Elqalamcenter.com

"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

صندوق النقد الدولي يفتح النار على الفساد والرشوة العابرة للحدود في الشرق الأوسط

القدس العربي :

تقول دراسة أصدرتها إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق الدولي أن ظواهر الفساد وضعف الحوكمة والرشوة العابرة للحدود تؤدي إلى تضاؤل ثقة الشعب في الحكومة والمؤسسات وإلى زيادة السخط العام، وبالتالي إلى اندلاع الانتفاضات وزعزعة الاستقرار السياسي. وترى أن دول المنطقة ستواجه في عالم ما بعد جائحة كورونا، اختبارات صعبة على مستوى رسم السياسات، وسيتعين عليها كسب ثقة الشعب والحفاظ على التماسك الاجتماعي. وإذا أضفنا إلى تلك الصورة تدهور مستويات المعيشة بسبب ارتفاع التضخم وانخفاض الدخل الحقيقي للمواطنين، وشحة السلع الأساسية في عدد من البلدان التي تعاني من أزمات محلية، فإن الإصلاحات المتعلقة بالحوكمة ومكافحة الفساد تصبح من الأهداف ذات الأولوية الكبرى كما يرى الصندوق في هذه الدراسة.
الدراسة بعنوان: «إصلاح الحوكمة الاقتصادية لدعم النمو الابتدائي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وآسيا الوسطى» أعدها فريق مشترك من إدارات الشؤون القانونية، والشرق الأوسط وآسيا الوسطى، والاستراتيجيات والسياسات والمراجعة، بتوجيه من جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، واعتمدت على ذخيرة قوية من دراسات سابقة أعدها الصندوق في السنوات الأخيرة حول محركات النمو المستدام، ورفع مستوى التنافسية للاقتصادات الوطنية، وزيادة فرص العمل للشباب في المجتمعات الفتية، وتحسين خريطة توزيع الدخل لتقليل ظاهرة انعدام المساواة.
ورغم أن دول تلك المنطقة أحرزت تقدما ملحوظا في تحسين الحوكمة الاقتصادية، إلا أن الدراسات والمسوح الاقتصادية تشير إلى استمرار شعور المواطنين ودوائر الأعمال بأن الحوكمة الضعيفة والفساد يمثلان مشكلتين كبيرتين في المنطقة. ويعاني القطاع المالي من وجود فجوات في الممارسات الرقابية، وثغرات في أطر مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والتهرب من دفع الضرائب، إلى درجة استخدام الرشوة بواسطة الشركات المتعددة الجنسية في تقنين هذا التهرب على حساب المصالح الوطنية للدول المضيفة، خصوصا في قطاعات النفط والسلاح والأدوية والتجارة الإلكترونية، وكذلك في صناعات أساسية مثل صناعات المشروبات غير الكحولية وصناعة المنظفات. وتقول الدراسة إن الأطر التنظيمية مفرطة التعقيد في العديد من البلدان تخلق بيئة معرضة للرشوة وممارسات السعي للكسب الريعي، أي لاستخدام الشركات للأشخاص الذين في أيديهم سلطة اتخاذ القرارات لتحقيق مكاسب استثنائية، بما في ذلك الحصول على قرارات خاصة بشأن تخصيص الأراضي، أو الحصول على إعفاءات ضريبية وجمركية، أو حتى الحصول على دعم مستتر، مثلما هو الحال مع شركات إنتاج العصائر والمشروبات المحلاة التي تحصل على السكر بالأسعار المدعمة، وترفض فرض رسوم الإغراق على السكر المستورد في الحالات التي يلزم فيها ذلك لحماية المنتجين المحليين.

مؤشرات ضعيفة للحوكمة

يرى المواطنون والشركات أن ضعف الحوكمة وانتشار الفساد يمثلان مشكلة خطيرة في المنطقة. وطبقا لرصد المؤشرات العامة فإن بلدان المنطقة تسجل درجات منخفضة فيما يتعلق بجودة الخدمات العامة، والخدمات المدنية التي تقدمها الأجهزة الحكومية، وكذلك في صياغة السياسات وتنفيذها، ومدى استقلالية الحكومات عن الضغوط السياسية، ومدى مصداقية التزامها بتنفيذ أهداف سياساتها المعلنة. وانطلاقا من هذا التشخيص المبني على الدراسة الدقيقة، فإن صندوق النقد الدولي يتبنى حاليا وضع معايير لتشجيع الحكومات المستفيدة من القروض، على الالتزام بمعايير مكافحة الفساد والشفافية والحوكمة في كيفية استخدام التمويل من خلال وضع معايير لجودة تصميم السياسات، وكفاءة التنفيذ، والرقابة لضمان إنفاق الأموال بشفافية وكفاءة في الأغراض المخصصة لها، مع التحلي بالمرونة لتعديل السياسات عند الضرورة. وضربت الدراسة مثالا إيجابيا فيما يتعلق بكفاءة إدارة قرض حصل عليه الأردن ضمن آلية التمويل السريع؛ فقد رصدت الحكومة الأردنية أموالا إضافية لاحتواء الجائحة ومعالجة المصابين، وأنشأت صندوقا للطوارئ مربوطا بحساب الخزانة الموحد يخضع للرقابة ويتم الإبلاغ فورا وبشفافية عن تحركات حساباته. كما التزمت الحكومة بنشر خطط المشتريات العامة ذات الصلة، ونشر إعلانات طرح المناقصات ونتائج ترسية العقود على موقعها الإلكتروني، بما في ذلك بيانات ملاك الكيانات المستفيدة التي فازت بترسية العقود. كذلك تم تكليف ديوان المحاسبة بالتدقيق اللاحق لجميع التدفقات الداخلة والخارجة المتعلقة بصندوق مكافحة تداعيات جائحة كورونا.

فساد في الدول المتقدمة

ويعتبر المثال الأردني حالة إيجابية فريدة في التعامل مع القروض التي حصلت عليها العديد من دول المنطقة، سواء ضمن آلية التمويل السريع أو غيرها، فقد حدث في بعض البلدان استخدام هذه القروض لحساب مصالح أجهزة حكومية أو مؤسسات خاصة متواطئة معها، خصوصا في مجالات مثل توريد الأجهزة الطبية أو وسائل التنقل أو إقامة أبنية ومنشآت جديدة، أو حتى صيانة مبان قديمة. وتعتبر العلاقات بين المسؤولين الحكوميين والمقاولين والموردين المعتمدين رسميا بوابة واسعة للفساد الريعي، الذي يحقق تربحا مشتركا لكل من المسؤولين وملاك الكيانات الاقتصادية الخاصة، التي غالبا ما ترتبط بعلاقات حصرية مع أجهزة وصناع القرار. وجدير بالذكر أن هذه الظواهر التي أشار إليها الصندوق موجودة أيضا في دول متقدمة مثل بريطانيا التي تشهد الآن حملة سياسية يقودها حزب العمال لكشف أبعاد فضيحة تربح لصالح ميشيل مون، عضوة مجلس اللوردات تربحت من إسناد توريد ملابس وقاية وأدوات حماية طبية لأطقم العاملين في مكافحة جائحة كورونا في مستشفيات وزارة الصحة. وجاء التربح بطريق الحصول على أمر مباشر بإسناد العطاء إلى شركة أسستها لهذا الغرض، وتم توريد ملابس وأقنعة وأدوات غير صالحة لأغراض الوقاية والحماية الصحية، ما أدى إلى خسارة كبيرة للمال العام. وتستنتج الدراسة أن الاقتصادات المتقدمة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحصل في الغالب على درجات أقل من نظيراتها في مناطق أخرى من العالم في جميع مجالات حوكمة المالية العامة، خصوصا في مجالات قواعد المشتريات.
وقد سعت دراسة الصندوق إلى تحديد تلك الفجوات وتحليلها من أجل تقديم المشورة للبلدان المعنية فيما يتعلق بالإجراءات الممكن اتخاذها لتحسين الحوكمة، مع مراعاة تباين أولويات الإصلاح بين البلدان حسب ظروف كل منها. وتعتبر الشركات العامة المملوكة للدولة، بما فيها تلك التي تتولى إدارة الثروات الطبيعية مثل النفط والغاز والذهب والفوسفات والبوتاس، وكذلك الشركات التي تقدم خدمات من خلال أطر احتكارية أو شبه احتكارية مثل شركات الكهرباء والمياه والسكك الحديد، إضافة إلى الصناديق السيادية، من أهم المجالات التي تبرز فيها فجوات الفساد وانعدام الكفاءة ونقص الحوكمة. وخلصت الدراسة إلى أن هناك مجالا واسعا لتحقيق مستوى أعلى من الشفافية في أداء المؤسسات المملوكة للدولة، وذلك من خلال توسيع نطاق الفحص الدقيق لعملياتها، وهو ما يمكن أن يساعد على تحسين إيرادات المالية العامة، وزيادة قدرة الجمهور على فهم كيفية تخصيص إيرادات موارد الثروات الوطنية. وقد خلص مسح صادر عن «معهد حوكمة الموارد الطبيعية» إلى أن معظم شركات الشرق الأوسط وآسيا الوسطى التي خضعت للمسح (23 شركة) تفصح عن معلومات جزئية للغاية، وأن 8 شركات منها لا تفصح عن أي معلومات على الإطلاق. ويتسع نطاق عدم الإفصاح في شركات النفط والغاز، حيث أن شركات قليلة منها تفصح عن بياناتها المالية الحقيقية. وينطبق الأمر نفسه على صناديق الثروة السيادية، التي ما تزال هناك مساحة واسعة لتحقيق الشفافية في حساباتها، بما في ذلك قواعد السحب والإيداع والاستثمار والإبلاغ المالي. وقد بلغ مستوى انعدام الشفافية في شركات إدارة الموارد الطبيعية والصناديق السيادية وشركات المرافق الاحتكارية إلى درجة تصنيفها ككيانات اقتصادية خارج نطاق قواعد الرقابة، على اعتبار انها تتمتع ب «حصانة سيادية».

مكافحة الفساد
يرفع الكفاءة الاقتصادية

ويمثل تحسين الحوكمة ومكافحة الفساد عاملين أساسيين في معالجة تداعيات جائحة كوفيد-19 وبناء مستقبل أفضل من أجل تحقيق تعافٍ مستدام واحتوائي. فالسيطرة القوية على الفساد في المنطقة، على سبيل المثال، تقترن بارتفاع الإيرادات المحلية، وزيادة كفاءة الاستثمارات العامة، وتحسُّن مخرجات التعليم. ويقترح الصندوق إصلاحات تهدف لتحقيق ما يلي: أولا زيادة الشفافية والمساءلة، وذلك عن طريق زيادة فرص الحصول على المعلومات، بما فيها المعلومات المتعلقة بالموازنة العامة والبنك المركزي، وتوخي الانفتاح والشفافية في عمليات التوريدات الحكومية، مع نشر عقودها والمعلومات المتعلقة بالملاك المنتفعين للكيانات التي تتم ترسية العقود عليها، وتنفيذ ضوابط داخلية قوية ورقابة خارجية على الموارد العامة، بما في ذلك عن طريق التدقيق المحاسبي المستقل، وزيادة المساءلة في المؤسسات المملوكة للدولة، وتعزيز نظم إقرار الذمة المالية. ثانيا: تبسيط القواعد المالية ودقة إنفاذها في أعمال المؤسسات التي ترتكز عليها المالية العامة، وما يرتبط بها من قواعد ولوائح تنظيمية للإدارة المالية العامة، ومن ثم رفع درجة كفاءتها. وتقول دراسة الصندوق أن من شأن تبسيط إجراءات الأعمال أن يساعد على الحد من الروتين الإداري ، ومواطن التعرض لمخاطر الفساد، وتحسين مناخ الاستثمار كما هو الحال بتحسين إنفاذ القواعد ووضع إطار معزز للرقابة المالية. ثالثا: تعزيز إطار مكافحة الفساد باعتماد قوانين وقواعد تنظيمية، والاستناد إلى الاتفاقيات الدولية والممارسات السليمة، وإنشاء مؤسسات فعالة لإنفاذها، وتعزيز أطر مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتيسير تبادل المعلومات على المستويين الداخلي والدولي. ويعد الالتزام رفيع المستوى والمشاركة من الأطراف المعنية على المستوى الوطني، لا سيما دوائر الأعمال، والنقابات، ومنظمات المجتمع المدني، بمثابة عاملين أساسيين لنجاح تنفيذ الإصلاحات الطموحة والمستدامة. كذلك بإمكان الرقمنة أن تُحْدِث تحولا في الخدمات الحكومية والعلاقات مع دوائر الأعمال والأفراد، ومن ثم زيادة الشفافية والكفاءة والمساءلة والثقة الشعبية.
ويدعم صندوق النقد الدولي بلدان منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى من خلال إسداء المشورة بشأن السياسات وتنمية القدرات بغية تعزيز الحوكمة، لا سيما في مجالات حوكمة المالية العامة، والرقابة على أنشطة البنوك المركزية والقطاع المالي، ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والإحصاءات. ومع صدور الموافقة على إطار عمل الصندوق المعزز للإنخراط في أنشطة الحوكمة في عام 2018 باشر الصندوق بتوسيع نطاق أعماله الرقابية لتشمل جوانب الفساد عبر الحدود الوطنية ومنها رشوة المسؤولين الأجانب وإخفاء عائدات أعمال الفساد.