Elqalamcenter.com

"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

تجاهل «وقفة المحامين» … هل القاهرة عاصمة الخبر؟!

القدس العربي :

سليم عزوز :

فلما كانت «الوقفة الثالثة» للمحامين المصريين، ضد «الفاتورة الإلكترونية»، ذهبتُ إلى قناة «القاهرة الإخبارية»، لكي أشاهد تغطيتها لها، فوجدت تجاهلاً كاملاً لهذا الحدث المهم، مع أن القناة تبث «من القاهرة عاصمة الخبر»، وهو شعار القناة الوليدة، التي قررت أن تنافس «الجزيرة»، وهي تتفوق عليها من حيث وجودها في العاصمة المصرية، التي لا يوجد للقناة القطرية مكتب فيها، بيد أن المحطة الجديدة كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء!
فقد تجاهلت القناة الوليدة خبر الوقفة، شأنها في ذلك شأن القنوات الأخرى، بما فيها «إكسترا نيوز» وهي قناة مصرية إخبارية أيضاً، تتبع نفس الشركة المالكة لـ «القاهرة الإخبارية»، وهي الشركة المتحدة المملوكة بدورها لأهل الحكم، والذين تخصصوا في إطلاق الشركات المؤسسة من شخصيات غير معروفة، لتستحوذ السلطة بها على مصر ومن عليها، الأمر الذي حدث بالنسبة لـ «الفاتورة الإلكترونية»!
فهذه الفاتورة ليست ضريبة جديدة، ولكنها مجموعة إجراءات تستهدف الهيمنة على من يعملون في الأعمال الحرة، وتسجيل أنفاسهم، لكن تكمن المشكلة في أن الكثير من نفقاتهم مثلاً لا يمكن تسجيلها رسمياً، وكثير من أدائهم لا يكون مدفوع الأجر، وقد عمدت السلطات في السابق من أجل الهيمنة، لكنها فشلت، بيد أن التاجر إذا أفلس فتش في دفاتره القديمة، وهناك عجز هائل في الموازنة العامة للدولة، تبحث السلطة له عن حل. والمشكلة الأكبر هو هذه الإعفاءات السلطوية لجهات بعينها من هذه الرقابة الدقيقة ومن الضرائب أيضاً، كما أنها أوكلت الأمر إلى شركة صدر قرار وزاري بتأسيسها، لا نعرف من أصحابها، ولماذا يتم توكيلها هي بالذات بالمهمة، مقابل حصولها على عشرة في المئة مما تحصله من العملاء، فضلاً عن أنه تقرر لها الحصول على مبلغ مالي كبير في كل عام من العملاء، مقابل أجهزتها في الرصد والتتبع!
وهكذا تفعل السلطة في مصر، تخلق كيانات تضع يدها على مقدرات البلد، وتمكنها من ذلك بقوة القانون، تماماً كما حدث بخلق الشركة المتحدة، التي تسيطر على الإعلام والدراما، وتتولى ملكية المؤسسات الإعلامية، قنوات، وصحف، ومواقع، في حين أن الجنين في بطن أمه يعلم أن المالك الحقيقي هو النظام الحاكم نفسه، ولا نعرف من هم المؤسسون لهذه الشركة على الورق، ومن أين لهم هذه الأموال التي ينفقونها على إعلام فاشل، ودراما راكدة، وقنوات تلفزيونية لا يشاهدها أحد!
عودة الروح لنقابة المحامين:
احتجت النقابات المهنية على «الفاتورة الإلكترونية»، وحتى نقيب الممثلين أشرف زكي، أبدى تبرماً منها، وعادت الروح لنقابة المحامين، فكانت الوقفات الاحتجاجية الحاشدة، التي امتدت إلى نقابات فرعية في المحافظات المختلفة، وفي مشهد لم تعرفه مصر منذ مظاهرات الأرض احتجاجاً على التفريط في التراب الوطني، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي لاتساع دائرة التمرد والعصيان، في وقت ليست السلطة فيه في أفضل حالاتها، منذ الانقلاب العسكري في منتصف 2013، وإن كانت قد اكتسبت في الآونة الأخيرة أرضاً في الخارج، بالامتداد الجغرافي من البيت الأبيض إلى أنقرة، ومن أردوغان إلى بايدن الذي سيلتقي الجنرال المصري في الأيام القليلة المقبلة على الرحب والسعة، فهذا يأتي مع احتقان داخلي غير مسبوق!
وبعيداً عن وهم نشطاء اليوتيوب، والظن بأنهم يستطيعون قيادة الثورة باستخدام الهاتف المحمول، فإن حالة الاحتقان في الداخل المصري لابد وأن تزعج السلطة، وهي بسبب الارتفاع الجنوني للأسعار، فالجميع يشكو الآن، غنياً وفقيراً، وإزاء ذلك لم تستطع السلطة أن تعاند، كما كانت تفعل من قبل، وناورت بتأجيل تطبيق «الفاتورة الإلكترونية» من منتصف الشهر الجاري، إلى نهاية شهر إبريل/نيسان، الأمر الذي رفضه المهنيون، وطالبوا بإلغاء قرار وزير المالية تماماً والتراجع عن «الفاتورة الإلكترونية» بشكل تام، ولهذا فإن هذه القرارات كانت قبل «الوقفة الثالثة»، ومع هذا لم يتم التراجع عن الدعوة إليها!
وهو حدث كان يمكن للقناة التي تبث «من القاهرة عاصمة الخبر»، أن تنقله وتفتح تغطية مفتوحة، وتناقش أزمة «الفاتورة الإلكترونية»، وتفسح المجال للرأي الآخر، وهي إن فعلت – ولن تفعل – فسوف تخطف المشاهدين من «الجزيرة»، وفي فترة حراك الشارع في مصر في عهد مبارك، فإن برامج «التوك شو» في القنوات المصرية، نافست على المشاهدين، وصنعت زعامات إعلامية، وبدا كثير من الإعلاميين المصريين الذين سافروا للخارج يندبون حظهم، لأن النجاح لم يكن من حيث الشهرة فقط، ولكن في الرواتب المرتفعة التي كان يتقاضاها زملاؤهم في القنوات المصرية!

برنامج المديفر:

فالمشاهد لن يذهب إلى قناة «القاهرة الإخبارية»، التي تنطلق من عاصمة الخبر، لكي يعرف آخر تطورات الحرب الروسية الأوكرانية، أو لمناقشة قضية الارهاب في الصومال، أو تطورات المشهد في إفريقيا، فهي مهما زاحمت فلن تكون مثل القنوات القائمة بالفعل، وقد جاء لها الخبر المهم فتجاهلته، ومن الطبيعي أن تتجاهله، لأنها قناة سلطة بالأساس، تؤمن بأن نشر مثل هذه الاحتجاجات من شأنه أن يضعف موقف أهل الحكم، ويؤلب عليهم العامة، والجنرال لديه يقين بأن الحراك في الشارع وفي الإعلام قبل الثورة هو الذي مهد الأرض لها، فاته أن تجاهل مثل هذه الوقفات التي شهدتها النقابة العامة للمحامين وبعض النقابات الفرعية، لم يمنع من انتشارها عبر منصات التواصل الاجتماعي!
واللافت إن قناة «القاهرة الإخبارية»، لم تنجح في تكرار تجربة «النيل للأخبار» في بدايتها وتقوم بالبناء عليها، بل ليس فيها برنامج واحد يشار إليه بالبنان، ويمارس العمق ولو في مناقشة قضايا تاريخية!
وبعيداً عن «الجزيرة»، فإنها لم تستعن بمقدمي برامج أحياء، أو بأفكار جذابة، فيبدو مقدمو البرامج فيها كسالى يتثاءبون، فليس لديهم برنامج في رشاقة وجاذبية «في الصورة» لـ «عبد الله المديفر» على قناة «روتانا خليجية»، وكل ما يفعله أنه يناقش أحداثاً قديمة، ومؤخراً شاهدت له حلقاته مع «مصطفى الفقي» السكرتير السابق لمبارك للمعلومات، ورغم أن الفقي كتب كثيراً عن ذكرياته في العمل مع مبارك، وتحدث عن هذه الفترة في برنامجه بعد الثورة في إحدى القنوات «الفرص الضائعة»، وعاد وزاد في الوقائع مع «شريف منير»، في قناة «إم بي سي مصر»، أي أنه شخصية مستهلكة تماماً، إلا أن ألمعية «المديفر» وحضوره، مثلت أداة جذب لمثلي لمشاهدة حلقاته، والتي لم تخلو من جديد، وهو أمر يحسب لكفاءة المذيع وطاقم الإعداد معه!
وهي قدرة، كتبت من قبل في هذه الزاوية، يتمتع بها بعض مذيعي «سكاي نيوز عربية»، عندما كانوا يتصلون بي للتعليق على خبر ما في القاهرة، في عهد أبو علاء حسني مبارك، وأكون قد انتهيت من التعليق عليه في قناة أخرى، لكن الضبط المختلف للأسئلة، يذهب بالمعلق إلى آفاق أرحب فلا يكرر نفسه في ذلك!
لم تستعن «القاهرة الإخبارية» بمذيعين بهذا الوزن، ولا يوجد فيها برنامج مثل «في الصورة» ليهرب من تأميم الواقع، إلى الملاذ الآمن حيث التاريخ القريب، وقبل وصول «الحاكم الضرورة» الذي يخشى من الهواء العليل أن يبدد ملكه. لكن هذه الاهتمامات التاريخية، ستجعل أيضاً من شعار «من عاصمة الخبر» شعارا كاذبا لقناة لا تنقل خبراً على مرمي حجر من استوديوهاتها، إلا إذا كان المقصود بالخبر، هو حسب الثقافة الشعبية، فيقال جاء خبره، أو يأتينا خبره في باب الدعاء والرجاء، وهو يعني خبر الوفاة!
لقد جاءنا خبر «القاهرة الإخبارية» بمجرد ولادتها، ولا عزاء للسيدات.

أرض – جو:

يبدو أن ما تبقى من مكتبة التلفزيون من برامج وأعمال درامية لم يعد يكفي لتقديم الجديد، وقد تعرضت للنهب في سالف العصر والأوان، والدليل هو إعادة عرض الأعمال أكثر من مرة، والفاصل الزمني هو مدة قصيرة، ولا أعرف كم مرة عرض في هذا العام مسلسل «مارد الجبل»، الذي شاهدته مؤخراً على الشاشة فلم أكترث به، وهو الذي تصورنا به أننا نجيد اللغة التركية فيكفي أن نعرف «تشكرات» التي كان يرددها «إبراهيم نصر» أو «حسن جاويش»، ثم تبين إنها من خيال المؤلف، فتشكرات لا تعني شكراً بالتركية!

 صحافي من مصر