السورة بصيغة PDF :
الملف بصيغة ورد :
(1) قل يا أيها الكافرون (1)
ورد في تفسير الدر المنثور :
[أخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نزلت سورة { قل يا أيها الكافرون } بمكة.وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير رضي الله عنه قال: أنزلت بالمدينة { قل يا أيها الكافرون }.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما أن قريشاً دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن يعطوه مالاً فيكون أغنى رجل بمكة ويزوّجوه ما أراد من النساء، فقالوا: هذا لك يا محمد وكف عن شتم آلهتنا ولا تذكر آلهتنا بسوء، فإن لم تفعل فإنا نعرض عليك خصلة واحدة ولك فيها صلاح. قال: ما هي؟ قالوا: تعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة. قال: حتى أنظر ما يأتيني من ربي فجاء الوحي من عند الله { قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون } الآية. وأنزل الله{ قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون- الزمر 64 } إلى قوله:{ الشاكرين – الزمر 66 } .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن وهب قال: قالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم: إن سرك أن نتبعك عاماً وترجع إلى ديننا عاماً فأنزل الله { قل يا أيها الكافرون } إلى آخر السورة.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف عن سعيد بن ميناء مولى أبي البختري قال: لقي الوليد بن المغيرة والعاصي بن وائل، والأسود بن المطلب وأمية بن خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد هلم فلتعبد ما نعبد ونعبد ما تعبد، ولنشترك نحن وأنت في أمرنا كله، فإن كان الذي نحن عليه أصح من الذي أنت عليه كنت قد أخذت منه حظاً، وإن كان الذي أنت عليه أصح من الذي نحن عليه كنا قد أخذنا منه حظاً فأنزل الله { قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون } حتى انقضت السورة.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن قريشاً قالت: لو استلمت آلهتنا لعبدنا إلهك فأنزل الله { قل يا أيها الكافرون } السورة كلها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن زرارة بن أوفى قال: كانت هذه السورة تسمى المقشقشة. وأخرج ابن مردويه عن أبي رافع قال: طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبيت ثم جاء مقام إبراهيم فقرأ { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى – البقرة 125} ثم صلى فقرأ بفاتحة الكتاب و{ قل هو الله أحد الله الصمد-الاخلاص1 } فقال كذلك الله: { لم يلد ولم يولد } قال: ذاك الله { ولم يكن له كفواً أحد } قال: كذلك الله ثم ركع وسجد ثم قرأ بفاتحة الكتاب و { قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد } قال: لا أعبد إلا الله { ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد } فقال: لا أعبد إلا الله { لكم دينكم ولي دين } ثم ركع وسجد.- الدر المنثور للسيوطي – وأسباب النزول هامش تفسير الجلالين للسيوطي ] .
وورد في تفسير البرهان :
[ علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن محمد بن أبي عمير، قال: سأل أبو شاكر أبا جعفر الأحول، عن قول الله عز و جل: { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ * لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ * وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } فهل يتكلم الحكيم بمثل هذا القول و يكرره مرة بعد مرة؟ فلم يكن عند أبي جعفر الأحول في ذلك جواب، فدخل المدينة، فسأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن ذلك، فقال: ” كان سبب نزولها و تكرارها أن قريشا قالت لرسول الله (صلى الله عليه و آله): تعبد آلهتنا سنة، و نعبد إلهك سنة، و تعبد آلهتنا سنة، و نعبد إلهك سنة، فأجابهم الله بمثل ما قالوا، فقال فيما قالوا: تعبد آلهتنا سنة: { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ * لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } ، و فيما قالوا: نعبد إلهك سنة: { وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } و فيما قالوا: تعبد آلهتنا سنة: { وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ } و فيما قالوا: نعبدك إلهك سنة: { وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } ”. قال: فرجع أبو جعفر الأحول إلى أبي شاكر فأخبره بذلك، فقال أبو شاكر: هذا حملته الإبل من الحجاز، و كان أبو عبد الله (عليه السلام) إذا فرغ من قراءتها يقول: ” ديني الإسلام ” ثلاثا.- البرهان للسيد هاشم البحراني ] .
وهنا :
(قل)
وهنا يقول تعالى لرسوله بأن يبلغ قومه بأنه رسول الله جائهم بالوحي وكتاب من عند الله تعالى كما في قوله تعالى { قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا – الكهف 110 } ويقول تعالى مبيناً أنهم سيكذبوه فقال تعالى {فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين – الأنعام 147} ويبين تعالى لرسوله أن هذا دأب الأمم من قبل وهى سنن الله تعالى التي لا تتغير ولا تتبدل فمنهم من سيؤمن بالله تعالى ومنهم من لا يؤمن به قال تعالى { وَمِنْهُم مَّن يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُم مَّن لَّا يُؤْمِنُ بِهِ ۚ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ ۖ أَنتُم بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ – يونس 40-41 } وهذه البراءة بينها تعالى هنا في قوله تعالى { قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم لكم دينكم ولى دين – الكافرون }
وأما :
(يا أيها )
وهنا يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله : { يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا – الأحزاب 45 } ثم يأمر الله تعالى الأمة بالإيمان به تعالى وبرسوله كما في قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا – النساء 136 }
وبالتالي الأمر بالإيمان يستوجب الطاعة لله تعالى و رسوله صلى الله عليه وآله وولاية الأئمة من أهل بيته عليهم السلام وولاة الأمر فيما أمر الله تعالى إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ويقول النبي صلى الله عليه وآله أيضاً إنما الطاعة في معروف قال تعالى هنا { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا – النساء 59} ومن خرج على طاعة الله تعالى ورسوله فأعماله إلى بطلان لقوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم محمد 33 } ثم يأمر الله تعالى المؤمنين بعدم اتخذا الكافرين أولياء من دون المؤمنين قال تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا – النساء 144 }
ويقول تعالى في الذين كفروا به تعالى : { يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيرا لكم وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما – النساء 170 }
ويبين تعالى أن هناك فريق من الناس لن يؤمنوا به تعالى وسيعملون للدنيا وسيغتروا بها ولذلك قال تعالى لهم منذراً : { يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور – لقمان 33 } وهؤلاء قدموا أهوائهم على القرآن الكريم ولذلك قال تعالى هنا {قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد }
وأما :
(الكافرون)
وهنا يبين تعالى أن الكافرين هم الذين تركوا الحكم بكتاب الله كما في قوله تعالى { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون – المائدة 44 } وعن كفر قريش قالوا هذا شيئ عجيب قال تعالى فيه { بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب – ق 2 } وقال تعالى فيهم أيضاً { قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين – فصلت 9}
وقد نفذ هؤلاء المجرمين خطة دس منافقين للإطلاع على خبايا رسول الله صلى الله عليه وآله وآله ليكونوا عيناً على المؤمنين فقال تعالى فيهم لما حزن رسول الله صلى الله عليه وآله لذلك { يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم – المائدة 41 } وهؤلاء لما أصروا على كفرهم قال تعالى فيهم { قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد – الكافرون }
وأما :
- لا أعبد ما تعبدون (2) ولا أنتم عابدون ما أعبد (3)
وهنا :
لبيان هذه الآيات لابد وأن نعلم أن ما يعبده الرسل والأنبياء والأئمة غير ما يعبده الذين كفروا بهم أو نافقوا واتبعوا أهوائهم كما يلي :
أولا :
ما يعبده الرسل والأنبياء والأئمة من أهل بيت النبي عليهم السلام :
يقول تعالى { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون – الذاريات 56} ولكي يعبده الخلق أرسل إليهم الرسل والأنبياء ليأمروا الناس بعبادته عز وجل كما في قوله تعالى عن نبي الله نوح عليه السلام :{ لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم – الأعراف59 } وقال هود لقومه عليه السلام :{ وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون – الأعراف 65 } وقال نبي الله صالح لقومه عليه السلام { وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم – الأعراف 73 }
وقال سيدنا إبراهيم لقومه عليه السلام { وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون – العنكبوت 16}
وقال نبي الله شعيباً لقومه عليه السلام { وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين – الأعراف 85 }
وقال نبي الله عيسى لقومه عليه السلام { لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار – المائدة 72}
وبالتالي كل أنبياء الله تعالى دعوا إلى عبادته عز وجل والكفر بالطاغوت قال تعالى { ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين – النخل 36 } وهؤلاء هم الذين اتبعوا ما نزل الله تعالى كما في قوله عز وجل : { والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه – الزمر 17 } .
ثانيا :
عبادة الذين خرجوا على أنبياء الله تعالى ورسله والأئمة عليهم السلام :
وهنا يبين تعالى أن هؤلاء كانوا يعبدون أصناماً يظنون فيهم الشافعة والزلفى عند الله تعالى لقوله عز وجل { ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون – يونس 18 } وهذه العبادة فيها تقليد لآبائهم من قبل كما في قوله تعالى { قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين – الأعراف 70 } واتهموه صلى الله عليه وآله بالإفتراء كما في قوله تعالى { وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم وقالوا ما هذا إلا إفك مفترى وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين – سبأ 43 }
فلما أصروا على كفرهم قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله { فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص – هود 109 }
وقد بين تعالى أن هؤلاء ومن خرجوا على طاعة الله تعالى ورسوله ولم يعملوا وفق ما أمر الله تعالى أنهم قد عبدوا الشيطان وسيقول تعالى لهم يوم القيامة { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي ۚ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا ۖ أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ هَٰذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَىٰ أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّىٰ يُبْصِرُونَ وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَىٰ مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ – يس 60-67 } وبالتالي لا هؤلاء يعبدون الله تعالى ويعبدون آلهتهم وأهوائهم وشياطينهم ورسوله الله صلى الله عليه وأهل بيته وصحابته الذين تولوه وناصروه واتبعوه في ساعة العسرة وتولو أهل بيته عليهم السلام من بعده والمؤمنين وهؤلاء يعبدون الله الله تعالى ولا هؤلاء سيتبع هؤلاء ولن يتبع هؤلاء هؤلاء كما قال نبي الله إبراهيم عليه السلام إلىقومه وجعل الله تعالى لنا فيهم أسوة حسنة في قوله تعالى {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ ۖ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ – الممتحنة 4 } ولذلك قال تعالى هنا لرسوله صلى الله عليه وآله { قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد }
ثم يقول تعالى :
(5) ولا أنتم عابدون ما أعبد (5)
وهنا يبين تعالى أنهم لا يعبدون الخالق عز وجل لذلك يقول تعالى لهم { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ – يونس 104 } وهؤلاء يبين تعالى أنهم لايؤمنون بأن الله تعالى هو الخالق وهو المحيي المميت بل قالوا { وَقَالُوا مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ – الجاثية 24 } لذلك قا تعالى لهم على لسان رسوله صلى الله عليه وآله { ولا أنتم عابدون ما أعبد } ويبين تعالى أنهم لم يعبدوا إلا أسماء سموها هم وآباؤهم وخلفهم حيث قالوا بمناقب أسماء رجال لصرف الناس عن إمامة أهل بيت النبي عليهم السلام لذلك قال تعالى في هذه الأسماء { إِنْ هِيَ إِلا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى – النجم 23 } وهذه الأسماء عبدوها من دون الله تعالى كما قال نبي الله يوسف لصاحبى السجن { مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ -يوسف 40 }
وبالتالي الآية هنا معناها أن هؤلاء معسكرين لا هذا سيتبع ذاك ولا ذاك سيتبع هذا فهما إلهين قال تعالى فيهما { وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد – النحل } والإله الحق هو الله تعالى لا إله غيرة والثاني هو الهوى الذي يعمل به كفار كل زمان ومافقيهم قال تعالى { أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون – الجاثية 23 }
ولذلك قال تعالى هنا { لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم لكم دينكم ولى دين }
ثم يقول تعالى :
(8) لكم دينكم ولى دين (8)
وهنا يبين تعالى أن الدين دينان أيضاً
الأول :
دين الحق وهو دين الإسلام الذي جاءت به الأننبياء وخاتمهم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله : قال تعالى { إن الدين عند الله الإسلام – آل عمران 19 } وقال تعالى { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين – آل عمران 85 } وهذا الدين يقوم على الحنيفية الإبراهيمية وقال تعالى فيها لرسوله صلى الله عليه وآله { إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين – الأنعام 79} وقال تعالى لذلك { قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين – الأنعام 161 } ثم يقول تعالى للمؤمنين { قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين – آل عمران 95 } أي مائلاً عن الشرك فلا يطيع بشر ولا حجراً ولا حاكماً ولا مستكبراً إلا بنص من كتاب الله تعالى هو الحكم بين الجميع وهذا هو دين الإسلام القائم على جناحين الأول كما بينا هنا الحنيفية الإبراهيمية التي بيناها هنا وقال تعالى فيها { ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا – النساء 125}
والشق الثاني من دين الإسلام الوصية بإمامة أهل البيت عليهم السلام كما أوصى الأنبياء من قبل قال تعالى { شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ – الشورى 13 } وهذا هو دين الذي قال فيه نبي الله يوسف لصاحبي السجن
{ يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون – يوسف 39 -40 } وهذا الدين الإسلامي والقيم لا يكتمل إلا بالوصية لمن يخلف النبي صلى الله عليه وآله لما نزل في استخلاف أمير المؤمنين عليه السلام في غدير خم ونزول قوله تعالى { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت ‘ليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا – المائدة } وذلك دين القيمة والمؤمنين به هم خير البرية قال تعالى { لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ – البينة 1-5 } .
ثانياً : دين الباطل :
والدين ما يتدين به الإنسان ويلزم به نفسه أمام من يعبده وهو لفظ واسع يحوي بداخله شرائع أمم سابقة واراء وأهواء لذلك يأتي على دين الكفر في قوله تعالى في نبي الله يوسف عليه السلام في عصر ماقبل الفراعين في مصر { ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلاأن يشاء الله – يوسف } وهذا الدين ليس من السماء وليس دين الله تعالى لذلك قال لهم نبي الله يوسف عليه السلام { يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون – يوسف 39 -40 } . وقال فرعون لقومه لعنه الله لملئه وخوفه من دين الإسلام الذي جائهم به مبي الله موسى عليه السلام : { وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد – غافر 26} .
وهناك منافقين سيعملون بببعض الكتاب وسيتركون البعض كالولاية لأهل البيت عليهم السلام أو يعملون ببعض الحلال ويتركون بعضه الآخر بغير عذر شرعي وهؤلاء إن أصروا على ماهم عليه قال تعالى فيهم { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ – الأنفال39 } ومن هؤلاء قوماً بدلوا الوصية وشرعوا بالرأي الهوى مالم يأذن به الله تعالى كما في قوله تعالى { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله – الشورى 21 } . وهؤلاء ككفار ومنافقين على دين واحد باطل قائم على الهوى ككفار أصليين ومنافقين شرعوا من الدين ديناً آخر مشتق من دين الإسلام قال تعالى في أخوة المنافقن والكافرين : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ – الحشر 11 } ولذلك قال تعالى في المسلمين و حزبهم والشيطان وحزبه من كفار ومنافقين هنا { لكم دينكم ولى دين } .
هذا وبالله التوفيق وما توفيقي إلا بالله
عليه توكلت وإليه أنيب وسلام على المرسلين
والحمد لله رب العالمين وصلى الله علي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
انتهى العمل من هذه السورة الكريمة
بعد عشاء 4 شوال عام 1420هـ الموافق 11 يناير عام 2000 م