"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

سورة التكوير رقم (8) في التنزيل من تفسير البينة (النبأ العظيم)

بقلم : خالد محيي الدين الحليبي

الملف بصيغة PDF :

سورة التكوير

ورد في تفسير الدر المنثور :

[عن ابن عباس في قوله تعالى { إِذَا ٱلشَّمْسُ كُوِّرَتْ } يقول تكور كما تكور العمامة ويرمى بها في حجاب النور ويقال دهورت ويقال ذهب ضوؤها – تفسير القرآن للفيروز بادي ]

[عن ابن عباس في قوله: { إذا الشمس كورت } قال: أظلمت { وإذا النجوم انكدرت } قال تغيرت { وإذا الموءودة سئلت } يقول: سألت.

وأخرج ابن المنذر من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما { إذا الشمس كورت } قال: أغورت.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد في قوله: { إذا الشمس كورت} قال: أغورت { وإذا النجوم انكدرت } قال: تناثرت {وإذا الجبال سيرت} قال: ذهبت {وإذا العشار} عشار الإِبل {عطلت} لا راعي لها { وإذا البحار سجرت } قال: أوقدت {وإذا النفوس زوجت} قال : الأمثال للناس جمع بينهم {وإذا السماء كشطت} قال: اجتبذت.

عن أبي مريم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قوله: ” {إذا الشمس كورت} قال: ” كورت في جهنم ” {وإذا النجوم انكدرت} قال: ” انكدرت في جهنم، وكل من عبد من دون الله فهو في جهنم إلا ما كان من عيسى ابن مريم وأمه ولو رضيا أن يعبدا لدخلاها ” “.- الدر المنثور للسيوطي ] .

وفي تفسير البغوي :

[ عن بحير القاضي قال سمعت عبد الرحمن بن زيد الصنعاني قال سمعت ابن عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من أحب أن ينظر في أحوال القيامة فليقرأ: { إِذَا ٱلشَّمْسُ كُوِّرَتْ } “. قوله عزّ وجلّ: { إِذَا ٱلشَّمْسُ كُوِّرَتْ } ، قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: أظلمت، وقال قتادة ومقاتل والكلبي: ذهب ضوءها. وقال سعيد بن جبير: غوّرت. وقال مجاهد: اضمحلت. وقال الزجاج: لُفَّتْ كما تلف العمامة، يقال: كورت العمامة على رأسي أكورها كوراً وكورتها تكويراً إذا لففتها، وأصل التكوير جمع بعض الشيء إلى بعض، فمعناه: أن الشمس يجمع بعضها إلى بعض ثم تلف، فإذا فعل بها ذلك ذهب ضوءها. قال ابن عباس: يكور الله الشمس والقمر والنجوم يوم القيامة في البحر، ثم يبعث عليها ريحاً دَبوراً فتضربها فتصير ناراً. أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا مسدد حدثنا عبد العزيز بن المختار حدثنا عبد الله الدَّاناج حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”  الشمس والقمر يكوّران يوم القيامة “. – تفسير معالم التنزيل للبغوي ] .

التفسير :

(1) إذا الشمس كورت(1)

وهنا :

(إذا)

وهنا يبين تعالى أن في تلك الأحداث تكور الشمس  ودورانها بشدة تختل معها حركة الكون كله كما في الآية هنا  { إذا الشمس كورت – التكوير 1}

فإذا الشمس كورت فهذا يعني بداية علامات القيامة من طمس النجوم كما في قوله تعالى { فإذا النجوم طمست – المرسلات 8 } وانفراج السماء كما في قوله تعالى { وإذا السماء فرجت – المرسلات 9 } أي تتشقق السما وتتفطر كما في قوله تعالى {إذا السماء انفطرت – الإنفطار 1} وقال تعالى { إذا السماء انشقت – الإنشقاق 1} ثم تكشط السماء كما في قوله تعالى{وإذا السماء كشطت – التكوير11} ثم تسقط النجوم وتنتثر  وينطفئ نورها كما في قوله تعالى { وإذا النجوم انكدرت – التكوير2} و قال تعالى أيضاً  {وإذا الكواكب انتثرت – الإنفطار 2} أي سقطت .

وأما :

(الشمس)

ورد لفظ الشمس في قوله تعالى { فإذا برق البصر وخسف القمر وجمع الشمس والقمر – القيامة 7-9} وبالتالي تكوير الشمس هنا  لجمع الشمس والقمر كما ورد في تفسير البغوي عن حديث أبي هريرة [ عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”  الشمس والقمر يكوّران يوم القيامة “. – تفسير معالم التنزيل للبغوي ] .

وأما :

(كورت)

كورت [ كورالشيئ يكوره تكويرا : لفه  على شيئ آخر مستدير – معجم ألفاظ القرآن باب الكاف فصل الوار والراء ] . قال تعالى {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ – الزمر 5 } وهنا يبين تعالى أن تكوير الشمس والقمر والنجوم سرعة دورانهم حتى تسقط وتسعر بهم جهنم قال تعالى هنا { إذا الشمس كورت } . وهذا التكوير هنا بدوران الشمس والقمر إلى أحل مسمى قال تعالى فيه { خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ – الرعد 5 } فإذا جاء الأجل سقطت الأعمدة الخفية التي ترفع السماء بغير عمد يراها الخلق والوارد ذكرها في قوله تعالى { اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ – الرعد 2 } وهنا يتفكك كل الكون وتسقط السماء على الأرض وترتطم النجوم  وتخر الجبال هدا كما بينامن قبل و يجمع الله تعالى الشمس والقمر كما في قوله تعالى { وجمع الشمس والقمر – القيامة 9 } .

ثم يقول تعالى :

  • وإذا النجوم انكدرت (2)

وهنا :

(وإذا النجوم)

أي أنه يقول تعالى { فإذا النجوم طمست – المرسلات 8 } أي ذهب نورها وانطفئت ثم تناثرت  ومنها النجوم لقوله تعالى فيه {والنجم إذا هوى – النجم } والنجم هنا مفرد و لكنه يعني جميع النجوم لقوله تعالى {والنجم و الشجر يسجدان – الرحمن }  فليس معنى ذلك أن هناك نجم يسجد لله تعالى وآخر لا يسجد بل المقصود منه كل النجوم تسجد لله تعالى ولكن المفرد هنا قد يعني أن البداية تكون بسقوط نجم كبير على الأرض تتبعه بقية النجوم ثم القيامة ونقول ذلك لأن القرآن الكريم معروف بدقة ألفاظه .

وبالتالي { والنجم إذا هوى } يعني سقوط كل النجوم كما في الآية هنا { وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ – التكوير 2} وهنا يحدث خلل في مواقع النجوم والقيامة قال تعالى في مواقع النجم والتي يختل الكون بحركتها الغير اعتيادية أو سقوطخا كما في قوله تعالى { فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وإنه لقسم لو تعلمون عظيم  -الواقعة75-76}

وأما :

(انكدرت)

[ وانكدرت : انكدر البازي على فريسته :أسرع في الإنقضاض عليها ويقال انكدر النجم : انحدر أوهوى – معجم ألفاظ القرآن باب الكاف فصل الدار والراء ] ولم يرد هذا اللفظ فيكتاب الله إلا مرة واحدة هنا في قوله تعالى { وإذا النجوم انكدرت } أي [ تناثرت فذهب نورها ] .

ثم يقول تعالى :

  • وإذا الجبال سيرت (3)

وهنا :

(وإذا الجبال)

 أي نسفت كما في قوله تعالى

وهنا إذا سيرت الجبال في بداية نسفها قال تعالى هنا { وإذا الجبال سيرت – التكوير3} ثم ينسفها الله تعالى في الآية { وإذا الجبال نسفت – المرسلات 10 } فإذا نسفت تصبح كثيباً مهيلا قال تعالى {يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلا – المزمل 14 } ثم تصبح سرابا وأثراً بعد عين كما في قوله تعالى { وسيرت الجبال فكانت سرابا – النبأ 20} ثم يذرها تعالى قاعا صفصفا كما في قوله تعالى { ويسئلونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا فيذرها قاعاً صفصفا لا ترى فيها عوجاً ولا أمتى – طه } أي تتحول [حينئذ منبسطة مستوية ملساء لا نبات فيها ] .

 

 

ثم تتحول بغبارها كالعهن المنفوش قال تعالى { وتكون الجبال كالعهن المنفوش – الواقعة } أي [ وتكون الجبال كالصوف متعدد الألوان الذي يُنْفَش باليد فيصير هباء ويزول ].

وأما :

(سيرت)

أي أنه قال تعالى { يوم تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا – الطور9-10 } ثم تتحول إلى سراب بعد نسفها قال تعالى { وسيرت الجبال فكانت سرابا – النبا 20 } والسير يكون في البر والبحر لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { هو الذي يسيركم في البر والبحر – يونس 22 } وبالتالي تدمير الجبال يغرق أهل الأرض ثمم تتابع أهوال يوم القيامة التي يفزع منها الإنس والجن وسكان الأرض والسماء إلأا من شاء الله تعالى .

ثم يقول تعالى :

  • وإذا العشار عطلت (4)

وهنا :

(وإذا)

وهنا لفظ (إذا) يبين أهوال يوم القيامة كما السورة نفسها حيث قال تعالى { إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ – التكوير 1-12} .

وأما :

( العشار)

[ والعشراء من الخيل والإبل التي مضى لحملها عشرة أشهر ثم توسعوا حتى قيل لكل حامل عشراءوجمعها عشار – معجم ألفاظ القرآن باب العين فصل الشين والراء ] .

وفي تفسير الطبري : [العشار : جمع عشراء وهي التي قد أتى عليها عشرة أشهر من حملها يقول تعالى ذكره : وإذا هذه الحوامل التي يَتَنافس أهلها فيها أُهملت فتركت من شدة الهول النازل بهم فكيف بغيرها – تفسير الطبري ] . وهذا اللفظ ما ليس له مراف في كتاب الله . ولكنه يقول تعالى عن العشار وكل أنثى حامل  { يا أيهاالناس اتقوا ربطم إن زلزلة الساعة شيئ عظيم يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ – الحج 1-2 }.وهنا تعطل العشار وتضع كل ذات حمل حملها من أهوال يوم القيامة .

وأما :

(عطلت)

[ والمعطل : الموات من الأرض  وناقة معطلة : بلا سمه ومنه التعطيل : أي التفريغ والخلوا من الشيئ مطلقاً وبئر معطلة : أي لا يستقى منها لهلاك أهلها – معجم ألفاظ القرآن باب العين فصل الطاء واللام ] قال تعالى { وبئر معطلة وقصر مشيد – التكوير 4 } والعشار المعطلة التي لا راعي لها في قوله تعالى هنا { وإذا العشار عطلت} وتعطيل العشار لأسبقية هلاك الإنسان عليها وحاولات فراره من عذاب الله فتهلك كل المخلوقات من بعده ولذلك يقول تعالى بعد تعطيل العشار .

  • وإذا الوحوش حشرت (5)

وهنا :

(وإذا الوحوش)

الوحش مفرد وحوش وهو حيوان البرية الذي ليس في طبع الإستئناس قال تعالى {وإذا الوحوش حشرت التكوير5 } أي [إذا الحيوانات الوحشية جُمعت واختلطت ليقتصَّ الله من بعضها لبعض – تفسير الطبري ] .وهذا االلفظ ليس له مرادف .

وأما :

(حشرت)

 [ والحشر جمع قال تعالى ]  { قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى – طه 59 } وحشر يوم القيامة قال تعالى فيه { وحشرناهم فلم نغادر منهمأحدا- الكهف 47 } والوحوش هنا تدخل ضمن هذا الحشر .

ثم يقول تعالى :

  • وإذا البحار سجرت (6)

وهنا :

(وإذا البحار)

أي أنه يقول تعالى {وإذا البحار فجرت – الإنفطار 2}  فإذا فجرت فقد سجرت أي صارت ناراً و فاضت وملئت الدنيا قال تعالى { وإذا البحار سجرت – التكوير 6} .

وأما :

(سجرت)

و [ سجر النهر يسجره سجراً وسجره تسجيراً ملئه وسجر التنور أوقده وحماه – معجم ألفاظ القرآن باب  السين فصل الجيم والراء ] .

قال تعالى { والبحر المسجور إن عذاب ربك لواقع ماله من دافع – الطور 6-7 } أي الممتلء الذي يفيض ماءاًثم يتحول إلى ناراً موقده وهنا [… عن ابن عباس في قوله: ( وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ ) قال: سجره حين يذهب ماؤه ويفجر.- الطبري  ] و [ قال ابن عباس : تسجر حتى تصير نارا – الدر المنثور ج5 ص 355] .

ثم يقول تعالى :

  • وإذا النفوس زوجت (7)

وهنا :

(وإذا النفوس)

والنفوس جمع نفس قال تعالى { رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا – الإسراء 25 }

والنفوس أولا :

هم بني آدم لقوله تعالى { هو الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها – الأعراف 189 } وعلى ذلك المعنى الأول هنا تزويج وجمع كل نفس وزوجها الذي خلق منها وهنا يظهر اولاد الزنا ومن انتسبوا لغير آبائهم زوراً فإذا جمع الله تعالى كل نفس جمع معها زوجها قال تعالى { ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون – الزخرف 70 } وقال تعالى { هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ – يس 56 } وأزواجهم هنا لأنهم متقين خلقوا من نفس واحدة وطينة واحدة إن كانوا متقين مسلمين لله تعالى قال فيهم {جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب – الرعد 23 } وإن كانوا كافرين ظالمين جمعهم الله تعالى أيضا وأزواجهم إلى جهنم كما في قوله تعالى {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْجَحِيمِ  وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ – الصافات 22-24}

ثانياً : الجمع يكون بين الأنفس والأجساد لقوله تعالى {كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون – البقرة } فإذا رجعواإلى الله تعالى جمع بين الأنفس الأجساد .

ولذلك ورد في أقوال التابعين :

[وابن المنذر عن أبي العالية رضي الله عنه في قوله:{ وإذا النفوس زوجت} قال: زوّج الروح للجسد.
وأخرج ابن المنذر عن الشعبي { وإذا النفوس زوّجت } قال: زوّج الروح من الجسد وأعيدت الأرواح في الأجساد.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن الكلبي قال: زوّج المؤمنون الحور العين والكفار الشياطين. – تفسير الدر المنثور للسيوطي ]

ثالثا :

المعنى الثاني لتززويج النفوس اقتران كل نفس بعملها قال تعالى لقوله تعالى { ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها – الشمس } فيكون حشر كل نفس يوم القيامة مقترنة بعملها الذي عملته في الدنيا .

وفي الحديث :

[وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وسعيد بن منصور والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في البعث وأبو نعيم في الحلية عن النعمان بن بشير عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سئل عن قوله : { وإذا النفوس زوّجت} قال: يقرن بين الرجل الصالح مع الصالح في الجنة ، ويقرن بين الرجل السوء مع السوء في النار، فذلك تزويج الأنفس.

وأخرج ابن مردويه عن النعمان بن بشير عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قوله: { وإذا النفوس زوّجت} قال: هو الرجل يزوّج نظيره من أهل النار يوم القيامة، ثم قرأ .

…وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن الكلبي قال: زوّج المؤمنون الحور العين والكفار الشياطين. – تفسير الدر المنثور للسيوطي ]

وأما :

(زوجت)

الزوجين في الأصل هما الذكر و الأنثى لقوله تعالى { وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى – النجم 45}  وقال تعالى في الأنعام .

وكل شيئ خلقه الله تعالى في زوجين ذكر وأنثى (الشيء ونقيضه) قال تعالى { وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ – الذاريات 49 } وقال تعالى لسيدنا نوح عليه السلام قبل الطوفان  { حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلا قَلِيلٌ – هود 40 }وقال تعالى في الأنعام { وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ – الأنعام 139 }

وكل هذه الأزواج من إنس وجان وأنعام سيجمعها الله تعالى للفصل بينها كما في الآية هنا { وإذا النفوس زوجت – التكوير } .

والصالحين يوم القيامة يزوجهم الله تعالى بالحور العين لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ – الطور 20 } .

ثم يقول تعالى :

  • وإذا الموؤدة سئلت (8) باي ذنب قتلت (9)

[..أخرج البزار والحاكم في الكنى والبيهقي في سننه عن عمر بن الخطاب في قوله: { وإذا الموءودة سئلت } قال: ” جاء قيس بن عاصم التميمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني وأدت ثمان بنات لي في الجاهلية، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ” أعتق عن كل واحدة رقبة، قال إني صاحب إبل. قال: فأهد عن كل واحدة بدنة   “.- الدر المنثور ج6 ص356 ] .

[ روى عن عمر بن الخطاب قال يارسول الله : إني وأدت في الجاهلية فقال النبي صلى الله عليه وآله اعتق بكل موءودة رقبه الدر المنثور ح6 ص 320 ] .

[وأخرج أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والطبراني وابن مردويه عن خدامة بنت وهب قالت: ” سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزل فقال: ” ذاك الوأد الخفي وهو { الموءودة }”  – الدر المنثور ج6  ص 356 ]  .

وورد في تفسير البرهان عن هذه الآية وتفسيرها :

[ أبو علي الطبرسي : روي عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام): ” و إذا المودة سئلت بأي ذنب قتلت ” بفتح الميم و الواو و الدال، و كذلك عن ابن عباس (رحمه الله)، و هي المودة في القربى، و إن قاطعها يسأل: بأي ذنب قطعتها؟

  • و روي عن ابن عباس أنه قال: من قتل في مودتنا و ولايتنا.
  • محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن بعض أصحابه، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة ابن صدقة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: ” قال أمير المؤمنين (عليه السلام): أيها الناس، إن الله تبارك و تعالى أرسل إليكم الرسول (صلى الله عليه و آله) و أنزل إليه الكتاب بالحق، و أنتم أميون عن الكتاب، و من أنزله، وعن الرسول و من أرسله، على حين فترة من الرسل، و طول هجعة من الأمم، و انبساط من الجهل، واعتراض من الفتنة، و انتقاض من المبرم، وعمى عن الحق، و اعتساف من الجور و امتحاق من الدين، و تلظ من الحروب، على حين اصفرار من رياض جنات الدنيا، و يبس من أغصانها، و انتثار من ورقها، و يأس من ثمرها، واغورار من مائها.
  • قد درست أعلام الهدى، و ظهرت أعلام الردى، فالدنيا متجهمة في وجوه أهلها مكفهرة، مدبرة غير مقبلة، ثمرها الفتنة، و طعامها الجيفة، و شعارها الخوف، و دثارها السيف، مزقتم كل ممزق، و قد أعمت عيون أهلها، و أظلمت عليها أيامها، قد قطعوا أرحامهم، و سفكوا دماءهم، و دفنوا فى التراب الموءودة بينهم من أولادهم، يجتاز دونهم طيب العيش و رفاهية خفوض الدنيا، لا يرجون من الله ثوابا، و لا يخافون و الله منه عقابا، حيهم أعمى نجس، و ميتهم في النار مبلس، فجاءهم بنسخة ما في الصحف الاولى، و تصديق الذي بين يديه، و تفصيل الحلال من ريب الحرام، ذلك القرآن فاستنطقوه، و لن ينطق لكم، أخبركم عنه أن فيه علم ما مضى، و علم ما يأتي إلى يوم القيامة، و حكم ما بينكم و بيان ما أصبحتم فيه تختلفون، فلو سألتموني عنه لعلمتكم “.
  • وعنه: عن محمد بن الحسن و غيره، عن سهل، عن محمد بن عيسى، و محمد بن يحيى، و محمد بن الحسين جميعا، عن محمد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر، و عبد الكريم بن عمرو، عن عبد الحميد، ابن أبي الديلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) – في حديث – قال: ” فقال :{قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ } – تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني ] .

وهنا :

(وإذا الموءودة)

[ ووأد البنت : يئدها وأداً : دفنها حية ووصف المفعوا موؤدة وقد كان يفعل هذا بعض العرب في الجاهلية فيعمد الرجل إلى ابنته فيئدها في صغرها خشية أن تلحق به عاراً بزناها أو سبيها إن كبرت أو خشية إملاق وهو الفقر – معجم ألفاظ القرآن باب الواو فصل الهمزة والدال ] .

قال تعالى هنا { وإذ الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت – التكوير 8 } وهذا اللفظ مما ليس له مرادف في كتاب الله .

وأما :

(سئلت)

والسؤال هنا للجميع قال تعالى { فلنسألن الذين أرسل إليهم لنسئلن المرسلين – الأعراف 6 }

والجميع سيسأل وهو أعلم سبحانه وتعالى بكل شيئ ولكن السؤال لكشف ما هو مخفي عن العالمين قال تعالى { فوربك لنسئلنهم أجمعين عما كانوا يعملون – الحجر 92 } ومن هذه الأسئلة الموجهة للمجرمين لماذا كفروا بالله ولماذا قتلوا هذه الوليدة أو هذا المظلوم قال تعالى { وقفوهم إنهم مسؤولون – الصافات 24 } وقال تعالى لهذه الموءودة { وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت – التكوير 8 }

[ أي سألت الموءودة أباها {بِأَىِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ} بأي ذنب قتلتني ويقال وإذا الوائد يعني القاتل سئل بأي ذنب قتلتها – تفسير القرآن للفيروز أبادي ] .

ولورود لفظ السؤال في قول تعالى { قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى – الشورى } تبين أن الخلق سيسئل عن مودة أهل البيت وولايتهم عليهم السلام في هذا اليوم وعدوهم ومبغضهم سيحشر مع الذين كفروا ووأدوا الوليدة وظلموا وسفكوا الدماء البريئة ولذلك في مرويات أهل البيت أن المقتول في سبيل أهل البيت ومودتهم كالموءودة التي قتلت ظلماً .

[ قال الإمام أبي عبد الله عليه السلام في حديث طويل …. ثم قال جل ذكره ( وآتي ذا القربى حقه) وكان علي عليه السلام وحقه الوصية التي جعلت والإسم الأكبر وميراث العلم وآثار النبوة فقال (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) ثم قال ( وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت) يقول أسألكم عن المودة التي نزلت عليكم وفضلها مودة القربى باي ذنب قتلتوهم – نور الثقلين ج 5 ص 514-515 ]   ثم يقول تعالى :

  • بأي ذنب قتلت (9)

 وأما :

(بأي)

وهنا يبين تعالى أنه في كتاب الله تعالى قال { ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق – الإسراء 33 } وفي كتب الله السماوية من قبل قال تعالى { وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس – المائدة 45}  والسؤال هنا يقول تعالى باي ذنب قتلت وهى لم ترتكب أي جناية وإذا كان الله تعالى هذا حكمه وحكم الكتب السماوية من قبل وفعلوا ذلك فبأي حديث بعده يؤمنون قال تعالى { تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ – الجاثية 6} ويقول تعالى أيضاً { فبأي حديث بعده يؤمنون – المرسلات 50 } .

وأما :

(ذنب)   

الذنب الإثم والمحرم من الفعل والجمع ذنوب قال تعالى { ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون – الشعراء 14 } والله تعالى يقول عن هذه الذنبوب { وكفى بربك بذنوب عباده خبيراً بصيرا – الإسراء 17 } ولأن الله تعالى يقول { فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم – محمد 19 } تبين الآية أن الإسلام والذي يبدأ بكلمة (لا إله إلا الله) يجب ما قبله إن حسن إسلامهم وأعتقوا رقبة كما في الحديث الشريف أوردناه من قبل ويوم القيامة إذا أوقفوا وَسُئِل الظلمة والقتلة كما في قوله تعالى{وقفوهم إنهم مسؤولون – الصافات 24 }  وكذلك وَسُئِلت الموءودة هنا في قوله تعالى { وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت – التكوير 8-9}  وهنا يعترفون بذنوبهم لورود هذا اللفظ في قوله تعالى {  فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير – الملك 11} .

وأما :

(قتلت)

يقول تعالى في القتل عموماً { من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا  – المائدة 32 } وهنا يبين تعالى أن النفس بالنفس لقوله تعالى { وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس – المائدة} وقتل الأولاد يقول تعالى فيه { وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ –الأنعام 151 } وقال تعالى أيضاً {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا كبيرا – افسراء 31 } ويقول تعالى في هؤلاء المقتولين ظلماً ووأداً أن الله تعالى سيثأر لهم في الدنيا قال تعالى { ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا – الإسراء 33 } . وهنا يصح أحاديث طرق أهل البيت عليهم السلام أن الوأد يدخل فيه ايضاً قتل المظلومين ممن تولاهم .

ثم يقول تعالى :

  • وإذا الصحف نشرت (10)

وهنا :

(وإذا الصحف)

[ الصحيف : وجه الأرض والصحيفة المبسوط من الشيئ كصحيفة الوجه ومن ذلك الصحيفة التي يكتب فيها وجمعها صحائف وصحف والمصحف ما جُعل جامعاً للصحف – معجم ألفاظ القرآن باب الصاد فصل الحاء والفاء ] والصحف في كتاب الله تأت على أنها ما نزل من عند الله تعالى على المرسلين والنبيين من كتب في صحف قال تعالى { إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى – الأعلى 18-19}  وهذه البينة فيها كتب قيمة قال تعالى فيها { لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ – البينة1-3} .

 

وهذه الصحف لها بينة في الصحف الأولى وبينة في آخر الزمان قال تعالى فيها { وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه أولم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى – طه 133}

ومن عمل بهذه الصحف فهو عند الله تعالى من أهل الجنة المدون أسماؤهم في الصحف المكرمة قال تعالى {كلا إنها تذكره فمن شاء ذكره في صحف مطهرة بأيدي سفرة كرام برره – عبس 11-16} . فإذا نشرت صحف العباد كما في قوله تعالى هنا { وإذا الصحف نشرت التكوير 10} أدخلهم الله تعالى الجنة يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب لهم فيها ماتشتهيه الأنفس وتلذ الأعين قال تعالى { يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ ۖ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ ۖ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ– الزخرف 71 } .

وأما :

(نشرت)

[ ونشره ينشره نشراً بسطه فهو ضد طواه ويأتي في المحسات والمعاني تقول نشرت الصحيفة ونشرت علمه والله ينشر رحمته وأنشر الله الميت أحياه من بعد الموت  – معجم ألفاظ القرآن باب النون فصل الشين والراء ] و [ ونشرت صحيفتك يا ابن آدم تملى ما فيها ، ثم تُطوى ، ثم تُنشر عليك يوم القيامة .- تفسير الطبري ]  قال تعالى { خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ – القمر 7 } . والنشور يكون لله تعالى والحكم بين الخلق قال تعالى { هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ – الملك 15 } وكما جعل الله تعالى النهار بنوره وضياءه نشورا للخلق في قوله تعالى { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا – الفرقان 47 } كذلك في الآخرة تكون الحياة بنور الله تعالى الذي أنزله على رسوله كما في قوله تعالى { الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الزلمات إلى النور – البقر’ } وهذا النور نزل على نبي الله وهو نور قال تعالى فيه { قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين – النور} ومن كان عاملاً بكتاب الله وسنة رسوله متولياً أهل بيته عليهم السلام هنا سينشره الله تعالى في جنته ومن مات على غير ذلك فهو في جهنم ولن ينشر إلا في جهنم .

وكذلك مادة الحياة في الدنيا هى الماء الذي جعل الله تعالى منه كل شيئ حي قال تعالى فيه { وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا ۚ كَذَٰلِكَ تُخْرَجُونَ – الزخرف 11 }

كذلك في الآخرة من عمل بكتاب الله تعالى كما بينا فسيحييه الله تعالى ولذلك يقول أهل النار لأهل الجنة { وَنَادَىٰ أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ ۚ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۚ فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَٰذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ – الأعراف 50-51 } .

وهؤلاء هم الذي سيؤتيهم الله تعالى صحفاً منشره يدخلون بها الجنة في وقت لن ينال هذه الصحف أهل النار كما في قوله تعالى { بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَىٰ صُحُفًا مُّنَشَّرَةً – المدثر 52 }

 ثم يقول تعالى :

  • وإذا السماء كشطت (11)

وهنا :

(كشطت)

[ وكشط الشيئ عن الشيئ : نزعه أو أزاله يقال كشط الجلد عن اللحم أو السرج عن الفرس – معجم ألفاظ القرآن باب الكاف فصل الشين والطاء  ] وهذا اللفظ ليس له مرادف قال تعالى { وإذا السماء كشطت } .

وأما :

(وإذا السماء)

من خلال هذا اللفظ تبين لنا أن كشط السماء سيمر بعدة مراحل متتالية في كتاب الله وهى :

  • انفطار السماء : وهى تشقق بسيط قال تعالى فيه { إذا السماء انفطرت – الإنفطار 1 }
  • انفراج السماء : لقوله تعالى { إذا السماء فرجت – المرسلات 9}
  • إحمرار السماء انشقاقها : قال تعالى { فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان – الرحمن 37 } .
  • تحرك السماء بشدة : قال تعالى {يوم تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا – الطور 9-10}
  • ثم تكشط السماء ويمحوها الله تبارك وتعالى لقوله عز وجل هنا { إذا السماء كشطت – التكوير 11 } .
  • المرحلة الأخيرة هنا استبدال الأرض غير الأرض والسماوات كما في قوله تعالى { يوم تبدل الأرض غير الرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار – إيبراهيم 48 } .

ثم يقول تعالى :

  • وإذا الجحيم سعرت (12)

وهنا :

(وإذا الجحيم)

[ وجحمت النار تجحم جحوماً : عظمت وتأججت وجحمت تجحم جحماً وجحوماً :اضطرمت وكثر جمرها وتوقدها – معجم ألفاظ القرآن باب الجيم فصل الحاء والميم ] قال تعالى في جحيم الدنيا { قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم – الصافات 97 } وقال تعالى هنا في جحيم الآخرة { وإذا الجحيم سعرت – التكوير 12 }

والجحيم جعله الله تعالى للكافرين التاركين التحاكم لكتاب الله تعالى سواء كانوا من هذه الملة الإسلامية أو من غيرها قال تعالى { والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم – المائدة 10 } .

وهؤلاء منهم الذين يجادلون في آيات الله بالباطل ليدحضوا به الحق فيؤمنوا ببعض ويكفرون ببعض أو يقدمون آراء وأهواء الرجال على كتاب الله و يجادلون في سبيل ذلك أو يحطون من شأن رسول الله صلى الله عليه وآله ينسبون له الأخطاء منها نزول الوحي موافقاً لرأي عمر مخالفاً للنبي صلى الله عليه وآله أو جادلوا بالباطل لاستبعاد الناس عن ولاية أهل بيت النبي ليجعلوها في غيرهم مقدمين غيرهم عليهم وهذا الجدل بالباطل قال تعالى فيه { والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك أصحاب الجحيم – الحج 51 } . وعن مرائهم وجدالهم يقول تعالى { إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ  طَعَامُ الْأَثِيمِ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَىٰ سَوَاءِ الْجَحِيمِ ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ إِنَّ هَٰذَا مَا كُنتُم بِهِ تَمْتَرُونَ – الدخان 43-50 } .

وهؤلاء هم الذين أخذو كتابهم بشمالهم كما في قوله تعالى عن جرائمهم في الدنيا من كفر وعدم إيمان بالله تعالى وترك دعم ومساعدة الفقراء والمساكين وهؤلاء ليس لهم في الآخرة إلا الجحيم وليس لهم صديق حميم قال تعالى : { وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ  وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ مَا أَغْنَىٰ عَنِّي مَالِيَهْ ۜهَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ – الحاقة 25-35}

وهذا الجحيم تدعوا الملائكة للمؤمنين بان يقيهم ويصرف عنهم هذا العذاب كما في قوله تعالى : {الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم – غافر 7 }

و هؤلاء المؤمنين بتقواهم لله عز وجل تجاب دعوة الملائكة فيهم فيصرف الله تعالى عنهم هذا العذاب كما في قوله تعالى { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ ۖ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ ۚ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ  يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَّا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ  – الطور 17-24 }

 وأما :

(سعرت)

[ وسعر النار والحرب يسعرها سعراً  وأسعرها إسعاراً و سعرهما تسعيراً أوقدهما وهيجهما – معجم ألفاظ القرآن باب السين فصل العين والراء ] قال تعالى في أهل الشمال من الكفار والمنافقين الذين يأخذون كتاب أعمالهم بشمالهم ووراء ظهورهم : { وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ  فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا وَيَصْلَىٰ سَعِيرًا إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ  بَلَىٰ إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا  – الإنشقاق 10-14 } .

وهنا يبين تعالى أن الجنة أزلفت أي اقتربت من المتقين وكذلك العكس في أهل الشمال تسعر جهنم لهم وبهم قال تعالى هنا {  وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ – التكوير 12-13 } ويبين تعالى أن هؤلاء هم الذين تفرقوا على ولاية أهل بيت نبيهم حسداً  و صدوا عن سبيل الله  كما في قوله تعالى { أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۖ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ ۚ وَكَفَىٰ بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا – النساء 54-56 } .

ثم يقول تعالى :

  • وإذا الجنة أزلفت (13)

[ وزلف إليه زلفاً وزلفى وزُلفة و ازدلف وتزلف : دنا منه وتقرب و الزلفى : القرب – معجم ألفاظ القرآن باب الزاي فصل اللام والفاء ] قال تعالى في أهل النار وأهل الجنة : {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ هَٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ مَّنْ خَشِيَ الرَّحْمَٰنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ۖ ذَٰلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ – الشعراء 33-35 } . وتقترب الجنة منهم غير  بعيد كما في قوله تعالى { وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ – ق 31 }

ثم يقول تعالى :

  • علمت نفس ما أحضرت (14)

وهنا :

(علمت نفس)

وهنا يبين تعالى أنه إذا قامت القيامة بأهوالها في هذا اليوم من المحكمة الإلهية الكبرى علمت نفس ما أحضرت أي علمت ما قدمت وأخرت كما في قوله تعالى { إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ   وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ – الإنفطار 1-5 } .

وأما :

(ما أحضرت)

والحضور هنا يكون بالموت أوقيام القيامة لقوله تعالى { إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ – يس 53 }

فإذا حضروا حضرت معهم أعمالهم كما في قوله تعالى { وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا – الكهف 49 } وهؤلاء إن ماتوا على كفر أو نفاق فهم في العذاب محضرون كما في قوله تعالى { وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون – الروم 16 }

و كل نفس مؤمنة آمنت بالله تعالى وعملت الصالحات فستجد أيضاً أعمالهم الصالحة حاضرة معهم تقيهم عذاب جهنم وأهوال يوم القيامة لقوله تعالى { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ۗ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ – آل عمران 30 } .

ثم يقول تعالى :

  • فلا أقسم بالخنس (15)

[ أخرج سعيد بن منصور والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه من طرق عن علي في قوله: {فلا أقسم بالخنس} قال : هي الكواكب تكنس بالليل وتخنس بالنهار فلا ترى.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق الأصبغ بن نباتة عن عليّ في قوله: { فلا أقسم بالخنس } قال: خمسة أنجم زحل وعطارد والمشتري وبهرام والزهرة ليس في الكواكب شيء يقطع المجرة غيرها.

و  عن عليّ في قوله: { فلا أقسم بالخنس } قال: خمسة أنجم زحل وعطارد والمشتري وبهرام والزهرة ليس في الكواكب شيء يقطع المجرة غيرها.

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: الخنس نجوم تجري يقطعن المجرة كما يقطع الفرس.

وأخرج ابن مردويه والخطيب في كتاب النجوم من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله: { فلا أقسم بالخنس الجواري الكنس } قال: هي النجوم السبعة زحل وبهرام وعطارد والمشتري والزهرة والشمس والقمر، خنوسها رجوعها، وكنوسها تغيبها بالنهار. – الدر المنثور للسيوطي ] .

[علي بن إبراهيم، في قوله: { فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلْخُنَّسِ }: أي اقسم بالخنس، وهي اسم النجوم { ٱلْجَوَارِ ٱلْكُنَّسِ } ، قال: النجوم تكنس بالنهار فلا تبين.

– محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن الحسن، عن عمر ابن يزيد، عن الحسن بن الربيع الهمداني، قال: حدثنا محمد بن إسحاق، عن أسيد بن ثعلبة، عن أم هانئ، قالت: لقيت أبا جعفر محمد بن علي (عليهما السلام)، فسألته عن هذه الآية { فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلْخُنَّسِ * ٱلْجَوَارِ ٱلْكُنَّسِ } ، قال: ” الخنس: إمام يخنس في زمانه عند انقطاع من علمه عند الناس سنة ستين ومائتين، ثم يبدو كالشهاب الثاقب في ظلمة الليل، فإن أدركت ذلك قرت عينك .

– وعنه : عن علي بن محمد ، عن جعفر بن محمد، عن موسى بن جعفر البغدادي، عن وهب بن شاذان، عن الحسين بن أبي الربيع، عن محمد بن إسحاق، عن أسيد بن ثعلبة، عن أم هانئ، قالت: سألت أبا جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) عن قول الله عز و جل: { فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلْخُنَّسِ } الْجَوارِ الْكُنَّسِ قالت: فقال: ” إمام يخنس سنة ستين ومائتين ، ثم يظهر كالشهاب يتوقد في الليلة الظلماء، وإذا أدركت زمانه قرت عينك “.

– محمد بن إبراهيم النعماني، قال: أخبرنا سلامة بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن داود بن علي قال: حدثنا أحمد بن الحسن، عن عمران بن الحجاج، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن محمد بن أبي عمير، عن محمد بن إسحاق، عن أسيد بن ثعلبة، عن أم هانئ، قالت: قلت لأبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليهما السلام) :

ما معنى قول الله عز و جل: { فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلْخُنَّسِ }؟ فقال: ” يا أم هانئ، إمام يخنس نفسه حتى ينقطع عن الناس علمه سنة ستين و مائتين، ثم يبدو كالشهاب الواقد في الليلة الظلماء، فإن أدركت ذلك الزمان قرت عينك “. – البرهان للسيد هاشم البحراني ] .

وفي تفسير الطبري [ .. عن سماك بن حرب، قال: سمعت خالد بن عُرعرة، قال: سمعت عليا عليه السلام ، وسُئل عن ( لا أُقْسِمُ بالخُنَّسِ الجَوَارِ الكُنَّسِ ) قال: هي النجوم تخنس بالنهار، وتكنس بالليل –تفسير الطبري ]

وهنا :

(فلا أقسم)

وهنا [ (فلا أقسم) أي وأقسم – تفسير نور الثقلين ج5 ص 516 ]

وهنا ورد في تفسير الدر المنثور وغيره من التفاسير أن (اللا) زائده وحاشا لله أن تكون كذلك وإلا لما كان لها فائدة ولكن لا أقسم اللا نافيه فإذا قال تعالى {لا اقسم} فهو امر عظيم لا يحتاج إلى قسم لذلك فهو يعنى أنه أمراً عظيماً مما لا ترون فلا يحتاج إلى قسم قال تعالى { فلا أقسم بما تبصرون ومالا تبصرون – الحاقة 38-39} ويقسم تعالى بالمشارق والمغارب أنه قاد على أن يبدل خيراً منهم  { فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ خَيْرًا مِّنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ– المعارج 40-41 } وقسم تعالى بالشفق والليل وما وسق وأن افنسان آخر الزمان سيصعد الطبقة الأولى من السماء بمعارج قال تعالى فيها { ومعارج عليها يظهرون – الزخرف } قال تعالى هنا  { فلا أقسم بالشفق  والليل وما وسق والقمر إذا اتسق لتركبن طبقاً عن طبق – الإنشقاق 16 } ويقسم تعالى   بيوم القيامة والنفس اللوامة التي لا يعلم ما بها إلا خالقها  { لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ بَلَىٰ قَادِرِينَ عَلَىٰ أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ  بَلْ يُرِيدُ الْإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ وَخَسَفَ الْقَمَرُ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ يَقُولُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ كَلَّا لَا وَزَرَ  إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ – القيامة1-12 }

وبالتالي هنا القسم بالشفق والمشارق والمغارب والقمر إذا اتسق تدل على أن القسم هنا بنجوم ومواقعها كما في قوله تعالى عن حكمة مواضع النجوم {فلا أقسم بمواقع النجوم – الواقعة 75 } فهذا يعني أن قوله تعالى هنا { فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوَارِ الْكُنَّسِ وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ – التكوير 15-18 } هى نجوم في السماء يتحول معها الليل إلى نهار والنهار إلى ليل تعرف بها مواقيت الليل والنهار والفصول والأعوام .

وأما :

(الخنس)

[ وخنس يخنس خنساً وخنوساً : تأخر وانقبض والخناس الشيطان لأنه يخنس إذا ذكر الله تعالى أي ينقبض ويختفي منصرفاً- معجم ألفاظ القرآن باب الخاء فصل النون والسين ] . قال تعالى { من شر الوسواس الخناس والذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس – الناس }

والخنس على ذك كواكب ونجوم تختفي بالليل وتظهر بالنهار كالشمس أو القمر الذي يخنس بالنهار أو نجوم تظهر لتحديد المواسم والمواقيت والشهور والفصول والإتجاهات كما بينا [ زحل والمشتري والمريخ والزهرة وعطارد وسميت بذلك لنها تخنس في مجراها وتكنس أي تستر كما تكنس الظباء في المغارة وهى الكناس – مجمع البحرين وملتقى النيرين  للطريحي باب السين وما أوله خاء ] .

[ وتخنس أي ترجع في مجراها وراءها بينما نرى النجم في آخر البرج إذ كر راجعاً إلى أوله وتكنس بكسر النون تدخل في كناسها أي تغيب في المواضع التي يغيب فيها – تفسير الجلالين للسيوطي ]

وهذه الظاهرة عن أفول القمر قال فيه تعالى { فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين – الأنعام 77 }  وكذلك قال عن أفول الشمس وخنوسها واختفاؤها { فلما أفلت قال ياقوم إني بريئ مما تشركون – الأنعام 78 } .

وحيثث أن الشمس والقمر في كتاب الله ظاهرهما المسؤلين عن الليل وضوء النهار إلا أن مواضع أخرى في كتاب الله بينت أن السراج المنير وهى الشمس ترمز للنبي صلى الله عليه وآله { وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا – الأحزاب 46 }  وفي منام سيدنا يوسف الذي رآه عن الشمس والقمر وهما رمزان لنبي الله يعقوب وزوجه قال تعالى { قال يا أبت إني رايت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين – يوسف }

وبالتالي هذه الكواكب الإثني عشرا كوكباً رموزاً لأئمة أهل البيت عليهم السلام وكل ساعة لإمام من الأئمة من أول ساعة في فجر السبت والذي يبدأ بكوكب زحل ثم المشتري ثم المريخ ثم الشمس ثم الزهرة ثم عطارد ثم القمر فيخنسوا ثم يظهر مرة أخرى كوكب زحل بالترتيب لياعات النهار كما بيناه من قبل وهذا الترتيب مذكور في بيت شعر كالآتي :

[ زحل شرى مريخه من شمسه متزاهرت لعطارد الأقمار ] وهناك كواكب لتحديد الإتجاهات والفصول لذلك قال تعالى { فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس }

وعلى ذلك القسم هنا بعظم حلقه تعالى دقة صنعته في سمائه وما خلقه الله تعالى من أفلاك تكنس ومنها ما يخنس لدوران الكون كله تسبيحاً بحمد الله تعالى وباطن المعنى عظم مكانة النبي والأئمة من أهل بيته عليهم السلام لذلك يرمز للنبي بالسراج المنير والإمام بالقمر راجع بياننا في قوله تعالى { والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها – الشمس}

ثم يقول تعالى :

  • الجوار الكنس (16)

وهنا :

(الجوار)

[ وجرى : المر السريع يقال جرت السفينة وجرى الماء يجري جرياُ فهو جار وهى جارية – معجم ألفاظ القرآن باب الجيم فصل الراء والياء ] قال تعالى { وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالأَعْلامِ – الرحمن 24 } .

وكما تجري السفن في البحار كذلك تجري النجوم والكواكب سباحة في الهواء قال تعالى { الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون – الرعد 2} وقال تعالى في جريان الليل والنهار بواسطة الشمس والقمر  { يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير – فاطر 13 } وقال تعالى أيضاً {خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ألا هو العزيز الغفار – الزمر5 }  وهذه الكواكب والنجوم هنا هى الجوار الكنس التي قال تعالى فيها { فلا أقسم بالخنس الجواري الكنس } .

وأما :

(الكنس)

[ وكنس الظبي يكنس كنوساً : استتر في كناسة وهو مأواه يتخذه من الشجرة ليستره فهو كانس وجمعه كُنَس والكنس كواكب تختفي والكنوس كل ما كانت صفته الجري أحياناً والسكون أحياناً فهو كانس ] .قال تعالى هنا { الجوار الكنس } .

ثم يقول تعالى :

  • والليل إذا عسعس (17) والصبح إذا تنفس (18)

 وهنا :

( والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس)

أي أنه يقول تعالى { والليل إذ أدبر والصبح إذا أسفر }

وأما :

(والليل)

يبين تعالى هنا أنه تعالى يقلب الليل والنهار كما في قوله تعالى { يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُولِي الأَبْصَارِ – النور44 } وهذا التقليب بينهما يكون بتكوير الليل على النهار والنهار على الليل  كما في قوله تعالى { خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۖ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ ۖ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ۗ أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ – الزمر 5 } .

وهنا يولج الله الليل في النهار كما في قوله تعالى { يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ ۚ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ – فاطر 13 } .

وكما يقلب الله الليل والنهار يقلب الدول بين الكفر والإيمان قال تعالى { ذَٰلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ – الحج 60-61 } .

وعلى ذلك هناإذا أقسم الله تبارك وتعالى بالليل والنهار وتقلب العالم بينهما في ظاهر المعنى ويكون الوجه  الآخر من البيان القسم بتقلب الدول بن الكفر و الإيمان قال تعالى { قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ – آل عمران 26 } .

وأما :

(إذا عسعس)

وعسعس أي [ والعسعاس مايطلب من الصيد بالليل من السباع والخفيف من كل شيئ وعسعسة الليل خفة ظلامه في أول إقباله أو عند إدباره أو عند إدباره بالسحر قبيل الصبح ويقال أن عسعس بمعنى أقبل وبمعنى أدبر فهو من الضداد – معجم ألفاظ القرآن باب العين فصل السين والسين ]

قال تعالى { والليل إذا عسعس } .

وعسعسته طلب النهار له ودخوله فيه كقوله تعالى { يغشي الليل النهار يطلبه حثيثاًوالشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره – الأعراف 54 } .

ثم يقول تعالى :

  • والصبح إذا تنفس (18)

وهنا :

(والصبح إذا)

وهذا الصبح يظهر فيه النور كقوله تعالى { فالق الإصباح وجعل الليل سكناً – الأنعام 96 } أي [شاقٌّ عمود الصبح عن ظلمة الليل وسواده – الطبري ] أي أن المعنى هنا { والصبح إذا تنفس } وهذا الصبح ونوره مع انبلاج ضوءه كان في هذا التوقيت الوقت هلاك قوم لوط كما في قوله تعالى : { وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ- القمر 38 } وقال تعالى أيضاً { إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب – هود 81 } . قال تعالى فيه { والصبح إذا أسفر– المدثر 34 } أي إذا أضاء .

وأما :

(إذا تنفس)

[ وتنفس : أدخل النفس إلى باطنه وأخرجه يقال تنفس الصبح إذا ظهر وامتد وصار نهاراً كأنه كان في غم من ظلمة الليل وضيق به فأسعفه الضوء فارتاح وهذا مجاز كقوله تنفس الصعداء – معجم ألفاظ القرآن باب النون فصل الفاء والسين ]  . وكما يدخل النفس ويخرج كذلك يدخل النهار في الليل قال تعالى { والصبح إذا تنفس } .

ثم يقول تعالى بعد هذا القسم :

  • إنه لقول رسول كريم (19)

وهذه الآية يبينها قوله تعالى { فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لَا تُبْصِرُونَ  إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ ۚ قَلِيلًا مَّا تُؤْمِنُونَ وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ – الحاقة 38-43 } وهذا الرسول الكريم له قوة عند صاحب العرش سبحانه وتعالى كما في الآية هنا { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ – التكوير 19-22} .

وأما :

(إنه)

أي أنه يقول تعالى { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ  فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ – الواقعة 77-80 } وهذا القرآن الكريم يسره الله تعالى على لسان رسوله الكريم صلى الله عليه وآله كما في الآية هنا { { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ – التكوير 19-22} .

وأما :

(لقول)

أي أن هذا القرآن الكريم هو القول الفصل كما في قوله تعالى { إنه لقول فصل وما هو بالهزل – الطارق 13 }وهذا القول الفصل قال فيه تعالى { إنه لقول رسول كريم } وبالتالي القرآن الكريم ليس قول شيطان رجيم كما في قوله تعالى {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ – التكوير 25 } .

وأما :

(رسول كريم)

والرسول الكريم ورد على نبي الله موسى عليه السلام في قوله تعالى {وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ – الدخان 17 } وهنا الرسول الكريم هو الذي أكرمه الله تعالى بالرسالة كما في قوله تعالى : { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ – الحاقة 40} .

وأما :

(رسول)

ورد لفظ رسول في قوله تعالى { رسول من الله يتلو صحفاً مطهره فيها كتب قيمة – البينة } وهذا الرسول شاهداً على الأمة كما أرسل الله تعالى إلى فرعون رسولا قال تعالى { إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا  -المزمل 15 }

وهذا الرسول دعوة دعاها نبي الله إبراهيم بأن يبعث فيهم رسولا يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم قال تعالى { ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم  – البقرة 129 } وقال تعالى

{ كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون – البقرة 151} . وهذاهو الرسول الكريم هنا .

وأما :

(كريم)

[ الكَريمُ : من صَفات الله تعالى وأَسمائه، وهو الكثيرُ الخير الجوادُ المُعطِي الذي لا ينفَذُ عطاؤه ] قال تعالى { ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم – النمل 40 } وهو تعالى رب العرش الكريم قال تعالى  { فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم – المؤمنون 116}

والكريم الشريف المرفوع المكانة على كل الخلق لقوله تعالى { ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر – الإسراء 70} وآدم كرمه الله تعالى كما في قوله عز وجل { قال أرئيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتني إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا – الإسراء}  وتكريم النبي صلى الله عليه وآله بالقرآن الذي أنزل عليه وهو قرآن كريم كما في قوله تعالى { إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون – الواقعة 77-79 } . ولذلك قال تعالى هنا في القرآن الكريم { إنه لقول رسول كريم } .

ومنآمن بالله تعالى وكتابه الكريم ورسوله الكريم فله في الآخرة مقام كريم قال تعالى { فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة ورزق كريم – الحج 50 } .

ثم يقول تعالى :

  • ذي قوة عند ذي العرش مكين (20)

[{إنه لقول رسول كريم } هذا جواب القسم أي أن القرآن قول رسول كريم على ربه وهو جبرائيل وهو كلام الله تعالى أنزله على لسانه أي سمعه محمد من جبرائيل ولم يقله من قبل نفسه عن الحسن وقتادة. وقيل: إنما أضافه إلى جبرائيل لأن الله تعالى قال لجبرائيل : ائت محمداً صلى الله عليه وسلم وقل له كذا . ثم وصف جبرائيل (عه السلام) فقال { ذي قوة } أي فيما كلف وأمر به من العلم والعمل وتبليغ الرسالة. وقيل : ذي قدرة في نفسه ومن قومه قلعه ديار قوم لوط بقوادم جناحه حتى بلغ بها السماء ثم قلبها { عند ذي العرش مكين } معناه متمكن عند الله صاحب العرش و خالقه رفيع المنزلة عظيم القدر عنده كما يقال فلان مكين عند السلطان والمكانة القرب . { مطاع ثم } أي في السماء تطيعه ملائكة السماء قالوا ومن طاعة الملائكة لجبرائيل أنه أمر خازن الجنة ليلة المعراج حتى فتح لمحمد صلى الله عليه وسلم أبوابها فدخلها ورأى ما فيها وأمر خازن النار ففتح له عنها حتى نظر إليها { أمين } أي على وحي الله ورسالاته إلى أنبيائه وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجبرائيل (عليه السلام): ” ما أحسن ما أثنى عليك ربك ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين فما كانت قوتك وما كانت أمانتك فقال أما قوتي فإني بعثت إلى مداين لوط وهي أربع مداين في كل مدينة أربعمائة ألف مقاتل سوى الذراري فحملتهم من الأرض السفلى حتى سمع أهل السماوات أصوات الدجاج ونباح الكلاب ثم هويت بهن فقلبتهم وأما أمانتي فإني لم أؤمر بشيء فعدوته إلى غيره  “. ثم خاطب سبحانه جماعة الكفار فقال {وما صاحبكم} الذي يدعوكم إلى الله وإخلاص طاعته {بمجنون} والمجنون المغطى على عقله حتى لا يدرك الأمور على ما هي عليه للآفة الغامرة له وبغمور الآفة يتميز من النائم لأن النوم ليس بآفة وهذا أيضاً من جواب القسم أقسم الله عزَّ اسمه أن القرآن نزل به جبرائيل وأن محمداً صلى الله عليه وسلم ليس على ما يرميه به أهل مكة من الجنون. { ولقد رآه بالأفق المبين } أي رأى محمداً صلى الله عليه وسلم جبرائيل (عليه السلام) على صورته التي خلقه الله تعالى عليها حيث تطلع الشمس وهو الأفق الأعلى من ناحية المشرق عن قتادة ومجاهد والحسن { وما هو على الغيب بضنين } أي ليس هو على وحي الله تعالى وما يخبر به من الأخبار بمتهم فإن أحواله ناطقة بالصدق والأمانة عن ابن عباس وسعيد بن جبير وإبراهيم والضحاك ومن قرأ بالضاد فالمعنى أنه ليس ببخيل فيما يؤدّي عن الله أن يعلّمه كما علَّمه الله. – مجمع البيان في تفسير القرآن للطبرسي ] .

وهنا :

(ذي)

بمعنى [صاحب وهو إسم يتوصل به إلى الوصف بأسماء الأجناس والأنواع ] كقوله تعالى { ويسئلونك عن ذي القرنين – الكهف 83 } وعلى ذلك ورود هذا اللفظ في قوله تعالى هنا { رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين – التكوير } أي أن رسول الله صلى الله عليه وآله صاحب قوة عند صاحب العرش وصاحب القوة أي المصاحب له قوة من عند صاحب العرش وهذه القوة هو سيدنا جبريل عليه السلام لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { أليس الله بعزيز ذي انتقام – الزمر 37} وقد انتقم الله تعالى من أصحاب الحجر وهم ثلاث أمم عاد وثمود وفرعون ورد هذا اللفظ في قوله تعالى {هل في ذلك قسم لذي حجر – الفجر 5} وقال تعالى فيما نزل من عذاب في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله  وقال تعالى ايضاً { سأل سائل بعذاب واقع ليس له دافع من الله ذي المعارج – المعارج 3 } وفي آخر الزمان ينزل عليه السلام بمعارج لتدمير معارج الدجال وذلك لورود هذا اللفظ في قوله تعالى{انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب – المرسلات 30 }

وهذه القوة موكول بها سيدنا جبريل عليه السلام الذي أسرى به ثم عرج به صلى الله عليه وآله من المسجد الحرام بعد نزول القرآن عليه لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون – الزمر28} وقال تعالى أيضاَ{ ص والقرآن ذي الذكر – ص1}

و لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم – إبراهيم 37} يتبين لنا أن رسول الله الخاتم صلى الله عليه وآله أوحى الله تعالى إليه في مكة المكرمة حرسها الله ثم أسري به وعرج من المسجد الحرام إلى ما فوق سبع سماوات لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { سأل سائل بعذاب واقع ليس له دافع من الله ذي المعارج تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقدارة خمسين ألف سنة  – المعارج 3 } .

وهذه الرحلة هى المعراج لله تبارك وذلك لورود هذا اللفظ في قوله تعالى  {تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام – الرحمن78 }

ولورود هذا اللفظ على ذوي قربى رسول الله صلى الله عليه وآله في قوله تعالى {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون – النحل 90} وقال تعالى أيضاً : { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب – الحشر 7 } أي أن أهل بيت النبي أيضاً لهم قوة ومكانة عند صاحب العرش تبارك وتعالى .

 وأما :

(قوة)

والقوة أولاً لله تعالى كما في قوله تعالى { ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب – البقرة 165} وهذه القوة وهبها الله تعالى لرسله وبها ينتصرون على عدوهم كما في قوله تعالى { كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز- المجادلة 21} ولذلك قال تعالى عن هلاك قوم عاداً الأولى وثمود وإهلاكه لقوم آخر الزمان سيسيرون على نهج قوم عاد وثمود أنه سيهلكهم بصاعقة مثل صاعقة عاد وثمود قال تعالى بعد بيان كفر قريش وقولهم {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ – فصلت 5 } ثم قال لهم سبحانه وتعالى عن أسباب هلاكهم {فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ ۖ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ۖ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَىٰ ۖ وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَىٰ عَلَى الْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ– فصلت 13-17} .

وهذه القوة بعد الرسل وهبها الله تعالى للذي عنده علم من الكتاب في زمن نبي الله سليمان قال تعالى { قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ ۖ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ۚ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ – النمل 39-40}

وحيث أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال الأوصياء ثلاثة وخيرهم علي .. الحديث ]

[قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) – لفاطمة عليها السلام) في مرض وفاته -: أنا خاتم النبيين، وأكرم النبيين على الله، وأحب المخلوقين إلى الله عزوجل، وأنا أبوك، ووصيي خير الأوصياء، وأحبهم إلى الله، وهو بعلك – المعجم الكبير: ٣ / ٥٧ / ٢٦٧٥، المعجم الأوسط: ٦ / ٣٢٧ / ٦٥٤٠، تاريخ دمشق: ٤٢ / ١٣٠ / ٨٥٠١، ذخائر العقبى: ٢٣٥ كلها عن علي الهلالي؛ كفاية الأثر: ٦٣ عن جابر بن عبد الله الأنصاري ]

[ أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن هذه الآية الذي عنده علم من الكتاب قال: ذاك وزير أخي سليمان بن داود عليهما السلام وسألته عن قول الله عز وجل: قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب قال صلى الله عليه وآله وسلم: ذاك أخي علي بن أبي طالب عليه السلام  –  ينابيع المودة للقندوزي الباب 30: ص103 ]

وبالتالي الإمام علي وأهل البيت عليهم السلام لهم قوة ومكانة كبيرة عند الله بعد مكانة رسول الله صلى الله عليه وآله .

وأما :

(عند ذي العرش)

وذي العرش هو الخالق عز وجل لقوله تعالى {قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا – الإسراء 42} وقال تعالى أيضاً { الرحمن على العرش استوى –  طه} وهذا العرش اصطفى الله تعالى رسلاً وملائكة اشداء قال تعالى {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ– التكوير 19-21 } .

وأما :

(مكين)

[ ومكن يمكن مكاناً فهو مكين : اي استقر وثبت في موضعه لا يتزلزل ويقال من هذا : مكن عند السلطان وذي الأمر : عظم عنده وارتفع قدره ورسخ أمره لا يتزلزل – معجم ألفاظ القرآن باب الميم فصل الكاف والنون ] قال تعالى { فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين – يوسف 54 } ومن تولى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام فالله تعالى سيمكن له في الأرض كما في قوله تعالى {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون – النور55 }.

ثم يقول تعالى :

  • مطاع ثم أمين (21)

وهنا :

(مطاع)

أي يطاع بإذن الله كما في قوله تعالى { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا – النساء 64 } وطاعة رسول الله من طاعة الله فمن أطاعة صلى الله عليه وآله فقد أطاع الله ومن عصاه فقد عصى الله كما في قوله تـعالى { ومن يطع الرسول فقد أطاع الله – النساء 80 } .

وأما :

(ثَمَ)

[ وثم بفتح الثاء اسم يشار به بمعنى هناك ] قال تعالى { ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم – البقرة115} وبالتالي المعنى هنا في الآية { مطاع ثم أمين } أي مطاعاً في مشارق الأرض ومغاربها .

وأما :

(أمين)

[ والأمين : الثقة المؤتمن ] قال تعالى مبيناً أن كل أنبياء الله تعالى ورسله تعالى من الملائكة والناس أمناء مؤتمنون عند الله تعالى فقال عز وجل عن سيدنا جبريل عليه السلام {نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين – الشعراء 193-194} . وهذا أولاً

ثانياً : أنبياء الله تعالى ورسله أمناء على الوحي وعلى الخلق قال تعالى في نبي الله نوح عليه السلام{

{ أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين – الأعراف68} وقال تعالى فيه أيضاً { إني لكم رسول أمين – الشعراء 107} وقال نبي الله هوداً لقومة أيضاً { إني لكم رسول أمين – الشعراء 125}

ويقول نبي الله صالح  لقومه عليه السلام{ إني لكم رسول أمين – الشعراء 143} وأما نبي الله لوط فيقول أيضاً{ إني لكم رسول أمين – الشعراء 162} وشعيب عليه السلام { إني لكم رسول أمين – الشعراء 187}

وسيدنا يوسف عليه السلام {وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين – يوسف54} وقالت ابنة شعيب عليه السلام في نبي الله موسة عليه السلام :{ قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين – القصص 26}

وقال تعالى في رسول الله صلى الله عليه وآله خاتمهم {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ– التكوير 19-21 } .نزل عليه الروح الأمين كما في قوله تعالى { نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين }  في البلد الأمين لقوله تعالى { نزل به الروح الأمين– الشعراء193} عن قول الملك لسيدنا يوسف عزيز مصر {وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين – يوسف54} قد يشير إلى خلافة آخر الزمان تكون في مصر .

ثم يقول تعالى :

  • وما صاحبكم بمجنون (22)

وهنا :

(وما صاحبكم)

وهنا ( وماصاحبكم) بمجنون فيها دليل على أنه من قريش من كان يقول في رسول الله صلى الله عليه وآله أنه مجنون .

[ والصاحب الملازم للشيئ المصاحب له ] قال تعالى { وصاحبهما في الدنيا معروفا- لقمان 15 }

فإن كانت زوجة فهى صاحبة قال تعالى {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ – عبس34-37}

وزميل السجن صاحب قال تعالى { ياصاحبي السجن – يوسف } والحيوان صاحب قال تعالى { ولا تكن كصاحب الحوت – القلم 48 }  وصاحب الرحلة في الهجرة قال فيه تعالى { إذ يقول لصاحبه لا تحون – التوبة } وهنا الصحبة ليست منقبة بل الصحبة هو حال لا مدح فيه ولا ذم . ومن هؤلاء الأصحاب من قتلوا الناقة كما في قوله تعالى { فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر – القمر 29} وفي زمن رسول الله صلى الله عليهم وآله منهم من قال فيه صلى الله عليه وآله أنه مجنون فقال تعالى { وما صاحبكم بمجنون} وقال تعالى { أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة – الأعراف 184} .

وأما :

(بمجنون)

[{بمجنون} والمجنون المغطى على عقله حتى لا يدرك الأمور على ما هي عليه للآفة الغامرة له وبغمور الآفة يتميز من النائم لأن النوم ليس بآفة وهذا أيضاً من جواب القسم أقسم الله عزَّ اسمه أن القرآن نزل به جبرائيل وأن محمداً صلى الله عليه وسلم ليس على ما يرميه به أهل مكة من الجنون.- تفسير الدر المنثور ] .

يقول تعالى عن كل الأمم رمت رسل الله من قبل بهذه التهمة قال تعالى : { كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون – الذاريات 52 } ولما قالوا هنا لعنهم الله أنه مجنون قال تعالى لهم { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ۗ مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ – الأعراف 184} وهذا النذير له إمام يخلفه هاد مهدي قال تعالى فيه { إنما انت منذر ولكل قوم هاد – الرعد 7} .

ثم يقول تعالى :

  • ولقد رآه بالأفق المبين (23)

[ عن ابن عباس قال (بالأفق لمبين) قال السماء السابعة – ج 6 ص 358 ]

[{ولقد رآه بالأفق المبين} أي رأى محمداً صلى الله عليه وسلم جبرائيل ع على صورته التي خلقه الله تعالى عليها حيث تطلع الشمس وهو الأفق الأعلى من ناحية المشرق عن قتادة ومجاهد والحسن {وما هو على الغيب بضنين} أي ليس هو على وحي الله تعالى وما يخبر به من الأخبار بمتهم فإن أحواله ناطقة بالصدق والأمانة عن ابن عباس وسعيد بن جبير وإبراهيم والضحاك ومن قرأ بالضاد فالمعنى أنه ليس ببخيل فيما يؤدّي عن الله أن يعلّمه كما علَّمه الله – الدر المنثور ] .

وهنا :

(ولقد)

{ ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين – المؤمنون 17} أي أنه لما عرج به صلى الله عليه وآله وتجاوز السبع طرق التي يخترق من خلالها السماوات رآه بالأفق المبين على حقيقته كما في الآية هنا { ولقد رآه  بالأفق المبين }

ولورود هذا اللفظ في قوله تعالى عن نبي الله آدم وهو في هذا المكان وعهد الله إليه عهودا قال فيها { {ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما – طه 115} ومن خلاله يتبين لنا أن الله تعالى عهد إلى نبي الله عهوداً في هذه الرحلة أهمها فرض الصلاة ولوروده في قوله تعالى { لقد رأى من آيات ربه الكبرى – النجم 18} أي أنه اطلع على معجزات ومنها ماذكر في رحلة الإسراء والمعراج من رؤية أهل الجنة وأهل النار وتسليمه على الأنبياء صلوات الله علهم أجمعين .

وأما :

(رآه)

يبين تعالى أنه لا يرى فقال تعالى في نبي الله موسى عليه السلام { ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين – الأعراف 143} وبالتالي الذي رآه بالأفق المبين هو سيدنا جبريل عليه السلام كما في الحديث

ولما طلب نبي الله إبراهيم رؤية كيفية إحياء الموتى في الدنيا في قول تعالى { وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم – البقرة 260 } والآية هنا تشير إلى أن رسول الله صلى الله عليه وآله اطلع وراى أمواتا أحياهم الله تعالى وهم رسل الله وأنبيائه كما هو وارد في قصة الإسراء والمعراج وهنا رأي من آيات ربه الكبرى كما في قوله تاعالى { لنريك من آياتنا الكبرى – طه 23 } وقال تعالى أيضاً { فأراه الآية الكبرى – النازعات 20 } .

وهنا يتبين لنا أن رسول الله صلى الله عليه وآله رأي كل ما هو كائن إلى يوم القيامة وما ستفعله بنو أمية وقريش والمنافقون في أهل بيته(عليهم السلام) والمؤمنين والإسلام لورود هذا اللفظ في قوله تعالى

{ وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلا طُغْيَانًا كَبِيرًا – الإسراء 60 } وهذه الرؤيةكانت في معراجه لقوله تعالى عن رؤية سيدنا جبريل عليه السلام { ولقد رآه بالأفق المبين – التكوير 23} ثم يبين تعالى أنه رآه نزلة أخرى في تنقله إلى جنة المأوى عند سدرة المنتهى قال تعالى {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَىٰ وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَىٰ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى  أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَى وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَىٰ عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ  مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ  – النجم 1-18} .

وأما :

(الأفق)

[ والأفق : الناحية من الأرض والسماء وجمعه آفاق – معجم ألفاظ القرآن باب الهمزة فصل الفاء والقاف ] قال تعالى {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ – افصلت 53 } وقال تعالى في سيدنا جبريل الذي أوحى لأنبياء الله ورسله وخاتمهم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله أنه بالأفق الأعلى قال تعالى :{ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَىٰ وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى- النجم } .وهنا الأفق الأعلى في أعلى عليون لا يصل إليه إلا من اصطفاهم الله عز وجل من الرسل و النبيين  وأما الآية هنا { ولقد رآه بالأفق المبين } أي الواضح الجلي في الدنيا والأعلى مابعد السماء السابعة ولذلك بقول تعالى { ولقد رآه نزلة أخرى } أي مرتين مرة بأفق الدنيا المبين والثانية فيما ليس زمان ولا مكان وهذا بالأفق الأعلى و بجسده الطيني العلوي المخلوق من طينة الجنة ( راجع كتابنا اليقين) .

وأما :

(المبين)

[ والمبين : وبان الشيئ يبين بياناً :اتضح فهو بين وهى بينه وجمعها بينات وتستعمل البينة فيما يبين الشيئ ويوضحه حسياً كان الشيئ أم عقلياً وأبان الشيئ وضح وهر وأبنت الشيئ أوضحته وأظهرته فهو متعد ولازم وإسم الفاعل منها مبين – معجم ألفاظ القرآن باب الباء فصل الياء والنون ] .

قال تعالى هنا : { يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا – النساء 174} أي أن النور المبين نزل إلى سماء الدنيا ويكون على ذلك {الأفق المبين} هنا سماء الدنيا  وهذه أول مرة يراه فيها عليه السلام كما بينا .

ثم يقول تعالى :

  • وما هو على الغيب بضنين (24)

وهنا :

[أخرج الدارقطني في الأفراد والخطيب في تاريخه والحاكم وصححه وابن مردويه عن عاشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرؤها ” وما هو على الغيب بظنين ” بالظاء.

وأخرج عبد الرزاق وابن مردويه عن ابن الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرؤها ” وما هو على الغيب بظنين ” وفي لفظ { بضنين } بالضاد.

وأخرج عبد بن حميد عن هشام بن عروة قال: كان أبي يقرؤها ” وما هو على الغيب بظنين ” فقيل له: في ذلك. فقال: قالت عائشة : إن الكتاب يخطئون في المصاحف.

وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه من طرق عن عبد الله بن الزبير أنه كان يقرأ ” بظنين “.

وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من طرق عن ابن عباس أنه كان يقرأ { بضنين } وقال : ببخيل.

وأخرج عبد بن حميد عن عطاء قال: زعموا أنها في المصاحف وفي مصحف عثمان { بضنين }.

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد { وما هو على الغيب بضنين } يقول: ما كان يضن عليكم بما يعلم.

وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { وما هو على الغيب بضنين } قال: كان هذا القرآن غيباً أعطاه الله تعالى محمداً بذله وعلمه ودعا إليه وما ضن به.

وأخرج ابن المنذر عن الزهري { وما هو على الغيب بضنين } قال: لا يضن بما أوحي إليه.

وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه عن ابن مسعود أنه قرأها ” وما هو على الغيب بظنين ” قال: ما هو على القرآن بمتهم. – تفسير الدر المنثور ] .

  • وهنا محال أن يحدث خلط في كتاب الله فالظنين تعني في اللغة [ الظَّنِينُ : متَّهم ، تُلْقَى عليه شبهة اقتراف جريمة فيسأل عنها أمام القضاء أي (متهم) ]  والضنين : الضَّنِينُ : الشديدُ البخل، أَو البخيلُ بالشيءِ النفيس، أو الحريص عليه ] .

وهنا نقول بأن كتاب الله من الذكر المحفوظ بإذن الله قال تعالى { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } .

وهنا

(وما هو)

أي أنه يقول تعالى عن رسول الله والأمانة في إبلاغه رسالة ربه وكتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه قال تعالى لذلك { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ ۚ قَلِيلًا مَّا تُؤْمِنُونَ وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ  – الحاقة 40-43 } ويقول تعالى { وما هو بقول شيطان رجيم  – التكوير 24} وهو قول فصل كما في قوله تعالى { إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وما هو بالهزل – الطارق 13-14} ويقول تعالى { وما هو إلا ذكر للعالمين – القلم 52} وبالتالي ماكان صلى الله عليه وآله على الغيب بضنين فأبلغ الرسالة وأدى الأمانة قال تعالى لذلك هنا { وما هو على الغيب بضنين – التكوير 24} .

وأما :

(على الغيب)

ومن الغيب قصص الأنبياء والجنة والنار وكل ماغاب عن الرؤية العينية البصرية لذلك يقول تعالى عن نبي الله يوسف عليه السلام وقصته ي كتاب الله تعالى {ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ۖ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ –يوسف 102 } وهذا الغيب بمجمله لا يظهره إلا على من ارتضاه تعالى من رسول قال تعالى : {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا – الجن 26-28 } ولأنه صلى الله عليه وآله أبلغ رسالة ربه وبين لهم كتابه الكريم ولذلك قال تعالى هنا { وما هو على الغيب بضنين} .

وأما :

(بضنين)

[ وضن بالشيئ النفيس أمسكه وبخل به – معجم ألفاظ القرآن باب الضاد فصل النون والنون ] قال تعالى { وما هو على الغيب بضنين } وهذا اللفظ مما ليس له مرادف في كتاب الله .

ثم يقول تعالى :

  • وما هو بقول شيطان رجيم (25)

وهنا :

(وماهو)

أي أنه يقول تعالى { إنه لقول فصل وما هو بالهزل – الطارق } وبالتالي وما هو بقول شيطان رجيم قال تعالى هنا { وما هو بقول شيطان رجيم } .

وأما :

(وما هو بقول)

أي أنه يقول تعالى هنا { فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لَا تُبْصِرُونَ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ ۚ قَلِيلًا مَّا تُؤْمِنُونَ وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُم مُّكَذِّبِينَ وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ – الحاقة 38-52  } . ومن الشعر أقوال شياطين لذلك يقول تعالى فيه { والشعراء يتبعهم الغاوون ألم ترى أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون مالا يفعلون – الشعراء } ولذلك قال تعالى هنا { إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شيطان رجيم }  .

وأما :

(شيطان رجيم)

والشيطان قال فيه عز وجل { إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ – فاطر } ولذلك حذر الله تعالى المؤمنين منه قائلاً  يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون – الأعراف 27}

والشياطين لا هم لهم إلا صرف الناس عن كتاب الله تعالى بالجدل والمراء قال تعالى { وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم – الأنعام 121 } .

و لذلك قال تعالى في كتاب الله والاختلاف عليه { ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا – النساء 82} وبعد هذا الخلاف ينسيهم ذكر الله تعالى كما في قوله عز وجل { استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولائك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون – المجادلة } وهنا يكون الناس قد وقعوا في ولاية شياطين الإنس والجن كما في قوله تعالى { فَرِيقًا هَدَىٰ وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ ۗ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ –الأعراف 30}

وأما :

(رجيم)

[ المرجوم : المطرود من رحمة الله ] قال تعالى { فاخرج منها فإنك رجيم وأن عليك اللعنة إلى يوم الدين – الحجر 34-35 } .

وقال تعالى في حفظ السماء { وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ – الحجر 16-18}

ويأمر الله تعالى بأن يبدأ المؤمن تلاوة كتاب الله بالإستعاذة من الشيطان الرجين فيقول تعالى { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ  – النحل 98-100 } وهنا يبين تعالى أن كتابه الكريم ليس بقول شيطان رجيم يدعوا إلى فرقة أو جدل أو مراء أو ولاية لغيره تعالى ورسوله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام لذلك قال تعالى هنا { وما هو بقول شيطان رجيم } .

ثم يقول تعالى :

  • فأين تذهبون (26)

وهنا :

(فأين)

أي أنه يقول تعالى هنا أين تفر من الموت المكتوب حتمياً على كل الخلائق وبعده الرجوع إلى الله للمحاكمة على ما قدمت في دنياك لذلك يقول تعالى { يقول الإنسان يومئذٍ أين المفر كلا لا وزر إلى ربك يومئذٍ المستقر – القيامة 10-12 }

وأما :

(تذهبون)

[ وذهب بمعنى سار ومضى وذهب به سار به استصحبه وأزاله – معجم ألفاظ القرآن باب الذال فصل الهاء والباء ]

والذهاب يكون إلى الأرض كما في قوله تعالى { قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جزاؤكم جزاءاً موفورا – الإسراء 63 } وقال تعالى {اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون – النمل 28} .

كان الذهاب هنا نزوله إلى الأرض وطرده من الجنة فإذا مات الخلق فهم ذاهبون إلى الله تعالى مرة أخرى كما في قوله عز وجل { إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين – النساء 133 } وقال تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله { فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون – الزخرف 41 }

وبالتالي مادمت أتيت من عند الله وأنت ذاهب إليه من بعد الموت فأين تذهبون كما فيالآية هنا { فأين تذهبون } .

ثم يقول تعالى :

  • إن هو إلا ذكر للعالمين (27)

وهنا :

(إن هو إلا)

أي إن هو إلا وحي من الله تعالى علمه شديد القوى قال تعالى { والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى إن هو إلا وحى يوحى علمه شديد القوى – النجم 1-4}

وأما :

(ذكر للعالمين)

الذكر هو القرآن الكريم لقوله تعالى { ص والقرآن ذي الذكر – ص }

و الذكر هو الرسول لقوله تعالى :

{ أعد الله لهم عذابا شديدا فاتقوا الله يا أولي الألباب الذين آمنوا قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا رَّسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ – الطلاق 10-11} وهذا الرسول لعنهم الله قالوا فيه أنه لمجنون في قوله تعالى { وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ – القلم 51-52 } .

أي أن القرآن والرسول ذكر يذكرهم برب العالمين كما بينا وكذلك أهل بيت النبي يذكرون الناس بالله ولذلك الذكر يعني أيضاً أهل بيت النبي عليهم السلام  لقوله تعالى بعد ذكر أكثر أنبياء الله في كتاب الله  تعالى  : { أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرى للعالمين – الأنعام 90 }

وقال تعالى أيضاً { قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ – ص86- 88 } وقال تعالى أيضاً : { وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ– يوسف 104 }والأجر لا يكون إلا بمودة أهل بيت النبي كما في قوله تعالى {قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى – الشورى}

ومن شاء أن يستقيم فعليه بولاية الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام كما فيالآية هنا {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ – التكوير 27-29}  .

ثم يقول تعالى :

  • لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ (28)

وهنا :

(لمن شاء منكم)

أي أنه يقول تعالى { نَذِيرًا لِّلْبَشَرِ لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ – المدثر 36-37}

وأما :

(أن يستقيم)

ومن استقام على امر الله عمل بكتابه الكريم لقوله تعالى { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ – الأنعام 153} وفي التفاسير [عن عبد الله قال: خطَّ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا خطًّا فقال: هذا سبيل الله. ثم خط عن يمين ذلك الخطّ وعن شماله خطوطًا فقال: هذه سُبُل، على كل سبيل منها شيطانٌ يدعو إليها. ثم قرأ هذه الآية: (وأن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) . – تفسير الطبري ]

وهذه السبل التي عن يمين الخط وشماله الخروج على الوصية فيإمامة أهل بيت النبي كما أوصى نبي الله نوحاً من قبل وسيدنا إبراهيم عليهما السلام لقوله تعالى فيمن اتبعوا أهوائهم وتفرقوا على كتاب ربهم وسنة نبيهم وخرجوا على ولاية أهل بيت النبي المأمور بها في قوله تعالى : { شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۚ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ فَلِذَٰلِكَ فَادْعُ ۖ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ۖ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ ۖ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ ۖ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ۖ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ – الشورى 13-15} .

ومن آمن به وعمل بأحكامه فالله تعالى سيهديه إلى صراط مستقيم قال تعالى { فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا – النساء 175} . وهؤلاء لا خوف عليهم ولا هم يحزنون كما في قوله تعالى أي أنه يقول { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون- الأحقاف 13 }

ومن آمن به تعالى وعمل صالحاً وتولى أهل بيته عليهم السلام فهو الذي شاء الله تعالى له الهداية  لمن شاء أن يستقيم و لامشيئة لك في اختيار ولايتهم إلا أن يشاء الله ويكون قد كتبك الله تعالى في ديوان أهل الحنة قبل أن تخلق وتنزل إلى الدنيا قال تعالى { إن هو إلا ذكر للعالمين لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاءون إلا أن يشاء رب العالمين } .

ثم يقول تعالى :

  • وما تشاءون إلا أن يشاء رب العالمين (29)

وهنا يبين تعالى أنه يفعل مايشاء قال تعالى { إن الله بفعل مايشاء – الحج18 }

{ إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليماً حكيما يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذاباً أليما  – الإنسان 29-31}.

ولا إيمان إلا بمشيئة الله تعالى كما في قوله تعالى { ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون – الأنعام 111}

وأما :

(رب العالمين)

وهنا يقول تعالى { الحمد لله رب العالمين – الفاتحة }ورب العالمين قالها نبي الله موسى  عليه السلام لفرعون في قوله تعالى { وقال موسى يا فرعون إني رسول من رب العالمين – الأعراف 104} فقال فرعون { وما رب العالمين – الشعراء 23} فقال له موسى عليه السلام { قال رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين قال لمن حوله ألا تستمعون قال ربكم ورب آبائكم الأولين قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون – الشعراء 24 -28} .

ورب العالمين أنزل كتاباً وهو القرآن الكريم آخر كتب الله السماوية وآخر معجزاته تعالى المنزلة على النبي الخاتم صلى الله عليه وىله وقال فيه تعالى { وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين – يونس 37 }

وكل أنبياء الله لم يسألوا أجراً على إبلاغهم رسالة ربهم لأن الله تعالى أرسلهم تترى كلما مات نبياً بعث آخر لذلك لم يطلبوا المودة لآل بيتهم  قال تعالى فيما قاله نبي الله نوح إلى قومة  { وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين – الشعراء 109} وقال هود عليه السلام لقومه { وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين – الشعراء 127 } وقال صالح عليه السلام { وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين – الشعراء 145} ويقول نبي الله لوط عليه السلام { وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين – الشعراء 164} ويقول نبي الله شعيباً لقومه عليه السلام { وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين – الشعراء 180}

ولختم النبوة وامتداد الإمامة حتى قيام الساعة أمر الله تعالى بمودة قربى النبي صلى الله عليه وآله لقوله تعالى {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرى للعالمين – الأنعام 90 } وهؤلاء أمر الله تعالى بمودتهم في قوله تعالى { قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربي – الشورى} .

هذا وبالله التوفيق

وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب

وسلام على المرسلين و آخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين

انتهى العمل من هذه السورة الكريمة في يوم الأثنين الثاني عشر من رمضان عام 1420 هـ الموافق 20 ديسمبر عام 1999 م