تفسير سورة الرحمن رقم (13) في التنزيل … من تفسير البينة (” النبأ العظيم “)
السورة بصيغة PDF :
سورة الرحمن
(13)
سورة الرحمن
سورة الرحمن من السور المختلف عليها فالبعض يعتبرها مدنية و البعض الآخر يعتبرها مكية و في مذهب أهل البيت (عليهم السلام) السورة مكية و ترتيب نزولها كما يلي :
1- العلق 2- القلم 3- الضحى 4- المزمل 5- المدثر 6- الفاتحة 7- تبت 8- التكوير 9- الأعلى – 10- الليل 11- الفجر -12- الشرح 13- الرحمن .
والسورة مكية لتوافر شروط السور المكية فيها كما يلي :
- قصر مقاطع الآيات من شروط السور المكية وهى متوافقة بالسورة وذلك لأن من سمات السور المدنية طول المقاطع .
- السورة تتحدث عن الوعد والوعيد والجنة والنار وهى صفات السور المكية .
- السورة لا تتكلم عن أحكام كالسور المدنية التي تميزها عن المكية وبالتالي الشروط كلها تؤكد أنها مكية وليست مدنية .كما في مذهب أهل البيت عليهم السلام و [ كما في مصاحف أمير المؤمنين(عليهم السلام) وابن عباس وابن مسعود والإمام جعفر الصادق عليه السلام – راجع كتاب القرآن بين المدرستين للسيد مرتضى العسكري ] .
- الذين وضعوا مكانها سورة العاديات قد وقعوا في خطأ فاضح لأن سورة العاديات تتكلم عن غزو الخيل التي تغير صبحا وهذا الغزو كان بالمدينة وليست مكة بما يؤكد صحة القول بأنها مكية وذلك لأنها تتحدث عن الجهاد وهجوم الخيل على الأعداء وهذا لم يكن إلا بالمدينة وبيان هذه السورة [ (والعاديات ضبحاً فالمغيرات صبحاَ ) وذلك لأن النبي صلى الله عليه وآله بعث سرية إلى بني كنانة فأبطأ عليهم خبرهم فاهتم بذلك فأخبر الله تعالى نبيه عن ذلك على وجه القسم … – تفسير ابن عباس ص 517 –انتشارات استقلال قم – إيران ] .
- سورة الرحمن هى السورة الوحيدة التي تبدأ بإسم من أسماء الله الحسنى .
وهذه الغزوة هى غزوة بني سليم مما يشير إلى صحة ترتيب مصحف أهل البيت وابن عباس وابن مسعود من أن سورة العاديات منم أواخر ما نزل من قرآن وترتيبها في المصحف على النزول الثاني عشر بعد المائة .
أما بعد :
يقول تعالى :
- الرحمن (1)
[ ورحم يرحمه رحماً : رق له قلبه وعطف عليه فهو راحم ويقال في المبالغة رحيم والرحمة من الله الإحسان والرحمن إسم من الرحمة ولا يطلق إلا على الله وحده – معجم ألفاظ القرآن باب الراء فصل الحاء والميم ] .
قال تعالى { من يصرف عنه يومئذٍ فقد رحمه – الأنعام 16 } والله تعالى أرحم الراحمين كما في قوله تعالى { وأنت أرحم الراحمين – الأعراف 157 } وعلى ذلك رحمن الدنيا والآخرة هو خالقهما ولذلك يقترن لفظ رحمن بالعرش في قوله تعالى { الرحمن على العرش استوى – طه 2 } . وهذا العرش بداية الخلق وأما نهايته وفي يوم القيامة هو الرحمن أيضاً كما في قوله تعالى { الملك يومئذٍ الحق للرحمن وكان يوماً على الكافرين عسيرا – الفرقان 26 } .
ومن رحمته أن بعث للناس رسلاً يبينون لهم طريق رحمته ورضاه تعالى كما قال نبي الله موسى لقومه { إن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري – طه 90 } ولذلك قال تعالى أنه علم القرآن لكي يرحم الله المؤمنين العاملين به في قوله تعالى هنا { الرحمن علم القرآن – الرحمن } ومن أراد أن يرحمه الله فليعلم أنه بعث فيهم رسول رؤوف رحيم بهم قال تعالى { لقدجاءكم رسول من أنفسكم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم – التوبة } .
ومادام الله تعالى رحمن الدنيا والآخرة فهو ليس له تعالى نظير في الإسم ولا في الفعل ومن رحمته أن أعد لعباده المؤمنين جنات في الآخرة بعد رحمتهم في الدنيا فهل تعلم له سمياً كما قال تعالى : {جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب إنه كان وعده مأتياً لا يسمعون فيها لغواً إلا سلاماً ولهم فيها رزقهم بكرة وعشيا تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا وما نتنزل إلا بأمر ربك له مابين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا – مريم 61-65 } .
ثم يقول تعالى عن الرحمن سبحانه وتعالى :
- علم القرآن (2)
وهنا :
(عَلَم)
إلى أن ينزلوهنا يبين تعالى أو أول من تعلم قرآن الله تعالى قبل أن ينزل إلى سماء الدنيا الملائكة وقتها قرأوا كل ما هو كائن إلى يوم القيامة فقالوا{ أتخلق فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء قال إني أعلم مالا تعلمون – البقرة 30 } ثم يقول تعالى { وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ماعلمتنا – البقرة 31}
وبالتالي علم الله تعالى على قسمين عالم الغيب و هو كل ما غاب عن حواس ابن آدم و عالم الشهادة ففي الدنيا يقول تعالى { وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين – سبأ 3 }
وعن كلا العالمين الغيب والشهادة يقول عز وجل { عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال – الرعد 9 }وقال تعالى { عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون – المؤمنون 92 } وقال تعالى { ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم – السجدة 6 } فإذا كان يوم القيامة فهو أعلم أيضاَ سبحانه وتعالى { قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون – الزمر 46 } ولذلك يقول تعالى للناس بأن يعملوا في الدنيا على مكانتهم في الآخرة قال تعالى {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون – التوبة 105 } .
ولكي يبين الله تعالى لهم الطريق إلأى رضاه تعالى والجنة أنزل الكتب السماوية وبعث الرسل والأنبياء ولذلك دعا نبي الله إبراهيم ربه ببعثة نبياً من العرب يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم قال تعالى { سورةالبقرة – ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم – البقرة 129} فمن الله تعالى على المؤمنين ببعثة نبيه الخاتم صلى الله عليه وآله كما في قوله تعالى { لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين – آل عمران 164 } فلما نزل الوحي بأول آيات الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وآله قال له ولكل أمة محمد لتعلم قيمة القرآة وأنه لا يستوي الذين يعلمون بالذين لا يعلمون قال تعالى هنا {اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق إقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم – العلق 1-5 } وبهذا الكتاب والعمل وفق أحكامه يطهرهم الله تعالى ويعلمهم الحكمة وفي ذلك خير الدنيا والآخرة كما في قوله تعالى { كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون – البقرة 151} . ومن أراد رضا الله تعالى فليتولى الله تعالى ورسوله كما بينا أي يعمل وفق ما أمر الله تعالى في كتابه الكريم وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وبعد موت النبي صلى الله عليه وآله فليتولى الإمام علي عليه السلام ثم الأئمة من أهل بيته عليهم السلام لما نزل فيه من قوله تعالى { قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب – الرعد 43 } [ وهنا عن ابن عباس : من عنده علم الكتاب هو علي بن أبي طالب – شواهد التنزيل جذ ص 401 ] [ وعن أبي سعيد الخدري قال سألت رسول الله صلى الله عليه وآله عن قوله تعالى ( ومن عنده علم الكتاب) فقال ذاك أخي علي بن أبي طالب – شواهد التنزيل ج1 ص 400 ]
ونزل فيه أيضاً {أمن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب – الزمر 9 } [ عن ابن عباس قال : هل يستوي الذين يعلمون قال يعني علياً وأهل بيته من بني هاشم (والذين لا يعلمون) قال بنوا أمية و(أولوا الألباب) شيعتهم – شواهد التنزيل ج2 ص 175 ] .وبالتالي بعثة الأنبياء والمرسلين ثم امتداد العلم الحقيقي بعد خاتم النبيين (صلى الله عليه وآله) عن طريق أئمة أهل البيت عليهم السلام وذاك من رحمة الله تعالى بعياده المؤمنين لذلك قال تعالى { الرحمن علم القرآن } .
وأما :
(القرآن)
وهنا إذا تكلمنا عن كتاب الله تعالى الذي علمه لرسوله صلى الله عليه والأئمة عليهم السلام من بعده وصحابته الكرام رضوان الله تعالى عليهم وهنا لابد وأن نفصل ما هو القرآن وأحكامه و فضائله و ثواب العمل به وحرب الكفار والمنافقين عليه ؟ وهنا سنبين ماذا يعني قوله تعالى { علم القرآن } .
أولاً : ما هو القرآن :
يقول تعالى هنا { إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا – الإنسان 23 } وهذا النزول إلى سماء الدنيا كان في ليلة القدر كما في قوله تعالى { إنا أنزلناه في ليلة القدر – القدر} وهذا الكتاب منزل من أم الكتاب كما في قوله تعالى { وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم – الزخرف 4} ولذلك الحروف المقطعة بالقرآن الكريم آيات منزلة من أم الكتاب كما في قوله تعالى { يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين يس 1-3 } وقال تعالى { حم والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون – الزخرف 1-3} وقال تعالى { طس تلك آيات القرآن وكتاب مبين – النمل 1 } وقال تعالى أيضاً { الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين- الحجر 1 } فتلقاه النبي صلى الله عليه وآله من الله تعالى كما في قوله تعالى { وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم – النمل 6 }
وهذا التلقي نزل به الروح الأمين عليه السلام على قلب رسول الله صلى الله عليه وآله كما في قوله تعالى {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين – الشعراء 193-195} ثم يبين تعالى أنه نزل بلسان العرب وضرب فيه من االأمثال لعلهم يتذكرون كما في قوله تعالى {ولقد ضربنا في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون – الزمر 27-28 } وقال تعالى { ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون – الزمر 27 } . وهذه الأمثال لعلهم يتفكرون قال تعالى { لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون – الحشر 21 }
و فيه سبعاً من المثاني وهى فاتحة الكتاب كما في قوله تعالى { ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم – الحجر 87} .
وفيه قصص وأحسنها من الأمم من قبل لعلهم يذكرون قال تعالى فيها { نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين -يوسف 3}
ولذلك بين تعالى أنه ميسر للذكر باللسان والبيان العربي كما في قوله تعالى { ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر – القمر 17 } وفي نفس الوقت لا يدرك غور معناه إلا من مسه الطهر من أهل بيت النبي محمد صلى الله عليه وآله كما في قوله تعالى { إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون – الواقعة 77 } والمطهرون هنا هم الذين قال تعالى فيهم { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا – الأحزاب } وذلك الفهم لأن ظاهره أنيق وباطنه عميق ويبين تعالى أن هذا القرآن المجيد في لوح محفوظ كما في قوله تعالى { بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ – البروج 21 } وهذا ظاهر المعنى وفق ماحددته اللغة العربية ولكن البحث ففي كلمة لوح وألواح في قوله تعالى { وحملناه على ذات ألواح ودسر } وهذه الألواح لوح رئيسي بالطول وألواح عرضية على اليمين والشمال تشيد بها السفينة وهو نفس شكل القفص الصدري لابن آدم لذلك قال تعالى { بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون –العنكبوزت 49 } والذين اوتوا العلم أعلمهم باب مدينة العلم الإمام علي عليه السلام بنص الحديث [أنا مدينة العلم وعلي بابها … الحديث ] .
وهذا القرآن يبين تعالى أنه أنزله على قلب رسول الله صلى الله عليه وآله لينذر به أم القرى ومن حولها في كل العالم قال تعالى { وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير – الشورى 7 } .
فلما نزل على قلب رسول الله صلى الله عليه وآله أمره بأن يقرأه على الناس على مكث ولا يتعجل
قال تعالى {وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا – الإسراء 106} ثم يبين تعالى لنبيه أن القرآن وللأمة بأن لا تعجل في القراءة ولا تتعجل تلاوته كما في قوله تعالى { فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا – طه 114 } ولا يتعجل
التقول فيه إلا بعد الدراسة و التدبر وجمع آياته كما سنبين لأن القرآن تبين آياته بعضها بعضا قال تعالى لذلك { إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إنا علينا بيانه – القيامة 17-19 } ثم يأت بعد ذلك بيان رسول الله صلى الله عليه وآله لكتاب ربه تبارك وتعالى كما في قوله تعالى { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون –النحل 44 } .
ثم يبين تعالى أن هذا القرآن ماكان يفترى من دون الله ولو اجتمعت الإنس والجن قال تعالى { وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين – يونس 37 } ولذلك قال تعالى { قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا – الإسراء 88 } ولذلك عندما استمعته الجن في قوله تعالى { وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين – الأحقاف 29 } فلما سمعوه قالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا كما في قوله تعالى { قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا – الجن 1-2 }
ثم يبشر الله تعالى المؤمنين الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وآله على ولاية الله الحق التي هى لله تعالى ورسوله والإمامة من بعده لأهل بيته عليهم السلام ونصرة كتابه الكريم والجهاد في سبيل الله على ذلك مع إمام أهل البيت عليهم السلام لذلك قال تعالى في هذه البيعة { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم – التوبة 111 }
ثانياً : فضائل القرآن :
بين تعالى أن هذا القرآن له فضائل وهى :
- الهداية للطريق المستقيم لقوله تعالى :{ إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا – الإسراء 9 }
- وهذا القرآن لم ينزل لشقاء الناس بل لسعادتهم في الدارين بالدنيا والآخرة قال تعالى { ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى – طه 2 } .
- هذا القرآن فيه شفاء للناس من الأمراض كما في قوله تعالى { وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا –الإسراء 82 } .
- هذا القرآن فيه حفظ وتحصين عند قراءته من كفار ومنافقي الإنس والجن قال تعالى : { وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا – الإسراء 45 } .
ثالثاً :
الخطة القرآنية لتلاوة و حفظ و تعلم و دراسة وتدبر القرآن كما أمر الله تعالى :
هنا يأمر الله تعالى بدراسة القرآن وفقاً لأربع طرق
- تلاوة القرآن : لقوله تعالى { إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين وأن أتلو القرآن فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين – النمل 91-92 } . وقال تعالى { إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور – فاطر 29 }
- حفظ القرآن : لقوله تعالى { بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون – العنكبوت 49 } .
- دراسة القرآن : لقوله تعالى { وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ – سبأ 44 } وقال تعالى أيضاً : { فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ما فيه والدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون – الأعراف 169} .
- تدبر القرآن الكريم : قال تعالى {سورة ص – كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب – ص 29 } وقال تعالى أيضاً : { أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها – محمد 24 }
آداب التلاوة وسماع القرآن : هنا يقول تعالى { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون – الأعراف 204 } وإذا قرأه المسلم فليتعوذ بالله تعالى من الشيطان الرجيم كما في قوله تعالى { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم – النحل 98 } ومن الأفضل للقرأة أن يرتلها ترتيلاً كما في قوله تعالى { ورتل القرآن ترتيلا – المزمل 4 } وتكون القرأة سواء كانت في صلاة الفجر منفردأً أو تلاوة للقرآن أن تكون كما في قوله تعالى { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا – الإسراء 110 } .
رابعاً : الحرب على القرآن :
بدأـ الحرب على القرآن الكريم حسداً للنبي وبني هاشم وبني عبد المطلب لذلك قال تعالى فيما قالوه { وقالوا لولا نزل هذا القرءان على رجل من القريتين عظيم – الزخرف 31 } .
ثم أعلنوا كفرهم وأنهم لن يؤمنوا به أبداً قال تعالى : { وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين – سبأ 31 }. وقال تعالى في شقاقهم { ص والقرآن ذي الذكر بل الذين كفروا في عزة وشقاق – ص 1- 3} ودعوا إلى عدم ايمان بالقرآن الكريم { وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون – فصلت 26 } ولما تهموه صلى الله عليه وآله بالشعر نفى الله تعالى عنه هذه التهمة في قوله تعالى { وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين – يس 69} وقالوا لولا نزل هذا القرآن جملة واحدة كما في قوله تعالى{ وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا الفرقان 32 } ثم يبين تعالى انهم أبوا إلا الكفر بالله تعالى كما في قوله تعالى { ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفورا – الإسراء 89 } وجادلوا بالباطل كما في قوله تعالى { ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شيء جدلا – الكهف 54 } .
واشتد جدالهم بعدما علموا مكانة الإمام علي عليه السلام ويقينهم من أنه خليفته من بعده فطلبوا تبديل هذه الأحكام أو تبديل الكتاب كله كما فيقوله تعالى : { وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم – يونس 13 }
ثم يبين تعالى أنهم حاولوا اللغوا في القرآن أو تبديله والكذب على الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله كما في قوله تعالى { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ – فصلت 26 } فلما لغوا في كتاب الله تعالى وأدخلوا فيه مناقب رجالهم ليختلط الأمر على الناس من بعدهم فنشروا بعد موته صلى الله عليه وآله مناقب في رجالهم لصرف الناس عن ولاية أهل بيت النبي عليهم السلام و انتشر الخلاف في فهم كتاب الله حتى أنك ترى سبب النزول وضده والنقيضين في فهم الآية الواحدة وكتاب الله لا يوجد فيه أي خلاف فمن أول كلمة فيه تهدي لولاية الله تعالى ورسوله وأهل بيته حتى آخر كلمة فيه لذلك يقول تعالى { أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا – النساء } فلما نشروا الخلاف على أنه من عند الله تماماً كما قال تعالى عن بني إسرائيل { وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ – آل عمران 78 } وهنا
.وهنا يقول تعالى في ذلك {كما أنزلنا على المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين – الحجر 91 } ثم يبين تعالى أن المسؤل عن تلك الجريمة رجال من قريش وعلى رأسهم بنوا أمية لما نزل فيهم من قوله تعالى { وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا – الإسراء 60 } [ راجع تفسير الآية حيث راي النبي في منامه أثنتي عشرة قردأً ينزوون على مبره نزو القردة ] فأولها أنهم رجال من أمية .( راجع تفاسير الدر المنثور – الطبري وغيره من المفسرين ) .
وهنا جعل الله تعالى على قلوبهم أكنة أن يفقهوه كما في قوله تعالى { وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا – الإسراء 64 }
فلما نفروا وحاربوا وتقولوا على الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله شكاهم إلى الله عز وجل في قوله تعالى {ويوم يعض الظالم على يديه يقول ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلا ياويلتي ليتني لم اتخذ فلانا خليلا لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءتي وكان الشيطان للإنسان خذولا وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا – الفرقان 28-30 } .
وهنا نكون قد بينا معنى قوله تعالى { الرحمن علم القرآن } فهذا هو القرآن وبيان الله تعالى لكتابه الكريم والحرب عليه .
ثم يقول تعالى :
- خلق الإنسان (3)
وهنا يبين تعالى أنه بدأ خلق الإنسان من طين قال تعالى {الذي أحسن كل شيئ خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين – السجدة 7} وهذا الطين صلصال كما في قوله تعالى { ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمإ مسنون – الحجر 26 } أي [ولقد خلقنا آدم مِن طين يابس إذا نُقِر عليه سُمع له صوت, وهذا الطين اليابس من طين أسود متغيِّر لونه وريحه; مِن طول مكثه – التفسير الميسر ] . ثم جعل الله تعالى سلالة له قال تعالى فيها { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين – المؤمنون 12}
ثم جعل نسل هذه السلالة من نطفة ذكر وأنثى لذلك قال تعالى { ثم جعل نسله ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ – السجدة 8 } وقال تعالى { خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين – النحل 4 }
وخلق الإنسان من نطفة ثم من مضغة ثم من علقة في قوله تعالى { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ – الحج5 }
وقال تعالى { ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ
– المؤمنون 14 } وهنا يبين تعالى أن هذا الإنسان علمه الله تعالى البيان قال تعالى { خلق الإنسان علمه البيان } .
ثم يقول تعالى :
- علمه البيان (4)
وهنا :
(علمه)
وهنا قال تعالى عن أول إنسان على الأرض وهو نبي الله آدم عليه الصلاة والسلام {وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين – البقرة 31} ولما علمه الأسماء قال تعالى لآدم عليه السلام أن ينبئ الملائكة بما تعلمه من ربه تبارك وتعالى قال عز وجل { قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم – البقرة 33} وهنا قال فعل وليس إسم بما يعني أنه عز وجل علمه الأسماء والأفعال لأنه فهم مراد الله تبارك وتعالى وأمره بما يعني أنه عز وجل علمه البيان كما في قوله تعالى هنا { علمه البيان }
وأما :
(البيان)
[ البيان : الكشف والإيضاح ويسمى الكلام بيانا لكشفه عن المعنى المقصود وإظهاره ويسمى مايشرح المجمل والمبهم من الكلام بيانا – معجم ألأفاظ القرآن باب الباء فصل الياء والنون ] قال تعالى في بيان القرآن للقرآن { فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إنا علينا بيانه – القيامة 18-19} لذلك يقول تعالى في وصف كتابه الكريم أنه بيان وبينات لأن فيه بينة لآياته قال تعالى {هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين – آل عمران 138 } . وكتب الله السماوية من قبل فيها بينات قال تعالى فيها {فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير – آل عمران 184 } وآخر هذه البينات وختامها القرآن الكريم المنزل على خاتم النبيين قال تعالى { تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد – البقرة 253} ويحذر الله تعالى من الإختلاف على الأئمة لأنه لا نبوة بعده صلى الله عليه وآله قال تعالى { ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم – آل عمران 105}
والبيان يقوم به كل بني آدم إلا بيان الكتاب يقوم النبي صلى الله عليه وآله ثم الأئمة من بعده بكتبهم القيمة لقوله تعالى في الإمام علي عليه السلام { لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ – البينة } .
وهنا يقول صلى الله عليه وآله في خير البرية : [ علي وشيعته هم الفائزون – تفسير الدر المنثور للسيوطي ] . [ ويقول الإمام الصادق عليه السلام (مرفوعاً) في تفسير قوله تعالى ( يو ندعوا كل أناس بإمامهم) ألأا تحمدوا الله إذا كان يوم القيامة فزع كا أناس إلى من يتولونه وفزعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وفزعتم إلينا فإلى اين ترون يذهب بكم إلى الجنة ورب الكعبة قالها ثلاثاً – مرآة العقول ج4 ص 187 ] .
ثم يقول تعالى في استفهام استنكاري كيف يكفرون وقد بين الله تعالى لهم ورسوله ما يتوحدون على إمامتهم ولا يتفرقون ويختلفون من بعده صلى الله عليه وآله قال تعالى { كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين – آل عمران 68 } .
ثم يقول تعالى :
- الشمس والقمر بحسبان (5)
وهنا :
[ والحسبان : الحساب جاء في القرآن بمعنى ومصدر حاسب يحاسب حسباناً وسمى يوم القيامة يوم الحساب لأنه يوم الحساب والحسبان : العد والإحصاء أي أنهما (الشمس والقمر) وسيلتان للعد والحساب ومعرفة الزمن ويأت بمعنى العذاب والبلاء لأنه عن حساب من الله القدير – معجم ألفاظ القرآن باب الحاء فصل السين والباء ] . قال تعالى : { فالق الإصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم – الأنعام 96} أي أن الله سبحانه وتعالى [ هو الذي شق ضياء الصباح من ظلام الليل, وجعل الليل مستقرًا, يسكن فيه كل متحرك ويهدأ, وجعل الشمس والقمر يجريان في فلكيهما بحساب متقن مقدَّر, لا يتغير ولا يضطرب, ذلك تقدير العزيز الذي عزَّ سلطانه, العليم بمصالح خلقه وتدبير شئونهم. والعزيز والعليم من أسماء الله الحسنى يدلان على كمال العز والعلم.- التفسير الميسر ] .
ولذلك قال تعالى هنا { الشمس والقمر بحسبان – الرحمن 5 } .
ثم يقول تعالى :
- والنجم والشجر يسجدان (6)
وهنا :
(والنجم)
يقول تعالى هنا مبيناً أن الخلق كله مسخر بأمر الله تعالى كما في قوله تعالى { إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا – الأحزاب } وبالتالي النجم والشجر سجودهم امتثالاَ وخضوعاً لأمر الله تعالى فهم مسخرات بأمر الله وذلك سجودهم لذلك يقول تعالى { إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين – الأعراف 54 } وقال تعالى : { وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون – النحل 12 } وهذا هو سجودهم والسجود في قوله تعالى هنا (يسجدان) [سجد سَجَدَ سجودًا : خضع وانقاد – معجم ألفاظ القرآن باب السين فصل الجيم والدال ] قال تعالى : { ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء – الحج 18 } وهذا السجود للخلق طوعاً وكرهاً هو إسلامهم لله تعالى فكل الخلق أسلم كرهاً بعد رفض حمل أمانة الحكم بما أنزل الله وخلافة الله تعالى في الأرض وأما الإنسان فقد حملها طوعاً واختياراً قال تعالى { أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ – آل عمران 83 }
ثم يقول تعالى :
- والسماء رفعها ووضع الميزان (7)
وهنا :
(والسماء)
أي أنه يقول تعالى { والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون – الذاريات 47 } وهذا البناء رفعه الله تعالى لأعلى لذلك قال تعالى هنا { والسماء رفعها ووضع الميزان }
وأما :
(والسماء رفعها)
أي أنه تعالى رفع السماوات وبناها بغير عمد مئية للعيان يقول تعالى { الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون – الرعد2 } ولما بناها عز وجل رفعها وجعل لها سمكاً فسواها كما في قوله تعالى :{ أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ ۚ بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَٰلِكَ دَحَاهَا أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ – النازعات 27-33} وبعدما رفع سمكها عز وجل جعل لها سقفاً محفوظاً قال تعالى فيه { والسقف المرفوع { وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَّحْفُوظًا ۖ وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ – الأنبياء 32 } و هذا السقف مرفوعاً كما في قوله تعالى { والسقف المرفوع – الطور 5 } .
وهذه السماوات المرفوعة درجات فيها أنبياء ومؤمنين كل على حسب درجته لذلك رفع يرد على :
أولاً : القرآن الكريم ذكر رفعه الله تعالى ورفع العاملين به إلأى أعلى عليين أن تولوه حق ولايته قال تعالى { ورفعنا لك ذكرك – الشرح } وهذه الصحف مكرمة مطهرة قال تعالى فيها { كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاءَ ذَكَرَه فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ – عبس 11-16}
ثانياً : هذا الذكر له أناس خصهم الله تعالى بهذه المكانة العالية وهم أهل بيته عليهم السلام لما نزل فيهم من قوله تعالى { في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه – النور 36 } [ وهنا لما سئل رسول الله صلى الله عليه وآله أبيت علي منها قال بل من أعلاها – شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ] .
ثالثاً :
والذين آمنوا بعد ذلك درجات يرفعهم الله تعالى في درجاتهم التي أعدت لهم قال تعالى { يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات – المجادلة 11 } .
ولما استوى خلقها قال تعالى للناس في استفهام استنكاري فيمن كفروا به عز وجل يقول تعالى : { أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ – الغاشية 17-20} .
وأما :
(ووضع)
وهنا [ وضع : ضد رفع ويقال وضع الشيء في هذا المكان : جعله فيه وأثبته وأقره – معجم ألفاظ القرآن باب الواو فصل الضاد والعين ] . قال تعالى مبيناً أن السماء كما رفعها وضوع الأرض للمخلوقات قال تعالى { والأرض وضعها للأنام فيها فاكهة ونخل ورمان والحب ذو العص والريحان – الرحمن 10-12} .
وعندما وضع الله تعالى الأرض كان أول بيت وضعه فيها هو بيت الله الحرام كما في قوله تعالى { إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين – آل عمران 96 } ثم هبط آدم وزوجه وعبد الله تعالى من خلال بيت الله الحرام ثم بعث الله تعالى النبيين بالكتب فإذا قامت القيامة جمعهم الله تعالى بكتبهم وقومهم للحساب قال تعالى {وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون – الزمر 69 }
ثم يؤتى بكتاب الأعمال لحساب الأمم كما في قوله تعالى { ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا – الكهف 49 } .
وأما :
(ووضع الميزان)
هنا يقول تعالى { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ – الأنبياء 47 } وهذا الميزان جعله الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم الذي توزن به الأعمال وفق ما أمر الله تعالى ولذلك يصف الله تعالى كتابه الكريم بأنه كتاب أنزله الله تعالى ب الحق والميزان قال تعالى {الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان وما يدريك لعل الساعة قريب –الشورى 17 } . وقال تعالى { لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز – الحديد 25 } .
وعن الميزان والمكيال في الحياة الدنيا فقد أمر الله تعالى فيهما بالقسط يقول تعالى { ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون – الأنعام 152 } . ولذلك قال نبي الله شعيباً لقومه عليه السلام { وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين – الأعراف 85 } .
ثم يقول تعالى :
- أن لا تطغوا في الميزان (8)
وهنا :
(أن لا)
أي أنه يقول تعالى هنا { أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم – هود 26 } ومما أمر الله تعالى هنا في كتابه الكريم أن لا يطغوا في الميزان قا تعالى { أن لا تطغوا في الميزان }
وأما :
(تطغوا )
[ وكل شيئ زاد عن حده فقد طغى – معجم ألفاظ القرآن باب الطاء فصل الين والياء ] قال تعالى { إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية – الحاقة 11 } وقال تعالى في الريح لما زادت عن حدها { وأما ثمود فأهلكناهم بالطاغية – الحاقة 5 } ومن آثر الحياة الدنيا وعمل لها فقط فقد طغى كما في قوله تعالى { فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هى المأوى – النازعات 37} وهنا الأمر من الله تعالى بعدم الإسراف في بخس الميزان وذلك لأنه هنا قد انتقل من درك بخس الميزان إلى درك أسفل منه في جهنم وهو الطغيان قال تعالى : { لا تطغوا في الميزان} بمعنى ألا تظلموا وتبخسوا في الوزن وهذا طغيان قال تعالى في النهى عن الإسراف في الطعام والرزق والإعتدال والوسطية في كل شيئ { كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى – طه 81 }
وأما :
(الميزان)
وهنا يأمر الله تعالى بالقسط في الميزان : {وأوفوا الكيل والميزان بالقسط- الأنعام 152}
ويقول لذلك نبي الله شعيباً إلى قومه : {ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين – هود 85} وبالتالي النهي عن الخسران في الميزان { وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان – الرحمن 9} والخسران في حق المشتري والطغيان هنا في قوله تعالى { ولا تطغوا في الميزان } من أعمال البائع فهو طغيان من البائع وخسران للمشتري كما بين كتاب الله تعالى .
ثم يقول تعالى :
- وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان (9)
وهنا :
(وأقيموا)
وهنا [ قام بالأمر بمعنى نهض بأعبائه كاملة وعزم عليه أو أسرع تناوله – معجم ألفاظ القرآن باب القاففصل الواو والميم ] .قال تعالى في النهوض بالصلاة بأركانها وشرائطها { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله – النور 56} وقال تعالى في النهوض للصلاة بالمساجد : { وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد – الأعراف 29 } وقال تعالىفي النهوض بالدين والولاية لله الحق وعدم التفرق في الدين : { أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه – الشورى 13 } وقال تعالى هنا في الأمر بالقيام على الوزن بالقسط وعدم بخس الميزان { وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان – الرحمن 9 }
وأما :
(الوزن بالقسط)
أي أنه قال تعالى { وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون – الأنعام 152 } وذلك أمر الله تعالى الذي أنزله بالقسط في كتبه الكريمة وخاتمها القرآن الكريم { لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز – الحديد 25 } . ومن القسط هنا امتثالاً لأمر الله تعالى القسط والعدل بالميزان كما في قوله تعالى { وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان }
وأما :
(ولا تخسروا الميزان)
[ وخسران الميزان والمكيال : أدخل على الكيل والوزن النقص فهو مخسر وهم مخسرون – معجم ألفاظ القرآن باب الخاء فصل السين والراء ] . قال تعالى { وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان } والويل لمن بخس الميزان أو طفف الميزان لصالحة بخساً من حقوق المشتري قال تعالى { ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون أفلا يظن أولائك أنهم مبعوثون إلى يوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين – المطففين } .
ثم يقول تعالى :
- والأرض وضعها للأنام (10)
وهنا :
(والأرض)
أي أنه تعالى يبين أن السماوات والأرض كانتا رتق قطعة واحدة ففتقها الله تعالى كما في قوله تعالى { أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ – الأنبياء 30 } فلما فتقهما الله تعالى رفع السماء ووضع الأرض للأنام كما في قوله تعالى هنا { والسماء رفعها ووضع الميزان – الرحمن 7} وعن الأرض قال تعالى هنا { والأرض وضعها للأنام – الرحمن 10 } . وهذه الأرض سيسكنها الإنسان ويستعمرها إلى حين أي أنها ليست دار بقاء واستمرار قال تعالى { ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين – البقرة 36 }
وأما :
(وضعها)
والوضع دائماً يكون الحط إلى أسفل لقوله تعالى { أو كنتم مرضى أن تضعواأسلحتكم – النساء 102} { فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى – آل عمران 36 } ومن هنا يتبين لنا أن رفع السماء كان إلى أعلى والأرض وضعت لأسفل .لذلك قال تعالى { والأرض وضعها للأنام}
وأما :
(الأنام)
[ والأنام : الخلق معجم ألفاظ القرآن باب الهمزة فصل النون والميم ] .قال تعالى { والأرض وضعها للأنام – الرحمن 10 } وهذا من الألفاظ التي ليس لها مرادف في كتاب الله والخلق قال تعالى فيه هنا { الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها – الزمر 42 } أي أن الله تعالى حي لا يموت ولا تأخذه سنة ولا نوم وقد كتب الوفاة والنوم على الخلائق والأنفس والله تعالى لا تأخذه سنة ولا نوم قال تعالى { الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم – البقرة } . ولذلك قال تعالى هنا أنه وضع الأرض لهذه الخلائق التي كتب عليهم فيها الموت والنوم قال تعالى لذلك هنا { والأرض وضعها للأنام } .
ثم يقول تعالى :
- فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام (11)
وهنا :
(فيها فاكهة)
وهذه الفاكهة والزروع من دواعي التفكر للإيمان بالله تعالى قال عز وجل { فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا وَقَضْبًا وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا وَحَدَائِقَ غُلْبًا وَفَاكِهَةً وَأَبًّا مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ الواقعة 24-32} وهذه هى فاكهة الدنيا وعن فاكهة الآخرة التي لا يعرف منها سوى الإسم فقط كما قال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما قال تعالى في أصحاب الجنة وهم أصحاب اليمين { إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُم مَّا يَدَّعُونَ سَلَامٌ قَوْلًا مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ يس 55-58 } وهذه الجنة ورثوها بأعمالهم الصالحة وإيامنهم بالله تعالى وولايته الحق قال تعالى : { وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ لكم فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِّنْهَا تَأْكُلُونَ – الزخرف 72-73 }.
وأما :
( والنخل)
[ والنخل : شجر الرطب والتمر وواحدتها نخلة والجمع النخل ونخيل – معجم ألفاظ القرآن باب النون فصل الخاء واللام ] قال تعالى { وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ – الرعد 4 } و [ الصنوان : هي الأصول المجتمعة في منبت واحد ، كالرمان والتين وبعض النخيل ، ونحو ذلك وغير الصنوان : ما كان على أصل واحد ، كسائر الأشجار- تفسير القرآن العظيم لابن كثير ] . والنخل والفاكهة ذات أكمام قال تعالى { والنخل ذات الأكمام} .
وأما :
(ذات الأكمام)
[ والكِم : الغلاف بغطى الثمر والحب في الشجر والنخل والزرع والزروع وجمعه أكمام – معجم ألفاظ القرآن باب الكاف فصل الميم والميم ] . قال تعالى { إليه يرد علم الساعة وما تخرج من ثمرات من أكمامها وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه ويوم يناديهم أين شركائي قالوا آذناك ما منا من شهيد – فصلت 47 } . ومن أكمامها أي [ وما تخرج من ثمرات من أوعيتها – التفسير الميسر ] .
ثم يقول تعالى :
- والحب ذو العصف والريحان (12)
وهنا :
(والحب)
[ والحب : بفتح الحاء :إسم جنس للحنطة وغيرها ممن يكون في السنبل والأكمام والواحدة : حبه – معجم ألفاظ القرآن باب الحاء فصل الباء والباء ] .قال تعالى { وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ۗ انظُرُوا إِلَىٰ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكُمْ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ – الأنعام 99 } أي أن [ الله سبحانه هو الذي أنزل من السحاب مطرًا فأخرج به نبات كل شيء, فأخرج من النبات زرعًا وشجرًا أخضر, ثم أخرج من الزرع حَبًّا يركب بعضه بعضًا, كسنابل القمح والشعير والأرز, وأخرج من طلع النخل -وهو ما تنشأ فيه عذوق الرطب- عذوقًا قريبة التناول, وأخرج سبحانه بساتين من أعناب, وأخرج شجر الزيتون والرمان الذي يتشابه في ورقه ويختلف في ثمره شكلا وطعمًا وطبعًا. انظروا أيها الناس إلى ثمر هذا النبات إذا أثمر, وإلى نضجه وبلوغه حين يبلغ. إن في ذلكم – أيها الناس – لدلالات على كمال قدرة خالق هذه الأشياء وحكمته ورحمته لقوم يصدقون به تعالى ويعملون بشرعه – التفسير الميسر ] . وهنا يبين تعالى أن هذا الحب المتراكب ذو عصف في قوله تعالى { وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ – الرحمن } أي [ الحب ذو القشر؛ رزقًا لكم ولأنعامكم, وفيها كل نبت طيب الرائحة – التفسير الميسر ] .
وقال تعالى مبيناً قدرته تعالى على الخلق ليؤمن به تعالى من آمن ويزداد الذين آمنوا إيمانا قال تعالى : { فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا وَقَضْبًا وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا وَحَدَائِقَ غُلْبًا وَأَبًّا مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ – عبس 23 -32} ثم يبين تعالى كذلك خروج الناس من الأرض يوم القيامة كالزرع وحصاده قال تعالى : { وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ رِّزْقًا لِّلْعِبَادِ ۖ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا ۚ كَذَٰلِكَ الْخُرُوجُ – ق 9-11 }
وأما :
(ذو العصف)
[ والعصف : الحطام المتكسر من البيت والعاصف ما يحطمه عصف الريح – المعجم باب العين فصل الصاد والفاء ] قال تعالى { فجعلهم كعصف مأكول – الفيل 5 }أي أن الحب ذو العصف المتكسر من القشور والأكمام المغلفة للحبوب كاحنطة والأرز والشعير وماشابه قال تعالى هنا { والحب ذو العصف والريحان – الرحمن } .
وأما :
(والريحان)
[ الريحان : كل مشموم طيب الريح والريحان : الرزق – معجم ألفاظ القرآن باب الراء فصل الواو والحاء ] قال تعالى { فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ وَأَمَّا إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ – الواقعة 91 }
وفي التفسير [ { وَٱلْحَبُّ ذُو ٱلْعَصْفِ وَٱلرَّيْحَانُ } ، قال: “الحب: الحنطة و الشعير و الحبوب، و العصف: التين، و الريحان: ما يؤكل منه، – البرهان للسيد هاشم البحراني ] .
ثم يقول تعالى :
- فبأي ألآء ربكما تكذبان (13)
أي [ فبأي نِعَم ربكما الدينية والدنيوية – يا معشر الجن والإنس- تكذِّبان ؟ وما أحسن جواب الجن حين تلا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم هذه السورة, فكلما مر بهذه الآية, قالوا: “ولا بشيء من آلائك ربَّنا نكذب, فلك الحمد”, وهكذا ينبغي للعبد إذا تليت عليه نعم الله وآلاؤه, أن يُقرَّ بها, ويشكر الله ويحمده عليها – التفسير الميسر ] .
[ عن ابن عمر، قال: إن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قرأ سورة الرحمن، أو قُرئت عنده، فقال ” ما لِيَ أسْمَعُ الجنّ أحْسَنَ جَوَابا لِرَبِّها مِنْكُمْ ؟ ” قالوا: ماذا يا رسول الله ؟ قال: ” ما أتَيْتُ على قَوْلِ اللهِ: (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) ؟ إلا قالت الجنّ: لا بِشَيْءٍ مِنْ نِعْمَةِ رَبِّنا نُكَذّبُ .” – تفسير الطبري ]
وفي تفسير البرهان [ و قوله تعالى: { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } ، قال: “في الظاهر مخاطبة للجن و الإنس، و في الباطن فلان و فلان”. – البرهان للسيد هاشك البحراني ]
وفي تفسير معالم التنزيل للبغوي [ .. أيها الثقلان، يريد من هذه الأشياء المذكورة وكرّر هذه الآية في هذه السورة تقريراً للنّعمة وتأكيداً في التذكير بها على عادة العرب في الإِبلاغ والإِشباع، يعدّد على الخلق آلاءه، ويفصل بين كل نعمتين بما ينبههم عليها، كقول الرجل لمن أحسن إليه وتابع عليه بالأيادي وهو ينكرها ويكفرها: ألم تكن فقيراً فأغنيتك أفتنكر هذا؟ ألم تكن عرياناً فكسوتك أفتنكر هذا؟ ألم تك خاملاً؟ فعززتك أفتنكر هذا؟ ومثل هذا التكرار شائع في كلام العرب حسنٌ تقريراً. وقيل: خاطب بلفظ التثنية على عادة العرب تخاطب الواحد بلفظ التثنية كقوله تعالى { أَلْقِيَا فِى جَهَنَّمَ- ق 24 } .. – معالم التنزيل للبغوي ] .
هذه الآية تكررت في هذه السورة الكريمة 31 مرة
[الآيات رقم : (13)&(16)&(18)&(21)&(23)&(25)&(28)&(30)&
(32)&(34)&(36)&(38)&(40)&(42)&(45)&(47)&(49)&(51)&(53)&(55)&(57)&(59)&(61)&(63)&(65)&(67)&(69)&(71)&(73)&(75) & (77) ] .
التفسير :
(فبأي)
ورد هذا اللفظ في قوله تعالى عن الكفار والمنافقين أولم ينظروا في خلق السماوات والأرض وهذه آيات مشاهدة بالعين وقد أنزل آيات بينات تدل على ذلك فبأي حديث بعد القرآن الكريم سيؤمنون قال تعالى : { أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون – الأعراف 185} وقال تعالى أيضاً { تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون – الجاثية 6 } والويل لهؤلاء كما في قوله تعالى : { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُم مُّجْرِمُونَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ – المرسلات 46-50} . ولورد هذا اللفظ على كفار قريش الأولى الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وآله فهنا وجه من وجوه التفسير وضحه أهل البيت في تفاسيرهم أنهما رجلين من قريش كما في تفسير البرهان [ و قوله تعالى: { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } ، قال : “في الظاهر مخاطبة للجن و الإنس ، و في الباطن فلان و فلان ”. – البرهان للسيد هاشم البحراني ] . ولذلك يقول تعالى في هذين الرجلين { وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ۗ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا – الفرقان 27-30 } وهنا يبين تعالى أنهما رجلين من قريش رجل وخليله من الإنس وكليهما له قرينه من الجن كما في قوله تعالى { وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ۚ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ – الأنعام 112 } . ولذلك الآية هنا في التكذيب وردت بألف الأثنين لكلا الرجلين وكلا من عالمين الإنس والجن كما في قوله تعالى عنهم في يوم الحساب{ ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس و قال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم – الأنعام 128 } وهنا يقول تعالى لهما { فبأي ألآء ربكما تكذبان}
وأما :
(آلاء)
وأما : [ والألآء : النعم وواحدها ألو كدلو أو ألاً كرحا أو إلىً – معجم ألفاظ القرآن باب الهمزة فصل اللام والواو ] .قال تعالى { أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون – الأعراف 69 } . وألآء الله هنا نعمه وأولها نعمة الهداية لكتابه الكريم والإيمان به تعالى وبرسوله لذلك قال تعالى { واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب – البقرة 231 } والآلاء مافوق النعم والآلاء جزاء الطاعة والولاية في الآخرة أيضاَ وبالتالي فهى نعم متصلة بين الدنيا والآخرة ومن آلاء الله تعالى ميراث الأرض من بعد هلاك الظالمين قال تعالى : { واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين – الأعراف 74 } . ولمن جادلوا بالباطل يقول تعالى في نعمه الكثيرة المتواصلة في الدنيا ثم الآخرة : { فبأي آلاء ربك تتمارى – النجم 55 } .
(ربكما)
وهنا ربكما بألف الأثنين تبين أنه رب الإنس والجن لما حدث بين آدم وإبليس لما وسوس له فأخرجه من الجنة كما في قوله تعالى : { فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين – الأعراف 20 } وكذلك في الدنيا ورد لفظ ربكما في حديث نبي الله موسى وهارون مع فرعون ومن وراءه من قرناء وشياطين جن حيث قال فرعون { قال فمن ربكما ياموسى – طه 49 }
ولذلك الحديث هنا بألف الأثنين عن كفار ومنافقي الإنس والجن لذلك الآيات تحدثت بعد ذلك عن خلقهما كما في الآية هنا : { فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّار فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ – الرحمن 13- 16} .
وأما :
(تكذبان)
التكذيب ترك في كتاب الله فلم يقل أحد من الخلق بكذب كتاب الله قال تعالى في بني إسرائيل لما تركوا العمل بكتاب ربهم وهم مكلفون بحمله ووصفهم بأنهم مكذبين بآيات الله قال تعالى { مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ۚ بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ – الجمعة 5 } .
تكرار الآية هنا في استنكار الله تبارك وتعالى كفر الخلق في الآية هنا { فبأي ألاء ربكما تكذبان } 31 مرة تبين أن هناك 31 جريمة في حق الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام والمسلمين منذ بعثة رسول الله صلى الله عليه وآله حتى قيام الساعة ووصول الناس إلى أدنى درك أخلاقي وديني تقوم معه الساعة ومع كل جريمة يذكرهم الله تبارك وتعالى مستنكراً عليهم كفرهم بآلاء الله تعالى ونعمه عز وجل {فبأي ألاء ربكما تكذبان} .
ثم يقول تعالى :
- خلق الإنسان من صلصال كالفخار (14)
وهنا :
خلق الإنسان
وهنا يبين تعالى أنه بدأ خلق الإنسان من طين قال تعالى {الذي أحسن كل شيئ خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين – السجدة 7} ثم جعل الله تعالى سلالة له قال تعالى فيها { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين – المؤمنون 12}
ثم جعل نسل هذه السلالة من نطفة ذكر وأنثى لذلك قال تعالى { ثم جعل نسله ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ – السجدة 8 } وقال تعالى { خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين – النحل 4 }
وخلق الإنسان من نطفة ثم من مضغة ثم من علقة في قوله تعالى { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ – الحج5 }
وقال تعالى { ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ – المؤمنون 14 } وهنا يبين تعالى أن هذا الإنسان علمه الله تعالى البيان قال تعالى { خلق الإنسان علمه البيان } كما بينا من قبل .
وأما :
(من صلصال)
[ وصل الحديد والحلي : إذا توهمت في صوته حكاية صل فإن توهمت ترجيعاً قلت صلصل فالصلصلة صوت مضاعف أشد من الصليل وكل يابس يصلصل والصلصال كل ماجف من الطين قبل أن تصيب النار فيصير فخاراً وخزفاً فهو طين يابس يصلصل من يبسه – معجم ألفاظ القرآن باب الصاد فصل اللام والصاد واللام ] .
وهذا الطين هنا له صلصلة كما في قوله تعالى { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ – الحجر26-28 } وصلصال أي [ ولقد خلقنا آدم مِن طين يابس إذا نُقِر عليه سُمع له صوت, وهذا الطين اليابس من طين أسود متغيِّر لونه وريحه; مِن طول مكثه – التفسير الميسر ] . وهذا الصلصال هنا كالفخار قال تعالى { من صلصال كالفخار} .
وأما :
(ك)
الكاف هنا للتشبيه كقوله تعالى { فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم – الشعراء 63 } وقال تعالى { ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام – الشورى 32 } وهكذا هنا خلق الله تعالى الإنسان من صلصال كالفخار بما يعني أن وجه الشبه في الإسم والمادة وكلاهما مختلف عن الآخر ولكن هذا يشبه هذا قال تعالى { خلق الإنسان من صلصال كالفخار } .
وأما :
(الفخار)
[ الفخار : الضرب من الخزف يرده الراغب في معنى المادة لصوته عند النقر – معجم ألفاظ القرآن باب الفاء فصل الخاء والراء ] . وهذا اللفظ ممن لا مرادف له في كتاب الله قال تعالى { خلق الإنسان من صلصال كالفخار } .
ثم يقول تعالى :
- وخلق الجان من مارج من نار (15)
وهنا :
(وخلق الجان من مارج من نار)
أي أنه يقول تعالى { والجان خلقناه من قبل من نار السموم – الحجر 27 } .
وأما :
(من مارج)
[ والمارج : الشعلة الساطعة ذات اللهبوقيل في تفسيرها هى اللهب الصافي الذي لا دخان فيه أو هو اللهب المختلط بسواد النار واشتقاق من مرج الأمر : اختلط لما فيه من معاني اختلاط العناصر – معجم ألفاظ القرآن باب الميم فصل الراء والجيم ] وفي معجم مجمع البحرين [ قيل هو طرف النار المختلط بدخان – مجمع البحرين للطريحي كتاب الجيم وماأوله ميم ] . والمختلط بالدخان هو الأرجح قال تعالى { فهم في أمر مريج – ق 5 } . وهذا الإختلاط والإختلاف ناتج عن تدخل الجن بالوسوسة وهم مخلوقون من مارج من نار كما في الآية هنا { وخلق الجان من مارج من نار – الرحمن 15 } .
وفي خلق هذا الجنس من مخلوقات الله تعالى الغير مرئية لبني آدم [ ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) إن الله تعالى لما خلق نار السموم وهى نار لا حر لها ولا دخان فخلق منها الجان فذلك معنى قوله تعالى { والجان خلقناه من قبل من نار السموم} وسماه مارجاً وخلق منها زوجة وسماها مارجة فوقعها فولدت الجان ثم ولد الجان ولداً أسماه الجن ومنه تفرعت قبائل الجن ومنهم إبليس اللعين وكان يولد للجان الذكر والأنثى ويولد الجن توأمين فصاروا تسعين ألفاً ذكر وأنثى وازدادوا حتى بلغوا عدد الرمال – البرهان للسيد هاشم البحراني ج4 ص 515 تفسير سورة الرحمن – طبعة الهادي – بيروت ] .
ثم يقول تعالى لكلا الجنسين الإنس والجن :
- فبأي ألآء ربكما تكذبان (16)
سبق بيانها :
ثم يقول تعالى :
- رب المشرقين ورب المغربين (17)
وهنا حيث أن القرآن نزل بمكة فتكون مكة المكرمة والحجاز مركز الأرض شرقها وغربها بالمفرد في قوله تعالى { رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا – المزمل 9 } فيكون على اليمين خط طول والغرب خط طول آخر
والآية هنا { رب المشرقين ورب المغربين – الرحمن 17 } فيكون هناك خطين طول شرقا وخطين غرباً وهما خطوط رئيسية وخطوط أخرى طولية لذلكك يقول تعالى { فلا أقسم برب المشارق المغارب إنا لقادرون – المعارج 40 }
انظر الصورة وقد أثبت العلم الحديث بأن مكة المكرمة مركز العالم كما أثبت القرآن الكريم ذلك وبالتالي شرقها خطوط طول وكذلك غربها كما بين القرآن الكريم :
ثم يقول تعالى :
- فبأي ألآء ربكما تكذبان (18)
سبق تفصيلها من قبل
ثم يقول تعالى :
- مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان (19)
[عن ابن عباس قال: المرجان عظام اللؤلؤ.وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عليّ بن أبي طالب قال: المرجان عظام اللؤلؤ... وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله {مرج البحرين يلتقيان} قال عليَّ وفاطمة {بينهما برزخ لا يبغيان} قال: النبي صلى الله عليه وسلم “{يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان} قال: الحسن والحسين” . وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك في قوله {مرج البحرين يلتقيان} قال: عليَّ وفاطمة {يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان} قال: الحسن والحسين -الدر المنثور للسيوطي ] .
[روي عن سلمان الفارسي وسعيد بن جبير وسفيان الثوري أن البحرين علي وفاطمة عليهما السلام بينهما برزخ محمد صلى الله عليه وسلم يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان الحسن والحسين عليهما السلام ولا غرو أن يكونا بحرين لسعة فضلهما وكثرة خيرهما فإن البحر إنما يسمى بحراً لسعته وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لفرس ركبه وأجراه فأحمده وجدته بحر أي كثير المعاني الحميدة.- مجمع البحرين للطبرسي ] .
وهنا :
(مرج البحرين)
[ أي أختلط ] ولذلك يقول تعالى { بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج – ق 5} [ ومرج البحرين بمعنة : أطلقهما – معجم ألفاظ القرآن باب الميم فصل الراء والجيم ] قال تعالى في بيان أن البحرين نوعين مختلفين من المياة قال تعالى فيهما : { وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا – الفرقان 53 } . وحيث أنهما مختلفين الشيئ وضده كما في قوله تعالى { ومن كل شيئ خلقنا زوجين لعلكم تذكرون – الذاريات 49 } ومن هذه الأزواج هنا العذب الفرات والملح الأجاج والذكر والأنثى وحيث أن البحر عذبه وملحه ماء والماء قال تعالى فيه { وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا – الفرقان 54 } أي [وهو الذي خلق مِن منيِّ الرجل والمرأة ذرية ذكورًا وإناثًا، فنشأ من هذا قرابة النسب وقرابة المصاهرة. وكان ربك قديرًا على خلق ما يشاء.- التفسير الميسر ] . وهنا يقول صلى الله عليه وآله خير النسب نسبي وخير الصهر صهري .. الحديث ] قال اللهُ تعالى: {فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ – المؤمنون 101 } أي : فلا يَتواصَلون بأنسابهم، ولا يتساءَلون، ولا يتزاوَرون إلَّا نَسَب النبي صلى الله عليه وآله وصِهرِه أي : يُنتفَعُ يَومَئذٍ بالنِّسبةِ إليه ، ولا يُنتفَعُ بسائِرِ الأنسابِ و”كُلُّ نَسَبٍ وصِهْرٍ” النَّسَبُ : ما رُفِعَ إلى وِلادةٍ قَريبةٍ من قِبَلِ الآباءِ، والصِّهرُ : ما كان من خُلطةٍ تُشبِهُ القَرابةَ بسَببِ التزوُّجِ، ويُطلَقُ على الزَّوجِ وأقارِبِه وأقاربِ المرأةِ: أصهارٌ، “يَنقطِعُ يومَ القِيامَةِ” ] وهنا النسب والصهر الإمام علي والسيدة فاطمة عليهما السلام . فيكون ظاهر المعنى للآية الكريمة التقاء الماء العذب الفرات والملح الأجاج وباطن المعنى علي وفاطمة كما في الأحاديث التي ذكرناها آنفاً .
وأما :
(يلتقيان)
[ ولاقاه : يأتي بمعنى قابله أو لقيه – معجم ألفاظ القرآن باب اللام فصل القاف والياء ] قال تعالى { وفجرنا الأرض عيوناً فالتقى الماء على شيئ قد قدر – القمر 12 } وهذا يعني التقاء ماءي السماء والأرض والعذب و والفرات حتى أغرقت الأرض فلما استقرت أصبح هناك الماء العذب والأجاج بالبحار وبينهما برزخ قال تعالى هنا { مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان – الرحمن } وهذا ظاهر المعنى وباطنه حدده ورود هذا اللفظ في قوله تعالى { فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه – البقرة 37 }
ورد عن هذه الكلمات أنها [ لا إله إلاأنت سبحانك اللهم وبحمدك عملت سوءاً وظلمت نفسي فاغفر لي وارحمني – نور الثقلين ص 67 ] .
و [ أخرج الطبراني في المعجم الصغير والحاكم وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل وابن عساكر عن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” لما أذنب آدم الذنب الذي أذنبه، رفع رأسه إلى السماء فقال: أسألك بحق محمد إلا غفرت لي؟ فأوحى الله إليه: ومن محمد؟ فقال: تبارك اسمك. لما خلقتني رفعت رأسي إلى عرشك فإذا فيه مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله فعلمت أنه ليس أحد أعظم عندك قدراً ممن جعلت اسمه مع اسمك. فأوحى الله إليه: يا آدم انه آخر النبين من ذريتك، ولولا هو ما خلقتك” …. وأخرج ابن النجار عن ابن عباس قال “سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه قال: سأل بحق محمد، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين، إلا تبت علي فتاب عليه” .– الدر المنثور للسيوطي ] .
وأما :
(بينهما برزخ)
[ البرزخ : الحاجز بين الشيئين – معجم ألفاظ القرآن باب الباء فصل الراء و الزاي والخاء ] قال تعالى { وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا الفرقان 53 } .
وأما :
(لا يبغيان)
[ والبغي : الكبر و الظلم والفساد أو هو كل مجاوزةٍ وإفراط على المقدار الذي هو حد الشيئ – معجم ألفاظ القرآن باب الباء فصل الغين والياء ] قال تعالى { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ – الرحمن 9 } وهذا البغي ليس من صفات المؤمنين لقوله تعالى { وإن كثيراً من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا اللذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ماهم – ص 24 } واللذين آمنوا وعملوا الصالحات هم المسلمين الذين أسلموا لله تعالى والإسلام يقوم على الحنيفية والوصية الإبراهيمية فكل نبي يوصي لمن بعده حتى رسول الله صلى الله عليه وآله الذي أمر أن يوصي بالأئمة من أهل بيته عليهم السلام . وهنا نكون قد وصلنا لنفس المعاني السالفة . أن باطن المعني عليا وفاطمة وكلاهما استشهد على يد الظلمة من هذه الأمة لذلك قال تعالى مرة أخرى { فبأي ألآء ربكما تكذبان- الرحمن 20 } .
ثم يقول تعالى :
- فبأي ألآء ربكما تكذبان (20)
بينا هذه الآية من قبل :
ثم يقول تعالى :
- يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان (21)
وهنا :
(يخرج)
والخروج هنا كلفظ ورد في قوله تعالى عن خلق الإنسان من نطفتي الذكر والأنثى { فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ إِنَّهُ عَلَىٰ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ – الطارق 5-8 } أي أن ظاهر المعنى للآية الكريمة خروج اللؤلؤ و المرجان من البحار والأنهار والباطن كوجه آخر من وجوه التفسير ذرية من بني آدم شبههم الله تعالى باللؤلؤ والمرجان لذلك قال تعالى { والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً – النحل 78 } وآخر خروج لهؤلاء الأئمة إماماً أطلق القرآن الكريم عليه دابة الأرض في قوله تعالى { وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون – النمل 82 }.
[ ( انتهى رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أمير المؤمنين عليه السلام وهو نائم في المسجد ، قد جمع رملا ووضع رأسه عليه ، فحركه برجله ثم قال : ( قم يا دابة الله . فقال رجل من أصحابه : يا رسول الله ، أيسمي بعضنا بعضا بهذا الاسم ؟ فقال : لا والله ما هو إلا له خاصة ، وهو الدابة التي ذكر الله في كتابه ( وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الارض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون ) ثم قال : يا علي ، إذا كان آخر الزمان أخرجك الله في أحسن صورة ومعك ميسم تسم به أعداءك ) * ـ
( أنا قسيم الجنة والنار ، لا يدخلها داخل إلا على أحد قسمين ، ولقد أعطيت الست : علم المنايا والبلايا ، والوصايا ، والانساب ، وفصل الخطاب . وإني لصاحب الكرات ودولة الدول ، وإني لصاحب العصا والميسم ، والدابة التي تكلم الناس) *
* : بصائر الدرجات : ص 199 ب 9 ح 1 حدثنا علي بن حسان قال : حدثني أ بوعبدالله ] .
وهنا نكون قد أثبتنا بأن اللؤلؤء والمرجان الأئمة من ذرية الإمام علي والسيدة فاطمة عليهما السلام .
وأما :
(منهما)
وهذا اللفظ يثبت أيضاً أنهما زوجين كإثباتاً لما ذكرناه من قبل لذلك يقول تعالى
{ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا- النساء 1} .وقال تعالى في الرضاع والفصال (الفطام) { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير – البقرة 233 }
وورد على أنه القرآن الكريم وهو اهدى من الكتب من قبله لقوله تعالى { قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين – القصص 49} كما ورد على نبياً من أنبياء الله يعلم علم التأويل وهو نبي الله يوسف عليه السلام كما في قوله تعالى { وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون –يوسف 45} وهنا يشير القرآن إلى أن دابة الأرض فيه سنة من نبي الله يوسف كما في المرويات التي أشارت إلى ذلك وقد يسجن لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين – يوسف 42 } .
ولذلك في المرويات مصر آخر الزمان تكون منبراً للإمام المهدي (عليه السلام) وقال تعالى في ذلك { نَتْلُو عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَىٰ وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ – القصص 1-6 } .
وأما :
( اللؤلؤ والمرجان)
[ والمرجان : صغار اللؤلؤ وقيل عظامها وواحدته مرجانه – معجم ألفاظ القرآن باب الميم فصل الراءوالجيم والنون ] قال تعالى في نساء أهل الجنة { كأنهن الياقوت والمرجان – الرحمن 58} وفي ولدان أهل الجنة والسقاة على الحوض قال تعالى { يطوف عليهم ولدان مخلون إذا رأيتهم كأنهم لؤلؤ مكنون – الطور 24 } . ومعلوم أن السقاة على الحوض سيدنا رسول الله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام الذكور فيهم كأنهم لؤلؤ ومرجان وهو صغار اللؤلؤ بما يشير إللى أنهما الحسن والحسين عليهما السلام والمرجان المقترن بالياقوت يشير إلى نساء أهل البيت (عليهم السلام) كأنهن الياقوت والمرجان ويكون هنا ظاهر المعنى خروج اللؤلؤ والمرجان من البحار والأنهار وباطن المعنى كوجه من وجوه التفسير هما الحسن والحسين وأهل البيت عليهم السلام كما أخبرت الروايات في تفسير الدر المنثور وفي مذهب أهل البيت (عليهم السلام) .
ثم يقول تعالى :
- فبأي ألآء ربكما تكذبان (22)
سبق أن بينا هذه الآية من قبل والمعنى هنا { فبأي ألآء ربكما تكذبان } أي بأي ألآء ربكما تكذبان بمناقب أهل بيت النبي وإمامتهم وولايتهم (عليهم السلام) .
ثم يقول تعالى :
- وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام (23)
وهنا :
(وله)
أي أنه يقول تعالى له الملك في السماوات والأرض كما في قوله تعالى { يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير – التغابن 1} ويقول تعالى أيضاً { وله من في السماوات والأرض كل له قانتون -الروم 26 } وله كل شيئ كما في قوله تعالى { إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين – النمل 91 } وله تعالى ماسكن في الليل والنهار كما في قوله تعالى { وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم – الأنعام 31 } وهذه المخلوقات جماداتها أنفسها وزروعها وكل مخلوقاتها تسبح لله تعالى كما في قوله عز وجل {تسبح له السماوات والأرض ومن فيهن – الإسراء 44 } وتسجد له هذه المخلوقات كلها بين السماوات والأرض قال تعالى { ولله يسجد من في السماوات وما في الأرض من دابة – النحل 49 } وهنا لله أي له تعالى أسلم من في السماوات والأرض كما في قوله تعالى { أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون – آل عمران 83 }.
وهنا يبين تعالى أن له عز وجل أن الله تعالى مما خلق الجوار المنشآت في البحر كالأعلام وهى تصلي وتسبح بحمد لله كما في قوله تعالى {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا – الإسراء 44} وقال تعالى أيضاً {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ – الحج 18 } من المسبحات المصليات هنا الفلك وهى الجواري في البحر كالأعلام قال تعالى { وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام } .
وأما :
(الجوار المنشآت في البحر)
[ وجرى : مر سريعاً ويقال جرت السفينة وجرى الماء يجري جرياً فهو جارٍ وهى جارية – معجم ألفاظ القرآن باب الجيم فصل الراء والياء ] . قال تعالى { إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون – البقرة 164} والفك تجري في البحر بريح طيبة قال تعالى فيها { هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين –يونس 22} وجري هذه الفلك بتسخير من الله تعالى للإنسان كما في قوله تعالى { ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض والفلك تجري في البحر بأمره ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه إن الله بالناس لرءوف رحيم – الحج 65 } وهذه نعمة منه تعالى قال فيها { ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمة الله ليريكم من آياته إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور – لقمان 31 } ويبين تعالى لنا آداب ركوب الفلك المسخرة بأمر الله لابد وأن تذكر الله تعالى عليها لمباركة سيرها بإذن الله قال تعالى { ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمة الله ليريكم من آياته إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور – لقمان 31 } .
وأما :
(المنشآت)
[ ونشأ : ارتفع ونشأ إلى عمله : قام ونهض إليه وهو من الإرتفاع – معجم ألفاظ القرآن باب النون فصل الشين والهمزة ] . قال تعالى الشجر ومنه تصنع الفلك قال تعالى { أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون – الواقعة 72 } وقال تعالى في نشأة الإناث { أومن ينشوء في الحلية وهو في الخصام غير مبين – الزخرف 18} والمنشآت هنا المصنوعة بشراعها والتي تمخر عباب البحر كالأعلام المشرعة .
قال تعالى { وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام } .
وأما :
(كالأعلام)
[ والأعلام : جمع علم وهو ما يعرف به الشيئ أو الشخص كعلم الطريق وعلم الجيش وسمى الجبل علم لذلك – معجم ألفاظ القرآن باب العين اللام فصل والميم ] . قال تعالى { وعلامات وبالنجم هم يهتدون – النحل 16} . وهذه الفلك هنا التي تجري في البحر كالأعلام جعلها الله تعالى آية من آياته كما في قوله تعالى { وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالأعْلامِ – الشورى 32 } .
ثم يقول تعالى لذلك :
- فبأي ألآء ربكما تكذبان (25)
ثم يقول تعالى :
- كل من عليها فان (26)
وهنا :
(كل)
ورد هذا اللفظ في قوله تعالى { كل شيئ هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون – القصص 88} أي أن الكمة تؤدي لنفس معنى الآية هنا { كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام –الرحمن 26-27} .
وأما :
(من عليها)
وهنا يقول تعالى { وإنا لجاعلون ما عليها صعيداً جرزا – الكهف 8 } فإذا نفخ في الصور فصعق من في السماوات والأرض ورثها الله تبارك وتعالى بعد فناء الخلائق قال تعالى { إنا نحن نرث الأرض و من عليها وإلينا يرجعون – مريم 40 } و هذا الميراث تعالى هنا قال تعالى فيه : { كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام الرحمن } .
وأما :
(فان)
[ من الحسي شجرة فنواء : ذهبت أفنائها في كل شيئ والفناء : ما امتد مع الدار من جوانبها ومع الذهاب والإمتداد يكون الإنقطاع والتبدد في قولهم فنى كعلم فناء فهو فان : ذهب وانقطع وأفناه أذهبه وقطعه وقد ورد منها إسم الفاعل ممرة في قوله تعالى { كل من عليها فان } – معجم ألفاظ القرآن باب الفاء فصل اانون والياء ] . وهذا من الألفاظ التي ليس لها مرادف من المتشابهات يبينه في كتاب الله .
ثم يقول تعالى
- ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرم (27)
ورد في تفاسير أهل البيت عليهم السلام في تفسير هذه الآية [ نحن وجه الله الذي يؤتى منه ]
[عن علي بن إبراهيم، قوله تعالى: { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ } قال: من على وجه الأرض { وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ } قال: دين ربك، وقال علي بن الحسين (عليهما السلام): “نحن الوجه الذي يؤتى الله منه”.
– حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن عبد السلام بن صالح الهروي، قال: قلت لعلي بن موسى الرضا (عليه السلام): يا بن رسول الله، فما معنى الخبر الذي رووه أن ثواب لا إله إلا الله النظر إلى وجه الله تعالى؟ فقال (عليه السلام) : “يا أبا الصلت، من وصف الله تعالى بوجه كالوجوه فقد كفر، و لكن وجه الله تعالى أنبياؤه و رسله و حججه (صلوات الله عليهم) هم الذين بهم يتوجه إلى الله عز و جل و إلى دينه و معرفته، و قال الله تعالى: { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ } و قال عز و جل : { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ – القصص 88} – تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني ] .
وفي تفاسير أخرى [وقوله : ( كل شيء هالك إلا وجهه ) : إخبار بأنه الدائم الباقي الحي القيوم ، الذي تموت الخلائق ولا يموت ، كما قال تعالى : ( كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام – الرخمن 26-27 ) ، فعبر بالوجه عن الذات – تفسير ابن كثير ] وهذا تجسيم وخطأ فاحش كما سنبين .
أي أن الله تعالى إذا أفنى العالم سيكون حزبه المؤمنون في مأمن من العذاب لقوله تعالى { ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون – الزمر 68 } وهنا سنبين أن تفسير القرآن بالقرآن أثبت صحة هذا التفسير من عدة وجوه أهمهاأن الله تعالى ليس كمثله شيئ وبالتالي ليس بجسم ليفنى جسده ويبقى وجهه عز وجل و { تعالى الله عما يشركون علواً كبيرا}
وهنا :
(ويبقى)
[ وبقى ضد فنى فهو باق وهم باقون وهى باقية وهن باقيات – معجم ألفاظ القرآن باب الباء فصل القاف والياء ] . قال تعالى { وأنه أهلك عاداً الأولى وثمود فما أبقى – النجم 51 } فإذا أفناهم الله عز وجل بقى وجهه عزوجل الذي يؤتى منه وهم حزبه المؤمنين من أنبياء ورسل وأهل بيت النبي عليهم السلام والمؤمنين قال تعالى في الوصية الإبراهيمية لأنبياء الله تعالى ثم أهل بيت النبي إلى يوم القيامة { وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون – الزخرف 28 } .
وباقية أي خالدة إلى يوم القيامة وهذه الكلمة هى الوصية التي قال تعالى فيها {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ – الشورى 13 } ولذلك قال نبي الله إبراهيم لذريته من الأنبياء { وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ – البقرة 132 } وهنا يتبين لنا أن معنى قوله تعالى هنا { ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} أي كل شيئ هالك إلا دين الإسلام والذين آمنوا به وأولهم الأنبياء والمرسلين وأهل بيت النبي عليهم السلام كما في روايات أهل البيت عليهم السلام . وهنا تكون بقية الله تعالى فيها الخير كما في قوله تعالى { بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين – هود 86 } [ قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله: (بقية الله خير لكم) ، ما أبقاه الله لكم ، بعد أن توفوا الناس حقوقهم بالمكيال والميزان بالقسط، فأحلّه لكم، خير لكم من الذي يبقى لكم ببخسكم الناس من حقوقهم بالمكيال والميزان ، (إن كنتم مؤمنين)، يقول: إن كنتم مصدّقين بوعد الله ووعيده ، وحلاله وحرامه.- تفسير الطبري ] .
وأما :
(وجه ربك)
وهنا لا يقول عاقل بأن الجسد يفنى ويبقى الوجه ولكن القرآن الكريم يحدد المعنى المقصود من الوجه حيث قال إخوة يوسف { اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ – يوسف 9 } والمعنى هنا أن نبي الله يعقوب أشرك في حب يوسف إخوته ويكون الوجه توحيد الوجهه وهذا هو الإسلام لقوله تعالى { ومن يسلم وجهه لله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى و إلى الله عاقبة الأمور – لقمان 22 } أي أنه من وحد وجهته لله تبارك وتعالى عاملاً بكتابه الكريم وسنة نبيه وولاية أهل بيته عليهم السلام فقد استمسك بالعروة الوثقى والعروة الوثقى الكفر بالطاغوت والإيمان بالله تعالى كما في قوله عز وجل {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ – البقرة 256 } وبالتالي الباقي بعد فناء الدنيا والذين هم في مأمن من العذاب هم المسلمون الذين كفرزا بالطاغوت وآمنوا بالله تعالى كما في الآية هنا { كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} ولذلك في الحديث [ .. إن مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها أمن ومن تخلف عنها هلك .. الحديث ] .
وأما :
(ربك)
وهذا اللفظ يبين تعالى من خلاله أنه لن ينجوا من عذاب الله تعالى إذا قامت القيامة غير المؤمنون بالله تعالى لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا قل انتظروا إنا منتظرون – الأنعام 158} . ولذلك قال تعالى هنا { ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام}
وأما :
(ذو)
وهنا ذو الجلال والإكرام هو ذو العرش سبحانه وتعالى الذي أرسل الرسل من فضله تعالى وكرمه على الخلق قال تعالى { رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق –غافر15} وذلك من فضل الله تعالى على المؤمنين قال تعالى { والله ذو فضل على المؤمنين آل عمران 152 } ويبين تعالى أن أكثر الناس لا يشكرون في قوله تعالى { وإن ربك لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون – النمل 73} ويبين تعالى أنه ذو رحمة واسعه ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين قال تعالى { فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين – الأنعام 147 } والله تعالى عزيز ذو انتقام كما في قوله تعالى { فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام – إبراهيم 37 } فإذا قامت القيامة أفنى الله تعالى كل الخلق ما إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات . قال تعالى { كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام – الرحمن} .
وأما :
(ذو)
وهنا ذو الجلال والإكرام هو ذو العرش سبحانه وتعالى الذي أرسل الرسل من فضله تعالى وكرمه على الخلق قال تعالى { رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق –غافر15} وذلك من فضل الله تعالى على المؤمنين قال تعالى { والله ذو فضل على المؤمنين آل عمران 152 } ويبين تعالى أن أكثر الناس لا يشكرون في قوله تعالى { وإن ربك لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون – النمل 73} ويبين تعالى أنه ذو رحمة واسعه ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين قال تعالى { فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين – الأنعام 147 } والله تعالى عزيز ذو انتقام كما في قوله تعالى { فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام – إبراهيم 37 } فإذا قامت القيامة أفنى الله تعالى كل الخلق ما إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات . قال تعالى { كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام – الرحمن} .
وأما :
(ذو الجلال والإكرام )
و [ الجلال : جل الشيئ يجل :بكسر الجيم جلالة : عظم : ومنه جل فلان في عيني أي عظم : وجل الله عظمته – معجم ألفاظ القرآن باب الجيم فصل اللام واللام ] .قال تعالى { تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام – الرحمن 78 }
وأما :
(والإكرام)
[ وكرمه : شرفه وأحسن معاملته – وأكرمه : سلك معه مسلك الكرم والجود – معجم ألفاظ القرآن بابالكاف فصل الراء والميم ] قال تعالى { وقال الذي اشتراه من مصر أكرمي مثواه – يوسف 21 }
والله تعالى هو الكريم رب العرش الكريم بخلقه قال تعالى { فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم – المؤمنون 116 } ومن كرمه تعالى أنزل كتاب كريم كما في قوله تعالى { إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون – الواقعة 77 } وهذا الكتاب الكريم نزل على رسول كريم قال تعالى فيه { إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين- التكوير } .
ويوم القيامة كل من عليها فان ويبقى المؤمنون الذين آمنوا بالله تعالى ورسوله ووتوله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام قال تعالى { كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذي الجلال والإكرام – الرحمن }
ثم يقول تعالى :
- فبأي ألآء ربكما تكذبان (28)
سبق أن بيناها من قبل
ثم يقول تعالى :
- يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29)
وهنا :
(يسأله)
وهنا يسأله من في السماوات والأرض أي كل يسأل مسألته وحاجته من الله تعالى فيجيبه لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب – الأحزاب 53 } وهنا يبين تعالى سؤال الخلائق ربهم تبارك وتعالى { يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ – الرحمن 29 } وهذا الشأن يرفع أقواماً ويخفض آخرين ويعطي هذا ويمنع ذاك ولا ينقص ذلك من ملكه تعالى شيئ إلا كما يغمس أحدكم المخيط في اليم [ قال رسول الله ﷺ: ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بم يرجع – رواه مسلم في كتاب الزهد والرقائق ] .
[ عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربِه عز وجل أنه قال : ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته ، فاستهدوني أهدكم ، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته ، فاستطعموني أُطعمكم ، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته ، فاستكسوني أكسكم ، يا عبادي إنكم تخطئون بالليلِ والنهار ، وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم ، يا عبادي إِنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجرِ قلب واحد منكم ما نقص من ملكي شيئا ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني ، فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر ، يا عِبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ) رواه مسلم .] .
ولورود لفظ سأل وأسألكم في قوله تعالى عن مودة أهل البيت عليهم السلام في قوله تعالى { قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى – الشورى } وبالتالي من كان له عند الله مسألة فليطع الله تعالى ورسوله و يتولى الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام ويسأله تعالى متوسلاً بهم .
وأما :
(من في السماوات والأرض)
وهنا يقول تعالى { ولله ما في السماوات وما في الأرض وإلى الله ترجع الأمور آل عمران 109} وبعد خلق السماوات والأرض في ستة أيام دبر أمرها كما في قوله تعالى {إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون – يونس 3} و في هذا التدبير تعرج الملائكة إليه سبحانه وتعالى في يوم كان مقدارة خمسين ألف سنة قال تعالى { يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون – السجدة 5 } وتدبير الأمر هنا يبين تعالى أنه يسأله عز وجل كل من في سماواته وخلقه وكل يوم هو في شأن قال تعالى هنا { يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } .
وأما :
(كل)
وهنا يقول تعالى { ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير – البقرة 106 } وقال تعالى { ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شيء قدير – البقرة 148} وقال تعالى { واتقوا الله واعلموا أن الله ب كل شيء عليم – البقرة 231 } . وقال تعالى { إن الله كان على كل شيء حسيبا – النساء 86 } وحيث أن الله تعالى عليم قدير حسيب على كل شيئ فإنه يعطي كل مخلوق مسألته . في قوله تعالى هنا { يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } .
وأما :
(يوم)
وهنا لابد وأن تعلم بأن الله تعالى ليس عنده زمن لأنه مخلوق ولا نعرف الأيام إلا من خلال الشمس والقمر الذين خلقهما تعالى مع خلق السماوات والأرض قال تعالى { إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين – التوبة 36 } ومعأول يوم من أيام الدنيا كان هو مالكها ومدبر أمرهل قال تعالى لذلك { قوله الحق وله الملك يوم ينفخ في الصور الأنعام 73} ومن هذا اليوم الأول من عمر الدنيا حتى اليوم الآخر منها و قال تعالى فيه { إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون – البقرة 62 } وفي الدنيا يعطي الله تعالى كل مخلوق مسألته كما في الآية هنا { يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن } .
وأما :
(هو في شأن)
[ الشأن : الحال والأمر ولا يقال إلا فيما يعظم من الأحوال والأمور – معجم ألفاظ القرآن باب الشين فصل الهمزة والنون ] قال تعالى{ لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه – عبس 37 } وهذا الشأن في الآخرة وفي الدنيا يقول تعالى مبيناً شهادته تعالى على خلقه بأنه قديراً عليما حسيباً بهم كما بينا لذلك قال تعالى { وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين – يونس 61 } وهذا الخلق كله علمناه أم لم نعلمه رأيناه أم لم نراه كل يسأل مسألته فلا تعييه كثيرة المسائل ولا يشغله شيئ عن شيء في الدنيا والآخرة قال تعالى هنا { يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن } .
ثم يقول تعالى عن هذه النعمة :
- فبأي ألآء ربكما تكذبان (30)
سبق أن بيناها من قبل
ثم يقول تعالى :
- سنفرغ لكم أيها الثقلان (31)
ورد في تفاسير أهل البيت عليهم السلام هنا تفسيراً خاطئاً لأن الآية فيها وعيد للثقلين هنا وهما الإنس والجن وليسأهل بيت النبي عليهم السلام كما في مرويات وضعت في غير مكانها وإن كانت حقيقية بأن القلين في مواضعأخرى من أحاديث النبي صلى الله عليه وىله عنى بهما القرآن والعترة الطاهرة ولكن ليس هنا مكان تلك الأحاديص ورد في تفسير البرهان : [ محمد بن العباس، قال: حدثنا الحسين بن أحمد، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن هارون ابن خارجة، عن يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله عز و جل: { سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ ٱلثَّقَلاَنِ } ، قال: “الثقلان: نحن و القرآن”… “- البرهان للسيد هاشم البحراني ] .
وهنا :
(سنفرغ لكم)
وعيد توعده الله تعالى بالعقاب وهنا محال أن يكون المقصود القرآن والعترة بهذا الوعيد وبالتالي المقصود به هنا إبليس وحزبه لأنه من المنظرين في قوله تعالى : { قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ قَالَ أَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ – الأعراف 12-15}
[ والفرغ : الأرض المجدبة وفرغ الدلو : خرقه الذي يأخذ الماء أي سعته والفريغ : العريض فالفراغ خلاف االشغل وفرغ كفتح ونصر وعلم فراغاً وفروغاً : خلا من الشغل والوصف فارغ وأفرغت الدلو : صببت ماءه ومنه قيل ( أفرغ علينا صبرا) – معجم ألفاظ القرآن باب الفاء فصل الراء والغين ] . قال تعالى { فإذا فرغت فانصب – الشرح 7 } فإذا دبر الله تعالى شأن الخلق وفقاً لتقدير الزمان الذي خلقه تعالى وجاء اليوم الآخر وانتهى عمر الدنيا هنا يكون الفراغ بانقضاء عمر الدنيا كما قال تعالى لإبليس لعنه الله { إنك من المنظرين} إذا جاء يوم الوقت المعلوم فقد فرغ زمن إمهاله تعالى له لذلك قال تعالى هنا عن اليوم الآخر والنفخ في الصور والقيامة { سنفرغ لكم أيها الثقلان} .
وأما :
(الثقلان)
[ الثقلان : الجن والإنس لأنهما كالحملين على الأرض أو لعظم شأنهما – معجم ألفاظ القرآن باب الثاء فصل القاف واللام ] . قال تعالى { وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس – النحل 7 } وقال تعالى في يوم القيامة أنه اليوم الثقيل { إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون ورائهم يوماً ثقيلاَ – الإنسان 27 } وهذا اليوم الثقيل لا ينفع فيه إلا العمل بالثقلين وهما القرآن والعترة النبوية الطاهرة لقوله تعالى { إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلا – المزمل 5} ويقول تعالى في هذا اليوم { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ – الأنبياء 47} ومن ثقلت موازينه فهو العامل بالقرآن والسنة وتولى عترة النبي الطاهرة عليهم السلام وفي هذا اليوم { فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون – المؤمنون 102 } .
ويبدأ هذا الحساب بانتهاء إنتظار إبليسإلى يوم الوقت المعلوم لذلك يقول تعالى عن الساعة { يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون – الأعراف 187} فإذا قامت القيامة فرغ الزمن من الإنتظال وإمهال إبليس وحزبه كما بينا .
ثم يقول تعالى :
- فبأي ألآء ربكما تكذبان (32)
والآية بيناها من قبل :
ثم يقول تعالى :
- يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ (33)
وهنا :
(يامعشر الجن والإنس)
- [ قال الراغب الأصفهاني العشرة هى العدد الكامل فصارت العشيرة إسماً لكل جماعة الرجل الذين يتكثر بهم وعاشره صار له كعشرة في المصاهرة – معجم ألفاظ القرآن باب العين فصل الشين والراء ] قال تعالى { وأنذر عشيرتك الأقربين – الشعراء 214} وعاشره كقوله تعالى { وعاشروهن بالمعروف – النساء 19 } والمعاشرة بين العشيرة الأقرب فالأبعد تجعلهم معشر قال تعالى فيه هنا { يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ – الرحمن 33 } . والخطاب الإلهي لكلا الجنسين من الجن والإنس بلفظ معشر لأنهما معاشرين لبعضهما البعض على سطح الأرض وكلاهما مكلف أمام الله تعالى ورسله لذلك سيقول تعالى لهما يوم القيامة { يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا ۚ قَالُوا شَهِدْنَا عَلَىٰ أَنفُسِنَا ۖ وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ الأنعام 130 }
وأما :
(الجن والإنس)
- وهنا يبين تعالى أن الإنس والجن كلاهما يعيش على الأرض في اجتنان للجن دون أن يراهم بني آدم كما في قوله تعالى { إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم – الأعراف 27 } وهنا يقول تعالى متحدياً الإنس والجن { قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (الإسراء 1- ألإسراء 88 } والتحدي هنا أيضاً لكلا النوعين من المخلوقات بأنهم لن يستطيعوا الصعود إلى السماء إلا بسلطان وهو أمر الله تعالى كما في قوله تعالى هنا { يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ } .
وهذا التحدي القرآني للثقلين هنا يؤكد بأنه في آخر الزمان إذا صعد الإنسان إلى سماء الدنيا الأولى بأنه سيكون هناك تعاون بينهما كشفته الآيات هنا في تحدي القرآن الكيم لهما والبشارة بأن هلاكهما في تدبيرهم إفساد معايش الخلق قبل اقتراب الساعة وإظهارهم للفساد والكفر والفسوق والعصيان وصرف الناس عن كتب الله السماوية والقيم هنا يكون هلاكهما معاً قبل يوم القيامة .
وأما :
(إن استطعتم)
[ واستطاع : استفعل من الطاعة والإستطاعة : الإطاقة إلا أن الإطاقة عامة في الإنسان وغيره – معجم ألفاظ القرآن باب الطاء فصل الواو والعين ] . قال تعالى { واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل – الأنفال 60 } والإستطاعة وردت في التحدي الإلهي للثقلين هنا في قوله تعالى هنا { يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان – الرحمن 33 } ولكي يكشف الله تعالى لهم ما سيصل إليه الثقلين من علم قبل قيام الساعة أنهما سيصعدان للسماء الأولى في ما يسمى طائرات وصواريخ ووسائل صعود للسماء أطلق عليها القرآن الكريم سلماً يصعدون به في السماء قال تعالى { وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين – الانعام 35 } والسلم الذي سيصعدون به إلأى السماء بين تعالى أنه جسم يدخل فيه الإنسان وليس عليه قال تعالى { أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ -الطور 38} ولاحظ هنا كلمة فيه والمفترض أن تكون عليه بما يشير إلى أنه جسم يدخل فيه الإنسان . وبهذا السلم الذي سيصعدون به إلى السماء سيزالون يقاتلون به المسلمين إلى أن يشاء الله تعالى لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون – البقرة 217 } .
وهذا السلم الذي يستمعون فيه أي بداخلة طلب منهم سبحانة وتعالى بأن يأتوا بسلطان مبين أي كما أنزل الله قرآنا فيه كلام الله وهو الحق وفيه نبوءات عن الخلق وأنهم بأمر الله سيصعدون لغلاف السماء الأولى في الحياة الدنيا فهل يقدرون على أن يأتوا بتلك المعارج أ هذا السلم بكتاب من عند الله كما أنزل الله تعالى الكتب على المرسلين وخاتمهم سيد الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وآله .
وأما :
(أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا)
[ ونفذ الشيئ ينفذ نفوذاَ ونفاذاً : خلص وجاز : تقول نفذ السهم من الرمية : خرقها وجازها وخلص منها ويقال أنفذ من البلد جاره وخرج منه – معجم ألفاظ القرآن باب النون فصل الفاء والذال ] .
قال تعالى { يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان – الرحمن 33 } .
وأما :
(من أقطار)
[ وأقطار : جمع قطر وهو الناحية – معجم ألفاظ القرآن باب القاف فصل الطاء والراء ] .
{ وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا – الأحزاب 14 } (أقطارها أي بلدانها ونواحيها) وهذا يعني أن قوله تعالى هنا قال تعالى { يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان – الرحمن 33 } .
وأما :
(السماوات والأرض)
وهنا :
يبين تعالى أنه من نعمه عز وجل إمساك السماء والأرض من الزوال قال تعالى { إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا – فاطر 41} .
وهذه السماوات بين تعالى أنها سبعاً قال تعالى فيها { أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا لِّتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا – نوح 15-20 } وهذه السماوات السبع جعلها الله تعالى طباقا كما في قوله تعالى{ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِن تَفَاوُتٍ ۖ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ الملك 3 } ويبين تعالى أن الإنسان سيصعد الطبقة الأولى من هذه الطباق السبعة كما في قوله تعالى { لتركبن طبقاً عن طبق فمالهم لا يؤمنون وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون – الإنشقاق 19-21} .
وهذا السلطان هنا ليس سلطان العلم الحديث بل هو سطان الله وأمره بأنه قال هذا سيحدث في كتابه الكريم في قوله تعالى صراحة { وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون – الرعد 14-15} وهذا هو السلطان الذي قال تعالى فيه هنا { يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان – الرحمن 33 } . وهذا السلطان أمر الله تعالى بمنع نفاذ الإنس والجن إلى ما بعد قشرة السماء الأولى قال تعالى : { إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ لَّا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَىٰ وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ دُحُورًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَا ۚ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لَّازِبٍ بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ وَقَالُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَٰذَا يَوْمُ الدِّينِ هَٰذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْجَحِيمِ وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ الصافات 6-24} .
وإذا كان الجن قال لنبي الله سليمان { أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك – النمل} وهذا في رحلة بين صنعاء والشام في وقت بين صلاتي الظهر والعصر مثلاً أو بين وقت صلاتين وهو بالضبط سرعة طائرة مدنية في زماننا هذا وهذه السرعة وصل إليها عالم الجان قبل الإنسان بحوالي مايقارب ال3000 عام وفي ذلك إثبات أن ما نراه من أطباق طائرة ذات سرعات وقوة خارقة علم وصل إليه الجان قبل الإنسان وهنا يتبين لنا فراق علمي بين الإنس والجن حوالي ما يقارب الثلاثة آلاف سنة وقد يصل إليها الإنسان قبل يوم القيامة بتواصل بينهما نبأ به القرآن الكريم لأن قوله تعالى { ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا} ليس ظهور ليرى كلا منهما بالعين لأن الظهور في القرآن الكريم نصرة وعلو شأن كما في قول مؤمن فرعون { ياقوم لكم الملك اليوم ظاهرين – غافر 29} وكان ظهورهم بسحر تفوقوا به على العالم بدعم بين الإنس والجان .
وأما :
(لا تنفذون إلا بسلطان)
السلطان حكم قال تعالى فيه { هلك عني سلطانيه – الحاقة } وحكم الله تعالى قال تعالى فيه { قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ قَالُوا إِنْ أَنتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ – إبراهيم 10 } . والسلطان أمر نزل في كتاب الله لقوله تعالى { أم لهم سلم يستمعون فيه فليأت مستمعهم بسلطان مبين – الطور 38}
ثم يقول تعالى :
(34) فبأي ألآء ربكما تكذبان (34)
سبق أن بيناها من قبل :
ثم يقول تعالى :
- يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران (35)
وهنا :
(يرسل)
وهنا يبين تعالى أن الشواظ من النار ونزول العذاب من الله تعالى موكول به ملائكة كما في قوله تعالى في هلاك قوم لوط مثلاً { إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين – الحجر 58 } أو خلقاً من خلقة وكل الخلق جنوداً لله تعالى كما قال { ولله جنود السماوات والأرض } و عن هذه الجنود هنا الطير الأبابيل التي أهلكت أصحاب الفيل قال تعالى { وأرسل عليهم طيراً أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل – الفيل } وقال تعالى في العذاب الذي ينزل من السماء على من بدلوا دينهم وكذبوا على رسول الله صلى الله عليه وآله { فبدل الذين ظلموا منهم قولا غير الذي قيل لهم فأرسلنا عليهم رجزا من السماء بما كانوا يظلمون – الأعراف 162 } . وقال تعالى في شتى أنواع العذاب الذي نزل في الأمم من قبل {وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ ۖ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ ۖ وَلَقَدْ جَاءَهُم مُّوسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ – العنكبوت 36-40}
وبالتالي في السماء وفي الأفلاك جنود لله تعالى موكولة بأمر الله بأن ترسل على من يحاول النفاذ عذاباً منه تعالى عبارة عن شواظ من نار ونحاس قال تعالى هنا { يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران – الرحمن 35} . وهنا تحذير للخلق من أن يعصوا الله تعالى فيتحول مايعصون الله عليه وبه إلى آلة عذاب ضدهم بأمر من الله تعالى وتحولها كجندي من جنود الله تعالى حتى من عاون ظالماً على ظلمه فبإذن الله يتحول من هم معه ضده بإذن الله فمن عاون ظالماً على ظلمه سلطه الله عليه ومن هنا يقول صلى الله عليه وآله [ إحرص على الصدق وإن رأيت فيه الهلكة فإن فيه النجاة … ] وذلك لأن الله تعالى أمر المخلوقات بدعم الصادقين والتسلط كجنود عذاب على الكاذبين والظلمة والمجرمين . وكذلك الحديث
[قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من التمس رضى الله بسخط الناس رضى الله عنه وأرضى الناس ومن التمس رضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس – رواه ابن حبان في صحيحه ] . وهنا أيضاً الرضا والسخط جنود من جنود الله تعالى على حسب أعمال العباد وإخلاصهم لله تعالى تكون مع أو ضد الشخص . كذلك هنا في السماء مخلوقات وجنود تتسلط إذا جاوز الثقلين حدود السماء الأولى التي بين تعالى أنهم سيصعدون إليها بسلطان إلهي نبأنا به قبل أن يتمكنوا منه بأكثر من ربعمائة وألف سنة .
وأما :
( يرسل عليكما)
وهما معشر الجن والإنس هنا الذي قال تعالى فيهما { يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين –الأنعام 130 } وقال تعالى فيهما أيضاً { يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران – الرحمن 33-34 } .
وأما :
(شواظ)
[ شواظ جمع شوظ بضم الشين وكسرها وهو القطعة من اللهب ليس فيها دخان – معجم ألفاظ القرآن باب الشين فصل الواو والظاء ] قال تعالى { يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران – الرحمن 33-34 } . وحيث أن اللهب هن ابغير دخان دليل على انعدام الهواء الذي يساعد على الإشتعال فيجعل النار مختلط بها دخان .
وأما :
(من نار)
ولفظ النار ورد في قوله تعالى { عليهم نار مؤصدة في عمد ممده – البلد 20-21} أي يرسل عليهم نار ممدة كالإعصار ولكنه إعصار محدد الوجهة نحو من حاول اختراق السماء لورود هذا اللفظ في قووله تعالى { فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون – البقرة 266}
وهذه النار اممدة أطلق عليها القرآن الكيم هنا { شواظ من نار ونحاس } .
وأما :
(ونحاس)
[ والنحاس : الفلز المعروف وتصنع منه الآنية والقدور – معجم ألفاظ القرآن باب النون فصل الحاء والسين ] وهذا اللفظ ليس له مرادف في كتاب الله تعالى قال تعالى هنا { من نار ونحاس فلا تنتصران} وهذا الفلذ من خواصة سرعة السخونة لدرجة الإحمرار لذلك يستخدم في أغراض القذائف العسكرية .
وأما :
(فلا تنتصران)
والنصر في كتاب الله يعني الثبات على الأمر وهو بداية الغلبة لقوله تعالى في فرار رسول الله صلى الله عليه وآله بدينه وثباته على الأمر انتصال قال تعالى فيه { إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثانى اثنين – التوبة } ومن هنا بين تعالى أن هذا الثبات أول طريق النصر والغلبة قال تعالى { ونصرناهم فكانوا هم الغالبين – الصافات 116} وبالتالي المعنى هنا { فلا تنتصران} أي لن يثبتوا على إكما طريقهم نحوا اختراق السماء وبالتالي سيفشلون بسبب النار و قذائف النحاس المشتعل التي ترسل عليهم قا تعالى { يرسل عليكم شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران } .
ثم يقول تعالى عن حفظه السماء من الزوال والشياطين هنا :
- فبأي ألآء ربكما تكذبان(36)
سبق أن بيناها من قبل :
ثم يقول تعالى :
- فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان (37)
وهنا :
(فإذا انشقت السماء)
وانشقاق السماء يوم القيامة هو المرحلة الخامسة سبع مراحل تنتهي بتبدل الأرض غير الأرض والسماوات وهذه المراحل كما يلي :
المرحلة الأولى :
تحول السماء إلأى رصاص منصهر أو نحاس مذاب أو فضة أو حديد أو خليط من المواد والمعادن التي صنع منها الكواكب والسماوات قال تعالى { يوم تكون السماء كالمهل – المعارج 8 } .
المرحلة الثانية :
انفطار السماء كفرجة بسيطة تبدأ في الإتساع مع بداية تشققها لقوله تعالى { إذا السماء انفطرت – الإنفطار 1} أي انفطرت و تشققت .
المرحلة الثالثة :
تشققها بما هو أوسع أي تنفرج كما في قوله تعالى { إذا السماء انشقت – الإنشقاق 1} فإذا انشقت أصبحت حمراء كوردة الدهان قال تعالى { فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان –الرحمن } وهنا تصبح واهية { وانشقت السماء فهي يومئذ واهية – الحاقة 16 } أي [ وانصدعت السماء, فهي يومئذ ضعيفة مسترخية, لا تماسُك فيها ولا صلابة – التفسير الميسر ] .
المرحلة الرابعة :
انفراج السماء وزيادة التشققات فيها واتساعها إلى فرجات أكبر لقوله تعالى { إذا السماء فرجت – المرسلات 9 } .
المرحلة الخامسة :
ذوبان مكونات السماء وتحولها لمادة سائلة تبدأ في الحركة والإضطراب قال تعالى { يوم تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا – الطور 9-10} .
المرحلة الساسة :
كشط السماء ومحوها كما في قوله تعالى { إذا السماء كشطت – التكوير 11 } .
المرحلة السابعة :
تبدل السماء بسماء أخرى وأرضاً جديده قال تعالى { يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزو لله الواحد القهار – إبراهيم 48 }
وأما :
(فكانت)
وهنا إذا قال تعالى عن احمرار السماء حتى تصبح وردة كالدهان في قوله تعالى { فكانت وردة كالدهان } وهذه مرحلة مقبل انشقاقها وفتح الأبواب فيها لقوله تعالى { وفتحت السماء فكانت أبوابا – النبأ 19 } .
وأما :
(وردة )
[ ووردة وصف كما في ألاية أو المراد منها وردة على وده التشبيه أو ورود الماء ونحوه : جعله يرده – معجم ألفاظ القرآن باب الواو فصل الراء والدال ] . وهناإذا كانت على سبيل التشبيه فهى كما قال تعالى هنا { فكانت وردة كالدهان – الرحمن } وإذا كان المقصود من اللفظ ورود كما في قوله تعالى عن فرعون { يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود – هود 98 } أي فتحت ليرد إلى جهنم من خلالها أهل النار ومن تقلد بفرعون لعنه الله .
ورد في التفسير الميسر : [ فإذا انشقت السماء وتفطرت يوم القيامة ، فكانت حمراء كلون الورد، وكالزيت المغلي والرصاص المذاب؛ من شدة الأمر وهول يوم القيامة – التفسير الميسر ] .
وفي اللغة : [﴿ فَكَانَتْ وَرْدَةً كالدِّهَان- الرحمن 37﴾ السماء محمرة إحمرار الأديم الأحمرفكانت وردة﴿٣٧ الرحمن﴾ كالوردة في الحمرةوردة﴿٣٧ الرحمن﴾ وردة: كالوردة. أو كالفرس الوردة لوناً لتغير حمرة الفرس حسن الفصول بين الفاتح و الداكن.ورد الورود أصله: قصد الماء، ثم يستعمل في غيره. يقال: وردت الماء أرد ورودا، فأنا وارد، والماء مورود، وقد أوردت الإبل الماء. قال تعالى: ﴿ولما ورد ماء مدين –القصص 23﴾ والورد: الماء المرشح للورود، والورد: خلاف الصدر، والورد: يوم الحمى إذا وردت، واستعمل في النار على سبيل الفظاعة. قال تعالى: ﴿فأوردهم النار وبئس الورد المورود – هود 98 ﴾ ﴿إلى جهنم وردا – مريم 86 ﴾ ﴿أنتم لها واردون – الأنبياء 98 ﴾ ﴿ما وردوها – الأنبياء 99﴾ والوارد: الذي يتقدم القوم فيسقي لهم. قال تعالى: ﴿فأرسلوا واردهم – يوسف 19 ﴾ أي: ساقيهم من الماء المورود، ويقال لكل من يرد الماء وارد، وقوله تعالى: ﴿وإن منكم إلا واردها –مريم 71﴾ فقد قيل منه: وردت ماء كذا: إذا حضرته؛ وإن لم تشرع فيه، وقيل: بل يقتضي ذلك الشروع ولكن من كان من أولياء الله والصالحين لا يؤثر فيهم بل يكون حاله فيها كحال إبراهيم عليه السلام حيث قال: ﴿قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم – الأنبياء 69 ﴾ والكلام في هذا الفصل إنما هو لغير هذا النحو الذي نحن بصصده الآن. ويعبر عن المحموم بالمورود، وعن إتيان الحمى بالورد، وشعر وارد: قد ورد العجز أو المتن، والوريد: عرق يتصل بالكبد والقلب، وفيه مجاري الدم والروح. قال تعالى: ﴿ونحن أقرب إليه من حبل الوريد –ق 16 ﴾ أي: من روحه. والورد: قيل: هو من الوارد، وهو الذي يتقدم إلى الماء، وتسميته بذلك بكونه أول ما يرد من ثمار السنة، ويقال لنور كل شجر: ورد، ويقال: ورد الشجر: خرج نوره، وشبه به لون الفرس، فقيل: فرس ورد، وقيل: في صفة السماء إذا احمرت احمرارا كالورد أمارة للقيامة. قال تعالى: ﴿فكانت وردة كالدهان – الرحمن 37 ﴾ .
وأما :
(كالدهان)
[ الدهان : الأديم الأحمر أو ما يدهن به والجمع دُهن – معجم ألفاظ القرآن باب الدال فصل الهاء والنون ] قال تعالى فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان – الرحمن 37 } وهذا الدهان منه الزيت لقوله تعالى في شجرة الزيتون { وشجرة تخرج من طور سيناء بالدهن وصبغ للآكلين – المؤمنون 20 } بالتالي يكون المعنى أن يصبح لونها كالزيت الأحمر .
ثم يقول تعالى :
- فبأي ألآء ربكما تكذبان (38)
سبق بيان الآية :
ثم يقول تعالى :
(39)فيومئذٍ لايُسئل عن ذنبه إنس ولا جان (39)
وهنا :
(فيومئذٍ)
أي أنه يقول تعالى إذا قامت القيامة ووقعت الواقعة كما في قوله تعالى { فيومئذ وقعت الواقعة – الواقعة 15 } وفي هذا اليوم لا تملك نفس لنفس شيئاً كما في قوله تعالى { يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله – الانفطار 19 } وفي ذلك اليوم لاينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا تستعتبون قال تعالى { فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون – الروم 57 } وبالتالي لا يسأل عن ذنبه أحداً غيره قال تعالى { فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان – الرحمن 39} وذلك لأنه يقول تعالى { كل نفس بما كسبت رهينة – المدثر } .
وأما :
(لا يسأل )
وهنا مادام يوجد سؤال يبين تعالى أن الجميع سيسأل كما في قوله تعالى {فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين – الأعراف 6 } وثم يبين تعالى أنه سيأمر بتوقيف المجرمين للسؤال قال تعالى { وقفوهم إنهم مسؤولون – الصافات 24 } و لن يسأل أحد على جريمة غيره قال تعالى { قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون – سبأ25 } .
وأما :
(عن ذنبه)
أي أنه يقول تعالى { ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون – القصص 78 } أي لا يسأل عن أعمالهم أحد لأنهم يعرفون بأعمالهم وسيماهم قال تعالى هنا {فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلَا جَانٌّ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ – الرحمن 39-41} .
وأما :
(إنس ولا جان)
وهنا يقول تعالى { وماخلقت الجن والإنس إلا ليعبدون – الذاريات 56 } وهم مسؤولون يوم القيامة عن أعمالهم لذلك سيقول لهم الله تعالى يوم القيامة { يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين – الأنعام 130} وبالتالي في هذا اليوم لا يسأل أحد عن ذنب غيره كما في الآية هنا { فيومئذٍ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان – الرحمن 39 } .
ثم يقول تعالى :
- فبأي ألآء ربكما تكذبان (40)
سبق أن بينا الآية من قبل :
- يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ (41)
وهنا :
(المجرمون)
{ وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين – الأنعام 55} وهنا يبين تعالى أن المجرمين هم الخارجين على أحكام الإسلام وتركوا العمل بالشريعة الإسلامية لذلك قال تعالى { أفنجعل المسلمين كالمجرمين – القلم 35 } ولذلك قال تعالى في الأمم التي خرجت على أنبيائها وكفرت بالله تعالى ورسله من قبل أنهم مجرمون قال تعالى في قوم عاد { تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين – الأحقاف 25}و قال تعالى { قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين – النمل 69 } .
وفي أمتنا الإسلامية من ترك العمل بكتاب الله فهو مجرم قال تعالى { ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون – السجدة 22 } والمترفين في كتاب الله مجرمين لقولهه تعالى { واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين – هود 116 } وهنا اتباعهم ما اترفوا فيه كان بتركهم العمل بما انزل الله فأصبحو مجرمين قال تعالى فيهم { إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون – الزخرف 74 }
وهؤلاء المجرمين هنا بين تعالى أنهم يعرفون بسيماهم في قوله تعالى { يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام } .
وأما :
(يعرف المجرمون بسيماهم)
والمعرفة بسيماهم [ وسوم الشيئ تسويماً : جعل عليه علامة فهو مسوم وهم مسومون والشيئ مسوم وهى مسومة – معجم ألفاظ القرآن باب السين فصل الواو والميم ] . { لنرسل عليهم حجارة من طين مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد – هود 82-83} وفي الدنيا المؤمنبم لهم سمة يعرفون بها وقال تعالى { سيماهم في وجوههم من أثر السجود – الفتح 29 } والفقراء منهم يعرفون بسيماهم كما في قوله تعالى{ للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم – البقرة 273} والمجرمون قال تعالى فيهم { ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول – محمد 30 } وفي الآخرة على الصور بين الجنة والنار أهل بيت النبي (عليهم السلام) الذين يعرفون أهل الجنة ممن تولوهم في الدنيا وأهل النار ممن حاربهم كلا بسيماهم قال تعالى { وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ ۚ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ ۚ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ۚ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُم بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَىٰ عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ أَهَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ۚ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُون وَنَادَىٰ أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ ۚ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۚ فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَٰذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ – الأعراف46-51 } . وهنا [عن ابن عباس قال : يعني بالأعراف السور الذي ذكر الله في القرآن ، وهو بين الجنة والنار– تفسير الدر المنثور للسيوطي ] .
[عن مقرن، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: ” جاء ابن الكواء إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: يا أمير المؤمنين، { وَعَلَى ٱلأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ }؟ فقال: نحن على الأعراف، و نحن نعرف أنصارنا بسيماهم، و نحن الأعراف الذين لا يعرف الله عز و جل إلا بسبيل معرفتنا، و نحن الأعراف يوقفنا الله عز و جل يوم القيامة على الصراط ، فلا يدخل الجنة إلا من عرفنا و عرفناه، و لا يدخل النار إلا من أنكرنا و أنكرناه.إن الله تبارك و تعالى لو شاء لعرف الناس نفسه حتى يعرفوا حده، و يأتوه من بابه و لكن جعلنا أبوابه و صراطه و سبيله، و بابه الذي يؤتى منه، فمن عدل عن ولايتنا أو فضل علينا غيرنا، فهم عن الصراط لناكبون، فلا سواء من اعتصم الناس به، و لا سواء حيث ذهب الناس إلى عيون كدرة، يفرغ بعضها في بعض، و ذهب من ذهب إلينا إلى عيون صافية تجري بأمر ربها، لا نفاد لها، و لا انقطاع “.- تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني ]
وهنا يبين تعالى أنهم إذا عرفوا أخذتهم ملائكة العذاب بالنواصي والأقدام قال تعالى { يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام }
وأما :
(فيؤخذ)
أي أنه يقول تعالى عن هؤلاء يوم القيامة يقول فيهم { خُذُوهُ فَغُلُّوهُ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ– الحاقة 30-34} وذلك بعد أن يعرفهم الشهود من الأنبياء والمرسلين و الأئمة قال تعالى { يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام } .
وأما :
(بالنواصي)
[ ونواصي : جمع ناصية وهو ما يبرز من الشعر في مقدم الرأس يكون في حذاء الرأس – معجم ألفاظ القرآن باب النون فصل الصاد والواو ] قال تعالى { أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَىٰ عَبْدًا إِذَا صَلَّىٰ أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَىٰ أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَىٰ أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَىٰ كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ – العلق 9-18 } وهؤلاء هم المجرمون هنا كما في الآية { يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام } .
وأما :
(والأقدام)
[ القدم : ما يطأ الأرض من الرجل وجمعه أقدام – معجم ألفاظ القرآنباب القاف فصل الدال والميم ] قال تعالى { وقال الذين كفروا ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين- فصلت 29} وهنا يؤخذ المجرمون بالنواصي والأقدام ثم يقذفون في جهنم قال تعالى{ يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام } . .
ثم يقول تعالى :
(42)فبأي ألآء ربكما تكذبان (42)
تم بيان هذه الآية من قبل :
ثم يقول تعالى :
- هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون (43)
وهنا :
(هذه جهنم)
أي أنه يقول تعالى { هذه جهنم التي كنتم توعدون- يس 63 } و جهنم هذه كان يكذب بها المجرمون في الدنيا ولم يعملوا في طاعة الله لهذا اليوم لذلك يقال لهم هنا { هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون – الرحمن 43 } .
وأما :
(التي )
هنا يبين تعالى أنه حذرهم عز وجل في الدنيا من نار وقودها الناس والحجارة قال تعالى { فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين – البقرة 24 } وقد حذرهم الله تعالى من الكفر به تعالى و هذا سبب دخولهم النار قال تعالى { واتقوا النار التي أعدت للكافرين – آل عمران 131 } .
وأما :
(يكذب بها)
وهنا يكذب بها المجرمين أي أنهم تركوا الحق المنزل عليهم في كتاب ربهم والعمل به قال تعالى { فقد كذبوا بالحق لما جائهم فسوف يأتيهم أنباء ماكانوا به يستهزءون – الأنعام 5} ومما كذبوا به في كتاب الله وعده ووعيده لمن كفر به تعالى وخرج على ولايته الحق .
وأما :
(المجرمون)
وهؤلاء المجرمون هم الذين عرفناهم من قبل في قوله تعالى { يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام } . وهؤلاء هم الذين عبدوا إبليس أي أطاعوه من دون الله تعالى لذلك يقال لهم يوم القيامة { وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي ۚ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا ۖ أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ – يس 59 -62 } .
ثم تعالى :
- يطوفون بينها وبين حميم آن (44)
وهنا :
(يطوفون)
ويطوف [ طاف بالشيئ : دار حوله – معجم ألفاظ القرآن باب الطاء فصل الواو والفاء ] قال تعالى { وليطوفوا بالبيت العتيق- الحج 29 } وطواف أهل النار هنا بين جهنم و ماء الحميم قال تعالى { يطوفون بينها وبين حميم آن – الرحمن 44} .
وأما :
(بينها وبين)
هنا يبين تعالى موقف هؤلاء المجرمين عند المحاكمة يوم القيامة ورؤيتهم لأعمالهم مجسمة أمامهم وذنوب ومعاصي وآثام كالجبال هنا يودوا لو أنه بينهم وبينها وبين المحاكمة أمداً بعيدا قال تعالى { يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رءوف بالعباد – آل عمران 30 } وبعد الفراغ من محاكمتهم يدخلون النار فيطوفون بين جهنم والحميم كما في قوله تعالى هنا { يطوفون بينها وبين حميم آن – الرحمن 44 }
وأما :
(وبين)
وهنا يبين تعالى وقائع محاكمتهم والله تعالى شهيد عليهم لقوله تعالى { فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين – يونس 29 } ويكون شاهداً على محاكمتهم رسول الله صلى الله عليه وآله والأئمة من أعل البيت عليهم السلام وأولهم أمير المؤمنين علي عليه السلام لقوله تعالى { ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب – الرعد 43 } ويكون بينهما حجاب وهم على الأعراف كما في قوله تعالى { وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم – الأعراف } ويكون في هذه المحاكمة قرناء السوء الذين كانوا يدفعون الناس نحو الكفر والفسوق والعصيان وسفك الدماء فيقولون لقرنائهم ياليت بيني وبينك بعد المشرقين قال تعالى { حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين – الزخرف 38 } وبعد المحاكمة يدخلون جهنم ليطوفوا بينها وبين الحميم الآن كما في قوله تعالى هنا { يطوفون بينها وبين حميم آن } .
وأما :
(حميم)
[ الحميم : الماء الشديد الحراراة – معجم ألفاظ القرآن باب الحاء فصل الميم والميم ] قال تعالى { والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون – يونس 4 } وهذا الحميم قال تعالى فيه {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الْأَثِيمِ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَىٰ سَوَاءِ الْجَحِيمِ ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ إِنَّ هَٰذَا مَا كُنتُم بِهِ تَمْتَرُونَالدخان 43-50 } وهنا فإذا ذاقه ذاق من العذاب ما لله أعلم به فيطوف بين جهنم والحميم والعياذ بالله .
وأما :
(آن)
[ وآنى الحميم يأنى : بلغ نهايته في شدة الحر وهو آن ومؤنثه آنية – معجم ألفاظ القرآن باب الهمزة فصل النون والياء ] .قال تعالى { تصلى ناراً حامية تسقى من عين آنية – الغاشية } وبين هذه العين وجهنم يطون طواف هؤلاء المجرمين بعد محاكمتهم يوم القيامة كما في قوله تعالى هنا { يطوفون بينها وبين حميم آن – الرحمن } .
ثم يقول تعالى :
- فبأي ألآء ربكما تكذبان (45)
وهذه الآية سبق بيانها بما يغني عن تكرارها : ولكنه هنا يعني بأي نعم الله تعالى وألآءه تكفرون وقد وعد الله تعالى المجرمين عذابا في الدنيا و الآخرة كذبوا به فينزل بهم برحمة من الله تعالى على المؤمنين في الدنيا والآخرة ليعلموا أن لهم رباً ناصراً قادراً مقتدراً سبحانه وتعالى .
ثم يقول تعالى :
- ولمن خاف مقام ربه جنتان (46)
وهذه الآية يبينها قوله تعالى { وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هى المأوى – النازعات 41 -42} وهنا يبين تعالى أن من خاف مقام ربه فله جنتان قال تعالى { ولمن خاف مقام ربه جنتان} .
وأما :
(جنتان)
قال تعالى هنا في الجنتان { لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ۖ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ ۖ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ ۚ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ – سبأ 15 } أي أن هاتان الجنتان إحداهما عن أيمانهم والثانية عن شمائلهم وما يجنى من ثمارهما دانية منهم كأنهم محاطون بالفواكه من اليمين والشمال لقوله تعالى هنا : {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ذَوَاتَا أَفْنَانٍ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ ۚ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ – الرحمن46-54} وهذه الجنان لمن خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى كما بينا .
ثم يقول تعالى :
- فبأي ألآء ربكما تكذبان (47)
سبق بيان هذه الآية :
ثم يقول تعالى :
- فيهما عينان تجريان (48)
وهنا :
(فيهما)
وهنا يبين تعالى أن هاتان الجنتان فيهما كما قال تعالى { فيهما فاكهة ونخل ورمان – الرحمن 68 } وفيهما فاكهة زوجان أي الشيئ وضده في قوله تعالى { فيهما من كل فاكهة زوجان – االرحمن 52 }
زهذه الجنان تسقى بعين جارية قال تعالى فيها { فيهما عينان تجريان – الرحمن 50 } وهذه العين نضاخة كما في قوله تعالى { فيهما عينان نضاختان – الرحمن 66 } أي [ ونضخت عين الماء تنضخ نضخاً : فار ماؤها وارتفع من أسفل إلى أعلى وجاش والعين ناضخة ويقال في الممبالغة عين نضاخة – معجم ألفاظ القرآن بابالنون فصل الضاد والخاء ] .
وأما :
(تجريان)
أي أن كل عين جارية كما في قوله تعالى { فيها عين جارية – الغاشية 12} أي ان العينان جاريان كما في الآية هنا { ففيهما عينان تجريان } .[ أي : تسرحان لسقي تلك الأشجار والأغصان فتثمر من جميع الألوان – الطبري ]
ثم يقول تعالى :
(51) فباي ألآء ربكما تكذبان (51)
سبق بيان هذه الآية من قبل بما يغني عن تكراره .
ثم يقول تعالى :
(52) فيهما من كل فاكهة زوجان (52)
وهنا :
(فيهما)
أي أنه يقول تعالى { ولمن خاف مقام ربه جنتان فبأي ألآء ربكما تكذبان فيهما عينان تجريان – الرحمن } وهاتان الجنتان هنا فيهما من كل فاكهة زوجان كما في قوله تعالى {فيهما من كل فاكهة زوجان – الرحمن 52 }
وأما :
(من كل)
وهنا يقول تعالى { أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون – البقرة 266 } وهنا من كل الثمرات أي كما قال تعالى { فيهما من كل فاكهة زوحان – الرحمن 52 } . والملائكة تدخل عليهم هم وآباؤهم وأزواجهم وذرياتهم من كل باب قال تعالى { جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار – الرعد 23-24 } .
وأما :
(فاكهة)
هنا يقول تعالى { متكئين فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب – ص 51 } وهذه الفاكهة لا مقطوعة ولا ممنوعة لأصحاب اليمين وهم قلة من الأولين وقلة من الآخرين قال تعالى { وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ وَمَاءٍ مَّسْكُوبٍ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا عُرُبًا أَتْرَابًا لِّأَصْحَابِ الْيَمِينِ ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِّنَ الْآخِرِينَ – الواقعة 27-40 }
وأما :
(زوجان)
وزوجان الشيئ ونقيضه أو ضده قال تعالى { ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون – الذاريات 49 } وهذه الأزواج من الفاكهة والثمار قال تعالى فيها { وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون – الرعد 3 } وكذلك في الجنة هنا فيها من كل الثمرات زوجين أي الشيئ وضده في الألوان والأشكال والطعم ولا يعرف منها إلا الإسم فقط كما في قول ابن عباس [عن ابنِ عبَّاسٍ رضيَ الله عنهُما قال : ليسَ في الجنَّةِ شيءٌ مِمَّا في الدُّنيا إلَّا الأسماءُ . – الجامع الصغير للسيوطي ] .
[ أي: ليس في الجنة شيء مما في الدنيا إلا الأسماء، وإنما ذكر لنا بتلك الأسماء التي نعرف من باب التقريب للأذهان ، وإلا فإن في الجنة من النعيم المقيم الأبدي ما لا يمكن وصفه ، ولا يمكن لعقولنا أن تتخيله ولا للغة التخاطب عندنا أن تعبر عنه.. قال الصنعاني في التنوير شرح الجامع الصغير : ليس في الجنة شيء مما في الدنيا ـ من الطيبات: إلا الأسماء ـ وإلا، فالذوات غير الذوات، واللذات غير اللذات. – التنوير للصنعاني ] .
ثم يقول تعالى :
(53) فبأي ألآء ربكما تكذبان (53)
سبق بيانها من قبل :
(54) متكئين على فرش بطائنها من إستبرق وجنى الجنتين دان (54)
وهنا :
(متكئين)
[ واتكأ على الشيئ اعتمد عليه واستند إليه – معجم ألفاظ القرآن باب الواو فصل الكاف والهمزة ] قال تعالى { وسرر عليها يتكئون – الزخرف 34} والإتكاء في الجنة على الأرائك كما في قوله تعالى { متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا – الإنسان 13 } . وهذه الفرش هنا بطائنها من غستبرق قال تعالى { متكئين على فرش بطائنها من إستبرق وجنى الجنتين دان – الرحمن 53 } .
وأما :
(على فرش)
[ والفرش الفضاء الواسع من الأرض وفرش الشيئ بسطه عليها – معجم ألفاظ القرآن باب الفاء فصل الراء والشين ] قال تعالى { والأرض فرشناها فنعم الماهدون – الذاريات 48} وهذه الفرش مرفوعة ليتكئون عليها قال تعالى { وفرش مرفوعة – الواقعة 34 } وهنا يبين تعالى أنهم متكئون عليها قال عز وجل : { متكئين على فرش بطائنها من إستبرق وجنى الجنتين دان -الرحمن 54}
وأما :
(بطائنها)
[ وبطنت الثوب بآخر وأبطنته جعلته تحته ومنه بطانة الثوب وجمعها بطائن واستعيرت البطانة لمن تختصه بافطلاع على باطن أمرك – معجم ألفاظ القرآن باب الباء فصل الطاء والنون ] .قال تعالى في استعارة المعنى لم نيطلعون على الأسرار وماتبطنه الأنفس { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون- آل عمران 118 } والبطانة هنا ما هو تحويه من إستبرق قال تعالى { متكئين على فرش بطائنها من إستبرق وجنى الجنتين دان -الرحمن 54} .
وأما :
( من إستبرق)
وهنا [ الإستبرق والسندس نوعين من الحرير – معجم ألفاظ القرآن باب الباء فصل الراء والقاف] قال تعالى { ويلبسون ثياباً خضراً من سندس وإستبرق متكئين فيها على الأرائك نعم الثواب وحسنت مرتفقا – الكهف 31 }
وأما :
(وجنى)
[ والجنى والجُني : كل ما يجنى من ثمر الأشجار – معجم ألأفاظ القرآن باب الجيم فصل النون والياء ] قال تعالى { هزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا – مريم 25 } والجنى هنا للثمرات كما في الآية { متكئين على فرش بطائنها من إستبرق وجنى الجنتين دان – الرحمن 54} .
وأما :
(الجنتان)
والجنتان هنا الذين قال تعالى فيهما { ولمن خاف مقام ربه جنتان – الرحمن 46 }
وأما :
(دان)
[ ودنا منه يدنوا دنواً : قرب ويستعمل في المكان والزمان والمنزلة فهو دان وهى دانية – معجم الفاظ القرآن باب الدال فصل النون والواو ] قال تعالى { ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا – الإنسان 14 } . وهنا دانية عليها ثمارها من الجنتين وهم متكئون فيها على الأرائك كما في قوله تعالى { متكئين على فرش بطائنها من إستبرق وجنى الجنتين دان – الرحمن 54} .
ثم يقول تعالى :
(55) فبأي ألآء ربكما تكذبان (55)
سبق أن بينا هذه الآية من قبل :
ثم يقول تعالى :
(56) فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (56)
وهنا :
(فيهن)
أي أن فيهن خيرات حسان قال تعالى { فيهن خيرات حسان – الرحمن 70} و هؤلاء الخيرات الحسان هنا بين تعالى أنهن قاصرات الطرف قال تعالى { فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان – الرحمن 56 } أي [في هذه الفرش زوجات قاصرات أبصارهن على أزواجهن, لا ينظرن إلى غيرهم متعلقات بهم, لم يطأهن إنس قبلهم ولا جان –التفسير الميسر ] .
وأما :
(قاصرات الطرف)
[ والمقصورة من النساء : المنعمة في البيت لا تتركه لتعمل – المعجم الوسيط باب قصر ] قال تعالى { وعندهم قاصرات الطرف عين – الصافات 48 } أي [ وعندهم في مجالسهم نساء عفيفات لا ينظرن إلى غير أزواجهن حسان الأعين –التفسير الميسر ] .
وهؤلاء هنا قاصرات الطرف أتراب كما في قوله تعالى {وعندهم قاصرات الطرف أتراب – ص 52 } أي وعندهم نساء قاصرات أبصارهن على أزواجهن متساويات في السن.
وهنا يبين تعالى أنهن لم يطمثهن قبلهم إنس ولا جان قال تعالى { فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان – الرحمن 56} وهؤلاء هن الحور العين المصونات المخدرات الطاهرات اللائي لم يطمثهن قبلهم إنس ولا جان لقوله تعالى { حور مقصورات في الخيام – الرحمن 22 }
وأما :
( الطرف)
[ وطرف كل شيئ منتهاه ومنه يجيئ جانب الشيئ والناحية – معجم ألفاظ القرآن باب الطاء فصل الراء والفاء ] قال تعالى { أنا آتيك به قبل ان يرتد إليك طرفك – النمل } أي طرف ثوبه أي لا يرى أحد طرف ثوبها من شدة حيائهن وعفتهن قال تعالى { ينظرون من طرف خفي – الشورى 45 } أي أن قاصرات الطرف لا يرى أحد طرف ثوبها ولا ترفع عينها في عين أحداً من الرجال .
وأما :
(لم يطمثهن قبلهم إنس ولا جان)
وهنا [ لم يطمثهن أي لم يمسهن وينكحهن فالطمث بالتدمية ومنه قيل للحائض طامث- معجم مجمع البحرين باب الثاء وما أولطه طاء ] ولذلك قال تعالى في موضع آخر من كتاب الله { إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا عُرُبًا أَتْرَابًا لِّأَصْحَابِ الْيَمِينِ – الواقعة 35-38} وعرباً أترابا أي [متحببات إلى أزواجهن, في سنٍّ واحدة – التفسير الميسر ] أي لا يتغير جمالهن ولا عذريتهن و لا أجسامهن بتقدم الزمن كما هو في حال نساء الدنيا , وهؤلاء هن الحور العين كما في قوله تعالى : { فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ –الرحمن 70-75} .
ثم يقول تعالى
(57) فبأي ألآء ربكما تكذبان (57)
وهذه الآية قد بيناها من قبل :
ثم يقول تعالى :
(58) كأنهن الياقوت والمرجان (58)
وهنا :
(كأنهن)
ورد هذا اللفظ في تشبيه الحور العين بالبيض المكنون قال تعالى{كأنهن بيض مكنون – الصافات 49 } . أي كأنهن بَيْض مصون لم تمسه الأيدي .وهنا يشبههن بالياقوت والمرجان قال تعالى { كأنهن الياقوت المرجان } .
وأما :
(الياقوت)
[ والياقوت : جوهر بري وهو حجر من الأجدار الكرولونه في الغالب شفاف مشرب بالحمرة أو الزرقة أو الصفرة وواحدته ياقوته – معجم ألأفاظ القرآن باب الياء فصل القاف والتاء ] . قال تعالى { كأنهن الياقوت والمرجان – الرحمن 58 } .
وأما :
(والمرجان)
جوهر بحري و [ المرجان صغار اللؤلؤ وقيل عظامها وواحدته مرجانه وهو جوهر نفيس أحمر يطلف في البحر عروقاً تشبه اصابع الكف – معجم ألفاظ القرآن باب الميم فصل الراء والجيم والنون ] قال تعالى { يخرج منهما اللؤلؤ و المرجان – الرحمن 22 } وهنا يبين تعالى الحور العين في جمالهن وحسنهن { كأنهن الياقوت والمرجان – الرحمن 58 } .
ثم يقول تعالى :
(59) فبأي ألآء ربكما تكذبان (59)
سبق أن بينا هذه الآية أوائل السورة الكريمة :
ثم يقول تعالى :
(60) هل جزاء الإحسان إلا الإحسان (60)
وهنا :
(هل)
وهنا بعد محاكمة المجرمين يطلبون الشفاعة أو الرجوع للدنيا ليعملوا غير الذي عملوا كما في قوله تعالى { هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون – الأعراف 53 }
ثم يقال هل النار { ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون – يونس 52 } ويقال لجهنم { يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد – ق 30 }
وينادي صحاب الجنة أصحاب النار هل وجدتم وعد الله حقا قال تعالى { ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين –الأعراف 44 } و عن هؤلاء الظالمين يقول تعالى { هل يهلك إلا القوم الظالمون – الأنعام 47 } و هل يجزون إلا ما كانوا يعملون { والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم هل يجزون إلا ما كانوا يعملون – الأعراف 147 } وعن المؤمنين يقول تعالى هنا { هل جزاء الإحسان إلا الإحسان – الرحمن }
وأما :
(جزاء)
{ وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون – الجاثية 28 } وهنا يبين تعالى أن جزاء المحسنين السابقين من أصحاب اليمين قال تعالى { وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ عَلَىٰ سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ مُّتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ لَّا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنزِفُونَ وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا – الواقعة 10-26 } . وهنا يقول تعالى بأن هؤلاء بأعمالهم الصالحة واسبقيتهم للإسلام كافئهم الله تعالى بالجنة وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان .
وأما :
(إلا)
أي أنه يقول تعالى { هل تجزون إلا ما كنتم تعملون – النمل 90 } فمن عمل صالحاً فلنفسه وسيجزيه الله تعالى الجنة ومن أساء فعليها وله جهنم خالداً فيها .
(الإحسان إلا الإحسان)
[ وأحسن : إحساناً : أتى بالفعل الحسن على وجه الإتقان والإحكام وصنع الجميل – معجم ألفاظ القرآن باب الحاء فصل السين والنون ] قال تعالى { وأحسن كما أحسن الله إليك – القصص 77 } وهنا الإحسان طرفين
الأول : إحسان العبد وهو العمل الصالح :
أي كما كافأه الله تعالى فعليه بالعمل الصالح وهو الإحسان وكأن الإحسان من العبد هو الطاعة والولاية لأولي القربى وإيتاء حق الفقراء والمساكين واصحاب النصاب قال تعالى { إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي – النحل } وبالتالي من أحسن فهو ال ذي عمل صالحاً ومن تولى أولى قربى النبي ثم الذين من بعدهم ممن تبعهم فهم الذين اتبعوهم بإحسان كما في قوله تعالى { وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ – التوبة 100 } وهذا هنا هو الإحسان الأول من العبد إلى ربه وخالقه تبارك وتعالى ويكون بطاعته وولايته تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام .
الإحسان الثاني : مكافئة الله تعالى للمحسنين بالإحسان منه تعالى وهو الجنة :
قال تعالى { مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ – النمل 89 } وهذه الحسنة بعد طاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله ولاية أهل بيته ومودتهم لقوله تعالى :{ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ۗ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ – الشورى 23 }
ولفظ اقترف يأتي مشتركاً بين الحسنة والسيئة في اللغة وفي كتاب الله لا يأتي إلا مقترنأً بإثم أو معصية أو خروج على ولاية الله الحق وبالتالي اقترانه بآية مودة أهل البيت (عليهم السلام) كأنه تعالى يقول بأنه أمر بمودتهم ولكن لن يفعله إلا القليل قال تعالى في لفظ الإقتراف واقترانه بعداوة النبي من شياطين الإنس والجن قال تعالى : { وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ۚ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون – الأنعام 112-113 } . وهذا الإقتراف كان بتقديم ولاية آبائهم وقبائلهم وتجارتهم على مودة وولاية أهل بيت النبي (عليهم السلام) لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين – التوبة 24 } . وقال تعالى مبيناً أن هذا الذنب سيكون باطناً عند بعض الأمة تجهله وبعضهم يعلمه ويكتمه لذلك ورد في قوله تعالى : { وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ – الأنعام 120 } .
لذلك لا عجب أن ترى لم يقتل أهل بيت النبي إلا هذه الأمة التي تدعي أنها خير أمة أخرجت للناس وما هم كذلك بعد سفكهم لدماء أهل بيت النبي التي يعاقبون بخها حتى يومنا هذا وإلى أن يشاء الله تعالى . وبالتالي {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان } هل جزاء ولاية الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام إلا الجنة
ثم يقول تعالى :
(61) فبأي ألآء ربكما تكذبان (61)
سبق بيان الآية من قبل :
ثم يقول تعالى :
(62) ومن دونهما جنتان (62)
وهنا :
(ومن دونهما)
ورد هذا اللفظ في قوله تعالى { حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا – الكهف 93} وهنا بين السدين [ والسَّد والسُّد جميعا: الحاجز بين الشيئين، وهما ها هنا فيما ذُكر جبلان سدّ ما بينهما، فردم ذو القرنين حاجزا بين يأجوج ومأجوج ومن وراءهم، ليقطع مادّ غوائلهم وعبثهم عنهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.- تفسير الطبري ] أي أن من دونهما هما جنتان ملحقتان بجنة عن أيمانهم وشمائلهم وذلك لأن من دونهما من الدونية أي الأقل قال تعالى { لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا – الفتح 27 } .
وأما :
(جنتان)
هنا يقول تعالى عن الجنتان { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ – الرحمن 46 } ولورود لفظ جنتان مقترناً باليمين والشمال في سبأ عند قوله تعالى { لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ – سبأ 15 } أي أنهما جنتين عن أيمانهم وشمائلهم ولقوله تعالى هنا { ومن دونهما جنتان- الرحمن 62 } أي ملحق بهما جنتان أخريان أدنى منهما في المستوى متصلين بهما وكأنهم في مكان عالي مرتفع قال تعالى فيه { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ – الحاقة 19-24} وهنا يبين تعالى أن هذه الجنة العالية عن اليمين والشمال دونهما جنتان أدنى منهما في الأرتفاع وكأنهم على مرتفعات خضراء بها شتى المرزوعات دانية عليها قطوفها وظلالها .
ثم يقول تعالى :
(63) فبأي ألاء ربكما تكذبان (63)
سبق بيان هذه الآية .
ثم يقول تعالى :
(64) مدهامتان (64)
وهنا :
[ إدهام يدهام أدهيماما فهو مدهام : ضرب إلأى السواد من الدهمة وهو سواد الليل ويعبر به عن الخضرة الكاملة – معجم ألفاظ القرآن باب الدال فصل الهاء والميم ] وهذا اللفظ ليس له مرادف في كتاب الله . قال تعالى هنا في بيان شدة خضرتها { مدهامتان – الرحمن 64 } وهذه الخضرة تكون في جو بينه تعالى أنه لافيه شمساً ولا زمهريرا بل كما قال تعالى { والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلا ظليلا – النساء 57} وهذه الظلال المتشابكة تكون في جو يشبه الغمام مع خضرة يانعة شديدة الإخضرار وهما الجنتان المدهامتان هنا في قوله تعالى { مدهامتان }
ثم يقول تعالى :
(65) فبأي ألآء ربكما تكذبان (65)
وهذه الآية سبق أن بيناها وكانه يقول تعالى هنا كيف تكذبون بنعم الله وألاءه التي وعد بها الذين آمنوا وعملوا الصالحات :
ثم يقول تعالى :
(66) فيهما عينان نضاختان (66)
وهنا :
(فيهما عينان)
كأنه يقول تعالى عن الجنتان { فيهما عينان تجريان –الرحمن 50 } ويقول تعالى { ومن دونهما جنتان} هما ذوات العينان النضاختان هنا لقوله تعالى { فيهما عينان نضاختان – الرحمن 65 } أي فوارتان لأنهما أبعد وتحتاجان دفع المياه إليهما . وهذه الجنان أعدها الله تعالى للمتقين كما في قوله تعالى { إن المتقين في ظلال وعيون – المرسلات 41 } ومن هذه العيون عيناً فيها تسمى سلسبيلا قال تعالى { عيناً فيها تسمى سلسبيلا – الإنسان 18 } وهذه العين يشرب بها عباد الله تعالى كما في قوله تعالى { عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا – الإنسان 6 }
وأما :
(نضاختان)
وهذا اللفظ مما ليس له مرادف في كتاب الله , [ ونضخت عين الماء تنضخ نضخاً :فار ماؤها وارتفع من أسفل إلى علو وللمبالغة يقال عين نضاخة – معجم ألفاظ القرآن باب النون فصل الضاد والخاء ] قال تعالى { فيهما عينان نضاختان – الرحمن 65} .
ثم يقول تعالى :
(67) فبأي ألآء ربكما تكذبان (67)
سبق أن بينا هذه الآية من قبل :
ثم يقول تعالى :
(68) فيهما فاكهة ونخل ورمان (68)
وهنا :
(فيهما فاكهة)
أي أنه يقول تعالى { فيهما من كل فاكهة زوجان – الرحمن 52 } ومن هذه الفاكهة هنا جنات من فواكه و نخل ورمان قال تعالى { فيهما فاكهة ونخل ورمان }
وأما :
(ونخل ورمان)
وهنا يقول تعالى في النخل والرمان { وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين – الأنعام 141 } وهذه الجنات من الفواكه مثلها في لدنيا ولكن لا يعرف
منها في الجنة إلا الأسماء فقط كما بينا من قبل .
ثم يقول تعالى :
(69) فبأي ألآء ربكما تكذبان (69)
سبق أن بينا الآية من قبل :
ثم يقول تعالى :
(70) فيهن خيرات حسان (70)
وهنا :
(فيهن)
أي أنه يقول تعالى { فيهن قاصرات الطرف لم يططمثهن إنس قبلهم ولا جان – الرحمن 45 } وهؤلاء الحور العين هنا يقول تعالى فيهم أنهن خيرات حسان يقول تعالى { فيهن خيرات حسان } أي [في هذه الجنان الأربع زوجات طيبات الأخلاق حسان الوجوه – التفسير الميسر ] .
وأما :
(خيرات)
[ الخيرات : جمع خيره بالتخفيف وهى الصالحة الفاضلة من الناس والأمور – معجم ألفاظ القرآن باب الخاء فصل الياء والراء ] قال تعالى { فيهن خيرات حسان – الرحمن 70} أي مسابقات في فعل الخير قال تعالى { فاستبقوا الخيرات – المائدة 48 } ويبين تعالى أن المؤمنين في الدنيا كانوا يتولون الأئمة من أهل البيت الإبراهيمي وآخرهم أهل بيت النبي وقد أوحى الله تعالى إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة والعبودية لله تعالى كما في قوله تعالى {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ ۖ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ – الأنبياء 73 } ولذلك جزى الله تعالى من تولاهم الجنة بما فيها من جنان وخيرات حسان كما في الاية هنا { فيهن خيرات حسان } .
وأما :
(حسان)
[ والحسن : حالة حسية أو معنوية جميلة تدعوا إلى قبول الشيء ورغبة النفس فيه ويكون في الأقوال والأفعال والذوات والمعاني وحسن الشيئ يحسن حساً : أي صار حسناً جميلاً – معجم ألفاظ القرآن باب الحاء فصل السين والنون ] قال تعالى { لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك وكان الله على كل شيء رقيبا – الاحزاب 52 } وهنا يكون المعنى (حسان) أي جميلات الخلقة وهنا يبين تعالى أنهم لسن جميلات الخلقة فقط بل جميلات المنبت والأخلاق والسلوك الطيب لما ورد في السيدة مريم أم عيسى عليهما السلام { فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب – آل عمران 37 } .
ثم يقول تعالى :
(71) فبأي ألآء ربكما تكذبان (71)
سبق أن بينا هذه الآية من قبل
ثم يقول تعالى :
(72) حور مقصورات في الخيام (72)
وهنا :
[ حور : أي شدة بياض العين مع شدة سوادها – معجم ألفاظ القرآن باب الحاء فصل الواو والراء ] قال تعالى { وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون – الواقعة 22 } والآية هنا تبين أن الحور شديدوا خلقهن الله تعالى شديدوا البياض .لقوله تعالى { كأنهن بيض مكنومن} , وهؤلاء زوجات المؤمنين في الجنة لقوله تعالى { وزوجناهم بحور عين – الطور 20} وهؤلاء الحور مقصورات على أزواجهن في الخيام كما بينا من قبل قال تعالى { حور مقصورات في الخيام- الرحمن 72} .
وأما :
(مقصورات في الخيام)
وهنا مقصورات في الخيام أي مستورات في خدورهن لا تظهر على أحد ولا تبتغي غير أزواجهن وهذا ما أعده الله تعالى لعباده المؤمنين الذين تولوه ورسوله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام .قال تعالى { وعندهم قاصرات الطرف عين – الصافات 48} أي [ نساء عفيفات, لا ينظرن إلى غير أزواجهن حسان الأعين –التفسير الميسر ] وقال تعالى فيهن أيضاً { وعندهم قاصرات الطرف أتراب – ص 52} وأتراب أي طاهرات [ قاصرات أبصارهن على أزواجهن متساويات في السن. – التفسير الميسر ] وهؤلاء الحور العين لم يطمثهن قبلهم إنس ولا جان كما بينا من قبل في قوله تعالى { فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان – الرحمن 56 } .
وأما :
(في الخيام)
[ والخيمة أصلها بيت يتخذه الأعراب من الثياب أو عيدان الشجر وجمعها خيام وخيمات وأراد بها القرآن بيوتاً يعلم الله حقيقتها – معجم ألفاظ القرآن باب الخاء فصل الياء والميم ] ووفقاً لحديث ابن عباس [ ” لا يعلم من فاكهة الجنة إلا الأسماء ” ] فهى بالإسم خيمة ولكنها ليست كخيام الدنيا لقوله تعالى في موضع آخر من كتاب الله عن سكنى أهل الجنة أنها غرف من فوقها غرف مبينية قال تعالى { لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار وعد الله لا يخلف الله الميعاد –الزمر 20 } وقال تعالى { وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون – سبأ 37} وقال تعالى أيضاً مبيناً أن هذه الغرب للذين آمنوا وعملوا الصالحات : { والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نعم أجر العاملين – العنكبوت 58}
وهذه الخيام أو الغرف المبنية أو البيوت أو القصور إما أن أهل الجنة يتنقلون بينها لقوله تعالى في القصور في البيوت { وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين – التحريم 11} أو القصور الخاصة بالنبي صلى الله عليه وآله : { تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا – الفرقان 10} أو هى مكانة للعبد على حسب درجة عمله في الدنيا ومكافئة الله تبارك وتعالى له .
ثم يقول تعالى :
(73) فبأي ألآء ربكما تكذبان(73)
سبق أن بينا هذه لآية من قبل :
ثم يقول تعالى :
(74) لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان (74)
أي أن هذه الآية يبينها قوله تعالى { فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان – الرحمن 56 } وقد بيناها من قبل .
ثم يقول تعالى :
(75) فبأي ألآء ربكما تكذبان(75)
سبق أن بيناها في الآية رقم (13) بما يغني عن تكرار بيانها :
ثم يقول تعالى :
(76) متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان (76)
وهنا :
(متكئين على)
أي متكئين على وسائد ذوات أغطية خضر وفرش حسان
والإتكاء تعني لغة
[ متَّكَئ: (اسم) الجمع : مُتَّكَآتٌ متَّكَئ : مُتَّكأُ (مفعول مِن اِتَّكَأَ) اِتَّخَذَ مِخَدَّةً مُتَّكَأً : مَا يُتَّكَأُ عَلَيْهِ مُتَّكأ: (اسم) الجمع : مُتَّكَآتٌ اسم مفعول من اتَّكأَ على اسم مكان من اتَّكأَ على: ما يُجلس ويُتَّكأ عليه من مخدَّة ووسادة ونحوهما لطعام أو شرابٍ أو حديث المُتَّكأُ :كرسيٌّ منجَّد له ذراعان وظَهْر والجمع
: مُتَّكآت توكَّأَ: (فعل) توكَّأَ على يتوكَّأ ، توكُّؤًا ، فهو مُتوكِّئ ، والمفعول مُتوكَّأ عليه تَوَكَّأَ عَلَى عَصَاهُ : اِعْتَمَدَهَا، اِتَّكَأَ عَلَيْهَا تَوَكَّأَ النَّاقةُ: أَخَذَها الطَّلْقُ فَصَرَخت أَتْكَأَ: (فعل) أَتْكَأْتُ، أُتْكِئُ، أَتْكِئْ، مصدر إِتْكَاءٌ أَتْكَأَتْ وَلَدَهَا : أَجْلَسَتْهُ وَمَكَّنَتْهُ فِي مَجْلِسِهِ أَتْكَأَ صَاحِبَهُ : حَمَلَهُ عَلَى الِاتِّكَاءِ ضَرَبَهُ فَأَتْكَأَهُ : أَلْقَاهُ عَلَى هَيْئَةِ الْمُتَّكِىءِ أَوْ عَلَى جَانِبِهِ الأَيْسَرِ – لسان العرب ] .
قال تعالى { فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلا مَلَكٌ كَرِيمٌ يوسف 31}
والمتكئ هنا في الجنة على الأرائك كما في قوله تعالى { متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا – الإنسان 13 } وقال تعالى { أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق متكئين فيها على الأرائك نعم الثواب وحسنت مرتفقا – الكهف 31 } ويتكئون على سرر قال تعالى فيها { متكئين على سرر مصفوفة وزوجناهم بحور عين – الطور 20 } و يتكئون هنا على وسائد وفرش قال تعالى فيها { متكئين على فرش بطائنها من إستبرق وجنى الجنتين دان – الرحمن 54 } وقال تعالى أيضاً { – متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان- الرحمن 76 }
وأما :
(على)
أي كما قال تعالى { متكئين على سرر مصفوفة وزوجناهم بحور عين – الطور 20 } و يتكئون هنا على وسائد وفرش قال تعالى فيها { متكئين على فرش بطائنها من إستبرق وجنى الجنتين دان – الرحمن 54 }وهذه الفرش والسرر من رفرف أخضر كما في الآية هنا { متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان} .
وأما :
(رفرف)
الرفرف من الألفاظ الغير موجود لها مرادف في كتاب الله ويعني [ رفرف : كل ثوب عريض وهو الرقيق من ثياب الديباج والواحدة رفرفة : وقيل هى الوسائد وقيل هى الفرش المرتفعة – معجم ألفاظ القرآن باب الراء فصل الفاء والراء والفاء ] . قال تعالى { متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان }
وأما :
(خضر)
وهو جمع للون الأخضر المذكور في قوله تعالى { أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق متكئين فيها على الأرائك نعم الثواب وحسنت مرتفقا – الكهف 31 } .
وأما :
(وعبقري)
[ نسبة العرب إلى موضع باليمن اسمه عبقر كل نافذ من إنسان وحيوان وشيئ غفنسبوا إليه كل جيد وتوسعوا فيه فقالوا العبقري الشديد فجارية وظبية عبقرة ناصعة البياض – معجم ألفاظ القرآن باب العين فصل الباء والقاف والراء ] وقال تعالى { وعبقري حسان – الرحمن 76 }
وأما :
(حسان)
[ والحسن بيناه من قبل حالة حسية أو معنوية كالمرأة التي يرغب فيها زوجها لحسنها وجمالها قال تعالى فيهن { فيهن خيرات حسان – الرحمن 70 } وكذلك هنا { مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ – الرحمن 76 } أي متكئين على وسائد ذوات أغطية خضر وفرش حسان .
ثم يقول تعالى :
(77) فبأي ألآء ربكما تكذبان(77)
سبق أن بيناها في الآية رقم (13) بما يغني عن تكرار بيانها :
ثم يقول تعالى :
(78) تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام (78)
وهنا :
(تبارك)
[ البركة : الخير والنماء وتبارك الله : تقدس الله وتنزه أو كثر خيره الحسي أو المعنوي – معجم ألفاظ القرآن باب الباء فصل الراء والكاف ] قال تعالى { ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين – الأعراف 54 } أي تنزه تعالى عن كل نقيصة أو شريك وهو صاحب الخلق وله الأمر تبارك وتعالى ويثوق تعالى { اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ – غافر 64 } والله تعالى جل ذكره نزل كتاباً مباركاً وهو الثقل الأكبر في الحديث قال تعالى فيه { تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا- الفرقان 1 } . وقال تعالى { كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب – ص29 }.
وتأت البركة بعد ذلك في كل أنبياء الله تعالى الذين بعثوا للبشرية بنور من نور ونور على نور قال تعالى { الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم – النور 35 } . وهذا هو الثقل الأصغر كما في حديث الثقلين .
وأما :
(اسم ربك)
واسم الله تعالى هو الله أو الرحمن لقوله تعالى { قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا – الإسراء 110 }
وهنا يبين تبارك و تعالى اسمه من آمن به فعليه بتعظيمه وتسبيحه { فسبح باسم ربك العظيم – الواقعة 74 } وقال تعالى { فسبح باسم ربك العظيم – الحاقة 52 } وهو الأعلى لقوله تعالى { سبح اسم ربك الأعلى – الأعلى 1 }
وهذا التسبيح في الصباح والمساء لقوله تعالى { واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا – الإنسان 25} وهذه أوقات استحبابية للتسبيح وكذلك أوقات السحر وفيها تكون العبادة والتلاوة والتبتل إلى الله تعالى كما في قوله عز وجل { واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا – المزمل 8 } وكذلك أوقات مفضلة لتلاوة القرآن الكريم لقوله تعالى{ اقرأ باسم ربك الذي خلق – العلق 1 } . وتلك العبادة وهذا لتعظيم له تبارك وتعالى لأنه الخالق العظيم المستحق للعبادة والإجلال تبارك اسمه كما في الآية هنا .{ تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام } .
وأما :
(ذي الجلال والإكرام)
وهذه الآية قد بياناها من قبل في قوله تعالى { ويبقى وجه ربك ذو الجلال واللإكرام– الرحمن 27}
وهنا :
(ذي) و(ذو)
أي ذو العرش وذو الفضل وذو الرحمة وذو الإنتقام كما في قوله تعالى { رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق – غافر15} وذلك من فضل الله تعالى على المؤمنين قال تعالى { والله ذو فضل على المؤمنين آل عمران 152 } ويبين تعالى أن أكثر الناس لا يشكرون في قوله تعالى { وإن ربك لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون – النمل 73} ويبين تعالى أنه ذو رحمة واسعه ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين قال تعالى { فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين – الأنعام 147 } والله تعالى عزيز ذو انتقام كما في قوله تعالى { فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام – إبراهيم 37 } فإذا قامت القيامة أفنى الله تعالى كل الخلق ما إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات . قال تعالى { كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام – الرحمن} . وهنا يبين تعالى أن الله تعالى ذو الجلال والإكرام ذو العرش الكريم وذو الرحمة والفضل أنزل كتاباً قال تعالى فيه عن لفظ (ذي) ويرد دائماً على القرآن الكريم في قوله تعالى { ص والقرآن ذي الذكر – ص 1 } وقوله تعالى { قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون – الزمر 28 } ومن أراد رضا الله تعالى والدار الآخرة فليعمل بالقرآن الكريم لأنه كتاب رب العرش الكريم ذو الجلال والإكرام ومن كفر فإن الله تعالى عزيز ذي انتقام كما في قوله تعالى { ومن يهد الله فما له من مضل أليس الله بعزيز ذي انتقام – الزمر37 } . وذي يأت هنا مقترناً بالإنتقام الإلهي لأن لفظ ذي جاء على أمم كفرت بالله تعالى من قبل وظلمت قال تعالى { وفرعون ذي الأوتاد – الفجر 10} وقال تعالى أيضاً { هل في ذلك قسم لذي حجر -الفجر5 }
و لذلك بين تعالى أن الله تعالى ذو العرش والرحمة والفضل أيضاً هو الذي أنزل القرآن (ذي الذكر) وهو شديد العقاب لكل من تقلد ب (فرعون ذي الأوتاد) وبالتالي هو جل جلاله غافر الذنب شديد العقاب للظالمين المجرمين كما في قوله تعالى { غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ – غافر 3 } أي أنه تعالى [غافر الذنب للمذنبين, وقابل التوب من التائبين, شديد العقاب على مَن تجرَّأَ على الذنوب, ولم يتب منها, وهو سبحانه وتعالى صاحب الإنعام والتفضُّل على عباده الطائعين, لا معبود تصلح العبادة له سواه, إليه مصير جميع الخلائق يوم الحساب, فيجازي كلا بما يستحق – التفسير الميسر ] . لذلك يقول تعالى هنا { تبارك اسم ربك ذو الجلال والإكرام} .
وأما :
(ذو الجلال والإكرام )
و [ الجلال : جل الشيئ يجل :بكسر الجيم جلالة : عظم : ومنه جل فلان في عيني أي عظم : وجل الله عظمته – معجم ألفاظ القرآن باب الجيم فصل اللام واللام ] .قال تعالى { تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام – الرحمن 78 }
وأما :
(والإكرام)
[ وكرمه : شرفه وأحسن معاملته – وأكرمه : سلك معه مسلك الكرم والجود – معجم ألفاظ القرآن بابالكاف فصل الراء والميم ] قال تعالى { وقال الذي اشتراه من مصر أكرمي مثواه – يوسف 21 }
والله تعالى هو الكريم رب العرش الكريم بخلقه قال تعالى { فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم – المؤمنون 116 } ومن كرمه تعالى أنزل كتاب كريم كما في قوله تعالى { إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون – الواقعة 77 } وهذا الكتاب الكريم نزل على رسول كريم قال تعالى فيه { إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين- التكوير } .
ويوم القيامة كل من عليها فان ويبقى المؤمنون الذين آمنوا بالله تعالى ورسوله ووتوله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام قال تعالى { كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذي الجلال والإكرام – الرحمن }
هذا وبالله التوفيق وما توفيقي إلا بالله
عليه توكلت وإليه أنيب وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
انتهى العمل من هذه السورة الكريمة في 28 رمضان عام 1420 هـ
الموافق 5 يناير عام 2000 من ميلاد السيد المسيح (ع)
في ساعة المشتري من أول النهار
أهـ .