله تعالى { فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه – البقرة 37 }

ورد عن هذه الكلمات أنها [ لا إله إلاأنت سبحانك اللهم وبحمدك عملت سوءاً وظلمت نفسي فاغفر لي وارحمني – نور الثقلين ص 67 ] .

و [ أخرج الطبراني في المعجم الصغير والحاكم وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل وابن عساكر عن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” لما أذنب آدم الذنب الذي أذنبه، رفع رأسه إلى السماء فقال: أسألك بحق محمد إلا غفرت لي؟ فأوحى الله إليه: ومن محمد؟ فقال: تبارك اسمك. لما خلقتني رفعت رأسي إلى عرشك فإذا فيه مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله فعلمت أنه ليس أحد أعظم عندك قدراً ممن جعلت اسمه مع اسمك. فأوحى الله إليه: يا آدم انه آخر النبين من ذريتك، ولولا هو ما خلقتك” …. وأخرج ابن النجار عن ابن عباس قال “سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه قال: سأل بحق محمد، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين، إلا تبت علي فتاب عليه” .– الدر المنثور للسيوطي ] .

وأما :

(بينهما برزخ)

[ البرزخ : الحاجز بين الشيئين – معجم ألفاظ القرآن باب الباء فصل الراء و الزاي والخاء ] قال تعالى {  وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا الفرقان 53 } .

وأما :

(لا يبغيان)

[ والبغي : الكبر و الظلم والفساد أو هو كل مجاوزةٍ وإفراط على المقدار الذي هو حد الشيئ – معجم ألفاظ القرآن باب الباء فصل الغين والياء ] قال تعالى { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ – الرحمن 9 } وهذا البغي ليس من صفات المؤمنين لقوله تعالى { وإن كثيراً من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا اللذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ماهم – ص 24 }  واللذين آمنوا وعملوا الصالحات هم المسلمين الذين أسلموا لله تعالى والإسلام يقوم على الحنيفية والوصية الإبراهيمية فكل نبي يوصي لمن بعده حتى رسول الله صلى الله عليه وآله الذي أمر أن يوصي بالأئمة من أهل بيته عليهم السلام . وهنا نكون قد وصلنا لنفس المعاني السالفة . أن باطن المعني عليا وفاطمة وكلاهما استشهد على يد الظلمة من هذه الأمة لذلك قال تعالى مرة أخرى { فبأي ألآء ربكما تكذبان- الرحمن 20 } .

ثم يقول تعالى :

  • فبأي ألآء ربكما تكذبان (20)

بينا هذه الآية من قبل :

ثم يقول تعالى :

  • يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان (21)

وهنا :

(يخرج)

والخروج هنا كلفظ ورد في قوله تعالى عن خلق الإنسان من نطفتي الذكر والأنثى { فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ إِنَّهُ عَلَىٰ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ – الطارق 5-8 } أي أن ظاهر المعنى للآية الكريمة خروج اللؤلؤ و المرجان من البحار والأنهار والباطن كوجه آخر من وجوه التفسير ذرية من بني آدم شبههم الله تعالى باللؤلؤ والمرجان لذلك قال تعالى { والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً – النحل 78 } وآخر خروج لهؤلاء الأئمة إماماً أطلق القرآن الكريم عليه دابة الأرض في قوله تعالى { وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون – النمل 82 }.

[ ( انتهى رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أمير المؤمنين عليه السلام وهو نائم في المسجد ، قد جمع رملا ووضع رأسه عليه ، فحركه برجله ثم قال : ( قم يا دابة الله . فقال رجل من أصحابه : يا رسول الله ، أيسمي بعضنا بعضا بهذا الاسم ؟ فقال : لا والله ما هو إلا له خاصة ، وهو الدابة التي ذكر الله في كتابه ( وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الارض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون ) ثم قال : يا علي ، إذا كان آخر الزمان أخرجك الله في أحسن صورة ومعك ميسم تسم به أعداءك ) * ـ

( أنا قسيم الجنة والنار ، لا يدخلها داخل إلا على أحد قسمين ، ولقد أعطيت الست : علم المنايا والبلايا ، والوصايا ، والانساب ، وفصل الخطاب . وإني لصاحب الكرات ودولة الدول ، وإني لصاحب العصا والميسم ، والدابة التي تكلم الناس) *

* : بصائر الدرجات : ص 199 ب 9 ح 1 حدثنا علي بن حسان قال : حدثني أ بوعبدالله ] .

وهنا نكون قد أثبتنا بأن اللؤلؤء والمرجان الأئمة من ذرية الإمام علي والسيدة فاطمة عليهما السلام .

وأما :

(منهما)

وهذا اللفظ يثبت أيضاً أنهما زوجين كإثباتاً لما ذكرناه من قبل لذلك يقول تعالى

{ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا- النساء 1} .وقال تعالى في الرضاع والفصال (الفطام) { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير – البقرة 233 }

وورد على أنه القرآن الكريم وهو اهدى من الكتب من قبله لقوله تعالى { قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين – القصص 49} كما ورد على نبياً من أنبياء الله يعلم علم التأويل وهو نبي الله يوسف عليه السلام كما في قوله تعالى { وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون –يوسف 45} وهنا يشير القرآن إلى أن دابة الأرض فيه سنة من نبي الله يوسف كما في المرويات التي أشارت إلى ذلك وقد يسجن لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين – يوسف 42 } .

ولذلك في المرويات مصر آخر الزمان تكون منبراً للإمام المهدي (عليه السلام) وقال تعالى في ذلك { نَتْلُو عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَىٰ وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ – القصص 1-6 } .

وأما :

( اللؤلؤ والمرجان)

[ والمرجان : صغار اللؤلؤ وقيل عظامها وواحدته مرجانه – معجم ألفاظ القرآن باب الميم فصل الراءوالجيم والنون ] قال تعالى في نساء أهل الجنة { كأنهن الياقوت والمرجان – الرحمن 58} وفي ولدان أهل الجنة والسقاة على الحوض  قال تعالى { يطوف عليهم ولدان مخلون إذا رأيتهم كأنهم لؤلؤ مكنون – الطور 24 } . ومعلوم أن السقاة على الحوض سيدنا رسول الله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام الذكور فيهم كأنهم لؤلؤ ومرجان وهو صغار اللؤلؤ بما يشير إللى أنهما الحسن والحسين عليهما السلام والمرجان المقترن بالياقوت يشير إلى نساء أهل البيت (عليهم السلام) كأنهن الياقوت والمرجان ويكون هنا ظاهر المعنى خروج اللؤلؤ والمرجان من البحار والأنهار وباطن المعنى كوجه من وجوه التفسير هما الحسن والحسين وأهل البيت عليهم السلام كما أخبرت الروايات في تفسير الدر المنثور وفي مذهب أهل البيت (عليهم السلام) .

ثم يقول تعالى :

  • فبأي ألآء ربكما تكذبان (22)

سبق أن بينا هذه الآية من قبل والمعنى هنا { فبأي ألآء ربكما تكذبان } أي بأي ألآء ربكما تكذبان بمناقب أهل بيت النبي وإمامتهم وولايتهم (عليهم السلام) .

ثم يقول تعالى :

  • وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام (23)

وهنا :

(وله)

أي أنه يقول تعالى له الملك في السماوات والأرض كما في قوله تعالى { يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير – التغابن 1} ويقول تعالى أيضاً { وله من في السماوات والأرض كل له قانتون  -الروم 26 } وله كل شيئ كما في قوله تعالى { إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين – النمل 91 } وله تعالى ماسكن في الليل والنهار كما في قوله تعالى { وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم – الأنعام 31 } وهذه المخلوقات جماداتها أنفسها وزروعها وكل مخلوقاتها تسبح لله تعالى كما في قوله عز وجل {تسبح له السماوات والأرض ومن فيهن – الإسراء 44 } وتسجد له هذه المخلوقات كلها بين السماوات والأرض قال تعالى { ولله يسجد من في السماوات وما في الأرض من دابة – النحل 49 } وهنا لله أي له تعالى أسلم من في السماوات والأرض كما في قوله تعالى { أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون – آل عمران 83 }.

وهنا يبين تعالى أن له عز وجل أن الله تعالى مما خلق الجوار المنشآت في البحر كالأعلام وهى تصلي وتسبح بحمد لله كما في قوله تعالى {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا – الإسراء 44} وقال تعالى أيضاً {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ – الحج 18 } من المسبحات المصليات هنا الفلك وهى الجواري في البحر كالأعلام قال تعالى { وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام } .

وأما :

(الجوار المنشآت في البحر)

[ وجرى : مر سريعاً ويقال جرت السفينة وجرى الماء يجري جرياً فهو جارٍ وهى جارية – معجم ألفاظ القرآن باب الجيم فصل الراء والياء ] . قال تعالى { إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون – البقرة 164} والفك تجري في البحر بريح طيبة قال تعالى فيها { هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين –يونس 22} وجري هذه الفلك بتسخير من الله تعالى للإنسان كما في قوله تعالى { ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض والفلك تجري في البحر بأمره ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه إن الله بالناس لرءوف رحيم – الحج 65 } وهذه نعمة منه تعالى قال فيها { ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمة الله ليريكم من آياته إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور – لقمان 31 }  ويبين تعالى لنا آداب ركوب الفلك المسخرة بأمر الله لابد وأن تذكر الله تعالى عليها لمباركة سيرها بإذن الله قال تعالى { ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمة الله ليريكم من آياته إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور – لقمان 31 } .

وأما :

(المنشآت)

[ ونشأ : ارتفع ونشأ إلى عمله : قام ونهض إليه وهو من الإرتفاع – معجم ألفاظ القرآن باب النون فصل الشين والهمزة ] . قال تعالى الشجر ومنه تصنع الفلك قال تعالى { أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون – الواقعة 72 }  وقال تعالى في نشأة الإناث { أومن ينشوء في الحلية وهو في الخصام غير مبين – الزخرف 18} والمنشآت هنا المصنوعة بشراعها والتي تمخر عباب البحر كالأعلام المشرعة .

قال تعالى { وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام } .

وأما :

(كالأعلام)

[ والأعلام : جمع علم وهو ما يعرف به الشيئ أو الشخص كعلم الطريق وعلم الجيش وسمى الجبل علم لذلك – معجم ألفاظ القرآن باب العين اللام فصل والميم ] . قال تعالى { وعلامات وبالنجم هم يهتدون – النحل 16} . وهذه الفلك هنا التي تجري في البحر كالأعلام جعلها الله تعالى آية من آياته كما في قوله تعالى { وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالأعْلامِ – الشورى 32 } .

ثم يقول تعالى لذلك :

  • فبأي ألآء ربكما تكذبان (25)

ثم يقول تعالى :

  • كل من عليها فان (26)

وهنا :

(كل)

ورد هذا اللفظ في قوله تعالى { كل شيئ هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون – القصص 88} أي أن الكمة تؤدي لنفس معنى الآية هنا { كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام –الرحمن 26-27} .

وأما :

(من عليها)

وهنا يقول تعالى  { وإنا لجاعلون ما عليها صعيداً جرزا – الكهف 8 } فإذا نفخ في الصور فصعق من في السماوات والأرض ورثها الله تبارك وتعالى بعد فناء الخلائق قال تعالى  { إنا نحن نرث الأرض و من عليها وإلينا يرجعون – مريم 40 } و هذا الميراث تعالى هنا قال تعالى فيه : { كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام الرحمن } .

وأما :

(فان)

[ من الحسي شجرة فنواء : ذهبت أفنائها في كل شيئ  والفناء : ما امتد مع الدار من جوانبها ومع الذهاب والإمتداد يكون الإنقطاع والتبدد في قولهم فنى كعلم فناء فهو فان : ذهب وانقطع وأفناه أذهبه وقطعه وقد ورد منها إسم الفاعل ممرة في قوله تعالى { كل من عليها فان } – معجم ألفاظ القرآن باب الفاء فصل اانون والياء ] . وهذا من الألفاظ التي ليس لها مرادف من المتشابهات يبينه في كتاب الله .

ثم يقول تعالى

  • ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرم (27)

ورد في تفاسير أهل البيت عليهم السلام في تفسير هذه الآية [ نحن وجه الله الذي يؤتى منه ]

[عن علي بن إبراهيم، قوله تعالى: { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ } قال: من على وجه الأرض { وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ } قال: دين ربك، وقال علي بن الحسين (عليهما السلام): “نحن الوجه الذي يؤتى الله منه”.
–  حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن عبد السلام بن صالح الهروي، قال: قلت لعلي بن موسى الرضا (عليه السلام): يا بن رسول الله، فما معنى الخبر الذي رووه أن ثواب لا إله إلا الله النظر إلى وجه الله تعالى؟ فقال (عليه السلام) : “يا أبا الصلت، من وصف الله تعالى بوجه كالوجوه فقد كفر، و لكن وجه الله تعالى أنبياؤه و رسله و حججه (صلوات الله عليهم) هم الذين بهم يتوجه إلى الله عز و جل و إلى دينه و معرفته، و قال الله تعالى: { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ } و قال عز و جل : { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ – القصص 88} – تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني ] .

وفي تفاسير أخرى [وقوله : ( كل شيء هالك إلا وجهه ) : إخبار بأنه الدائم الباقي الحي القيوم ، الذي تموت الخلائق ولا يموت ، كما قال تعالى : ( كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام  – الرخمن 26-27 ) ، فعبر بالوجه عن الذات – تفسير ابن كثير ] وهذا تجسيم وخطأ فاحش كما سنبين .

أي أن الله تعالى إذا أفنى العالم سيكون حزبه المؤمنون في مأمن من العذاب لقوله تعالى { ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون – الزمر 68 } وهنا سنبين أن تفسير القرآن بالقرآن أثبت صحة هذا التفسير من عدة وجوه أهمهاأن الله تعالى ليس كمثله شيئ وبالتالي ليس بجسم ليفنى جسده ويبقى وجهه عز وجل و { تعالى الله عما يشركون علواً كبيرا}

 وهنا :

(ويبقى)

[ وبقى ضد فنى فهو باق وهم باقون وهى باقية وهن باقيات – معجم ألفاظ القرآن باب الباء فصل القاف والياء ] . قال تعالى { وأنه أهلك عاداً الأولى وثمود فما أبقى – النجم 51 } فإذا أفناهم الله عز وجل بقى وجهه عزوجل الذي يؤتى منه وهم حزبه المؤمنين من أنبياء ورسل وأهل بيت النبي عليهم السلام والمؤمنين قال تعالى في الوصية الإبراهيمية لأنبياء الله تعالى ثم أهل بيت النبي إلى يوم القيامة { وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون – الزخرف 28 } .

وباقية أي خالدة إلى يوم القيامة وهذه الكلمة هى الوصية التي قال تعالى فيها {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ – الشورى 13 } ولذلك قال نبي الله إبراهيم لذريته من الأنبياء { وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ – البقرة 132 } وهنا يتبين لنا أن معنى قوله تعالى هنا { ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} أي كل شيئ هالك إلا دين الإسلام والذين آمنوا به وأولهم الأنبياء والمرسلين وأهل بيت النبي عليهم السلام كما في روايات أهل البيت عليهم السلام . وهنا تكون بقية الله تعالى فيها الخير كما في قوله تعالى { بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين – هود 86 } [ قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله: (بقية الله خير لكم) ، ما أبقاه الله لكم ، بعد أن توفوا الناس حقوقهم بالمكيال والميزان بالقسط، فأحلّه لكم، خير لكم من الذي يبقى لكم ببخسكم الناس من حقوقهم بالمكيال والميزان ، (إن كنتم مؤمنين)، يقول: إن كنتم مصدّقين بوعد الله ووعيده ، وحلاله وحرامه.- تفسير الطبري ] .

وأما :

(وجه ربك)

وهنا لا يقول عاقل بأن الجسد يفنى ويبقى الوجه ولكن القرآن الكريم يحدد المعنى المقصود من الوجه حيث قال إخوة يوسف { اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ  – يوسف 9 }  والمعنى هنا أن نبي الله يعقوب أشرك في حب يوسف إخوته ويكون الوجه توحيد الوجهه وهذا هو الإسلام لقوله تعالى { ومن يسلم وجهه لله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى و إلى الله عاقبة الأمور – لقمان 22 }   أي أنه من وحد وجهته لله تبارك وتعالى عاملاً بكتابه الكريم وسنة نبيه وولاية أهل بيته عليهم السلام فقد استمسك بالعروة الوثقى والعروة الوثقى الكفر بالطاغوت والإيمان بالله تعالى كما في قوله عز وجل {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ – البقرة 256 } وبالتالي الباقي بعد فناء الدنيا والذين هم في مأمن من العذاب هم المسلمون الذين كفرزا بالطاغوت وآمنوا بالله تعالى كما في الآية هنا { كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} ولذلك في الحديث [ .. إن مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها أمن ومن تخلف عنها هلك .. الحديث ] .

وأما :

(ربك)

وهذا اللفظ يبين تعالى من خلاله أنه لن ينجوا من عذاب الله تعالى إذا قامت القيامة غير المؤمنون بالله تعالى لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا قل انتظروا إنا منتظرون – الأنعام 158} . ولذلك قال تعالى هنا { ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام}

وأما :

(ذو)

وهنا ذو الجلال والإكرام هو ذو العرش سبحانه وتعالى الذي أرسل الرسل من فضله تعالى وكرمه على الخلق قال تعالى { رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق –غافر15} وذلك من فضل الله تعالى على المؤمنين قال تعالى { والله ذو فضل على المؤمنين  آل عمران 152 } ويبين تعالى أن أكثر الناس لا يشكرون في قوله تعالى  { وإن ربك لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون – النمل 73} ويبين تعالى أنه ذو رحمة واسعه ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين قال تعالى { فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين – الأنعام 147 } والله تعالى عزيز ذو انتقام كما في قوله تعالى { فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام – إبراهيم 37 } فإذا قامت القيامة أفنى الله تعالى كل الخلق ما إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات . قال تعالى { كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام – الرحمن} .

وأما :

(ذو)

وهنا ذو الجلال والإكرام هو ذو العرش سبحانه وتعالى الذي أرسل الرسل من فضله تعالى وكرمه على الخلق قال تعالى { رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق –غافر15} وذلك من فضل الله تعالى على المؤمنين قال تعالى { والله ذو فضل على المؤمنين  آل عمران 152 } ويبين تعالى أن أكثر الناس لا يشكرون في قوله تعالى  { وإن ربك لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون – النمل 73} ويبين تعالى أنه ذو رحمة واسعه ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين قال تعالى { فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين – الأنعام 147 } والله تعالى عزيز ذو انتقام كما في قوله تعالى { فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام – إبراهيم 37 } فإذا قامت القيامة أفنى الله تعالى كل الخلق ما إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات . قال تعالى { كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام – الرحمن} .

وأما :

(ذو الجلال والإكرام )

و [  الجلال : جل الشيئ يجل :بكسر الجيم جلالة : عظم : ومنه جل فلان في عيني أي عظم : وجل الله عظمته – معجم ألفاظ القرآن باب الجيم فصل اللام واللام ] .قال تعالى { تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام – الرحمن 78 }

وأما :

(والإكرام)

[ وكرمه : شرفه وأحسن معاملته – وأكرمه : سلك معه مسلك الكرم والجود – معجم ألفاظ القرآن بابالكاف فصل الراء والميم ] قال تعالى { وقال الذي اشتراه من مصر أكرمي مثواه – يوسف 21 }

والله تعالى هو الكريم رب العرش الكريم بخلقه قال تعالى { فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم – المؤمنون 116 }  ومن كرمه تعالى أنزل كتاب كريم كما في قوله تعالى { إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون – الواقعة 77 } وهذا الكتاب الكريم نزل على رسول كريم قال تعالى فيه { إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين- التكوير } .

ويوم القيامة كل من عليها فان ويبقى المؤمنون الذين آمنوا بالله تعالى ورسوله ووتوله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام قال تعالى { كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذي الجلال والإكرام – الرحمن }

ثم يقول تعالى :

  • فبأي ألآء ربكما تكذبان (28)

سبق أن بيناها من قبل

ثم يقول تعالى :

  • يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29)

وهنا :

(يسأله)

وهنا يسأله من في السماوات والأرض أي كل يسأل مسألته وحاجته من الله تعالى فيجيبه لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب – الأحزاب 53 } وهنا يبين تعالى سؤال الخلائق ربهم تبارك وتعالى { يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ – الرحمن 29 } وهذا الشأن يرفع أقواماً ويخفض آخرين ويعطي هذا ويمنع ذاك ولا ينقص ذلك من ملكه تعالى شيئ إلا كما يغمس أحدكم المخيط في اليم [ قال رسول الله ﷺ: ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بم يرجع – رواه مسلم في كتاب الزهد والرقائق ] .

[ عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربِه عز وجل أنه قال : ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته ، فاستهدوني أهدكم ، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته ، فاستطعموني أُطعمكم ، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته ، فاستكسوني أكسكم ، يا عبادي إنكم تخطئون بالليلِ والنهار ، وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم ، يا عبادي إِنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجرِ قلب واحد منكم ما نقص من ملكي شيئا ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني ، فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر ، يا عِبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ) رواه مسلم .] .

ولورود لفظ سأل وأسألكم في قوله تعالى عن مودة أهل البيت عليهم السلام في قوله تعالى { قل  لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى – الشورى }  وبالتالي من كان له عند الله مسألة فليطع الله تعالى ورسوله و يتولى الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام ويسأله تعالى متوسلاً بهم .

وأما :

(من في السماوات والأرض)

وهنا يقول تعالى { ولله ما في السماوات وما في الأرض وإلى الله ترجع الأمور آل عمران 109} وبعد خلق السماوات والأرض في ستة أيام دبر أمرها كما في قوله تعالى {إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون – يونس 3} و في هذا التدبير تعرج الملائكة إليه سبحانه وتعالى في يوم كان مقدارة خمسين ألف سنة قال تعالى { يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون – السجدة 5 } وتدبير الأمر هنا يبين تعالى أنه يسأله عز وجل كل من في سماواته وخلقه وكل يوم هو في شأن قال تعالى هنا { يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } .

وأما :

(كل)

وهنا يقول تعالى { ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير – البقرة 106 } وقال تعالى { ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شيء قدير – البقرة 148} وقال تعالى { واتقوا الله واعلموا أن الله ب كل شيء عليم – البقرة 231 } . وقال تعالى { إن الله كان على كل شيء حسيبا – النساء 86 } وحيث أن الله تعالى عليم قدير حسيب على كل شيئ فإنه يعطي كل مخلوق مسألته . في قوله تعالى هنا { يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ }  .

وأما :

 (يوم)

وهنا لابد وأن تعلم بأن الله تعالى ليس عنده زمن لأنه مخلوق ولا نعرف الأيام إلا من خلال الشمس والقمر الذين خلقهما تعالى مع خلق السماوات والأرض قال تعالى { إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين – التوبة 36 } ومعأول يوم من أيام الدنيا كان هو مالكها ومدبر أمرهل قال تعالى لذلك { قوله الحق وله الملك يوم ينفخ في الصور الأنعام 73} ومن هذا اليوم الأول من عمر الدنيا حتى اليوم الآخر منها و قال تعالى فيه { إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون – البقرة 62 } وفي الدنيا يعطي الله تعالى كل مخلوق مسألته كما في الآية هنا { يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن } .

وأما :

(هو في شأن)

[  الشأن : الحال والأمر ولا يقال إلا فيما يعظم من الأحوال والأمور – معجم ألفاظ القرآن باب الشين فصل الهمزة والنون ] قال تعالى{  لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه – عبس 37 } وهذا الشأن في الآخرة وفي الدنيا يقول تعالى مبيناً شهادته تعالى على خلقه بأنه قديراً عليما حسيباً بهم كما بينا لذلك قال تعالى { وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين – يونس 61 } وهذا الخلق كله علمناه أم لم نعلمه رأيناه أم لم نراه كل يسأل مسألته فلا تعييه كثيرة المسائل  ولا يشغله شيئ عن شيء في الدنيا والآخرة  قال تعالى هنا { يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن } .

ثم يقول تعالى عن هذه النعمة  :

  • فبأي ألآء ربكما تكذبان (30)

سبق أن بيناها من قبل

ثم يقول تعالى :

  • سنفرغ لكم أيها الثقلان (31)

ورد في تفاسير أهل البيت عليهم السلام هنا تفسيراً خاطئاً لأن الآية فيها وعيد للثقلين هنا وهما الإنس والجن وليسأهل بيت النبي عليهم السلام كما في مرويات وضعت في غير مكانها وإن كانت حقيقية بأن القلين في مواضعأخرى من أحاديث النبي صلى الله عليه وىله عنى بهما القرآن والعترة الطاهرة ولكن ليس هنا مكان تلك الأحاديص  ورد في تفسير البرهان : [ محمد بن العباس، قال: حدثنا الحسين بن أحمد، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن هارون ابن خارجة، عن يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله عز و جل: { سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ ٱلثَّقَلاَنِ } ، قال: “الثقلان: نحن و القرآن”… “- البرهان للسيد هاشم البحراني ] .

 وهنا :

(سنفرغ لكم)

وعيد توعده الله تعالى بالعقاب وهنا محال أن يكون المقصود القرآن والعترة بهذا الوعيد وبالتالي المقصود به هنا إبليس وحزبه لأنه من المنظرين في قوله تعالى : { قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ  قَالَ أَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ – الأعراف 12-15}

[ والفرغ : الأرض المجدبة وفرغ الدلو : خرقه الذي يأخذ الماء أي سعته والفريغ : العريض فالفراغ خلاف االشغل وفرغ كفتح ونصر وعلم  فراغاً وفروغاً : خلا من الشغل والوصف فارغ وأفرغت الدلو : صببت ماءه ومنه قيل ( أفرغ علينا صبرا) – معجم ألفاظ القرآن باب الفاء فصل الراء والغين ] . قال تعالى { فإذا فرغت فانصب – الشرح 7 } فإذا دبر الله تعالى شأن الخلق وفقاً لتقدير الزمان الذي خلقه تعالى وجاء اليوم الآخر وانتهى عمر الدنيا هنا يكون الفراغ بانقضاء عمر الدنيا كما قال تعالى لإبليس لعنه الله { إنك من المنظرين} إذا جاء يوم الوقت المعلوم فقد فرغ زمن إمهاله تعالى له لذلك قال تعالى هنا عن اليوم الآخر والنفخ في الصور والقيامة { سنفرغ لكم أيها الثقلان}  .

وأما :

(الثقلان)

[ الثقلان : الجن والإنس لأنهما كالحملين على الأرض أو لعظم شأنهما – معجم ألفاظ القرآن باب الثاء فصل القاف واللام ] . قال تعالى { وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس – النحل 7 } وقال تعالى في يوم القيامة أنه اليوم الثقيل { إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون ورائهم يوماً ثقيلاَ – الإنسان 27 } وهذا اليوم الثقيل لا ينفع فيه إلا العمل بالثقلين وهما القرآن والعترة النبوية الطاهرة لقوله تعالى { إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلا – المزمل 5} ويقول تعالى في هذا اليوم { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ – الأنبياء 47} ومن ثقلت موازينه فهو العامل بالقرآن والسنة وتولى عترة النبي الطاهرة عليهم السلام  وفي هذا اليوم { فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون – المؤمنون 102 } .

ويبدأ هذا الحساب بانتهاء إنتظار إبليسإلى يوم الوقت المعلوم لذلك يقول تعالى عن الساعة { يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون – الأعراف 187} فإذا قامت القيامة فرغ الزمن من الإنتظال وإمهال إبليس وحزبه كما بينا .

ثم يقول تعالى :

  • فبأي ألآء ربكما تكذبان (32)

والآية بيناها من قبل :

ثم يقول تعالى :

  • يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ (33)

وهنا :

(يامعشر الجن والإنس)

  • [ قال الراغب الأصفهاني العشرة هى العدد الكامل فصارت العشيرة إسماً لكل جماعة الرجل الذين يتكثر بهم وعاشره صار له كعشرة في المصاهرة – معجم ألفاظ القرآن باب العين فصل الشين والراء ] قال تعالى { وأنذر عشيرتك الأقربين – الشعراء 214} وعاشره كقوله تعالى { وعاشروهن بالمعروف – النساء 19 } والمعاشرة بين العشيرة الأقرب فالأبعد تجعلهم معشر قال تعالى فيه هنا { يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ – الرحمن 33 } . والخطاب الإلهي لكلا الجنسين من الجن والإنس بلفظ معشر لأنهما معاشرين لبعضهما البعض على سطح الأرض وكلاهما مكلف أمام الله تعالى ورسله لذلك سيقول تعالى لهما يوم القيامة { يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا ۚ قَالُوا شَهِدْنَا عَلَىٰ أَنفُسِنَا ۖ وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ الأنعام 130 }

وأما :

(الجن والإنس)

  • وهنا يبين تعالى أن الإنس والجن كلاهما يعيش على الأرض في اجتنان للجن دون أن يراهم بني آدم كما في قوله تعالى { إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم – الأعراف 27 } وهنا يقول تعالى متحدياً الإنس والجن { قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (الإسراء 1- ألإسراء 88 } والتحدي هنا أيضاً لكلا النوعين من المخلوقات بأنهم لن يستطيعوا الصعود إلى السماء إلا بسلطان وهو أمر الله تعالى كما في قوله تعالى هنا { يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ } .

وهذا التحدي القرآني للثقلين هنا يؤكد بأنه في آخر الزمان إذا صعد الإنسان إلى سماء الدنيا الأولى بأنه سيكون هناك تعاون بينهما كشفته الآيات هنا في تحدي القرآن الكيم لهما والبشارة بأن هلاكهما في تدبيرهم إفساد معايش الخلق قبل اقتراب الساعة وإظهارهم للفساد والكفر والفسوق والعصيان وصرف الناس عن كتب الله السماوية والقيم هنا يكون هلاكهما معاً قبل يوم القيامة .

وأما :

(إن استطعتم)

[ واستطاع : استفعل من الطاعة والإستطاعة : الإطاقة إلا أن الإطاقة عامة في الإنسان وغيره – معجم ألفاظ القرآن باب الطاء فصل الواو والعين ] . قال تعالى { واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل – الأنفال 60 } والإستطاعة وردت في التحدي الإلهي للثقلين هنا في قوله تعالى هنا { يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان – الرحمن 33 } ولكي يكشف الله تعالى لهم ما سيصل إليه الثقلين من علم قبل قيام الساعة أنهما سيصعدان للسماء الأولى في ما يسمى طائرات وصواريخ ووسائل صعود للسماء أطلق عليها القرآن الكريم سلماً يصعدون به في السماء قال تعالى { وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين – الانعام 35 } والسلم الذي سيصعدون به إلأى السماء بين تعالى أنه جسم يدخل فيه الإنسان وليس عليه قال تعالى { أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ  -الطور 38} ولاحظ هنا كلمة فيه والمفترض أن تكون عليه بما يشير إلى أنه جسم يدخل فيه الإنسان . وبهذا السلم الذي سيصعدون به إلى السماء سيزالون يقاتلون به المسلمين إلى أن يشاء الله تعالى لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون – البقرة 217 } .

وأما :

(أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا)

[ ونفذ الشيئ ينفذ نفوذاَ ونفاذاً : خلص وجاز : تقول نفذ السهم من الرمية : خرقها وجازها وخلص منها ويقال أنفذ من البلد جاره وخرج منه – معجم ألفاظ القرآن باب النون فصل الفاء والذال ] .

قال تعالى { يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان – الرحمن 33 } .

وأما :

(من أقطار)

[ وأقطار : جمع قطر وهو الناحية – معجم ألفاظ القرآن باب القاف فصل الطاء والراء ] .

{ وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا – الأحزاب 14 } (أقطارها أي بلدانها ونواحيها) وهذا يعني أن قوله تعالى هنا قال تعالى { يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان – الرحمن 33 } .

وأما :

(السماوات والأرض)

وهنا :

يبين تعالى أنه من نعمه عز وجل إمساك السماء والأرض من الزوال قال تعالى { إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا – فاطر 41} .

وهذه السماوات بين تعالى أنها سبعاً قال تعالى فيها { أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا لِّتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا – نوح 15-20 } وهذه السماوات السبع جعلها الله تعالى طباقا كما في قوله تعالى{ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِن تَفَاوُتٍ ۖ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ الملك 3 } ويبين تعالى أن الإنسان سيصعد الطبقة الأولى من هذه الطباق السبعة كما في قوله تعالى { لتركبن طبقاً عن طبق فمالهم لا يؤمنون وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون – الإنشقاق 19-21} .

وهذا السلطان هنا ليس سلطان العلم الحديث بل هو سطان الله وأمره بأنه قال هذا سيحدث في كتابه الكريم في قوله تعالى صراحة { وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون – الرعد 14-15} وهذا هو السلطان الذي قال تعالى فيه هنا { يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان – الرحمن 33 } . وهذا السلطان أمر الله تعالى بمنع نفاذ الإنس والجن إلى ما بعد قشرة  السماء الأولى قال تعالى : { إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ  لَّا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَىٰ وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ دُحُورًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَا ۚ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لَّازِبٍ  بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ  وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ وَقَالُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ  فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَٰذَا يَوْمُ الدِّينِ هَٰذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ  احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْجَحِيمِ وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ الصافات 6-24} .

وإذا كان الجن قال لنبي الله سليمان { أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك – النمل} وهذا في رحلة بين صنعاء والشام في وقت بين صلاتي الظهر والعصر مثلاً أو بين وقت صلاتين وهو بالضبط سرعة طائرة مدنية في زماننا هذا وهذه السرعة وصل إليها عالم الجان قبل الإنسان بحوالي مايقارب ال3000 عام وفي ذلك إثبات أن ما نراه من أطباق طائرة ذات سرعات وقوة خارقة علم وصل إليه الجان قبل الإنسان وهنا يتبين لنا فراق علمي بين الإنس والجن حوالي ما يقارب الثلاثة آلاف سنة وقد يصل إليها الإنسان قبل يوم القيامة بتواصل بينهما نبأ به القرآن الكريم لأن قوله تعالى { ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا} ليس ظهور ليرى كلا منهما بالعين لأن الظهور في القرآن الكريم نصرة وعلو شأن كما في قول مؤمن فرعون { ياقوم لكم الملك اليوم ظاهرين – غافر 29} وكان ظهورهم بسحر تفوقوا به على العالم بدعم بين الإنس والجان .

وأما :

(لا تنفذون إلا بسلطان)

السلطان حكم قال تعالى فيه { هلك عني سلطانيه – الحاقة } وحكم الله تعالى قال تعالى فيه { قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ قَالُوا إِنْ أَنتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ – إبراهيم 10 } . والسلطان أمر نزل في كتاب الله لقوله تعالى { أم لهم سلم يستمعون فيه فليأت مستمعهم بسلطان مبين – الطور 38}

ثم يقول تعالى :

(34) فبأي ألآء ربكما تكذبان (34)

سبق أن بيناها من قبل :

ثم يقول تعالى :

  • يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران (35)

وهنا :

(يرسل)

وهنا يبين تعالى أن الشواظ من النار ونزول العذاب من الله تعالى موكول به ملائكة كما في قوله تعالى في هلاك قوم لوط مثلاً  {  إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين – الحجر 58 }  أو خلقاً من خلقة وكل الخلق جنوداً لله تعالى كما قال { ولله جنود السماوات والأرض } و عن هذه الجنود هنا الطير الأبابيل التي أهلكت أصحاب الفيل قال تعالى { وأرسل عليهم طيراً أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل – الفيل } وقال تعالى في العذاب الذي ينزل من السماء على من بدلوا دينهم وكذبوا على رسول الله صلى الله عليه وآله { فبدل الذين ظلموا منهم قولا غير الذي قيل لهم فأرسلنا عليهم رجزا من السماء بما كانوا يظلمون – الأعراف 162 } . وقال تعالى في شتى أنواع العذاب الذي نزل في الأمم من قبل {وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ ۖ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ ۖ وَلَقَدْ جَاءَهُم مُّوسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ – العنكبوت 36-40}

وبالتالي في السماء وفي الأفلاك جنود لله تعالى موكولة بأمر الله بأن ترسل على من يحاول النفاذ عذاباً منه تعالى عبارة عن شواظ من نار ونحاس قال تعالى هنا { يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران – الرحمن 35} . وهنا تحذير للخلق من أن يعصوا الله تعالى فيتحول مايعصون الله عليه وبه إلى آلة عذاب ضدهم بأمر من الله تعالى وتحولها كجندي من جنود الله تعالى حتى من عاون ظالماً على ظلمه فبإذن الله يتحول من هم معه ضده بإذن الله فمن عاون ظالماً على ظلمه سلطه الله عليه ومن هنا يقول صلى الله عليه وآله [ إحرص على الصدق وإن رأيت فيه الهلكة فإن فيه النجاة … ] وذلك لأن الله تعالى أمر المخلوقات بدعم الصادقين والتسلط كجنود عذاب على الكاذبين والظلمة والمجرمين . وكذلك الحديث

[قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من التمس رضى الله بسخط الناس رضى الله عنه وأرضى الناس ومن التمس رضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس – رواه ابن حبان في صحيحه ] . وهنا أيضاً الرضا والسخط جنود من جنود الله تعالى على حسب أعمال العباد وإخلاصهم لله تعالى تكون مع أو ضد الشخص . كذلك هنا في السماء مخلوقات وجنود تتسلط إذا جاوز الثقلين حدود السماء الأولى التي بين تعالى أنهم سيصعدون إليها بسلطان إلهي نبأنا به قبل أن يتمكنوا منه بأكثر من ربعمائة وألف سنة .

وأما :

( يرسل عليكما)

وهما معشر الجن والإنس هنا الذي قال تعالى فيهما { يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين –الأنعام 130 } وقال تعالى فيهما أيضاً { يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران – الرحمن 33-34 } .

وأما :

(شواظ)

[ شواظ جمع شوظ بضم الشين وكسرها وهو القطعة من اللهب ليس فيها دخان – معجم ألفاظ القرآن باب الشين فصل الواو والظاء ] قال تعالى { يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران – الرحمن 33-34 } . وحيث أن اللهب هن ابغير دخان دليل على انعدام الهواء الذي يساعد على الإشتعال فيجعل النار مختلط بها دخان .

وأما :

(من نار)

ولفظ النار ورد في قوله تعالى { عليهم نار مؤصدة في عمد ممده – البلد 20-21} أي يرسل عليهم نار ممدة كالإعصار ولكنه إعصار محدد الوجهة نحو من حاول اختراق السماء لورود هذا اللفظ في قووله تعالى  { فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون – البقرة 266}

وهذه النار اممدة أطلق عليها القرآن الكيم هنا { شواظ من نار ونحاس } .

وأما :

(ونحاس)

[ والنحاس : الفلز المعروف وتصنع منه الآنية والقدور – معجم ألفاظ القرآن باب النون فصل الحاء والسين ] وهذا اللفظ ليس له مرادف في كتاب الله تعالى  قال تعالى هنا { من نار ونحاس فلا تنتصران} وهذا الفلذ من خواصة سرعة السخونة لدرجة الإحمرار لذلك يستخدم في أغراض  القذائف العسكرية .

وأما :

(فلا تنتصران)

والنصر في كتاب الله يعني الثبات على الأمر وهو بداية الغلبة لقوله تعالى في فرار رسول الله صلى الله عليه وآله بدينه وثباته على الأمر انتصال قال تعالى فيه  { إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثانى اثنين – التوبة } ومن هنا بين تعالى أن هذا الثبات أول طريق النصر والغلبة قال تعالى { ونصرناهم فكانوا هم الغالبين – الصافات 116} وبالتالي المعنى هنا { فلا تنتصران} أي لن يثبتوا على إكما طريقهم نحوا اختراق السماء وبالتالي سيفشلون بسبب النار و قذائف النحاس المشتعل التي ترسل عليهم قا تعالى { يرسل عليكم شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران } .

ثم يقول تعالى عن حفظه السماء من الزوال والشياطين هنا :

  • فبأي ألآء ربكما تكذبان(36)

سبق أن بيناها من قبل :

ثم يقول تعالى :

  • فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان (37)

وهنا :

(فإذا انشقت السماء)

وانشقاق السماء يوم القيامة هو المرحلة الخامسة سبع مراحل تنتهي بتبدل الأرض غير الأرض والسماوات وهذه المراحل كما يلي :

المرحلة الأولى :

تحول السماء إلأى رصاص منصهر أو نحاس مذاب أو فضة أو حديد أو خليط من المواد والمعادن التي صنع منها الكواكب والسماوات قال تعالى { يوم تكون السماء كالمهل – المعارج 8 } .

المرحلة الثانية :

انفطار السماء كفرجة بسيطة تبدأ في الإتساع مع بداية تشققها لقوله تعالى { إذا السماء انفطرت – الإنفطار 1} أي انفطرت و تشققت .

المرحلة الثالثة :

تشققها بما هو أوسع أي تنفرج  كما في قوله تعالى { إذا السماء انشقت – الإنشقاق 1} فإذا انشقت أصبحت حمراء كوردة الدهان قال تعالى { فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان –الرحمن }  وهنا تصبح واهية { وانشقت السماء فهي يومئذ واهية – الحاقة 16 } أي [ وانصدعت السماء, فهي يومئذ ضعيفة مسترخية, لا تماسُك فيها ولا صلابة – التفسير الميسر ] .

المرحلة الرابعة :

انفراج السماء وزيادة التشققات فيها واتساعها إلى فرجات أكبر لقوله تعالى { إذا السماء فرجت – المرسلات 9 } .

المرحلة الخامسة :

ذوبان مكونات السماء وتحولها لمادة سائلة تبدأ في الحركة والإضطراب قال تعالى { يوم تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا – الطور 9-10} .

المرحلة الساسة :

كشط السماء  ومحوها كما في قوله تعالى { إذا السماء كشطت – التكوير 11 } .

المرحلة السابعة :

تبدل السماء بسماء أخرى وأرضاً  جديده قال تعالى { يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزو لله الواحد القهار – إبراهيم 48 }

وأما :

(فكانت)

وهنا إذا قال تعالى عن احمرار السماء حتى تصبح وردة كالدهان في قوله تعالى { فكانت وردة كالدهان } وهذه مرحلة مقبل انشقاقها وفتح الأبواب فيها لقوله تعالى { وفتحت السماء فكانت أبوابا – النبأ 19 } .

وأما :

(وردة )

[ ووردة وصف كما في ألاية أو المراد منها وردة على وده التشبيه أو ورود الماء ونحوه : جعله يرده – معجم ألفاظ القرآن باب الواو فصل الراء والدال ] .  وهناإذا كانت على سبيل التشبيه فهى كما قال تعالى هنا { فكانت وردة كالدهان – الرحمن } وإذا كان المقصود من اللفظ ورود كما في قوله تعالى عن فرعون { يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود – هود 98 } أي فتحت ليرد إلى جهنم من خلالها أهل النار ومن تقلد بفرعون لعنه الله .

ورد في التفسير الميسر : [ فإذا انشقت السماء وتفطرت يوم القيامة ، فكانت حمراء كلون الورد، وكالزيت المغلي والرصاص المذاب؛ من شدة الأمر وهول يوم القيامة – التفسير الميسر  ] .

وفي اللغة : [﴿ فَكَانَتْ وَرْدَةً كالدِّهَان- الرحمن 37﴾ السماء محمرة إحمرار الأديم الأحمرفكانت وردة﴿٣٧ الرحمن﴾ كالوردة في الحمرةوردة﴿٣٧ الرحمن﴾ وردة: كالوردة. أو كالفرس الوردة لوناً لتغير حمرة الفرس حسن الفصول بين الفاتح و الداكن.ورد الورود أصله: قصد الماء، ثم يستعمل في غيره. يقال: وردت الماء أرد ورودا، فأنا وارد، والماء مورود، وقد أوردت الإبل الماء. قال تعالى: ﴿ولما ورد ماء مدين –القصص 23﴾ والورد: الماء المرشح للورود، والورد: خلاف الصدر، والورد: يوم الحمى إذا وردت، واستعمل في النار على سبيل الفظاعة. قال تعالى: ﴿فأوردهم النار وبئس الورد المورود – هود 98 ﴾  ﴿إلى جهنم وردا – مريم 86 ﴾ ﴿أنتم لها واردون – الأنبياء 98 ﴾ ﴿ما وردوها – الأنبياء 99﴾  والوارد: الذي يتقدم القوم فيسقي لهم. قال تعالى: ﴿فأرسلوا واردهم – يوسف 19 ﴾  أي: ساقيهم من الماء المورود، ويقال لكل من يرد الماء وارد، وقوله تعالى: ﴿وإن منكم إلا واردها –مريم 71﴾ فقد قيل منه: وردت ماء كذا: إذا حضرته؛ وإن لم تشرع فيه، وقيل: بل يقتضي ذلك الشروع ولكن من كان من أولياء الله والصالحين لا يؤثر فيهم بل يكون حاله فيها كحال إبراهيم عليه السلام حيث قال: ﴿قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم – الأنبياء 69 ﴾ والكلام في هذا الفصل إنما هو لغير هذا النحو الذي نحن بصصده الآن. ويعبر عن المحموم بالمورود، وعن إتيان الحمى بالورد، وشعر وارد: قد ورد العجز أو المتن، والوريد: عرق يتصل بالكبد والقلب، وفيه مجاري الدم والروح. قال تعالى: ﴿ونحن أقرب إليه من حبل الوريد –ق 16 ﴾ أي: من روحه. والورد: قيل: هو من الوارد، وهو الذي يتقدم إلى الماء، وتسميته بذلك بكونه أول ما يرد من ثمار السنة، ويقال لنور كل شجر: ورد، ويقال: ورد الشجر: خرج نوره، وشبه به لون الفرس، فقيل: فرس ورد، وقيل: في صفة السماء إذا احمرت احمرارا كالورد أمارة للقيامة. قال تعالى: ﴿فكانت وردة كالدهان – الرحمن 37 ﴾  .

وأما :

(كالدهان)

[ الدهان : الأديم الأحمر أو ما يدهن به والجمع دُهن – معجم ألفاظ القرآن باب الدال فصل الهاء والنون ] قال تعالى فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان – الرحمن 37 } وهذا الدهان منه الزيت لقوله تعالى في شجرة الزيتون { وشجرة تخرج من طور سيناء بالدهن وصبغ للآكلين – المؤمنون 20 }  بالتالي يكون المعنى أن يصبح لونها كالزيت الأحمر .

ثم يقول تعالى :

  • فبأي ألآء ربكما تكذبان (38)

سبق بيان الآية :

ثم يقول تعالى :

(39)فيومئذٍ لايُسئل عن ذنبه إنس ولا جان (39)

وهنا :

(فيومئذٍ)

أي أنه يقول تعالى إذا قامت القيامة ووقعت الواقعة كما في قوله تعالى { فيومئذ وقعت الواقعة – الواقعة 15 } وفي هذا اليوم لا تملك نفس لنفس شيئاً كما في قوله تعالى { يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله – الانفطار 19 }  وفي ذلك اليوم لاينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا تستعتبون قال تعالى { فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون – الروم 57 }  وبالتالي لا يسأل عن ذنبه أحداً غيره قال تعالى { فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان – الرحمن 39} وذلك لأنه يقول تعالى { كل نفس بما كسبت رهينة – المدثر } .

وأما :

(لا يسأل )

وهنا مادام يوجد سؤال يبين تعالى أن الجميع سيسأل كما في قوله تعالى {فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين – الأعراف 6 } وثم يبين تعالى أنه سيأمر بتوقيف المجرمين للسؤال قال تعالى { وقفوهم إنهم مسؤولون – الصافات 24 } و لن يسأل أحد على جريمة غيره قال تعالى { قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون – سبأ25 } .

وأما :

(عن ذنبه)

أي أنه يقول تعالى { ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون – القصص 78 } أي لا يسأل عن أعمالهم أحد لأنهم يعرفون بأعمالهم وسيماهم قال تعالى هنا {فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلَا جَانٌّ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ – الرحمن 39-41} .

وأما :

(إنس ولا جان)

وهنا يقول تعالى { وماخلقت الجن والإنس إلا ليعبدون – الذاريات 56 } وهم مسؤولون يوم القيامة عن أعمالهم لذلك سيقول لهم الله تعالى يوم القيامة { يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين – الأنعام 130} وبالتالي في هذا اليوم لا يسأل أحد عن ذنب غيره كما في الآية هنا { فيومئذٍ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان – الرحمن 39 } .

ثم يقول تعالى :

  • فبأي ألآء ربكما تكذبان (40)

سبق أن بينا الآية من قبل :

  • يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ (41)

وهنا :

(المجرمون)

{ وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين – الأنعام 55} وهنا يبين تعالى أن المجرمين هم الخارجين على أحكام الإسلام وتركوا العمل بالشريعة الإسلامية لذلك قال تعالى { أفنجعل المسلمين كالمجرمين – القلم 35 } ولذلك قال تعالى في الأمم التي خرجت على أنبيائها وكفرت بالله تعالى ورسله من قبل أنهم مجرمون قال تعالى في قوم عاد { تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين – الأحقاف 25}و قال تعالى { قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين – النمل 69  } .

وفي أمتنا الإسلامية من ترك العمل بكتاب الله فهو مجرم قال تعالى { ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون – السجدة 22 } والمترفين في كتاب الله مجرمين لقولهه تعالى { واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين – هود 116 } وهنا اتباعهم ما اترفوا فيه كان بتركهم العمل بما انزل الله فأصبحو مجرمين قال تعالى فيهم { إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون – الزخرف 74 }

وهؤلاء المجرمين هنا بين تعالى أنهم يعرفون بسيماهم في قوله تعالى { يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام } .

وأما :

(يعرف المجرمون بسيماهم)

والمعرفة بسيماهم [ وسوم الشيئ تسويماً : جعل عليه علامة فهو مسوم وهم مسومون والشيئ مسوم وهى مسومة – معجم ألفاظ القرآن باب السين فصل الواو والميم ] . { لنرسل عليهم حجارة من طين مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد – هود 82-83}  وفي الدنيا المؤمنبم لهم سمة يعرفون بها وقال تعالى { سيماهم في وجوههم من أثر السجود – الفتح 29 } والفقراء منهم يعرفون بسيماهم كما في قوله تعالى{ للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم – البقرة 273} والمجرمون قال تعالى فيهم { ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول – محمد 30 } وفي الآخرة على الصور بين الجنة والنار  أهل بيت النبي (عليهم السلام) الذين يعرفون أهل الجنة ممن تولوهم في الدنيا وأهل النار ممن حاربهم كلا بسيماهم قال تعالى { وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ ۚ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ ۚ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ۚ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُم بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَىٰ عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ أَهَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ۚ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُون وَنَادَىٰ أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ ۚ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۚ فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَٰذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ – الأعراف46-51 } . وهنا [عن ابن عباس قال : يعني بالأعراف السور الذي ذكر الله في القرآن ، وهو بين الجنة والنار– تفسير الدر المنثور للسيوطي ] .

[عن مقرن، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: ” جاء ابن الكواء إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: يا أمير المؤمنين، { وَعَلَى ٱلأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ }؟ فقال: نحن على الأعراف، و نحن نعرف أنصارنا بسيماهم، و نحن الأعراف الذين لا يعرف الله عز و جل إلا بسبيل معرفتنا، و نحن الأعراف يوقفنا الله عز و جل يوم القيامة على الصراط ، فلا يدخل الجنة إلا من عرفنا و عرفناه، و لا يدخل النار إلا من أنكرنا و أنكرناه.إن الله تبارك و تعالى لو شاء لعرف الناس نفسه حتى يعرفوا حده، و يأتوه من بابه و لكن جعلنا أبوابه و صراطه و سبيله، و بابه الذي يؤتى منه، فمن عدل عن ولايتنا أو فضل علينا غيرنا، فهم عن الصراط لناكبون، فلا سواء من اعتصم الناس به، و لا سواء حيث ذهب الناس إلى عيون كدرة، يفرغ بعضها في بعض، و ذهب من ذهب إلينا إلى عيون صافية تجري بأمر ربها، لا نفاد لها، و لا انقطاع “.- تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني ]

وهنا يبين تعالى أنهم إذا عرفوا أخذتهم  ملائكة العذاب بالنواصي والأقدام قال تعالى { يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام }

وأما :

(فيؤخذ)

أي أنه يقول تعالى عن هؤلاء يوم القيامة يقول فيهم { خُذُوهُ فَغُلُّوهُ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ– الحاقة  30-34} وذلك بعد أن يعرفهم الشهود من الأنبياء والمرسلين و الأئمة قال تعالى { يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام } .

وأما :

(بالنواصي)

[ ونواصي : جمع ناصية وهو ما يبرز من الشعر في مقدم الرأس يكون في حذاء الرأس – معجم ألفاظ القرآن باب النون فصل الصاد والواو ] قال تعالى { أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَىٰ عَبْدًا إِذَا صَلَّىٰ أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَىٰ أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَىٰ أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَىٰ كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ – العلق 9-18 } وهؤلاء هم المجرمون هنا كما في الآية { يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام } .

وأما :

(والأقدام)

[ القدم : ما يطأ الأرض من الرجل وجمعه أقدام – معجم ألفاظ القرآنباب القاف فصل الدال والميم ] قال تعالى { وقال الذين كفروا ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين- فصلت 29}  وهنا يؤخذ المجرمون بالنواصي والأقدام ثم يقذفون في جهنم قال تعالى{ يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام } . .

ثم يقول تعالى :

(42)فبأي ألآء ربكما تكذبان (42)

  تم بيان هذه الآية من قبل :

ثم يقول تعالى :

  • هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون (43)

وهنا :

(هذه جهنم)

أي أنه يقول تعالى { هذه جهنم التي كنتم توعدون- يس 63 } و جهنم هذه كان يكذب بها المجرمون في الدنيا ولم يعملوا في طاعة الله لهذا اليوم لذلك يقال لهم هنا { هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون – الرحمن 43 } .

وأما :

(التي )

هنا يبين تعالى أنه حذرهم عز وجل في الدنيا من نار وقودها الناس والحجارة قال تعالى { فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين – البقرة 24 } وقد حذرهم الله تعالى من الكفر به تعالى و هذا سبب دخولهم النار قال تعالى { واتقوا النار التي أعدت للكافرين – آل عمران 131 } .

وأما :

(يكذب بها)

وهنا يكذب بها المجرمين أي أنهم تركوا الحق المنزل عليهم في كتاب ربهم والعمل به قال تعالى { فقد كذبوا بالحق لما جائهم فسوف يأتيهم أنباء ماكانوا به يستهزءون  – الأنعام 5} ومما كذبوا به في كتاب الله وعده ووعيده لمن كفر به تعالى وخرج على ولايته الحق .

وأما :

(المجرمون)

وهؤلاء المجرمون هم الذين عرفناهم من قبل في قوله تعالى  { يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام } . وهؤلاء هم الذين عبدوا إبليس أي أطاعوه من دون الله تعالى لذلك يقال لهم يوم القيامة { وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي ۚ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا ۖ أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ – يس 59 -62 } .

ثم تعالى :

  • يطوفون بينها وبين حميم آن (44)

وهنا :

(يطوفون)

ويطوف [ طاف بالشيئ : دار حوله – معجم ألفاظ القرآن باب الطاء فصل الواو والفاء ] قال تعالى { وليطوفوا بالبيت العتيق- الحج 29 } وطواف أهل النار هنا بين جهنم و ماء الحميم قال تعالى { يطوفون بينها وبين حميم آن – الرحمن 44} .

وأما :

(بينها وبين)

هنا يبين تعالى موقف هؤلاء المجرمين عند المحاكمة يوم القيامة ورؤيتهم لأعمالهم مجسمة أمامهم وذنوب ومعاصي وآثام كالجبال هنا يودوا لو أنه بينهم وبينها وبين المحاكمة أمداً بعيدا قال تعالى { يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رءوف بالعباد – آل عمران 30 }  وبعد الفراغ من محاكمتهم يدخلون النار فيطوفون بين جهنم والحميم كما في قوله تعالى هنا { يطوفون بينها وبين حميم آن – الرحمن 44 }

وأما :

(وبين)

وهنا يبين تعالى وقائع محاكمتهم والله تعالى شهيد عليهم لقوله تعالى { فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين  – يونس 29 } ويكون شاهداً على محاكمتهم رسول الله صلى الله عليه وآله والأئمة من أعل البيت عليهم السلام وأولهم أمير المؤمنين علي عليه السلام لقوله تعالى { ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب – الرعد 43 } ويكون بينهما حجاب وهم على الأعراف كما في قوله تعالى { وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم – الأعراف } ويكون في هذه المحاكمة قرناء السوء الذين كانوا يدفعون الناس نحو الكفر والفسوق والعصيان وسفك الدماء فيقولون لقرنائهم ياليت بيني وبينك بعد المشرقين قال تعالى { حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين – الزخرف 38 } وبعد المحاكمة يدخلون جهنم ليطوفوا بينها وبين الحميم الآن كما في قوله تعالى هنا { يطوفون بينها وبين حميم آن } .

وأما :

(حميم)

[ الحميم : الماء الشديد الحراراة – معجم ألفاظ القرآن باب الحاء فصل الميم والميم ] قال تعالى { والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون – يونس 4 } وهذا الحميم قال تعالى فيه {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الْأَثِيمِ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَىٰ سَوَاءِ الْجَحِيمِ  ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ إِنَّ هَٰذَا مَا كُنتُم بِهِ تَمْتَرُونَالدخان 43-50 } وهنا فإذا ذاقه ذاق من العذاب ما لله أعلم به فيطوف بين جهنم والحميم والعياذ بالله .

وأما :

(آن)

[ وآنى الحميم يأنى : بلغ نهايته في شدة الحر وهو آن ومؤنثه آنية  – معجم ألفاظ القرآن باب الهمزة فصل النون والياء ] .قال تعالى { تصلى ناراً حامية تسقى من عين آنية – الغاشية } وبين هذه العين وجهنم يطون طواف هؤلاء المجرمين بعد محاكمتهم يوم القيامة كما في قوله تعالى هنا { يطوفون بينها وبين حميم آن – الرحمن } .

ثم يقول تعالى :

  • فبأي ألآء ربكما تكذبان (45)

وهذه الآية سبق بيانها بما يغني عن تكرارها : ولكنه هنا يعني بأي نعم الله تعالى وألآءه تكفرون وقد وعد الله تعالى المجرمين عذابا في الدنيا و الآخرة كذبوا به فينزل بهم برحمة من الله تعالى على المؤمنين في الدنيا والآخرة ليعلموا أن لهم رباً ناصراً قادراً مقتدراً سبحانه وتعالى .

ثم يقول تعالى :

  • ولمن خاف مقام ربه جنتان (46)

وهذه الآية يبينها قوله تعالى { وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هى المأوى – النازعات 41 -42} وهنا يبين تعالى أن من خاف مقام ربه فله جنتان قال تعالى { ولمن خاف مقام ربه جنتان} .

وأما :

(جنتان)

قال تعالى هنا في الجنتان { لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ۖ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ ۖ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ ۚ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ – سبأ 15 } أي أن هاتان الجنتان إحداهما عن أيمانهم والثانية عن شمائلهم وما يجنى من ثمارهما دانية منهم كأنهم محاطون بالفواكه من اليمين والشمال لقوله تعالى هنا : {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ذَوَاتَا أَفْنَانٍ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ ۚ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ – الرحمن46-54}  وهذه الجنان لمن خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى كما بينا .

ثم يقول تعالى :

  • فبأي ألآء ربكما تكذبان (47)

سبق بيان هذه الآية :

ثم يقول تعالى :

  • فيهما عينان تجريان (48)

وهنا :

(فيهما)

وهنا يبين تعالى أن هاتان الجنتان فيهما  كما قال تعالى { فيهما فاكهة ونخل ورمان – الرحمن 68 } وفيهما فاكهة زوجان أي الشيئ وضده في قوله تعالى { فيهما من كل فاكهة زوجان – االرحمن 52 }

زهذه الجنان تسقى بعين جارية قال تعالى فيها {  فيهما عينان تجريان – الرحمن 50 } وهذه العين نضاخة كما في قوله تعالى { فيهما عينان نضاختان – الرحمن 66 } أي [ ونضخت عين الماء تنضخ نضخاً : فار ماؤها وارتفع من أسفل إلى أعلى وجاش والعين ناضخة ويقال في الممبالغة عين نضاخة – معجم ألفاظ القرآن بابالنون فصل الضاد والخاء  ] .

وأما :

(تجريان)

أي أن كل عين جارية كما في قوله تعالى { فيها عين جارية – الغاشية 12} أي ان العينان جاريان كما في الآية هنا { ففيهما عينان تجريان } .[ أي : تسرحان لسقي تلك الأشجار والأغصان فتثمر من جميع الألوان – الطبري ]

ثم يقول تعالى :

(51) فباي ألآء ربكما تكذبان (51)

سبق بيان هذه الآية من قبل بما يغني عن تكراره .

ثم يقول تعالى :

(52) فيهما من كل فاكهة زوجان (52)

وهنا :

(فيهما)

أي أنه يقول تعالى { ولمن خاف مقام ربه جنتان فبأي ألآء ربكما تكذبان فيهما عينان تجريان – الرحمن } وهاتان الجنتان هنا فيهما من كل فاكهة زوجان كما في قوله تعالى {فيهما من كل فاكهة زوجان – الرحمن 52 }

وأما :

(من كل)

وهنا يقول تعالى { أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون – البقرة 266 } وهنا من كل الثمرات أي كما قال تعالى { فيهما من كل فاكهة زوحان – الرحمن 52 } . والملائكة تدخل عليهم هم وآباؤهم وأزواجهم وذرياتهم من كل باب قال تعالى { جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار – الرعد 23-24 } .

 

وأما :

(فاكهة)

هنا يقول تعالى { متكئين فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب – ص 51 } وهذه الفاكهة لا مقطوعة ولا ممنوعة لأصحاب اليمين وهم قلة من الأولين وقلة من الآخرين قال تعالى { وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ وَمَاءٍ مَّسْكُوبٍ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا عُرُبًا أَتْرَابًا لِّأَصْحَابِ الْيَمِينِ ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِّنَ الْآخِرِينَ – الواقعة 27-40 }

وأما :

(زوجان)

وزوجان الشيئ ونقيضه أو ضده قال تعالى { ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون – الذاريات 49 } وهذه الأزواج من الفاكهة والثمار قال تعالى فيها { وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون – الرعد 3 } وكذلك في الجنة هنا فيها من كل الثمرات زوجين أي الشيئ وضده في الألوان والأشكال والطعم  ولا يعرف منها إلا الإسم فقط كما في قول ابن عباس [عن ابنِ عبَّاسٍ رضيَ الله عنهُما قال : ليسَ في الجنَّةِ شيءٌ مِمَّا في الدُّنيا إلَّا الأسماءُ . – الجامع الصغير للسيوطي ] .

[  أي: ليس في الجنة شيء مما في الدنيا إلا الأسماء، وإنما ذكر لنا بتلك الأسماء التي نعرف من باب التقريب للأذهان ، وإلا فإن في الجنة من النعيم المقيم الأبدي ما لا يمكن وصفه ، ولا يمكن لعقولنا أن تتخيله ولا للغة التخاطب عندنا أن تعبر عنه.. قال الصنعاني في التنوير شرح الجامع الصغير : ليس في الجنة شيء مما في الدنيا ـ من الطيبات: إلا الأسماء ـ وإلا، فالذوات غير الذوات، واللذات غير اللذات. – التنوير للصنعاني ] .

ثم يقول تعالى :

(53) فبأي ألآء ربكما تكذبان (53)

سبق بيانها من قبل :

(54)  متكئين على فرش بطائنها من إستبرق وجنى الجنتين دان (54)

وهنا :

(متكئين)

[ واتكأ على الشيئ اعتمد عليه واستند إليه – معجم ألفاظ القرآن باب الواو فصل الكاف والهمزة ]  قال تعالى { وسرر عليها يتكئون – الزخرف 34} والإتكاء في الجنة على الأرائك كما في قوله تعالى { متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا – الإنسان 13 } . وهذه الفرش هنا بطائنها من غستبرق قال تعالى { متكئين على فرش بطائنها من إستبرق وجنى الجنتين دان – الرحمن 53 } .

وأما :

(على فرش)

[ والفرش الفضاء الواسع من الأرض وفرش الشيئ بسطه عليها – معجم ألفاظ القرآن باب الفاء فصل الراء والشين ] قال تعالى { والأرض فرشناها فنعم الماهدون – الذاريات 48} وهذه الفرش مرفوعة ليتكئون عليها قال تعالى { وفرش مرفوعة – الواقعة 34 } وهنا يبين تعالى أنهم متكئون عليها   قال عز وجل : { متكئين على فرش بطائنها من إستبرق وجنى الجنتين دان  -الرحمن 54}

وأما :

(بطائنها)

[ وبطنت الثوب بآخر وأبطنته جعلته تحته ومنه بطانة الثوب وجمعها بطائن واستعيرت البطانة لمن تختصه بافطلاع على باطن أمرك – معجم ألفاظ القرآن باب الباء فصل الطاء والنون ] .قال تعالى في استعارة المعنى لم نيطلعون على الأسرار وماتبطنه الأنفس { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون- آل عمران 118 } والبطانة هنا ما هو تحويه من إستبرق قال تعالى { متكئين على فرش بطائنها من إستبرق وجنى الجنتين دان  -الرحمن 54} .

وأما :

( من إستبرق)

وهنا [ الإستبرق والسندس نوعين من الحرير – معجم ألفاظ القرآن باب الباء فصل الراء والقاف] قال تعالى {  ويلبسون ثياباً خضراً من سندس وإستبرق متكئين فيها على الأرائك نعم الثواب وحسنت مرتفقا – الكهف 31 }

وأما :

(وجنى)

[ والجنى والجُني : كل ما يجنى من ثمر الأشجار – معجم ألأفاظ القرآن باب الجيم فصل النون والياء ] قال تعالى { هزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا – مريم 25 } والجنى هنا للثمرات كما في الآية { متكئين على فرش بطائنها من إستبرق وجنى الجنتين دان  – الرحمن 54} .

وأما :

(الجنتان)

والجنتان هنا الذين قال تعالى فيهما { ولمن خاف مقام ربه جنتان – الرحمن 46 }

وأما :

(دان)           

[ ودنا منه يدنوا دنواً : قرب ويستعمل في المكان والزمان والمنزلة فهو دان وهى دانية – معجم الفاظ القرآن باب الدال فصل النون والواو ] قال تعالى { ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا – الإنسان 14 } . وهنا دانية عليها ثمارها من الجنتين  وهم متكئون فيها على الأرائك كما في قوله تعالى { متكئين على فرش بطائنها من إستبرق وجنى الجنتين دان  – الرحمن 54} .

ثم يقول تعالى :

(55) فبأي ألآء ربكما تكذبان (55)

سبق أن بينا هذه الآية من قبل :

ثم يقول تعالى :

(56) فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (56)

وهنا :

(فيهن)

أي أن فيهن خيرات حسان قال تعالى { فيهن خيرات حسان – الرحمن 70} و هؤلاء الخيرات الحسان هنا بين تعالى أنهن قاصرات الطرف قال تعالى { فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان – الرحمن 56 } أي [في هذه الفرش زوجات قاصرات أبصارهن على أزواجهن, لا ينظرن إلى غيرهم متعلقات بهم, لم يطأهن إنس قبلهم ولا جان –التفسير الميسر ] .

وأما :

(قاصرات الطرف)

[ والمقصورة من النساء : المنعمة في البيت لا تتركه لتعمل – المعجم الوسيط باب قصر ] قال تعالى { وعندهم قاصرات الطرف عين – الصافات 48 } أي [ وعندهم في مجالسهم نساء عفيفات لا ينظرن إلى غير أزواجهن حسان الأعين –التفسير الميسر ] .

وهؤلاء هنا قاصرات الطرف أتراب كما في قوله تعالى {وعندهم قاصرات الطرف أتراب – ص 52 } أي وعندهم نساء قاصرات أبصارهن على أزواجهن متساويات في السن.

وهنا يبين تعالى أنهن لم يطمثهن قبلهم إنس ولا جان قال تعالى { فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان – الرحمن 56} وهؤلاء هن الحور العين المصونات المخدرات الطاهرات اللائي لم يطمثهن قبلهم إنس ولا جان  لقوله تعالى { حور مقصورات في الخيام – الرحمن 22 }

وأما :

( الطرف)

[ وطرف كل شيئ منتهاه ومنه يجيئ جانب الشيئ والناحية – معجم ألفاظ القرآن باب الطاء فصل الراء والفاء ] قال تعالى { أنا آتيك به قبل ان يرتد إليك طرفك – النمل } أي طرف ثوبه أي لا يرى أحد طرف ثوبها من شدة حيائهن وعفتهن قال تعالى { ينظرون من طرف خفي – الشورى 45 } أي أن قاصرات الطرف لا يرى أحد طرف ثوبها ولا ترفع عينها في عين أحداً من الرجال .

وأما :

(لم يطمثهن قبلهم إنس ولا جان)

وهنا [ لم يطمثهن أي لم يمسهن وينكحهن فالطمث بالتدمية ومنه قيل للحائض طامث- معجم مجمع البحرين باب الثاء وما أولطه طاء ] ولذلك قال تعالى في موضع آخر من كتاب الله { إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا عُرُبًا أَتْرَابًا لِّأَصْحَابِ الْيَمِينِ – الواقعة 35-38} وعرباً أترابا أي [متحببات إلى أزواجهن, في سنٍّ واحدة  – التفسير الميسر ] أي لا يتغير جمالهن ولا عذريتهن و لا أجسامهن بتقدم الزمن كما هو في حال نساء الدنيا , وهؤلاء هن الحور العين كما في قوله تعالى : { فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ –الرحمن 70-75} .

ثم يقول تعالى

(57) فبأي ألآء ربكما تكذبان (57)

وهذه الآية قد بيناها من قبل :

ثم يقول تعالى :

(58) كأنهن الياقوت والمرجان (58)

وهنا :

(كأنهن)

ورد هذا اللفظ في تشبيه الحور العين بالبيض المكنون قال تعالى{كأنهن بيض مكنون – الصافات 49 } . أي كأنهن بَيْض مصون لم تمسه الأيدي .وهنا يشبههن بالياقوت والمرجان قال تعالى { كأنهن الياقوت المرجان } .

وأما :

(الياقوت)

[ والياقوت : جوهر بري وهو حجر من الأجدار الكرولونه في الغالب شفاف مشرب بالحمرة أو الزرقة أو الصفرة وواحدته ياقوته  – معجم ألأفاظ القرآن باب الياء فصل القاف والتاء ] . قال تعالى { كأنهن الياقوت والمرجان – الرحمن 58 } .

وأما :

(والمرجان)

جوهر بحري و [ المرجان صغار اللؤلؤ وقيل عظامها وواحدته مرجانه وهو جوهر نفيس أحمر يطلف في البحر عروقاً تشبه اصابع الكف – معجم ألفاظ القرآن باب الميم فصل الراء والجيم والنون ] قال تعالى { يخرج منهما اللؤلؤ و المرجان – الرحمن 22 } وهنا يبين تعالى الحور العين في جمالهن وحسنهن { كأنهن الياقوت والمرجان – الرحمن 58 }   .

ثم يقول تعالى :

(59) فبأي ألآء ربكما تكذبان (59)

سبق أن بينا هذه الآية أوائل السورة الكريمة :

ثم يقول تعالى :

(60) هل جزاء الإحسان إلا الإحسان (60)

وهنا :

(هل)

وهنا بعد محاكمة المجرمين يطلبون الشفاعة أو الرجوع للدنيا  ليعملوا غير الذي عملوا كما في قوله تعالى { هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون – الأعراف 53 }

ثم يقال هل النار { ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون – يونس 52 } ويقال لجهنم {  يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد – ق 30 }

وينادي صحاب الجنة أصحاب النار هل وجدتم وعد الله حقا قال تعالى  { ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين –الأعراف 44 } و عن هؤلاء الظالمين يقول تعالى { هل يهلك إلا القوم الظالمون – الأنعام 47 } و هل يجزون إلا ما كانوا يعملون { والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم هل يجزون إلا ما كانوا يعملون – الأعراف 147 } وعن المؤمنين يقول تعالى هنا { هل جزاء الإحسان إلا الإحسان – الرحمن }

وأما :

(جزاء)

{ وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون – الجاثية 28 } وهنا يبين تعالى أن جزاء المحسنين السابقين من أصحاب اليمين قال تعالى { وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ عَلَىٰ سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ مُّتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ لَّا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنزِفُونَ وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا – الواقعة 10-26 } . وهنا يقول تعالى بأن هؤلاء بأعمالهم الصالحة واسبقيتهم للإسلام كافئهم الله تعالى بالجنة وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان .

وأما :

(إلا)

أي أنه يقول تعالى { هل تجزون إلا ما كنتم تعملون – النمل 90 } فمن عمل صالحاً فلنفسه وسيجزيه الله تعالى الجنة ومن أساء فعليها وله جهنم خالداً فيها .

(الإحسان إلا الإحسان)

[ وأحسن : إحساناً : أتى بالفعل الحسن على وجه الإتقان والإحكام وصنع الجميل – معجم ألفاظ القرآن باب الحاء فصل السين والنون ]  قال تعالى { وأحسن كما أحسن الله إليك – القصص 77 } وهنا الإحسان طرفين

الأول : إحسان العبد وهو العمل الصالح :

أي كما كافأه الله تعالى فعليه بالعمل الصالح وهو الإحسان وكأن الإحسان من العبد هو الطاعة والولاية لأولي القربى وإيتاء حق الفقراء والمساكين واصحاب النصاب قال تعالى { إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي – النحل } وبالتالي من أحسن فهو ال    ذي عمل صالحاً ومن تولى أولى قربى النبي ثم الذين من بعدهم ممن تبعهم فهم الذين اتبعوهم بإحسان كما في قوله تعالى {  وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ – التوبة 100 } وهذا هنا هو الإحسان الأول من العبد إلى ربه وخالقه تبارك وتعالى ويكون بطاعته وولايته تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام .

الإحسان الثاني : مكافئة الله تعالى للمحسنين بالإحسان منه تعالى وهو الجنة :

قال تعالى { مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ – النمل 89 } وهذه الحسنة بعد طاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله ولاية أهل بيته ومودتهم لقوله تعالى :{ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ۗ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ – الشورى 23 }

ولفظ اقترف يأتي مشتركاً بين الحسنة والسيئة في اللغة وفي كتاب الله لا يأتي إلا مقترنأً بإثم أو معصية أو خروج على ولاية الله الحق وبالتالي اقترانه بآية مودة أهل البيت (عليهم السلام) كأنه تعالى يقول بأنه أمر بمودتهم ولكن لن يفعله إلا القليل قال تعالى في لفظ الإقتراف واقترانه بعداوة النبي من شياطين الإنس والجن قال تعالى : { وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ۚ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ  ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون – الأنعام 112-113 } . وهذا الإقتراف كان بتقديم ولاية آبائهم وقبائلهم وتجارتهم على مودة وولاية أهل بيت النبي (عليهم السلام)  لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين – التوبة 24 } . وقال تعالى مبيناً أن هذا الذنب سيكون باطناً عند بعض الأمة تجهله وبعضهم يعلمه ويكتمه لذلك ورد في قوله تعالى : { وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ  – الأنعام 120 } .

لذلك لا عجب أن ترى لم يقتل أهل بيت النبي إلا هذه الأمة التي تدعي أنها خير أمة أخرجت للناس وما هم كذلك بعد سفكهم لدماء أهل بيت النبي التي  يعاقبون بخها حتى يومنا هذا وإلى أن يشاء الله تعالى . وبالتالي {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان } هل جزاء ولاية الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام إلا الجنة

ثم يقول تعالى :

(61) فبأي ألآء ربكما تكذبان (61)

سبق بيان الآية من قبل :

ثم يقول تعالى :

(62) ومن دونهما جنتان (62)

وهنا :

(ومن دونهما)

ورد هذا اللفظ في قوله تعالى { حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا – الكهف 93} وهنا بين السدين [ والسَّد والسُّد جميعا: الحاجز بين الشيئين، وهما ها هنا فيما ذُكر جبلان سدّ ما بينهما، فردم ذو القرنين حاجزا بين يأجوج ومأجوج ومن وراءهم، ليقطع مادّ غوائلهم وعبثهم عنهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.- تفسير الطبري ] أي أن من دونهما هما جنتان ملحقتان بجنة عن أيمانهم وشمائلهم  وذلك لأن من دونهما من الدونية أي الأقل قال تعالى { لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا – الفتح 27 } .

وأما :

(جنتان)

هنا يقول تعالى عن الجنتان { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ – الرحمن 46 } ولورود لفظ جنتان مقترناً باليمين والشمال في سبأ عند قوله تعالى { لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ – سبأ 15 } أي أنهما جنتين عن أيمانهم وشمائلهم ولقوله تعالى هنا { ومن دونهما جنتان- الرحمن 62 } أي ملحق بهما جنتان أخريان أدنى منهما في المستوى متصلين بهما وكأنهم في مكان عالي مرتفع قال تعالى فيه { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ  قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ – الحاقة 19-24} وهنا يبين تعالى أن هذه الجنة العالية عن اليمين والشمال دونهما جنتان أدنى منهما في الأرتفاع وكأنهم على مرتفعات خضراء بها شتى المرزوعات دانية عليها قطوفها وظلالها .

ثم يقول تعالى :

(63) فبأي ألاء ربكما تكذبان (63)

سبق بيان هذه الآية .

ثم يقول تعالى :

(64) مدهامتان (64)

وهنا :

[ إدهام يدهام أدهيماما فهو مدهام : ضرب إلأى السواد من الدهمة وهو سواد الليل ويعبر به عن الخضرة الكاملة – معجم ألفاظ القرآن باب الدال فصل الهاء والميم  ] وهذا اللفظ ليس له مرادف في كتاب الله . قال تعالى هنا في بيان شدة خضرتها { مدهامتان – الرحمن 64 } وهذه الخضرة تكون في جو بينه تعالى أنه لافيه شمساً ولا زمهريرا بل كما قال تعالى { والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلا ظليلا – النساء 57} وهذه الظلال المتشابكة تكون في جو يشبه الغمام مع خضرة يانعة شديدة الإخضرار وهما الجنتان المدهامتان هنا في قوله تعالى { مدهامتان }

ثم يقول تعالى :

(65) فبأي ألآء ربكما تكذبان (65)

وهذه الآية سبق أن بيناها وكانه يقول تعالى هنا كيف تكذبون بنعم الله وألاءه  التي وعد بها الذين آمنوا وعملوا الصالحات :

ثم يقول تعالى :

(66) فيهما عينان نضاختان (66)

وهنا :

(فيهما عينان)

كأنه يقول تعالى عن الجنتان { فيهما عينان تجريان –الرحمن 50  } ويقول تعالى { ومن دونهما جنتان} هما ذوات العينان النضاختان هنا لقوله تعالى { فيهما عينان نضاختان – الرحمن 65 } أي فوارتان لأنهما أبعد وتحتاجان دفع المياه إليهما . وهذه الجنان أعدها الله تعالى للمتقين كما في قوله تعالى { إن المتقين في ظلال وعيون – المرسلات 41 } ومن هذه العيون عيناً فيها تسمى سلسبيلا قال تعالى { عيناً فيها تسمى سلسبيلا – الإنسان 18 } وهذه العين يشرب بها عباد الله تعالى كما في قوله تعالى { عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا – الإنسان 6 }

وأما :

(نضاختان)

وهذا اللفظ مما ليس له مرادف في كتاب الله , [ ونضخت عين الماء تنضخ نضخاً :فار ماؤها وارتفع من أسفل إلى علو وللمبالغة يقال عين نضاخة – معجم ألفاظ القرآن باب النون فصل الضاد والخاء ] قال تعالى { فيهما عينان نضاختان – الرحمن 65} .

ثم يقول تعالى :

(67) فبأي ألآء ربكما تكذبان (67)

سبق أن بينا هذه الآية من قبل :

ثم يقول تعالى :

(68) فيهما فاكهة ونخل ورمان (68)

وهنا :

(فيهما فاكهة)

أي أنه يقول تعالى { فيهما من كل فاكهة زوجان – الرحمن 52 } ومن هذه الفاكهة هنا جنات من فواكه و نخل ورمان قال تعالى { فيهما فاكهة ونخل ورمان }

وأما :

(ونخل ورمان)

وهنا يقول تعالى في النخل والرمان { وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين – الأنعام 141 }  وهذه الجنات من الفواكه مثلها في لدنيا ولكن لا يعرف

منها في الجنة إلا الأسماء فقط كما بينا من قبل .

ثم يقول تعالى :

(69) فبأي ألآء ربكما تكذبان (69)

سبق أن بينا الآية من قبل :

ثم يقول تعالى :

(70) فيهن خيرات حسان (70)

وهنا :

(فيهن)

أي أنه يقول تعالى { فيهن قاصرات الطرف لم يططمثهن إنس قبلهم ولا جان – الرحمن 45 } وهؤلاء الحور العين هنا يقول تعالى فيهم أنهن خيرات حسان يقول تعالى { فيهن خيرات حسان } أي [في هذه الجنان الأربع زوجات طيبات الأخلاق حسان الوجوه – التفسير الميسر ] .

وأما :

(خيرات)

[ الخيرات : جمع خيره بالتخفيف وهى الصالحة الفاضلة من الناس والأمور – معجم ألفاظ القرآن باب الخاء فصل الياء والراء ] قال تعالى { فيهن خيرات حسان – الرحمن 70} أي مسابقات في فعل الخير قال تعالى { فاستبقوا الخيرات – المائدة 48 }  ويبين تعالى أن المؤمنين في الدنيا كانوا يتولون الأئمة من أهل البيت الإبراهيمي وآخرهم أهل بيت النبي وقد أوحى الله تعالى إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة والعبودية لله تعالى كما في قوله تعالى {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ ۖ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ – الأنبياء 73 } ولذلك جزى الله تعالى من تولاهم الجنة بما فيها من جنان وخيرات حسان كما في الاية هنا { فيهن خيرات حسان } .

وأما :

(حسان)

[ والحسن : حالة حسية أو معنوية جميلة تدعوا إلى قبول الشيء ورغبة النفس فيه ويكون في الأقوال والأفعال والذوات والمعاني وحسن الشيئ يحسن حساً : أي صار حسناً جميلاً – معجم ألفاظ القرآن باب الحاء فصل السين والنون ] قال تعالى { لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك وكان الله على كل شيء رقيبا – الاحزاب 52 } وهنا يكون المعنى (حسان) أي جميلات الخلقة وهنا يبين تعالى أنهم لسن جميلات الخلقة فقط بل جميلات المنبت والأخلاق والسلوك الطيب لما ورد في السيدة مريم أم عيسى عليهما السلام { فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب – آل عمران 37 } .

ثم يقول تعالى :

(71) فبأي ألآء ربكما تكذبان (71)

سبق أن بينا هذه الآية من قبل

ثم يقول تعالى :

(72) حور مقصورات في الخيام (72)

وهنا :

[ حور : أي شدة بياض العين مع شدة سوادها – معجم ألفاظ القرآن باب الحاء فصل الواو والراء ] قال تعالى { وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون – الواقعة 22 } والآية هنا تبين أن الحور شديدوا خلقهن الله تعالى شديدوا البياض .لقوله تعالى { كأنهن بيض مكنومن} , وهؤلاء زوجات المؤمنين في الجنة لقوله تعالى { وزوجناهم بحور عين – الطور 20} وهؤلاء الحور مقصورات على أزواجهن في الخيام كما بينا من قبل قال تعالى { حور مقصورات في الخيام- الرحمن 72} .

وأما :

(مقصورات في الخيام)

وهنا مقصورات في الخيام أي مستورات في خدورهن لا تظهر على أحد ولا تبتغي غير أزواجهن وهذا ما أعده الله تعالى لعباده المؤمنين الذين تولوه ورسوله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام .قال تعالى { وعندهم قاصرات الطرف عين – الصافات 48} أي [ نساء عفيفات, لا ينظرن إلى غير أزواجهن حسان الأعين –التفسير الميسر ] وقال تعالى فيهن أيضاً { وعندهم قاصرات الطرف أتراب – ص 52} وأتراب أي طاهرات [ قاصرات أبصارهن على أزواجهن متساويات في السن. – التفسير الميسر ] وهؤلاء الحور العين لم يطمثهن قبلهم إنس ولا جان كما بينا من قبل في قوله تعالى { فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان – الرحمن 56 } .

وأما :

(في الخيام)

[ والخيمة أصلها بيت يتخذه الأعراب من الثياب أو عيدان الشجر وجمعها خيام وخيمات وأراد بها القرآن بيوتاً يعلم الله حقيقتها – معجم ألفاظ القرآن باب الخاء فصل الياء والميم ] ووفقاً لحديث ابن عباس [ ” لا يعلم من فاكهة الجنة إلا الأسماء ” ] فهى بالإسم خيمة ولكنها ليست كخيام الدنيا لقوله تعالى في موضع آخر من كتاب الله عن سكنى أهل الجنة أنها غرف من فوقها غرف مبينية قال تعالى { لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار وعد الله لا يخلف الله الميعاد –الزمر 20 } وقال تعالى { وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون – سبأ 37} وقال تعالى أيضاً مبيناً أن هذه الغرب للذين آمنوا وعملوا الصالحات : { والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نعم أجر العاملين – العنكبوت 58}

وهذه الخيام أو الغرف المبنية أو البيوت أو القصور إما أن أهل الجنة يتنقلون بينها لقوله تعالى في القصور في البيوت { وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين – التحريم 11} أو القصور الخاصة بالنبي صلى الله عليه وآله : { تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا – الفرقان 10} أو هى مكانة للعبد على حسب درجة عمله في الدنيا ومكافئة الله تبارك وتعالى له .

ثم يقول تعالى :

(73) فبأي ألآء ربكما تكذبان(73)

سبق أن بينا هذه لآية من قبل :

ثم يقول تعالى :

(74)  لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان (74)

أي أن هذه الآية يبينها قوله تعالى { فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان – الرحمن 56 } وقد بيناها من قبل .

ثم يقول تعالى :

(75) فبأي ألآء ربكما تكذبان(75)

سبق أن بيناها في الآية رقم (13) بما يغني عن تكرار بيانها :

ثم يقول تعالى :

(76) متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان (76)

وهنا :

(متكئين على)

أي متكئين على وسائد ذوات أغطية خضر وفرش حسان

والإتكاء تعني لغة

[  متَّكَئ: (اسم) الجمع : مُتَّكَآتٌ متَّكَئ : مُتَّكأُ (مفعول مِن اِتَّكَأَ) اِتَّخَذَ مِخَدَّةً مُتَّكَأً : مَا يُتَّكَأُ عَلَيْهِ مُتَّكأ: (اسم) الجمع : مُتَّكَآتٌ اسم مفعول من اتَّكأَ على اسم مكان من اتَّكأَ على: ما يُجلس ويُتَّكأ عليه من مخدَّة ووسادة ونحوهما لطعام أو شرابٍ أو حديث المُتَّكأُ :كرسيٌّ منجَّد له ذراعان وظَهْر والجمع

: مُتَّكآت توكَّأَ: (فعل) توكَّأَ على يتوكَّأ ، توكُّؤًا ، فهو مُتوكِّئ ، والمفعول مُتوكَّأ عليه تَوَكَّأَ عَلَى عَصَاهُ : اِعْتَمَدَهَا، اِتَّكَأَ عَلَيْهَا تَوَكَّأَ النَّاقةُ: أَخَذَها الطَّلْقُ فَصَرَخت أَتْكَأَ: (فعل) أَتْكَأْتُ، أُتْكِئُ، أَتْكِئْ، مصدر إِتْكَاءٌ أَتْكَأَتْ وَلَدَهَا : أَجْلَسَتْهُ وَمَكَّنَتْهُ فِي مَجْلِسِهِ أَتْكَأَ صَاحِبَهُ : حَمَلَهُ عَلَى الِاتِّكَاءِ ضَرَبَهُ فَأَتْكَأَهُ : أَلْقَاهُ عَلَى هَيْئَةِ الْمُتَّكِىءِ أَوْ عَلَى جَانِبِهِ الأَيْسَرِ – لسان العرب ] .

قال تعالى { فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلا مَلَكٌ كَرِيمٌ يوسف 31}

والمتكئ هنا في الجنة على الأرائك كما في قوله تعالى  { متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا  – الإنسان 13 } وقال تعالى { أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق متكئين فيها على الأرائك نعم الثواب وحسنت مرتفقا – الكهف 31 } ويتكئون على سرر قال تعالى فيها { متكئين على سرر مصفوفة وزوجناهم بحور عين – الطور 20 } و يتكئون هنا على وسائد وفرش قال تعالى فيها { متكئين على فرش بطائنها من إستبرق وجنى الجنتين دان – الرحمن 54 } وقال تعالى أيضاً { – متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان- الرحمن 76 }

وأما :

(على)
أي كما قال تعالى { متكئين على سرر مصفوفة وزوجناهم بحور عين – الطور 20 } و يتكئون هنا على وسائد وفرش قال تعالى فيها { متكئين على فرش بطائنها من إستبرق وجنى الجنتين دان – الرحمن 54 }وهذه الفرش والسرر من رفرف أخضر كما في الآية هنا { متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان} .

وأما :

(رفرف)

الرفرف من الألفاظ الغير موجود لها مرادف في كتاب الله ويعني [ رفرف : كل ثوب عريض وهو الرقيق من ثياب الديباج والواحدة رفرفة : وقيل هى الوسائد وقيل هى الفرش المرتفعة – معجم ألفاظ القرآن باب الراء فصل الفاء والراء والفاء ] . قال تعالى { متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان }

وأما :

(خضر)

وهو جمع للون الأخضر المذكور في قوله تعالى { أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق متكئين فيها على الأرائك نعم الثواب وحسنت مرتفقا – الكهف 31 } .

وأما :

(وعبقري)

[ نسبة العرب إلى موضع باليمن اسمه عبقر كل نافذ من إنسان وحيوان وشيئ غفنسبوا إليه كل جيد وتوسعوا فيه فقالوا العبقري الشديد فجارية وظبية عبقرة ناصعة البياض – معجم ألفاظ القرآن باب العين فصل الباء والقاف والراء ] وقال تعالى { وعبقري حسان – الرحمن 76 }

وأما :

(حسان)

[ والحسن بيناه من قبل حالة حسية أو معنوية كالمرأة التي يرغب فيها زوجها لحسنها وجمالها قال تعالى فيهن { فيهن خيرات حسان – الرحمن 70 } وكذلك هنا { مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ – الرحمن 76 } أي متكئين على وسائد ذوات أغطية خضر وفرش حسان .

ثم يقول تعالى :

(77) فبأي ألآء ربكما تكذبان(77)

سبق أن بيناها في الآية رقم (13) بما يغني عن تكرار بيانها :

ثم يقول تعالى :

(78) تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام (78)

وهنا :

(تبارك)

[ البركة : الخير والنماء وتبارك الله  : تقدس الله وتنزه أو كثر خيره الحسي أو المعنوي – معجم ألفاظ القرآن باب الباء فصل الراء والكاف ] قال تعالى { ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين – الأعراف 54 } أي تنزه تعالى عن كل نقيصة أو شريك وهو صاحب الخلق وله الأمر تبارك وتعالى ويثوق تعالى { اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ – غافر 64 } والله تعالى جل ذكره نزل كتاباً مباركاً وهو الثقل الأكبر في الحديث قال تعالى فيه { تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا- الفرقان 1 } . وقال تعالى { كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب – ص29 }.

وتأت البركة بعد ذلك في كل أنبياء الله تعالى الذين بعثوا للبشرية بنور  من نور ونور على نور قال تعالى { الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم – النور 35 } . وهذا هو الثقل الأصغر كما في حديث الثقلين .

وأما :

(اسم ربك)

واسم الله تعالى هو الله أو الرحمن لقوله تعالى { قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا – الإسراء 110 }

وهنا يبين تبارك و تعالى اسمه من آمن به فعليه بتعظيمه وتسبيحه { فسبح باسم ربك العظيم – الواقعة 74 } وقال تعالى { فسبح باسم ربك العظيم – الحاقة 52 } وهو الأعلى لقوله تعالى { سبح اسم ربك الأعلى – الأعلى 1 }

وهذا التسبيح في الصباح والمساء لقوله تعالى  { واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا – الإنسان 25} وهذه أوقات استحبابية للتسبيح وكذلك أوقات السحر وفيها تكون العبادة والتلاوة والتبتل إلى الله تعالى كما في قوله عز وجل { واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا – المزمل 8 } وكذلك أوقات مفضلة لتلاوة القرآن الكريم لقوله تعالى{ اقرأ باسم ربك الذي خلق – العلق 1 } . وتلك العبادة وهذا لتعظيم له تبارك وتعالى لأنه الخالق العظيم المستحق للعبادة والإجلال تبارك اسمه كما في الآية هنا .{ تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام } .

وأما :

(ذي الجلال والإكرام)

وهذه الآية قد بياناها من قبل في قوله تعالى { ويبقى وجه ربك ذو الجلال واللإكرام– الرحمن 27}

وهنا :

 (ذي) و(ذو)

أي ذو العرش وذو الفضل وذو الرحمة وذو الإنتقام كما في قوله تعالى { رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق – غافر15} وذلك من فضل الله تعالى على المؤمنين قال تعالى { والله ذو فضل على المؤمنين  آل عمران 152 } ويبين تعالى أن أكثر الناس لا يشكرون في قوله تعالى { وإن ربك لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون – النمل 73} ويبين تعالى أنه ذو رحمة واسعه ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين قال تعالى { فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين – الأنعام 147 } والله تعالى عزيز ذو انتقام كما في قوله تعالى { فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام – إبراهيم 37 } فإذا قامت القيامة أفنى الله تعالى كل الخلق ما إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات . قال تعالى { كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام – الرحمن} . وهنا يبين تعالى أن الله تعالى ذو الجلال والإكرام ذو العرش الكريم وذو الرحمة والفضل أنزل كتاباً قال تعالى فيه عن لفظ (ذي) ويرد دائماً على القرآن الكريم في قوله تعالى  { ص والقرآن ذي الذكر – ص 1 } وقوله تعالى { قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون  – الزمر 28 }  ومن أراد رضا الله تعالى والدار الآخرة فليعمل بالقرآن الكريم لأنه كتاب رب العرش الكريم ذو الجلال والإكرام  ومن كفر فإن الله تعالى عزيز ذي انتقام كما في قوله تعالى { ومن يهد الله فما له من مضل أليس الله بعزيز ذي انتقام – الزمر37 } . وذي يأت هنا مقترناً بالإنتقام الإلهي لأن لفظ ذي جاء على أمم كفرت بالله تعالى من قبل وظلمت قال تعالى { وفرعون ذي الأوتاد – الفجر 10} وقال تعالى أيضاً { هل في ذلك قسم لذي حجر  -الفجر5 }

و لذلك بين تعالى أن الله تعالى ذو العرش والرحمة والفضل أيضاً هو الذي أنزل القرآن (ذي الذكر) وهو شديد العقاب لكل من تقلد ب (فرعون ذي الأوتاد)  وبالتالي هو جل جلاله غافر الذنب شديد العقاب للظالمين المجرمين  كما في قوله تعالى { غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ  – غافر 3 } أي أنه تعالى [غافر الذنب للمذنبين, وقابل التوب من التائبين, شديد العقاب على مَن تجرَّأَ على الذنوب, ولم يتب منها, وهو سبحانه وتعالى صاحب الإنعام والتفضُّل على عباده الطائعين, لا معبود تصلح العبادة له سواه, إليه مصير جميع الخلائق يوم الحساب, فيجازي كلا بما يستحق – التفسير الميسر ] . لذلك يقول تعالى هنا { تبارك اسم ربك ذو الجلال والإكرام} .

وأما :

(ذو الجلال والإكرام )

و [  الجلال : جل الشيئ يجل :بكسر الجيم جلالة : عظم : ومنه جل فلان في عيني أي عظم : وجل الله عظمته – معجم ألفاظ القرآن باب الجيم فصل اللام واللام ] .قال تعالى { تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام – الرحمن 78 }

وأما :

(والإكرام)

[ وكرمه : شرفه وأحسن معاملته – وأكرمه : سلك معه مسلك الكرم والجود – معجم ألفاظ القرآن بابالكاف فصل الراء والميم ] قال تعالى { وقال الذي اشتراه من مصر أكرمي مثواه – يوسف 21 }

والله تعالى هو الكريم رب العرش الكريم بخلقه قال تعالى { فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم – المؤمنون 116 }  ومن كرمه تعالى أنزل كتاب كريم كما في قوله تعالى { إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون – الواقعة 77 } وهذا الكتاب الكريم نزل على رسول كريم قال تعالى فيه { إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين- التكوير } .

ويوم القيامة كل من عليها فان ويبقى المؤمنون الذين آمنوا بالله تعالى ورسوله ووتوله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام قال تعالى { كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذي الجلال والإكرام – الرحمن }

هذا وبالله التوفيق وما توفيقي إلا بالله

عليه توكلت وإليه أنيب وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين

انتهى العمل من هذه السورة الكريمة في 28 رمضان عام 1420 هـ

الموافق 5 يناير عام 2000 من ميلاد السيد المسيح (ع)

 في ساعة المشتري من أول النهار

أهـ .

السورة رقم (14)

سورة العصر

 يقول تعالى :

ورد في تفسيرالدر المنثور :

[ أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: نزلت سورة { والعصر } بمكة.

وأخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي مليكة الدارمي وكانت له صحبة قال: كان الرجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقيا لم يتفرقا حتى يقرأ أحدهما على الآخر سورة { والعصر إن الإِنسان لفي خسر } إلى آخرها، ثم يسلم أحدهما على الآخر….– الدر المنثور للسيوطي ]

وورد في تفسير البرهان :

[ ورد في تفسير البرهان : [” العصر: عصر خروج القائم (عليه السلام) { إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ } يعني أعداءنا، { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [يعني] بآياتنا { وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } يعني بمواساة الإخوان { وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقِّ } يعني بالإمامة { وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ } ، يعني في العسر .

ابن بابويه، قال: حدثنا أحمد بن هارون الفامي، و جعفر بن محمد بن مسرور، و علي بن الحسين بن شاذويه المؤذن (رضي الله عنهم)، قالوا: حدثنا محمد بن عبد الله بن جعفر بن جامع الحميري، قال: حدثنا أبي، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب الزيات، عن محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر، قال: سألت الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام)، عن قول الله عز و جل: { وَٱلْعَصْرِ * إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ } ، فقال (عليه السلام) .

” العصر: عصر خروج القائم (عليه السلام) { إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ } يعني أعداءنا، { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [يعني] بآياتنا { وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } يعني بمواساة الإخوان { وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقِّ } يعني بالإمامة { وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ } ، يعني في العسرة “.

– محمد بن العباس، قال: حدثنا محمد بن القاسم بن سلمة، عن جعفر بن عبد الله المحمدي، عن أبي صالح الحسن بن إسماعيل، عن عمران بن عبد الله المشرقاني، عن عبد الله بن عبيد، عن محمد بن علي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله عز و جل: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ } ، قال: ” استثنى الله سبحانه أهل صفوته من خلقه حيث قال: { إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ * إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بولاية أمير المؤمنين علي (عليه السلام) { وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } أي أدوا الفرائض { وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقِّ } أي بالولاية { وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ } أي وصوا ذراريهم و من خلفوا من بعدهم بها و بالصبر عليها “.

– علي بن إبراهيم، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا يحيى بن زكريا، عن علي بن حسان، عن عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله تعالى: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ } ، فقال: ” استثنى أهل صفوته من خلقه حيث قال: { إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ * إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } يقول: آمنوا بولاية أمير المؤمنين (عليه السلام): { وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقِّ } من بعدهم و ذراريهم و من خلفوا، أي بالولاية { وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ } أي وصوا أهلهم بالولاية و تواصوا بها و صبروا عليها “.

– و قال علي بن إبراهيم أيضا: { وَٱلْعَصْرِ * إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ } ، قال: هو قسم، و جوابه: إن الإنسان لخاسر.

و قرأ أبو عبد الله (عليه السلام): (و العصر، إن الإنسان لفي خسر، و إنه فيه إلى آخر الدهر، إلا الذين آمنوا و عملوا الصالحات، و تواصوا بالحق و تواصوا بالصبر و ائتمروا بالتقوى، و ائتمروا بالصبر).- تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني ] .

التفسير :

  • والعصر(1)

وهنا :

(و)

الواو هنا للقسم فقد أقسم الله تعالى جابة الدعاء وكذلك بالليالي العشرمن ذي الحجة أو العشر الأواخر من رمضان قال تعالى { و الفجر وليال عشر و الشفع و الوتر  – الفجر } ويقسم الله تعالى بوقت الضحى في قوله تعالى { والضحى والليل إذ جى – الضحى }وقال تعالى { والشمس و ضحاها والقمر إذا تلاها  }  والضحى ينتهي ويلتقي بوقت صلاة الظهر  ويقسم تعالى و يقسم الله تعالى بالليل قائلاً { و الليل إذا يغشى }  والليل والنهار يعرفان بالشمس والقمر وهما في السماء لذلك يقسم تعالى بالسماء في قوله تعالى { والسماء ذات البروج } { والسماء والطارق } وحيث أن الله تعالى يقسم بأوقات مختلفة بين الليل والنهار ويقسم بالسماء وما فيها من كواكب كالشمس والقمر والليل وما فيهما فهذه كلها أوقات صلاة قال تعالى فيها { فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ – الروم 17-18 } وبالتالي القسم هنا بالعصر وهو وقت من أوقات الصلاة . كما في قول ابن عباس [ أخرج ابن المنذر عن ابن عباس ( والعصر ) قال: ساعة من ساعات النهار . وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس ( والعصر ) قال: هو ما قبل مغيب الشمس من العشي. – الدر المنثور للسيوطي ] .

وأما :

(العصر)

وهذا اللفظ مما ليس له مرادف يبينه في كتاب الله .

ورد في تفسير البغوي : [ { وَٱلْعَصْرِ } ، قال ابن عباس : والدهر. قيل : أقسم به لأن فيه عبرة للناظر. وقيل: معناه ورب العصر، وكذلك في أمثاله. وقال ابن كيسان: أراد بالعصر الليل والنهار، يقال لهما العصران. وقال الحسن: من بعد زوال الشمس إلى غروبها. وقال قتادة: آخر ساعة من ساعات النهار. وقال مقاتل: أقسم بصلاة العصر وهي الصلاة الوسطى. { إِنَّ ٱلإِنسَـٰنَ لَفِى خُسْرٍ } ، أي خسران ونقصان – تفسير نعالم التنزيل للبغوي ] .

وفي تفسير الطبري يقول : [والصواب من القول في ذلك: أن يقال: إن ربنا أقسم بالعصر ( وَالْعَصْرِ ) اسم للدهر، وهو العشيّ والليل والنهار، ولم يخصص مما شمله هذا الاسم معنى دون معنى، فكلّ ما لزِمه هذا الاسم، فداخل فيما أقسم به جلّ ثناؤه.

ثم يقول تعالى :

  • إن الإنسان لفي خسر (2)

وهنا :

(إن الإنسان)

وهنا يبين الله تعالى أن الإنسان خلقه الله تعالى ولم يكن شيئاً مذكوراً من قبل قال تعالى { أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا – مريم 67} ثم خلقه تعالى من سلاة من طين قال تعالى {  ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ثُمَّ إِنَّكُم بَعْدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ – المؤمنون 12-16 } وهذا الإنسان سيكابد في الدنيا ويشقى فيها لقوله تعالى { لقد خلقنا الإنسان في كبد – البلد 4} ويبين تعالى أنه كاد0 في طريق لقاء الله تعالى بالحياة الدنيا كما في قوله تعالى { يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه – الإنشقاق 6 } وفي طريق كدحة وكده للقاء الله تعالى بالحياة الدنيا بين تعالى أن كثيراً من الناس إذا أنعم الله تعالى عليهم أعرضوا كما في قوله تعالى { وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض – فصلت 51 } وهؤلاء في خسران مبين قال تعالى فيه هنا { والعصر إن الإنسان لفي خسر  } وهنا العصر إذا عنى به الدهر فهو قد أضاع  دنياه في ما لا يرضي الله وترك الصلوات وأولها صلاة العصر وهى الصلاة الوسطى بين الليل والنهار قال تعالى { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } وهى صلاة العصر لتوسطها بين الليل والنهار .

وأما :

(لفي)

وهنا يبين تعالى أن الناس بغير طاعة الله تعالى ورسوله وولايته الحق و تعلم كتاب الله وتدارسه وتدبره فهم في ضلال مبين قال تعالى { لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين – آل عمران 164 } وبالتالي المؤمنين في عليين بالجنة كما في قول تعالى { كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين – المطففين 18} ومن ماتوا على كفر وخروج على ولاية الله الحق كما في قوله تعالى { كلا إن كتاب الفجار لفي سجين – المطففين 7 }  فهؤلاء في خسران مبين إلا  لا الذين آمنوا وعملو الصالحات هنا   { إن الإنسان لفي خسر  إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } .

وأما :

(خسر)

[ والخسر :

يكون لمن خرج على دين الإسلام وهو الطاعة والحنيفية الإبراهيمة والوصية لآخل بيت النبي عليهم السلام قال تعالى { ومن يبتغي غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين – آل عمران 85 } . وكل من أطاع كافراً أو منافقاً فهو من الخاسرين قال تعالى { يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين – آل عمران 149 } وكذلك من ارتد عن دينه وعمل بغير شريعة الإسلام  فهو من الخاسرين قال تعالى { وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ – المائدة 21 } و هؤلاء هم الذين كفروا بالإيمان وصدقوا غير كتاب الله وسنة رسوله وولاية أهل بيته عليهم السلام وقال تعالى فيهم { ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين – المائدة 5 } وطاعتهم لغير الله تعالى شركاً مع الله تعالى قال فيه { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم ياذن به الله – الشورى } ومن أطاع الرجال في غير نص من كتاب الله فهو الشرك كما في الآية السالفة وهو في الآخرة من الخاسرين لقوله تعالى {قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين – الزمر 64-65  }ولذلك قال تعالى في عباد الرجال بغير نص من كتاب الله ومن تركوا شريعة الله تعالى : { فاعبدوا ما شئتم من دونه قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين – الزمر 15 }

ومن ترك العمل الصالح لتخف موازينة يوم القيامة فهو مع الخاسرين { وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ – المؤمنون 103 } .

ومن الخاسرين آخر الزمان الذين خرجوا على إمام أهل البيت عليهم السلام لورود لفظ الخسران في قوله تعالى عن تأويل آخر الزمان الذي يأتي به إمام أهل البيت عليهم السلام : { هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون – ألأعراف 53 }

وهنا يصح تأويل تفاسير أهل البيت عليهم السلام أن العصر هو عصر إمام آخر الزمان كوجه من وجوه التفسير عند أهل بيت النبي عليهم السلام وهم الأعلم بكتاب الله :

ورد في تفسير البرهان : [” العصر: عصر خروج القائم (عليه السلام) { إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ } يعني أعداءنا، { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [يعني] بآياتنا { وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } يعني بمواساة الإخوان { وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقِّ } يعني بالإمامة { وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ } ، يعني في العسر .

– محمد بن العباس، قال: حدثنا محمد بن القاسم بن سلمة، عن جعفر بن عبد الله المحمدي، عن أبي صالح الحسن بن إسماعيل، عن عمران بن عبد الله المشرقاني، عن عبد الله بن عبيد، عن محمد بن علي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله عز و جل: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ } ، قال: ” استثنى الله سبحانه أهل صفوته من خلقه حيث قال: { إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ * إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بولاية أمير المؤمنين علي (عليه السلام) { وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } أي أدوا الفرائض { وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقِّ } أي بالولاية { وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ } أي وصوا ذراريهم و من خلفوا من بعدهم بها و بالصبر عليها “. – البرهان للسيد هاشم البحراني ] .

وهؤلاء هم الذين خسروا أنفسهم  وأهليهم يوم القيامة لقوله تعالى { وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ ۗ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ – الشورى 45 }

ثم يقول تعالى في المؤمنين الذين استثناهم عز وجل من الخسران في الدنيا والآخرة :

  • إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات (3)

وهنا يبين تعالى أن الإيمان هو التصديق لقوله تعالى عم إخوة يوسف وماذكروه عن يوسف عليه السلام أمام أبيهم { وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين – يوسف } والإيمان لا يقبل إلا بالعمل فلو آمن ولم يعمل فهو زعم باطل قال تعالى فيه { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالا بَعِيدًا – النساء 60 }

وإن أعلنوا الإسلام وعملوا بالطاعات وأبطنوا الكفر فهم منافقون قال تعالى فيهم { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ- المائدة 41 } وهؤلاء هم الذين قال تعالى في تظاهرهم بالإسلام { وإذا جاءوكم قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا أنا معكم إنما نحن مستهزءون – البقرة }  وبالتالي الإيمان لا بد وأن يكون قولا وعملا كما في قوله تعالى { ياعباد لاخوف عليكم ولا أنتم تحزنون الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين – الزخرف 69 } وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وآله [  الإيمان والإسلام أخوان قرينان لا ينفصلان .. الحديث – منتخب كنز العمال هامش مسند أحمد باب الإيمان ] .

وفي كتاب الله تعالى الإيمان قال تعالى فيه { الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۙ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ ذَٰلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ  – محمد 1-3 } ومن آمن بما نزل على محمد صلى الله عليه وآله أطاع الله تعالى ورسوله لقوله تعالى { قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ – آل عمران 32 }

ومن أطاعه تعالى تولاه عز وجل ورسوله والإمام عليه عليه السلام لقوله تعالى { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ – المائدة 55-56 } ومن تولى الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام فهو من الفائزين لما نزل فيهم من قوله تعالى أنهم خير البرية بسورة البينة قال تعالى { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ – البينة 7-8 }ورد في تفسير الدر المنثور في تفسير هذه الآية  [.. أخرج ابن مردويه عن عائشة قالت: ”  قلت يا رسول الله: من أكرم الخلق على الله؟ قال: ” يا عائشة أما تقرئين { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية }  .

وأخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد الله قال: ” كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأقبل عليّ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ” والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة، ونزلت { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية } “فكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا أقبل عليّ قالوا: جاء خير البرية .

وأخرج ابن عدي وابن عساكر عن أبي سعيد مرفوعاً: عليّ خير البرية.وأخرج ابن عدي عن ابن عباس قال: ” لما نزلت { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: ” هو أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين ” ” وأخرج ابن مردويه عن عليّ قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” ألم تسمع قول الله: { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية } أنت وشيعتك وموعدي وموعدكم الحوض إذا جئت الأمم للحساب تدعون غرّاً محجلين “.- الدر المنثور للسيوطي ] .

ومن خرج على هذه الولاية وهذه الطاعة فهو من الخاسرين كما في الآية هنا { والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات} وهنا يصح تأويل أهل البيت بأن الخاسرين هم الذين خرجوا على ولاية الله تعالى ورسوله وإمامة أهل بيته عليهم السلام وآخرهم قائمهم المهدي (عليه السلام) .

هذا وبالله التوفيق وما توفيقي

إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب وسلام على المرسلين

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

انتهى العمل من هذه السورة الكريمة بعد عشاء الجمعة الموافق 23 رمضان عام 1420 هـ الموافق

31 دديسمبر 1999م

السورة رقم (15)

سورة الكوثر

  • إنا أعطيناك الكوثر (1)

قصة الكوثر والإنقلاب على الأعقاب وجزاء المؤمنين والظالمين في الدنيا والآخرة :

[ ..  نزلت في العاص بن وائل السهمي: يقال: إن العاص وقف مع النبي صلى الله عليه وسلم يُكلمه، فقال له جمع من صناديد قريش: مع من كنت واقفًا؟ فقال: مع ذلك الأبتر، وكان قد توفي قبل ذلك عبدالله بن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من خديجة، فأنزل الله جل شأنه: ﴿ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ- الكوثر 3 ﴾ [ ؛ أي: المقطوع ذكره من خير الدنيا والآخرة.

وقال محمد بن إسحاق: عن يزيد بن رومان قال: كان العاص بن وائل إذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: دعوه، فإنه رجل أبتر لا عقب له، فإذا هلك انقطع ذكره، فأنزل الله هذه السورة. – تفسير القرطبي وابن كثير ] .

[ .. وأخرج مسلم والبيهقي من وجه آخر بلفظ ثم رفع رأسه فقرأ إلى آخر السورة، قال البيهقي والمشهور فيما بين أهل التفاسير والمغازي أن هذه السورة مكية وهذا اللفظ لا يخالفه فيشبه أن يكون أولى.
وأخرج الطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية { إنا أعطيناك الكوثر }.

وأخرج أحمد وابن المنذر وابن مردويه عن أنس أنه قرأ هذه الآية { إنا أعطيناك الكوثر } قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  ” أعطيت الكوثر فإذا هو نهر في الجنة يجري ولم يشق شقاً، وإذا حافتاه قباب اللؤلؤ فضربت بيدي إلى تربته فإذا هو مسكة ذفرة وإذا حصاه اللؤلؤ “.

وأخرج الطيالسي وابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” دخلت الجنة فإذا أنا بنهر حافتاه خيام اللؤلؤ، فضربت بيدي إلى ما يجري فيه الماء، فإذا مسك اذفر. قلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاكه الله “.
وأخرج أحمد والترمذي وابن جرير وابن المنذر والحاكم وابن مردويه عن أنس: ” أن رجلاً قال يا رسول الله: ما الكوثر؟ قال: نهر في الجنة أعطانيه ربي لهو أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل، فيه طيور أعناقها كأعناق الجزر. قال عمر: يا رسول الله إنها لناعمة. قال: آكلها أنعم منها يا عمر “.
وأخرج ابن مردويه عن أنس قال: ” دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ” قد أعطيت الكوثر، قلت يا رسول الله: ما الكوثر؟ قال: نهر في الجنة عرضه وطوله ما بين المشرق والمغرب لا يشرب منه أحد فيظمأ ولا يتوضأ منه أحد فيتشعث أبداً، لا يشرب منه من أخفر ذمتي ولا من قتل أهل بيتي ” “…..

وأخرج ابن جرير وابن عساكر عن مجاهد رضي الله عنه قال: الكوثر خير الدنيا والآخرة. وأخرج هناد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن عساكر عن عكرمة رضي الله عنه قال: الكوثر ما أعطاه الله من النبوّة والخير والقرآن.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: الكوثر القرآن. – الدر المنثور للسيوطي ]

وفي تفسير البرهان :

[الشيخ في (أماليه) قال: أخبرنا محمد بن محمد- يعني المفيد- قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا محمد بن الصلت، قال: حدثنا أبو كدينة، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن عبد الله بن العباس، قال: لما أنزل على رسول الله (صلى الله عليه و آله): { إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ ٱلْكَوْثَرَ } ، قال له علي بن أبي طالب (عليه السلام) ” ما هو الكوثر يا رسول الله؟ “. قال: ” نهر أكرمني الله به قال علي (عليه السلام): ” إن هذا النهر شريف، فانعته لنا يا رسول الله “؟ قال: ” نعم يا علي، الكوثر نهر يجري تحت عرش الله تعالى، ماؤه أشد بياضا من اللبن و أحلى من العسل و ألين من الزبد، حصاه الزبرجد و الياقوت و المرجان، حشيشه الزعفران، ترابه المسك الأذفر، قواعده تحت عرش الله عز و جل “. ثم ضرب رسول الله (صلى الله عليه و آله) يده على جنب أمير المؤمنين (عليه السلام) و قال: ” يا علي، إن هذا النهر لي، و لك، و لمحبيك من بعدي ” .

و رواه المفيد في (أماليه) قال: أخبرني أبو الحسن علي بن بلال المهلبي، قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن الحسين البغدادي، قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا محمد بن الصلت، قال: حدثني أبو كدينة، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن عبد الله بن العباس، قال: لما نزل على رسول الله (صلى الله عليه و آله) { إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ ٱلْكَوْثَرَ } قال له علي بن أبي طالب (عليه السلام): ” ما هو الكوثر يا رسول الله “. و ذكر الحديث بعينه.

– و عنه، قال: أخبرنا محمد بن محمد، قال: أخبرني أبو الحسن أحمد بن محمد بن الحسن، قال:حدثني أبي، عن سعيد بن عبد الله بن موسى، قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن العرزمي، قال: حدثنا المعلى بن هلال، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن عبد الله بن العباس، قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقول: ” أعطاني الله تعالى خمسا و أعطى عليا خمسا، أعطاني جوامع الكلم، و أعطى عليا جوامع العلم، و جعلني نبيا، و جعله وصيا، و أعطاني الكوثر، و أعطاه السلسبيل، و أعطاني الوحى، و أعطاه الإلهام، و أسرى بي إليه، و فتح له أبواب السماء و الحجب حتى نظر إلي و نظرت إليه “.

و عنه: بإسناده، عن عطاء بن السائب، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قال: ” قال النبي (صلى الله عليه و آله): أعطيت جوامع الكلم “.قال عطاء: فسألت أبا جعفر (عليه السلام): ما جوامع الكلم؟ قال: ” القرآن ” .

– محمد بن العباس: عن أحمد بن سعيد العماري، من ولد عمار بن ياسر، عن إسماعيل بن زكريا، عن محمد بن عون، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله: { إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ ٱلْكَوْثَرَ } قال: نهر في الجنة، عمقه في الأرض سبعون ألف فرسخ، ماؤه أشد بياضا من اللبن و أحلى من العسل، شاطئاه من اللؤلؤ و الزبرجد و الياقوت، خص الله تعالى به نبيه و أهل بيته (صلوات الله عليهم أجمعين) دون الأنبياء.
– و عنه: عن أحمد بن محمد، عن أحمد بن الحسن، عن أبيه، عن حصين بن مخارق، عن عمرو ابن خالد، عن زيد بن علي، عن أبيه، عن علي (عليه السلام)، قال: ” قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): أراني جبرئيل منازلي في الجنة، و منازل أهل بيتي، عن الكوثر “.

– و عنه: عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن مسمع بن أبي سيار، عن أنس بن مالك، قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقول: ” لما أسري بي إلى السماء السابعة، قال لي جبرئيل (عليه السلام): تقدم يا محمد أمامك. و أراني الكوثر، و قال: يا محمد، هذا الكوثر لك دون النبيين، فرأيت عليه قصورا كثيرة من اللؤلؤ و الياقوت و الدر، و قال: يا محمد، هذه مساكنك و مساكن وزيرك و وصيك علي بن أبي طالب و ذريته الأبرار ” ، قال: ” فضربت بيدي على بلاطه فشممته فإذا هو مسك، و إذا أنا بقصور، لبنة من ذهب و لبنة من فضة “. – تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني ] .

وهذا النهر في الجنة :

[عن سعيد بن جبير، عن عبد الله بن العباس، قال: لما نزلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله): ” إنا أعطيناك الكوثر ” قال له علي بن أبي طالب: ما هو الكوثر، يا رسول الله؟ قال: نهر أكرمني الله به.

قال علي (عليه السلام): إن هذا لنهر شريف، فانعته لنا يا رسول الله. قال: نعم يا علي، الكوثر نهر يجري تحت عرش الله (تعالى)، ماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، وألين من الزبد، حصاه الزبرجد والياقوت والمرجان، حشيشه الزعفران، ترابه المسك الأذفر قواعده تحت عرش الله (عز وجل)، ثم ضرب رسول الله (صلى الله عليه وآله) يده على جنب أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال: يا علي، إن هذا النهر لي ولك ولمحبيك من بعدي – وفي رواية أخرى (هو لي ولك ولفاطمة والحسن والحسين وليس لأحد فيه شيئ ) .- أمالي الطوسي ص 69-70 & تفسير البرهان وتفسير الصافي للفيض الكاشاني  ] .

وعن هذا النهر ورد فيما رواه البخاري ومسلم بأن الملائكة ستدفع بعضاً من صحابته صلى الله عليه وآله خرجوا على ولاية أهل البيت وحاربوهم وقتلوهم شر قتلة كما هو معلوم للجميع :

[ عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال«بينا أنا قائمٌ إذا زُمرَة، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلمَّ، فقلتُ: أين؟ قال: إلى النار والله، قلتُ: وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدُّوا بعدَك على أدبارهم القهقرى، ثم إذا زُمرَة، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلمَّ، قلت: أين؟ قال: إلى النار والله، قلت: ما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدُّوا بعدَك على أدبارهم القهقرى، فلا أُراه يخلُصُ منهم إلا مثلُ هَمَلِ النَّعَمِ – أخرجه البخاري ]

[ وفي روايةٍ: «ترِد عليَّ أمتي الحوضَ، وأنا أذودُ الناس عنه، كما يذودُ الرجل إبل الرجل عن إبله»، قالوا: يا نبيَّ الله، أتعرفنا؟ قال: «نعم، لكم سيما ليست لأحد غيركم، ترِدون عليَّ غرًّا محجَّلين من آثار الوضوء، وليصدَّنَّ عني طائفة منكم فلا يصلون، فأقول: يا ربِّ، هؤلاء من أصحابي! فيجيبني ملك فيقول: وهل تدري ما أحدثوا بعدك؟( أخرجها مسلم ]  .

وقال تعالى : { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين – آل عمران 114 } ولذلك بين صلى الله عليه وآله ماسيفعله هؤلاء لتثبيت نظرية حكمهم والقائمة في استبعاد أهل بيت النبي من كل حكومة البلاد وقيادة الجند ودوواين البلاد حتى يومنا هذا مازال حب أهل بيت النبي مجرد ادعاء فقط وفي الحقيقة لا يعرفون أي شيئ من حياتهم أو مروياتهم وعلومهم ومن تجرأ على ذلك يتهم بأنه شيعي أي كافر زنديق يستحق القتل بغير محاكمة ولا توبة له في فقه هؤلاء المحاربين وهذا من أفحش أخطائهم والمكائد التي دبرها سلف ليقع فيها خلف ربما بغير قصد وبنية حسنة اعتقاداً منهم أن ذلك مرضاة لله تعالى ورسوله قال صلى الله عليه وآله : [ لترًجعن بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض – البخاري ]  .

التفسير :

  • إنا أعطيناك الكوثر (1)

وهنا :

(إنا)

من خلال هذا اللفظ سيكشف القرآن الكريم ماذا اعطاه تعالى لرسوله صلى الله عليه وأهل بيته والمؤمنين وهو كما يلي :

أولا : أعطاه تعالى القرآن الكيم والوحي وفيه الخير الكثير في الدنيا والآخرة قال تعالى :

{ إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين – الزمر 2 }

{ إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما – النساء 105}

{ إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داوود زبورا – النساء 163 } وهذا الذكر والوحي محفوظ بإذن الله كما في قوله تعالى { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون – الحجر 9 } وهذا مما أعطاه الله تعالى لرسوله وأهل بيته وصحابته والمؤمنين قال تعالى {إنا اعطيناك الكوثر }

ثانياً : الرسالة مما أعطاه الله تعالى لرسوله (صلى الله عليه وآله):

قال تعالى { إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا – الفتح 8 } وقال تعالى أيضاً { يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا – الأحزاب 45 } وهذه  الرسالة مما أ‘طاه الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله هنا لقوله {إنا اعطيناك الكوثر } .

ثالثاً : النصر والفتح مما أعطاه الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله :

قال تعالى { إنا فتحنا لك فتحا مبينا – الفتح 1 } وقال تعالى أيضاً { إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد – غافر 51 }  وهذا مما أعطاه الله تعالى لرسوله وأهل بيته عليهم السلام والمؤمنين قال تعالى {إنا اعطيناك الكوثر }

رابعاً : هلاك الظالمين مما أعطاه الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله في الدنيا  :

قال تعالى {  فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون – الزخرف 41 } وقال تعالى أيضاً { أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون – الزخرف 42 } وقال تعالى أيضاً { وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون – المؤمنون 95 } وقال تعالى { إنا كفيناك المستهزئين – الحجر 95 } وقال تعالى { ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون –السجدة 22 } وهذا مما أعطاه الله تعالى لرسوله وأهل بيته عليهم السلام والمؤمنين قال تعالى {إنا اعطيناك الكوثر }

خامساً : وفي عذاب الآخرة لهؤلاء المجرمين الذين كفروا بآيات الله تعالى وحاربوا أهل بيت النبي وشيعتهم وأنصارهم مما أعطاه الله تعالى ووعد وعده الله تعالى  :

قال تعالى { إنا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالا وسعيرا – الإنسان 4 } وهذا مما أعطاه الله تعالى لرسوله وأهل بيته عليهم السلام والمؤمنين قال تعالى {إنا اعطيناك الكوثر }

سادساً : ومما أعطاه الله تعالى لرسوله والمؤمنين الجنة :

قال تعالى { إنا كذلك نجزي المحسنين – الصافات 131 } وهذا مما أعطاه الله تعالى لرسوله وأهل بيته عليهم السلام والمؤمنين قال تعالى {إنا اعطيناك الكوثر }

وبالتالي كل المعاني صحيحة هنا في الأحاديث من أن الكوثر هو الخير الكثير وهو القرآن وهو الرسول وأهل بيته عليهم السلام وولايتهم وهو النصر على الأعداء في الدنيا والآخرة ودخول الجنة بما فيها من أنهار ومنها نهرالكوثر العظيم الذي وصفته أحاديث النبي التي أوردناها من قبل .

وأما :

(أعطيناك)

وهنا يبين تعالى أنه سيعطي رسول الله صلى الله عليه وآله عطاءاً قال فيه { ولسوف يعطيك ربك فترضى – الضحى 5 }  وهذا العطاء ممدود غير منقطع في الدنيا والآخرة وكثير كما في قوله تعالى هنا { إنا أعطيناك الكوثر } وكذلك من طلب الدنيا يعطيه تعالى منها عطاءاً غير محظور لطالبي الدنيا وطالبي الآخرة

قال تعالى { كُلا نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا – الإسراء 20 } وعن أهل الجنة وعطاء الله تعالى لهم في الآخرة وخلودهم في جنته يقول تعالى  {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ – هود 108 } وهنا مادامت السماوات والأرض } أي إذا بدل اللتعالى الأرض غير الأرض والسماوات أيضا سيدخلون جنة الفردوس التي يرثها عباد الله الصالحون بعد يوم القيامة قال تعالى { يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات – إبراهيم 48  وهنا سيدخلون الجنة خالدين فيها بعد بعثهم ونشورهم وهنا يكون معنة قوله تعالى { خالدين فيها مادامت السماوات والأرض } في جنة عدن فإذاقمت القيامة أورثهم الله تعالى الفردوس الأعلى لقوله تعالى { الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون – المؤمنون 11}.

وقال تعالى أيضاً { إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا وَكَأْسًا دِهَاقًا لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا جَزَاءً مِّن رَّبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا – النبأ32 -36}

ثم يقول تعالى :

(2)  فصلي لربك وانحر (2)

ورد في تفسير الدر المنثور :

[عن ابن عباس { وانحر } قال: الصلاة المكتوبة والذبح يوم الأضحى.وأخرج ابن جريرعن قتادة { فصل لربك وانحر } قال: الأضحى والنحر نحر البدن.وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء { فصل لربك } قال: صلاة العيد.وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير { وانحر } قال: البدن.وأخرج ابن جرير عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم ينحر قبل أن يصلي فأمر أن يصلي ثم ينحر.وأخرج البيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله: { وانحر } قال: يقول فادع يوم النحر.وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن عكرمة قال: لما أوحى الله تعالى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قالت قريش: بتر محمد منا فنزلت { إن شانئك هو الأبتر } – الدر المنثور للسيوطي ] .

وهنا :

(فصلي لربك)

هنا يقول تعالى عن الصلاة { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين – البقرة 238} والصلاة في كتاب الله لها خمسة اوقات قال تعالى فيها { فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمدد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون – الروم } والصلاة هنا صلاة عيد الأضحى أو عيد النحر كما في الأحاديث والمرويات  ولذلك قال تعالى { فصلي لربك وانحر – الكوثر } .

وأما :

(وانحر)

[ ونحر البعير ينحره نحراً : ذبحه أعلى صدره حيث تكون القلادة – معجم ألفاظ القرآن باب النون فصل الحاء والراء ] قال تعالى هنا { فصلي لربك وانحر }

ورد في تفسير البرهان :

[ الشيخ في (أماليه) قال: أخبرنا الحفار، قال: حدثنا إسماعيل، قال: حدثنا أبو مقاتل الكشي ببغداد، قدم علينا سنة أربع و سبعين و مائتين في قطيعة الربيع، قال: حدثنا أبو مقاتل السمرقندي، قال: حدثنا مقاتل بن حيان، قال: حدثنا الأصبغ بن نباتة، عن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قال  ”  لما نزلت على النبي (صلى الله عليه و آله) { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنْحَرْ } ، قال: يا جبرئيل، ما هذه النحيرة التي أمرني بها ربي؟ قال: يا محمد، إنها ليست نحيرة، و لكنها رفع الأيدي في الصلاة ”

– محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن حماد، عن حريز، عن رجل، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: قلت له: { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنْحَرْ }؟ قال: ” النحر: الاعتدال في القيام، أن يقيم صلبه و نحره “. و قال: ” لا تكفر، فإنما يصنع ذلك المجوس، و لا تلثم، و لا تحتفز، و لا تقع على قدميك، و لا تفترش ذراعيك ” .

– الطبرسي: في معنى { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنْحَرْ } عن عمر بن يزيد، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) [يقول] في قوله: { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنْحَرْ }: ” هو رفع يديك حذاء وجهك “. و روى عنه عبد الله بن سنان مثله.

– و عن جميل، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنْحَرْ }؟ فقال بيده هكذا، يعني استقبل بيديه حذو وجهه القبلة في افتتاح الصلاة.

– و روي عن مقاتل بن حيان، عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: ” لما نزلت هذه السورة، قال النبي (صلى الله عليه و آله) لجبرئيل (عليه السلام): ما هذه النحيرة التي أمرني بها ربي؟ قال: ليست بنحيرة، و لكنه يأمرك إذا تحرمت للصلاة، أن ترفع يديك إذا كبرت، و إذا ركعت، و إذا رفعت رأسك من الركوع، و إذا سجدت، فإنه صلاتنا و صلاة الملائكة في السماوات السبع، فإن لكل شيء زينة و إن زينة الصلاة رفع الأيدي عند كل تكبيرة.

قال النبي (صلى الله عليه و آله): ” رفع الأيدي من الاستكانة. قلت: و ما الاستكانة؟ قال: ” ألا تقرأ هذه الآية: { فَمَا ٱسْتَكَانُواْ لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ – المؤمنون 76 }

ثم قال الطبرسي: أورده الثعلبي، و الواحدي في تفسيريهما.

– علي بن إبراهيم، في معنى السورة: قوله: { إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ ٱلْكَوْثَرَ } ، قال: الكوثر: نهر في الجنة أعطاه الله رسول الله (صلى الله عليه و آله) عوضا عن ابنه إبراهيم. – البرهان للسيد هاشم البحراني ] .

وورد في تفسير الدر المنثور [ وأخرج ابن جرير عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم ينحر قبل أن يصلي فأمر أن يصلي ثم ينحر. – الدر المنثور للسيوطي ] .

ثم يقول تعالى :

  • إن شانئك هو الأبتر (3)

وهنا :

(إن شانئك)

[ وشنأ : بغض – معجم ألفاظ القرآن باب الشين فصل النون والهمزة ] .

وشنأ بمعنى شَنَآنٌ : حِقْدٌ، و بُغْضٌ { وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا – المائدة 8 } والمعنى هنا مبغضك هو البتر قال تعالى { إن شانئك هو الأبتر } أي المقطوع الذكر والخير في الدنيا والآخرة وهذا جواب على قول هذا المجرم [ دعوا محمداً فإنه أبتر ] .

وأما :

(هو)

وهنا يبين تعالى أنه أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين قال تعالى { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين – النخل 125 } وقال تعالى أيضاً { أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولو الألباب – الرعد 19 }

و يورد تعالى نمازج ممن حاربوا الله ورسوله وأهل بيته عليهم السلام فقطعهم وبترهم لورود هذا الفظ في قوله تعالى { وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم – الإنفال 32 }

وورد في نصرالله تعالى لرسوله والمؤمنين على من حاربهم وخدعوهم قال تعالى { وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين –الأنفال62 } . وبالتالي من كان في الدنيا أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا قال تعالى { ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا – الإسراء 72 } .

وأما :

( الأبتر)

[ والأبتر : المنقطع عن الخير – مجمع البحرين  للطريحي كتاب الراء وما أوله باء ] قال تعالى هنا { إن شانئك هو الأبتر – الكوثر } أي مبغض شرع الله الكريم وسنة رسوله وأهل بيته عليهم السلام فهو المقطوع ذكره وإن ذكر فلا يذكر إلا باللعنات كما في قوله تعالى فيمن  حاربوا رسول الله  صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام بكتمان حق لهم نزل في كتابه الكريم { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ۙ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ -البقرة 159 } .فإذا كان يوم القيامة أبعدوا عن الحوض كما بينا في أول السورة وأورده البخاري ومسلم .

هذا وبالله التوفيق وما توفيقي إلا بالله

عليه توكلت وإليه أنيب وسلام على المرسلين

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

انتهى العمل من هذه السورة الكريمة  في 29 من رمضان سنة 1420 هـ في ساعة الزهرة

الموافق 6 يناير عام 2000 للميلاد

السورة رقم (16)

سورة التكاثر

[أخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نزلت بمكة سورة { ألهاكم التكاثر }
وأخرج الحاكم والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” ألا يستطيع أحدكم أن يقرأ ألف آية في كل يوم؟ قالوا: ومن يستطيع أن يقرأ ألف آية؟ قال: أما يستطيع أحدكم أن يقرأ ألهاكم التكاثر؟ ”

وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن أبي هلال رضي الله عنه قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمون { ألهاكم التكاثر } المغيرة . – الدر المنثور للسيوطي ] .

يقول تعالى :

  • ألهاكم التكاثر (1)

وهنا :

(ألهاكم)

[ وألهاه عن الشيئ يلهيه : شغله أو صرفه عنه و اللهو : تناول مالا يجدي من الأعمال وهو بهذا المعنى مصدر لها يلهو : تسلى وشغل نفسه بما فيه لذتها أو بمالا يجدي من الأعمال – واللهو بمعناه الأسمى : مايلهو به المرء من الأعمال الغير مجدية كالغناء والأساطير الوهمية – معجم ألفاظ القرآن باب اللام فصل الهاء والواو ] .

قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون – المنافقون 9 } واللهو يكون بالانشغال في أعمال الحياة الدنيا دون أداء حق الله فيها قال تعالى { وما الحياة الدنيا إلا لهو و لعب – الانعام 32 } ومن اللهو ما ذكره الله تعالى في قوله عز وجل { ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل به عن سبيل الله بغير علم – لقمان 6 } [ وله الحديث هنا هو الحديث الغير مجدي أو الخيالي الذي لا يستند إلى أساس واقعي أو هو كل ما شغلك عن ذكرر الله وعبادته من السمر والأضاحيك والخرافات والغناء ونحوه أو ما يتلهون به عن ذكر الله – معجم ألفاظ القرآن ص 564-565 ] . وهناك من هم لاية قلوبهم قال تعالى هنا { اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ  – الأنبياء 2-3}

وهؤلاء : [ قلوبهم غافلة عن القرآن الكريم, مشغولة بأباطيل الدنيا وشهواتها, لا يعقلون ما فيه. بل إن الظالمين من قريش اجتمعوا على أمر خَفِيٍّ: وهو إشاعة ما يصدُّون به الناس عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم من أنه بشر مثلهم, لا يختلف عنهم في شيء, وأن ما جاء به من القرآن سحر, فكيف تجيئون إليه وتتبعونه, وأنتم تبصرون أنه بشر مثلكم؟ – التفسير الميسر ] .

وهنا لهو القلوب لمن جاءوا من بعد قريشاً الأولى ما يدور في ضمائرهم وسرائر قلوبهم من التمتع بالشهوات والإحتفالات وإنفاق المال تبذيراً في ملذاتهم فقلوبهم مليئة بالتفكر في أمور دنياهم من اللهو واللعب وتسلية الأنفس بسماع كل ما هو بعيد عن ذكر الله وطاعته وولايته تعالى . واللهو هنا قال فيه تعالى { ألهاكم التكاثر} أي في الأموال والأولاد . وقال تعالى لهؤلاء من قريشاً الأولى حتى قريشاً الآخرة { قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين – الجمعة 11 }

وهؤلاء أمر الله تعالى بالإبتعاد عنهم وعدم مخالطتهم في كل زمان ومكان قال تعالى { وذر الذين اتخذوا دينهم لهواً ولعباً وغرتهم الحياة الدنيا – الأنعام 70 }

ثم بين تعالى وصف المؤمنين به الذينأسلموا وجوههم لله تعالى مبيناً أنهم شغلوا أنفسهم وقلوبهم بذكر الله و طاعته تعالى كما في قوله عز وجل : { رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله – النور 37 } .

ورد في تفسير الدر المنثور :

[ .. أخرج الطيالسي وسعيد بن منصور وأحمد وعبد بن حميد والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر والطبراني والحاكم وابن مردويه عن عبد الله بن الشخير رضي الله عنه قال: انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ { ألهاكم التكاثر } وفي لفظ وقد أنزلت عليه { ألهاكم التكاثر } وهو يقول: ” يقول ابن آدم: مالي مالي، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأبقيت”.
وأخرج الطبراني عن مطرف عن أبيه قال: لما أنزلت { ألهاكم التكاثر } قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” يقول ابن آدم مالي مالي، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأبقيت، أو أعطيت فأمضيت “.

أخرج عبد بن حميد ومسلم وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” يقول العبد مالي مالي، وإنما له من ماله ثلاثة ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو تصدق فأبقى. وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس “.

وأخرج عبد بن حميد عن الحسن رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” يقول ابن آدم مالي، وما له من ماله إلا ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو أعطى فأمضى “.

وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول والبيهقي في شعب الإِيمان وضعفه عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: ” قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني قارىء عليكم سورة { ألهاكم التكاثر } فمن بكى فقد دخل الجنة، فقرأها فمنا من بكى ومنا من لم يبك، فقال الذين لم يبكوا: قد جهدنا يا رسول الله أن نبكي فلم نقدر عليه. فقال: إني قارئها عليكم الثانية فمن بكى فله الجنة، ومن لم يقدر أن يبكي فليتباك “.
وأخرج عبد بن حميد عن عبد الله بن الشخير رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي وهو يقرأ { ألهاكم التكاثر } حتى ختمها. – الدر المنثور للسيوطي ] .

وأما :

(ألهاكم التكاثر)

هنا يقول تعالى { اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ – الحديد 20 }   هنا أن كثيراً من الناس ألهاهم هذا التكاثر في الأموال والتجارات والأولاد عن الإتعاظ بزيارة المقابر قال تعالى : { ألهاكم التكاثر } .

ولذلك نهى الله تعالى عن اللهو في الحياة الدنيا والإنصرافعن ذكر الله والعمل في طاعت عزو جل قال تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولدكم عن ذكر الله – المنافقون }

ثم يقول تعالى :

  • حتى زرتم المقابر (2)

وهنا :

(حتى)

هذا اللفظ في تحذير لبنى آدم من تركهم العمل الصالح إلى اللهو واللعب في الحياة الدنيا فإذا ماماتوا قالوا رب ارجعون قال تعالى { وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون – الأنعام 61} فإذا توفتهم رسل الله الموكولة بهم قالوا رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت قال تعالى { حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ – المؤمنون 99-104 }

وأما :

(زرتم)

[ وزاره يزوره زوراً : قصده ]  قال تعالى { حتى زرتم المقابر – التكاثر}[ وتزاور عنه يتزاور تزاورا : مال وتنحى قال تعالى { وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين – الكهف 17 } أي تميل الشمس نحو كهفهم قاصدة إياهم والكهف فيهه إشارة هنا لمكان موتهم وبعثهم وكأنه تعالى يدعوا الناس لزيارة الأموات ليتعظوا ويعلموا أنهم مبعوثون من بعد الموت كما بعث الله تعالى أهل الكهف ولكن البعث سيكون للحساب قال تعالى هنا لذلك { ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر – التكاثر }

وأما :

(المقابر)

[ وقبر الميت يقبره قبراً : دفنه وأقبره : أمره أن يقبر أو جعله ذا قبر والقبر مقر الميت وجمعه قبور – معجم ألفاظ القرآن باب القاف فصل الباء والراء ] قال تعالى { ولا تصل على أحد منهم مات أبدً  ولا تقم على قبره  – التوبة 84 }  وقال تعالى في كفر أكثر بني آدم  وأنه مبعوث من بعد الموت للحساب: { قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ  مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنشَرَهُ كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ  – عبس 17-23 }  وقال تعالى أيضاً { وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ –الحج 7}  وبالتالي زيارة القبور تذكر الإنسان بمن كانوا وفاتوا منها للموت والحساب وأنهم ميتون مثلهم ومحاسبون على أعمالهم ولكن الله تعالى يبين أن كثيرأً من الناس ألهتهم الحياة الدنيا عن هذه الزيارة والإتعاظ بما فيها من حكم إلهية بالغة .فقال تعالى لذلك { ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر } .

ثم يقول تعالى

  • كلا سوف ستعلمون (3) ثم كلا سوف تعلمون (4)

وهنا :

(كلا)

وهنا يبين تعالى أنهم كانوا يحبزن العاجل ويذرونم الآخرة ولا يعملون لها قال تعالى { كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة  – القيامة 20-21 } ولذلك يبين الله تعالى أنهم كانوا لا يخافون الآخرة قال تعالى { كلا بل لا يخافون الآخرة – المدثر 53 } ويبين تعالىأنه قد أعد لهم في الآخرة جهنم يصلونها وبئس المصير قال تعالى { كلا إنها لظى نزاعة للشوى – المعارج 15-16} ولذلك قال تعالى هنا { كلا سيعلمون }

وأما :

(سوف يعلمون)

قال تعالى في قوم نوح ممن ركبوا معه في السفينة { فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا ۖ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ – العنكبوت 65-66}

وسوف تعلمون وعيد كقول فرعون لعنه الله متوعداً السحرة الذين آمنوا بالله تعالى ورسوله { قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون –الأعراف 123}

ووعيد الله تعالى في الدنيا إذا تمتعوا وها عملوا لها وألهوا أنفسهم بما يلا ينفعهم في آخرتهم فسوف يعلمون قال تعالى في تمنيهم يوم القيامة ان لو كانوا مسلمين : {رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون – الحجر 2-3 } وهؤلاء قال تعالى فيهم هنا سوف يعلمون وهذا عذاب يخزيهم في الدنيا بتركهم شكر الله تعالى وطاعته على ما أنعم به عليهم قال تعالى فيه {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ ۚ فَتَمَتَّعُوا ۖ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ – الروم 53-55 } وهؤلاء هنا ينزل بهم عذاباً في الدنيا بعد أن تركوا على مكانتهم في الدنيا والآخرة  قال تعالى : { ويا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب وارتقبوا إني معكم رقيب – هود 93 } وهذا العذاب المرتقب في الديا قال فيه تعالى هنا { سوف تعلمون}

ثم يقول تعالى

  • ثم كلا سوف يعلمون (4)

وهنا :

(ثم)

تبين أنه مرحلة تنقل بين وعيدين الأول في الدينا وقال تعالى فيه { كلاسوف تعلمون} ثم عقب بلفظ (ثم) وقال { سوف تعلمون} أي أنه وعيد ثاني من بعد الموت كما سنبين .

وبالتالي ورود لفظ ثم في قوله تعالى { كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون – البقرة 28 } تبين أنهم بين عذابين في الدنيا وفي الآخرة من بعد الموت لقوله تعالى{   واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون – البقرة 281 } وهنا يقول تعالى في الظالمين { ثم كلا ستعلمون}

وأما :

(كلا)

وهنا كلا الثانية تدل على أنه وعيد ما عبد الموت لقوله تعالى { كلا لا وزر  إلى ربك يومئذٍ المستقر – القيامة 11-12 } وهذا يوم الدين الذي كذبوا به ولم عملوا له وشغلوا أنفسهم باللهو اللعبو التكاثر في الأموال والأولاد وهذا تكذيب قال تعالى فيه { كلا بل تكذبون بالدين – الإنفطار 9}وفي هذا اليوم سيجدون أسمائهم في كتاب سجين قال تعالى فيه { كلا إن كتاب الفجار لفي سجين – المطففين 7 }

ولذلك توعدهم الله تعالى هنا قائلا{ ثم كلا سوف تعلمون} .

وأما :

(سوف يعلمون)

وهؤلاء لعملهم بالهوى وهو إله آخر مع الله تعالى قال فيه {أرأيت من اتخذ إلأهه هواه وأضله الله على علم – الجاثية }  وهؤلاء لما عملوا للدنيا وألهوا أنفسهم بتكاثر الأموال و الأولاد توعدهم الله تعالى قائلا { الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون – الحجر 96 } وسوف يعلمون هنا في العذاب الثاني عذاب مقيم خالدين فيه قال تعالى فيه { فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم – هود 39}  وعاقبة الدار هنا تكون الجنة للمؤمنين والنار للكافرين بتركهم العمل بنصوص كتاب ربهم والتحاكم إليه قال تعالى { قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون – الأنعام 153}

 ثم يقول تعالى :

  • كلا لو تعلمون علم اليقين (5)

وهنا :

(كلا)
أي أنه يقول تعالى { كلا ستعلمون ثم كلا سوف تعلمون } أي كلا ستعلمون ما سيحل بهم في الدنيا والآخرة وكانت الملائكة تكتب أعمالهم قال تعالى { كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا – مريم 79 } وفي الآخرة سيرون بأعينهم صدق ما وعدهم الله تعالى ورسوله و سيعلمون علم اليقين حينها أن وعد الله حق قال تعالى هنا { كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم } .

وأما :

(لو تعلمون)

وهنا لو يعلمون أن ثواب الله في الآخرة خير لكان خيراً لهم قال تعالى { ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون – البقرة 103 } وبالتالي ما سيونه من عذاب يوم القيامة فهو اليقين قال تعالى  يقول تعالى عن عذاب يوم القيامة { لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون – الأنبياء 39 }  وهنا يعلمون يقيناً أن الله شديد العقاب قال تعالى { ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب – البقرة 165} .

وأما :

(علم اليقين)

وعلم اليقين العلم الواضح الذي لا شك فيه لقوله تعالى { وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا – النساء 157} أي أن علم اليقين علماً قائماً على الرؤية العينية اليقينية لذلك قال تعالى هنا { كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم } أي ستشاهدونه وتعاينونه بأعينكم يقيناً .

 وأما :

(اليقين)

[ ويقين الأمر ييقن يقناً : ثبت ووضح والوصف يقين ويقال اليقين للعلم الذي ينتفي عنه الشكوك والشبه يقال خبر يقين : لا شك فيه زيقال للموت اليقين لأنه لا يمتري فيه أحد – معجم ألفاظ القرىن باب الياء فصل القاف والنون ] . والقين رؤية بالعين لذلك قال تعالى في سيدنا  إبراهيم عليه السلام { وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين – الانعام 75 } ولذلك لما يرون العذاب يوم القيامة يقينا ويعاينوه عياناً حينها سيقولون { ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحاً إنا موقنون – السجدة 12 } وعلم اليقين في كتاب الله وفيه حق اليقين لقوله تعالى { وإنه لحق اليقين – الحاقة 51 } وبالتالي علم اليقين يكون مقترناً بالرؤية . لذلك قال تعالى { كلا لو تعلمون علم اليقين لتروون الجحيم } .

ثم يقول تعالى :

  • لتروون الجحيم (6)

أي أنه يقول تعالى هنا { وبرزت الجحيم لمن يرى – النازعات 36 } وهنا يكونون قد وصلوا إلى علم اليقين أنهم معذبون في الجحيم لقوله تعالى هنا { كلا لو تعلمون لعم اليقين لتروون الجحيم – التكاثر}

وأما :

(الجحيم )

[ الجحيم : من جحمت النار تجحم جحوماً / عظمت وتأججت واضطرمت وكثر جمرها وتوقدت – المعجم باب الجيم فصل الحاء والميم ] . قال تعالى { أنا لدينا أنكالاً وجحيما وطعاماً ذا غصة  وعذاباً أليما – المزمل }  وهذا الجحيم جعله الله تعالى لكل من آثر الحياة الدنيا وعمل لها قال تعالى { فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هى المأوى – النازعات } .

ثم يقول تعالى :

  • ثم لتوونها عين اليقين (7)

وهنا :

(ثم)

ورود هذا اللفظ في قوله تعالى { سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم  – التوبة 101 } . وهنا يروون الجحيم عين اليقين لقوله تعالى { ثم لتروونها عين اليقين } .

وأما :

(لتروونها)

أي أن الجحيم يبرز ويظهر رأي العين لقوله تعالى { وبرزت الجحيم لمن يرى – الشعراء 91 } وبرزت وبرز أي ظهر بعد اختفاء وهنا يظنون أنهم لم يلبثوا إل ساعة من النهار قال تعالى { فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون – الاحقاف 35 } .

وأما :

(عين )

قلنا من قبل أن علم اليقين المقترن بالرؤية وكذلك المعنى هنا لورود لفظ عين في قوله تعالى { قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار – آل عمران 13 } وكأن العين في كتاب الله موضع انعكاس أحاسيس الإنسان وما يشعر به من فرح وحزن وخوف قال تعالى في الفرح والسرور { وقري عينا – مريم 26 } وقال تعالى في ظهور الحزن والأسف في العين : { ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون – التوبة 92 } وفي الخوف والهلع { أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا – الاحزاب 19 }  وبالتالي عين اليقين هنا مرتبط بعلم اليقين فإن كان علمه يقيناً أنه من السعداء فتظهر سعاداته وفرحه في عينه ليكون عين اليقين وإن علم يقيناً بأنه من الهالكين فسيظهر هذا في عينيه ليتحول علم اليقين إلى عين اليقين وذلك بسبب إيمانه بحق اليقين الذي وعدهم الله تعالى به في الدنيا وهو القرآن الكريم ورسول رب العالمين قال تعالى :{ وإن هذا لهو حق اليقين – الواقعة 95} .

ثم يقول تعالى :

  • ثم لتسئلن يومئذٍ عن النعيم (8)

وهنا :

(ثم)

أي أنه يقول تعالى { إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون – الأنعام 36 }

{ وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون –الأنعام 60 } وقال تعالى { الله يبدأ الخلق ثم يعيده ثم إليه ترجعون- الروم 11 } وقال تعالى { قل لله الشفاعة جميعا له ملك السماوات والأرض ثم إليه ترجعون – الزمر 44 } وهنا السؤال على ذلك يبدأ من بعد الموت لقوله تعالى { ثم لتسئلن يومئذٍ عن النعيم } .

وأما :

(لتسئلن)

وهنا يبين تعالى أنهم سيسئلون يوم القيامة عما كانوا يعملون قال تعالى { فوربك لنسئلنهم أجمعين عما كانوا يعملون – الحجر 92 }  وستسأل أمته صلى اللهخ عليه وآله كما في قوله تعالى {وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون – الزخرف 44 }

وسيسئلون عن مودة أهل بيت النبي عليهم السلام وولايتهم لورود لفظ السؤال في قوله تعالى { ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ – الشورى 23 }

ولذلك في تفاسير أهل البيت عليهم السلام السؤال هنا الذي سيسئلون عنه ولايةأهل البيت عليهم السلام

[عن علي بن إبراهيم: في قوله تعالى: { أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ } أي أغفلكم كثرتكم { حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ } و لم تذكروا الموت { كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ ٱلْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ ٱلْجَحِيمَ } أي لا بد [من] أن ترونها { ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ ٱلْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ } [أي] عن الولاية ، و الدليل على ذلك قوله { وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ  – الصافات 24 } … و  عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قلت: قول الله: { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ }؟ قال: ” تسأل هذه الأمة عما أنعم الله عليها برسوله (صلى الله عليه و آله)، ثم بأهل بيته (عليهم السلام) – – البرهان للسيد هاشم البحراني ]

وسيسأل الله تعالى الجميع مرسلين و مرسل إليهم لقوله تعالى {فلنسئلن الذين أرسل إليهم ولنسئلن المرسلين – الحجر6 } وحتى الصادقين سيسألوا عن صدقهم كما في قوله تعالى { ليسأل الصادقين عن صدقهم وأعد للكافرين عذابا أليما – الأحزاب 8 }  والسؤال هنا على ذلك عن القرآن الرسول والعترة وما تمتعوا به فيالحياة الدنيا بغير حق .

وأما :

(يومئذٍ)

ورد هذا اللفظ في قوله تعالى { ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر – القيامة 13 } وهنا يكون الله تعالى سائلهم كما في الآية هنا { ولتسئلن يومئذٍ عن النعيم } فإذا سألهم الله تعالى نبأهم بما عملوا .

وأما :

(عن النعيم)

[ والنعيم : كل ما يتلذذ به وويتنعم من مطعم ومفرش ومركب وغير ذلك – معجم ألفاظ القرآن باب النون فصل العين والميم ]  قال تعالى { تعرف في وجوههم نضرة النعيم – المطففين 24 } وهذا النعيم سيسألون عنه يوم القيامة كما في الآية هنا { ولتسئلن يومئذٍ عن النعيم } .

هذا وبالله التوفيق وما توفيقي إلا بالله

عليه توكلت وإليه أنيب وسلام على المرسلين

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

انتهى العمل من هذه السورة الكريمة بعد عشاء 30 من رمضان سنة 1420 هـ

الموافق 7 يناير عام 2000 م

السورة رقم (17)

سورة الماعون

أرأيت الذي يكذب بالدين

 

  • [ عن ابن عباس، في قوله : ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ﴾ قال: الذي يكذّب بحكم الله عز وجلّ . – تفسير الطبري ] .

[ عن أبي عبد الله في قوله تعالى “أرأيت الذي يكذب بالدين “قال بالولاية يعني أن الدين هو الولاية – تفسير كنز الدقاق للقمي المشهدي ج 14 ص 454 ] .

 

  • أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1)

وهنا قوله تعالى

  • (أرأيت)

وأرأيت ورد هذا اللفظ في قوله تعالى {  أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا  أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ  بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا   – الفرقان 43 – 44 } أي أن قوله تعالى أرأيت الذي يكذب بالدين هم قوم عملوا برأيهم وبأهوائهم في مقابل النص القرآني وهؤلاء وصفهم الله تعالى أنهم كالأنعام بل هم أضل وهؤلاء عملهم بالهوى و تركهم العمل بكتاب ربهم من يهديهم من بعد الله كما في قوله تعالى { أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ  أَفَلَا تَذَكَّرُونَ – الجاثية 23 } وهنا يكون قول ابن عباس صحيحاً بأن المكذبين بالدين هم المكذبين بحكم الله تعالى وهم أيضاً المكذبين بالولاية وهة ولاية الله تعالى ثم ولاية رسوله وأهل بيته عليهم السلام الوارد ذكرها في قوله تعالى { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون – المائدة} وهؤلاء هم الذذين ينهون عن الصلاة بأحكامها من أمربالمعروف ونهي عن منكر لقوله تعالى { أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى أرأيت إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى ألم يعلم بأن الله يرى – العلق } .

حتى بعد إسلام هؤلاء نفاقاً قام إسلامهم على مدح وتزكيةرجالهم محولين الدين إلى مدائح لرجال وقبائل لورود لفظ الرؤية في قوله تعالى { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُم بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا  انظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَىٰ بِهِ إِثْمًا مُّبِينًا – النساء 49- 50 } .

وأما :

  • ( الذي يكذب)

التكذيب في كتاب الله لا يعني القول بأنه كذب بل جاء في مواضع من كتاب الله تعالى أن ترك العمل بكتاب الله تعالى تكذيب به لقوله تعالى في بني إسرائيل { مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ – الجمعة 5} .

وبالتالي تركهم العمل بآيات الله تعالى أضلهم الله عز وجل فلما أضلهم أصبحوا يختارون ما يضرهم ولا ينفعهم ولذلك قال تعالى : { سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ – الأعراف 146} .

والتكذيب هو الترك كما في قوله تعالى { وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ  وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَىٰ فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ– الحج 42-44 } فإن كان التكذيب ترك فهو كفر إعراض وإن كان على علم فهو جحود وإن كانوا مستكبرين فهو كفر استكبار .

وهؤلاء منهم الذين أسلموا نفاقاً ثم افتروا على الله الكذب وهم يزعمون الإسلام كما في قوله تعالى { ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام – الصف 7 } .

ومما كذبوه مدحهم لرجالهم وقبائلهم كما بينا وذلك في قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُم بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا  انظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَىٰ بِهِ إِثْمًا مُّبِينًا – النساء 49- 50 } .

وكذلك مما كذبوه تقولوا على الله غير الحق ونسبوا إليه ماليس فيه تعالى من شرك لم يقبلوه لأنفسهم وعملوا بالهوى في مقابل النص القرآني وكذلك  التجسيم ويدخل فيه نسبتهم الإناث إلى الله تعالى عما يشركون ولذلك قال تعالى في كل من جعل لله تعالى شيئاً يكرهه على نفسه : { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَىٰ لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُم مُّفْرَطُونَ – النحل 62 } .

وأما :

– ( بالدين )

[ الدين بكسر الياء يأتي لمعاني : الإنقياد والطاعة والجزاء والشريعة – معجم ألفاظ القرآن باب الدال فصل الياء والنون ] .

والدين هنا مايدين به العبد من شريعة إما حق وإما باطل فإن كان لغير الله  عملاً بالهوى أو شرائع أخرى أرضية أو غير كتاب الله تعالى فهو دين باطل قال تعالى فيه مبيناً أنه دين ولكن ليس دين الإسلام لقوله تعالى في عقائد مصر زمن سيدنا يسف عليه السلام  { مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ – يوسف 76 }

وأما إن كان عملاً بكتاب الله تعالى وسنة رسوله وولاية أهل بيته عليهم السلام امتداد المصطفين الأخيار من النبيين والمرسلين فهو دين الإسلام الحق لقوله تعالى  { إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ – آل عمران 19 } . وهذا الإسلام يقون على ولاية المصطفين الأخيار من أنبياء الله تعالى لقول سيدنا إبراهيم لبنيه عليهم السلام { إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ  – آل عمران 132} ثم بعد خاتم النبيين صلى الله عليه وآله فقد اصطفى الدين لذريتهم منأهل بيت النبي وقال فيهم سبحانه وتعالى { ذرية بعضها من بعض } قال تعالى { إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ  – آل عمران 33-34 }

وهذه هى الوصية التي أوصى بها كل أنبياء الله تعالى من قبل ولأن رسول الله خاتم النبيي صلى الله عليه وآله فالوصية من بعده بالإمامة وليست النبوة وهنا جاء الإختلاف بين من أرادوا الله تعالى والدرا الآخرة والعمل بكتاب الله تعالى وبين الذين عملوا للدنيا وبالشورى في مقابل النص قال تعالى لذلك في هذه الوصية {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ – الشورة 13 }

وبهذه الوصية لأمير المؤمنين علي عليه السلام يكتمل الدين ويتم لقوله تعالى

{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا – المائدة 3 } .

وفي الحديث :

عن أبي سعيد الخدري  إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا الناس إلى علي في غدير خم، وأمر [ما] تحت الشجرة من الشوك فقم – وذلك يوم الخميس – فدعا عليا وأخذ بضبعيه فرفعهما حتى نظر [الناس] إلى إبطي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لم يتفرقوا حتى نزلت هذه الآيات: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)  فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب برسالتي والولاية – نفحات الأزهار للسيد علي الميلاني ج 16ص 357 ] .

 

[حديث الغدير فيكتب الحديث

1 ـ [ قال النبي(صلى الله عليه وآله) يوم غدير خم : «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجي أمهاتهم؟ فقلنا بلى يارسول الله . قال : فمن كنت مولاه فعليّ مولاه اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه» –  مسند أحمد ، رقم الحديث 915  ]

 

2 ـ  [ وعن زاذان أبي عمر قال : سمعت عليّاً في الرحبة ، وهو ينشد الناس : من شهد رسول الله(صلى الله عليه وآله) يوم غدير خم وهو يقول ما قال .

فقام ثلاثة عشر رجلا فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله(صلى الله عليه وآله)وهو يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه » -مسند أحمد ، رقم الحديث 906  ]

3 ـ [  «إنّ النبي(صلى الله عليه وآله) قال يوم غدير خم : «من كنتُ مولاه» فعلي مولاه قال (ربما الراوي وهو أبو مريم أو غيره) فزاد الناس بعد : والِ من والاه وعادِ من عاداه» – مسند أحمد ، رقم الحديث 1242 ] .

وفيه : أنّ هذه الزيادة ليست من الناس ، بل هي رواية عن النبي(صلى الله عليه وآله)عن زيد عن رسول الله في حديث رقم 18522 في مسند أحمد .

ثم إن هذه الإضافة موجودة في مصادر الحديث الأخرى عند الطائفتين ، فلا إشكال في ثبوت صدورها عن النبي(صلى الله عليه وآله) ، ثم إن مورد الاستشهاد إنما بصدر الحديث أي قوله(صلى الله عليه وآله) : «من كنتُ مولاه فعلي مولاه» . وليس بذيله ، أي : (اللهم والِ من والاه . . .( .

4 ـ [  وعن أبي سرحة أو زيد بن علي عن النبي(صلى الله عليه وآله) : «من كنت مولاه فعلي مولاه» –   سند الترمذي ، كتاب المناقب ـ رقم الحديث 3646 .]

 

5 ـ  [ وقال سعد بن أبي وقاص لمعاوية بن أبي سفيان بعد أن نال الأخير من عليّ(عليه السلام) : «تقول هذا لرجل سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله)يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه »  –   نن بن ماجة ، رقم الحديث 118   ] .

 

6 ـ [  «وعن عامر بن سعد عن سعد ، أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله)خطب فقال : أما بعد ، أيّها الناس فإني وليكم قالوا : صدقت ، ثم أخذ بيد عليّ فرفعها ثم قال : هذا ولييّ والمؤدي عني ، والِ اللهم من والاه ، وعادِ اللهم من عاداه .

7 ـ  [ وعن عائشة بنت سعد عن سعد قال : أخذ رسول الله(صلى الله عليه وآله) بيد علي فخطب فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : ألم تعلموا أني أولى بكم من أنفسكم؟

قالوا : نعم ، صدقت يارسول الله . ثم أخذ بيد علي فرفعها : فقال : من كنت وليه فهذا وليه ، وإن الله ليوال من والاه ويعادي من عاداه» –   خصائص الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب : 176 حديث رقم 94 و95 ]

 

8 ـ [ «وعن عائشة بنت سعد عن سعد أنه قال : كنا مع رسول الله بطريق مكّة ، وهو متوجه إليها ، فلما بلغ غدير خم الذي بخم وقف الناس ثم ردّ من مضى ولحقه من تخلف فلما اجتمع الناس قال : أيّها الناس هل بلغت؟ قالوا : نعم . قال : اللهم اشهد . ثم قال : أيها الناس هل بلغت؟ قالوا : نعم . قال : اللهم اشهد ثلاثاً (ثم قال) أيها الناس من وليكم؟

قالوا : الله ورسوله ـ ثلاثاً ـ ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب فأقامه فقال : من كان الله ورسوله وليه فإن هذا وليه ، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه» –  رجمة الإمام علي من تاريخ دمشق 2 : 53 .]

 

9 ـ [ «روى عثمان بن سعيد عن شريك بن عبد الله ، قال : لما بلغ عليّاً(عليه السلام) أنّ الناس يتهمونه فيما يذكره من تقديم النبي(صلى الله عليه وآله) وتفضيله إياه على الناس ، قال(عليه السلام) : أنشد الله من بقي ممّن لقى رسول الله(صلى الله عليه وآله) وسمع مقاله في يوم غدير خم إلاّ قام فشهد بما سمع؟

فقام ستة ممن عن يمينه من أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله)وستة ممن على شماله من الصحابة أيضاً فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول ذلك اليوم وهو رافع بيدي علي : من كنتُ مولاه فهذا علي مولاه ، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه وانصر من نصره وأخذل من خذله ، وأحبَّ من أحبَّه وأبغض من أبغضه » –  شرح ابن أبي الحديد 2 : 287 .]

 

«وفي مكان آخر من كتاب النهج ينقل ابن أبي الحديد هذه القطعة الإضافية «وأنس بن مالك في القوم لم يقم : فقال له يا أنس! ما يمنعك أن تقوم فتشهد ولقد حضرتها؟

فقال : ياأمير المؤمنين كبرت ونسيت . فقال : اللهم إن كان كاذباً فارمه بها بيضاء لا تواريها العمامة .

قال طلحة بن عمير : فوالله لقد رأيت الوضح به بعد ذلك أبيض من عينيه» –   شرح نهج البلاغة 4 : 4 ]

 

10 ـ [« قال(صلى الله عليه وآله) يوم غدير خم : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه» –   الصواعق المحرقة : 122 ]

 

11 ـ  [ «وقام النبيّ(صلى الله عليه وآله) خطيباً وأخذ بيد علي بن أبي طالب فقال : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟

قالوا : بلى يا رسول الله(صلى الله عليه وآله( .

قال : فمن كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه»  – تاريخ اليعقوبي 2 : 112 . ]

 

12 ـ [  وقال النبي(صلى الله عليه وآله) للمسلمين في عودته من حجّة الوداع : «من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه»  – ا لمجموعة الكاملة لمؤلفات الدكتور طه حسين ، المجلد الرابع : الخلفاء الراشدون : 443 ] .

 

 

وهنا يتبين لنا أن الدين دينان دين حق ودين باطل يقوم على مخالفة الشرائع السماوية وأما المنافقون الذين وضعوا في دين الله الكذب وزعموا الإسلام فهم داخلون في ذلك لقوله تعالى كما بينا { ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام – الصف } ولذلك اختلفوا لشيع وأحزاب برزت من بعد موت النبي صلى الله عليه وآله فاختلفت الأمة لشيع وصفها الله تعالى بالشرك لأنهم أشركوا العمل بالهوى في مقابل النص القرآني كما في  قوله تعالى { مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ  – الروم31-32}

 

ولذلك قال صلى الله عليه وآله لقريش لما رفضوا القرآن الكريم والعمل بأحكامه والإيمان بما فيه وبرسالة النبي صلى الله عليه وآله قال لهم الله تعالى في سورة الكافرون  { لكم دينكم ولى دين – الكافرون}

 

وهذا الدين الحق يبين تعالى في استفهام استنكاري كيف يبغون غير دين الله  وهم يرون السماوات والأرض أسلما لله تعالى { لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون – يس } ولذلك قال تعالى هنا  { أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ  – آل عمران 83 } .

 

وهذا الدين يقوم على الولاء والبراء الولاء لأهل بيت النبي ومودتهم كما في قوله تعالى { قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى – الشورى } وهذا الولاء والبراء قال فيه تعالى عن سيدنا إبراهيم عليه السلام : { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ – الممتحنة 4 } .

وبالتالي قول الإمام الصادق أن الدين هو الولاية لله تعالى ولرسوله  وإمامة أهل بيته عليهم السلام صحيحاً و يأذن به الله ولايتهم خارج لولاية الشركاء الذين شرعوا للناس من الدين مالم يأذن به الله قال تعالى { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله – الشورى } وهؤلاء هم الذين فرقوا دينهم بالأهواء وكانوا شيعاً لقوله تعالى { إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ  – الأنعام 159 }  .

وهذا الدين الحق سيظل يحارب من أهل الكتاب كما في قوله تعالى { وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ  وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ– البقرة 217 } وتظل هذه الحرب مستمرة بحمق التيار اليميني المتشدد فيهم حتى يعاقبهم الله تعالى بيأجوج ومأجوج إن لم يتوبوا ويسلموا ويتولوا أهل بيت النبي وينصرونهم ويعاونون الضعيف وينصرون المظلومين من أهل بيت النبي  وهذه هى مقومات نصر وفتح لي أمة في العالم إن أرادت خير الدينا والآخرة .

 

وهذا الدين له يوم وهو يوم الحساب إذا مات هؤلاء الظالمون قالوا يوم القيامة

{ قالوا ياويلنا هذا يوم الدين – الصافات 20 } . وهذا اليوم كذب به هؤلاء المجرمين ولم يعملوا له لأعمال الصالحة ولذي قالوا يوم القيامة عند دخولهم سقر والعياذ بالله {  وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ  حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ  فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ – المدثر 46-48 } .

 

ثم يقول تعالى في وصف هؤلاء المكذبين بالدين هنا :

 

  • فذلك الذي يدع اليتيم (2)

 

(فذلك الذي )

وردت هذه الآيات ونقول آيات لأن كل حرف في كتاب الله آيه قال تعالى { الم تلك آيا ت الكتاب المبين } وهذه الآيات وردت في قوله تعالى

{ فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين غير يسير فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ فَذَٰلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ  ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا  وَبَنِينَ شُهُودًا  وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا  ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ  كَلَّا  إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا  – المدثر 8-17 } .

وهنا يتبين لنا أن هذا اليوم العسير للذي يكذب بالدين ويدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين قال تعالى هنا { أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين – الماعون }  وهنا يتبين لنا أن الوليد بن المغيرة كان من هؤلاء الذين كانوا يمنعون الماعون والآية عامة في كل من فعل ذلك إلى يوم الدين .

وأما :

( الذي )

ورد هذا اللفظ في قوله تعالى { ويل لكل همزة لمزة الذي جمع مالا وعدده – الهمزة } وقوله تعالى { أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى –  العلق } أي أن الذي كذب بالدين هو الذي يدع اليتيم وهو الحريص على الدنيا وجمع المال فيها بغير حق وهو الذي يمنع الناس من عبادة الله والصلاة .

وأما :

(يدع اليتيم)

[ ويدعه دعاً : دفعه دفعاً عنيفاً في إرهاق وإزعاج – معجم ألفاظ القرآن باب الدال فصل العين والعين ]

قال تعالى { يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَىٰ نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا  هذه النار التي كنتم بها تكذبون – الطور 13-14 } أي أن صفة من صفات المكذب بيوم الدين تجبره على الفقراء والمساكين وردفعهم دون شفقة أو رحمة كما في الآية هنا { أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم } .

وأما :

(اليتيم)

واليتيم هوالذي فقد الأب دون البلوغ لقوله تعالى في الوصاية على تركاتهم وميراثهم إذا بلغوا سن النكاح { وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ – الأنعام 152} . ثم يبين تعالى أن أهل النار هم الذين لا يكرمون اليتيم وذلك تحذير للمؤمنين من أن يقعوا في تلك الكبيرة في قوله تعالى { كلا بل لا تكرمون اليتيم ولا تحاضون على طعام المسكين – الفجر }

 

وأول يتيم في الإسلام بالفعل تم دعه والإستهزاء به والإعراض عنه وعن دعوته في محضر من بني هاشم وبني عبد المطلب حضرة النبي صلى الله عليه وآله لما قال له أبو لهب تباً لك الهذا جمعتنا

[ عن ابن عباس  لَمَّا نَزَلَتْ هذِه الآيَةُ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] ورَهْطَكَ منهمُ المُخْلَصِينَ، خَرَجَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ حتَّى صَعِدَ الصَّفا، فَهَتَفَ: يا صَباحاهْ، فقالوا: مَن هذا الذي يَهْتِفُ؟ قالوا: مُحَمَّدٌ، فاجْتَمَعُوا إلَيْهِ، فقالَ: يا بَنِي فُلانٍ، يا بَنِي فُلانٍ، يا بَنِي فُلانٍ، يا بَنِي عبدِ مَنافٍ، يا بَنِي عبدِ المُطَّلِبِ، فاجْتَمَعُوا إلَيْهِ، فقالَ: أرَأَيْتَكُمْ لو أخْبَرْتُكُمْ أنَّ خَيْلًا تَخْرُجُ بسَفْحِ هذا الجَبَلِ، أكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟ قالوا: ما جَرَّبْنا عَلَيْكَ كَذِبًا، قالَ: فإنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ، قالَ: فقالَ أبو لَهَبٍ: تَبًّا لكَ أما جَمَعْتَنا إلَّا لِهذا، ثُمَّ قامَ فَنَزَلَتْ هذِه السُّورَةُ: (تَبَّتْ يَدا أبِي لَهَبٍ وقدْ تَبَّ ) – رواه مسلم – حديث صحيح ]
[ ع اليتيم قال فيه البغوي في تفسيرة : يقهره ويدفعه عن حقه، والدع: الدفع بالعنف والجفوة ]
ثم يقول تعالى :
(3) ولا يحض على طعام المسكين (3)

وأما :

( ولا يحض)

[ وحض عليه : حثه عليه – معجم ألفاظ القرآن باب الحاء فصل الصاد والضاد ]

قال تعالى { كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَّمًّا  وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا  – الفجر 17-20 } وهذه الجريمة أو الكبيرة عند الله تعالى تستوجب النار لقوله تعالى في أهلها { مَا أَغْنَىٰ عَنِّي مَالِيَهْ   هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ  خُذُوهُ فَغُلُّوهُ  ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ  ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ  إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ  وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ  فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ  – الحاقة 28 – 35 } .

وأما :

(طعام المسكين )

والمسكين الذي اسكنته الحاجة والفقر وهذا دائما يجتنبه أولي الطول والحول من الأغنبياء والمستكبرين قال تعالى فيما فعله الأغنياء بالفقراء ودمر الله تعالى زراعاتهم { إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ  وَلَا يَسْتَثْنُونَ  فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ  فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ  فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ  أَنِ اغْدُوا عَلَىٰ حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ  فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ  أَن لَّا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ  وَغَدَوْا عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ  فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ  بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ  قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ  قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ  فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ  قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ  عَسَىٰ رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِّنْهَا إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا رَاغِبُونَ  – القلم 17-32} .

وهنا يبين تعالى أن خير مثال ضربه لأهل الجنة هم أهل بيت النبي عليهم السلام أو الإمام علي والسيدة فاطمة الزهراء لما نزل فيهم من قوله تعالى { وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا  إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا  – الإنسان 8-9 }

[  قوله تعالى : ( ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ) قال عطاء ، عن إبن عباس‏ :‏ وذلك أن علي بن أبي طالب (عليه السلام) نوبة أجر نفسه يسقي نخلاً ، بشيء من شعير ليلة حتى أصبح وقبض الشعير وطحن ثلثه فجعلوا منه شيئاً ليأكلوا يقال له : الخزيرة ، فلما تم إنضاجه أتى مسكين فأخرجوا إليه الطعام ثم عمل الثلث الثاني ، فلما تم إنضاجه أتى يتيم فسأل فأطعموه ثم عمل الثلث الباقي ، فلما تم إنضاجه أتى أسير من المشركين فأطعموه وطووا يومهم ذلك فأنزلت فيه هذه الآية – أسباب النزول للواحدي ص 296 ]

مصادر وردت فيها أسباب النزول :

[المصادر :

 

– الحاكم الحسكاني – شواهد التنزيل – الجزء : ( 2 ) – رقم الصفحة : ( 298 ) – رقم الحديث : ( 1042 / 1046 / 1047 / 1048 / 1051 / 1053 / 1054 / 1055 / 1056 / 1057 / 1058 / 1059 / 1061 ).

– الموفق الخوارزمي الحنفي – المناقب – رقم الصفحة : ( 188 / 194 ).

– الكنجي الشافعي – كفاية الطالب : رقم الصفحة : ( 345 / 348 ) الطبعة الحيدرية ، رقم الصفحة : ( 345 ) طبعة الغري.

– السبط إبن الجوزي الحنفي – تذكرة الخواص – رقم الصفحة : ( 312 / 317 ).

– إبن مغازلي الشافعي – مناقب علي (ع) – رقم الصفحة : ( 272 ) – رقم الحديث : ( 302 ).

– الشبلنجي – نور الأبصار – رقم الصفحة : ( 102 / 104 ) – الطبعة السعيدية بمصر ، رقم الصفحة : ( 101 / 102 ) – الطبعة العثمانية بمصر.

– القرطبي – الجامع لآحكام القرآن – الجزء : ( 19 ) – رقم الصفحة : ( 130 ).

– الزمخشري – الكشاف – الجزء : ( 4 ) – رقم الصفحة : ( 670 ) – طبعة بيروت ، الجزء : ( 4 ) – رقم الصفحة : ( 197 ) – طبعة محمد بمصر.

– الآلوسي – روح المعاني – الجزء : ( 29 ) – رقم الصفحة : ( 157 ).

– إبن الأثير – أسد الغابة – الجزء : ( 5 ) – رقم الصفحة : ( 530 / 531 ).

– الواحدي النيسابوري – أسباب النزول – رقم الصفحة : ( 251 ).

– الفخر الرازي – تفسير الفخر الرازي – الجزء : ( 13 ) – رقم الصفحة : ( 243 ) طبعة البهية بمصر ، الجزء : ( 8 ) – رقم الصفحة : ( 392 ) طبعة الدار العامرة بمصر.

– الكلبي – التسهيل لعلوم التنزيل – الجزء : ( 4 ) – رقم الصفحة : ( 167 ).

– الشوكاني – فتح القدير – الجزء : ( 5 ) – رقم الصفحة : ( 249 ) الطبعة الثانية ، الجزء : ( 5 ) – رقم الصفحة : ( 338 ) الطبعة الأولى / الحلبي بمصر.

– السيوطي – الدر المنثور – الجزء : ( 6 ) – رقم الصفحة : ( 299 ).

– السيوطي – اللآلي المصنوعة – الجزء : ( 1 ) – رقم الصفحة : ( 370 ).

– الطبري – ذخائر العقبى – رقم الصفحة : ( 88 / 102 ).

– محب الدين الطبري – الرياض النظرة – الجزء : ( 2 ) – رقم الصفحة : ( 274 / 302 ).

– إبن طلحة الشافعي – مطالب السؤول – الجزء : ( 1 ) – رقم الصفحة : ( 88 ).

– إبن عبد ربه – العقد الفريد – الجزء : ( 5 ) – رقم الصفحة : ( 96 ) لجنة التأليف والنشر بمصر – والجزء : ( 3 ) – رقم الصفحة : ( 45 ) ط أخرى.

– تفسير الخازن – الجزء : ( 7 ) – رقم الصفحة : ( 159 ).

– تفسير النسفي – الجزء : ( 4 ) – رقم الصفحة : ( 318 ).

– تفسير البيضاوي – الجزء : ( 5 ) – رقم الصفحة : ( 165 ) ط بيروت ، الجزء : ( 4 ) – رقم الصفحة : ( 235 ) ط مصطفى محمد.

– البغوي الشافعي – معالم التنزيل بهامش الخازن – الجزء : ( 7 ) – رقم الصفحة : ( 159 ).

– إبن حجر – الإصابة – الجزء : ( 4 ) – رقم الصفحة : ( 387 ) ط السعادة ، الجزء : ( 4 ) – رقم الصفحة : ( 376 ) ط مصطفى محمد بمصر.

– التستري – إحقاق الحق – الجزء : ( 3 ) – رقم الصفحة : ( 158 / 169 ) ، الجزء : ( 9 ) – رقم الصفحة : ( 110 / 123 ).

– القندوزي الحنفي – ينابيع المودة – رقم الصفحة : ( 93 / 212 ) ط إسطنبول ، رقم الصفحة : ( 107 / 108 / 251 ) ط الحيدرية.

– الترمذي – نوادر الأصول – رقم الصفحة : ( 64 ).

– إبن أبي الحديد – شرح نهج البلاغة – الجزء : ( 1 / 13 ) – رقم الصفحة : ( 21  / 276 ) ط مصر بتحقيق محمد أبو الفضل.

– فضائل الخمسة في الصحاح الستة – الجزء : ( 1 ) – رقم الصفحة : ( 254 ).

– الحمويني – فرائد السمطين – الجزء : ( 1 ) – رقم الصفحة : ( 53 / 56 ) – رقم الحديث :   383 ) ] .

ثم يبين تعالى استخدام أعداء الله خطة حصار المؤمنين بإفقارهم ومنع حقوقهم من طعام في قوله تعالى {  أنطعم من لو يشاء الله أطعنه – يس 47 } وهؤلاء مأواهم سقر كما في قوله تعالى {  كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ  إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ  فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءلُونَ  عَنِ الْمُجْرِمِينَ  مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ  وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ  وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ  وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ  حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ  فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ  – المدثر 38-48} .

 

(4) فويل للمصلين (4) الذين هم عن صلاتهم ساهون (5)

 

وأما :

(فويل)

الويل كلمة عذاب ودعاء شر لمن يستحق الهلكة لسوء فعله – معجم ألفاظ القرآن باب الواو فصل الياء واللام ] قال تعالى { وويل للكافرين من عذاب شديد – إبراهيم 2}  وقال تعالى { ويل للمكذبين – الطور 11 } وهؤلاء المكذبين منهم تاركي الصلاة الذي قال فيهم صلى الله عليه وآله [  العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر  – الترمذي – حديث صحيح ] .
ومن هؤلاء التاركين الذين توعدهم الله تعالى بالعذاب هم الساهون عن الصلاة وذلك لعظم مكانتها عند الله تعالى ولا عذر لأاحد في تركها وليصلها ولو بعينه أو على جنبه أو قاعداً أو قائما لذلك قال تعالى هنا { فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون – الماعون } .
وأما :
(للمصلين الذين هم عن صلاتهم)
والصلاة قال تعالى فيها هنا { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين – البقرة 43 } وهذه الصلاة لها مواقيت قال تعالى فيها { اقم الصلاة طرفى النهاز وزلفاً من الليل – – هود 114 } وقال تعالى أيضاً { اقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا – الإسراء 78 } وهذه الأوقات محددة بالخيط الأبيض والأسود من الفجر والظهرين والعشائين قال تعالى
{ إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا – النساء 107}
وهذه الصلاة أوصى بها أنبياء الله تعالى بوحي وأمر من الله تعالى قال فيهم ( عليهم السلام) {وجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ  وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ – النبياء 73}
والمؤمنون تابعون لهؤلاء الأنبياء والمرسلين وأئمة أهل بيت النبي عليهم السلام لقوله تعالى { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ  رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ  يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ  – النور 36-37 }
وهذه البيوت هى بيوت رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي أفضلها كما في الحديث [عن أنس بن مالك وبريدة قال: قرأ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) هذه الآية (في بيوت أذن الله أن ترفع) فقام إليه رجل فقال: أي بيوت هذه يا رسول الله؟ قال: ” بيوت الأنبياء “، فقام إليه أبو بكر فقال: يا رسول الله، هذا البيت منها؟لبيت علي وفاطمة – قال: ” نعم من أفاضلها “.  الدر المنثور، ج ٥، ص ٥٠. ورواه ابن مردويه كما في توضيح الدلائل (ص ١٦٢) وروح المعاني (ج ١٨، ص ١٥٧) وأرجح المطالب (ص ٧٥وكشف الغمة (ج ١، ص ٣١٩) وكشف اليقين (ص ٣٨٠) ورواه الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل (ج ١، ص ٤١٠، ح ٥٦٧)، قال: حدثني أبو الحسن الصيدلاني وأبو القاسم بن أبي الوفاء العدناني، قالا: حدثنا أبو محمد بن أبي الشيباني، حدثنا أبو بكر بن أبي دارم بالكوفة، حدثنا المنذر بن محمد بن المنذر بن سعيد بن أبي الجهم، حدثنا أبي، حدثنا عمي أبان بن تغلب، عن بقيع بن الحرث، عن أنس بن مالك، وعن بريدة قالا: قرأ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه الآية: (في بيوت أذن الله – إلى قوله – والأصال) فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله، أي بيوت هذه؟ قال: ” بيوت الأنبياء “. فقام إليه أبو بكر فقال: يا رسول الله هذا البيت منها؟ – لبيت علي وفاطمة – قال: ” نعم من أفضلها “. ] .
 
[عن ابن عباس قال: كنت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وقد قرأ القاري ” في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه ” الآية، فقلت: يا رسول الله ما البيوت؟ فقال: بيوت الأنبياء، وأومأ بيده إلى منزل فاطمة عليها السلام – بحار الأنوار ج 23 ص 326 ] .
وهذه الصلاة لها شروط كي تقبل عند الله تعالى فلابد ,ان تكون صحيحة وخالصة لله تعالى دون رياء قال صلى الله عليه وآله [ إن الله يقبل من العمل ما صح وخلص .. الحديث  ] وأهم شرط لقبل الصلاة بعد ذلك من الصحة والخلوص لله تعالى بالنبية فالنية تسبق العمل كما في الحديث وهذا الشرط هو فعل الخيرات وترك الفواحش والمنكرات كما في قوله تعالى { اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ  إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ  وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ  – العنكبوت 45 }
  ومن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر  فلا صلاة له والآية تقول هنا الويل لمن سهى عنها وترك أدائها في  أوقاتها  قل تعالى هنا { فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون – الماعون } .
وأما :
(ساهون)

[ وسهى عن الشيئ يسهو سهواً : تركه غافلاً عند ذاكراً له فهو ساه وهم ساهون وقد يستعمل في ترك الشيئ عن إغفال وعدم اكتراث – معجم ألفاظ القرآن باب السين فصل الهاء والواو ] .

قال تعالى في سهو التراك لصلاته وعدم اكتراثه بها انشغالاً بدنيا { قتل الخراصون الذين هم في غمرة ساهون  يسألون أيان يوم الدين يوم هم على النار يفتنون ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون – الذاريات 10-14} [ وقتل الخراصون هم الكذابون الذين يتخرصون بما لا يعلمون ; فيقولون : إن محمدا مجنون كذاب ساحر شاعر ; وهذا دعاء عليهم ; لأن من لعنه الله فهو بمنزلة المقتول الهالك وقتل هنا دعاء عليهم لأنهم في غمرة  غمر الشيئ ما ستر الشيء وغطاه وهؤلاء هم ساهون عن أمر الآخرة ومن ذلك سهوهم عن الصلاة لقوله تعالى هنا { فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون } . ثم يقول تعالى في وصف هءلاء المكذبين بيوم الدين أنهم :

(6) الذين هم يراؤون (6)

وأما :

–  (الذين هم يراؤون)

[ وهنا رأءى يراءي رئاء ومراء : ارى الناس خلاف ماهو عليه ليخدعهم – معجم ألفاظ القرآن باب الراء فصل الهمزة والياء ] قال تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَّا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ  -البقرة 264 } . وقال تعالى أيضاً { وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ – الأنفال 47 } .
 وهؤلاء الذين يكذبون بيوم الدين وينشغلون بالدنيا عن الصلاة ويمنعون الصدقات وإطعام الفقراء والمساكين ويدعون اليتيم أهم ما يتصفون به وهو المراء والتظاهر بالأعمال الصالحة رئاءاً وخداعاً للناس ليكونوا دائما في الصدارة ويمدحون بمالم يفعلوا كما في قوله تعالى { لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ  – آل عمران 188 } وهذا التظاهر بالرياء هنا كي يسبح الناس بحمدهم في الدنيا وهذا مما يحبط الأعمال كما ففي قوله صلى الله عليه وآله :
 إنَّ أوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَومَ القِيامَةِ عليه رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِيَ به فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَها، قالَ: فَما عَمِلْتَ فيها؟ قالَ: قاتَلْتُ فِيكَ حتَّى اسْتُشْهِدْتُ، قالَ: كَذَبْتَ، ولَكِنَّكَ قاتَلْتَ لأَنْ يُقالَ: جَرِيءٌ، فقَدْ قيلَ، ثُمَّ أُمِرَ به فَسُحِبَ علَى وجْهِهِ حتَّى أُلْقِيَ في النَّارِ، ورَجُلٌ تَعَلَّمَ العِلْمَ، وعَلَّمَهُ وقَرَأَ القُرْآنَ، فَأُتِيَ به فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَها، قالَ: فَما عَمِلْتَ فيها؟ قالَ: تَعَلَّمْتُ العِلْمَ، وعَلَّمْتُهُ وقَرَأْتُ فِيكَ القُرْآنَ، قالَ: كَذَبْتَ، ولَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ العِلْمَ لِيُقالَ: عالِمٌ، وقَرَأْتَ القُرْآنَ لِيُقالَ: هو قارِئٌ، فقَدْ قيلَ، ثُمَّ أُمِرَ به فَسُحِبَ علَى وجْهِهِ حتَّى أُلْقِيَ في النَّارِ، ورَجُلٌ وسَّعَ اللَّهُ عليه، وأَعْطاهُ مِن أصْنافِ المالِ كُلِّهِ، فَأُتِيَ به فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَها، قالَ: فَما عَمِلْتَ فيها؟ قالَ: ما تَرَكْتُ مِن سَبِيلٍ تُحِبُّ أنْ يُنْفَقَ فيها إلَّا أنْفَقْتُ فيها لَكَ، قالَ: كَذَبْتَ، ولَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقالَ: هو جَوادٌ، فقَدْ قيلَ، ثُمَّ أُمِرَ به فَسُحِبَ علَى وجْهِهِ، ثُمَّ أُلْقِيَ في النَّارِ.- رواه مسلم – حديث صحيح ] .
 وهؤلاء هنا في الآية هم الذين يمنعون الماعون والويل لهم من الله تعالى عند الحساب وفي بداية الممات ثم يقول تعالى :
(7) ويمنعون الماعون (7)
وهنا :
( يمنعون)
أي يحبسون كل خير احتكاراً لأنفسهم كما في قوله تعالى { إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا  إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا  وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا  إِلَّا الْمُصَلِّينَ  الَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ  لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ  – المعارج 19-27 } المنوع هنا هو الإنسان إذا خرج على دين الله وعمل للدنيا فقط وهذا هو الذي يمنع حق الله تعالى في المال من زكاة وصدقات وخمس مستحق لأهل بيت النبي أمر به الله تعالى في قوله تعالى { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ – الأنفال 41 } و قد وصف الله تعالى هؤلاء المكذبين بيوم الدين المانعين لحقوق الراء والمساكين أنهم دائماً يلجئون للحلف الكاذب كما في قوله تعالى { فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ  مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ  عُتُلٍّ بَعْدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ  -القلم 10-16 } .
وهؤلاء منهم المنافقون الذين بين تعالى أنهم حتى لو أفقوا فلا ينفقون إلا وهم كارهون قال تعالى { قُلْ أَنفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ – التوبة 53-54} . وهؤلاء من الذين يمنعون الماعون فلا ينفقون إلا وهم كارهون .
وأما :
(الماعون)
[ ومعين : معن الماء يمعن معوناً : سال وجرى في مجراه والوصف معين – معجم ألفاظ القرآن باب الميم فصل العين والنون ] .
قال تعالى { وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين – المؤمنون 50 }  وهذا المعين هنا لمن ملكه في قوله تعالى { ويمنعون الماعون} هذا الماعون له زكاة لها نصاب وامر الله تعالى بحق للفقراء والمساكين في هذا الماعون ومن منعه فقد اقترب من عذاب الله تعالى وبدأ في مراح التكذي بالدين كما في الآية هنا التي وصفت المكذبين بالدين أن من صفاتهم أنهم { ويمنعون الماعون} .
[ والماعون : الشيئ الهين اليسير والماعون ما يتداوله الناس ويتعاونون بينهم بالعارية كالفأس والحبل والوتد والقدر ويرى بعض اللغويين أن الماعون أصله المعونة فحدفت التاء وعوض عنها بالألف وبكل هذه المعاني فسر لفظ ماعون – معجم ألفاظ القرآن باب الميم فصل العين والنون ] قال تعالى { ويمنعون الماعون }
وفي تفسير بن كثير [ أي : لا أحسنوا عبادة ربهم ، ولا أحسنوا إلى خلقه حتى ولا بإعارة ما ينتفع به ويستعان به ، مع بقاء عينه ورجوعه إليهم . فهؤلاء لمنع الزكاة وأنواع القربات أولى وأولى … وعن ابن عباس : ( ويمنعون الماعون ) قال : لم يجئ أهلها بعد .وقال العوفي عن ابن عباس : ( ويمنعون الماعون ) قال : اختلف الناس في ذلك ، فمنهم من قال : يمنعون الزكاة . ومنهم من قال : يمنعون الطاعة . ومنهم من قال : يمنعون العارية – تفسير بن كثير ]
هذا وبالله التوفيق وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين
انتهى العمل في هذه السورة الكريمة
في الرابع من شوال
 الساعة الأولى من ليل الثلاثاء (ليلة الأربعاء) عام عشرون بعد الربعمائة والألف

السورة رقم  (18)

سورة الكافرون

  • قل يا أيها الكافرون (1)

ورد في تفسير البرهان :

[ علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن محمد بن أبي عمير، قال: سأل أبو شاكر أبا جعفر الأحول، عن قول الله عز و جل: { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ * لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ * وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } فهل يتكلم الحكيم بمثل هذا القول و يكرره مرة بعد مرة؟ فلم يكن عند أبي جعفر الأحول في ذلك جواب، فدخل المدينة، فسأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن ذلك، فقال: ” كان سبب نزولها و تكرارها أن قريشا قالت لرسول الله (صلى الله عليه و آله): تعبد آلهتنا سنة، و نعبد إلهك سنة، و تعبد آلهتنا سنة، و نعبد إلهك سنة، فأجابهم الله بمثل ما قالوا، فقال فيما قالوا: تعبد آلهتنا سنة: { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ * لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } ، و فيما قالوا: نعبد إلهك سنة: { وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } و فيما قالوا: تعبد آلهتنا سنة: { وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ } و فيما قالوا: نعبدك إلهك سنة: { وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } ”. قال: فرجع أبو جعفر الأحول إلى أبي شاكر فأخبره بذلك، فقال أبو شاكر: هذا حملته الإبل من الحجاز، و كان أبو عبد الله (عليه السلام) إذا فرغ من قراءتها يقول: ” ديني الإسلام ” ثلاثا.- البرهان للسيد هاشم البحراني ] .

وفي تفسير الدر المنثور :

[أخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نزلت سورة { قل يا أيها الكافرون } بمكة.

وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير رضي الله عنه قال: أنزلت بالمدينة { قل يا أيها الكافرون }.

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما أن قريشاً دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن يعطوه مالاً فيكون أغنى رجل بمكة ويزوّجوه ما أراد من النساء، فقالوا: هذا لك يا محمد وكف عن شتم آلهتنا ولا تذكر آلهتنا بسوء، فإن لم تفعل فإنا نعرض عليك خصلة واحدة ولك فيها صلاح. قال: ما هي؟ قالوا: تعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة. قال: حتى أنظر ما يأتيني من ربي فجاء الوحي من عند الله { قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون } الآية. وأنزل الله{ قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون- الزمر 64 }  إلى قوله:{ الشاكرين – الزمر 66 }  .

وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن وهب قال: قالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم: إن سرك أن نتبعك عاماً وترجع إلى ديننا عاماً فأنزل الله { قل يا أيها الكافرون } إلى آخر السورة.

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف عن سعيد بن ميناء مولى أبي البختري قال: لقي الوليد بن المغيرة والعاصي بن وائل، والأسود بن المطلب وأمية بن خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد هلم فلتعبد ما نعبد ونعبد ما تعبد، ولنشترك نحن وأنت في أمرنا كله، فإن كان الذي نحن عليه أصح من الذي أنت عليه كنت قد أخذت منه حظاً، وإن كان الذي أنت عليه أصح من الذي نحن عليه كنا قد أخذنا منه حظاً فأنزل الله { قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون } حتى انقضت السورة.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن قريشاً قالت: لو استلمت آلهتنا لعبدنا إلهك فأنزل الله { قل يا أيها الكافرون } السورة كلها.

وأخرج ابن أبي حاتم عن زرارة بن أوفى قال: كانت هذه السورة تسمى المقشقشة. وأخرج ابن مردويه عن أبي رافع قال: طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبيت ثم جاء مقام إبراهيم فقرأ { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى – البقرة 125}  ثم صلى فقرأ بفاتحة الكتاب و{ قل هو الله أحد الله الصمد-الاخلاص1 }  فقال كذلك الله: { لم يلد ولم يولد } قال: ذاك الله { ولم يكن له كفواً أحد } قال: كذلك الله ثم ركع وسجد ثم قرأ بفاتحة الكتاب و { قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد } قال: لا أعبد إلا الله { ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد } فقال: لا أعبد إلا الله { لكم دينكم ولي دين } ثم ركع وسجد.- الدر المنثور للسيوطي – وأسباب النزول هامش تفسير الجلالين للسيوطي ] .

وهنا :

(قل)

وهنا يقول تعالى لرسوله بأن يبلغ قومه بأنه رسول الله جائهم بالوحي وكتاب من عند الله تعالى كما في قوله تعالى { قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا – الكهف 110 } ويقول تعالى مبيناً أنهم سيكذبوه فقال تعالى {فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين – الأنعام 147} ويبين تعالى لرسوله أن هذا دأب الأمم من قبل  وهى سنن الله تعالى التي لا تتغير ولا تتبدل فمنهم من سيؤمن بالله تعالى ومنهم من لا يؤمن به قال تعالى { وَمِنْهُم مَّن يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُم مَّن لَّا يُؤْمِنُ بِهِ ۚ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ   وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ ۖ أَنتُم بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ – يونس 40-41 } وهذه البراءة بينها تعالى هنا في قوله تعالى { قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم لكم دينكم ولى دين – الكافرون }

وأما :

(يا أيها )

وهنا يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله : { يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا – الأحزاب 45 }  ثم يأمر الله تعالى الأمة بالإيمان به تعالى وبرسوله كما في قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا  – النساء 136 }

وبالتالي الأمر بالإيمان يستوجب الطاعة لله تعالى و رسوله صلى الله عليه وآله وولاية الأئمة من أهل بيته عليهم السلام وولاة الأمر فيما أمر الله تعالى إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ويقول النبي صلى الله عليه وآله أيضاً إنما الطاعة في معروف قال تعالى هنا { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا – النساء 59} ومن خرج على طاعة الله تعالى ورسوله فأعماله إلى بطلان لقوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم  محمد 33 } ثم يأمر الله تعالى المؤمنين بعدم اتخذا الكافرين أولياء من دون المؤمنين قال تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا – النساء 144 }

ويقول تعالى في الذين كفروا به تعالى : { يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيرا لكم وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما – النساء 170 }

ويبين تعالى أن هناك فريق من الناس لن يؤمنوا به تعالى وسيعملون للدنيا وسيغتروا بها ولذلك قال تعالى لهم منذراً  : { يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور – لقمان 33 } وهؤلاء قدموا أهوائهم على القرآن الكريم ولذلك قال تعالى هنا  {قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد }

وأما :

(الكافرون)

وهنا يبين تعالى أن الكافرين هم الذين تركوا الحكم بكتاب الله كما في قوله تعالى { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون – المائدة 44 } وعن كفر قريش قالوا هذا شيئ عجيب قال تعالى فيه { بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب – ق 2 } وقال تعالى فيهم أيضاً { قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين – فصلت 9}

وقد نفذ هؤلاء المجرمين خطة دس منافقين للإطلاع على خبايا رسول الله صلى الله عليه وآله وآله ليكونوا عيناً على المؤمنين فقال تعالى فيهم لما حزن رسول الله صلى الله عليه وآله لذلك { يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم – المائدة 41 } وهؤلاء لما أصروا على كفرهم قال تعالى فيهم { قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد – الكافرون }

وأما :

  • لا أعبد ما تعبدون (2) ولا أنتم عابدون ما أعبد (3)

وهنا :

لبيان هذه الآيات لابد وأن نعلم أن ما يعبده الرسل والأنبياء والأئمة غير ما يعبده الذين كفروا بهم أو نافقوا واتبعوا أهوائهم كما يلي  :

أولا :

 ما يعبده الرسل والأنبياء والأئمة من أهل بيت النبي عليهم السلام :

يقول تعالى { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون – الذاريات 56} ولكي يعبده الخلق أرسل إليهم الرسل والأنبياء ليأمروا الناس بعبادته عز وجل كما في قوله تعالى عن نبي الله نوح عليه السلام :{ لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم  – الأعراف59 } وقال هود لقومه عليه السلام :{  وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون – الأعراف 65 } وقال نبي الله صالح لقومه عليه السلام { وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم – الأعراف 73 }

وقال سيدنا إبراهيم لقومه عليه السلام { وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون – العنكبوت 16}

وقال نبي الله شعيباً لقومه عليه السلام { وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين – الأعراف 85 }

وقال نبي الله عيسى لقومه عليه السلام  { لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار – المائدة 72}

وبالتالي كل أنبياء الله تعالى دعوا إلى عبادته عز وجل والكفر بالطاغوت قال تعالى { ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين – النخل 36 } وهؤلاء هم الذين اتبعوا ما نزل الله تعالى كما في قوله عز وجل : { والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه – الزمر 17 } .

ثانيا :

عبادة الذين خرجوا على أنبياء الله تعالى ورسله والأئمة عليهم السلام :

وهنا يبين تعالى أن هؤلاء كانوا يعبدون أصناماً يظنون فيهم الشافعة والزلفى عند الله تعالى لقوله عز وجل { ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون – يونس 18 } وهذه العبادة فيها تقليد لآبائهم من قبل كما في قوله تعالى { قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين – الأعراف 70 }  واتهموه صلى الله عليه وآله بالإفتراء كما في قوله تعالى { وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم وقالوا ما هذا إلا إفك مفترى وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين – سبأ 43 }

فلما أصروا على كفرهم قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله { فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص – هود 109 }

وقد بين تعالى أن هؤلاء ومن خرجوا على طاعة الله تعالى ورسوله ولم يعملوا وفق ما أمر الله تعالى أنهم قد عبدوا الشيطان وسيقول تعالى لهم يوم القيامة { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي ۚ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا ۖ أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ  هَٰذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَىٰ أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّىٰ يُبْصِرُونَ وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَىٰ مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ – يس 60-67 }  وبالتالي لا هؤلاء يعبدون الله تعالى ويعبدون آلهتهم وأهوائهم وشياطينهم ورسوله الله صلى الله عليه وأهل بيته وصحابته الذين تولوه وناصروه واتبعوه في ساعة العسرة وتولو أهل بيته عليهم السلام من بعده والمؤمنين وهؤلاء يعبدون الله  الله تعالى ولا هؤلاء سيتبع هؤلاء ولن يتبع هؤلاء هؤلاء كما قال نبي الله إبراهيم عليه السلام إلىقومه وجعل الله تعالى لنا فيهم أسوة حسنة في قوله تعالى {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ ۖ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ – الممتحنة 4 } ولذلك قال تعالى هنا لرسوله صلى الله عليه وآله { قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد }

ثم يقول تعالى :

(5)  ولا أنتم عابدون ما أعبد (5)

وهنا يبين تعالى أنهم لا يعبدون الخالق عز وجل لذلك يقول تعالى لهم { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ – يونس 104 } وهؤلاء يبين تعالى أنهم لايؤمنون بأن الله تعالى هو الخالق وهو المحيي المميت بل قالوا { وَقَالُوا مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ – الجاثية 24 } لذلك قا تعالى لهم على لسان رسوله صلى الله عليه وآله { ولا أنتم عابدون ما أعبد }  ويبين تعالى أنهم لم يعبدوا إلا أسماء سموها هم وآباؤهم وخلفهم حيث قالوا بمناقب أسماء رجال لصرف الناس عن إمامة أهل بيت النبي عليهم السلام لذلك قال تعالى في هذه الأسماء { إِنْ هِيَ إِلا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى – النجم 23 } وهذه الأسماء عبدوها من دون الله تعالى كما قال نبي الله يوسف لصاحبى السجن { مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ  -يوسف 40 }

وبالتالي الآية هنا معناها أن هؤلاء معسكرين لا هذا سيتبع ذاك ولا ذاك سيتبع هذا فهما إلهين قال تعالى فيهما { وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد – النحل } والإله الحق هو الله تعالى لا إله غيرة والثاني هو الهوى الذي يعمل به كفار كل زمان ومافقيهم قال تعالى { أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون – الجاثية 23 }

ولذلك قال تعالى هنا { لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم لكم دينكم ولى دين }

ثم يقول تعالى :

(8) لكم دينكم ولى دين (8)

وهنا يبين تعالى أن الدين دينان أيضاً

الأول :

دين الحق وهو دين الإسلام الذي جاءت به الأننبياء وخاتمهم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله : قال تعالى { إن الدين عند الله الإسلام – آل عمران 19 } وقال تعالى { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين – آل عمران 85 } وهذا الدين يقوم على الحنيفية الإبراهيمية وقال تعالى فيها لرسوله صلى الله عليه وآله { إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين – الأنعام 79} وقال تعالى لذلك { قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين – الأنعام 161 } ثم يقول تعالى للمؤمنين { قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين – آل عمران 95 } أي مائلاً عن الشرك فلا يطيع بشر ولا حجراً ولا حاكماً ولا مستكبراً إلا بنص من كتاب الله تعالى هو الحكم بين الجميع وهذا هو دين الإسلام القائم على جناحين الأول كما بينا هنا الحنيفية الإبراهيمية التي بيناها هنا وقال تعالى فيها { ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا – النساء 125}

والشق الثاني من دين الإسلام الوصية بإمامة أهل البيت عليهم السلام كما أوصى الأنبياء من قبل قال تعالى { شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ – الشورى 13 } وهذا هو دين  الذي قال فيه نبي الله يوسف لصاحبي السجن

{ يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون – يوسف 39 -40 } وهذا الدين الإسلامي والقيم لا يكتمل إلا بالوصية لمن يخلف النبي صلى الله عليه وآله لما نزل في استخلاف أمير المؤمنين عليه السلام في غدير خم ونزول قوله تعالى { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت ‘ليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا – المائدة }  وذلك دين القيمة والمؤمنين به هم خير البرية قال تعالى  { لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ – البينة 1-5 } .

ثانياً : دين الباطل :

والدين ما يتدين به الإنسان ويلزم به نفسه أمام من يعبده وهو لفظ واسع يحوي بداخله شرائع أمم سابقة واراء وأهواء لذلك يأتي على دين الكفر في قوله تعالى في نبي الله يوسف عليه السلام في عصر  ماقبل الفراعين في مصر { ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلاأن يشاء الله – يوسف } وهذا الدين ليس من السماء وليس دين الله تعالى لذلك قال لهم نبي الله يوسف عليه السلام {  يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون – يوسف 39 -40 } . وقال فرعون لقومه لعنه الله لملئه  وخوفه من دين الإسلام الذي جائهم به مبي الله موسى عليه السلام : { وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد – غافر 26} .

وهناك منافقين سيعملون بببعض الكتاب وسيتركون البعض كالولاية لأهل البيت عليهم السلام أو يعملون ببعض الحلال ويتركون بعضه الآخر بغير عذر شرعي وهؤلاء إن أصروا على ماهم عليه  قال تعالى فيهم {  وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ – الأنفال39 } ومن هؤلاء قوماً بدلوا الوصية وشرعوا بالرأي الهوى مالم يأذن به الله تعالى كما في قوله تعالى { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله – الشورى 21 } . وهؤلاء ككفار ومنافقين على دين واحد باطل قائم على الهوى ككفار أصليين ومنافقين شرعوا من الدين ديناً آخر مشتق من دين الإسلام قال تعالى في أخوة المنافقن والكافرين : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ – الحشر 11 } ولذلك قال تعالى  في المسلمين و حزبهم والشيطان وحزبه من كفار ومنافقين هنا { لكم دينكم ولى دين }  .

 

هذا وبالله التوفيق وما توفيقي إلا بالله

عليه توكلت وإليه أنيب وسلام على المرسلين

والحمد لله رب العالمين وصلى الله علي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

انتهى العمل من هذه السورة الكريمة

بعد عشاء 4 شوال عام 1420هـ الموافق 11 يناير عام 2000 م

 السورة رقم (19)

سورة الفيل

 

أورد الطبري في تفسيره :

[ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ألم تنظر يا محمد بعين قلبك، فترى بها { كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بأصحَابِ الْفِيلِ } الذين قَدِموا من اليمن يريدون تخريب الكعبة من الحَبَشة ورئيسهم أبرهة الحبشيّ الأشرم { أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ } يقول: ألم يجعل سعي الحبشة أصحاب الفيل في تخريب الكعبة { فِي تَضْلِيلٍ } يعني: في تضليلهم عما أرادوا وحاولوا من تخريبها.

وقوله: { وأرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أبابِيلَ } يقول تعالى ذكره: وأرسل عليهم ربك طيراً متفرّقة، يتبع بعضها بعضاً من نواح شتى وهي جماع لا واحد لها، مثل الشماطيط والعباديد ونحو ذلك. وزعم أبو عُبيدة معمر بن المثنى، أنه لم ير أحداً يجعل لها واحداً. وقال الفرّاء: لم أسمع من العرب في توحيدها شيئاً. قال: وزعم أبو جعفر الرُّؤَاسِيّ، وكان ثقة، أنه سمع أن واحدها: إبالة. وكان الكسائي يقول: سمعت النحويين يقولون: إبول، مثل العجول. قال: وقد سمعت بعض النحويين يقول: واحدها: أبيل.

وبنحو الذي قلنا في الأبابيل: قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا سوّار بن عبد الله، قال: ثنا يحيى بن سعيد، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن عاصم بن بهدلة، عن زرّ، عن عبد الله، في قوله: { طَيْراً أبابِيلَ } قال: فرق.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى وعبد الرحمن، قالا: ثنا حماد بن سَلمَة، عن عاصم، عن زِرّ، عن عبد الله، قال: الفِرَق.

حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: { طَيْراً أبابِيلَ } قال: يتبع بعضُها بعضاً. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: { وَأرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أبابِيلَ } قال: هي التي يتبع بعضُها بعضاً.

حدثنا ابن المثنى، قال: ثني عبد الأعلى، قال: ثنا داود، عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث بن نوفل، أنه قال في: { طَيْراً أبابِيلَ } قال: هي الأقاطيع، كالإبل المؤَبَّلة.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب القُمِّيّ، عن جعفر، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى { طَيْراً أبابِيلَ } قال: متفرّقة.

حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، قال: ثنا الفضل، عن الحسن { طَيْراً أبابِيلَ } قال: الكثيرة.

حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن جابر، عن ابن سابط، عن أبي سلمة، قالا: الأبابيل: الزُّمَر.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: { أبابِيلَ } قال: هي شتى متتابعة مجتمعة.

 

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قال: الأبابيل: الكثيرة.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة قال: الأبابيل: الكثيرة. حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: { طَيْراً أبابِيلَ } يقول: متتابعة. بعضُها على أَثَرَ بعض. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { طَيْراً أبابِيلَ } قال: الأبابيل: المختلفة، تأتي من هاهنا، وتأتي من هاهنا، أتتهم من كلّ مكان.وذُكر أنها كانت طيراً أُخرجت من البحر. وقال بعضهم: جاءت من قِبَل البحر.

 

ثم اختلفوا في صفتها، فقال بعضهم: كانت بيضاء. وقال آخرون: كانت سوداء. وقال آخرون: كانت خضراء، لها خراطيم كخراطيم الطير، وأكفّ كأكفّ الكلاب. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، عن ابن عون، عن محمد بن سيرين، في قوله: { طَيْراً أَبَابِيلَ } قال: قال ابن عباس: هي طير، وكانت طيراً لها خراطيم كخراطيم الطير، وأكفّ كأكفّ الكلاب.

حدثني الحسن بن خَلف الواسطيّ، قال: ثنا وكيع ورَوْح بن عبادة، عن ابن عون، عن ابن سيرين عن ابن عباس، مثله.

حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن ابن عون، عن ابن عباس، نحوه.

حدثنا يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حسين، عن عكرِمة، في قوله: { طَيْراً أبابِيلَ } قال: كانت طيراً خُضْراً، خرجت من البحر، لها رؤوس كرؤوس السباع. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن عبيد بن عُمير { طَيْراً أبابِيلَ } قال: هي طير سُود بَحْرية، في مناقرها وأظفارها الحجارة.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن عبيد بن عمير: { طَيْراً أبابِيلَ } قال: سُود بَحْرية، في أظافيرها ومناقيرها الحجارة. قال: ثنا مهران، عن خارجة، عن عبد الله بن عون، عن ابن سيرين، عن ابن عباس قال: لها خراطيم كخراطيم الطير، وأكفّ كأكفّ الكلاب.

حدثنا يحيى بن طلحة اليربوعيّ، قال: ثنا فضيل بن عياض، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبير، في قوله: { طَيْراً أبابِيلَ } قال: طير خُضْر، لها مناقير صُفْر، تختلف عليهم.

حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن عبيد بن عمير، قال: طير سود تحمل الحجارة في أظافيرها ومناقيرها. وقوله: { تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ } يقول تعالى ذكره: ترمي هذه الطير الأبابيل التي أرسلها الله على أصحاب الفيل، بحجارة من سجيل. وقد بيَّنا معنى سجيل في موضع غير هذا، غير أنا نذكر بعض ما قيل من ذلك في هذا الموضع، من أقوال مَنْ لم نذكره في ذلك الموضع. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن السديّ، عن عكرِمة، عن ابن عباس { حِجارَةٍ مِنْ سَجِّيلٍ } قال: طين في حجارة.

حدثني الحسين بن محمد الذارع، قال: ثنا يزيد بن زُرَيع، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن عكرِمة، عن ابن عباس { تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سَجِّيلٍ } قال: من طين.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن السُّدّي، عن عكرِمة، عن ابن عباس { حِجَارَةٍ مِنْ سَجِّيلٍ } قال: سنك وكل.

حدثني الحسين بن محمد الذارع، قال: ثنا يزيد بن زُرَيع، عن عُمارة بن أبي حفصة، عن عكرِمة، في قوله: { تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سَجِّيلٍ } قال: من طين.

حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن شَرْقِي، قال: سمعت عكرِمة يقول: { تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سَجِّيلٍ } قال: سنك وكل.

حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حصين، عن عكرِمة، قال: كانت ترميهم بحجارة معها، قال: فإذا أصاب أحدهم خرج به الجُدَريّ، قال: كان أوّل يوم رُؤي فيه الجدريّ قال: لم يُر قبل ذلك اليوم، ولا بعده.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن موسى بن أبي عائشة، قال: ذكر أبو الكُنود، قال: دون الحِمَّصة وفوق العدسة.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن موسى بن أبي عائشة، قال: كانت الحجارة التي رُمُوا بها أكبرَ من العدَسة وأصغر من الحِمَّصَةِ. قال: ثنا أبو أحمد الزُّبيريّ، قال: ثنا إسرائيل، عن موسى بن أبي عائشة، عن عمران، مثله.

حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن السديّ، عن عكرمة، عن ابن عباس: سجِّيل بالفارسية: سنك وكل، حَجَر وطين.

حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن جابر بن سابط، قال: هي بالأعجمية: سنك وكل.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: كانت مع كلّ طير ثلاثة أحجار: حجران في رجليه، وحجر في منقاره، فجعلت ترميهم بها.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة { حِجَارَةٍ مِنْ سَجِّيلٍ } قال: هي من طين.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: هي طير بِيض، خرجت من قِبَل البحر، مع كلّ طير ثلاثة أحجار: حَجران في رجليه، وحجر في منقاره، ولا يصيب شيئاً إلا هشَمه.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا عمرو بن الحارث بن يعقوب أن أباه أخبره أنه بلغه أن الطير التي رمت بالحجارة، كانت تحملها بأفواهها، ثم إذا ألقتها نَفِط لها الجلد.

وقال آخرون: معنى ذلك: ترميهم بحجارة من سماء الدنيا. ذكر من قال ذلك: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سَجِّيلٍ } قال: السماء الدنيا، قال: والسماء الدنيا اسمها سجِّيل، وهي التي أنزل الله جلّ وعزّ على قوم لوط.

قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، أنه بلغه أن الطير التي رمت بالحجارة، أنها طير تخرج من البحر، وأن سجيل: السماء الدنيا. وهذا القول الذي قاله ابن زيد لا نعرف لصحته وجها في خبر ولا عقل، ولا لغة، وأسماء لا تُدرك إلا من لغة سائرة، أو خبر من الله تعالى ذكره.

وكان السبب الذي من أجله حلَّت عقوبة الله تعالى بأصحاب الفيل، مسير أبرهة الحبشيّ بجنده معه الفيل، إلى بيت الله الحرام لتخريبه. وكان الذي دعاه إلى ذلك فيما: حدثنا به ابن حميد، قال: ثنا سلمة بن الفضل، قال: ثنا ابن إسحاق، أن أبرهة بنى كنيسة بصنعاء، وكان نصرانياً، فسماها القُلَّيْس لم يُر مثلها في زمانها بشي من الأرض وكتب إلى النجاشي ملك الحبشة: إن قد بنيت لك أيها الملك كنيسة، لم يُبن مثلها لملك كان قبلك، ولستُ بمُنته حتى أصرف إليها حاجّ العرب. فلما تحدّثت العرب بكتاب أبرهة ذلك للنجاشيّ، غضب رجل من النَّسَأة أحد بن فُقَيم، ثم أحد بني ملك، فخرج حتى أتى القُلَيس، فقعد فيها، ثم خرج فلحق بأرضه، فأُخْبر أبرهة بذلك، فقال: من صنع هذا؟ فقيل: صنعه رجل من أهل هذا البيت، الذي تحجّ العرب إليه بمكة، لما سمع من قولك: أصرف إليه حاجّ العرب، فغضب، فجاء فقعد فيها، أي أنها ليست لذلك بأهل فغضب عند ذلك أبرهة، وحلف ليسيرنّ إلى البيت فيهدمه، وعند أبرهة رجال من العرب قد قَدِموا عليه يلتمسون فضله، منهم محمد بن خُزَاعي بن حِزَابة الذَّكواني، ثم السُّلَمي، في نفر من قومه، معه أخ له يقال له قيس بن خزاعي فبينما هم عنده، غَشِيهم عبد لأبرهة، فبعث إليهم فيه بغذائه، وكان يأكل الخُصَى فلما أتى القوم بغذائه، قالوا: والله لئن أكلنا هذا لا تزال تسبُّنا به العرب ما بقينا، فقام محمد بن خزاعي، فجاء أبرهة فقال: أيها الملك، إن هذا يوم عيد لنا، لا نأكل فيه إلا الجُنوبَ والأيدي، فقال له أبرهة: فسنبعث إليكم ما أحببتم، فإنما أكرمتكم بغذائي، لمنزلتكم عندي. ثم إن أبرهة توّج محمد بن خُزَاعِي، وأمَّره على مضر، أن يسير في الناس، يدعوهم إلى حجّ القُلَّيس، كنيسته التي بناها، فسار محمد بن خِزاعي، حتى إذا نزل ببعض أرض بني كنانة، وقد بلغ أهل تهامة أمره، وما جاء له، بعثوا إليه رجلاً من هُذَيل يقال له عُرْوة بن حياض الملاصي، فرماه بسهم فقتله وكان مع محمد بن خزاعي أخوه قيس بن خزاعي، فهرب حين قُتل أخوه، فلحق بأبرهة فأخبره بقتله، فزاد ذلك أبرهة غضباً وحنقاً، وحلف ليغزونّ بني كنانة، وليهدمنّ البيت. ثم إن أبرهة حين أجمع السير إلى البيت، أمر الحُبْشان فتهيأتْ وتجهَّزتْ، وخرج معه بالفيل، وسمعت العرب بذلك، فأعظموه، وفُظِعوا به، ورأوا جهاده حقًّا عليهم، حين سمعوا أنه يريد هدم الكعبة، بيت الله الحرام، فخرج رجل كان من أشراف أهل اليمن وملوكهم، يقال له ذو نَفْر، فدعا قومه ومن أجابه من سائر العرب، إلى حرب أبرهة، وجهاده عن بيت الله، وما يريد من هدمه وإخرابه، فأجابه من أجابه إلى ذلك، وعَرَض له، وقاتله، فهُزم وتفرّق أصحابه، وأُخِذَ له ذو نفر أسيراً فلما أراد قتله، قال ذو نفر: أيها الملك لا تقتلني، فإنه عسى أن يكون بقائي معك خيراً لك من قتلي فتركه من القتل، وحبسه عنده في وثاق.

وكان أبرهة رجلاً حليماً. ثم مضى أبرهة على وجهه ذلك يريد ما خرج له، حتى إذا كان بأرض خثعم، عرض له نُفَيل بن حبيب الخثعميّ في قبيلَي خثعم: شَهران، وناهس، ومن معه من قبائل العرب، فقاتله فهزمه أبرهة، وأُخِذ له أسيراً، فأُتِي به فلما همّ بقتله، قال له نفيل: أيها الملك لا تقتلني، فإني دليلك بأرض العرب، وهاتان يداي لك على قبيلي خثعم: شهران، وناهس، بالسمع والطاعة فأعفاه وخلَّى سبيله، وخرج به معه، يدله على الطريق حتى إذا مرّ بالطائف، خرج إليه مسعود بن مُعَتِّب في رجال ثقيف، فقال: أيها الملك، إنما نحن عبيدك، سامعون لك مطيعون، ليس لك عندنا خلاف، وليس بيتنا هذا بالبيت الذي تريد يعنون اللاَّت إنما تريد البيت الذي بمكة يعنون الكعبة ونحن نبعث معك من يدلك، فتجاوز عنهم، وبعثوا معهم أبا رِغال فخرج أبرهة ومعه أبو رِغال حتى أنزله المغمِّس، فلما أنزله به مات أبو رِغال هناك، فَرَجمت العرب قبره، فهو القبر الذي ترجم الناس بالمغمِّس. ولما نزل أبرهة المغمِّس، بعث رجلاً من الحبشة، يقال له الأسود بن مقصود، على خيل له حتى انتهى إلى مكة، فساق إليه أموال أهل مكة من قريش وغيرهم، وأصاب فيها مئتي بعير لعبد المطلب بن هاشم، وهو يومئذٍ كبير قريش وسيَّدها وهمّت قريش وكنانة وهُذَيل ومن كان معهم بالحرم من سائر الناس بقتاله، ثم عرفوا أنهم لا طاقة لهم به، فتركوا ذلك، وبعث أبرهة حُناطة الحميريّ إلى مكة، وقال له: سل عن سيد هذا البلد وشريفهم، ثم قل له: إن الملك يقول لكم: إني لم آت لحربكم، إنما جئت لهدم البيت، فإن لم تعرضوا دونه بحرب فلا حاجة لي بدمائكم، فإن لم يُرِد حربي فأتني به. فلما دخل حناطة مكة، سأل عن سيد قريش وشريفها، فقيل: عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ابن قُصَيّ، فجاءه فقال له ما أمره به أبرهة، فقال له عبد المطلب: واللّهِ ما نريد حربه، وما لنا بذلك من طاقة هذا بيت الله الحرام، وبيت خليله إبراهيم عليه السلام أو كما قال فإن يمنعه فهو بيته وحَرَمه، وإن يُخْلِ بينه وبينه، فوالله ما عندنا له من دافع عنه، أو كما قال فقال له حناطة: فانطِلقْ إلى الملك، فإنه قد أمرني أن آتيه بك.

فانطلق معه عبد المطلب، ومعه بعض بنيه، حتى أتى العسكر، فسأل عن ذي نَفْر، وكان له صديقاً، فَدُلَّ عليه، فجاءه وهو في محبسه، فقال: يا ذا نَفْر، هل عندك غَناء فيما نزل بنا؟ فقال له ذو نفر، وكان له صديقاً: وما غَنَاءُ رجل أسير في يدي ملك، ينتظر أن يقتله غدوّاً أو عشياً ما عندي غناء في شيء مما نزل بك، إلاّ أن أُنَيساً سائق الفيل لي صديق، فسأرسل إليه، فأوصيه بك، وأُعظم عليه حقك، وأسأله أن يستأذن لك على الملك، فتكلمه بما تريد، ويشفع لك عنده بخير، إن قدر على ذلك. قال: حسبي، فبعث ذو نَفْر إلى أُنيس، فجاء به، فقال: يا أُنيس إن عبد المطلب سيِّد قريش، وصاحب عِير مكة، يُطعم الناس بالسهل، والوحوش في رؤوس الجبال، وقد أصاب الملكُ له مئتي بعير، فاستأذنْ له عليه، وانفعْه عنده بما استطعت، فقال: أفعل. فكلَّم أُنيس أبرهة، فقال: أيها الملك، هذا سيِّد قريش ببابك، يستأذن عليك، وهو صاحب عِير مكة، يُطعم الناس بالسهل، والوحوش في رؤوس الجبال، فأْذَنْ له عليك، فليكلمك بحاجته، وأحسن إليه. قال: فأذِن له أبرهة، وكان عبد المطلب رجلاً عظيماً وسيماً جسيماً فلما رآه أبرهة أجلَّه وأكرمه أن يجلس تحته، وكرِه أن تراه الحبشة يُجِلسُه معه على سرير مُلكه، فنزل أبرهة عن سريره، فجلس على بساطه، فأجلسه معه عليه إلى جنبه، ثم قال لترجمانه: قل له ما حاجتك إلى الملك؟ فقال له ذلك الترجمان، فقال له عبد المطلب: حاجتي إلى الملك أن يردّ عليّ مئتي بعير أصابها لي فلما قال له ذلك، قال أبرهة لترجمانه: قل له: قد كنت أعجبتني حين رأيتك، ثم زَهِدت فيك حين كلَّمتَني، أتكلمني في مئتي بعير أصبتها لك، وتترك بيتاً هو دينك ودين آبائك، قد جئت لهدمه فلا تكلمني فيه؟ قال له عبدالمطلب: إني أنا ربّ الإبل، وإن للبيت ربا سيمنعه، قال: ما كان ليُمَنع مني، قال: فأنت وذاك، اردد إليّ إبلي. وكان فيما زعم بعض أهل العلم قد ذهب مع عبد المطلب إلى أبرهة، حين بعث إليه حناطة، يعمر بن نُفاثة بن عديّ بن الديل بن بكر بن عبد مناف بن كنانة، وهو يومئذٍ سيِّد بني كنانة، وخويلِد بن واثلة الهُذَليّ وهو يومئذٍ سيد هُذَيل، فعرضوا على أبرهة ثلث أموال تِهامة، على أن يرجع عنهم، ولا يهدم البيت، فأبي عليهم، والله أعلم. وكان أبرهة، قد ردّ على عبد المطلب الإبل التي أصاب له، فلما انصرفوا عنه انصرف عبد المطلب إلى قريش، فأخبرهم الخبر، وأمرهم بالخروج من مكة، والتحرّز في شَعَف الجبال والشعاب، تخوّفاً عليهم من مَعَرّة الجيش ثم قام عبد المطلب، فأخذ بحلّقة الباب، باب الكعبة، وقام معه نفر من قريش يدعون الله، ويستنصرونه على أبرهة وجنده، فقال عبد المطلب، وهو آخذ بحلقة باب الكعبة:

يا رَبِّ لا أرْجُو لَهُمْ سِوَاكا يارَبِّ فامْنَعْ مِنْهُمْ حِماكا
إنَّ عَدُوَّ البَيْتِ مَنْ عادَاكا امْنَعْهُمُ أنْ يُخَرِّبُوا قُرَاكا

وقال أيضاً :

لا هُمَّ إنَّ الْعَبْدَ يَمْ نُعُ رَحْلَهُ فامْنَعْ حِلالكْ
لا يَغْلِبَنَّ صَلِيبُهُمْ ومِحَالُهُمْ غَدْواً مِحَالكْ
فَلَئِنْ فَعَلْتَ فَرُبَّمَا أوْلى فأمْرٌ ما بَدَا لَكْ
وَلْئِنَ فَعَلْتَ فإنَّهُ أمْرٌ تُتِمُّ بِهِ فَعالَكْ

وقال أيضاً:

وكُنْتُ إذَا أتى باغٍ بِسَلْمٍ نُرَجِّي أن تَكُونَ لَنَا كَذَلِكْ
فَوَلَّوْا لَمْ يَنالُوا غَيْرَ خِزْىٍ وكانَ الْحَيْنُ يُهْلِكُهُمْ هُنالكْ
ولَمْ أسْمَعْ بأرْجَسَ منْ رِجالٍ أرَادُوا الْعِزَّ فانْتَهَكُوا حَرامَكْ
جَرُّوا جُمُوعَ بِلادِهِمْ والْفِيلَ كَيْ يَسْبُوا عِيالَكْ

 

ثم أرسل عبد المطلب حلقة باب الكعبة، وانطلق هو ومن معه من قريش إلى شَعَف الجبال، فتحرّزوا فيها، ينتظرون ما أبرهة فاعل بمكة إذا دخلها فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة، وهيأ فيله، وَعبَّأ جيشه، وكان اسم الفيل محموداً، وأبرهة مُجْمِعٌ لهدم البيت، ثم الانصراف إلى اليمن. فلما وجَّهوا الفيل، أقبل نُفَيل بن حبيب الخثعميّ، حتى قام إلى جنبه، ثم أخذ بأذنه فقال: ابرك محمود، وارجع راشداً من حيث جئت، فإنك في بلد الله الحرام ثم أرسل أذنه، فَبرَك الفيلِ، وخرج نُفَيل بن حبيب يشتدّ حتى أصعد في الجبل. وضربوا الفيل ليقوم فأبى، وضربوا في رأسه بالطَّبَرْزِين ليقوم، فأبى، فأدخلوا محَاجن لهم في مراقّه، فبزغوه بها ليقوم، فأبى، فوجَّهوه راجعاً إلى اليمن، فقام يُهَرْوِل، ووجَّهوه إلى الشام، ففعل مثل ذلك، ووجَّهوه إلى المشرق، ففعل مثل ذلك، ووجَّهوه إلى مكة فبرك، وأرسل الله عليهم طيراً من البحر، أمثالَ الخطاطيف، مع كلّ طير ثلاثة أحجار يحملها: حجر في منقاره، وحجران في رجليه مثل الحِمَّص والعَدَس، لا يصيب منهم أحداً إلاَّ هلك، وليس كلَّهم أصابت، وخرجوا هاربين يبتدرون الطريق الذي منه جاؤوا، ويسألون عن نُفَيل بن حبيب، ليدلهم على الطريق إلى اليمن، فقال نُفَيل بن حبيب حين رأى ما أنزل الله بهم من نقمته:

أيْنَ المَفَرُّ والإلَهُ الطَّالِبْ والأشْرَمُ المَغْلُوبُ غَيْرُ الْغالِبْ

 

فخرجوا يتساقطون بكلّ طريق، ويهلكون على كلّ مَنْهل، فأصيب أبرهة في جسده، وخرجوا به معهم، فسقطت أنامله أنملة أنملة، كلما سقطت أنملة أتبعتها مِدّة تَمُثُّ قيحاً ودماً، حتى قَدِموا به صنعاء، وهو مثل فرخ الطير، فما مات حتى انصدع صدره عن قلبه فيما يزعمون.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن يعقوب بن عتبة بن المُغيرة بن الأخنس، أنه حدّث، أن أوّل ما رُؤيت الحَصْبة والجُدَريّ بأرض العرب ذلك العام، وأنه أوّل ما رؤي بها مُرار الشجر: الحرملُ والحنظلُ والعُشَرُ ذلك العام.

 

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { ألمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بأصحَابِ الْفِيلِ } أقبل أبرهة الأشرم من الحبشة يوماً ومن معه من عداد أهل اليمن، إلى بيت الله ليهدمه من أجل بِيعة لهم أصابها العرب بأرض اليمن، فأقبلوا بفيلهم، حتى إذا كانوا بالصِّفَاح برك فكانوا إذا وجَّهوه إلى بيت الله ألقى بجرانه الأرض، وإذا وجَّهوه إلى بلدهم انطلق وله هَرْولة، حتى إذا كان بنخلةَ اليمانية بعث الله عليهم طيراً بيضا أبابيل.

والأبابيل: الكثيرة، مع كلّ طير ثلاثة أحجار: حجران في رجليه، وحجر في منقاره، فجعلت ترميهم بها حتى جعلهم الله عزّ وجلّ كعصف مأكول قال: فنجا أبو يكسوم وهو أبرهة، فجعل كلما قدم أرضاً تساقط بعض لحمه، حتى أتى قومه، فأخبرهم الخبر ثم هلك.

وقوله: { فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مأكولٍ } يعني تعالى ذكره: فجعل الله أصحاب الفيل كزرع أكلته الدوابّ فراثته، فيبس وتفرّقت أجزاؤه شبَّه تقطُّع أوصالهم بالعقوبة التي نزلت بهم، وتفرّق آراب أبدانهم بها، بتفرّق أجزاء الروث، الذي حدث عن أكل الزرع.

وقد كان بعضهم يقول: العَصْف: هو القشر الخارج الذي يكون على حبّ الحنطة من خارج، كهيئة الغلاف لها.

ذكر من قال: عُنِي بذلك ورق الزرع: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: { كَعَصْفٍ مأْكُولٍ } قال: ورق الحنطة.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة { كَعَصْفٍ مأْكُولٍ } قال: هو التَّبن.

وحُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، قال: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: { كَعَصْفٍ مأْكُولٍ } : كزرع مأكول .

حدثني محمد بن عُمارة الأسديّ، قال: ثنا زريق بن مرزوق، قال: ثنا هبيرة، عن سَلَمة بن نُبَيط، عن الضحاك، في قوله { كَعَصْفٍ مأْكُولٍ } قال: هو الهَبُور بالنبطية، وفي رواية: المقهور.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مأْكُولٍ } قال: ورق الزرع وورق البقل، إذا أكلته البهائم فراثته، فصار رَوْثاً.

ذكر من قال: عُني به قشر الحبّ: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس { كَعَصْفٍ مأْكُولٍ } قال: البُرّ يؤكل ويُلْقى عَصْفُه الريح.

والعَصْف: الذي يكون فوق البرّ: هو لحاء البرّ.

وقال آخرون في ذلك بما: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي سنان، عن حبيب بن أبي ثابت: { كَعَصْفٍ مأْكُولٍ } قال: كطعام مطعوم. – تفسير الطبري ] .

 

وفي مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ورد في تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني :

[ عن محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن أبي عمير، عن محمد بن حمران، عن أبان بن تغلب، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) : ” لما أتى صاحب الحبشة بالخيل و معهم الفيل ليهدم البيت مروا بإبل لعبد المطلب فساقوها، فبلغ ذلك عبد المطلب، فأتى صاحب الحبشة، فدخل الآذن، فقال: هذا عبد المطلب بن هاشم، قال: و ما يشاء؟ قال الترجمان: جاء في إبل له ساقوها يسألك ردها، فقال ملك الحبشة لأصحابه: هذا رئيس قوم و زعيمهم! جئت إلى بيته الذي يعبده لأهدمه و هو يسألني إطلاق إبله! أما لو سألني الإمساك عن هدمه لفعلت، ردوا عليه إبله.

فقال عبد المطلب لترجمانه: ما قال الملك؟ فأخبره، فقال عبد المطلب: أنا رب الإبل، و لهذا البيت رب يمنعه، فردت عليه إبله، و انصرف عبد المطلب نحو منزله، فمر بالفيل في منصرفه، فقال للفيل: يا محمود، فحرك الفيل رأسه. فقال له: أ تدري لم جاءوا بك؟ فقال الفيل برأسه: لا، فقال عبد المطلب: جاءوا بك لتهدم بيت ربك، أ فتراك فاعل ذلك؟ فقال برأسه: لا.

فانصرف عبد المطلب إلى منزله، فلما أصبحوا غدوا به لدخول الحرم، فأبى و امتنع عليهم، فقال عبد المطلب لبعض مواليه عند ذلك: اعل الجبل، فانظر ترى شيئا؟ فقال: أرى سوادا من قبل البحر، فقال له:

يصيبه بصرك أجمع؟ فقال له: لا، و أوشك أن يصيب، فلما أن قرب قال: هو طير كثير و لا أعرفه، يحمل كل طير في منقاره حصاة مثل حصاة الحذف أو دون حصاة الحذف. فقال عبد المطلب: و رب عبد المطلب ما تريد إلا القوم، حتى لما صارت فوق رؤوسهم أجمع ألقت الحصاة، فوقعت كل حصاة على هامة رجل، فخرجت من دبره فقتلته، فما انفلت منهم إلا رجل واحد يخبر الناس، فلما أن أخبرهم ألقت عليه حصاة فقتلته “.

– و عنه: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن أبي عمير، عن محمد بن حمران، و هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: ” لما أقبل صاحب الحبشة بالفيل يريد هدم الكعبة، مروا بإبل لعبد المطلب فاستاقوها، فتوجه عبد المطلب إلى صاحبهم يسأله رد إبله عليه، فاستأذن عليه فأذن له، و قيل له: إن هذا شريف قريش- أو عظيم قريش- و هو رجل له عقل و مروءة، فأكرمه و أدناه، ثم قال لترجمانه: سله: ما حاجتك؟

فقال له: إن أصحابك مروا بإبل [لي] فاستاقوها فأحببت أن تردها علي.

قال: فتعجب من سؤاله إياه رد الإبل. و قال: هذا الذي زعمتم أنه عظيم قريش و ذكرتم عقله، يدع أن يسألني أن انصرف عن بيته الذي يعبده، أما لو سألني أن أنصرف عن هذا لانصرفت له عنه، فأخبره الترجمان بمقالة الملك، فقال له عبد المطلب: إن لذلك البيت ربا يمنعه، و إنما سألتك رد إبلي لحاجتي إليها، فأمر بردها عليه.

فمضى عبد المطلب حتى لقي الفيل على طرف الحرم، فقال له: محمود، فحرك رأسه، فقال: أ تدري لم جيء بك؟ فقال برأسه: لا، فقال: جاءوا بك لتهدم بيت ربك أ فتفعل؟ فقال برأسه: لا، قال: فانصرف عنه عبد المطلب، و جاءوا بالفيل ليدخل الحرم، فلما انتهى إلى طرف الحرم امتنع من الدخول فضربوه فامتنع من الدخول، فأداروا به نواحي الحرم كلها، كل ذلك يمتنع عليهم، فلم يدخل، فبعث الله عليهم الطير كالخطاطيف، في مناقيرها حجر كالعدسة أو نحوها، ثم تحاذي برأس الرجل ثم ترسلها على رأسه فتخرج من دبره، حتى لم يبق منهم إلا رجل هرب فجعل يحدث الناس بما رأى إذ طلع عليه طائر منها فرفع رأسه، فقال: هذا الطير منها، و جاء الطير حتى حاذى برأسه، ثم ألقاها عليه فخرجت من دبره فمات “.

– و عنه: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن جميل بن صالح، عن أبي مريم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: سألته عن قول الله عز و جل: { وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ } قال: ” كان طير ساف، جاءهم من قبل البحر، رؤوسها كأمثال رؤوس السباع، و أظفارها كأظفار السباع من الطير، مع كل طير ثلاثة أحجار: في رجليه حجران، و في منقاره حجر، فجعلت ترميهم بها حتى جدرت أجسادهم فقتلتهم بها، و ما كان قبل ذلك رئي شيء من الجدري، و لا رأوا من ذلك الطير قبل ذلك اليوم و لا بعده؟ “.

قال: ” و من أفلت منهم يومئذ انطلق، حتى إذا بلغوا حضرموت، و هو واد دون اليمن، أرسل [الله] عليهم سيلا فغرقهم أجمعين”. قال: “و ما رئي في ذلك الوادي ماء [قط] قبل ذلك اليوم بخمسة عشر سنة ” قال: ” فلذلك سمي حضرموت حين ماتوا فيه “.

– الشيخ في (أماليه)، قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن محمد- يعني المفيد- قال: حدثنا أبو الحسن علي بن بلال المهلبي، قال: حدثنا عبد الواحد بن عبد الله بن يونس الربعي، قال: حدثنا الحسين بن محمد ابن عامر، قال: حدثنا المعلى بن محمد البصري، قال: حدثنا محمد بن جمهور العمي، قال: حدثنا جعفر بن بشير، قال: حدثنا سليمان بن سماعة، عن عبد الله بن القاسم، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده (عليهم السلام)، قال: ” لما قصد أبرهة بن الصباح ملك الحبشة ليهدم البيت، تسرعت الحبشة، فأغاروا عليها، فأخذوا سرحا لعبد المطلب بن هاشم، فجاء عبد المطلب إلى الملك، فاستأذن عليه، فأذن له و هو في قبة ديباج على سرير له، فسلم عليه، فرد أبرهة السلام، و جعل ينظر في وجهه، فراقه حسنه و جماله و هيئته.

فقال له: هل كان في آبائك مثل هذا النور الذي أراه لك و الجمال؟ قال: نعم أيها الملك، كل آبائي كان لهم هذا الجمال و النور و البهاء فقال له أبرهة: لقد فقتم [الملوك] فخرا و شرفا، و يحق لك أن تكون سيد قومك.

ثم أجلسه معه على سريره، و قال لسائس فيله الأعظم- و كان فيلا أبيض عظيم الخلق، له نابان مرصعان بأنواع الدر و الجواهر، و كان الملك يباهي به ملوك الأرض- ائتني به، فجاء به سائسه، و قد زين بكل زينة حسنة، فحين قابل وجه عبد المطلب سجد له، و لم يكن يسجد لملكه، و أطلق الله لسانه بالعربية، فسلم على عبد المطلب، فلما رأى الملك ذلك ارتاع له و ظنه سحرا، فقال: ردوا الفيل إلى مكانه.

ثم قال لعبد المطلب: فيم جئت؟ فقد بلغني سخاؤك و كرمك و فضلك، و رأيت من هيئتك و جمالك و جلالك ما يقتضي أن أنظر في حاجتك، فسلني ما شئت. و هو يرى أن يسأله في الرجوع عن مكة، فقال له عبد المطلب: إن أصحابك غدوا على سرح لي فذهبوا به، فمرهم برده علي.

قال: فتغيظ الحبشي من ذلك، و قال لعبد المطلب: لقد سقطت من عيني، جئتني تسألني في سرحك، و أنا قد جئت لهدم شرفك و شرف قومك، و مكرمتكم التي تتميزون بها من كل جيل، و هو البيت الذي يحج إليه من كل صقع في الأرض، فتركت مسألتي في ذلك و سألتني في سرحك.

فقال له عبد المطلب: لست برب البيت الذي قصدت لهدمه، و أنا رب سرحي الذي أخذه أصحابك، فجئت أسألك فيما أنا ربه، و للبيت رب هو أمنع له من الخلق كلهم، و أولى [به] منهم.

فقال الملك: ردوا إليه سرحه، فردوه إليه و انصرف إلى مكة، و أتبعه الملك بالفيل الأعظم مع الجيش لهدم البيت، فكانوا إذا حملوه على دخول الحرم أناخ، و إذا تركوه رجع مهرولا، فقال عبد المطلب لغلمانه: ادعوا لي ابني، فجيء بالعباس، فقال: ليس هذا أريد، ادعوا لي ابني، فجيء بأبي طالب، فقال: ليس هذا أريد، ادعوا لي ابني، فجيء بعبد الله أبي النبي (صلى الله عليه و آله)، فلما أقبل إليه، قال: اذهب يا بني حتى تصعد أبا قبيس، ثم اضرب ببصرك ناحية البحر، فانظر أي شيء يجيء من هناك، و خبرني به.

قال: فصعد عبد الله أبا قبيس، فما لبث أن جاء طير أبابيل مثل السيل و الليل، فسقط على أبي قبيس، ثم صار إلى البيت، فطاف [به] سبعا، ثم صار إلى الصفا و المروة فطاف بهما سبعا، فجاء عبد الله إلى أبيه فأخبره الخبر، فقال: انظر يا بني ما يكون من أمرها بعد فأخبرني به، فنظرها فإذا هي قد أخذت نحو عسكر الحبشة فأخبر عبد المطلب بذلك، فخرج عبد المطلب و هو يقول: يا أهل مكة، اخرجوا إلى العسكر فخذوا غنائمكم.

قال: فأتوا العسكر، و هم أمثال الخشب النخرة، و ليس من الطير إلا ما معه ثلاثة أحجار، في منقاره و رجليه، يقتل بكل حصاة منها واحدا من القوم، فلما أتوا على جميعهم انصرف الطير، و لم ير قبل ذلك و لا بعده فلما هلك القوم بأجمعهم جاء عبد المطلب إلى البيت فتعلق بأستاره ، و قال :

يا حابس الفيل بذي المغمس حبسته كأنه مكوكس

في مجلس تزهق فيه الأنفس فانصرف و هو يقول في فرار قريش و جزعهم من الحبشة:

طارت قريش إذ رأت خميسا فظلت فردا لا أرى أنيسا
و لا أحس منهم حسيسا إلا أخا لي ماجدا نفيسا

 

مسودا في أهله رئيسا”.

علي بن إبراهيم ، في معنى السورة، قال: نزلت في الحبشة حين جاءوا بالفيل ليهدموا به الكعبة، فلما أدنوه من باب المسجد، قال له عبد المطلب: أ تدري أين يؤم بك؟ فقال برأسه: لا، قال: أتوا بك لتهدم كعبة الله، أ تفعل ذلك؟ فقال برأسه: لا، فجهدت به الحبشة ليدخل المسجد فأبى، فحملوا عليه بالسيوف و قطعوه { وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ }. قال: بعضها على أثر بعض، { تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ } قال: كان مع كل طير ثلاثة أحجار: حجر في منقاره، و حجران في رجليه، و كانت ترفرف على رؤوسهم، و ترمي أدمغتهم، فيدخل الحجر في دماغ الرجل منهم، و يخرج من دبره، و تنقض أبدانهم، فكانوا كما قال الله: { فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ } قال: العصف: التبن ، و المأكول: هو الذي يبقى من فضله.

قال الصادق (عليه السلام): ” و هذا الجدري من ذلك الذي أصابهم في زمانهم “.تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني ] .

  تفسير البينة (النبأ العظيم)

يقول تعالى :

{ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ } * { أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ } * { وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ } * { تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ } * { فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ}

وهنا :

  • أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ (1)

 

(ألم تر)

وهنا يبين تعالى من خلال هذه الكلمات درجات الرؤية :

أولاً : الرؤية العادية للعامة من الناس :

وقال تعالى { وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون – الأعراف 198 } و البصر غير النظر وذلك لأن الله تعالى بين أن البصر بالقلب للتعقل وتقيييد المعاني والفهم الصحيح للأمور كما في قوله تعالى  { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ – الحج 46 } .

وبالتالي النظر هنا بأحد الحواس وهى حاسة النظر العادية لكل بني آدم مما تراه أعينهم ولا يدركون خفاياه إلا بابصارهم ومحلها القلب ثم العقل وهذه الرؤية العينية بالنظر لعامة الخلق قال تعالى فيها أيضاً { وإذا رأوا تجارة أولهواً انفضوا إليها تركوك قائما – الجمعة } .

أي رأوا بأعينهم ما هو ظاهر أمامهم فلا يرون بأعينهم الظاهرة إلا ما يعود عليهم بالنفع العاجل الظاهر دون النظر في بواطن الأمور وعواقبها ولذلك استهزءوا بنظرتهم هذه من رسول الله صلى الله عليه وآله كما في قوله تعالى : { وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي بعث الله رسولا – الأنبياء 36 } .

وذلك لأن الكفار والمنافقين بهذه النظرة العينية الظاهرية الجسدية البحتة قالوا فيها ماذكره الله تبارك وتعالى عنهم : { وَقَالُوا مَالِ هَٰذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ ۙ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا أَوْ يُلْقَىٰ إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا ۚ وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا تَبَارَكَ الَّذِي إِن شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِّن ذَٰلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُورًا  بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ ۖ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا– الفرقان 7-11 } .

ولذلك استهزءوا بالمؤمنين وحقروا من شأنهم وامتدت إليهم بعد ذلك بالبطش وسفك الدماء أيدهم قال تعالى { إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَىٰ أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَٰؤُلَاءِ لَضَالُّونَ – المطففين 29-33 } .

وهذه الرؤية يظلوا هكذا بعمى قلوبهم وإعراضهم عن ذكر الله تعالى يهلكوا كما في قوله تعالى عن قوم عاد وظنهم أن الغمام القادم عليهم مطر طيب ينتفعون به قال تعالى { فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا ۚ بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ ۖ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ – الأحقاف 24 } .

وهنا لن ينفعهم إيمانهم كما في قوله تعالى { فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا ۖ سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ ۖ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ – غافر 85 } .

 

ثانياً :  رؤية الشيطان التي يرى فيها الملائكة :

 

قال تعالى في هذه الرؤية الشيطانية والتي لا يدركها بني آدم إلا عند الغرغرة  حيث يبدأ في رؤية ملك الموت { وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ ۖ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَىٰ مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ۚ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ – الأنفال 48 } .

ومن هذه الرؤيات الرؤية الشيطانية لبني آدم من أماكن وأوضاع لا يدركها بني آدم بأجسادهم إلا في ظروف خاصة يكون بعضهم لبعض ظهيرا ليس محلها الآن قال تعالى هنا { إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم – الأعراف 27 } .

 

ثالثاً : رؤية الأنبياء وأعلاها رؤية النبي محمد صلى الله عليه وآله خاتم الأنبياء والمرسلين :

 

ورؤية الأنبياء هنا بالنظر ولكنها رؤية عميقة تدرك بواطن الأمور وغوامضها و حكمة الله فيها بالوحي قال تعالى في نبي الله موسى عليه السلام وعصاه { فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبراً ولم يعقب ياموسى أقبل و لا تخف إنك من الآمنين – النمل 10 } .

وقال تعالى عن نبي الله سليمان لما رأى عرش ملكة سبأ أمامه : { فلما رآه مستقراً عنده قال هذا من فضل ربي – النمل 40 } .

{ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ ۚ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا- النصر } وقال تعالى في الرؤية الجسدية للنبي صلى الله عليه وآله { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا – النساء61 } .

وأدنى درجاته الرؤية للوحي هو المنام والذي يتميز بها الأشراف سادة أهل البيت (عليهم السلام) ولذلك قال صلى الله عليه وآله فيها [ ” الرؤية الصالحة جزء من ستة واربعين جزءاً من النبوة ” … الحديث  ] وهذه الرؤيات قال فيها تعالى عن سيدنا إبراهيم عليه السلام : { فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ  لَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلَامٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ  كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ – الصافات 102-110 } .

وقال تعالى عن نبي الله يوسف عليه السلام { إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ – يوسف 4 } .

وقال تعالى عن رسول الله صلى الله عليه وآله { لَّقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ ۖ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ ۖ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَٰلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا – الفتح 27 } .

ورؤية النبي قال تعالى فيها مبيناً أنها رؤية مبدئية ضمن الوحي لما روى أن أول مابدء الوحي الرؤيا الصالحة كانت تأت كفلق الصبح  [ أَوَّلُ ما بُدِئَ به رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ في النَّوْمِ؛ فَكانَ لا يَرَى رُؤْيَا إلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، فَكانَ يَأْتي حِرَاءً فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ -وهو التَّعَبُّدُ اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ العَدَدِ- ويَتَزَوَّدُ لذلكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلى خَدِيجَةَ فَتُزَوِّدُهُ لِمِثْلِهَا، حتَّى فَجِئَهُ الحَقُّ وهو في غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ المَلَكُ فِيهِ، فَقالَ: اقْرَأْ، فَقالَ له النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: فَقُلتُ: ما أنَا بقَارِئٍ، فأخَذَنِي فَغَطَّنِي حتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدُ، ثُمَّ أرْسَلَنِي فَقالَ: اقْرَأْ، فَقُلتُ: ما أنَا بقَارِئٍ، فأخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدُ، ثُمَّ أرْسَلَنِي فَقالَ: اقْرَأْ، فَقُلتُ: ما أنَا بقَارِئٍ، فأخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدُ، ثُمَّ أرْسَلَنِي فَقالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ } حتَّى بَلَغَ {عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}  العلق: 1 – 5  – البخاري ]

ولذلك بعدما كان يطلق عليه الصادق الأمين قبل الوحي فكوفئ من الله تعالى بالرؤيا الصالحة أصبح بعد الوحي لا ينطق عن الهوى كما في قوله تعالى { وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى – النجم }

و كما قال تعالى { ألم تر أن الله أنزل من السماء ماءاَ فتصبح الأرض مخضره – الحج 63 } وهذه رؤية بدنية جسدية للجميع ولكن للنبي كما يرى بهذه الحواس هذه الظواهر الكونية كذلك جعله الله تعالى يرى ماوراء هذه المادة وما هو خلفها بالوحي ومنه قبل الوحي كما قلنا  الرؤية الصالحة و رؤيا الأنبياء بعد الوحي  أمر من الله كما في قصة سيدنا إبراهيم وقول سيدنا إسماعيل له { ياأبت افعل ما تؤمر } ولذلك بين تعالى أن رسول الله صلى الله عليه وآله رأى هلاك كل الأمم من قبل ومن هنا كان قوله تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله :  { ألم تر كيف فعل ربك باصحاب الفيل } أي أن رسول الله صلى الله عليه وآله رأى بعينه ضمن الوحي ماحدث لأصحاب الفيل في قوله تعالى هنا { ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل } .

وعن أصحاب النار أيضاً فيها رؤية أيضاً للنبي صلى الله عليه وآله ولكن تقترن بلفظ ( ولو) لأنه صلى الله عليه وآله وأنبياء الله  تعالى والمؤمنين مستبعدين عن جهنم لذلك يقول تعالى في محاسبة أصحاب النار وآخر مشهد يمكن أن يراه هؤلاء الأنبياء عليهم السلام هو مشهد المجرمين وهم مقرنين في الأصفاد كما في قوله تعالى { ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه – الكهف 49 } وقال تعالى أيضاً هنا : { وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار– إبراهيم 49 } .

فإذا عذبوا حجب الله تبارك وتعالى هذا المشهد عنهم عليهم السلام ولذلك تقترن الرؤية هنا بلفظ ( ولو) كما في قوله تعالى مثلاً : { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ – الانعام 27 } . ولو ترى أي أنك لن تر لأنك ليس منهم .

رابعاً :

رؤية الفؤاد وهى أعلى درجات الرؤية وهى خاصة برسول الله صلى الله عليه وآله فقط :

قال تعالى { وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ   ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَىٰ   وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَىٰ  ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ   فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ   عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَىٰ عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ  مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ  – النجم 3-18 }  .

وهنا إذا كان القلب هو المضغة الموضوعة في الجسد الطيني المولود من ذكر وانثى فإن الفؤاد ما هو خلف القلب من الجسد الذي خلقه الله تعالى في جنة عدن قبل هبوط بني آدم للأرض وأعتقد أن هذا هو الفارق بين القلب والفؤاد .وهذه هنا أعلى درجات الرؤية المحمدية وهى خاصة به صلى الله عليه وآله دون الخلق جميعاً .

ولا يطلع عليها أحد لأنه رؤيا بالفؤاد وهو موضع السر فيما وراء القلب لقوله تعالى في الرابط بين القلب والفؤاد عن أم موسى عليهما السلام { َأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِين – القصص 10 } .

وأما :

(كيف فعل ربك)

وهنا يبين تعالى نفس المعنى السابق من خلال هذا اللفظ كعادة القرآن الكريم في البيان أنه عز وجل بين لرسوله صلى الله عليه وآله كيف فعل بالأمم من قبل مؤكداً أن رسول الله صلى الله عليه وآله أراه ربه عز وجل بعينه هلاك الأمم من قبل بالرؤية و الحضور العيني أو بالوحي والمشاهدة [ كما رأى بعينه صلى الله عليه وآله القوافل وهى قادمة من الشام في حادث الإسراء والمعراج – راجع السيرة النبوية لابن هشام ] .

قال تعالى هنا  { ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد وثمود الذين جابو الصخر بالواد وفرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب إن ربك لبالمرصاد – الفجر } .

وبالتالي الرؤية العينية للنبي صلى الله عيه وآله ولأمته في دقة البيان القرآني ليس رؤية بل بيان من الله تعالى قد ارسله إليهم كما في قوله تعالى : { وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ – إبراهيم 45 } .

وأما :

(أصحاب)

[ وصحب يصحب صحبة عاشر ولا يقال إلا لمن كثرت ملازمته لشخص أو شيء – معجم ألفاظ القرآن باب الصاد فصل الحاء والباء ] .  قال تعالى { ولا تكن كصاحب الحوت – القلم 48  } وقال  تعالى { وإن اصحاب الأيكة لظالمين – الحجر 78 } وقال تعالى { كذب أصحاب الحجر المرسلين – الحجر 80 }  وأصحاب الفيل هنا الذين لازمو وصحبوا الفيل معهم لهدم الكعبة لعنهم الله قال تعالى { ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل } .

وأما :

( الفيل)

والفيل هو الحيوان المعروف ولم يذكر إلا في هذه السورة قال تعالى { ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل }

ثم يقول تعالى :

  • ألم يجعل كيدهم في تضليل(2)

وهنا :

(ألم)

ورد هذا اللفظ في قوله تعالى { ألم تعلم أن الله على كل شيئ قدير – البقرة 106 } .

ومن قدرته تعالى هنا أنه أهلكهم كما أهلك الظالمين من قبلهم قال تعالى هنا

{ ألم يجعل كيدهم في تضليل }

فإذ أهلكهم الله تعالى سألهم الله تعالى { يامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا ۚ قَالُوا شَهِدْنَا عَلَىٰ أَنفُسِنَا ۖ وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ – الانعام 130 } .

وفي استفهام استنكاري يقول تعالى { أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ۚ ذَٰلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ – التوبة 63 } ولذلك أهلك الله تعالى الأمم من قبل كما في قوله تعالى { أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ ۚ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ ۖ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ – التوبة 70 } . وكما أهلك الله تعالى هؤلاء أهلك أصحاب الفيل وجعل كيدهم في تضليل كما في قوله تعالى هنا : { ألم يجعل كيدهم في تضليل } .

أما :

(نجعل)

هذه الجعلية لله تعالى كما في قوله تعالى عمن لم تهديهم حواسهم لمعرفة الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام يقول تعالى في هؤلاء { أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ البلد 8-10 } . ولو كان هؤلاء يستخدمون حواسهم في معرفة الله تعالى ورسوله والإمامة من أهل لبيته لهداهم الله تعالى وذلك لأن لفظ جعل وجعلناهم ورد في قوله تعالى عن الإمامة { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ ۖ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ – الأنبياء 73 } .

ومن خرج على هذه الإمامة الجعلية من الله تعالى فهو من المهلكين كما أهلك الله تعالى الأمم من قبل { فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ – المؤمنون 47 } .

وأما :

(كيدهم)

[ وكاد يكيد كيداً : احتال في إلحاق الضرر به ويقال ماد له : كاده – معجم ألفظ القرآن باب الكاف فصل الياء والدال ] قال تعالى { فَلَمَّا رَأَىٰ قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ ۖ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ – يوسف 28 } وقال تعالى أيضاً { وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين – الأنبياء 57 }

وهذا الكيد هنا يبين تعالى أنه كاد عز وجللهم فأهلكهم بكيدهم قال تعالى { إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا – الطارق 15-17 } ويوم الكيد العظيم لا يفلح فيه إلا من استعلى بالله تعالى وكتابه الكريم وتولى الله   تعالى ورسوله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام قال تعالى { فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا ۚ وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَىٰ  – طه 64 } .

وأما :

(كيدهم في تضليل)

أي أن كيدهم يخطئ ويفشل ولا يوفق وذلك لمن كفر بالله تعالى ونافق كما في قوله تعالى { وما كيد الكافرين إلا في ضلال – غافر 25 } .

وأما :

(في تضليل)

والضلال خروج عن الصواب بغير علم قال تعالى لذلك { وإن كثيراً ليضلون بأهوائهم بغير علم – الأنعام 119 } ومن ترك العلم بكتاب الله حلاله وحرامه فقد تولى الشيطان الذي يتوكل به ليضله قال تعالى { كتب عليه أنه من تولاه فإنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير – الحج 4 } . ومن خرج على ولاية الله تعالى ورسوله وأهل بيته فقد تولى فرعوناً من الفراعين الذي جعله الله تعالى إماماً يدعوا إلى النار قال تعالى { وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار } وبخروجهم على ورلاية الله تعالى ورسوله أضلهم فرعون كما في قوله تعالى { وأضل فرعون قومه وماهدى – طه 79 } وكذلك كل من أطاع السادة والكبراء خروجاً على ولاية الله تعالى ورسوله وأهل بيته لقوله تعالى أيضاً فيما سيقولونه يوم القيامة مع دخولهم النار { وقالوا ربنا إننا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ربنا وآتهم ضعفاً من العذاب والعنهم لعناً كبيرا – الأحزاب } وهنا يبين تعالى أن هؤلاء في الدنيا سيجعل الله تعالى كيدهم في تضليل كما فعل بأصحاب الفيل في قوله تعالى هنا { ألم يجعل كيدهم في تضليل } .

 

ثم يقول تعالى :

 

  • وأرسل عليهم طيراً أبابيل (3)

 

وهنا :

(وأرسل عليهم )

وأرسل هنا يرد في قوله تعالى { إنا أرسلنا عليهم حاصباً إلا آل لوط نجيناهم بسحر – القمر 34 } ومن هنا يتبين لنا أن الله تعالى قد أرسل علي أصحاب الفيل حاصباً قال تعالى فيه هنا { وأرسل عليهم طيراً أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول }

وأما :

(طيرا)

والطيور جنس من المخلوقات يطير فيه الهواء منها المأكول ومنها الجوارح  قال تعالى فيهم { أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ – النحل 79 }

وهذه الطيور اتخذ منها نبي الله سليمان جنوداً كما في قوله تعالى { وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ – النمل 17 } ومن هذا الجنس أرسل الله تعالى منهم جنوداً ترمي اصحاب الفيل بحجارة من سجيل قال تعالى هنا : { وأرسل عليهم طيراً أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل } .

وأما :

(أبابيل)

وأبابيل من الألفاظ الغير متكررة في كتاب الله تعالى و تعني جماعات يتبع بعضها بعضا [ وأبابيل أي جماعات متفرقة وهو جمع لا واحد له ويجيئ في معنى التكثير – معجم ألفاظ القرآن باب الهمزة فصل الباء واللام ] قال تعالى هنا { وأرسل عليهم طيراً أبابيل } .

ثم يقول تعالى :

(4) ترميهم بحجارة من سجيل (4)

 وهنا :

(ترميهم)

ورمى يرمي رمية قال تعالى هنا { وما قتلهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى –  الأنفال } أي أن الله تعالى هو الذي قتلهم بهذه الحجارة التي قال تعالى فيها هنا { ترميهم بحجارة من سجيل } وهذه الحجارة نارية تشبه الاسلحة الحديثة وطلقات الرصاص لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { إنها ترمي بشرر كالقصر – المرسلات } .

وأما :

( بحجارة من سجيل)

هذه الحجارة هنا يبين تعالى أنه ألقاها  الله تعالى على قوم لوط في قوله تعالى { لَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ ۖ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ  – هود 82-83 } وهذه ألايةات تبين أن جيش أصحاب الفيل كان فيهم من يفعل هذه الفعلة الشنعاء وهكذا كل من جبار عنيد هادم للمقدسات سفاك للدماء خاصة دماء أهل البيت (عليهم السلام) فإما أن يكون من ولد الزنا كما في الأحاديث ” لا يبغضنا أهل البيت إلا ولد الزنا ”

[ أخرج الحافظ الطبري في كتاب الولاية بإسناده عن علي عليه السلام إنه قال: لا يحبني ثلاثة: ولد الزنا. ومنافق. ورجل حملت به أمه في بعض حيضها.

7 – أخرج الحافظ الدارقطني وشيخ الاسلام الحموي في فرائده بإسنادهما عن أنس مرفوعا قال: إذا كان يوم القيامة نصب لي منبر ثم ينادي مناد من بطنان العرش: أين محمد!

فأجيب: فيقال لي: ارق. فأكون أعلاه ثم ينادي الثانية: أين علي! فيكون دوني بمرقاةفيعلم جميع الخلايق أن محمدا سيد المرسلين وأن عليا سيد المؤمنين : قال أنس: فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله: من يبغض عليا بعد؟! فقال: يا أخا الأنصار لا يبغضه من قريش إلا سفحي، ولا من الأنصار إلا يهودي، ولا من العرب إلا دعي، ولا من ساير الناس إلا شقي.

هذا الحديث ضعفه السيوطي لمكان إسماعيل بن موسى الفزاري في سنده. وقد ذكره ابن حبان في الثقات وقال مطين: كان صدوقا. وقال النسائي: لا بأس به. وعن أبي داود: إنه صدوق في الحديث روى عنه البخاري في كتاب خلق أفعال العباد، وأبو داود والترمذي، وابن ماجة، وابن خزيمة، والساجي، وأبو يعلى وغيرهم. ولم يذكر غمز فيه عن أحد من هؤلاء الأعلام، نعم: ذنبه الوحيد أنه شيعي علوي المذهب.

8 – عن أبي بكر قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله خيم خيمة وهو متكئ على قوس عربية وفي الخيمة علي وفاطمة والحسن والحسين فقال: معشر المسلمين!

أنا سلم لمن سالم أهل الخيمة، حرب لمن حاربهم، ولي لمن والاهم، لا يحبهم إلا سعيد الجد طيب المولد، ولا يبغضهم إلا شقي الجد ردئ المولد .[لرياض النضرة، للحافظ محب الدين الطبري 2 ص 189]

9 – عن أبي مريم الأنصاري عن علي عليه السلام قال: لا يحبني كافر ولا ولد زنا .[ شرح ابن أبي الحديد ج 1 ص 373]

ومن الآية هنا فاعل هذه الجرائم الشنيعة  من فاعلي قوم لوط .

 ثم يقول تعالى :

 (5) فجعلهم كعصف مأكول (5)

 وهنا :

(فجعلهم)

 

أي أنه يقول تعالى في هؤلاء من سار على نهجهم وكفر بالله تعالى ورسوله أنه مزقهم عز وجل جعلهم أحاديث ومزقهم كل ممزق قال تعالى { فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ – سبأ 19 } ورد في التفسير :

[عن ابن عباس قوله ( فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ) قال: فإنهم بطروا عيشهم، وقالوا: لو كان جَنَى جناتنا أبعد مما هي كان أجدر أن نشتهيه، فمُزِّقوا بين الشأم وسبأ، وبدلوا بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط، وأثل وشيء من سدر قليل.

فلما عملوا بما يسخط الله تعالى عليهم من معاصيه وجب عقابهم (فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ) يقول : صيرناهم أحاديث للناس يضربون بهم المثل في السبِّ، فيقال: تفرق القوم أيادي سَبَا، وأيدي سبا إذا تفرقوا وتقطعوا.وقوله (وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) يقول: وقطعناهم في البلاد كل مقطع. – راجع  تفسير الطبري ]

ولورود هذا اللفظ على الأصنام التي كسرها نبي الله إبراهيم عليه السلام في قوله تعالى { فجعلهم جذاذاً إلا كبيراً لهم لعلهم يرجعون – الأنبياء 58 } يبين تعالى من خلال هذه الآية أنه عز وجل مزقهم وفتت اجسادهم كما فتت نبي الله إبراهيم الأصنام .

 

وأما :

(كعصف)

والعصف قش الحبة التي تأكلها البهائم قال تعالى { والحب ذو العصف والريحان – الرحمن }

والعصف [ الحسى فيه العصف : حطام البيت والعاصف ما يحطمه عصف الريح – معجم ألفاظ القرآن باب العين فصل الصاد والفاء ] قال تعالى { هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ۙ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ – يونس 22 } .

وهذه العاصفة موكول بها ملائكة قال تعالى فيهم { وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا عُذْرًا أَوْ نُذْرًا إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ – المرسلات 1-7 } . وهذه العاصفات في اي زمن ففهى المهلكة لكل من تعدى على حرم الله تعالى كما فعل الله تعالى بإبرهة صاحب الفيل كذلك يكون العقاب في قوله تعالى هنا ر فجعلهم كعصف مأكول } .

وأما :

(مأكول)

ومأكول مفعول أكل كقوله تعالى { وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ – محمد 12 } وقال تعالى { وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا ۗ لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ – النحل 5 }  وهذه الأنعام إذا أكلها الإنسان مزقها باسنانه كل ممزق ثم أخرجها مأكولة وهكذا فعل الله تعالى بأصحاب الفيل حيث قال تعالى { فجعلهم كعصف مأكول – الفيل 5 } .

هذا وبالله التوفيق

وما تفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين

انتهى العمل من هذه السورة الكريمة

في 6 شوال الموافق 1420 هـ الموافق 13 يناير سنة 2000 ميلادي

 

السورة رقم

السورة رقم (20)

سورة الصمدية

[ سبب نزولها أن المشركين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وآله انسب لنا ربك فأنزل الله تعالى ( قل هو الله أحد) – اسباب النزول هامش تفسير الجلالين – لجلال الدين السيوطي ]

و [ أخرج أحمد والبخاري في تاريخه والترمذي وابن جرير وابن خزيمة وابن أبي حاتم في السنة والبغوي في معجمه وابن المنذر في العظمة والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي بن كعب رضي الله عنه أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا محمد أنسب لنا ربك، فأنزل الله { قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد } لأنه ليس يولد شيء إلا سيموت، وليس شيء يموت إلا سيورث، وإن الله لا يموت ولا يورث { ولم يكن له كفواً أحد } ليس له شيبة ولا عدل وليس كمثله شيء.

وأخرج ابن جرير عن عكرمة رضي الله عنه أن المشركين قالوا يا رسول الله: أخبرنا عن ربك، صف لنا ربك ما هو؟ ومن أي شيء هو؟ فأنزل الله { قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد }.

وأخرج ابن الضريس وابن جرير عن أبي العالية رضي الله عنه قال قالوا: انسب لنا ربك، فأتاه جبريل بهذه السورة { قل هو الله أحد الله الصمد }.

وأخرج أبو يعلى وابن جرير وابن المنذر والطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الحلية والبيهقي بسند حسن عن جابر رضي الله عنه قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أنسب لنا ربك، فأنزل الله { قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد }.

وأخرج الطبراني وأبو الشيخ في العظمة عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قالت قريش، يا رسول الله: أنسب لنا ربك، فأنزل الله { قل هو الله أحد }. – تفسير الدر المنثور للسيوطي ] .

وفي تفسير القمي :

[ سبب نزولها أن اليهود جاء‌ت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت: ما نسب ربك؟ فأنزل الله { قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد } [1-4] ومعنى قوله: أحد أحدي النعت كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله: نور لا ظلام فيه وعلم لا جهل فيه وقوله: الصمد، أي: الذي لا مدخل فيه وقوله: لم يلد، أي: لم يحدث ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، قال: لا له كفو ولا شبيه ولا شريك ولا ظهير ولا معين.

حدثنا أبو الحسن قال: حدثنا الحسن بن علي بن حماد بن مهران، قال: حدثنا محمد بن خالد بن إبراهيم السعدي قال: حدثني أبان بن عبد الله قال: حدثني يحيى بن آدم عن الفزاري عن حريز عن الضحاك عن ابن عباس، قال قالت قريش للنبي صلى الله عليه وآله بمكة صف لنا ربك لنعرفه فنعبده، فأنزل الله تبارك وتعالى على النبي صلى الله عليه وآله قل هو الله أحد، يعني: غير مبعض ولا مجزى ولا مكيف، ولا يقع عليه اسم العدد ولا الزيادة ولا النقصان، الله الصمد الذي قد انتهى إليه السؤدد والذي يصمد أهل السماوات والأرض بحوائجهم إليه، لم يلد منه عزير كما قالت اليهود عليهم لعائن الله وسخطه ولا المسيح كما قالت النصارى عليهم سخط الله، ولا الشمس والقمر ولا النجوم كما قالت المجوس عليهم لعائن الله وسخطه ولا الملائكة كما قالت كفار قريش لعنهم الله، ولم يولد لم يسكن الأصلاب ولم تضمه الأرحام لا من شيء كان ولا من شيء خلق ما (مما ط) كان، ولم يكن له كفواً أحد، يقول ليس له شبيه ولا مثل ولا عدل ولا يكافيه أحد من خلقه بما أنعم عليه من فضله. – تفسير القمي ] .

  • قل هو الله أحد (1)

وهنا :

(قل)

وهذا اللفظ يبين أنهم كما سألوا عن الخالق عز وجل كذلك سألوا عن الساعة كما في قوله تعالى { يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي – الأعراف 178} فلما سألوا عن الخالق عز وجل سألهم المصطفى صلوات الله وسلامه عليه ليجعلهم هم من يجيب على هذا السؤال حيث قال تعالى { ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله – لقمان 25 } فلما أقروا بالخلق أنه لله تبارك وتعالى سألوا عن الخالق ونسبه تعالى الله عما يشركون هنا أنزل الله تعالى  { قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد} .

وأما :

(هو الله أحد الله الصمد)

أي أنه يقول تعالى مبيناً أن الله تعالى خالق كل شيئ كما في قوله تعالى { ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيئ فاعبدوه وهو على كل شيئ وكيل  – الانعام 102 } وهذا الخالق سبحانه وتعالى له الأسماء الحسنى كما في قوله تعالى  { هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون هو الله الخالق البارئ المصور له السماء الحسنى يسبح له مافي السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم – الحشر 22-24 } وهو الصمد كما فيالآية هنا قال تعالى { قل هو الله أحد الله الصمد } وهذه الأسماء الحسنى أمر الله تعالى المؤمنين بأن يدعوه بها كما في قوله تعالى  { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها – الاعراف 180}.

وأما :

(أحد)

وأحد أي أنه خالق كل شيئ كما في قوله تعالى { قل الله خالق كل شيئ وهو الواحد القهار -الرعد 16 } ومادام الله تعالى خالق كل شيئ  فهو ليس كمثله شيئ كما في قوله تعالى { ليس كمثلة شيئ وهو السميع العليم – الشورى 11 } وكأنه يقول تعالى بأن الله تعالى الواحد الأحد خالق كل أحد لقوله تعالى { ولا يظلم ربك أحدا– الكهف 49 } سبحانه وتعالى منزه عن الشبيه والنظير وليس كمثله أحد  وليس له أحد كما في قوله تعالى { ولم يكن له كفواً أحد } .

قد بعث النبيين مبشرين ومنذرين  وجعل الإيمان بخاتمهم سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله)  إيماناً بهم جميعاً دون تفرقه قال تعالى { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير – البقرة 285} .

وهؤلاء هم الذين يبلغون رسالة ربهم ولا يخشون أحداً إلا الله قال تعالى { الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشونأحداً إلا الله وكفى بالله حسيبا – الأحزاب 39 } وآخر هؤلاء وخاتمهم سيدنا محمد والأئمة من بعده لختم النبوة به صلى الله عليه وآله لقوله تعالى { ماكان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيئ عليما -الأحزاب 40 } ومن رجالكم أنتم لأنه له رجاله من فاطمة وعلي وهم الأئمة من ذريته صلى الله عليه وآله وولايتهم توحيد الله تعالى وبيوت الله تعالى في الأرض هى مساجدهم  وقد أمر الله تعالى بالدعاء فيها لله تعالى والإستشفاع بأنبيائه تعالى ورسله وملائكته وأهل بيته (عليهم السلام)  قال تعالى { وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحد – الجن 18 } وعلى هذه الولاية وهذا الإيمان طائفة مؤمنة من الجن قال تعالى فيهم { قل أوحى إلى أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا – الجن 1 }

والخروج على ولاية هؤلاء والإستشفاع بهم والصلاة في مساجدهم والدعوة لغيرهم خروجاً إلى الشرك الذي قال تعالى فيه { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله – الشورى } ودائماَ هؤلاء منذ موت رسول الله صلى الله عليه وآله يتولون الذين كفروا المحاربين لأهل بيت النبي من أهل الكتاب وقد أطلق عليهما القرآن الكريم بأنهم أخوة في الكفر بالله والحرب على رسوله وأهل بيته عليهم السلام كما في قوله تعالى { ألم ترى إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحداً ابداً وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم لكاذبون – الحشر 11 }

ومن أراد  الله تعالى ورضاه والجنة فليعمل بالأعمال الصالحة ولا يطيع بشراً في معصية الله تعالى و الإشراك به شيئا كما بينا من قبل قال تعالى { قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحدا – الكهف 110} .

وهؤلاء سوف يؤتيهم الله أجرا عظيما قال تعالى { والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولائك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله غفوراً رحيما – النساء 152 } أي إن آمنت بأن الله أحد لابد وأن تعلم أنه خالق كل شيئ وليس كمثله شيئ وأنه قد أرسل رسله وأنبيائه مبشرين ومنذرين وجعل خاتمهم سيدنا محمد وجعل الإيمان به إيماناً بكل من قبله من الرسل دون تفرقة بين أحد منهم وهذا هو الإسلام وهذا المعتقد يخرج العبد من الشرك لقوله تعالى { لكنا هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدا – الكهف 38 } ويوم القيامة سيحاسب الله تعالى الخلق على أعمالهم وفق كتاب اعمالهم والذي أحصته عليهم الملائكة الموكولين بذلك قال تعالى { ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون ياويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا– الكهف 49 } …. (يتبع في وقت آخر)

(هذا البيان هنا لهذه الكلمة لن نذكره عن عمد لأن فيه سراً لا نريد إفشاؤه في الوقت الراهن )

ثم يقول تعالى :

  • الله الصمد (2)

وهنا :

(الصمد)

وهذا اللفظ مما لا مرادف له ولا متشابهاً  يبينه في كتاب الله ولذلك سنبينه من خلال علم أهل اليبت الكبير (عليهم السلام) و ما هو  وارد في التفاسير :

 

[ قال الإمام أبي الحسن عليه السلام : الصمد الذي لا جوف له – البرهان للسيد هاشم البحراني ج4 ص 523 ] اي ليس بشيئ وهو تعالى خالق كل شيئ .

[ وقال الإمام الحسين عليه السلام  : بل هو الصمد الذي لا من شيئ ولا في شيئ ولا على شيئ مبدع الأشياء وخالقها ومنشئ الأشياء بقدرته يتلاشى ماخلق للفناء بمشيئته ويبقى ماخلق للبقاء بعلمه فذلكم (الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد)  – البرهان للسيد هاشم البحراني ج4 ص 525 ] .

[ وقال أبي عبد الله الصادق عليه السلام في معنى الصمد : قل هو الله احد نسبة إلى خلقه أحداً صمداً أزلياً صمداً بلا ظل له يمسكه وهو يمسك الأشياء بأظلتها عارف بالمجهول معروف عند كل جاهل فردانياً لا خِلق فيه ولا هو في خلقه غير محسوس ولا محبوس لا تدركه الأبصار علا فقرب ودنا فَبعُدَ وعٌصى فغفر وأطيع فشكر لا تحويه أرضه ولا تقله سماواته حامل الأشياء بقدرته ديمومي أزلي لا ينسى ولا يلهوا ولا يغلط ولا يلعب ولا لإرادته فصل وفصله جزاء وأمره واقع لم يلد فيورث ولم يولد فيشارك ولم يكن له كفواً أحد – البرهان للسيد هاشم البحراني ج4 ص 523 ]  .

[ وقال الإمام أبي جعفر الثاني عليه السلام : الصمد السيد المصمود إليه في القليل والكثير – البرهان للسيد هاشم البحراني ج4 ص 524 ] .

والمصمود إليه : المقصود إليه من جميع الخلائق فتقصده في الحوائج ويلجأون إليه في دفع الشدائد ومنه يرجون الرخاء ودوام النعماء ودفع البلاء .

[ قال الإمام زين العابدين عليه السلام : الصمد هو الذي إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون والصمد الذي ابتدع الأشياء فخلقها أضداداً وأشكالاً وأزواجاً تفرد بالوحدة بلا ضد  ولا شكل ولا مثيل ولا ند – البرهان ] .

ثم يقول تعالى :

 

  • لم يلد ولم يولد (3)

وهنا :

(لم)

أي أنه كما قال بنفس السورة { ولم يكن له كفواً أحد } وهذا الخالق سبحانه وتعالى بديع السماوات والأرض كما في قوله تعالى { بديع السماوات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبه وخلق كل شيئ وهو بكل شيئ عليم – الانعام 101 }

ثم يبين تعالى كفر من لم يتحاكم لكتاب الله تعالى كما في قوله عز وجل  { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولائك هم الكافرون – المائدة 44 } تبين أن الله  تعالى الواحد الأحد بين أنه من لم يتحاكم إلى كتابه الكريم فهو من الكافرين

والله تعالى لن يهلك قرية إلا وأهلها غافلون عن كتاب الله  قال تعالى { ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون – الانعام 131 } .

وهؤلاء سيدخلون جهنم ولم يجدوا عنها مصرفا قال تعالى { ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا- الكهف 53 } .

وذلك لأنهم تركوا العمل بآيات الله تعالى كما في قوله تعالى { والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صماً وعميانا – الفرقان 73 } والويل لمن يسمع آيات الله تعالى ولم يعمل بما أمر الله تعالى كما في قوله عز وجل { ويل لكل أفاك أثيم يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبراً كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم – الجاثية 7-8} وهؤلاء يقول تعالى لهم عليهم التوبة قبل الموت كما في قوله تعالى { ومن لم يتب فأولائك هم الظالمون – الحجرات 11 }

وظلمهم كان بتركهم العمل بكتاب الله وهو الفرقان المنزل على رسول الله صلى الله عليه وآله البشير النذير كما في قوله  تعالى { تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيئ فقدره تقديرا – الفرقان 1-2 }

والمؤمنون هنا هم الذين آمنوا بوحدانية الله وصمدانيته كما في قوله تعالى هنا { قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد}

والحمد لله الذي لم يتخذ ولد كما  في قوله تعالى { وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا – الاسراء 111 } .

وأما :

(يلد)

أي أنه تعالى ليس له ولد كما في قوله تعالى {وقالوا اتخذ الله ولداَ سبحانه هو الغني له مافي السماوات ومافي الأرض إن عندكم من سلطان بهذا أتقولون على الله مالا تعلمون – يونس 68 } وقال تعالى ايضاً : {وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه بل له مافي السماوات والأرض كل له قانتون – البقرة116} والذي له ملك السماوات والأرض وبديعها كيف يكون له ولد كما في قوله تعالى { بديع السماوات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبه وخلق كل شيئ – الأنعام 101} وقال تعالى أيضاً  { الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا – الفرقان 2 }

وهو عز وجل منزه عن ذلك أيضاً كما في قوله تعالى { إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له مافي السماوات ومافي الأرض – النساء 171 }

ثم يبين تعالى في استفهام استنكاري { أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيئ وهو بكل شيئ عليم – الأنعام 101}

وهذه قوله إفك على الله تعالى كما في قوله عز وجل { ألا إنهم من إفكهم ليقولون ولد الله وإنهم لكاذبون أصطفى البنات على البنين مالكم كيف تحكمون – الصافات 151-155} وهذه القولة تكان السما تتفطر منها وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا كما في قوله تعالى { وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئاً إدا تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا – مريم  – 88-93}

وما ينبغي لله تبارك وتعالى أن يتخذ ولدا كما في قوله تعالى

{ ماكان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون – مريم 35 } والحمد لله على هذه النعمة حتى لا يقع الخلق في صراع الآلهة كما في قوله تعالى {ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون – المؤمنون 91} وهذا الصراع على الحكم والحروب بين الآلهة كان سيشهدها الثقلين بعد موتهم فيموتون ولا يجدوا أمامهم إلاصراعات بين الآلهة كما كانوا في الدنيا ولكن الله تعالى بشر الخلق أنه واحد أحد ولا إله غيره ومن مات فسيحاسب حساباً عادلاً فإما للجنة أو النار ولا يوجد بعد الموت  للمؤمنين الصالحين غير الجنة وهذه نعمة المفترض أن يحمد الخلق الله تبارك وتعالى عليها كما في قوله تعالى { وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا- الإسراء 111} .

وأما :

( ولم يولد)

وهنا يبين تعالى أن الولد له أبوان يربيانه ويتوليان شؤنه وما يحتاجه كما  ولم نسمع في كتاب الله ولا كتب الله السماية أن للخالق والدان بل وجدنا من يفترون على الله الكذب زاعمين أن له ولد في قوله تعالى { وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون – التوبة 30 } وكذلك نسبت قريش لله تبارك وتعالى البنات في انحطاط ودرك اكثر أبعد مما نسبه له أهل الكتاب من الولد وهؤلاء المجريمين نسبوا لله ما يكرهون وهو النساء قال تعالى { أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين – الزخرف 16 } وقال تعالى { أم له البنات ولكم البنون – الطور 39} وهذه قولة إفك على الله تعالى كما فيقوله عز وجل { ألا إنهم من إفكهم ليقولون ولد الله وإنهم لكاذبون أصطفى البنات على البنين مالكم كيف تحكمون أفلا تذكرون – الصافات 151-155} وهذا مما يكرهوه وينزهون أنفسهم عنه بوأدهم للبنات كما في قوله تعالى  { ويجعلون لله مايكرهون وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون – النحل 62 }  .

وذلك مما افترته الأمم من قبل كما في قوله تعالى { يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون- التوبة 30} ولذلك قال تعالى لهؤلاء عندما قالوا للنبي صلى الله عليه وآله أنسب لنا ربك فأنزل الله تبارك وتعالى هنا { قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد }  ولو كان للرحمن ولد لكان رسول الله صلى الله عليه وآله أول المبلغين وأول العابدين قال تعالى { قل لوكان للرحمن ولد فأنا أول العابدين – الزخرف 81 } .

ثم يبين تعالى عظم مكانة الأنبياء والمرسلين وأهل بيت النبي الذين اصطفاهم الله تعالى على الخلق وقال فيهم { إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين – آل عمران} ولو أراد الله تعالى أن يتخذ ولداً لاتخذ من هؤلاء المصطفين الأخيار قال تعالى { لو أراد الله أن يتخذ ولداً لاصطفى مما يخلق ما يشاء – الزمر } .

وبينا أن الذين اصطفاهم الله تعالى على الخلق هم أنبيائه ورسله وأهل بيته ذريتهم عليهم السلام تشريفاً وتعظيماً على كل المخلوقات فهم الأولى والأحق بهذه المكانة لو أراد الله تعالى أن يتخذ ولداً ولكن الله تعالى أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد كما في قوله تعالى { قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد }  .

ثم يقول تعالى :

  • ولم يكن له كفواً أحد(4)

وهنا :

(ولم يكن له)

أي أنه يقول تعالى { الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيئ فقدره تقديرا – الفرقان 2} وكيف يكون له ولد ولم تكن له صاحبة كما في قوله تعالى

{ أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيئ وهو بكل شيئ عليم – الانعام 101 } والله تعالى ليس له كفواً أحد كما في قوله تعالى هنا { ولم يكن له كفواً أحد } والحمد لله تعالى على هذه النعمة كما في قوله تعالى : { وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا – الاسراء 111} .

وأما :

(كفواً)

وكفواً محال ان تكون من الكفاءة إذ لم يقارن أحد كفاءته بالله تبارك وتعالى تعالى ولا وجه للمقارنة بين الخالق والمخلوق وكفواً : [و  ُكفء الرجل في قدره ومنزلته هو المساوي له في ذلك والكفو هو الكفء بقلب الهمزة واو للتخفيف والكفو هو الكفو بجعل سكون الفاء ضمه للتخفيف كذلك وقرئ كفئاً وكفواً – معجم ألفاظ القرآن باب الكاف فصل الفاء والهمزة ] قال تعالى { ولم يكن له كفواً أحد } .

ورد في تفسير معالم التنزيل للبغوي :

[  قرأ حمزة وإسماعيل: ” كفْؤاً ” ساكنة الفاء مهموزاً، وقرأ حفص عن عاصم بضم الفاء من غير همز، وقرأ الآخرون بضم الفاء مهموزاً، وكلها لغات صحيحة، ومعناه: المثل أي: هو أحد. وقيل: هو على التقديم والتأخير مجازه: ولم يكن له أحد كفواً أي مثلاً. قال مقاتل: قال مشركو العرب: الملائكة بنات الله، وقالت اليهود: عزير ابن الله، وقالت النصارى: المسيح ابن الله، فأكذبهم الله ونفى عن ذاته الولادة والمثل. أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري أخبرنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” قال الله تعالى: كذَّبني ابنُ آدم ولم يكن له ذلك، وشتَمَني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبهُ إيّايَ فقولهُ: لن يعيدني كما بدأني وليس أولُ الخلق بأهونَ عليّ من إعادته، وأما شتمُهُ إيّاي فقوله: اتخذ الله ولداً وأنا الأحد الصمد الذي لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفواً أحد “.- معالم التنزيل للبغوي ] .

وفي تفسير الثعالبي :

[ وقوله سبحانه: { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } معناه ليسَ له ضِدٌّ، وَلاَ نِدٌّ ولا شبيهٌ،{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } [الشورى:11]، والكُفُؤُ النَّظِيرُ و«كفواً» خبر كان وٱسْمُهَا { أَحَدٌ }. قال * ص *: وحَسُنَ تأخيرُ اسمها لِوُقُوعِه فاصلةً، وله مُتَعَلِّقٌ بـ { كفؤًا } أي: لَمْ يَكُنْ أحَدٌ كُفُؤاً لَهُ، وقُدَّمَ اهتماماً بِه لاِشْتِمالِهِ على ضميرِ البَارِي سبحَانه، انتهى، .. –  فسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن  الثعالبي (ت 875 هـ) ]  .

و في تفسير البحر المحيط لأبو حيان التوحيدي ورد مايلي في هذا اللفظ :

[ وفي كتاب التحرير أقوال غير هذه لا تساعد عليها اللغة. وقال ابن الأنباري: لا خلاف بين أهل اللغة أن الصمد هو السيد الذي ليس فوقه أحد، الذي يصمد إليه الناس في أمورهم وحوائجهم. قال الزمخشري: { لم يلد } ، لأنه لا يجانس حتى تكون له من جنسه صاحبة فيتوالدا، ودل على هذا المعنى بقوله:{ أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة – الأنعام 101 }   { ولم يولد }: لأن كل مولود محدث وجسم، وهو قديم لا أول لوجوده، وليس بجسم ولم يكافئه أحد. يقال له كفو، بضم الكاف وكسرها وفتحها مع سكون الفاء، وبضم الكاف مع ضم الفاء.

وقرأ حمزة وحفص : بضم الكاف وإسكان الفاء، وهمز حمزة، وأبدلها حفص واواً. وباقي السبعة: بضمهما والهمز، وسهل الهمزة الأعرج وأبو جعفر وشيبة ونافع، وفي رواية عن نافع أيضاً كفا من غير همز، نقل حركة الهمزة إلى الفاء وحذف الهمزة. وقرأ سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس : كفاء بكسر الكاف وفتح الفاء والمد، كما قال النابغة:

لا تعذقني بركن لا كفاء له

الأعلم لا كفاء له : لا مثيل له. وقال مكي سيبويه : يختار أن يكون الظرف خبراً إذا قدمه، وقد خطأه المبرد بهذه الآية ، لأنه قدم الظرف ولم يجعله خبراً، والجواب أن سيبويه لم يمنع إلغاء الظرف إذا تقدم ، إنما أجاز أن يكون خبراً وأن لا يكون خبراً. ويجوز أن يكون حالاً من النكرة وهي أحد. لما تقدم نعتها عليها نصب على الحال، فيكون له الخبر على مذهب سيبويه واختياره، ولا يكون للمبرد حجة على هذا القول، انتهى. وخرجه ابن عطية أيضاً على الحال .

وقال الزمخشري: فإن قلت: الكلام العربي الفصيح أن يؤخر الظرف الذي هو لغو غير مستقر ولا يقدم ، وقد نص سيبويه على ذلك في كتابه، فما باله مقدماً في أفصح الكلام وأعربه؟ قلت: هذا الكلام إنما سيق لنفي المكافأة عن ذات الباري سبحانه وتعالى، وهذا المعنى مصبه ومركزه هو هذا الظرف، فكان لذلك أهم شيء وأعناه وأحقه بالتقديم وأحراه، انتهى.

 

وهذه الجملة ليست من هذا الباب، وذلك أن قوله : { ولم يكن له كفواً أحد } ليس الجار والمجرور فيه تاماً ، إنما هو ناقص لا يصلح أن يكون خبراً لكان ، بل هو متعلق بكفواً وقدم عليه. فالتقدير: ولم يكن أحد كفواً له، أي مكافئه، فهو في معنى المفعول متعلق بكفواً. وتقدم على كفواً للاهتمام به، إذ فيه ضمير الباري تعالى. وتوسط الخبر، وإن كان الأصل التأخر، لأن تأخر الاسم هو فاصلة فحسن ذلك. وعلى هذا الذي قررناه يبطل إعراب مكي وغيره أن له الخبر وكفواً حال من أحد، لأنه ظرف ناقص لا يصلح أن يكون خبراً، وبذلك يبطل سؤال الزمخشري وجوابه.

وسيبويه إنما تكلم في هذا الظرف الذي يصلح أن يكون خبراً، ويصلح أن يكون غير خبر. قال سيبويه إنما تكلم في هذا الظرف الذي يصلح أن يكون خبراً، ويصلح أن يكون غير خبر. قال سيبويه: وتقول: ما كان فيها أحد خير منك، وما كان أحد مثلك فيها، وليس أحد فيها خير منك، إذا جعلت فيها مستقراً ولم تجعله على قولك: فيها زيد قائم. أجريت الصفة على الاسم، فإن جعلته على: فيها زيد قائم، نصبت فتقول: ما كان فيها أحد خيراً منك، وما كان أحد خيراً منك فيها، إلا أنك إذا أردت الإلغاء، فكلما أخرت الملغى كان أحسن وإذا أردت أن يكون مستقراً، فكلما قدمته كان أحسن، والتقديم والتأخير والإلغاء والاستقرار عربي جيد كثير. قال تعالى: { ولم يكن له كفواً أحد }. وقال الشاعر:

مـا دام فيهـن فصيـل حيـاً

انتهى.

وما نقلناه ملخصاً. وهو بألفاظ سيبويه، فأنت ترى كلامه وتمثيله بالظرف الذي يصلح أن يكون خبراً. ومعنى قوله: مستقراً، أي خبراً للمبتدأ ولكان. فإن قلت: فقد مثل بالآية الكريمة. قلت: هذا الذي أوقع مكياً والزمخشري وغيرهما فيما وقعوا فيه، وإنما أراد سيبويه أن الظرف التام هو في قوله :

مـا دام فيهـن فصيـل حيـاً

أجرى فضلة لا خبراً. كما أن له في الآية أجرى فضلة، فجعل الظرف القابل أن يكون خبراً كالظرف الناقص في كونه لم يستعمل خبراً، ولا يشك من له ذهن صحيح أنه لا ينعقد كلام من قوله: ولم يكن له أحد، بل لو تأخر كفواً وارتفع على الصفة وجعل له خبراً، لم ينعقد منه كلام، بل أنت ترى أن النفي لم يتسلط إلا على الخبر الذي هو كفو، وله متعلق به، والمعنى: ولم يكن له أحد مكافئه. وقد جاء في فضل هذه السورة أحاديث كثيرة، ومنها أنها تعدل ثلث القرآن، وقد تكلم العلماء على ذلك، وليس هذا موضعه، والله الموفق. – تفسير البحر المحيط لأبو حيان التوحيدي] .

 

واللفظ في كفواً إذا تم قلب  الألف ياء فتكون كفى من الكفاية ككفى بالله شهيداً على كل خلقه كما في قوله تعالى { وكفى بالله شهيدا – النساء 79} وله مافي السماوات والأرض و كفى بالله وكيلا  لقوله تعالى { له مافي السماوات ومافي الأرض وكفى بالله وكيلا – النساء 132} .

والمعنى هنا لا يساويه أحد من الخلق وكفى به كفؤة لا يساويه ولا يدانية ولا يشبهه أحداً من خلقه ولا ند له من خلقه وورد هذا اللفظ في قوله تعالى أنه { وما أرسلناك إلا كافة  بشيراً ونذيرا – سبأ28 } وهذا الخلق كافة كله ماعلمناه ومالم نعلمه رأيناه أم لم نراه ليس لله فيه كفء ولا نظير من كل الخلق كافة لأنه تعالى قال { ولله مافي السماوات ومافي الأرض وكفى بالله وكيلاَ- النساء 132} .

.

وورد في تفسير الطبرسي :

[ { ولم يكن له كفواً أحد } أي لم يكن له أحد كفواً أي عديلاً ونظيراً يماثله وفي هذا ردّ على من أثبت له مثلاً في القدم وغيره من الصفات. وقيل: معناه ولم تكن له صاحبة وزوجة فتلد منه لأن الولد يكون من الزوجة فكنّى عنها بالكفوء لأن الزوجة تكون كفواً لزوجها. وقيل: إنه سبحانه بيَّن التوحيد بقوله { الله أحد } وبيَّن العدل بقوله { الله الصمد } وبيَّن ما يستحيل عليه من الوالد والولد بقوله { لم يلد ولم يولد } وبيَّن ما لا يجوز عليه من الصفات بقوله { ولم يكن له كفواً أحد } وفيه دلالة على أنه ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض ولا هو في مكان ولا جهة وقال بعض أرباب اللسان وجدنا أنواع الشرك ثمانية النقص والتقلب والكثرة والعدد وكونه علة أو معلولاً والأشكال والأضداد فنفى الله سبحانه عن صفته نوع الكثرة والعدد بقوله { قل هو الله أحد } ونفى التقلب والنقص بقوله { الله الصمد } ونفى العلة والمعلول بقوله { لم يلد ولم يولد } ونفى الأشكال والأضداد بقوله { ولم يكن له كفواً أحد } فحصلت الوحدانية البحت. – مجمع البيان للطبرسي ] .

ورد في تفسير البصائر للجويباري :

[ .. 1- عن ابن عباس (ولم يكن له كفواً أحد) ك أي ولم يكن له شبيه ولا مثيل ولا عديل ولا

نظير من خلقه إذ ليس كمثله شيئ

2- قيل أي ولم يكن له مكافئاً ولا مماثلاَ أحداً في ذاته وصفاته وأفعاله وهذا من قبيل التعميم بعد التخصيص إذ نفى عنه مايماثله بطريق التولد والتوالد من قبل ثم نفى عنه من يجانسه ويماثله إطلاقاَ .

3- عن كعب : أي لم يكافأه سبحانه أحدد من خلقه فلا يعدله في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله من الإيجاد والتدبير .

4- عن مجاهد : أي لم يكن له صاحبه وزوجه أحد فامراد بالكفوء الزوجة فإن زوجة الرجل كفؤه فيكون في معنى قوله تعالى (تعالى جد ربنا ماتخذ صاحبة ولا ولداً- الجن 3) والآية الكريمة تنفي المصاحبة لأن المصاهرة تستدعي الكفاءة شرعاً وعقلاً فيكون رداً على من حكى الله عنهم قوله تعالى ( وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا- الصافات 158)

5- قيل : أي ولم يكن له أحداً عديلاً ولا نظيراً يماثله كالصاحبة والولد قيمة ووزناً وقدرة وقدراً فلم تكن له صاحبة وزوجة فتلد منه لأن الولد يكون من الزوجة فكنى عنها بالكفؤ لأن الزوجة تكون كفؤاً لزوجها .

6- قيل أن الله تعالىبين التوحيد بقوله (الله أحد) وبين العدل بقوله (الله الصمد) وبين مايستحيل عليه من الوالد والولد بقوله (لم يلد ولم يولد) وبين مالا يجوز عليه من الصفات بقوله (ولم يكن له كفواً أحد) .

7- قيل : أي ولم يكن له سبحانه وتعالى من الأزل إلأى الأبد من يماثله في ألوهيته ولا نظير يضاهيه في ربوبيته ولا ند يناصره في خلقه ولا شبيه يعاضده في تدبيره ولا عديل يعارضه في قدرته .. رغم خرافة أزليةإله الإبن في جملة متناقضة ((مولود غير مخلوق)) وإن معناها مولود غير مولود)) وليس له سبحانه كفؤ ولداً كان له سبحانه أم ولداً منه أو من يتخذ ولداً أو كائناً مستقلاً  بجنبه أياَ كان فإن له جل وعلا هو الوحيد الأزلي الأبدي في ألوهيته وربوبيته وفي ذاته وجميع صفاته وأفعاله لا يشرك فيها أحداً من خلقه فهو وحده الخالق الرازق والإله والرب والقدير والموفق والمؤيد والدديان والهادي والمحيي والمميت .. – تفسيرالبصائر للمحقق سماحة آية الله يعسوب الدين ريستكار الجويباري ج 60 ص 447-448] .

 

وفي تفسير الطبري :

[ وقوله: { وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أحَدٌ } اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: ولم يكن له شبيه ولا مِثْل. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية قوله: { ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أحَدٌ }: لم يكن له شبيه، ولا عِدْل، وليس كمثله شيء. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن عمرو بن غَيلانَ الثقفيّ، وكان أميرَ البصرة، عن كعب، قال: إن الله تعالى ذكره أسَّس السموات السبع، والأرضين السبع، على هذه السورة { لَمْ يَلِدْ وَلمْ يُولَدْ ولمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أحَدٌ } وإن الله لم يكافئه أحد من خلقه. حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس { ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أحَدٌ } قال: ليس كمثله شيء، فسبحان الله الواحد القهَّار. حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن جُرَيج { ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا }: مثل. وقال آخرون: معنى ذلك، أنه لم يكن له صاحبة. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن عبد الملك بن أبجر، عن طلحة، عن مجاهد، قوله: { ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أحَدٌ } قال: صاحبة. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، عن سفيان، عن ابن أبجر، عن طلحة، عن مجاهد، مثلَه. حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن إدريس، عن عبد الملك، عن طلحة، عن مجاهد، مثله. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبجر، عن رجل عن مجاهد { ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أحَدٌ } قال: صاحبة. حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن عبد الملك بن أبجر، عن طلحة بن مصرّف، عن مجاهد { ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أحَدٌ } قال: صاحبة. حدثنا أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، عن عبد الملك، عن طلحة، عن مجاهد، مثله. والكُفُؤْ والكفىء والكِفاء في كلام العرب واحد، وهو المِثْل والشِّبْه ومنه قول نابغة بني ذُبيان:

لا تَقْذِفَنِّي برُكْنٍ لا كِفاءَ لَهُ وَلَوْ تأَثَّفَكَ الأعْدَاءُ بالرِّفَدِ

يعني: لا كفاء له : لا مثل له . واختلفت القرّاء في قراءة قوله: { كُفُوًا }. فقرأ ذلك عامة قرّاء البصرة: { كُفُوًا } بضم الكاف والفاء. وقرأه بعض قرّاء الكوفة بتسكين الفاء وهمزها «كُفْئاً». والصواب من القول في ذلك: أن يقال: إنهما قراءتان معروفتان، ولغتان مشهورتان، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب .- تفسير الطبري ] .

 

وأما :

(أحد)

أي أنه تعالى كما قال { قل هو الله أحد } وهو ليس كمثله شيئ ولا أحد كما بينا من قبل قال تعالى هنا { ولم يكن له كفواً أحد} .

 

ماورد في تفسير السورة من أحاديث مجموعة في تفسير الدر المنثور للسيوطي :

 

[ …أخرج أبو الشيخ في العظمة وأبو بكر السمرقندي في فضائل { قل هو الله أحد } عن أنس رضي الله عنه قال: جاءت يهود خيبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا القاسم خلق الله الملائكة من نور الحجاب وآدم من حمإ مسنون وإبليس من لهب النار، والسماء من دخان، والأرض من زبد الماء، فأخبرنا عن ربك فلم يجبهم النبي صلى الله عليه وسلم، فأتاه جبريل بهذه السورة { قل هو الله أحد } ليس له عروق تتشعب { الله الصمد } ليس بالأجوف لا يأكل ولا يشرب { لم يلد ولم يولد } ليس له والد ولا ولد ينسب إليه { ولم يكن له كفواً أحد } ليس من خلقه شيء يعدل مكانه يمسك السموات إن زالتا، هذه السورة ليس فيها ذكر جنة ولا نار، ولا دنيا ولا آخرة ولا حلال ولا حرام انتسب الله إليها فهي له خالصة، من قرأها ثلاث مرات عدل بقراءة الوحي كله، ومن قرأها ثلاثين مرة لم يفضله أحد من أهل الدنيا يومئذ إلا من زاد على ما قال، ومن قرأها مائتي مرة أسكن من الفردوس سكناً يرضاه، ومن قرأها حين يدخل منزله ثلاث مرات نفت عنه الفقر ونفعت الجار، وكان رجل يقرأها في كل صلاة فكأنهم هزئوا به وعابوا ذلك عليه فقالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: وما حملك على ذلك؟ قال يا رسول الله: إني أحبها.

قال: حبها أدخلك الجنة. قال: وبات رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها ويرددها حتى أصبح.

وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وأبو نعيم في الحلية من طريق محمد بن حمزة بن يوسف بن عبدالله بن سلام أن عبدالله بن سلام رضي الله عنه قال لأحبار اليهود: إني أردت أن أحدث بمسجد أبينا إبراهيم عهداً، فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة، فوافاه بمنى، والناس حوله، فقام مع الناس، فلما نظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: أنت عبدالله بن سلام؟ قال: نعم، قال: أدن، فدنا منه، فقال: أنشدك بالله أما تجدني في التوراة رسول الله؟ فقال له: أنعت لنا ربك، فجاء جبريل فقال { قل هو الله أحد } إلى آخر السورة. فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال ابن سلام: أشهد أن لا إله إلا الله واشهد أنك رسول الله، ثم انصرف إلى المدينة وكتم إسلامه.

وأخرج ابن أبي حاتم وابن عدي والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس رضي الله عنهما أن اليهود جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم منهم كعب بن الأشرف وحيي بن أخطب فقالوا يا محمد: صف لنا ربك الذي بعثك، فأنزل الله { قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد } فيخرج منه الولد { ولم يولد } فيخرج من شيء.

وأخرج الطبراني في السنة عن الضحاك قال: قالت اليهود يا محمد صف لنا ربك، فأنزل الله { قل هو الله أحد الله الصمد } فقالوا: أما الأحد فقد عرفناه، فما الصمد؟ قال: الذي لا جوف له.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن سعيد بن جبير قال: أتى رهط من اليهود النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا له: يا محمد هذا الله خلق الخلق فمن خلقه؟ فغضب النبي صلى الله عليه وسلم حتى انتقع لونه، ثم ساورهم غضباً لربه، فجاءه جبريل فسكنه وقال: اخفض عليك جناحك، وجاءه من الله جواب ما سألوه عنه { قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد } فلما تلاها عليهم قالوا: صف لنا ربك كيف خلقه وكيف عضده وكيف ذراعه، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم أشد من غضبه الأول وساورهم غضباً فأتاه جبريل فقال له مثل مقالته وأتاه جواب ما سألوه عنه

وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه قال: جاء ناس من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: أنسب لنا ربك، وفي لفظ: صف لنا ربك، فلم يدر ما يرد عليهم فنزلت { قل هو الله أحد } حتى ختم السورة.

وأخرج أبو عبيد وأحمد في فضائله والنسائي في اليوم والليلة وابن منيع ومحمد بن نصر وابن مردويه والضياء في المختارة عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من قرأ { قل هو الله أحد } فكأنما قرأ ثلث القرآن “.

وأخرج ابن الضريس والبزار وسمويه في فوائده والبيهقي في شعب الإِيمان عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” من قرأ { قل هو الله احد } مائتي مرة غفر له ذنوب مائتي سنة “.

وأخرج أحمد والترمذي وابن الضريس والبيهقي في سننه عن أنس رضي الله عنه قال: ” جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أحب هذه السورة { قل هو الله أحد } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” حبك إياها أدخلك الجنة ” “.

وأخرج ابن الضريس وأبو يعلى وابن الأنباري في المصاحف عن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” أما يستطيع أحدكم أن يقرأ { قل هو الله أحد } ثلاث مرات في ليلة، فإنها تعدل ثلث القرآن “.

وأخرج أبو يعلى ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من قرأ { قل هو الله أحد } خمسين مرة غفر له ذنوب خمسين سنة “.

وأخرج الترمذي وأبو يعلى ومحمد بن نصر وابن عدي والبيهقي في الشعب، واللفظ له، عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من قرأ كل يوم مائتي مرة { قل هو الله أحد } كتب الله له ألفاً وخمسمائة حسنة، ومحا عنه ذنوب خمسين سنة، إلا أن يكون عليه دين “.

وأخرج الترمذي وابن عدي والبيهقي في الشعب عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من أراد أن ينام على فراشه من الليل نام على يمينه فقرأ { قل هو الله أحد } مائة مرة، فإذا كان يوم القيامة يقول له الرب: يا عبدي ادخل على يمينك الجنة “.

وأخرج ابن سعد وابن الضريس وأبو يعلى والبيهقي في الدلائل عن أنس رضي الله عنه قال: ” كان النبي صلى الله عليه وسلم بالشام، فهبط عليه جبريل فقال: يا محمد إن معاوية بن معاوية المزني هلك، أفتحب أن تصلي عليه؟ قال: نعم، فضرب بجناحه الأرض فتضعضع له كل شيء ولزق بالأرض ورفع له سريره فصلى عليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم من أي شيء أتى معاوية هذا الفضل؟ صلى عليه صفان من الملائكة في كل صف ستمائة ألف ملك. قال: بقراءة { قل هو الله أحد } كان يقرؤها قائماً وقاعداً وجالساً وذاهباً ونائماً “.

وأخرج ابن سعد وابن الضريس والبيهقي في الدلائل والشعب من وجه آخر عن أنس رضي الله عنه قال: ” كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك فطلعت الشمس ذات يوم بضياء وشعاع ونور لم نرها قبل ذلك فيما مضى، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجب من ضيائها ونورها، إذ أتاه جبريل فسأل جبريل: ما للشمس طلعت لها نور وضياء وشعاع لم أرها طلعت فيما مضى؟ قال: ذاك أن معاوية بن معاوية الليثي مات بالمدينة اليوم، فبعث الله إليه سبعين ألف ملك يصلون عليه. قال: بم ذاك يا جبريل؟ قال: كان يكثر { قل هو الله أحد } قائماً وقاعداً وماشياً وآناء الليل والنهار استكثر منها فإنها نسبة ربكم، ومن قرأها خمسين مرة رفع الله له خمسين ألف درجة، وحط عنه خمسين ألف سيئة، وكتب له خمسين ألف حسنة، ومن زاد زاد الله له. قال جبريل: فهل لك أن أقبض الأرض فتصلي عليه! قال: نعم. فصلى عليه “.

وأخرج ابن عدي والبيهقي في الشعب عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” من قرأ { قل هو الله أحد } مائتي مرة غفر له خطيئة خمسين سنة إذا اجتنب أربع خصال الدماء والأموال والفروج والأشربة “.

وأخرج ابن عدي والبيهقي في الشعب عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” من قرأ { قل هو الله أحد } على طهارة مائة مرة كطهارة الصلاة يبدأ بفاتحة الكتاب كتب الله له بكل حرف عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، وبنى له مائة قصر في الجنة وكأنما قرأ القرآن ثلاثاً وثلاثين مرة، وهي براءة من الشرك، ومحضرة للملائكة، ومنفرة للشياطين، ولها دويّ حول العرش تذكر بصاحبها حتى ينظر الله إليه، وإذا نظر إليه لم يعذبه أبداً “.

وأخرج أبو يعلى عن جابر بن عبدالله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” ثلاث من جاء بهن مع الإِيمان دخل من أي أبواب الجنة شاء، وزوج من الحور العين حيث شاء، من عفا عن قاتله، وأدى ديناً خفياً، وقرأ في دبر كل صلاة مكتوبة عشر مرات { قل هو الله أحد } فقال أبو بكر: أو إحداهن يا رسول الله؟ قال: ” أو إحداهن ” “.

وأخرج الطبراني في الأوسط بسند فيه مجهول عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من قرأ { قل هو الله أحد } في كل يوم خمسين مرة نودي يوم القيامة من قبره: قم مادح الله، فأدخل الجنة”.

وأخرج أبو نعيم في الحلية عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من نسي أن يسمي على طعامه فليقرأ { قل هو الله أحد } إذا فرغ “.

وأخرج الطبراني عن جرير البجلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من قرأ { قل هو الله أحد } حين يدخل منزله نفت الفقر من أهل ذلك المنزل والجيران “.

وأخرج البزار والطبراني في الصغير عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من قرأ { قل هو الله أحد } فكأنما قرأ ثلث القرآن، ومن قرأ { قل يا أيها الكافرون } [الكافرون:1] فكأنما قرأ ربع القرآن “.

وأخرج الطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الحلية بسند ضعيف عن عبدالله بن الشخير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من قرأ { قل هو الله أحد } في مرضه الذي يموت فيه لم يفتن في قبره، وامن من فتنه القبر، وحملته الملائكة يوم القيامة بأكفها حتى تجيزه الصراط إلى الجنة “.

وأخرج أبو عبيد في فضائله عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” { قل هو الله أحد } ثلث القرآن “.

وأخرج ابن الضريس والطبراني في الأوسط وابن مردويه عن ابن عمر قال: ” صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم في سفر، فقرأ في الركعة الأولى { قل هو الله أحد } وفي الثانية { قل يا أيها الكافرون } فلما سلم قال: قرأت بكم ثلث القرآن وربعه “.

وأخرج الطبراني عن أبي أمامة قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل وهو بتبوك فقال: يا محمد اشهد جنازة معاوية بن معاوية المزني، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل جبريل في سبعين ألفاً من الملائكة، فوضع جناحه الأيمن على الجبال، فتواضعت ووضع جناحه الأيسر على الأرضين فتواضعت حتى نظر إلى مكة والمدينة فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبريل والملائكة فلما فرغ قال: يا جبريل: ما بلغ معاوية بن معاوية المزني هذه المنزلة؟ قال: بقراءته { قل هو الله أحد } قائماً وقاعداً وراكباً وماشياً.

وأخرج ابن الضريس عن سعيد بن المسيب قال: ” كان رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له معاوية، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، وهو مريض ثقيل، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة أيام ثم لقيه جبريل فقال: إن معاوية بن معاوية توفي، فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أيسرك أن أريك قبره؟ قال: نعم، فضرب بجناحه الأرض، فلم يبق جبل إلا انخفض حتى أبدى الله قبره فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبريل عن يمينه وصفوف الملائكة سبعين ألفاً حتى إذا فرغ من صلاته قال: يا جبريل بم نزل معاوية بن معاوية من الله بهذه المنزلة؟ قال: بـ { قل هو الله أحد } كان يقرأها قائماً وقاعداً وماشياً ونائماً، ولقد كنت أخاف على أمتك حتى نزلت هذه السورة فيها “.

وأخرج الطبراني عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من قرأ آية الكرسي و { قل هو الله أحد } دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت “.

وأخرج ابن النجار في تاريخ بغداد من طريق مجاشع بن عمرو أحد الكذابين عن يزيد الرقاشي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” جاءني جبريل في أحسن صورة ضاحكاً مستبشراً فقال: يا محمد العلي الأعلى يقرؤك السلام، ويقول: إن لكل شيء نسباً ونسبتي { قل هو الله أحد } فمن أتاني من أمتك قارئاً بـ { قل هو الله أحد } ألف مرة من دهره ألزمه داري واقامة عرشي وشفعته في سبعين ممن وجبت عقوبته، ولولا أني آليت على نفسي، كل نفس ذائقة الموت، لما قبضت روحه “.

وأخرج ابن النجار في تاريخه عن علي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” من أراد سفراً فأخذ بعضادتي منزله فقرأ إحدى عشرة مرة { قل هو الله أحد } كان الله له حارساً حتى يرجع “.

وأخرج ابن النجار عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من صلى بعد المغرب ركعتين قبل أن ينطق مع أحد يقرأ في الأولى بالحمد و { قل يا أيها الكافرون } وفي الركعة الثانية بالحمد و { قل هو الله أحد } خرج من ذنوبه كما تخرج الحية من سلخها “.

وأخرج ابن السني في عمل اليوم والليلة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من قرأ بعد صلاة الجمعة { قل هو الله أحد } و { قل أعوذ برب الفلق } [الفلق] و { قل أعوذ برب الناس } [الناس] سبع مرات أعاذه الله بها من السوء إلى الجمعة الأخرى “.

وأخرج الحافظ أبو محمد الحسن بن أحمد السمرقندي في فضائل { قل هو الله أحد } عن اسحق بن عبدالله بن أبي فروة قال: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

” ” من قرأ { قل هو الله أحد } فكأنما قرأ ثلث القرآن، ومن قرأها عشر مرات بنى الله له قصرا في الجنة ” فقال أبو بكر إذن نستكثر يا رسول الله، فقال: ” الله أكثر وأطيب ” رددها مرتين.

وأخرج أيضاً عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من قرأ { قل هو الله أحد } فكأنما قرأ ثلث القرآن، ومن قرأ { قل هو الله أحد } مرتين فكأنما قرأ ثلثي القرآن، ومن قرأ { قل هو الله أحد } ثلاث مرات فكأنما قرأ جميع ما أنزل الله”.

وأخرج أيضاً عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من قرأ { قل هو الله أحد } مرة بورك عليه، ومن قرأها مرتين بورك عليه وعلى أهل بيته، ومن قرأها ثلاث مرات بورك عليه وعلى أهل بيته وجيرانه، ومن قرأها اثنتي عشرة مرة بنى الله له في الجنة اثني عشر قصراً. ومن قرأها عشرين مرة كان مع النبيين هكذا وضم الوسطى والتي تليها الابهام، ومن قرأها مائة مرة غفر الله له ذنوب خمس وعشرين سنة إلا الدين والدم، ومن قرأها مائتي مرة غفرت له ذنوب خمسين سنة، ومن قرأها أربعمائة مرة كان له أجر أربعمائة شهيد كل عقر جواده وأهريق دمه، ومن قرأها ألف مرة لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة أو يرى له “.

وأخرج أيضاً عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من قرأ { قل هو الله أحد } مرة فكأنما قرأ ثلث القرآن، ومن قرأها مرتين فكأنما قرأ ثلثي القرآن، ومن قرأها ثلاثاً فكأنما قرأ القرآن ارتجالاً “.

وأخرج أيضاً عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” من قرأ { قل هو الله أحد } ألف مرة كانت أحب إلى الله من ألف ملجمة مسرجة في سبيل الله “.

وأخرج أيضاً عن كعب الأحبار قال: ثلاثة ينزلون من الجنة حيث شاؤوا: الشهيد ورجل قرأ في كل يوم { قل هو الله أحد } مائتي مرة.

وأخرج أيضاً عن كعب الأحبار قال: من واظب على قراءة { قل هو الله أحد } وآية الكرسي عشر مرات في ليل أو نهار استوجب رضوان الله الأكبر، وكان مع أنبيائه، وعصم من الشيطان.

وأخرج أيضاً من طريق دينار عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” من قرأ { قل هو الله أحد } ألف مرة فقد اشترى نفسه من الله وهو من خاصة الله “.

وأخرج أيضاً من طريق نعيم عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” من قرأ { قل هو الله أحد } ثلاثين مرة كتب الله له براءة من النار وأماناً من العذاب، والأمان يوم الفزع الأكبر “.

وأخرج أيضاً عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من أتى منزله فقرأ { الحمد لله } [سورة الفاتحة] و { قل هو الله أحد } نفى الله عنه الفقر، وكثر خير بيته حتى يفيض على جيرانه”.

وأخرج الطبراني أيضاً من طريق أبي بكر البردعي: حدثنا أبو زرعة وأبو حاتم قالا: حدثنا عيسى بن أبي فاطمة، رازي ثقة، قال: سمعت أنس بن مالك يقول: إذا نقر في الناقور اشتد غضب الرحمن فتنزل الملائكة فيأخذون بأقطار الأرض، فلا يزالون يقرؤون { قل هو الله أحد } حتى يسكن غضبه.

وأخرج إبراهيم بن محمد الخيارجي في فوائده عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من قرأ { قل هو الله أحد } ألف مرة فقد اشترى نفسه من الله “.

وأخرج ابن النجار في تاريخه عن كعب بن عجرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من قرأ في ليلة أو يوم { قل هو الله أحد } ثلاث مرات كان مقدار القرآن “.

وأخرج أبو الشيخ عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” ” من قرأ { قل هو الله أحد } إحدى عشرة مرة بنى الله له قصراً في الجنة ” فقال عمر: والله يا رسول الله إذن نستكثر من القصور، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” فالله أمن وأفضل ” أو قال: ” أمن وأوسع  “.

وأخرج البخاري ومسلم والنسائي والبيهقي في الأسماء والصفات عن عائشة ” أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً على سرية، فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم: بـ { قل هو الله أحد } فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ” سلوه لأي شيء يصنع ذلك؟ ” فسألوه فقال: لأنها صفة الرحمن، فانا أحب أن أقرأها. فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبروه فقال: ” أخبروه أن الله تعالى يحبه ” “.

وأخرج ابن الضريس عن الربيع بن خيثم قال: سورة من كتاب الله يراها الناس قصيرة وأراها عظيمة طويلة يحب الله محبها ليس لها خلط، فأيكم قرأها فلا يجمعن إليها شيئاً استقلالاً بها فإنها تجزئه.

وأخرج ابن الضريس عن أنس قال: ” قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لي أخاً قد حبب إليه قراءة { قل هو الله أحد } فقال: ” بشر أخاك بالجنة  “.

 

“وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن ماجة وابن الضريس عن بريدة قال: ” دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد ويدي في يده، فإذا رجل يصلي يقول: اللهم إني أسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” لقد دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب ” “.

وأخرج ابن الضريس عن الحسن قال: من قرأ { قل هو الله أحد } مائتي مرة كان له من الأجر عبادة خمسمائة سنة.

وأخرج الدارقطني في الأفراد والخطيب في تاريخه عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى قرأ على نفسه بـ { قل هو الله أحد }.

وأخرج ابن النجار في تاريخه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من قرأ { قل هو الله أحد } دبر كل صلاة مكتوبة عشر مرات أوجب الله له رضوانه ومغفرته “.

وأخرج أبو نعيم في الحلية عن أبي غالب مولى خالد بن عبدالله قال: قال عمر ذات ليلة قبيل الصبح يا أبا غالب ألا تقوم فتصلي، ولو تقرأ بثلث القرآن، فقلت: قد دنا الصبح فكيف أقرأ بثلث القرآن فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” إن سورة الإِخلاص { قل هو الله أحد } تعدل ثلث القرآن “.

وأخرج العقيلي عن رجاء الغنوي قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من قرأ { قل هو الله أحد } ثلاث مرار فكأنما قرأ القرآن أجمع “.

وأخرج ابن عساكر عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من صلى صلاة الغداة ثم لم يتكلم حتى قرأ { قل هو الله أحد } عشر مرات لم يدركه ذلك اليوم ذنب وأجير من الشيطان “.

وأخرج الديلمي بسند واه عن البراء بن عازب مرفوعاً: ” من قرأ { قل هو الله أحد } مائة بعد صلاة الغداة قبل أن يكلم أحداً رفع له ذلك اليوم عمل خمسين صديقاً “.

وأخرج ابن عساكر عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم حين زوجه فاطمة دعا بماء فمجه ثم أدخله معه فرشه في جيبه وبين كتفيه وعوذه بـ { قل هو الله أحد } والمعوّذتين.

وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن عباس قال: من صلى ركعتين فقرأ فيهما { قل هو الله أحد } ثلاثين مرة بنى الله له ألف قصر من ذهب في الجنة، ومن قرأها في غير صلاة بنى الله له مائة قصر في الجنة، ومن قرأها في صلاة كان أفضل من ذلك، ومن قرأها إذا دخل إلى أهله أصاب أهله وجيرانه منها خير.

وأخرج أحمد عن عبد الله بن عمرو ” أن أبا أيوب كان في مجلس وهو يقول: ألا يستطيع أحدكم أن يقوم بثلث القرآن كل ليلة؟ قالوا: وهل يستطيع ذلك أحد؟ قال: فإن { قل هو الله أحد } ثلث القرآن، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسمع أبا أيوب فقال: صدق أبو أيوب “.

وأخرج ابن الضريس والبزار ومحمد بن نصر والطبراني بسند صحيح عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” أيعجز أحدكم أن يقرأ كل ليلة ثلث القرآن؟ قالوا: ومن يطيق ذلك؟ قال: بلى { قل هو الله أحد } تعدل بثلث القرآن “.

وأخرج أحمد والطبراني وابن السني بسند ضعيف عن معاذ بن أنس الجهني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” من قرأ { قل هو الله أحد } حتى يختمها عشر مرات بنى الله له قصر في الجنة فقال له عمر: إذاً نستكثر يا رسول الله. قال: ” الله أكثر وأطيب ” “.

وأخرج سعيد بن منصور وابن مردويه عن معاذ بن جبل قال: ” غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك فلما كان ببعض المنازل صلى بنا صلاة الفجر فقرأ في أول ركعة بفاتحة الكتاب و { قل هو الله أحد } وفي الثانية بـ { قل أعوذ برب الفلق } فلما سلم قال: ما قرأ رجل في صلاة بسورتين أبلغ منهما ولا أفضل “.

وأخرج محمد بن نصر والطبراني بسند جيد عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” { قل هو الله أحد } تعدل بثلث القرآن “.

وأخرج أبو عبيد وأحمد والبخاري في التاريخ والترمذي وحسنه والنسائي وابن الضريس والبيهقي في الشعب عن أبي أيوب الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة؟ فلما رأى أنه قد شق عليهم قال: من قرأ { قل هو الله أحد الله الصمد } في ليلة فقد قرأ ليلتئذ ثلث القرآن “.

وأخرج أحمد والطبراني عن أبي أمامة قال: ” مر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل يقرأ { قل هو الله أحد } فقال: أوجب لهذا الجنة “.

وأخرج أبو عبيد وأحمد ومسلم وابن الضريس والنسائي عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” أيعجز أحدكم أن يقرأ كل يوم ثلث القرآن؟ قالوا: نحن أضعف من ذاك. وأعجز، قال: فإن الله جزأ القرآن ثلاثة أجزاء فقال: { قل هو الله أحد } ثلث القرآن “.

وأخرج مالك وأحمد والبخاري وأبو داود والنسائي وابن الضريس والبيهقي في سننه ” عن أبي سعيد الخدري أنه سمع رجلاً يقرأ { قل هو الله أحد } يرددها، فلما أصبح جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن  “.

“وأخرج أحمد والبخاري وابن الضريس عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ” أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة، فشق ذلك عليهم وقالوا: أينا يطيق ذلك؟ فقال: الله الواحد الصمد ثلث القرآن “.

وأخرج أحمد عن أبي سعيد الخدري قال: ” بات قتادة بن النعمان يقرأ الليل كله بـ { قل هو الله أحد } فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ” والذي نفسي بيده إنها لتعدل نصف القرآن أو ثلثه ” “.

وأخرج البيهقي في سننه من طريق أبي سعيد الخدري قال: ” أخبرني قتادة بن النعمان أن رجلاً قام في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ { قل هو الله أحد } السورة كلها، يرددها لا يزيد عليها، فلما أصبحنا أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ” إنها لتعدل ثلث القرآن”.

وأخرج أحمد وأبو عبيد والنسائي وابن ماجة وابن الضريس عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” { قل هو الله أحد } تعدل ثلث القرآن “.

وأخرج الطبراني في الصغير والبيهقي في الشعب بسند ضعيف عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من قرأ { قل هو الله أحد } بعد صلاة الصبح اثني عشرة مرة فكأنما قرأ القرآن أربع مرات، وكان أفضل أهل الأرض يومئذ إذا اتقى “.

وأخرج أحمد وابن الضريس والنسائي والطبراني في الأوسط والبيهقي في الشعب بسند صحيح عن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط: ” أن رسول الله سئل عن { قل هو الله أحد } قال: ثلث القرآن أو تعدله “.

وأخرج سعيد بن منصور عن محمد بن المنكدر قال: ” سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يقرأ { قل هو الله أحد } ويرتل فقال له: سل تعط “.

وأخرج سعيد بن منصور وابن الضريس عن علي قال: من قرأ { قل هو الله أحد } عشر مرار بعد الفجر وفي لفظ، في دبر الغداة لم يلحق به ذلك اليوم ذنب، وإن جهد الشيطان.

وأخرج سعيد بن منصور وابن الضريس عن ابن عباس قال: من صلى ركعتين بعد العشاء فقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وخمس عشرة مرة { قل هو الله أحد } بنى الله له قصرين في الجنة يتراآهما أهل الجنة.

وأخرج ابن الضريس عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من صلى ركعتين بعد عشاء الآخرة يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وعشرين مرة { قل هو الله أحد } بنى الله له قصرين في الجنة يتراآهما أهل الجنة “.

وأخرج سعيد بن منصور وابن الضريس عن ابن عباس قال: من قرأ { قل هو الله أحد } مائتي مرة في أربع ركعات في كل ركعة خمسين مرة غفر الله له ذنوب مائة سنة خمسين مستقبلة وخمسين متأخرة.

وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ فيهما { قل هو الله أحد } و { قل أعوذ برب الفلق } [سورة الفلق] و { قل أعوذ برب الناس } [سورة الناس] ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده. يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات.

وأخرج ابن سعد وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد والطبراني عن عبد الله بن حبيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ” اقرأ { قل هو الله أحد } والمعوّذتين حين تصبح وحين تمسي ثلاثاً يكفيك من كل شيء “.

وأخرج أحمد عن عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” يا عقبة بن عامر ألا أعلمك خير ثلاث سور أنزلت في التوراة والإِنجيل والزبور والفرقان العظيم؟ قلت بلى جعلني الله فداءك، قال: فأقرأني { قل هو الله أحد } و { قل أعوذ برب الفلق } و { قل أعود برب الناس } ثم قال: يا عقبة لا تنساهن ولا تبت ليلة حتى تقرأهن “.

وأخرج النسائي وابن مردويه والبزار بسند صحيح ” عن عبد الله بن أنيس الأسلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده على صدره ثم قال له: ” قل، فلم أدر ما أقول، ثم قال: { قل هو الله أحد } ثم قال لي: قل { أعوذ برب الفلق من شر ما خلق } حتى فرغت منها، ثم قال لي: { قل أعوذ برب الناس } حتى فرغت منها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هكذا فتعوّذ فما تعوّذ المتعوّذون بمثلهن قط ” “.

وأخرج ابن مردويه والبيهقي في الشعب عن علي قال: ” بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة يصلي فوضع يده على الأرض لدغته عقرب فتناولها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنعله فقتلها، فلما انصرف قال: ” لعن الله العقرب ما تدع مصلياً ولا غيره أو نبياً أو غيره ” ثم دعا بملح وماء فجعله في إناء، ثم جعل يصبه على إصبعه حيث لدغته ويمسحها ويعوذها بالمعوذتين، وفي لفظ فجعل يمسح عليها ويقرأ { قل هو الله أحد } و { قل أعوذ برب الفلق } و { قل أعوذ برب الناس } “.

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق علي عن ابن عباس قال: الصمد السيد الذي قد كمل في سؤدده، والشريف الذي قد كمل في شرفه، والعظيم الذي قد كمل في عظمته، والحليم الذي قد كمل في حلمه، والغني الذي قد كمل في غناه، والجبار الذي قد كمل في جبروته، والعالم الذي قد كمل في علمه، والحكيم الذي قد كمل في حكمته، وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد، وهو الله سبحانه هذه صفته لا تنبغي إلا له، ليس كفو، وليس كمثله شيء.

وأخرج ابن الضريس وأبو الشيخ في العظمة وابن جرير عن كعب قال: إن الله تعالى ذكره أسس السموات السبع والأرضين السبع على هذه السورة { قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد } وإن الله لم يكافئه أحد من خلقه. -تفسير الدر المنثور للسيوطي ]

 

هذا وبالله التوفيق

وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين

انتهى العمل بهذه السورة الكريمة

في 6شوال 1420 هـ الموافق 13 يناير سنة 2000 ميلادي .أهـ .

خالد محيي الدين الحليبي

 

فهرست

الجزء الثالث من تفسير البينة 

السورة رقم :

11- سورة الفجر .

12- سورة الشرح .

13- سورة الرحمن .

14- سورة العصر .

15 – سورة الكوثر .

16 – سورة التكاثر .

17- سورة الماعون .

18 – سورة الكافرون .

19 –  سورة الفيل  .

20 – سورة الصمدية .