الحليج الجدي :
يُستخدم الفساد والتجسس كأداتين من أدوات الترهيب الاقتصادي الدولي.
ممثل وكالة المخابرات المركزية بتركيا اتصل بمسؤولي شركات بناء شاركت في صفقات لشراء العقارات مع شركات روسية وهددهم بشكل سافر.
الترهيب الاقتصادي الدولي هو الهيمنة الاقتصادية بفرض سيطرة فعالة على دول أخرى لإدامة فجوات اقتصادية وتكنولوجية أو توسيعها واستمرار التبعية والعزلة.
هددت السفيرة الأمريكية بالأمم المتحدة الدول الإفريقية بعواقب استيرادها أي شيء من روسيا غير المنتجات الزراعية والسماد فسيف العقوبات الأمريكية سيطال أي دولة تفكر في خرق الحظر.
* * *
يعود مصطلح «الترهيب الاقتصادي» (Economic intimidation)، ليفرض نفسه في مصفوفة مواد العلاقات الاقتصادية الدولية.
وبحسب «موسوعة مشاكل العالم والطاقات البشرية» The Encyclopedia of World Problems &Human Potential)، فإن الترهيب الاقتصادي الدولي، يعني ممارسة سياسة الهيمنة الاقتصادية، من خلال فرض سيطرة سياسية فعالة على الدول الأخرى للحفاظ على الفجوات الاقتصادية والتكنولوجية أو توسيعها، وتأمين استمرارية التبعية والعزلة. ويُستخدم الفساد والتجسس كأداتين من أدوات الترهيب الاقتصادي.
في مطلع شهر أغسطس الماضي، وخلال زيارة قامت بها إلى أوغندا، تمهيداً لزيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى بعض بلدان القارة الإفريقية، هددت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، الدول الإفريقية بعواقب استيرادها أي شيء من روسيا باستثناء المنتجات الزراعية والسماد الكيماوي، فسيف العقوبات الأمريكية سيطال أي دولة تفكر في خرق هذا الحظر.
وهذه هي الزيارة الثانية التي يقوم بها وزير الخارجية الأمريكي بلينكن إلى إفريقيا، فقد زار في العام الماضي كينيا ونيجيريا والسنغال.
والحال أن العديد من الدول الإفريقية، بما في ذلك أوغندا، لم تنضم للولايات المتحدة في فرض عقوبات اقتصادية على روسيا، بل إنها ألقت باللوم على العقوبات الغربية في أزمة الطاقة وأزمة الغذاء العالمية، واللتين أدتا إلى رفع أسعار المواد الغذائية والنفط والغاز.
زيارة المسؤولة الأمريكية ووزير الخارجية الأمريكي لبعض الدول الإفريقية، تندرج في إطار التنافس المحتدم بين الولايات المتحدة والصين وروسيا لتعزيز النفوذ في إفريقيا.
وفي سبيل ذلك تستخدم أمريكا، كما رأينا في تحذيرات السفيرة الأمريكية، نهجها المعتاد في استخدام القوة للحصول على النتائج التي تبتغيها، والتي كانت لها نتائج عكسية على واشنطن، حيث راحت بلدان القارة السمراء تقترب أكثر من الصين وروسيا.
تندرج في هذا السياق، تصريحات وزيرة خارجية جنوب إفريقيا ناليدي باندور التي أعربت فيها عن أسفها لما اعتبرته بالحرف «خطابات الترهيب المتعجرفة» الصادرة من عدة دول أوروبية فيما يتعلق بموقف جنوب إفريقيا من الصراع.
إضافة إلى إفريقيا، فإن تركيا التي صارت تضطلع بدور محوري في إدارة الحرب بين روسيا والأطلسي، والأزمات الناشئة عنها لاسيما أزمة إمدادات الحبوب، تتعرض هي الأخرى لضغوطات أمريكية لإجبارها على الانضمام للعقوبات الغربية المفروضة ضد روسيا.
وقد أكدت صحيفة «يني شفق» التركية على أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA)، هددت رجال أعمال أتراكاً، إذا لم يوقفوا تجارتهم مع روسيا، وطلبت منهم، في اجتماع خاص حضره أيضاً ممثل وكالة المخابرات المركزية في تركيا، معلومات عن عقود بيع عقارات للروس، وإنها حاولت استجواب رجال أعمال أتراك.
وكان ممثل وكالة المخابرات المركزية في تركيا قد اتصل أيضاً بمسؤولي شركات بناء شاركت في صفقات لشراء العقارات مع الشركات الروسية وهددهم بشكل سافر.
وبحسب الصحيفة التركية فإن ممثل المخابرات المركزية الأمريكية في تركيا لم يكتفِ بذلك، بل إنه وجه لرجال الأعمال الأتراك في قطاع العقار أسئلة من قبيل: «كم عدد المنازل التي بعتموها للروس؟»، «بأي عملة أخذتم ثمن المنازل التي بعتموها؟»، «ما هي قناة الدفع التي استخدموها؟»، «هل أخذتم المال نقداً أو تم الدفع من خلال أحد البنوك؟».
وكانت جمعية الصناعة والأعمال التركية، التي تعد أكبر اتحاد لشركات الأعمال في تركيا، قد تلقت بدورها في وقت سابق رسالة من وزارة الخزانة الأمريكية تحذرها فيها من احتمال فرض عقوبات عليها إذا واصلت التعامل مع روسيا، وذلك بعد بضعة أسابيع من إعلان روسيا وتركيا عن توصلهما إلى اتفاق لتعزيز التعاون بينهما في مجال الطاقة.
لكن يبدو أن الدول النامية المستقلة لم تعد أسيرة لماضيها الاستعماري، ولم تعد تأبه لتهديدات الانصياع للعقوبات أحادية الجانب التي لا تُلزم، حسب القانون الدولي، سوى الدول التي تمارسها.
فقد رفعت«مجموعة المجتمع الكيني» (Kenya Community Group)، دعوى قضائية أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، تطالب فيها بريطانيا بدفع 200 مليار دولار تعويضاً عن جرائم الاستعمار والنهب البريطانيين لكينيا طوال فترة استعمارها التي امتدت لستين سنة (من 1901 إلى 1960).
بدورها رفعت مجموعات السكان الأصليين في ناميبيا (Indigenous groups in Namibia)، دعوى إبادة جماعية تطالب ألمانيا بتعويضات قيمتها 7 تريليونات جنيه استرليني نظير ارتكابها أول إبادة جماعية في القرن العشرين، وذلك من عام 1904 إلى عام 1908، ضد شعوب أوفاهيرو، وناما، وبوشمن، في جنوب غرب إفريقيا (ناميبيا حالياً).
كما غرّد كثيرون في الهند مطالبين بريطانيا بتعويضات عن استعمارها واستغلالها للهند تصل إلى 45 تريليون دولار.
*د. محمد الصياد كاتب اقتصادي بحريني