“حرب الكنائس”.. هل دخلت الصراعات الدينية إلى ساحة المعركة في أوكرانيا؟

 شفقنا :

الثلاثاء 6 ديسمبر، 2022 :

 تصريحات بابا الكنيسة الكاثوليكية الأخيرة، إلى جانب مداهمة القوات الأوكرانية لكنيسه أرثوذكسية في كييف ترتبط تاريخياً بموسكو، تشير إلى أن الحرب الأوكرانية لم تعد مقتصرة على الصراع العسكري فحسب، بل باتت أيضاً مسرحاً للصراعات الدينية.

 

بعد تصريحات بابا الكنيسة الكاثوليكية “العنصرية” التي قال فيها إن الجنود من الأقليات الشيشانية والبوريات في الجيش الروسي أكثر قسوة في أوكرانيا من الجنود الآخرين، ورد روسيا عليها بأنها “تحريف” قائلةً “إن الجماعات الوطنية أسرة واحدة”، أمرت السلطات الأوكرانية بالتحقيق في أنشطة كنيسة مرتبطة بروسيا، ما يعني أن الحرب الأوكرانية لم تعد مقتصرة على الصراع العسكري فحسب، بل باتت أيضاً مسرحاً للصراعات الدينية.

 

وكان البابا فرانسيس قد أثار الغضب في روسيا، نهاية الشهر الماضي، بسبب مقابلة مع المجلة الكاثوليكية الأمريكية أشار فيها إلى أن الجنود من بورياتيا، حيث البوذية هي الديانة الرئيسية، وجمهورية الشيشان ذات الأغلبية المسلمة، كانوا “الأشد قسوة” أثناء القتال في أوكرانيا.

 

وعلى صعيد آخر، صرح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، مطلع الشهر الجاري، بأن كبار مسؤولي الأمن في أوكرانيا أمروا بفتح تحقيق في أنشطة فرع لكنيسة مجمع بيشيرسك لافرا الأرثوذكسية في كييف، والتي ترتبط تاريخياً بموسكو.

 

دخول الصراعات الدينية

 

حسب الغارديان البريطانية، فإنه على الرغم من تصريحات البابا فرنسيس، إلا أن جماعات حقوق الإنسان والمنظمات الإعلامية المستقلة لم توثق أي بيانات تشير إلى أن الجنود من الأقليات القومية الذين يقاتلون في أوكرانيا تصرفوا في أوكرانيا بشكل أسوأ من تصرفات الأفراد من أصل روسي، الأمر الذي دفع الروس إلى وصف التعليقات بأنها “عنصرية وغير مبررة”.

 

ليست هذه هي المرة الأولى التي يواجه فيها البابا جدلاً حول آرائه بشأن أوكرانيا. ووجهت كييف انتقادات متكررة لرئيس الكنيسة الكاثوليكية منذ بدء الغزو الروسي في فبراير لفشله في إدانة الكرملين بشكل كاف لدوره في الصراع. خصوصاً وأن الكنيسة الأرثوذكسية الروسية هي من أكبر الداعمين لبوتين في حربه على أوكرانيا. وفقاً للغارديان.

 

ووفقاً لرويترز، يشكل المسيحيون الأرثوذكس غالبية سكان أوكرانيا البالغ عددهم 43 مليون نسمة، وكانت المنافسة شرسة منذ انهيار الحكم السوفيتي بين الكنيسة الأوكرانية وتلك المرتبطة بموسكو، والتي أعلنت عن قطع علاقتها رسمياً مع الكنيسة الأرثوذكسية الروسية في مايو/أيار الماضي، لكن العديد من الأوكرانيين ما زالوا لا يثقون بها، ويخافون من تأثيرها بين الأوكرانيين العاديين. ولهذا، قال زيلينسكي إن الحكومة ستقدم مشروع قانون إلى البرلمان يحظر الجماعات الدينية “المرتبطة بمراكز النفوذ في روسيا”.

 

حرب الكنائس بين موسكو وكييف

 

تحظى كييف بأهمية خاصة بالنسبة إلى الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، كيف لا وكنيسة كييف كانت المرجع الديني الأول للمسيحية الأرثوذكسية عندما دخل الشعب الروسي في المسيحية في نهاية القرن العاشر. لذلك، فإن أوكرانيا جزء لا يتجزأ من المسيحية الأرثوذكسية الروسية لكنيسة موسكو.

 

ومنذ عام 1686، انتقلت تبعية الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية رسمياً إلى الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، وظل الحال على ما هو عليه حتى تغيرت العلاقة بين الكنائس الأرثوذكسية في أوكرانيا وروسيا في عام 2019، بعد أن اعترف بارثولوميو الأول، البطريرك المسكوني الحالي ورئيس الكنيسة الأرثوذكسية الواقعة على ضفاف خليج القرن الذهبي بإسطنبول والمعروفة باسم “الفنار”، باستقلال الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية.

 

وبينما وصف الرئيس الأوكراني السابق بترو بوروشينكو قرار الانفصال بأنه “انتصارٌ للشعب المؤمن في أوكرانيا على شياطين موسكو”، أدان بوتين إنشاء الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية ووصفها بأنها محاولة “لإضفاء الشرعية على المجتمعات الانشقاقية الموجودة في أوكرانيا تحت سلطة إسطنبول، وهو انتهاك صارخ للشرائع الأرثوذكسية”، وفقاً لمقابلة له مع وسائل الإعلام الصربية.

 

الجذور الدينية للحرب الأوكرانية

 

جادل بعض المؤرخين بأن أحد أهم الأسباب المبطنة للحرب الروسية على أوكرانيا يرجع إلى أسباب دينية تعاظمت بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014 وبدء النزاعات في شرق أوكرانيا، حيث ازدادت أهمية الانفصال بالنسبة إلى كنيسة كييف التي حلمت طوال العقود الثلاثة الماضية بالانفصال عن كنيسة موسكو.

 

ونظراً إلى الرمزية الكبيرة التي تحظى بها الكنيسة وكييف عموماً في وجدان الروس وتاريخهم الديني، قال القس البريطاني جيل فرايزر إن الغزو الروسي لأوكرانيا تغذيه مطامع بوتين لاستعادة كييف، “المدينة الأم للأرثوذكسية الروسية”، في محاولة لاستعادة أمجاد الإمبراطور فلاديمير الكبير. فيما قالت المؤرخة الأمريكية البارزة ديانا باتلر باس، المختصة بتأريخ المسيحية، في مقال نشرته مع بداية الغزو “الغزو الروسي لأوكرانيا الذي نشهده اليوم، ليس إلا فصلاً جديداً من حكاية قديمة، ستكون نهايتها “السعيدة” من وجهة نظر بوتين، الاحتفال بقداس الفصح في كييف”.

 

تجدر الإشارة إلى أن الفترة التي تلت احتلال روسيا للقرم في عام 2014 كانت شاهدة على بدء مناطق خدمة الكنيسة الأرثوذكسية في جميع أنحاء أوكرانيا في الانضمام إلى الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية. لدرجة أنه في وقت قصير، انضم 7500 من حوالي 19000 منطقة خدمة كنسية إلى كنيسة كييف. ومن المعروف أن المشاركة في الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية المستقلة من خلال ترك الولاء للكنيسة الأرثوذكسية الروسية قد زادت بشكل أكبر في بيئة الأزمة الروسية-الأوكرانية.

About مركز القلم للأبحاث والدراسات

يهتم مركز القلم بمستقبل العالم الإسلامي و عرض (تفسير البينة) كأول تفسير للقرآن الكريم على الكلمة وتفاصيل مواردها ومراد الله تعالى منها في كل موضع بكتاب الله في أول عمل فريد لن يتكرر مرة أخرى .

Check Also

“400 يوم من الإبادة الجماعية”.. المكتب الحكومي بغزة ينشر إحصائيات مرعبة

 RT : نشر ‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‏المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة تحديثا لأهم إحصائيات حرب “الإبادة الجماعية” …