السورة بصيغة PDF :
سورة المزمل
السورة بصيغة وورد :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد :
ورد تفسير الجواهر الحسان للثعالبي :
[ قوله عز وجل: { يَٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ } نداءٌ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال السهيلي: المُزَّمِّلُ اسمٌ مشتقٌ من حالتِه التي كَانَ عليها ـــ عليه السلام ـــ حينَ الخطابِ، وكذلكَ المدَّثِّرُ، وفي خطابِه بهذَا الاسْمِ فائِدَتان: إحداهما: الملاطفةُ فإنَّ العربَ إذا قَصَدَتْ ملاطَفَةَ المخاطَبِ، وتَرْكَ معاتَبَتهِ سَمَّوْهُ بٱسْمٍ مشتقٍ من حالتِه، كقوله ـــ عليه السلام ـــ لعلي حين غَاضَبَ فاطمةَ: قُمْ أبا تُرَابٍ، إشعاراً له أنه غَيْرُ عاتبٍ عليه، وملاطَفَةً له، والفائدة الثانية: التنبيهُ لكلِّ مُتَزَمِّلٍ راقدٍ ليلَه؛ لينتبهَ إلى قيامِ الليل وذكرِ اللَّه فيه،أنَّ الاسْمَ المشتق من الفعلِ، يَشْتَرِكُ فيه معَ المخاطَب كلُّ مَنْ عَمِلَ بذلك العملِ، واتَّصَفَ بتلك الصفةِ، انتهى، والتَزَمُّلُ الاِلْتِفَافُ في الثياب، قال جمهور المفسرين وهو في البخاري وغيره: ” إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا جَاءَه المَلَكُ في غار حراء وَحَاوَرَه بما حَاوَرَه به، رَجَعَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى خَدِيجَةَ فَقَال: زَمِّلُوني زَمِّلُوني؛ فنزلت «يأيها المدثر» ” وعلى هذا نزلت «يأيها المزمل» ] .
تفسير الدر المنثور :
[ .. أخرج البزار والطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الدلائل عن جابر قال: اجتمعت قريش في دار الندوة فقالوا: سموا هذا الرجل اسماً تصدر الناس عنه ، فقالوا : كاهن، قالوا : ليس بكاهن، قالوا : مجنون. قالوا: ليس بمجنون. قالوا: يفرق بين الحبيب وحبيبه ، فتفرق المشركون على ذلك ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فتزمل في ثيابه وتدثر فيها، فأتاه جبريل فقال: { يا أيها المزمل } { يا أيها المدثر }…
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم ومحمد بن نصر والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال: لما نزلت أول المزمل كانوا يقومون نحواً من قيامهم في شهر رمضان حتى نزل آخرها، وكان بين أولها وآخرها نحو من سنة . – الدر المنثور للسيوطي ] .
ملحوظة في التفاسير ومنها الدر المنثور :
تم استبعاد كل أحاديث رويات السيدة عائشة وحديثها عن سورة المزمل والتي لا تصح لأنها من أوائل مانزل من قرآن و المفترض أن تكون هذه المرويات عن السيدة خديجة (عليها السلام) من طريق السيدة فاطمة ثم الحسنين وهذه السلسلة الذهبية في الحديث وليست السيدة عائشة (ر) والتي لم تكن موجودة في ذلك الوقت ولم تكن قد تزوجته (صلى الله عليه وآله) في تلك المرحلة مما يدل على تدخل العصبية القرشية وسرقة الأحاديث ونسبتها لغير أهل بيته عليهم السلام حسداً كما فعلوا ذلك مع كل زوجات النبي صلى الله عليه و آله و على رأسهم السيدة خديجة و جويرية بنت الحارث وبقية ازواجه صلى الله عليه و آله لا تكاد تجد لهن مرويات خاصة السيدة مارية القبطية المختلفين فيها هل هى زوجة أم لا على الرغم من أنها أم ولد وأم ابنه إبراهيم و أم الول لا يجوز أن تستعبد شرعاً لذلك نعتقد أنها أحاديث يمكن أن تكون صحيحة و لكن تم نسبتها لغير السيدة خديجة سلام الله عليها صاحبة الحدث و ليست السيدة عائشة التي لم تكن حاضرة ولم تكن زوجته في ذلك الوقت (رضى الله عنهم جميعا) . أهـ .
قال البغوي في تفسيره :
في قوله تعالى { ياأيها المزمل قم الليل إلا قليلا } قال هنا أن الآية منسوخة بقوله تعالى { فاقرأوا ماتيسر من القرآن}
وهذا القول جانبه الصواب لعدة أسباب :
- قوله تعالى بالتحديد وللتمييز يا أيها المزمل فهل أنت مزمل أو الصحابة هم المزمل ؟ إذن الخطاب خاص برسول الله صلى الله عليه وآله .
- في هذا الوقت من الدعوة لم تكن الصلاة قد فرضت ولذلك هذه عبادة نافلة خاصة بالنبي صلى الله عليه وآله قبل أن تفرض الصلاة على الأمة في حادث الإسراء والمعراج .
- ومادامت خاصة بالنبي صلى الله عليه وآله فالقرآن الكريم قد رغب فيها لمن أراد رفعة درجته ومكانته عند الله تعالى لذلك قال تعالى في صلاة الليل { إن ناشئة الليل هى أشد وطأً وأقوم قيلا – المزمل 6} وامتدح الله تعالى وأثنى على فاعل هذا العمل العظيم قائلاً { كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون }.
والدليل الأخير عمل الصحابة بهذا القيام لصلاة الليل كان عن حب للنبي (صلى الله عليه وآله) و اجتهاداً منهم في نافلة مستحب أدائها لنيل رضا الله تعالى ورسوله وفي نفس الوقت خاصة بالنبي (صلى الله عليه وآله) في أوائل نزول القرآن الكريم ولم يكن الله تعالى هنا قد فرض الصلوات الخمس ولذلك قال تعالى {ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا – الإسراء 79} وقال تعالى أيضاً { أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب – الزمر 9 } .
وهنا أقاموا الليل تقليداً للنبي (صلى الله عليه وآله) نافلة عن حب لله تعالى ورسوله و ليس عن أمر مباشر من الله تعالى حتى تورمت أقدامهم كما هو مروي وليس عن أمر مباشر بإقام الصلاة التي لم تكن قد فرضت في هذا الوقت . [ أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن نصر عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: نزلت { يا أيها المزمل } قاموا حولاً حتى ورمت أقدامهم وسوقهم حتى نزلت{ فاقرءُوا ما تيسر منه } فاستراح الناس– الدر المنثور للسيوطي ] .
التفسير :
- يا أيها المزمل (1)
وهنا :
(يا أيها)
ورود هذه الآيات في قوله تعالى { يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا- الأحزاب 45 } وقوله تعالى يا أيها الرسول قال تعالى { يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين – المائدة 67} . وهنا إثبات أن سيدنا جبريل عليه السلام قد نبأه من قبل بعد نزول سورة إقرأ بأنه نبي ورسول الله إلى العالمين
وهنا ينعته الله تعالى ويصفه بالمتزمل فقال تعالى :{ يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا – المزمل } وبعد قيام الليل والإعداد لما هو قادم نزل قوله تعالى { يا أيها المدثر قم فانذر وربك فكبر } .
وأما :
(المزمل)
[ المزمل : الملتف بثيابه – معجم مجمع البحرين وملتقى النيرين باب اللام وما أوله زاي ] قال تعالى { يا أيها المزمل } وهذا اللفظ ممن ليس له مرادف في كتاب الله
وأما :
- قم الليل إلا قليلا (2)
يقول الثعالبي في تفسيره الجواهر الحسان :
[ .. وقوله تعالى: { قُمِ ٱلَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً } قال جمهور العلماءِ: هو أمْرُ نَدْبٍ، وقيل كَانَ فَرْضاً وقْتَ نزول الآيةِ، وقال بعضُهم: كان فرضاً على النبي صلى الله عليه وسلم خاصَّةً وبَقِيَ كذلك حتى تُوُفِّي، وقيل غير هذا.
وقوله تعالى: { نِّصْفَهُ } يحتملُ : أن يكونَ بَدَلاً من قوله قليلاً، * ص *: { إِلاَّ قَلِيلاً } استثناءٌ من الليلِ، و { نِّصْفَهُ } قيل: بَدَلٌ من الليل وعلى هذا يكون استثناءُ { إِلاَّ قَلِيلاً } منه، أي: قم نصفَ الليل إلا قليلاً منه، والضميرُ في قوله: { أَوِ ٱنقُصْ مِنْهُ } ، { أَوْ زِدْ عَلَيْهِ } عائدٌ على النصْفِ وقيل: { نِّصْفَهُ }: بدل من قوله: { إِلاَّ قَلِيلاً } قَالَ أبو البَقَاءِ، وهو أشْبَهُ بظاهرِ الآيةِ، انتهى، قال * ع *: وكَيْفَ مَا تَقَلَّبَ المعنى فإنه أمْر بقيامِ نصفِ الليلِ، أو أكْثَر شيئاً أو أقَلَّ شيئاً، فالأكْثر عند العلماء لا يُزِيدُ على الثُّلثَيْنِ، والأقَلُّ لاَ يَنْحَطُّ عَن الثلثِ، ويُقَوِّي هذا حديثُ ابنِ عَبَّاسٍ في مَبِيتهِ في بيت ميمونة؛ قال: فلما انْتَصَفَ الليلُ أو قَبْلَه بقليلٍ أو بعده بقليل، قام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال * ع *: ويلزمُ على هذا البَدَلِ الذي ذَكَرْنَاه أن يكونَ نصفُ الليل قَدْ وَقَعَ عليه الوصفُ بقليلٍ، وقَدْ يحتملُ عندي قوله: { إِلاَّ قَلِيلاً } أنْ يكون استثناءً من القيام، فنجعلُ الليلَ اسْم جِنْسٍ ثم قال: { إِلاَّ قَلِيلاً } أي: إلا الليالي التي تُخِلُّ بقيامِها لعذرٍ، وَهَذَا [النظرُ يَحْسُنُ مَعَ القولِ بالنَّدْبِ جِدًّا، قال * ص *: وهذا [النَّظَرُ خلافُ ظاهرِ الآية، انتهى، والضميرُ في { مِنْهُ } و { عَلَيْهِ } عائِدَان على] النصف. – الجواهر الحسان للثعالبي ] .
التفسير :
وهنا :
(قم الليل)
وقيام الليل ورد في قوله تعالى ورد في قوله تعالى { إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرآن– المزمل 20 } وهذا القيام لصلاة الليل كانت تقوم به طائفة من صالحي أهل الكتاب كما في قوله تعالى {ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون – سورةآل عمران 113}
ثم يأمر الله تعالى رسوله ومن أراد من أمة محمد صلى الله عليه وآله قائلاً { ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا- الانسان 6 } وفي قيام الليل رفعة للدرجات ومقاماً محموداً للنبي صلى الله عليه وآله ومن تقلد به قال تعالى : {ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا – الإسراء 79} وقال تعالى أيضاً في عظم بركتها و أن [ إن العبادة التي تنشأ في جوف الليل هي أشد تأثيرًا في القلب, وأبين قولا لفراغ القلب مِن مشاغل الدنيا – ا لتفسير الميسر ] فقال تعالى : { إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا – المزمل 6 }
وهؤلاء القائمين لصلاة الليل لا يستوون بغيرهم من الأمة كما في قوله تعالى : { أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب – الزمر 9 } وبين الله تعالى أن هذه الصلاة فيها من الحسنات ما يذهب الله تعالى به من سيئات في قوله تعالى :{ وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين- هود 114 } ثم يؤكد الله تعالى على عظم أجر صلاة الفجر و بركتها فيقول تعالى : { أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا – الإسراء 78 }
وقد امتدح الله تعالى قوماً من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم كانوا يقيمون الليل إلا قليلا قال تعالى : {كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالسحار هم يستغفرون – الذاريات 17-18} .
وأما :
(إلا قليلا)
{ لأحتنكن ذريته إلا قليلا – الإسراء 62 }
ويبين تعالى أن صلاة الليل من أهم أسباب زوال النفاق من القلوب لورود هذا اللفظ على المنافقين الذين لا يذكرون الله إلا قليلا في قوله تعالى { إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا – النساء 142 } . وهى صلاة شكر لله تعالى لقوله تعالى { ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون – الأعراف 10}
كما أن هذه الصلاة تعين الجند على الثبات أمام العدو فلا يفر أبداً لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمرا كان مفعولا وإلى الله ترجع الأمور – الأنفال 44} ولذلك قال تعالى عن النبي صلى الله عليه وآله وصحابته الكرام {كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالسحار هم يستغفرون – الذاريات 17-18} .
ثم يقول تعالى :
- نصفه أو انقص منه قليلا (3)
وهنا :
(نصفه)
{ ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين – النساء 12 } وبالتالي نصفه في قولخ تعالى هنا { نصفه أو انقص منه قليلا – المزمل 3 } ورد بيانها في قوله تعالى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وقيامه الليل قال فيه تعالى : { إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرآن علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرءوا ما تيسر منه و أقيموا الصلاة و آتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضا حسنا وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا واستغفروا الله إن الله غفور رحيم – المومل 20 }
وأما :
(أو انقص منه )
{ أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب – الرعد 41}
{ بل متعنا هؤلاء وآباءهم حتى طال عليهم العمر أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون – الأنبياء44 } وأطرافها هو طرفي الليل والنهار لقوله تعالى : { أقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل – الإسراء } وزلف الليل هنا يبين تعالى أنه كان يقوم صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام وصحابته الكرام أدنى من ثلثي الليل و نصفه وثلثه بعد أن تفطرت أقدامهم من قيام الليل لأن منهم المجاهدين في سبيل الله و الساعين على رزقهم ورزق أولادهم ومن يعول قال تعالى لذلك : {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ – المزمل 20 } ولذلك قال تعالى عن النقصان من قيام الليل كله قال تعالى { قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا – المزمل 3}أي أقل من نصفه وهو الثلث .
وأما :
(قليلا)
أي أن قليلا هنا قوله تعالى { قم الليل إلا قليلا – المزمل } .
ثم يقول تعالى :
- أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا (4)
[ .. وقوله سبحانه : { وَرَتِّلِ } : معناه في اللغةِ : تَمَهَّلْ وَفَرِّقْ بَيْنَ الحروفِ، لَتَبِينَ، والمقْصِدُ أنْ يَجِدَ الفِكْرُ فُسْحَةً للنَّظَرِ وفَهْمِ المعاني، وبذلكَ يَرِقُّ القَلْبُ ، ويَفِيضُ عليه النُّورُ والرحمة، قال ابن كيسان : المُرادُ: تَفْهَمُه تالياً له ، ورُوِي في صحيح الحديث: أن قراءةَ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم كانَتْ بيِّنَةً مُتَرسِّلَةً، لو شاء أحَدُ أنْ يَعُدَّ الحروفَ لعَدَّها ، قال الغزاليُّ في «الإحياء» : واعْلَمْ أنَّ التَرْتِيلَ والتَّؤُدَةَ أقْرَبُ إلى التوقير والاحترامِ، وأشَدُّ تأثيراً في القلبِ من الهَدْرَمَةِ والاسْتِعْجَالِ، والمَقْصُودُ مِنَ القراءَةِ التفكُّرُ، والترتيلُ مُعِينٌ عَلَيْهِ، وللناس عاداتٌ مختلفة في الخَتْمِ، وأوْلَى مَا يُرْجَعُ إليه في التقديراتِ قَوْلُ النبي صلى الله عليه وسلم وَقَدْ قَال ـــ عليه الصَّلاةُ والسلام ـ – الجواهر الحسان للثعالبي ] .
[ عن ابي جعفر عليه السلام قال : سألته عن قوله تعالى (قم الليل إلا قليلا) قال أمره الله تعالى أن يقوم كل ليلة إلا أن تأتي عليه ليلة من الليالي لا يصلي فيها شيئاً – نور الثقلين ج5 ص 446 ] .
وهنا :
(أو )
أي أنه يقول تعالى في أمره عزو جل بقيام الليل نصفه أو ثلثه أكثر من نصفه قال تعالى فيه هنا { قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا – المزمل 2-4} وذلك لمن شاء أن يتقدم عند الله تعالى في الأجر أو يتأخر لقوله تعالى { لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر – المزمل 37} .
وأما :
(زد عليه)
[ وزاد الشيئ زيادة وزيداً: نما في زاته أوانضم إليه آخر – معجم ألفاظ القرآن باب الزاي فصل اليائ والدال ] .قال تعالى { وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون –الأنفال 2 } وقال تعالى {هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما – الفتح 4} والزيادة هنا كانت إيماناً مع إيمانهم وبالتالي الزيادة هنا فوق النصف قال تعالى { قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا } .
وأما :
(ورتل القرآن ترتيلا)
[ ورتل الثغر يرتل رتلاً : حسن وتناسق أسنانه ويستعمل الرتل في حسن تناسق الشيئ ورتل الكلام ترتيلاً : أحسن تأليفه أو أبانه وتمهل في قرأته – معجم ألفاظ القرآن باب الراء فصل التاء واللام ] .قال تعالى {وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا – الفرقان 32 } . والآية تبين أن نزول القرآن كان منجماً وعلى أسباب نزول وترتيب نزول وتريلاً فيه تؤدة وحسن قراء وتدبر لحروفه دون العجلة في التلاوة .
[{ ورتل القرآن ترتيلاً } أي بيّنه بياناً واقرأه على هنيهة ثلاث آيات وأربعاً وخمساً عن ابن عباس. قال الزجاج: والبيان لا يتم بأن تعجل في القرآن إنما يتم بأن تبين جميع الحروف وتوفي حقها من الإشباع. قال أبو حمزة: قلت لابن عباس إني رجل في قراءتي وفي كلامي عجلة فقال ابن عباس: لأن أقرأ البقرة أرتّلها أحبُّ إليَّ من أن أقرأ القرآن كله . وقيل : معناه ترسل فيه ترسلاً عن مجاهد . وقيل: معناه تثبت فيه تثبتاً عن قتادة وروي عن أمير المؤمنين ع في معناه أنه قال بيّنه بياناً ولا تهذّه هذ ّالشعر ولا تنثره نثر الرمل ولكن أقرع به القلوب القاسية ولا يكوننَّ همَّ أحدكم آخر السورة. وعن أبي عبد الله ع قال إذا مررت بآية فيها ذكر الجنة فاسأل الله الجنة وإذا مررت بآية فيها ذكر النار فتعوَّذ بالله من النار. – تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ ) ] .
وأما :
(القرآن)
تؤدي لنفس المعنى كما في قوله تعالى {وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا – الإسراء 106} والقراءة تكون على مكث ودون العجلة لذلك قال تعالى : { فتعالى الله الملك الحق ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما – طه 114 } . وهذه القراءة على مكثفيها ترتيل بنظم الايات كما أنزلها ربنا عز وجل وتلاها النبي صلى الله عليه وآله ووصلت إلينا بالتواتر والكتابة حفظاً قال تعالى فيه { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } ولذلك قال تعالى هنا { ورتل القرآن ترتيلا} .
ثم يقول تعالى :
(5) إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا (5)
وهنا :
(إنا)
وهنا {إنا} وردت في قوله تعالى : { إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا – الإنسان 23 } وهذا القرآن ذكر محفوظ قال تعالى فيه { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون – الحجر 9 } وهذا القرآن هنا قال فيه تعالى { إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا} .
وأما :
(سنلقي)
[ وألقى الشيئ يلقه : رماه أو طرحه – معجم ألفاظ القرآن باب اللام فصل القاف والياء ] قال تعالى{ إذهب بكتابي هذا فألقه إليهم – النمل 28 } وقال تعالى { فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه – البقرة 37} وهنا فتلقى أي طرحت إليه وإلقيت مما فوق جنة عدن كقول الله تعالى في الملائكة { يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون مايؤمرون – النحل 50} وإلقاء الكتاب هنا قال تعالى فيه {إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا } وهذا الكتاب فيه روحاً من الله ونزل به روح قال تعالى { نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين } والروح هنا نزل بالقرآن الكريم وقد أطلق الله تعالى عليه الروح في قوله تعالى { رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق – غافر 15 } أي أنه قول ثقيل كما في الاية هنا وذلك لأن مصائر العباد تكون مرهونة به قولا وعملاً واعتقاداً قال تعالى هنا { إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا} ورحمة العباد تكون به وهلاكهم تكون بتركه ويوم القيامة يكون الحكم لله تعالى به أيضاً كما في قوله تعالى :{ وَمَا كُنتَ تَرْجُو أَن يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ۖ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا للكافرين وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ ۖ وَادْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ ۖ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ ۘ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ۚ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ – القصص 86-88} لذلك قال تعالى هنا أنه يوما ثقيلا .
وأما :
(عليك)
قال تعالى هنا {إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا } وهذا القرآن قولا ثقيلا كما في الآية هنا .
وأما :
(ثقيلاَ)
وهنا يأت لفظ ثقيل عن يوم القيامة في قوله تعالى { إِنَّ هَٰؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا – الإنسان 27} وهذا اليوم الثقيل هو يوم القيامة وهنا يتبين لنا أن قولاً ثقيلا وهو القرآن الكريم في قوله تعالى { إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا} أي أنه لن ينفعك في يوم القيامة الثقيل إلا القول الثقيل وهو القرآن الكريم ثم سنة رسول الله صلى الله عليه وولاية أهل بيته عليهم السلام لأنها الثقل الأصغر في الحديث : [ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « يا أيها الناس! إنّي تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا، كتاب الله، وعترتي أهل بيتي »، وقال ـ أيضاً ـ : « يوشك أن يأتي رسول ربّي فأجيب، وإنّي تارك فيكم الثقلين : أوّلهما كتاب الله فيه الهدى والنور وأهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي » – صحيح مسلم ٤:١٨٧٣ كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل علي بن أبي طالب(رضي الله عنه) ] .
ثم يقول تعالى :
(6) إن ناشئة الليل هى أشد وطأً وأقوم قيلا (6)
وهنا :
(إن ناشئة)
[ ونشأ ينشأ نشأَ و نشأة : ارتفع ونشأ إلى عمله : قام ونهض وهو من الارتفاع ومن هذا ناشئة الليل فسر بالنفس الناهضة إلى العبادة في الليل وتأتي الناشئة مصدر بمعنى النهوض كما جاءت مصادر أخرى على فاعلة كالفاتحة والخاتمة وفسر ناشئة الليل على هذا بقيام الليل والعبادة فيه – معجم ألفاظ القرآن باب النون فصل الشين فصل الهمزة ] .
[ وأنشأه : رباه تقول نشأت ابني في الخير والصلاح والنساء ينشأن في الترف والنعيم – معجم ألفاظ القرآن باب النون فصل الشين فصل الهمزة] قال تعالى { أومن ينشؤا في الحلية وهو في الخصام غير مبين – الزخرف 18 }
[ وأنشأه أوجده – معجم ألفاظ القرآن باب النون فصل الشين فصل الهمزة ] .
قال تعالى { وهو الذي أنشأ جنات معروشات – الأنعام 114 } وقال تعالى { ثم الله ينشئ النشأة الآخرة – العنكبوت 20} وهنا تخصيص وأختيار الخالق عز وجل في القرآن الكريم لهذا اللفظ بالتحديد في هذا الموضع ووروده عننشأة الجنان والحور العين في قوله تعالى {وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ۚ كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ۖ وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ– الأنعام 114 } وقال تعالى الجنان والحور العين مبيناً أنهم لأصحاب اليمين كما في قوله تعالى { وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ وَمَاءٍ مَّسْكُوبٍ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا عُرُبًا أَتْرَابًا لِّأَصْحَابِ الْيَمِينِ ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِّنَ الْآخِرِينَ – الواقعة 27-40 } وهذه الوعود بالجنة تكون في النشأة الآخرة قال تعالى { ثم الله ينشئ النشأة الآخرة – العنكبوت 20 } وقال تعالى في هذه النشأة { على أن نبدل أمثالكم وننشئكم في ما لا تعلمون – الولقعة 61 } والذي خلقهم أول مرة قادر سبحانه وتعالى على إحيائهم في خلق آخر جديد قال تعالى فيه { قل يحييها الذي أنشأها أول مرة – يس 79 } . وكأنه تعالى يقول للمؤمنين من خلال هذا اللفظ في كتاب الله أنه من أراد الجنة والحور العين في النشأة الآخرة فعليه بقيام الليل فإنه قال تعالى { إن ناشئة الليل هى أشد وطأً وأقوم قيلا} .
وأما :
(الليل)
والليل هنا قال تعالى فيه وفي قيامه { ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا – الإنسان 26 } وهذه الصلاة والتسبيح في جوف الليل هى التي قال تعالى فيها لرسوله وللمؤمنين { يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا – المزمل 1-5} . وقيام الليل هذا قال فيه تعالى { إن ناشئة الليل هى أشد وطأً وأقوم قيلا} .
وأما :
(هى)
ومن خلال هذا اللفظ يبين تعالى أن من آثر الحياة الدنيا فإن مصيره إلى الجحيم ومن خاف مقام ربه فإن الجنة هى المأوى قال تعالى : { فَأَمَّا مَن طَغَىٰ وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَىٰ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ – النازعات 37-41} وفي الجنة دار القرار كما في قوله تعالى {يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار – غافر 39} وما ذلك القرآن وما فيه من وعد ووعيد إلا ذكرى للبشر قال تعالى {وما هي إلا ذكرى للبشر – المدثر31} ومن أراد الآخرة ودار القرار فليعلم أن قيام الليل أشد وطأً وأقوم قيلا قال تعالى { إن ناشئة الليل هى أشد وطأً وأقوم قيلا} .
وأما :
(أشد)
ولفظ أشد ورد على السماء في شدة خلقها كما في قوله تعالى { وبنينا فوقكم سبعاً شدادا – النبأ 12 } .وبالتالي اختيار اللفظ هنا كدلالة على أنه من قام الليل إيماناً واحتساباً لله تعالى أخترقت دعوته السماوات السبع وعلت مرتبته عند الله تعالى
وإذا كانت الجبال تسبح لله تعالى كما في قوله تعالى عن نبي الله داوود عليه السلام { إنا سخرنا معه الجبال يسبحن بالعشي والإشراق – ص 18 } وفي الحديث [ يقول الجب للجبل هل مر عليك أحد يسبح الله ] وهذه الجبال قال تعالى في شدتها { فاستفتهم أهم أشد خلقاً أمن خلقنا – الصافات 11 } ويكون على ذلك قيام الليل يجعل الجبال والخلق الشداد تحارب مع المؤمن وتدفع عنه كما قال تعالى { إن الله يدافع عن الذين آمنوا }
وإذا ورد هذه اللفظ في قوله تعالى عن صهاينة اليهود والذين اشركوا { لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون – المائدة 82 } فإنه لا غلبة و لا نصر على هؤلاء إلا بطاعة الله تعالى ورسوله وولاية أهل بيته عليهم السلام و قيام الليل كما فعل أهل بيت النبي عليهم السلام وصحابته الكرام (رضى الله عنهم وأرضاهم) لورود هذا اللفظ في قزله تعالى { محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما – الفتح 29} ولذلك قال تعالى { إن ناشئة الليل هى أشد وطأً وأقوم قيلا } .
وأما :
(وطأً)
[ ووطئ يطأ وطأً : داسه بقدمه ووطئ أرض العدو : دخلها ووطئ العدو أباده وأوقع به ويقال هو شديد الوطء في أمره أي ثابت القدم فيه كمن يشد وطأته في الأرض ويلاحظ في هذا معنى الكلفة والمشقة فيقال : هذا العمل أشد وطأ أي أكثر كلفة أو أدعى للثبات وزوال الإضطراب والتردد – معجم ألفاظ القرآن باب الواو فصل الطاء والهمزة ] .
واللفظ هنا أيضاً يؤدي لنفس المعاني السابقة بأن النصر على العدو ووطأه يكون من جيشاً يقوم الليل قال تعالى لذلك { وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَئُوهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا – الاحزاب 27 } أي تدوسوها وهذا الوطء لهذه الأرض وغيرها من الأراضي سيكتب الله تعالى لهم به أعمالاً صالحه قال تعالى لذلك : { مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الْأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا عَن رَّسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ – التوبة 120 } . أي مكان وطء .
وقال تعالى في النصر على هؤلاء الكافرين ونجاة المؤمنين الذين خالطوهم لذلك في مكة المكرمة { هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما – الفتح 25 } أي تبيدوهم وتهلكوهم . وما هذا النصر على العدو إلا من خلال قيام الليل كما في الآية هنا في قوله تعالى { إن ناشئة الليل هى أشد وطأً وأقوم قيلا}
وأما :
(وأقوم قيلا)
[ واقوم إسم تفضيل ومعناه أفضل وأعدل أوأقرب للصواب – معجم ألفاظ القرآن باب القاف فصل الواو والميم ] و الأعدل والأقرب للصواب عند الله تعالى هو القرآن الكريم لقوله عزوجل { إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا– الإسراء 9 } .
وأما :
(قيلا)
وهذا اللفظ ورد في قوله تعالى { والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا وعد الله حقا ومن أصدق من الله قيلا – النساء 122 } . وهذا القول من الصدق وقول أنزله اللهتعالى على رسول كريم قال تعالى { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ – التكوير 19-22 } وقال تعالى أيضاً { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ ۚ قَلِيلًا مَّا تُؤْمِنُونَ وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ – الحاقة 40-43 } و هو القول الطيب الذي يهدي إليه من يشاء كما في قوله تعالى { وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد – الحج24 } ومن قام الليل فقد عمل بالأقوم قيلاً
ولقوله تعالى{ فبدل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم } فمن أراد النصر على هؤلاء المنافقين هنا أيضاً فعليه قيام الليل كما بينا من قبل ولقوله تعالى هنا { إن ناشئة الليل هى أشد وطأً وأقوم قيلا} .
ثم يقول تعالى :
(7) إن لك في النهار سبحاً طويلا (7)
وهنا :
(إن لك )
وردت هذه الآيات في قوله تعالى لنبي الله آدم عليه السلام : { إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لاتظمئ فيها ولا تضحى} فإذا هبط إلى الأرض وأراد الرجوع إلى الجنة أو أي من عباد الله المؤمنين فليقم الليل ويعبد الله تعالى بالنهار كما في الآيات هنا { إن ناشئة الليل هى أشد وطأً وأقوم قيلا إن لك في النهار سبحاً طويلا – المزمل 6-7 } .
وأما :
(في النهار)
والنهار فيه النشور والمعاش لقوله تعالى { ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصرا إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون – النمل 86} وقال تعالى { وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا – النبأ }
{ هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون – يونس 67 } وكما في الليل صلاة كذلك في النار كما في قوله تعالى { فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والأرض وحين تظهرون – الروم } وقال تعالى {وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين – هود 114 } وكما جعل الله تعالى الليل لباسا والنهار معاشا فإن للناس فيه سبحاً طويلاً أي فراغاً طويلا للعمل وكسب المعايش وطلب الحوائج كما في قوله تعالى هنا { إن لك في النهار سبحا طويلا } أي أن [ .. إن لك في النهار سعة لقضاء حوائجك وقومك والسبح والسبخ قريبا المعنى في هذا الموضع.- تفسير الطبري ]
وأما :
(سبحا)
[ وسبح يسبح سبحاً وسباحة عام ومر في الماء وسباحة الأفلاك في الهواء ] قال تعالى { لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ – يس 40 } وكما تسبح الأفلاك كذلك يسبح بني آدم حول ارزاقهم بالنهار فيضربون في الأرض ثم يعودون لبيوتهم ولذلك قوله تعالى هنا { إن لك في النهار سبحاً طويلا} [ أي تقلباً ومعاشاً وتصرفاً فيه – معجم ألفاظ القرآن باب السين فصل الباء والحاء ] .
وبالتالي كما أن الليل لله تعالى حباً فيه وفي رسوله النهار جعله تعالى للسعى على المعايش ولذلك يقول صلى الله عليه وآله فيمن لا يصلي صلاة الفجر في وقتها لأن العتمتين أثقل صلاة على المنافقين يقول صلى الله عليه وآله [ أبي هريرةَ رضي الله عنهُ أنّهُ قالَ: « إنّ الله يبغضُ كلّ جعظريّ جواظٍ سَخّابٍ بالأسواقِ جيفةٍ بالليلِ حمارٍ بالنّهار عالمٍ بأمرِ الدنيا جاهلٍ بأمرِ الآخرةِ- الديلمي ومسند الفردوس وتاريخ بغداد ج 6 ص 137 ».] .
وأما :
(طويلا)
[ وطال الشيئ : مادياً ومعنوياً يطول طولاً بالضم امتد وطال غيره وفاقه – معجم ألفاظ القرآن باب الطاء فصل الواو واللام ] قال تعالى في صلاة الليل { ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا – الإنسان 26 } وكما أن الليل فيه تسبيحاً طويلاً وبينه تعالى أن يكون نصف الليل أو ثلثه أو ماتيسر من القرآن كذلك جعل الله تعالى في النهار سبحاً طويلاً للسعي على المعايش كما في الآية هنا { إن لك في النهار سبحاً طويلا} .
ثم يقول تعالى :
(8) واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا (8)
وهنا :
(واذكر اسم ربك)
أي أنه يقول تعالى {واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا – الإنسان 25 }
وهو نفس قوله تعالى عن أذكار الصباح والمساء { واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار – آل عمران 41} والذكر يكون سراً وجهراً فيكون لسانه رطباً من ذكر الله كما في الحديث : [عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه، قال لما شكا الرجل حاله قال: يا رسول الله! إن شعائر الإسلام قد كثرت عليَّ فأخبرني بأمر أتشبَّثُ (أتمسك) به، قال: لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله) رواه الترمذي) ] ويقول تعالى
{يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا – الأحزاب 41-42 } وأخبرنا سبحانه أن ذِكْرَه تعالى يسبب لطمأنينة للقلوب، كما في قوله تعالى { الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب – الرعد 28 } وبين لنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فضل ذكر الله تعالى فقال: [ ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأرضاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إعطاء الذهب والورِق(الفضة) ومن أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟، قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟، قال: ذكر الله – رواه ابن ماجه ] ويبين تعالى أن الذكر يكون بصوت خفيت لا بالجهر ولا باللإخفات بالغدو الآصال كما في قوله تعالى { واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين – الأعراف205 }
ومن أراد الثبات عند لقاء العدو كذلك عليه من الإكثار في ذكر الله كما بينا بالليل والنهار كما في قوله تعالى{ يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون – الأنفال45}
وأما :
(اسم ربك)
وهنا يبين تعالى أن القرأة ببسم الله هو القرآن الكريم لقوله تعالى {اقرأ باسم ربك الذي خلق – العلق } والقراءة تكون في الصلاة { قَدۡ أَفۡلَحَ مَن تَزَكَّىٰ وَذَكَرَ ٱسۡمَ رَبِّهِۦ فَصَلَّىٰ – الأعلى 14-15 } والصلاة أشقها على المنافقين العتمتين قال صلى الله عليه وآله [ أثقلُ الصلاةِ على المنافقين صلاةُ العشاءِ وصلاةُ الفجرِ ولو يعلمونَ ما فيهما لأتوهُما ولو حبوًا – رواه البخاري ] .وهذا هو المقصود من قوله تعالى هنا { واذكر اسك ربك وتبتل إليه تبتيلا} .
وأما :
(وتبتل إليه تبتيلا)
[ وتبله من بابي نصر وضرب تبلاً : قطعه وتبتل تبتلاَ : انقطع إلى عما سواه بالعباده ومثله تبل تبتلا – معجم ألفاظ القرآن باب الباء فصل التاء واللام ] قال تعالى { وتبتل إليه تبتيلا } وهذا اللفظ مما ليس له مرادف في كتاب الله .
وأما :
(إليه)
وهذا اللفظ ورد في قوله تعالى {من كان يريد العزة فلله العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور – فاطر 10} وعلى ذلك يطون اللفظ حدد معنى التبتل أي أنه الإنقطاع كلية لذكر الله تعالى والكلم الطيب من الذكر وتلاوة القرآن الكريم .
[وعن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) : التبتل رفع اليدين في الصلاة – نور الثقلين ج5 ص 450 ] .
ثم يقول تعالى :
(9) رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا (9)
وهنا :
(رب المشرق والمغرب)
وهنا يبين تعالى مبيناً أنه تعالى رب السماوات والأرض ورب المشرق والمغرب قال تعالى فيما قاله نبي الله موسى عليه السلام لفرعون وملئه : { قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ – الشعراء 23-28 }
وهذا الإله العظيم الخالق لك شيئ إذا احترت في التوجه إليه في الصلاة فاعلم أن أي جهة تصلي إليها تؤدي لقبول الصلاة مادمت لا تعرف الوجهة الحقيقية للقبلة قال تعالى {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم – البقرة 115} والله تعالى له المشرق والمغرب قال تعالى { قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم – البقرة 142 } .
وفي كتاب الله المشرق والمشرقين والمشارق وهذه كلها بين الشرقو الغرب خطوط طول يبين القرآن الكريم أنها خط رئيسي في الوسط بين الشرق والغرب قال تعالى { رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا – المزمل 9 }
ثم قال تعالى مبيناً أن هناك مشرقين ومغربين كدلالة على حطين طول على يمين الخط الرئيس قال تعالى
{ رب المشرقين ورب المغربين – الرحمن 17 }
ثم يبين تعالى أن هناك خطوط طول أخرى على اليمين وعلى الشمال شرق الخط الرئيس وغربه في قوله تعالى { رب السماوات والأرض وما بينهما ورب المشارق – الصافات 5 } والمفترض أن يكون هذا الخط الطولي يمر من فوق الكعبة المشرفة لأن الآيات نزلت في مكة والتي تفرق بين المشرق والمغرب قال تعالى لذلك : { ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون – البقرة 177 }
وهذا الإله الخالق العظيم أمر الله تعالى أن بأن يتخذه وكيلا .
وأما :
(لا إله إلا هو)
أي أنه يقول تعالى هنا : { ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون – غافر 62 }
والخالق عز وجل أمر بعيادته كما في قوله تعالى { ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل – الأنعام 102} وإذا كان الله تعالى هو الخالق وأنزل كتابه الكريم فماذا بعد الله تعالى وطاعته والعمل بكتابه الكريم إلا الضلال قال تعالى { فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون – يونس 32 } .
وبالتالي يأمر الله تعالى بعدم اتخاذ إلاهاً أو الدعاء إلى غيره تعالى كما في قوله عز وجل { ولا تدع مع الله إلها آخر لا إله إلا هو كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون – القصص 88 } . ولذلك قال تعالى { وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون – التوبة31} ثم بقول تعالى فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله فهل أنتم على الإسلام قال تعالى { فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون – هود 14}
وأما :
(فاتخذه)
وأما اتخذه واتخذ ورد في قوله تعالى عن قوم خرجوا على طاعة الله تعالى كقوله تعالى :
{ اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله – التوبة 31} وقال تعالى
{ فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون – الأعراف 30}
{الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون – الأعراف51}
{ وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا – الفرقان 30}
{ والذين اتخذوا من دونه أولياء الله حفيظ عليهم وما أنت عليهم بوكيل – الشورى 6 }
{ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا – النساء144} وهنا يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله عن الذين تولوا غير الله تعالى أو هجروا كتاب ربهم أو تولوا قوماً كافرين أو اتخذوا دينهم لهواً ولعباً وهؤلاء أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وآله بأن يتخذه وكيلا قال تعالى { لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا }
وأما :
(وكيلا)
[ وتوكل عليه سلم الامر إليه ووكله بكذا عهد إليه أن يقوم به ويحافظ عليه – معجم ألفاظ القرآن باب الواوى فصل الكاف واللام ] قال تعالى مبيناً أنه على كل شيء وكيل وقد أمر عز وجل بعبادته قال تعالى {ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل – الأنعام 102 } .
ويقول تعالى عن المؤمنين : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ – الانفال 2 } وكفى بالله وكيلا كما في قوله تعالى { ولله ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا – النساء 132} ويأمر الله تعالى بعبادته والتوكل عليه كما في قوله تعالى :{ ولله غيب السماوات والأرض وإليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعملون – هود 123 } ومن أراد التوكل على الله حسن توكله فليتولى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآهل بيته عليهم السلام لقوله تعالى فيهم { أُولَٰئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ۚ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَٰؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ – الانعام 89 } وهؤلاء هم المحسودين الوارد ذكرهم في قوله تعالى { أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما – النساء 54 } .
ثم يقول تعالى :
(10) واصبر على ما يقولون واهجرهم هجراً جميلا (10)
وهنا :
(على مايقولون)
وما قالوه في كتاب الله ورد في قوله تعالى هنا :
{ وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلما وزورا – الفرقان 4}
{ وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون – البقرة 88 }
{ وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون – الأنعام 8 }
{ وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين – الأنعام 29 }
{ وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه قل إن الله قادر على أن ينزل آية ولكن أكثرهم لا يعلمون – الأنعام 37 }
{ وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون – الحجر 6 }
{ وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا – الإسراء 49 }
{ وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا – الإسراء 90 }
{ ذلك جزاؤهم بأنهم كفروا بآياتنا وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا – الإإسراء 98 }
{ وقالوا اتخذ الرحمن ولدا – مريم 88 }
{ وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه أولم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى – طه 133 }
{ وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا – الفرقان 5 }
{ وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا – الفرقان 7 }
{ وقالوا أئذا ضللنا في الأرض أئنا لفي خلق جديد بل هم بلقاء ربهم كافرون – السجدة 10 }
{ وقالوا إن هذا إلا سحر مبين – الصافات 15 }
{ وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون – فصلت 5 }
{ وقالوا لولا نزل هذا القرءان على رجل من القريتين عظيم – الزخرف 31 }
{ وقالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون – الزخرف 49 }
{ وقالوا أآلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون – الزخرف 58 }
{ ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون – الدخان 14}
{ وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون – الجاثية 24 } وهذه الأقوال التي رموا بها رسول الله صلى الله عليه وىله مكذبين بدين الله تعالى فقال له عز وجل { واصبر على مايقولون واهجرهم هجراً جميلا }
ثم يقول تعالى آمراً رسوله صلى الله عليه وآله بالصبر على هذه الأقاويل :
(واصبر على)
والصبر هنا على البلاء بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لقوله تعالى { يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور – لقمان 17 } ولذلك يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله { واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون – النحل 127 } وهذا صبر على البلاء ومنه الصبر على أقوالهم وافترآتهم كما في قوله تعالى { واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا – المزمل 10 }
والصبر على عبادة الله تعالى وطاعته كما في قوله تعالى { واتبع ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين – يونس 109 } والصبر على حكم الله تعالى كما في قوله تعالى { واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا وسبح بحمد ربك حين تقوم – الطور 48 }
كما يأمره الله تعالى رسوله بالصبر على طاعته ومجالسه الفقراء والمساكين المؤمنين كما في قوله تعالى : { واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا – الكهف 28 }
ثم يأمرالله تعالى الأمة الإسلامية بالصبر على طاعة الله تعالى وأوامره وعدم التنازع الذي يؤدي إلى التفرق وذهاب ريح الأمة كما في قوله تعالى {وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين – الأنفال 46 } والله تعالى لا يضيع أجر المحسنين كما في قوله تعالى { واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين – هود 115 } ولذلك يقول نبي الله موسى للمؤمنين معه { قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين الأعراف 128}
وأما :
(واهجرهم هجرا)
[ وهجره هجراً ويهجر هجراناً : صرمه وترك وصله وقربه وأغلب ما يكون السخط من الهاجر وقد يكون من المهجور تقول هجرت فلاناً الخائن وهجرت هذا العمل المقيت – معجم ألفاظ القرآن باب الهاء فصل الجيم والراء ] قال تعالى { لئن لم تنتهي لأرجمنك واهجرني مليا – مريم 46 } وهذا هو الهجر الجميل هجراً دون ضرر .
و قال تعالى { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ – المدثر 1-7 } .
وأما :
(جميلا)
[ والهجر الجميل الذي لا اذى فيه – معجم ألفاظ القرآن باب الجيم فصل الميم واللام ] قال تعالى { فسرحوهن سراحاً جميلا – الأحزاء 49 } أي دون أذى أو ضرر وبالتالي أمر الله تعالى رسوله بهجرهم دون اذى باللسان أو اليد عملاً بقوله تعالى في طلب العون من الله تعالى في ذلك الأمر وما قاله نبي الله يعقوب وهو صابر عليه السلام { فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون – يوسف 18 } .
ثم يقول تعالى :
(11) وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا (11)
وهنا :
(وذرني)
[ وذِره يذَره وذراً : تركه وألقاه لا يعتد به – معجم ألفاظ القرآن باب الذال فصل الواو والراء ] قال تعالى { وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا – الأنعام 70 }
{ يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله و ذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون – الجمعة 9 } { ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون – الحجر 3 }
وبالتالي ذرني هنا بمعنى اتركني فهؤلاء لا يعتد بهم و سنستدرجهم من حيث لا يعلمون قال تعالى { فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون – القلم 44 } والبداية مد الله تعالى لهم في العذاب ليزدادوا في طغيانهم كما في قوله تعالى { من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون – الأعراف 186} .
وأما :
(والمكذبين)
التكذيب في كتاب الله ترك العمل بالقرآن الكريم قال تعالى { مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ – الجمعة 5 } ولذلك سيقولون يوم القيامة { فقالوا ياليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين – الأنعام 27 } وهؤلاء في الدنيا دائما مترفين أولي نعمة كما في الآية هنا .
وأما :
(أولي)
وأولي [ اسم جمع واحده ذو بمعنى صاحب من غير لفظه. وإعرابه بالواو رفعًا وبالياء نصبًا وخفضًا. وأُوْلات للإناث واحدها ذات بمعنى صاحبة، نحو.”أُوْلُو الأَلْباب» و«أُوْلاتُ الأحمال” ] .
قال تعالى { إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين – القصص 76 } وقال تعالى أيضاً { قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين – النمل 33 } .
وهنا يبين تعالى أن هؤلاء المكذبين أولي نعمة قال تعالى { فذرني والمكذبين أولي النعمة }
وأما :
(النَعمة)
[ ونَعِم ينعم نَعمة : فهو ناعم وهى ناعمة كافي رفاهية من العيش وترف ولذاذة وحياة ] قال تعالى { كم تركوا من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم ونَعمة كانوا فيها فاكهين– الشعراء25-27 } .والآية هنا تبين أن في قريش من كان على نهج فرعون لعنه الله لذلك قال نفس اللفظ هنا في قوله تعالى { فذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا} .
وأما :
(ومهلهم)
[ ومهله تمهيلاً : تأنى به ولم يعجل عليه ] قال تعالى { إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا – الطارق 15-17} .
وأما :
(قليلا)
وهنا يبين تعالى أنهم قليلا ما يؤمنون كما في قوله تعالى بعدما رموا رسول الله صلى الله عليه وىله بالكهانة والسحر والشعر قال تعالى { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قلِيلًا مَّا تُؤْمِنُونَ وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ – الحاقة 40-43 } وبالتالي هؤلاء سيتمتعون قليلا ثم مأواهم جهنم كما في قوله تعالى { كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون – المرسلات 46} . وهؤلاء هنا هم أولي النعمة .
ثم يقول تعالى :
(12) إنا لدينا أنكالاً وجحيما (12)
وهنا :
(إنا)
أي أنه يقول تعالى من خلال هذه الايات وذلك لأن كل حرف في كتاب الله آيه قال تعالى { الم تلك آيات الكتاب الحكيم } وإنا هنا يبين تعالى من خلال هذا اللفظ أنه أنذرهم عذاباً قريبا قال تعالى فيه { إنا أنذرناكم عذابا قريبا يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا – النبأ 40}
ومن هذا العذاب سلاسل وأغلالاً وسعيرا قال تعالى { إنا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالا وسعيرا – الإنسان 4} . وهذه من الأنكال التي أعدها الله تعالى لهؤلاء المجرمين .
وأما :
(لدينا)
[ ولدى : ظرف مثل لدن معناها عند ] قال تعالى { وألفيا سيدها لدى الباب – يوسف 25} ويضاف اللفظ لضمير المتكلمين هنا في لدينا كقوله تعالى { إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون – يس 53} فإذا حضروا قال تعالى { وَقَالَ قَرِينُهُ هَٰذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَٰكِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ – ق 23 -28 }
ثم يحكم الله تعالى بينهم فيدخلون جهنم بكفرهم وظلمهم وما فيها من نكال قال تعالى فيه هنا { إنا لدينا أنكالاً وجحيما وطعاماً ذا غصة وعذاباً أليما } .
وأما :
(أنكالا)
[ وأنكالاً : أصلا كلمة النكول عن الشيئ وهو الإمتناع عنه والجبن إذ كانت العقوبة تُجَبِن عن الإقدام على مثل الفعل المعاقب عليه ونكل المجرم تنكيلاً عاقبه على جرمه عقوبة تردع غيره عن ارتكاب مثل ذلك الجرم ويكون عبرة يعتبر بها – معجم ألفاظ القرىن باب النون فص الكاف واللام ] قال تعالى في عقوبة الدنيا { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم – المائدة 38 } وفي هلاك القرى الظالمة لتكون عبرة لمن خلفها قال تعالى { فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين – البقرة 66} وفي الاخرة قال تعالى هنا عن هذا النكال البدي المقيم { إن لدينا أنكالا وجحيما – المزمل 12 } والله تعالى تنكيله أشد من ظلم الظالمين في الدنيا الذين ينكلون ويبطشون بالمؤمنين كراهية كفراً وعناداَ لذلك قال تعالى { فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلا – النساء 84 }
وأما :
( وجحيما)
[ وجحمت النار تجحم جحوماً : عظمت وتأججت واضطرمت وكثر جمرها وتوقدها – معجم ألفاظ القرآن باب الجيم فصل الحاء والميم ] قال تعالى في محاولة إحراق الكافرين لنبي الله إبراهيم عليه السلام لما كسر اصنامهم { قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ– الصافات 97 }وهذا الجحيم في الآخرة للذين كفروا وكذبوا بآيات الله كما في قوله تعالى { والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولائك أصحاب الجحيم – الحديد 19 } وهذا الجحيم أيضاً للطغاة الذين آثروا الحياة الدنيا وفضلوها على الاخرة ولم يؤدوا حق الله فيها قال تعالى لذلك { فَأَمَّا مَن طَغَىٰ وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَىٰ – النازعات 37-39 }وهى أيضاً لتاركي إطعام المسكين ممن لم يؤمنون بالله تعالى ورسوله واليوم الاخر قال تعالى هنا { خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ لَّا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ – الحاقة30-37 } .
ثم يقول تعالى :
(13) وطعاماً ذا غصة وعذاباً أليما (13)
وهنا :
(وطعاماً)
وطعام أهل النار هنا شجر الزقوم قال تعالى { إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الْأَثِيمِ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَىٰ سَوَاءِ الْجَحِيمِ ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ – الدخان 43-49 }
ومن أطعمة أهل النار الغسلين الذي قال تعالى فيه {فليس له اليوم هاهنا حميم ولا طعام إلا من غسلين – الحاقة 36 } [ والغسلين غسالة ما يسيل من أجواف أهل النار و ما يسيل منهم صديد ]
ومن أطعمة أهل النار الضريع قال تعالى { ليس لهم طعام إلا من ضريع لا يسمن ولا يغني من جوع – الغاشية 6-7 } والضريع نبات له شوك [ مجمع البحرين باب اللام وما أوله غين ] [وهو شجرة ذات شوك لاطئه بالأرض وهو من شجر النار ] . ولذلك قال تعالى هنا أنه طعام له غصة {وطعاماً ذا غصة وعذاباً أليما} [ (وطعاما ذا غصة) أي غير سائغ لا هو نازل ولا هو خارج ، وهو الغسلين والزقوم والضريع كما بينا .
وأما :
(ذا)
و(ذا) تعني
تأتي هذه الكلمة وهنا : [ (ذو وذا و ذي وذوا عدل وذوى القربي وذات وذواتا أفنان و ذواتى أكل)بمعنى صاحب وهوإسم يتوصل به إلى الوصف بأسماء الأجناس والأنواع ويضاف للظاهر دون المضمر – معجم ألفاظ القرآن باب الذال فصل الواو ]
و تكون [ذا بمعنى الَّذي وذلك إذا وقعت بعد ما ومن الاستفهامتين ولم تكن للإشارة ، نحو “ماذا فَعَلْتَ ومَنْ ذا في الدَّار” ] .
[ اسم إشارة للمفرد المذكّر القريب، يأتي بثلاث صور:
– بإضافة (ها) التنبيه ، وبإضافة كاف الخطاب مُتصرِّفة على حسب أحوال المخاطَب، بإضافة كاف الخطاب ولام البعد .
– وَتَأْتِي ذا بِمَعْنَى الوَقْت مُطْلَقاً : لَقِيتُهُ ذَا صَباحٍ أتَيتُة ذا صَباح وذا مساء : وقت الصُّبح، ووقت المساء . سمعت ذا فيه: – كان ذا صَوْلة وحول:كانت له سلطة كبرى وتأثير عظيم. -كان ذا هيئة : مهيب الطَّلعة/ وقور ضخم.
وَتَأْتِي ذا بِمَعْنَى صاحِب في حالَةِ النَّصْبِ:صارَ ذا مَجْدٍ.]
قال تعالى عن نبي الله داوود عليه السلام { اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داوود ذا الأيد إنه أواب – ص 17} أي صاحب الأيدي وقال تعالى أيضاً : {ولا تزر وازرة وزر أخرى وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه وإلى الله المصير – فاطر 18 }
و قال تعالى : { حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد إذا هم فيه مبلسون – المؤمنون 77} أي بابا فيه عذاب كبير قبل يوم القيامة
وأما :
(غصة)
[ والغصة باب الغين فصل الصاد والصاد :إعتراض الطعام في الحلق وجمعها غُصص قال تعالى { وطعاماَ ذا غصة وعذاباً أليما ]
[ (وطعاما ذا غصة) أي غير سائغ ; يأخذ بالحلق ، لا هو نازل ولا هو خارج ، وهو الغسلين والزقوم والضريع ; قاله ابن عباس . وعنه أيضا أنه شوك يدخل الحلق ، فلا ينزل ولا يخرج .- تفسير الطبري ] .
والغصة من الألفظ التي لا مرادف لها في كتاب الله قال تعالى { وطعاما ذا غصة } .
وأما :
(وعذاباً أليما)
هنا يبين تعالى أنه قد أعد للكافرين بكتابه الكريم عذاباً أليما قال تعالى {وأعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما – النساء 161 } وكذلك المنافقين الذين تولوا غير أهل بيت النبي (عليهم السلام) والمؤمنين وابتغوا العزة عند غيرهم من قريش أو بني أمية أو أي جهة أو دولة أو قبيلة أو مذهب أو ديانة أخرى غير دين الإسلام يتعززون بهم فهؤلاء أعد الله تعالى بأن لهم عذاباً أليما قال تعالى { بشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۚ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا – النساء 138-139 } .
وهؤلاء والذين كفروا بآيات الله تعالى لما تولوا عن ذكر الله وما أمر الله تعالى به في كتابه الكريم استحقوا العذاب الأليم قال تعالى { وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا – الفتح 17 } وهؤلاء قال تعالى فيهم هنا لهم طعاماَ ذا غصة وعذاباً أليما { إنا لدينا أنكالاً وجحيما وطعاماً ذا غصة وعذاباً أليما – المزمل} .
ثم يقول تعالى :
(14) يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيباً مهيلا (14)
وهنا :
(يوم)
وهذا اليوم هو يوم القيامة الذي قال تعالى فيه { اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ ۗ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا – النساء 78 } وفي هذا اليوم تطى السماء على الأرض كما في قوله تعالى { يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين – الأنبياء 104} وفي هذا اليوم تسير الجبال سيرا لقوله تعالى { وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا – الكهف 47 } وبالتالي تكون الجبال كثيباً مهيلا كما في قوله تعالى هنا { يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيباً مهيلا – المزمل }
وكثيباً مهيلاً بعد أن يدك الله تبارك وتعالى الأرض والجبال دكة واحدة وهنا يكون قد وقعت الواقعة كما في قوله تعالى { فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ وَانشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ وَالْمَلَكُ عَلَىٰ أَرْجَائِهَا ۚ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ – الحاقة 13-17 } .
وتبدأ في هذا اليوم المحكمة الإلهية الكبرى فيقول تعالى { ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيلنا بينهم وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون – يونس 28 }وفي هذا اليوم يخسر الذين كذبوا بآيات الله كما في قوله تعالى {ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين – يونس 45 }
أما :
(ترجف)
[ ورجف يرجف رجفاً ورجفاناً : تحرك واضطرب اضطراباً شديداَ قال تعالى { يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة – النازعات 6-7}فإذا رجفت الراجفة جعلت الجبال كثيباً مهيلا كما في الاية هنا { يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيباً مهيلا } .
وأما :
(الأرض)
وهنا يقول تعالى عن ذلك اليوم { إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ – الزلزلة } وهذه الزلزلة رجفات متتالية قال تعالى فيها هنا { {يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيباً مهيلا} .
وأما :
( والجبال وكانت الجبال كثيباً)
وهنا يقول تعالى عن الجبال ونسفها حتى تصبح كالرمال {ويسئلونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا فيذرها قاعاً ثفثفا لا ترى فيها عوجاً ولا أمتى – طه 105} .وهنا يبين تعالى أن هذه الرجفة إذا نزلت على الأرض في أحداث يوم القيامة وبدايته اليوم الأخي من أيام الدنيا ولا ايام ولا زمن بعدها قال تعالى { يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيباً مهيلا} .
وأما :
(كثيباً)
[ وكثيب من كثب والكثيب : الرمل المتراكم والتل من الرمل – معجم ألفاظ القرآن باب الكاف فصل الثاء والباء ] . قال تعالى { وكانت الجبال كثيباً مهيلا} .
وأما :
(مهيلا)
[ ومهيلا من هال التراب والمرل يهيله هيلاً : نثره وصبه فانتثر ] قال تعالى { يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيباً مهيلا} .
ثم يقول تعالى :
(15) إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهداً عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا (15)
وهنا :
(إنا أرسلنا إليكم رسولاً شاهداً عليكم)
أي أنه قال تعالى { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا – الأحزاب 45-47} وكفى بالله شهيداً على كل شيئ كما في قوله تعالى { وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا – النساء 79} .
وأما :
(شاهداً عليكم)
أي أنه يقول تعالى هنا مبيناً أنه تعالى يبعث في كل أمة رسولاَ شاهداً عليهم قال تعالى { وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ ۚ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ – النحل 89 }
ثم تأتي شهادة الإمام علي والأئمة من أهل البيت على هذه الأمة بعد موت النبي صلى الله عليه وآله وذلك لما نزل في الإمام علي عليه السلام من قوله تعالى { وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا ۚ قُلْ كَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ – الرعد 43 }
[ ابن عطاء قال : كنت جالسا مع أبي جعفر في المسجد فرأيت ابن عبد الله بن سلام جالسا في ناحية فقلت لأبي جعفر : زعموا أن الذي عنده علم الكتاب عبد الله بن سلام . فقال : إنما ذلك علي بن أبي طالب عليه السلام عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتاب. – تفسير الثعلبي ، ج 5 ، ص 303 ]
[ عن ابن عباس في قوله تعالي : « ومن عنده علم الكتاب » قال هو علي بن علي طالب . عن ابن الحنفية في قوله تعالي : « ومن عنده علم الكتاب » قال : هو علي بن أبي طالب .عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أنّ المراد بمن عنده علم الكتاب علي بن أبي طالب و أئمّة الهدي عليهم السّلام »
روي بريد بن معاوية عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال : « إيّانا عني ، و علي أولنا ، و أفضلنا ، و خيرنا بعد النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم »
و يؤيّد ذلك ما روي عن الشعبي أنّه قال : ما أحد أعلم بكتاب اللّه بعد النبيّ من عليّ بن أبي طالب عليه السّلام . – شواهد التنزيل ، ّالحاكم الحسكاني ، ج 1 ، ص 402 ]
[ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : سألت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عن هذه الآية « الذين عنده علم من الكتاب » قال : ذاك أخي سليمان بن داود عليهما السلام . وسألته عن قوله الله عز وجل « قل كفي بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب » قال : ذاك أخي علي بن أبي طالب صاحب المناقب .
و روي عن موسي بن جعفر ، وعن زيد بن علي عليه السلام ، وعن محمد بن الحنفية ، وعن سلمان الفارسي ، وعن أبي سعيد الخدري وإسماعيل السدي أنهم قالوا في قوله تعالي : « قل كفي بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب » هو علي بن أبي طالب عليه السلام . – ينابيع المودة ، القندوزي ، ج 1 ، ص307 ]
وأما عن الذين قالوا أنها نزلت في عبد الله بن سلام [ قال عكرمة و الحسن (ر) كيف والآية مكية وإسلام ابن سلام كان بعد ذك أي (بالمدينة) – ترجمة ابن سلام من كتاب الإستيعاب في أسماء الأصحاب هامش الإصابة لابن حجر العسقلاني و شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ] .
والشاهد أيضاً على الأمة بعد النبي هو الإمام علي لما نزل فيه من قوله تعالى أيضاً {أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَامًا وَرَحْمَةً ۚ أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۚ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ ۚ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ ۚ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ – هود 17 } وهنا الشاهد [ هو الإمام علي (عليه السلام) منتخب كنز العمال هامش مسند أحمد باب التفسير سورة هود ]
[ أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: ما من رجل من قريش إلا نزل فيه طائفة من القرآن. فقال له رجل: ما نزل فيك؟ قال: أما تقرأ سورة هود { أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه } رسول الله صلى الله عليه وسلم على بينة من ربه وأنا شاهد منه.
وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن علي رضي الله عنه في الآية قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم على بينة من ربه، وأنا شاهد منه.
وأخرج ابن مردويه من وجه آخر عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” أفمن كان على بينة من ربه أنا، ويتلوه شاهد منه قال: علي “.- تفسير الدر المنثور للسيوطي ]
ورسولا هنا لأنه تعالى جعل الرسالة ممتدة من النبي صلى الله عليه وآله هنا وليست رسالة من الله ف رسول الله والنبي الخاتم هو سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله) ولكن هناك أئمة أرسلهم الله تعالى خلفاء للنبي برسالة من رسول الله وليست من الله لأنه لا نبي بعده ولا رسول من الله تعالى و إلا لما قال تعالى في نبي الله هود وهو واحد فيقول أنه بعث فيهم مرسلين قال تعالى { كذبت عاد المرسلين – الشعراء 123 } وهل بعث الله تعالى فيهم غير نبي الله هود ؟ ولذلك نقول هنا بأن المرسلين هنا جعل الله تعالى تكذيبهم لنبي الله هود تكذيباً لكل الأنبياء من قبل وكذلك تكذيباَ لخلفاء نبي الله عاد من بعدة وقد كانت يطلق عليها نبوة كما في الحديث عن بني إسرائيل ” كلما مات نبياً بعث الله فيهم نبياً آخر” … الحديث .
وختم النبوة برسول الله صلى الله عليه وآله ولذلك يقول تعالى { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} وقال تعالى { وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ۚ وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَىٰ إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ – القصص 59 } ولذلك قال تعالى { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ – الصف 9 } ولذلك بين تعالى أن الشاهد على الأمة من بعده صلى الله عليه وآله هم الأئمة من أهل بيته عليهم السلام .
وأما :
(كما أرسلنا)
هنا يقول تعالى { كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ – البقرة 151 } وهذا الرسول أرسله إليهم هنا كماأرسل الله تعالى نبي الله موسى إلى فرعون قال تعالى { إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ رَسُولًا – المزمل 15} .
وبالتالي كما أن نبي الله موسى له نقباء اثنى عشر كذلك للنبي ائمة من بعده على عدد نقاء بني إسرائيل كما في الحديث [ قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من أهل بيتي اثنا عشر نقيبا محدثون مفهمون منهم القائم بالحق يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا وقال الله تعالى (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم) وقد أخبرنا بأنهم كانوا اثنى عشر قوله (وبعثنا منهم اثنى عشر نقيبا) فيجب أن يكون عدد خلفائنا كذلك لأنه تعالى شبههم بهم بكاف التشبيه ولا شبهة ان النقباء هم الخلفاء. – مناقب آل أبي طالب – ابن شهر آشوب – ج ١ – الصفحة ٢٥٨ ] .
وهنا وجه التشبية والمقارنة بين فرعون وهذا العتل الزنيم تؤكد صحة كل ماذكرناه من قبل في وحدة ألفاظ كثير بالسورة بين كبراء قريش وفرعون لعنه الله .
وأما :
(إلى فرعون رسولا)
يقول تعالى في فرعون عليه لعائن الله المتتالية إلى يوم الدين { وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي – القصص 42 }
ثم قال تعالى فيهم لعتهم الله {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ – القصص 42 }
وسيراً على إمامته للظالمين و الكفرة كان هذا العتل الزنيم وهنا بشارة للنبي صلى الله عليه وآله بهلاك كبير قريش الذي تقلد بفرعون في كفره وطغيانة كما أهلك الله تعالى فرعون من قبل قال تعالى { فعصى فرعون الرسول فأخناه أخذاً وبيلا – المزمل 16 }
ثم يقول تعالى :
(16) فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذاً وبيلا (16)
وهنا :
(فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذاً)
أي أن فرعون لما عصى الله تعالى أخذه أخذة رابية كما في قوله تعالى { وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَةً – الحاقة 9-10 } وأخذة رابية [ أي أخذة شديدة ] وهو نفس معنى قوله تعالى هنا { فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذاً وبيلا – المزمل 16} .
وأما :
(الرسول)
وهنا الرسول هو رسول الله صلى الله عليه وآله وقد أرسله الله تعالى إلى قريشاً الأولى كما أرسل نبي الله موسى إلى فرعون كما قال تعالى : { إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهداً عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا}
وأما :
(وبيلا)
[ ووبل المطر يبل وبلاً ووبولاً : غزُر وعظُم قطره – معجم ألفاظ القرآن باب الواو فصل الباء واللام ] قال تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا ۖ لَّا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ – البقرة 264 } [ووبل المرتع والطعام يوبل وبالة ووبالا : وضم وعظم وثقل ولم يستمر ومن هذا ومن هذا وبل الشيئ : أشتد وغلظ قال تعالى { فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذاَ وبيلا – المزمل 16 } وإذا قال تعالى في عقابه لقريش { كَمَثَلِ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ۖ ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ – الحشر 15 }[ أي نالهم عذاب شديد ] وإذا كان الله تعالى أخذ فرعون أخذاً وبيلا فهذا المجرم قتله الله تعالى في غزوة بدر وكثير من ملئه .
ثم يقول تعالى :
(17) فكيف تتقون إن كفرتم يوماً يجعل الولدان شيبا (17)
وهنا :
(فكيف)
أي أنه يقول تعالى
وهنا يقول تعالى {فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا } أي كيف ستدفعون عذاب الله عنكم في ذلك اليوم عند وفاتكم فإذا توفتهم الملائكة أخذت تضرب وجوههم كما في قوله تعالى { فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم – محمد 27 } . و عند موتهم يقول تعالى { ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير – فاطر 26} ويقول تعالى عن أخذه الكافرين به تعالى . { ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير – فاطر 26 }
ثم يوم القيامة يقول تعالى { فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون – آل عمران 25 } . وهنما يقول تعالى { فكيف كان عذابي ونذر – القمر 16 } والمنافقين يقول تعالى أيضاً فيهم { فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاءوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا – النساء 62 } .
وأما :
(تتقون)
[ ووقاه المكروه يقيه إياه وقاية حماه وحفظه أن يناله ذلك المكروه في الدنيا والآخرة قال تعالى { فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب – غافر 45 } وفي الآخرة يقول تعالى عن وقايتهم العذاب قال تعالى { لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم – الدخان 56} .
ويحذر الله تعالى الناس من نار وقودها الناس والحجارة قائلا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ – التحريم 6 } ويحذر الله تعالى الناس من يوم القيامة وزلزلة الساعة قائلاً { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ – الحج 1-2 }
وأما :
(إن كفرتم)
هنا يبين تعالى أن العذاب الشديد على من كفر لقوله تعالى { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ – إبراهيم 7 }
وأما :
(يوماً)
هنا يبين تعالى أنه يوماً عسيراً على الكافرين كما في قوله تعالى { وكان يوماً على الكافرين عسيرا – الفرقان 26 } ولذلك يقول الكافرون هذا يوم عسير قال تعالى { يقول الكافرون هذا يوم عسر – القمر 8 } وهذا اليوم من شدة عسره ورهبته يجعل الولدان شيبا قال تعالى { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ – الحج 1-2 }
وأما :
(يجعل)
وهنا يبين تعالى أن الدار الآخرة يجعلها للذين لا يريدون علواً ولا فسادا قال تعالى { تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ – القصص 83 } وبالتالي من جاء يوم القيامة بالعلو الكفر والفساد فسيواجه يوما يجعل الولدان شيبا كما في الاية هنا { فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا – المزمل 17 } .
وأما :
(الولدان)
[ والوليد يجمع على ولدان وأنثاه وليدة وجمعها ولائد والوليد هنا : الطفل وسمى بذلك لقرب عهده من الولادة – معجم ألفاظ القرآن باب الواو فصل اللام والدال ] قال تعالى { قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ – الشعراء 18 } وهذا اليوم من هوله يجعل الولدان شيبا كما في الآية هنا { يوما يجعل الولدان شيبا }.
وأما :
(شيبا)
[ والشيب في الشعر : ظهور البياض فيه قل أو كثر ] قال تعالى { قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا – مريم 4 } و هذا اليوم هنا من شدة هوله يجعل الولدان شيبا كما في قوله تعالى : { فكيف تتقون يوما يجعل الولدان شيبا }.
ثم يقول تعالى :
(18) السماء منفطر به كان وعده مفعولا (18)
وهنا :
(السماء منفطر به)
[ وانفطر وتفطر : انشق وتشقق والفطور : الشقوق – معجم ألفاظ القرآن باب الفاء فصل الطاء والراء ] قال تعالى { الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِن تَفَاوُتٍ ۖ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ – الملك 3 } و قال تعالى عن انفطار السماء يوم القيامة { إذا السماء انفطرت – الإنفطار }
تكاد تتفطر من هول هذا اليوم قال تعالى وهذا الإنفطار قال تعالى فيه { تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا – مريم 90 } .
وأما :
(به)
وهنا به تعود على جحيم هذا اليوم الذي قال تعالى فيه { ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ ثُمَّ يُقَالُ هَٰذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ – المطففين 16-17} وهذا الجحيم السماء منفطر به كما في الآية هنا . ويوم الدين الذي كذبوا به قال فيه تعالى { وما يكذب به إلا كل معتد أثيم – المطففين 12 } وبالتالي قوله تعالى { السماء منفطر به } أي بيوم القيامة .
وأما :
(وعده)
وهنا كان يرد في قوله تعالى عن وعد الله تعالى بهلاك صهاينة أهل الكتاب الأول { فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا – الإسراء 5-7 } وهذا الوعد في آخر الزمان سيكون بطمس الوجوه و لا تطمس إلا بالنار وليس السيف الومح والأسلحة البدائيو كما في الوعد الأول قال تعالى {يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت و كان أمر الله مفعولا – النساء 47 } وأيضا في هذا الزمان وعد بهزيمة الروم لورود هذا اللفظ في قوله تعالى {غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ ۗ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ وَعْدَ اللَّهِ ۖ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ – الروم 2-7 }
وهذا وعدا مسؤولا قال تعالى فيه { كان على ربك وعداً مسؤولا – الفرقان 16 }
(وعده)
أي وعداً مسؤولا قال تعالى فيه { كان على ربك وعداً مسؤولا – الفرقان 16 } أي أن هلاك صناديد الكفر في كل زمان وما سلاقوه عند موتهم حتى قيام الساعة والإنتقام منهم وعدا مفعولا قال تعالى فيه هنا { كان وعده مفعولا}
وهذا الوعد أولا بالإستخلاف في الأرض كما في قوله تعالى { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ – النور 55 } وهذا وعدا مفعولا
وكذلك وعده تعالىل هؤلاء بالنار قال تعالى فيه { وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم – التوبة 68} وقال تعالى عن وعده للمؤمنين { والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا وعد الله حقا ومن أصدق من الله قيلا – النساء 122 } .
وأما :
(مفعولا)
مفعولا هنا اسم فاعل كعمل قال تعالى في إيمان المؤمنين بالله تعالى أن وعده ووعيده حق قال تعالى
{ قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا ۚ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا – الإسراء107-109} وأمر الله تعالى مفعولا كما في قوله تعالى { وكان أمر الله مفعولا – الأحزاب 37 } وتلك وعود قضى الله تعالى بها كما في قوله تعالى { ليقضي الله أمرا كان مفعولا وإلى الله ترجع الأمور – الأنفال 44 } وقال تعالى أيضاً { ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا – الأنفال 42 } ويوم القيامة قال تعالى فيه وفي هذا الوعد { السماء منفطر به كان وعده مفعولا – المزمل 18 }
ثم يقول تعالى :
(19) إن هذه تذكره فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا (19)
( وهذه الآية متكررة في سورة الإنسان الآية 29 )
وهنا :
(إن هذه تذكره فمن شاء)
والتذكر يكون بالقرآن الكريم وهو الذكر كما في قوله تعالى { وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون – الأنبياء 50 }
و يقول تعالى { إِنَّ هَٰذِهِ تَذْكِرَةٌ ۖ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلًا وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ ۚ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا – الإنسان 29-31 } .
{كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاءَ ذَكَرَهُ وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ۚ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَىٰ وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ –المدثر 54- 56 }
والتذكرة عكسها النسيان وهى لا تكون إلا بالقرآن كما بينا من قبل قال تعالى { ولقد صرفناه بينهم ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفورا – الفرقان 50} .
وأما :
(فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا)
أي أنه يقول تعالى هنا { فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر – الكهف 29 } . ومن آمن فقد اتخذ إلى ربه مآبا قال تعالى { ذلك اليوم الحق فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا – النبأ 39 } وهو ذكر لمن شاء أن يستقيم وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب لعالمين قال تعالى { إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ – التكوير 27-29 } .
وأما :
(سبيلا)
والسبيل هو سبيل الله تعالى والعمل بالقرآن الكريم وأحكامه قال تعالى هنا { إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا – المزمل 19 } وقال تعالى { قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ – يوسف 108 }
و الخروج عليه خروجاً للهوى كما في قوله تعالى { ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله – ص 26 } وهؤلاء كالأنعام بل هم أضل كما في قوله تعالى { أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا – الفرقان 44 }. وهؤلاء هم الذين أطاعوا السادة والكبراء كما في قوله تعالى { وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا – الأحزاب 67 } . والذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت قال تعالى {الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا – النساء 76 } وبالتالي هنا يقول تعالى للناس { إن هذه تذكره فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا } .
ثم يقول تعالى :
(20) إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ ۚ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ۚ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۖ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ۚ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَىٰ ۙ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ ۙ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ۚ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ۚ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ۚ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (20)
وهنا :
(إن ربك يعلم)
أي أنه يقول تعالى { إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين – الأنعام 117} وهو أعلم بما في نفوسهم كما في قوله تعالى { ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا – الإسراء 25 } .
وأما :
(يعلم)
يبين تعالى هنا أنه يقول تعالى أنه خلق الخلق وهو أعلم بهم كما في قوله تعالى { ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير – الملك 14} وهو أعلم بالمؤمنين من المنافقين قال تعالى {.وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ العنكبوت11}
والله تعالى يعلم ما تكن صدورهم { وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ – القصص69} وبالتالي يعلم الله تعالى الصادقين من الكاذبين في قوله تعالى { وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ – العنكبوت 3 } وهنا يبين تعالى أنه يعلم بأنه وأصحابه يقومون الليل فإن لم يستطيعوا فعليهم بقراءة ماتيسر من القرآن كما في قوله تعالى { إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ ۚ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ۚ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۖ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ } .
وأما :
(أنك تقوم)
وهنا يبين تعالى أن هذا القيام كان أول أيام الهجر ة بمسجد قباء أول مسجد أسس على التقوى كما في قوله تعالى { لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ – التوبة 108} وكان فيهم مؤمنون يحبون أن يتطهروا ومنهم أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) لما نزل فيه من قوله تعالى { أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب -الزمر 9 } وهذه الآية في التفاسير قيل أنها نزلت
- في ابي بكر
- نزلت في أبي بكر وعمر.
- نزلت في عثمان .
- نزلت في عمار ابن ياسر .
- نزلت في عمار ابن ياسر وابن مسعود .
والآية [ في عموم الصحابة الذين كانوا يقومون الليل بالفعل ولكنها نزلت في علي لقول ابن عباس كل كرائم القرآن نزلت في علي وقوله مامن آية فيها الذين آمنوا إلا عليا أميرها وإمامها وذلك لأنه أول الأمة إسلاماً .أهـ
[ عن ابن عباس في قوله ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ) ٱلأَلْبَابِ } ، قال يعني بالذين يعلمون علياً (عليه السلام) وأهل بيته وبني هاشم و(وَٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ) بني أمية ( أُوْلُواْ الألباب) شيعتنا – شواهد التنزيل ج 2 ص 175 ] .
[عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله عز و جل: { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ}قال أبو جعفر (عليه السلام):” إنما نحن الذين يعلمون، و الذين لا يعلمون عدونا، و شيعتنا أولو الألباب “.- تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني ] .
وكذلك يدخل فيها القائمون ببيت اله الحرام لقوله تعالى {وطهر بيتي للطائفين والقائمين والعاكفين والركع السجود – الحج 26 }
وهذه الأماكن الطاهرة ومعها بيوت النبي التي قال تعالى فيها {في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال – النور 36} ولذلك يقول تعالى هنا في رسول الله صلى الله عليه والإمام علي والصحابة رضى الله تعالى عنهم :{ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ ۚ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ۚ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۖ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ } .
وأما :
(أدنى)
وأدنى بمعنى أقرب قال تعالى {فكان قاب قوسين أو أدنى – النجم 9} وكأن الله تعالى يبين أن الإصطفاء الإلهي و قيام الليل يصل بالعبد للدرجات العلا عند الله حتى وصل صلى لله عليه وآله إلى سدرة المنتهى حتى كان قاب قوسين أو أدنى ومن أهل بيته وصحابته الكرام من كان يقوم نصف الليل ومنهم من يقوم ثلثه أو أقل قال تعالى { إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ } .
وأما :
(ثلثي الليل ونصفه وثلثه)
والثلث جزء من ثلاث أجزاء والثلثين جزئين من ثلاث قال تعالى { فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث من بعد وصية يوصى بها أو دين – النساء 12 } وقال تعالى في الثلثين {فإن كن نساءاً فوق اثنتين فلهن ثلاثا ما ترك – النساء 11} وقال تعالى في الثلين والنصف
{ إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك – النساء 176 }
أي أن هناك من كانوا يقيمون ثلاثا الليل أو أدنى كثلث الليل أو نصفه وطائفة من المؤمنين معه صلى الله عليه وآله كما في الآية هنا {ثلثي الليل ونصفه وثلثه} .
وأما :
(الليل ونصفه)
وهنا يبين تعالى أنه أمر بقيام الليل للنبي صلى الله عليه وآله في قوله تعالى هنا{قم الليل إلا قليلا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا – المزمل 2-3} وهنا يبين تعالى للمؤمنين من لم يستطع قيام الليل والله تعالى يقدر أعمال العباد في الليل والنهار فعليه بتلاوة ماتيسر من القرآن
قال تعالى { إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ ۚ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ۚ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۖ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ – المزمل 20} .
وأما :
(وطائفة )
[ والطائفة :ترجع إلى معنى الإطافة كأنها تطيف بالواحد وكل جماعة تحف بشيئ فهى كطائفة ويتوسعون في ذلك لأن الطائفة من الناس كالفرقة والقطعة منهم – معجم ألفاظ القرآن باب الطاء فصل الواو والفاء ] قال تعالى مبيناً أنها طائفة مؤمنة كما في قوله تعالى { فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين –الصف 14 }
وقال تعالى أيضاً { إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين – القصص4} وهذه الطائفة المؤمنة قوامة للصلاة ومنها صلاة الليل بالليل مجاهدة في سبيل الله بالنهار لذلك يقول تعالى { وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا – النساء 102 }
{ وليطوفوا بالبيت العتيق – الحج 29 }
وأما :
(من الذين معك)
وهؤلاء هم الذين آمنوا معه صلى الله عليه وآله كقةله تعالى في المؤمنين من نبي الله نوح {قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم – هود 48} وقال تعالى في شعيب عليه السلام والذين آمنوا معه { قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا قال أولو كنا كارهين – الأعراف 88} وقال تعالى للنبي صلى الله عليه وآله والذين آمنوا معه بأن يستقيموا على أمر الله تعالى و لا يطغوا ولا يركنوا للذين ظلموا ويقيموا الصلاة بالليل والنهار قال تعالى { فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا ۚ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ – هود 112-114} .
وأما :
(والله يقدر)
[ وقدر الشيئ : حدد مقداره ] قال تعالى { هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون- يونس 5} وهذا التقدير هو الذي خلق الله تعالى له الليل والنهار والشمس والقمر ليقدر الناس مقادار عبادتههم وأعمالهم بالليل والنهار كما في الآية هنا { والله يقدر الليل والنهار} .
وأما :
(الليل والنهار)
وهنا يقول تعالى في الليل والنهار وتقدير أوقات الصلاة فيهما والعبادة و صلاة و قيام الليل وصلاة النهار { وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين – هود 114 } .
وأما :
(علم)
{ إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك – المزمل 20}
والله تعالى علم أنهم لن يحصوه لأن منهم المرضى وآخرين يضربون في الأرض فيكون العبد كالاً من عمل يده ومنهم المقاتلين في سبيل الله ولا يقدرون على قيام الليل وبالتالي قيام الليل نافلة لم نيقدر عليها ويريد رفع درجته عند الله أو كان في شدة وبلاء قال تعالى كما في قوله تعالى { علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرءوا ما تيسر منه – المزمل 20 } وقلنا هنا في شدة وبلاء لقوله تعالى { واستعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين – البقرة} .
وأما :
(أن لن تحصوه)
[ وأحصى الشيئ أحصاه : عده ويلزم منه الإحاطة به وحفظه ] قال تعالى { أحصاه الله ونسوه والله على كل شيئ شهيد – المجادلة 6} أي أنهم قد ينسون هذا العمل فيأثمون فجعله الله تعالى نافة مندوبة لمن أراد أن يرف درجته وليس من الفرائض الخمس المفروضة قال تعالى هنا { علم أن لن تحصوه فتاب عليكم } .
وأما :
(فتاب عليكم)
وهنا فتاب عليكم تأت في تخفيف حكم من الله تعالى كقوله تعالى في الصيام والنهي عن جماع الزوجة في أثناء الصيام { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون – البقرة 187} والتوبة هنا من الله كانت بتخفيف الحكم ومن هنا يتبين لنا أن التوبة من الله قسمين قسم من الله تعالى والقسم الثاني على العبد الإلتزام بما أمر الله تعالى ولذلك قال تعالى { وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم – التوبة 118}
أي رفع عنهم الحكم وخففه عنهم ليفسح لهم المجال نحو التوبة والرجوع إلى الله تعالى فتابوا وقال تعالى ايضاً
{لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم – التوبة 117}.
وكذلك رفع الله تعالى حكم سؤال الرسول بالمال بسببب الإمام علي وخفف الله تعالى الحكم بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة قال تعالى { أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ ۚ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ – المجادلة 13 }
[ قيل : إنه لم يعمل بهذه الآية قبل نسخها سوى علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه .قال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : نهوا عن مناجاة النبي – صلى الله عليه وسلم – حتى يتصدقوا ، فلم يناجه إلا علي بن أبي طالب ، قدم دينارا صدقة تصدق به ، ثم ناجى النبي – صلى الله عليه وسلم – فسأله عن عشر خصال ، ثم أنزلت الرخصة .وقال ليث بن أبي سليم ، عن مجاهد ، قال علي ، رضي الله عنه : آية في كتاب الله عز وجل لم يعمل بها أحد قبلي ، ولا يعمل بها أحد بعدي ، كان عندي دينار فصرفته بعشرة دراهم ، فكنت إذا ناجيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – تصدقت بدرهم ، فنسخت ولم يعمل بها أحد قبلي ، ولا يعمل بها أحد بعدي ، ثم تلا هذه الآية : ( يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ) الآية .وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن عثمان بن المغيرة ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن علي بن علقمة الأنماري ، عن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – قال : قال النبي – صلى الله عليه وسلم – : ” ما ترى ، دينارا ؟ ” . قال : لا يطيقون . قال : ” نصف دينار ؟ ” . قال : لا يطيقون . قال : ” ما ترى ؟ ” قال : شعيرة ، فقال له النبي – صلى الله عليه وسلم – : ” إنك زهيد قال : قال علي : فبي خفف الله عن هذه الأمة ، وقوله : ( يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ) فنزلت : ( أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات ) ورواه الترمذي ، عن سفيان بن وكيع ، عن يحيى بن آدم ، عن عبيد الله الأشجعي ، عن سفيان الثوري ، عن عثمان بن المغيرة الثقفي ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن علي بن علقمة الأنماري ، عن علي بن أبي طالب قال : لما نزلت : ( يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ) إلى آخرها ، قال لي النبي – صلى الله عليه وسلم – : ” ما ترى ، دينارا ؟ ” قلت لا يطيقونه . وذكره بتمامه ، مثله ، ثم قال : ” هذا حديث حسن غريب ، إنما نعرفه من هذا الوجه ” . ثم قال : ومعنى قوله : ” شعيرة ” : يعني وزن شعيرة من ذهبورواه أبو يعلى ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن يحيى بن آدم به .وقال العوفي ، عن ابن عباس في قوله : ( يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ) إلى ( فإن الله غفور رحيم ) كان المسلمون يقدمون بين يدي النجوى صدقة ، فلما نزلت الزكاة نسخ هذا .- تفسير ابن كثير ] .
[ عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد قال: قال علي عليه السلام : إن في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي وهي آية النجوى كان عندي دينار فبعته بعشرة دراهم، فجعلت أقدم بين يدي كل نجوى أناجيها النبي صلى الله عليه وآله درهماً، قال: فنسخها قوله: { ءأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات – إلى قوله – والله خبير بما تعملون } – تفسير القمي ] .
وأما :
(فاقرأوا ماتيسر من القرآن)
أي أنه يقول تعالى في نفس الآية { فاقرءوا ما تيسر منه وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضا حسنا وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا واستغفروا الله إن الله غفور رحيم – المزمل 20 } .
وأما :
(القرآن)
أي أنه يقول تعالى هنا { ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر – القمر } ثم يأمر تعالى بالإنصات إليه إذا سمعه المسلم قال تعالى {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون – الأعراف 204 } ومن آداب تلاوته البدء بالإستعاذة لقوله تعالى {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم – النحل 98 } ويأمر الله تعالى رسوله والمؤمنون بتلاوة القرآن الكريم كما في قوله تعالى { إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَٰذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ ۖ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ ۖ فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ – النمل 91-92} ولذلك قال تعالى هنا { فاقرأوا ماتيسر من القرآن} .
وأما :
(عَلِم)
أي أنه تعالى يقول { إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ } وكما بينا من قبل أنه علم أن سيكون مرضى في قوله تعالى {عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَىٰ ۙ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ ۙ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ۚ} ولذلك تاب عليهم وخفف عنهم الحكم بتلاوة ماتيسر من القرآن ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة كما في قوله تعالى { عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۖ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ۚ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ۚ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ۚ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } .
وأما :
(سيكون منكم مرضى)
وهنا يبين تعالى أحكام التخفيف عن المرضى فيقول تعالى في الصيام { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون – البقرة 185} وفي الجهادأيضاً في سبيل الله يقول تعالى { ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ومن يتول يعذبه عذابا أليما – الفتح 17 }
{ ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم -التوبة91} وكذلك الحكم هنا خفف الله تعالى القيام لأن من الناس المريض والضعيف وذا الحاجة والمجاهد في سبيل الله كما بينا وتم تخفيف الحكم بتلاوة القرآن الكريم قال تعالى { عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى ۙ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ ۙ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ۚ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ۚ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ۚ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ – المزمل 20 } .
وأما :
(وآخرون يضربون في الأرض وآخرون)
أي آخرون يقاتلون في سبيل الله قال تعالى { وآخرون يقاتلون في سبيل الله – المزمل 20 } ومن هؤلاء الآخرون أناس يضربون في الأرض سعياً على الرزق وأعمالهم قال تعالى { وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله – المزمل 20 } .
وأما :
(يضربون في الأرض)
[ الضرب في الأرض خفقاً فيها وسيراً عليها ] قال تعالى { لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ – البقرة 273}.والضرب هنا في الأرض سعياً على المعايش منعاً للمسئلة ودفعاً للفقر .
وأما :
(يبتغون من فضل الله)
وابتغاء الفضل من الله هنا بالضرب في الأرض والسعي فيها قال تعالى { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ ۚ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ۖ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ – البقرة 198 } ويبين تعالى أن من عباده المؤمنين و صحابته الكرام رضى الله عنهم من يبتغون من الفضل من الله بكثرة قيام الليل والنهار وهؤلاء هم الأنموزج الإيماني والمثل الذي ضربه الله تعالى ليتقلد بهم كل مسلم كما في قوله تعالى { محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما – الفتح 29 } وهؤلاء هم الذين يبتغون عند الله الوسيلة وفيها خير الدنيا والآخرة قال تعالى { أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ ۚ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا – الإسراء 57}
وأما :
(يقاتلون في سبيل الله)
والقتال في سبيل الله يكون لإعلاء كلمة الله كما يقاتل الكفار في سبيل إعلاء غير كلمة القرآن الكريم قال تعالى { الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا – النساء 76 }
أي أن هؤلاء قال تعالى فيهم أنهم عملوا بأمر الله تعالى في الجهاد في سبيل الله تعالى وإعلاء كلمته عز وجل عملاً بقوله تعالى { وقاتلوا في سبيل الله وأعلموا ان الله سميع عليم – البقرة 244 } .
وأما :
(فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة)
وهنا يبين تعالى أن الصلاة والزكاة والصدقات من الأوامرالتي يكفر الله تعالى بها السيئات ويخفف بها الأحكام كما قال تعالى في تخفيف حكم المناجاة بالصدقات {أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ ۚ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ – الحشر 13} . وما قدمه هؤلاء المؤمنين من أعمال صالحة سيجدونها عند الله تعالى كما في قوله عز وجل {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله إن الله بما تعملون بصير –البقرة 110} .
وأما :
(وأقرضوا الله قرضاً حسنا)
[أقرض غيره مالاً : اقتطع جزءاً من ماله وأعطاه غيره ليرده هو أو مثله إليه والقرض الحسن هو ان يكون من مال حلال لا يصحبه من ولا أذى ولا يجر ربا – معجم ألفاظ القرآن باب القاف فصل الراء والضاد ] والقرض الحسن صدقة تؤدى لها ثواب عند الله تعالى قال تعالى { من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون – البقرة 254}
وقال تعالى في جزاء الأعمال الصالحة التي هى بمثابة قرض يضاعفه الله تعالى في ألاخرة وولاية الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) الذين هم كنقباء بني إسرائيل قال تعالى فيهم هنا{ ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا و قال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل – المائدة 12} .
وأما :
( وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله )
وهنا يقول تعالى { وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ – البقرة 110 }
وأما :
(ما تقدموا )
يبين تعالى هنا إن لم يقدموا لأنفسهم منأعمال صالحة فسيقولون هنا { وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ ۚ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّىٰ لَهُ الذِّكْرَىٰ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي – الفجر 23-24 }
وأما :
(من خير تجدوه عند الله هو خيراً وأعظم أجرا)
أي أنه يقول تعالى هنا { من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذٍ آمنون – النمل 89 }
وهذا الثواب خير لمن آمن واتقى كما في قوله تعالى { وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ۖ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ – العنكبوت 16} .
وأما :
( تجدوه عند الله)
أي أنه يقول تعالى { وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ -البقرة 110}
وأما :
( أعظم)
والأجر الأعظم هنا للسابقين الأولين وأولهم أمير المؤمنين علي عليه السلام قال تعالى { الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون – التوبة 20} وقال تعالى أيضاً { وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السماوات والأرض لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير – الحديد 10} أي أن هؤلاء هم الأعظم أجراً عند الله .
وأما :
(أجرا)
وهنا يبين تعالى أنه يضاعف الحسنات كما في قوله تعالى { إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ۖ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا – النساء 40 } والأجر العظيم جعله الله تعالى لمن آمن به و أطاع الله تعالى ورسوله كما في قوله تعالى { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا – الفتح 29 } وهذا الأجر العظيم لمن أوفى بعهده في بيعته لإمام زمانه من أهل بيت النبي عليهم السلام لقوله تعالى { إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ۚ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا – الفتح 10} والبيعة هنا لأئمة أهل بيت النبي عليهم السلام لأنه تعالى أمر بمودتهم وورود هذا اللفظ في قوله تعالى { قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى – الشوري 13 } .
وهنا يبين تعالى أن كل من أراد الأجر العظيم فعلية بولاية الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويتلوا كتاب الله تعالى .
وأما :
(واستغفر الله إن الله إن الله غفور رحيم)
وهنا يقول تعالى بأن كل من أراد الله تعالى أن يغفر الله تعالى له فليأت رسول الله صلى الله عليه وآله ويطلب منه الإستغفار له وفي ذلك دلالة بأن كل من زاره في مسجده أو مساجد أهل بيته عليهم السلام فاله تعالى سيغفر له وله أجر عظيم قال تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا – النساء 64 } .
وأما :
(إن الله غفور رحيم )
وهنا يبين تعالى أنه سيغفر لمن آمن به وهاجر وجاهد في سبيله تعالى { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ – البقرة 218} . وهذه الرحمة والغفران جعلها الله تعالى لمن أحبه { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ – آل عمران 31 }
ومن أراد الله تعالى والدرا الآخرة فليتبع الله تعالى ورسوله ويستغفر الله ويقيم الصلاة ويتصدق ويقيم الليل إن استطاع إلى ذلك سبيلا كما في قوله تعالى هنا بالآية { واستغفروا الله إن الله غفور رحيم – المزمل 20}
هذا وبالله التوفيق وما توفيقي إلا بالله
عليه توكلت وإليه أنيب وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين
انتهى العمل بهذه السورة الكريمة في 2 رمضان 1420هـ الموافق 10 ديسمبر عام 1999
أهـ