"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

سورة المدثر رقم (5) في التنزيل من تفسير البينة أو (النبأ العظيم)

السورة بصيغة :

pdf 

سورة المدثر

صيغة وورد :

[ أخرج ابن الضريس وابن مردويه والنحاس والبيهقي عن ابن عباس قال: نزلت سورة المدثر بمكة.
وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله .

وأخرج الطيالسي وعبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي وابن الضريس وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه وابن الأنباري في المصاحف قال: سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن أول ما نزل من القرآن فقال : ” يا أيها المدثر ” قلت: يقولون { اقرأ باسم ربك الذي خلق } فقال أبو سلمة : سألت جابر بن عبدالله عن ذلك قلت له مثل ما قلت. قال جابر: لا أحدثك إلا ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” جاورت بحراء، فلما قضيت جواري فنوديت فنظرت عن يميني فلم أرَ شيئاً، ونظرت عن شمالي فلم أرَ شيئاً، ونظرت خلفي فلم أرَ شيئاً، فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض فجثثت منه رعباً، فرجعت فقلت دثروني فدثروني، فنزلت { يا أيها المدثر قم فأنذر } إلى قوله: { والرجز فاهجر } “.

وأخرج الطبراني وابن مردويه بسند ضعيف عن ابن عباس أن الوليد بن المغيرة صنع لقريش طعاماً فلما أكلوا قال: ما تقولون في هذا الرجل؟ فقال بعضهم: ساحر، وقال بعضهم: ليس بساحر، وقال بعضهم: كاهن، وقال بعضهم: ليس بكاهن، وقال بعضهم: شاعر، وقال بعضهم ليس بشاعر، وقال بعضهم: سحر يؤثر، فاجتمع رأيهم على أنه سحر يؤثر فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فخرج وقنع رأسه وتدثر، فأنزل الله { يا أيها المدثر } إلى قوله: { ولربك فاصبر }.

وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما { يا أيها المدثر } قال: دثرت هذا الأمر فقم به.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر عن إبراهيم النخعي رضي الله عنه { يا أيها المدثر } قال: كان متدثراً في قطيف، يعني شملة صغيرة الخمل { وثيابك فطهر } قال: من الإِثم { والرجز فاهجر } قال: الإِثم { ولا تمنن تستكثر } قال: لا تعط شيئاً لتعطى أكثر منه { ولربك فاصبر } قال: إذا أعطيت عطية فأعطها لربك واصبر حتى يكون هو الذي يثيبك.

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه { يا أيها المدثر } قال: المتدثر في ثيابه { قم فأنذر } قال: أنذر عذاب ربك ووقائعه في الأمم وشدة نقمته إذا انتقم { وثيابك فطهر } يقول: طهرها من المعاصي وهي كلمة عربية، كانت العرب إذا نكث الرجل ولم يوف بعهده قالوا: إن فلاناً لدنس الثياب، وإذا أوفى وأصلح قالوا: إن فلاناً لطاهر الثياب { والرجز فاهجر } قال: هما صنمان كانا عند البيت أساف ونائلة يمسح وجوههما من أتى عليهما من المشركين، فأمر الله نبيه محمداً أن يهجرهما ويجانبهما { ولا تمنن تستكثر } قال: لا تعط شيئاً لمثابة الدنيا ولا لمجازاة الناس.

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن أبي مالك رضي الله عنه { وربك فكبر } قال: عظم { وثيابك فطهر } قال: عنى نفسه { والرجز فاهجر } قال: الشيطان والأوثان.

وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه: قلنا يا رسول الله كيف نقول إذا دخلنا في الصلاة، فأنزل الله { وربك فكبر } فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نفتتح الصلاة بالتكبير.

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما { يا أيها المدثر } قال: النائم { وثيابك فطهر } قال: لا تكن ثيابك التي تلبس من مكسب باطل { والرجز فاهجر } قال: الأصنام { ولا تمنن تستكثر } قال: لا تعط عطية تلتمس بها أفضل منها.

وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما { وثيابك فطهر } قال: من الإِثم قال: وهي في كلام العرب نقي الثياب.

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: { وثيابك فطهر } قال: من الغدر، ولا تكن غداراً.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في الوقف والابتداء وابن مردويه عن عكرمة أن ابن عباس سئل عن قوله: { وثيابك فطهر } قال: لا تلبسها على غدرة ولا فجرة، ثم قال: ألا تسمعون قول غيلان بن سلمة:

إني بحمد الله لا ثوب فاجر لبست ولا من غدرة أتقنع

وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال: كان الرجل في الجاهلية إذا كان غدراً قالوا: فلان دنس الثياب.

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن أبي رزين { وثيابك فطهر } قال: عملك أصلحه، كان أهل الجاهلية إذا كان الرجل حسن العمل قالوا: فلان طاهر الثياب.

وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: { وثيابك فطهر } قال: وعملك فأصلح.

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما { وثيابك فطهر } قال: لست بكاهن ولا ساحر فأعرض عنه { والرجز فاهجر } قال: الأوثان { ولا تمنن تستكثر } قال: لا تعط مصانعة رجاء أفضل منه من الثواب { ولربك فاصبر } قال: على ما أوذيت.

وأخرج عبد بن حميد عن أبي مالك رضي الله عنه { وثيابك فطهر } قال: عنى نفسه.

وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد رضي الله عنه { وثيابك فطهر } قال: ليس ثيابه الذي يلبس.

وأخرج ابن المنذر عن الحسن رضي الله عنه في قوله: { وثيابك فطهر } قال: خلقك فحسن.

وأخرج ابن المنذر عن يزيد بن مرثد في قوله: { وثيابك فطهر } أنه ألقى على رسول الله صلى الله عليه وسلم سلا شاة.وأخرج الطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم { والرجز فاهجر } بالكسر.

وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” { والرجز فاهجر } برفع الراء، وقال: هي الأوثان “.

وأخرج ابن المنذر عن حماد رضي الله عنه قال: قرأت في مصحف أبي ” ولا تمنن أن تستكثر .

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة رضي الله عنه { ولا تمنن تستكثر } يقول: لا تعط شيئاً لتعطى أكثر منه، وإنما نزل هذا في النبي صلى الله عليه وسلم.

وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك رضي الله عنه { ولا تمنن تستكثر } قال: لا تعط شيئاً لتعطى أكثر منه، وهي للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة والناس موسع عليهم.

وأخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما { ولا تمنن تستكثر } قال: لا تعط الرجل عطاء رجاء أن يعطيك أكثر منه.

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه { ولا تمنن تستكثر } قال: لا تعظم عملك في عينك أن تستكثر من الخير.

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما { ولا تمنن تستكثر } قال: لا تقل قد دعوتهم فلم يقبل مني، عد فادعهم { ولربك فاصبر } على ذلك.

أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: { فإذا نقر في الناقور } قال: الصور { يوم عسير } قال: شديد.

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه { فإذا نقر في الناقور } قال: فإذا نفخ في الصور.

وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة رضي الله عنه وأبي مالك وعامر مثله.

وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد رضي الله عنه قال: الناقور الصور شيء كهيئة البوق.

وأخرج ابن أبي شيبة والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس قال: نزلت { فإذا نقر في الناقور } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”  كيف أنعم وصاحب الصور قد التقم القرن وحنى جبهته يستمع متى يؤمر؟ قالوا: كيف نقول يا رسول الله؟ قال: قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا ”

وأخرج ابن سعد والحاكم عن بهز بن حكيم قال: أمنا زرارة بن أوفى فقرأ المدثر، فلما بلغ { فإذا نقر في الناقور } خر ميتاً فكنت فيمن حمله.

وأخرج عبد حميد عن قتادة { فذلك يومئذ يوم عسير } قال: ثم بين على من مشقته وعسره فقال: { على الكافرين غير يسير } – الدر المثور ] .

وفي تفسير البرهان :

[  عن أبي عبد الله (عليه السلام): ” { يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ } اسم من أسماء النبي (صلى الله عليه و آله) العشرة التي في القرآن “.

تقدم الحديث مسندا بتمامه في أول سورة طه.

و عنه: عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمد بن سنان، عن عمار بن مروان، عن المنخل بن جميل، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله عز و جل: { يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنذِرْ }:

” يعني بذلك محمدا (صلى الله عليه و آله) و قيامه في الرجعة ينذر فيها.قوله: { إِنَّهَا لإِحْدَى ٱلْكُبَرِ نَذِيراً   المدثر: 35-  36}  يعني محمدا (صلى الله عليه و آله) { نَذِيراً لِّلْبَشَرِ –  المدثر: 36}   في الرجعة ” [ و في قوله : (إنا أرسلناك كافة للناس) في الرجعة .

– و بهذا الاسناد، عن أبي جعفر (عليه السلام): ” أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يقول: إن المدثر هو كائن عند الرجعة، فقال له رجل: يا أمير المؤمنين، أحياء قبل يوم القيامة ثم أموات؟ قال: فقال له عند ذلك: نعم و الله لكفرة من الكفر بعد الرجعة أشد من الكفرات قبلها “.

  • علي بن إبراهيم: في معنى الآية، قال: يريد رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فالمدثر يعني المتدثر بثوبه { قُمْ فَأَنذِرْ } قال: هو قيامه في الرجعة ينذر فيها، قوله: { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } ، قال: تطهيرها تشميرها، أي قصرها، و قال: شيعتنا يطهرون.
  • عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله تعالى: { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } قال: ” فشمر “.

– عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: ” إن عليا (عليه السلام) كان عندكم فأتى بني ديوان، فاشترى ثلاثة أثواب بدينار، القميص إلى فوق الكعب، و الإزار إلى نصف الساق، و الرداء من بين يديه إلى ثدييه، و من خلفه إلى أليتيه، ثم رفع يده إلى السماء، فلم يزل يحمد الله على ما كساه حتى دخل منزله، ثم قال: هذا اللباس الذي ينبغي للمسلمين أن يلبسوه “.

– قال أبو عبد الله (عليه السلام): ” و لكن لا يقدرون أن يلبسوا هذا اليوم، و لو فعلنا لقالوا مجنون، و لقالوا مرائي، و الله تعالى يقول: { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } ، قال: و ثيابك ارفعها و لا تجرها، و إذا قام قائمنا كان على هذا اللباس “.

– و عنه: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن عبد الرحمن بن عثمان، عن رجل من أهل اليمامة كان مع أبي الحسن (عليه السلام) أيام حبس ببغداد، قال: قال لي أبو الحسن (عليه السلام) : ” إن الله تعالى قال لنبيه (صلى الله عليه و آله) : { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } و كانت ثيابه طاهرة، و إنما أمره بالتشمير “.

و عنه: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن علي، عن رجل، عن سلمة بياع القلانس، قال: كنت عند أبي جعفر (عليه السلام)، إذ دخل عليه أبو عبد الله (عليه السلام)، فقال أبو جعفر (عليه السلام): ” يا بني، ألا تطهر قميصك ” فذهب، فظننا أن ثوبه قد أصابه شيء، فرجع إنه هكذا، فقلنا: جعلنا الله فداك، ما لقميصه؟ قال: ” كان قميصه طويلا، و أمرته أن يقصر، إن الله عز و جل يقول: { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ }  “.
و عنه: عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن عبد الحميد الطائي، عن محمد بن مسلم، قال : نظر أبو عبد الله (عليه السلام) إلى رجل قد لبس قميصا يصيب الأرض، فقال : ” ما هذا الثوب بطاهر”.

ابن بابويه: عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: حدثني أبي، عن آبائه (عليهم السلام)، عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: ” تشمير الثياب طهورها، قال الله تبارك وتعالى: { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } يعني فشمر “.

علي بن إبراهيم: قوله: { وَٱلرُّجْزَ فَٱهْجُرْ } ، الرجز الخبيث. – البرهان للسيد هاشم البحراني ] .

التفسير

  • يا أيها المدثر (1)

وهنا :

(يا أيها)

ورد هذا النداء له صلى الله عليه وآله  كنبي ورسول في قوله تعالى { يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشراَ ونذيرا – الاحزاب 45 } وقوله تعالى { يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك المائدة 67} وهنا كأنه يقول تعالى يا أيها النبي المتدثر قم الليل استعداداً لمهمة ثقيلة وهى إبلاغ رسالة الله تعالى للناس كما في قوله تعالى { يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا إنا ستلقي عليك قولا ثقيلا- المزمل } .

وأما :

( المدثر)

وهذا اللفظ من الألفاظ التي ليس لها مرادف يبينها في كتاب الله غير كتب اللغة والمعاجم والحديث والسيرة النبوية المطهرة :

[ والمتدثر بثيابه : هو المرتدي للدثار الذي هو فوق الشعار والشعار الثوب الذي يلي الجسد ومنه تدثر أي لبس الدثار وتلفف به – مجمع البحرين كتاب الراء وما اوله دال ] .

وهنا في أسباب النزول [ أخبرنا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَقَالَ : “جَاوَرْتُ بِحِرَاءٍ شَهْرًا فَلَمَّا قَضَيْتُ جِوَارِي نَزَلْتُ فَاسْتَبْطَنْتُ بَطْنَ الْوَادِي، فَنُودِيتُ فَنَظَرْتُ أَمَامِي وَخَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي فَلَمْ أَرَ أَحَدًا، ثُمَّ نُودِيتُ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا هُوَ عَلَى الْعَرْشِ فِي الْهَوَاءِ – يَعْنِي جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ – فَقُلْتُ: دَثِّرُونِي دَثِّرُونِي”، فَصَبُّوا عَلَيَّ مَاءً، فَأَنْزَلَ اللَّهُ – عز وجل – {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ.  –  أخرجه البخاري (فتح الباري: 8/ 676 – ح: 4922) ومسلم (1/ 144 – ح: 161 “257”) والإمام أحمد (الفتح الرباني: 18 / 48 – ح : 113) وابن جرير (29/90) وأبو يعلى (مسند أبي يعلى: 3 / 451 – ح: 1948)  ] .

[ وروى مثله في تفسير نور الثقلين للحويزي ج5 ص 452  ]

 

وفي تفسير أنوار التنزيل للبيضاوي :

[ روي أنه صلى الله عليه وسلم قال كنت بحراء فنوديت فنظرت عن يميني وشمالي فلم أر شيئا فنظرت فوقي فإذا هو على عرش بين السماء والأرض يعني الملك الذي ناداه فرعبت فرجعت إلى خديجة فقلت دثروني فنزل جبريل وقال * (يا أيها المدثر) * ولذلك قيل هي أول سورة نزلت وقيل تأذى من قريش فتغطى بثوبه مفكرا أو كان نائما مدثرا فنزلت وقيل المراد بالمدثر المتدثر بالنبوة والكمالات النفسانية أو المختفي فإنه كان بحراء كالمختفي فيه على سبيل الاستعارة وقرئ * (المدثر) * أي الذي دثر هذا الأمر وعصب به * (قم) * من مضجعك أو قم قيام عزم وجد * (فأنذر) * مطلق للتعميم أو مقدر بمفعول دل عليه قوله * (وأنذر عشيرتك الأقربين) * أو قوله * (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا)  – تفسير أنوار التنزيل للبيضاوي ج5 ص 410  ] .

 [ خاطب سبحانه نبيَّه صلى الله عليه وسلم فقال { يا أيها المدثر } أي المتدثر بثيابه قال الأوزاعي سمعت يحيى بن أبي كثير يقول سألت أبا سلمة أيّ القرآن أنزل من قبل؟ قال: { يا أيها المدثر } فقلت: أو { اقرأ باسم ربك } فقال: سألت جابر بن عبد الله أيّ القرآن أنزل قبل قال: { يا أيها المدثر } فقلت أو { اقرأ } فقال جابر: أحدّثكم ما حدَّثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” جاورت بحراء شهراً فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت الواد فنوديت فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وشمالي فلم أر أحداً ثم نوديت فرفعت رأسي فإذا هو على العرش في الهواء يعني جبرائيل فقلت دثّروني دثّروني فصبّوا عليَّ ماء فأنزل الله عز وجل { يا أيها المدثر } وفي رواية فحييت منه فرقاً حتى هويت إلى الأرض فجئت إلى أهلي فقلت { زمّلوني } فنزل { يا أيها المدثر قم فأنذر } أي ليس بك ما تخافه من الشيطان إنما أنت نبيّ فأنذر الناس وادعهم إلى التوحيد . وفي هذا ما فيه لأن الله تعالى لا يوحي إلى رسوله إلا بالبراهين النيرة والآيات البينة الدالة على أن ما يوحى إليه إنما هو من الله تعالى فلا يحتاج إلى شيء سواها ولا يفزع ولا يفرق. وقيل: معناه يا أيها الطالب صَرْف الأذى بالدثار اطْلبه بالإِنذار وخوِّف قومك بالنار وإن لم يؤمنوا.- مجمع البيان للطبرسي ] .

ثم يقول تعالى :

  • قم فأنذر (2)
    وهنا :

(قم)  

وهنا قم ورد في القرآن أنه يعني في مواضع كثيرة من كتاب الله نها إقام الصلاة لقوله تعالى { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول – النور 56 } فإذا أقمت الصلاة وأتيت الزكاة وأطعت الله ورسوله فأنت على الحق ولن تكون على شيئإن تركت العمل بكتاب الله لقوله تعالى {  قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ حَتَّىٰ تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ ۗ- المائدة 68 } فإذا أقمت التوراة والإنجيل والقرآن فعليك الإيمان بالوصية القرآنية التي وردت في كتب أهل الكتاب من قبل وفي القرآن بولاية وإمامة أهل بيت النبي كما في قوله تعالى : {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۚ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ فَلِذَٰلِكَ فَادْعُ ۖ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ۖ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ ۖ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ ۖ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ۖ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ – الشورةى13-15 }

وبدأ رسول الله صلى الله عليه وآله بدعوة الأقربين من قومه كما في قوله تعالى { وأنذر عشيرتك الأقربين – الشعراء } ثم يبين تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله أن قومه سيستنكرون دعوته ويستهجنونها  لوورود لفظ (قام)  في قوله تعالى { وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا – الجن 19 } .

ثم يأمر تعالى رسوله صلى الله عليه وآله إعداد نفسه إيمانياً لموجهة صناديد الكفر القرشي بقيام الليل لورود لفظ ( أقم ) في قوله تعالى  { يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا  نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا رَّبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا – المزمل 1-10 } . وهنا اهجرهم هجراً جميلا بعد أن قام الإمام علي وهة صبي ليبايع النبي وتهجم أبو لهب عليه وسنبينه فيما بعد لذلك قال تعالى { واهجرهم هجراً جميلا } .

وأما :

(فأنذر)

وهنا يبين تعالى أن الإنذار يقوم به النبي صلى الله عليه وآله لقوله تعالى { أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ ۗ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَٰذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ – يونس 2 }  وهذا الوحى نزل به الروح الأمين كما في قوله تعالى { وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ  بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ – الشعراء 192-195 } .

وسيخلفه صلى الله عليه وآله من بعده أئمة هداة مهديين من أهل بيته عليهم السلام أولهم الإمام علي و خاتمهم الإمام المهدي آخر الزمان قال تعالى { إنما أنت منذر ولكل قوم هاد – الرعد } وليكي يؤكد الله تعالى على أسبقية بني هاشم وبني عبد المطلب إسلاماً يبين تعالى أنه أول ما أمر بأن تكون الدعوة في عشيرته الأقربين قال تعالى { وأنذر عشيرتك الأقربين – الشعراء } ومن هنا بدأ الحسد و الحقد الأموي القرشي من أول يوم نزل فيه الوحي ومن بعض عشيرته كأبي لهب  .

[ لَمَّا نَزَلَتْ هذِه الآيَةُ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ – الشعراء 214} ورَهْطَكَ منهمُ المُخْلَصِينَ، خَرَجَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ حتَّى صَعِدَ الصَّفا، فَهَتَفَ: يا صَباحاهْ، فقالوا: مَن هذا الذي يَهْتِفُ؟ قالوا: مُحَمَّدٌ، فاجْتَمَعُوا إلَيْهِ، فقالَ: يا بَنِي فُلانٍ، يا بَنِي فُلانٍ، يا بَنِي فُلانٍ، يا بَنِي عبدِ مَنافٍ، يا بَنِي عبدِ المُطَّلِبِ، فاجْتَمَعُوا إلَيْهِ، فقالَ: أرَأَيْتَكُمْ لو أخْبَرْتُكُمْ أنَّ خَيْلًا تَخْرُجُ بسَفْحِ هذا الجَبَلِ، أكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟ قالوا: ما جَرَّبْنا عَلَيْكَ كَذِبًا، قالَ: فإنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ، قالَ: فقالَ أبو لَهَبٍ: تَبًّا لكَ أما جَمَعْتَنا إلَّا لِهذا، ثُمَّ قامَ فَنَزَلَتْ هذِه السُّورَةُ: (تَبَّتْ يَدا أبِي لَهَبٍ وقدْ تَبَّ). – البخاري ومسلم ]

[  عن علي قال: لما نزلت هذه الآية:  (وأنذر عشيرتك الأقربين) دعا النبي (صلى الله عليه وسلم) بني عبد المطلب، وصنع لهم طعاما ليس بالكثير، فقال: ” كلوا بسم الله من جوانبها، فإن البركة تنزل من ذروتها “، ووضع يده أولهم، فأكلوا حتى شبعوا، ثم دعا بقدح فشرب أولهم، ثم سقاهم فشربوا حتى رووا، فقال أبو لهب: لقد سحركم! وقال: ” يا بني عبد المطلب إني جئتكم بما لم يجيء به أحد قط، أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وإلى الله، وإلى كتابه “، فنفروا وتفرقوا، ثم دعاهم الثانية على مثلها، فقال أبو لهب كما قال المرة الأولى، فدعاهم، ففعلوا مثل ذلك، ثم قال لهم – ومد يده -: ” من يبايعني على أن يكون أخي، وصاحبي، ووليكم من بعدي؟ “، فمددت يدي وقلت أنا أبايعك – وأنا يومئذ أصغر القوم، عظيم البطن، فبايعني على ذلك. قال: وذلك الطعام أنا صنعته.

– و عن علي (رضي الله عنه) قال: لما نزلت هذه الآية على رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (وأنذر عشيرتك الأقربين) دعاني رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: ” يا علي، إن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، فضقت بذلك ذرعا، وعرفت أني مهما أناديهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره، فصمت عليها حتى جاءني جبريل فقال: ” يا محمد، إنك إن لم تفعل ما تؤمر به يعذبك ربك “، فاصنع لي صاعا من طعام، واجعل عليه رجل شاة، واجعل لنا عسا من لبن، ثم اجمع لي بني عبد المطلب حتى أكلمهم وأبلغ ما أمرت به “، ففعلت ما أمرني به، ثم دعوتهم له، وهم يومئذ أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصونه، فيهم أعمامه: أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب، فلما اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعته لهم فجئت به، فلما وضعته تناول النبي (صلى الله عليه وسلم)جشب حزبة من اللحم فشقها بأسنانه ثم ألقاها في نواحي الصفحة، ثم قال: ” كلوا بسم الله “، فأكل القوم حتى نهلوا عنه، ما نرى إلا آثار أصابعهم، والله إن كان الرجل الواحد منهم ليأكل مثل ما قدمت لجميعهم! ثم قال: ” اسق القوم يا علي “، فجئتهم بذلك العس، فشربوا منه حتى رووا جميعا! وأيم الله، إن كان الرجل منهم ليشرب مثله! فلما أراد النبي (صلى الله عليه وسلم) أن يكلمهم بدره أبو لهب إلى الكلام فقال: لقد سحركم صاحبكم، فتفرق القوم ولم يكلمهم النبي (صلى الله عليه وسلم)، فلما كان الغد قال: ” يا علي، إن هذا الرجل قد سبقني إلى ما سمعت من القول فتفرق القوم قبل أن أكلمهم، فعد لنا مثل الذي صنعت بالأمس من الطعام والشراب ثم اجمعهم لي “، ففعلت ثم جمعتهم، ثم دعاني بالطعام فقربته، ففعل به كما فعل بالأمس، فأكلوا وشربوا حتى نهلوا، ثم تكلم النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: ” يا بني عبد المطلب، إني والله ما أعلم شابا في العرب جاء قومه بأفضل ما جئتكم به! إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة! وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه، فأيكم يؤازرني على أمري هذا؟ “، فقلت – وأنا أحدثهم سنا، وأرمصهم عينا، وأعظمهم بطنا، وأحمشهم ساقا -: أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه! فأخذ برقبتي فقال: ” إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا “، فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع وتطيع لعلي.

– الجامع الكبير، ج 16، ص 259، ح 7882. ورواه ابن مردويه كما في كنز العمال (ج 13، ص 149، ح 36465)  رواه  أحمد بن حنبل في مسنده (ج 1، ص 111 –  مسند علي بن أبي طالب، ج 1، ص 149، قال: ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وأبو نعيم.ورواه ابن مردويه كما في كنز العمال (ج 13، ص 131، ح 36419) –  ورواه الطبري في تفسيره (ج 19، ص 74) وابن كثير في تفسيره: (ج 5، ص 211) ]

[عن البراء بن عازب قال: لما نزلت هذه الآية: (وأنذر عشيرتك الأقربين) جمع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بني عبد المطلب، وهم يومئذ أربعون رجلا منهم العشرة يأكلون المسنة ويشربون العس، وأمر عليا برجل شاة صنعها لهم، ثم قربها إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فأخذ منها بضعة، فأكل منها، ثم تتبع بها جوانب القصعة، ثم قال: ” ادنوا بسم الله “، فدنا القوم عشرة عشرة فأكلوا حتى صدروا، ثم دعا بقعب من لبن، فجرع منها جرعة فناولهم فقال:
” اشربوا بسم الله “، فشربوا حتى رووا عن آخرهم، فقطع كلامهم رجل فقال لهم: ما سحركم مثل هذا الرجل! فأسكت النبي (صلى الله عليه وسلم) يومئذ فلم يتكلم، ثم دعاهم من الغد على مثل ذلك من الطعام والشراب، ثم بدرهم بالكلام فقال:” يا بني عبد المطلب إني أنا النذير إليكم من الله والبشير، قد جئتكم بما لم يجيء به أحد، جئتكم بالدنيا والآخرة، فأسلموا تسلموا وأطيعوا تهتدوا “- الدر المنثور، ج 5، ص 97 ]

وبعد إنذار العشيرة المحمدية يأمرعه تعالى بأن ينذر أم القرى ومن حولها بتدرج الدعوة إلى الله كما في قوله تعالى { وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ ۚ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ – الشورى 7 }

وهذا الإنذار بالوحي و هو كتاب الله تعالى المنزل على رسول الله صلى الله عليه وآله قال تعالى { قل إنما أنذركم بالوحي وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ – الأنبياء 45 } و الإنذار  يكون من عذاب الله تعالى الذي قال تعالى فيه { فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّىٰ لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ – الليل 14-16} .

وهنا يأمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وآله بعد قيام الليل يبدأ بالدعوة إلى الله وإنذار عشيرته و قومه كما في قوله تعالى هنا {قم فأنذر وربك فكبر والرجز فاهجر ولا تمنن تستكثر ولربك فاصبر – المدثر} .

ثم يقول تعالى :

  • وربك فكبر (3)

وهنا :

(وربك)

وهنا ربك هو رب السماوات والأرض لقوله تعالى { رب السماوات والأرض ومابينهما العزيز الغفار – ص 66 } وهذا الرب اختار أنبياء له تعالى ورسل وأئمة قوله تعالى فيهم { وربك يخلق ما يشاء ويختار ماكان لهم الخيرة – القصص 68 } . وهذا الإختيار لا خيار لمخلوق فيه ومنه خاتم النبيين صلى الله عليه وآله والأئمة من بعده من أهل بيته فلما نزل عليه الوحي أمره الله تعالى هنا بالتكبير كما في قوله تعالى { وربك فكبر }

وأما :

(فكبر)

التكبر : عصيان الله تعالى لقوله تعالى لإبليس لعنه الله { قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها – الأعراف 13 } ولذلك يبين تعالى أن المطيعين له عز وجل المصلين الساجدين لا يستكبرون قال تعالى { ولله يسجد من في السماوات والأرض من دابة وهم لا يستكبرون – النحل 49 } وذلك يعني أن العصاة متكبرين على الله تعالى عما يشركون ومن هنا يكون قوله تعالى { وربك فكبر } أي عظمه وأطعه فيما أمر أو [ عظمه بعبادته، والرغبة إليه في حاجاتك دون غيره من الآلهة والأنداد.- تفسير الطبري ] .

وهذا التعظيم لأنه الخالق عز وجل المستحق للعبادة قال تعالى { لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون – غافر 57} .

ولذلك يقول تعالى لرسوله وللمؤمنين { وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ ۖ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا – الإسراء 111 } . أي لا تطيعوا إلا الله تعالى ولا تسجدوا إلا له عز وجل وهذا هو تكبير الله تعالى و تعظيمه في الآية هنا { وربك فكبر } .

ثم يقول تعالى :

  • وثيابك فطهر (5)

ورد في تفسير الطبري [… اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: لا تلبس ثيابك على معصية، ولا على غدرة.- تفسير الطبري ] .

في تفسير البرهان : [ علي بن إبراهيم: في معنى الآية، قال: يريد رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فالمدثر يعني المتدثر بثوبه { قُمْ فَأَنذِرْ } قال: هو قيامه في الرجعة ينذر فيها، قوله: { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } ، قال: تطهيرها تشميرها ، أي قصرها.. . – عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله تعالى: { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } قال: ” فشمر “. – و عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: ” إن عليا (عليه السلام) كان عندكم فأتى بني ديوان، فاشترى ثلاثة أثواب بدينار، القميص إلى فوق الكعب، و الإزار إلى نصف الساق، و الرداء من بين يديه إلى ثدييه، و من خلفه إلى أليتيه، ثم رفع يده إلى السماء، فلم يزل يحمد الله على ما كساه حتى دخل منزله، ثم قال: هذا اللباس الذي ينبغي للمسلمين أن يلبسوه “.

و قال أبو عبد الله (عليه السلام): ” و لكن لا يقدرون أن يلبسوا هذا اليوم، و لو فعلنا لقالوا مجنون، و لقالوا مرائي، و الله تعالى يقول: { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } ، قال: و ثيابك ارفعها و لا تجرها، و إذا قام قائمنا كان على هذا اللباس “.- تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني ] .

وهنا :

(وثيابك)

[ الثوب : مايلبس وجمعه أثواب وقد يكنة بالثياب عن النفس يقال فلان طاهر الثياب إذا وصفوه بالطهارة النفسية والبراءة من العيب ]

ولم يجيئ في القرآن جمع ثوب إلا على ثياب قال تعالى { عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق – الإنسان 21 } . وهذه الثياب الملبوسة في الدنيا مأمور رسول الله صلى الله عليه وآله والمؤمنين بتطهيرها وغسلها وتنظيفها وتقصيرها [ عن سلمة بياع القلانس قال : كنت عند أبي جعفر عليه السلام إذ دخل عليه أبو عبد الله عليه السلام فقال أبو جعفر عليه السلام : فقال يابني ألا تطهر قميصك ؟ فذهب فظننا أنه أن ثوبه أصابه شيئ فرجع فقال : إنه هكذا فقلنا : جعلنا فداك ما لقميصة ؟ فقال كان قميصه طويلاً فأمرته أن يقصره إن الله عز وجل يقول ( وثيابك فطهر) – الوسائل للحر العاملي ج ٥ – ص ٣٩ ] .

والثياب ما يغطى به الجسد من الملبوس قال تعالى { جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا – نوح 7 } والثياب هو الملبوس من الثياب كما في قوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ۚ مِّن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ۚ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ ۚ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ ۚ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ – النور 58 } .وقال تعالى أيضاً { وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ ۖ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ – النور 60 } .

وهذه الثياب وتطهيرها وتكبير الله تعالى وتعظيمه عز وجل وقيام الليل اعداداً له صلى الله عليه وآله للدعوة إلى الله تعالى ولمواجهة قوم سيفعلون نفس أفعال قوم نوح من قبل لما استغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا قال تعالى { أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ ۚ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ – هود 5 } . ولذلك قال تعالى هنا { يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر ولا تمنن تستكثر ولربك فاصبر } .

ثم يقول تعالى :

  • والرجز فاهجر (5)

وهنا :

(والرجز)

[ والرجز : بكسر الراء : العذاب ورجز الشيطان وساوسه وخطاياه والرجز : مايؤدي إلى عذاب الله – معجم ألفاظ القرآن باب الراء فصل الجيم والزاي ] .

والرجز عذاب مسبب وسببه الخروج على طاعة الله تعالى كما في قوله تعالى عن بني إسرائيل لما عبدوا العجل { وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ ۖ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَىٰ أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ  – الأعراف  – 134-135 }

وبسبب عمل قوم لوط أنزل الله تعالى عليهم رجزاً من السماء قال تعالى فيه  : { إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَىٰ أَهْلِ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ رجْزًا مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ – العنكبوت 34 } وترك العمل بما أنزل الله ينزل الرجز كما في قوله تعالى { هَٰذَا هُدًى ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ – الجاثير 11 } وكذلك المجادلين بالباطل الساعين لإطفاء نور الله بالقول والفعل لهم عذاب من رجز أليم قال تعالى فيه { وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ – سبأ 5 } وبالتالي المعنى هنا { والرجز فاهجر } أي أطع الله تعالى واتبع أوامره ولا تخرج عنها إلى أي عمل يؤدي إلى غضب الله تعالى ونزول العذاب .

والرجز أعمال تؤدي إلى عذاب الله : منها الكذب على الله تعالى ورسوله وتبديل أحكام الدين لقوله تعالى  { فبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ – البقرة 59 } .

وأما :

(فاهجر)

وهنا [ هجره يهجر هجراً وهجراناً : صرفه وترك وصله وقربه مع سخطه هناك ةأغلب مايكون السخط من الهاجر وقد يكون من المهجور تقول هجرت فلاناً الخائن وهجرت هذا العمل المقيت وتقول أيها الغادر اهجرني ولا تدنوا مني – معجم ألفاظ القرآن باب الهاء فصل الجيم و الراء ] . قال تعالى { لئن لم تنتهي لأرجمنك واهجرني مليا – مريم 46 }

والهجر لأنه ورد في قوله تعالى { وقال الرسول ياربي إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا – الفرقان } ومعنى الهجر هنا أي لا تترك العمل بما أنزل الله كهؤلاء الكفار و المنافقين الذين هجروا كتاب الله تعالى والهجر يكون بالإبتعاد عنهم دون عداوة أو حرب لقوله تعالى لرسوله وللمؤمنين { واهجرهم هجراً جميلا – المزمل 10} .

ثم يقول تعالى :

  • ولا تمنن تستكثر (6)

وهنا :

(ولا تمنن)

[ ومن المحسن على من أحسن إليه بإحسانه أو من عليه بإحسانه ذكره ليه وعده عليه وقرعه – معجم ألاظ القرآن باب الميم فصل النون والنون ] قال تعالى : { وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ – الشهراء 22 }

وقال تعالى : {يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا على إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين – الحجرات 17 } . وبالتالي معنى قوله تعالى { ولا تمنن تستكثر } أي أن منة الله تعالى عليك كانت بالنبوة والرسالة وعلى هذه الأمة ببعثة رسول الله صلى الله عليه وآله منهم قال تعالى { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ – آل عمران 164 } ومهما بلغت هذه الأمة من طاعات فلن توفي حق الله تعالى شكره و مهما استكثر النبي كذلك فلن يوفي الله حقه   عز وجل فقد كان يقيم الليل حتى تتورم قدماه : [ عَنْ عائشةَ رضي اللهُ عنها أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يقومُ من الليل حتَّى تتفطَّرَ قدماه ، فقلتُ له : لم تَصْنعُ هذا يا رسولَ الله، وقد غَفَرَ الله لك ما تقدَّم من ذنبِكَ وما تأخَّر؟! قال : «أفَلا أحبُّ أن أكونَ عبدًا شكورًا!» . – متفق عليه  ] .

وأما :

(تستكثر)

والإستكثار هنا يكون عملاً للخيرات استعداداً للقاء الله تعالى كما في قوله تعالى : { قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ۚ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ – الأعراف 188}  وهذا بالنسبو لعموم الأمة لأن رسول الله صلى الله عليه وآله لا يمسه سوء في الدنيا فهو حفوظ بأمر الله ولا في الآخرة ولكن الله تعالى يقول لرسوله صلى الله عليه وآله { وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا – الإسراء 79 } وفي سبيل هذا المقام المحمود هنا يقول تعالى له صلى الله عليه وآله خاصة وللمؤمنين عامة في سبيل طاعة الله تعالى {ولا تمنن تستكثر } أي مهما بغلت من  طاعات لا تستكثرها على الله تبارك وتعالى .

ثم يقول تعالى :

  • ولربك فاصبر(7)

وهنا :

(ولربك)

أي أنه يقول تعالى { سبح اسم ربك الأعلى – الأعلى} وإلىربك فارغي بالأقوالو الأفعال قال تعالى { وإلى ربك فارغب – الشرح 8 }  وفي فعل الطاعات والرغائب يأمره الله تعالى بالصبر على تلك الطاعات في قوله تعالى هنا { ولربك فاصبر } .

وأما :

(فاصبر)

والصبر هنا يكون على العمل بأحكام الله تعالى لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا – الطور 48 } ثم  يأمره الله تعالى ويحذره بأن لا يطع من قريشاَ أو غيرها آثما أو كفورا قال تعالى { فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثماً أو كفورا – الإنسان 24} .

ثم يذكره الله تعالى ليثبته على الإيمان بأن يصبر كما صبر أولوا العزم من الأنبياء والرسل من قبل قال تعالى{ فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم – الأحقاف 35 }

ثم يقول تعالى :

  • فإذا نقر في الناقور (8)

وهنا :

(فإذا) {نقر في الناقور فيومئذٍ يوم عسير على الكافرين غير يسير }

وهنا نقر في النقور تتحدث عن أحداث يوم القيامة وما سيتبعها من فناء العالم ثم البعث للحساب و من خلال هذا اللفظ هنا ( فإذا) يبين الله تعالى أن هناك ثلاث نفخات :

الأولى نفخة الخلق الأول :

لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين – الحجر 29 }

الثانية : نفخة الصعق وهى القيامة وأهوالها : وتبدأ بحشر الأمم أفواجاً إلى الله تعالى بهلاك الظالمين جيلاً بعد جيل كما في قوله تعالى { يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا – النبأ 18 } وفي آجال الأمم يقول تعالى {ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون – الأعراف 34 } . وتنتهي هذه النفخة بالقيامة لقوله تعالى : { وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ ۖ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ – الزمر86 } .

وتبدأ علامات القيامة بعلامة كبرى وهى خروج يأجوج ومأجوج كما في قوله تعالى  { فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا – الكهف 98} . ثم تأت القيامة بأهوالها التي قال تعالى فيها أن السماء تبدأ بالتحول إلى اللون الأحمر القاني قال تعالى { فإذا السماء انشقت فكانت وردة كالدهان – الرحمن 37 }

ثم تبدأ مراحل فناء الكون والتي قال تعالى فيها   { فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ لِيَوْمِ الْفَصْلِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ كَذَٰلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ –المرسلات 8-19 } . ثم يخسف بالقمر ثم يختفي الشمس والقمر { فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ وَخَسَفَ الْقَمَرُ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ يَقُولُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ كَلَّا لَا وَزَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ يُنَبَّأُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ – القيامة 7-13 }

وتدكدك الجبال في ذلك اليوم لقوله تعالى { فإذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً  فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ وَانشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ وَالْمَلَكُ عَلَىٰ أَرْجَائِهَا ۚ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَىٰ مِنكُمْ خَافِيَةٌ  -الحاقة 13-18 }.

وهنا تشخص أبصار الخلق كما في قوله تعالى { واقترب الوعد الحق فإذا هى شاخصة أبصار الذين كفروا ياويلنا قد كنا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين – الأنبياء97 }

وهذا يوم طامة كبرى قال تعالى فيه { فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَىٰ يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَىٰ وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَىٰ – النازعات34-36 } ويوم صاخة قال تعالى فيه { فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ – عبس 33-37 } .

[ قال ابن عباس : ( الصاخة ) اسم من أسماء يوم القيامة عظمه الله وحذره عباده قال ابن جرير لعله اسم للنفخة في الصور وقال البغوي ( الصاخة ) يعني صيحة القيامة سميت بذلك لأنها تصخ الأسماع ، أي تبالغ في إسماعها حتى تكاد تصمها . – تفسير البغوي ] ولا أنساب في هذا اليوم لقوله تعالى { فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم  يومئذٍ ولا يتساءلون – المؤمنون 101 }

ثم تنتهي الحياة بفناء العالم لقوله تعالى { إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون – يس 29 }

الثالثة القيامة ونفخة البعث :

وهنا تبدأ النفخة الثالثة للبعث وذلك لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون –يس 51 } ثم يحضرون للحساب كما في قوله تعالى { إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون  – يس 53 } وهنا ينظرون لما حولهم وما هم قد بعثوا فيه قال { فإنما هى زجرة واحدة فإذا هم ينظرون – الصافات 19 } وهنا يجدون أنفسهم بالساهرة وهى العالم الجديد { فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ  – النازعات 13-14 }

وأما :

(نقر في الناقور)

[ ونقر ينقر نقراً وضع لسانه فوق الثنايا مما يلي الحنك فصوت ويقال نقر في البوق : نفخ فيه فأحدث صوتاً والناقور آلة كالبوق ينفخ فيها فتصوت وذكر الناقور في القرآن حيث يذكر الصور الذي ينفخ فيه الملك قبيل القيامة – معجم ألفاظ القرآن باب النون فصل القاف فصل الراء ] .

قال تعالى هنا { فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ فَذَٰلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ – المدثر 8-19 } وهؤلاء الذين كفروا بآيات ربهم فهم الذين لم يحكموا بما أنزل الله تعالى وحسدوا أنبياء الله تعالى ورسله والأئمة من أهل بيته عليهم السلام وقال تعالى فيهم { أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَّا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۖ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ ۚ وَكَفَىٰ بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا – النساء 53-55 } .

ثم يبين تعالى أنه إذا نفخ في الصور أو إذا نقر في الناقور  فهو يومئذٍ يوم عسير على الكافرين ومن آمن بالله ورسوله و أطاع الله تعالى فيما أمر وتولى أهل بيته عليهم السلام فهؤلاء جزاؤهم جنات تجري من تحتها الأنهار ولا يظلمون نقيرا قال تعالى : { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا – النساء 124 } .

ثم يقول تعالى :

  • فَذَٰلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9)

(فذلك)

{ فذلك الذي يدع اليتيم}

{ ومن يقل منهم إني إله من دون الله فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين – الانبياء 29 } .

وأما :

{ يومئذٍ يوم عسير }

وهنا يبين تعالى أن هذا اليوم العسير على من كذب وترك العمل بما أنزل الله وبخل بماله على الافقراء والمساكين قال تعالى { وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَىٰ وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَىٰ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ -لليل 8-11} وهذا يوم عسير على هؤلاء الذين كفروا بآيات الله تعالى ونافقوا لأن المنافق كافر يكتم كفره ويتظاهر بالإيمان قال تعالى { يا أيها الرسول لا يحونك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم – المائدة }

وهؤلاء لهم يوم عسير قال تعالى فيه { الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَٰنِ ۚ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا – الفرقان 26 } وإذا اراد الله تعالى القيامة بعث فيهم إماماً يدعوهم إلى ولاية الله  تعالى ورسوله وأهل بيته كما أمر الله تعالى في كتابه الكريم وهذه تكون دعوة منكرة في أهل هذا الزمان كما في قوله تعالى : { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ ۘ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَىٰ شَيْءٍ نُّكُرٍ خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ مُّهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ ۖ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَٰذَا يَوْمٌ عَسِرٌ – القمر 6-8 } .

ومنكرة ليست مرفوضة بل تكون مشكوك في صحتها لورود لفظ نكر ومنكر في قوله تعالى { وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ – يوسف 58 } أي كانوا في حالة شك وريبة منه وتوقعات وهواجس مختلفة متضاربة ومن هنا تكون الدعوة المنكرة التي فيها هلاك ظالمي آخر الزمان دعوة إلى ولاية أهل بيت النبي (عليهم السلام) يكون الكثير في حالة شك وريبة منها ومما سيأتيهم به وهلاك الظالمين يكون في ترك تلك الدعوة لأن الله تعالى في سورة القمر جاء بعد ذلك بقصة هلاك قوم نوح ثم عاد وثمود و لوط وقوم فرعون ثم قال تعالى في كفار آخر الزمان { أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُولَٰئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌسَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَىٰ وَأَمَرُّ – القمر 43-46 } .

وهذه الأيام تكون عسيرة على هؤلاء لأنها أيام ماقبل القيامة كما في قوله تعالى هنا عنم هذه الأحداث وعلامات الساعة التي ستظهر قبل يوم القيامة من يأجوج ومأجوج وإمام آخر الزمان { فذلك يومئذٍ يوم عسير على الكافرين غير يسير } .

ثم يقول تعالى :

  • على الكافرين غير يسير (10)

وهنا :

(على الكافرين)

وهنا غير يسير أي عسير على الكافرين كما في قوله تعالى { الملك يومئذٍ الحق للرحمن وكان يوماً على الكافرين عسيرا – الفرقان 26 } . وهؤلااء الكافرين هم الذين تركوا الحكم بما أنزل الله كما في قوله تعالى { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولائك هم الكافرون – المائدة }ومن هؤلاء المنافقون الذين قال تعالى فيهم { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ – المائدة 41 }. وهؤلاء سيلاقوا يوماَ عسيرا غير يسير .

وأما :

(غير)

ورد هذا اللفظ في قوله تعالى { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ – آل عمران 85 } ومن ابتغى غير الإسلالم دينا كافراً به فسيلاقي يوماً عسيراً غير يسير قال تعالى { فذلك يومئذٍ يوم عسير على الكافرين غير يسير – المدثر 9-10} .

وأما :

(يسير)

هنا يبين تعالى أن هؤلاء الكافرين التاركين لحكم الله تعالى منهم منكري البعث من عبدة الأوثان من قريش ومن سار على دربهم من الأمم قال تعالى في منكري البعث من عبدة الأصنام { زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا ۚ قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ ۚ وَذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ – التغابن 7 } وهؤلاء لهم عذاب يوم عسير قال تعالى فيه هنا

{ فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ فَذَٰلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ – المدثر 8-10 }

ومن هؤلاء الذين سيلاقون يوم عسير قوم كذبوا بآيات الله فلم يعملوا بها وبخلوا بأموالهم على الفقراء والمساكين وهؤلاء قال تعالى فيهم { وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَىٰ وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَىٰ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ – البلد8-11} ومن هؤلاء قوماً آخرين سيأكلون الربا ويقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق وهؤلاء قال تعالى فيهم ويقول تعالى في آكلي الربا وقتل النفس {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ۚ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا – النساء 29-30} وهؤلاء لهم عذاب يوم عسير إذا قامت القيامة قال تعالى { فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ فَذَٰلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ – المدثر 8-10 }

وبعد الحديث القرآني عن عبدة الأصنام ممن كفروا بالله تعالى و أكلوا الربا وجمعاوا للمال من حرام ومنعوا حق الله فيه الذي افترضه للفقراء وقتلهم النفس التي حرم الله إلا بالحق هنا كأن القرآن الكريم يمهد للحديث عن جبار أو جبابرة من قريش ومن سيتقلد بهم إلى يوم القيامة قال تعالى فيهم :

  • ذرني ومن خلقت وحيدا (11)

ورد في تفسير الدر المنثور للسيوطي :

[ أخرج عبد بن حميد عن قتادة { ذرني ومن خلقت وحيداً } قال: هو الوليد بن المغيرة أخرجه الله من بطن أمه وحيداً لا مال له ولا ولد، فرزقه الله المال والولد والثروة والنماء …وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس { ذرني ومن خلقت وحيداً } قال: الوليد بن المغيرة.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد { ذرني ومن خلقت وحيداً } قال: نزلت في الوليد بن المغيرة { وحيداً } قال: خلقته وحده لا مال له ولا ولد { وجعلت له مالاً مدوداً } قال: ألف دينار { وبنين } قال: كانوا عشرة { شهوداً } قال: لا يغيبون { ومهدت له تمهيداً } قال: بسطت له من المال والولد { ثم يطمع أن أزيد كلا } قال: فما زال يرى النقصان في ماله وولده حتى هلك { إنه كان لآياتنا عنيداً } قال: معانداً عنها مجانباً لها { سأرهقه صعوداً } قال: مشقة من العذاب.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن أبي مالك { ذرني ومن خلقت وحيداً } قال: الوليد بن المغيرة { وبنين شهوداً } قال: كانوا ثلاثة عشر { ثم يطمع أن أزيد كلا } قال: فلم يولد له بعد يومئذ ولم يزدد له من المال إلا ما كان { إنه كان لآياتنا عنيداً } قال: مشاقاً.

وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير { ذرني ومن خلقت وحيداً } الآيات، قال: هو الوليد بن المغيرة بن هشام المخزومي وكان له ثلاثة عشر ولداً كلهم رب بيت، فلما نزلت { إنه كان لآياتنا عنيداً } لم يزل في إدبار من الدنيا في نفسه وماله وولده حتى أخرجه من الدنيا.

….  وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل من طريق عكرمة عن ابن عباس أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه القرآن، فكأنه رق له، فبلغ ذلك أبا جهل فأتاه فقال: يا عم إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالاً ليعطوه لك، فإنك أتيت محمداً لتعرض لما قبله. قال: قد علمت قريش أني من أكثرها مالاً. قال: فقل فيه قولاً يبلغ قومك أنك منكر أو أنك كاره له. قال: وماذا أقول؟ فوالله ما فيكم رجل أعلم بالشعر مني ولا برجزه ولا بقصيده مني، ولا بشاعر الجن، والله ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا، ووالله إن لقوله: الذي يقول لحلاوة وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه مغدق أسفله، وإنه ليعلوا وما يعلى، وإنه ليحطم ما تحته. قال: لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه. قال: فدعني حتى أفكر. ففكر. فلما فكر قال: هذا سحر يؤثر يأثره عن غيره فنزلت { ذرني ومن خلقت وحيداً }.

وأخرج ابن جرير وأبو نعيم في الحلية وعبد الرزاق وابن المنذر عن عكرمة مرسلاً.
وأخرج أبو نعيم في الدلائل من طريق مجاهد عن ابن عباس قال: لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم جمع الوليد بن المغيرة قريشاً فقال: ما تقولون في هذا الرجل، فقال بعضهم: هو شاعر، وقال بعضهم: هو كاهن، فقال الوليد: سمعت قول شاعر وسمعت قول الكهنة، فما هو مثله. قالوا: فما تقول أنت؟ قال: فنظر ساعة { ثم فكر وقدر فقتل كيف قدر } إلى قوله: { سحر يؤثر }.

وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس قال: دخل الوليد بن المغيرة على أبي بكر فسأله عن القرآن، فلما أخبره خرج على قريش فقال: يا عجباً لما يقول ابن أبي كبشة فوالله ما هو بشعر ولا بسحر ولا بهذي من الجنون، وإن قوله: لمن كلام الله فلما سمع النفر من قريش ائتمروا وقالوا: والله لئن صبأ الوليد لتصبأن قريش، فلما سمع بذلك أبو جهل قال: والله أنا أكفيكم شأنه. فانطلق حتى دخل عليه بيته. فقال للوليد: ألم تر قومك قد جمعوا لك الصدقة؟ فقال: ألست أكثرهم مالاً وولداً فقال له أبو جهل: يتحدثون أنك إنما تدخل على ابن أبي قحافة لتصيب من طعامه. فقال الوليد: تحدث بهذا عشيرتي فوالله لا أقرب ابن أبي قحافة ولا عمر ولا ابن أبي كبشة وما قوله: إلا سحر يؤثر فأنزل الله { ذرني ومن خلقت وحيداً } إلى قوله: { لا تبقي ولا تذر }.

وأخرج ابن جرير وهناد بن السري في الزهد وعبد بن حميد عن ابن عباس { عنيداً } قال: جحوداً.   – الدر المنثور ] .

تفسير البرهان :

[ قوله تعالى: { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً } – إلى قوله تعالى – { وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ }

[ علي بن إبراهيم : إنها نزلت في الوليد بن المغيرة، و كان شيخا كبيرا مجربا من دهاة العرب، و كان من المستهزئين برسول الله (صلى الله عليه و آله)، و كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقعد في الحجرة و يقرأ القرآن، فاجتمعت قريش إلى الوليد بن المغيرة فقالوا: يا أبا عبد شمس، ما هذا الذي يقول محمد، أشعر هو أم كهانة أم خطب؟ فقال: دعوني أسمع كلامه. فدنا من رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فقال: يا محمد، أنشدني من شعرك. قال:

“ما هو شعر ، و لكن كلام الله الذي ارتضاه لملائكته و أنبيائه و رسله”. فقال: اتل علي منه شيئا. فقرأ عليه رسول الله (صلى الله عليه و آله) حم السجدة، فلما بلغ قوله:{ فَإِنْ أَعْرَضُواْ – فصلت : 13} يا محمد، يعني قريشا{ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ- فصلت 13 }  فاقشعر الوليد، وقامت كل شعرة على رأسه و لحيته، و مر إلى بيته، و لم يرجع إلى قريش من ذلك.

فمشوا إلى أبي جهل، فقالوا: يا أبا الحكم، إن أبا عبد شمس صبا إلى دين محمد، أما تراه لم يرجع إلينا؟

فغدا أبو جهل إلى الوليد، فقال  له [ : يا عم ، نكست رؤوسنا و فضحتنا، و أشمت بنا عدونا، و صبوت إلى دين محمد! فقال: ما صبوت إلى دينه، و لكني سمعت [منه] كلاما صعبا تقشعر من الجلود. فقال له أبو جهل: أخطب هو؟ قال: لا، إن الخطب كلام متصل، و هذا كلام منثور، و لا يشبه بعضه بعضا. قال: فشعر هو؟ قال: لا، أما إني قد سمعت أشعار العرب بسيطها و مديدها و رملها و رجزها و ما هو بشعر، قال: فما هو؟ قال: دعني أفكر فيه.

فلما كان من الغد قالوا له: يا أبا عبد شمس، ما تقول فيما قلنا؟ قال: قولوا هو سحر، فإنه آخذ بقلوب الناس.

فأنزل الله عز و جل على رسوله في ذلك { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً } و إنما سمي وحيدا لأنه قال لقريش: إني أتوحد بكسوة البيت سنة، و عليكم بجماعتكم سنة. و كان له مال كثير و حدائق، و كان له عشر بنين بمكة، و كان له عشرة عبيد، عند كل عبد ألف دينار يتجر بها، و ملك القنطار في ذلك الزمان، و يقال: إن القنطار جلد ثور مملوء ذهبا، فأنزل الله عز و جل { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً } إلى قوله تعالى: { صَعُوداً } – البرهان ] .

وهنا :

(ذرني)

وذرني : [ كلمة تتكون من أربع أحرف تبدأ بـ ذال (ذ) و تنتهي بـ ياء (ي) و تحتوي على ذال (ذ) و راء (ر) و نون (ن) و ياء (ي) –  جذر [ذرن] وَذِرَ : (فعل) وذِرَ يذَر ، ذَرْ ، وَذَرًا ، فهو واذر ، والمفعول مَوْذور لاَ يُسْتَعْمَلُ مِنْهُ سِوَى الْمُضَارِعُ وَالأَمْرُ وأَماتت العربُ ماضِيَهُ ومصدَره، فإِاذا أريد الماضي قيل:(تَرَكَ) وذِر عملَه : تركه : أمهلهم ذَرْهُ : اتركْه ذَرْنِي وَصَاحِبِي : كِلْهُ إِلَيَّ وَلاتَشْغَلْ قَلْبَكَ بِهِ – معجم ألفاظ القرآن باب الواو فصل الذال والراء ]  قال تعالى { اتقوا الله وذروا مابقى من الربا إن كنتم مؤمنين – البقرة 178} والآية فيها إشارة أيضاً على رجل أو قوماً يأكلون السحت والربا لذلك دائماً هؤلاء يكونون أغنياء أولي نعمة قال تعالى فيها لذلك { فذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا – المزمل 12 }

وفي آيات أخرى تثبت أن هؤلاء قوم من عبدة الأوثان يتقلدون بالأمم من قبلهم لورود هذا اللفظ على قوم نوح في قوله تعالى { وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن وداً ولا سواع ولا يسغوث ويعوق ونسرا – نوح }  ويتقلد هؤلاء لعنهم الله بفرعون وملئه في قتل المؤمنين لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه – غافر 26 } .

وهؤلاء سيستدرجهم الله تعالى من حيث لا يعلمون مصدر هلاكهم  لورود هذا اللفظ في قوله تعالى  { فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين – القلم 44-46 } أي أي دَعْـني وإياهم فسأكفـيكهم . ولذلك يقول  صلى الله عليه وآله [ ” إن الله ليملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته” ..الحديث – متفق عليه ] .

ولورود هذا اللفظ على قوم لوط في قوله تعالى { أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم ۚ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ – الشعراء 165-166} تشير إلى أن من هؤلاء الجبابرة من هو مشهور بعمل قوم لوط .

ظ ويبين تعالى من خلال هذا اللفظ عن الوليد وغيرة من صناديد قريش بأن لهم ذرية ستحمل نفس راية الكفر لورود هذا اللفظ في دعاء سيدنا نوحا على قومه ومن تقلد بهم إلىيوم القيامة { وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا رَّبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا  – نوح 26-28}.

ودعاء نبي الله نوح عليه السلام بالغفران لمن دخل بيته من المؤمنين تظل سارية إلى يوم القيامة في ذرية الأنبياء و المرسلين وآخرها بيوت النبي صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام التي رفعها الله تعالى على كل بيوت العالمين قال تعالى { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ – النور 36-37 } .

وأما :

( ومن خلقت )

وهنا وحيدا أي خلق الله تعالى آدم عليه السلام وحيدا ونزل كل إنسان من بطن أمه وحيداً  كذلك  يبعث للحساب وحده كما خلقهم الله تعالى أول مرة قال تعالى { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ۖ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ ۚ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ – الأنعام 94 }  ولذلك يقول تعالى هنا { ذرني ومن خلقت وحيدا} .

وأما :

(وحيدا)

وهنا يبين تعالى أن كل بني آدم خلقوا من نفس واحدة وهو نبي الله آدم عليه السلام قال تعالى { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا – النساء1 } وقال تعالى أيضاً { خلقكم من نفس واحدة ثم جعلمنها زوجها – الزمر 6 }

ويبين تعالى أن كل البشر من بني آدم خلقوا فرادى و بكن فكانوا جميعا قال تعالى { ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا –الأعراف } وكل هذا الخلق خلق بكن فكانوا بإذن الله كما يخلق الله تعالى نفساً و احدة لذلك يقول تعالى { ماخلقكم و لا بعثكم إلا كنفس واحدة – لقمان 28} . { إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ – الحج 70} . ومن هنا يقول تعالى لرسوله صلى الله عليو آله دعني واترك هذا الكافر الظالم فقد خلق وحيداً ويموت وحيداً ويبعث للحساب وحيداً كما في الآية هنا { ذرني ومن خلقت وحيداَ} .

ثم يقول تعالى .

  • وجعلت له مالاً ممدودا (12)

ورد في تفسير الدر المنثور :

[وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس { وجعلت له مالاً ممدوداً } قال: ألف دينار.
وأخرج عبد بن حميد عن سفيان { وجعلت له مالاً ممدوداً } قال: ألف ألف
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والدينوري في المجالسة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سئل عن قوله: { وجعلت له مالاً ممدوداً } قال: غلة شهر بشهر.
وأخرج ابن مردويه عن النعمان بن سالم في قوله: { وجعلت له مالاً ممدوداً } قال: الأرض.
وأخرج هناد عن أبي سعيد الخدري في قوله: { سأرهقه صعوداً } قال: هو جبل في النار يكلفون أن يصعدوا فيه، فكلما وضعوا أيديهم عليه ذابت، فإذا رفعوها عادت كما كانت..  –  تفسير الدر المنثور ] .

وهنا :

(وجعلت له)

وهنا :

{وجعلت له مالا ممدودا} أي أنه كان أصحاب الأموال الذين قالوا في رسول الله صلى الله عليه وآله : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ ۖ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا وَقَالُوا مَالِ هَٰذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ ۙ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا أَوْ يُلْقَىٰ إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا ۚ وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا تَبَارَكَ الَّذِي إِن شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِّن ذَٰلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُورًا – الفرقان 4-10 }

وهذا الرجل ضمن مجموعة أكابر مجرمي قريش الذين مكروا برسول الله صلى الله عليه وأهل بيته (عليهم السلام)  والمؤمنين لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا ۖ وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ – الأنعام 123 }

وهؤلاء شياطين من الإنس و تعاونت مع شياطن الجن في الحرب على رسول الله صلى الله عليه وآله والمؤمنين في كل زمان قال تعالى { وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ۚ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ – الأنعام 112 } وهؤلاء مجرمين بنص قوله تعالى { وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ ۗ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا – الفرقان 31 } و سيتحول هؤلاء فيما بعد لأحاديث كما فعل الله تعالى بالأمم من قبل قال تعالى { ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَىٰ ۖ كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ ۚ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ ۚ فَبُعْدًا لِّقَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ – المؤمنون 44 } و كما أرسل الله تعالى الرسل من قبل الرسل تترى ومزق الله تعالى الكافرين كل ممزق كما في قوله تعالى { جعلناهم أحاديث  ومزقناهم كل ممزق – سبأ 19 }

كذلك ستكون قريشاَ الأولى فيما بعد سلفاً و مثلاً للمسلمين في آخر الزمان قال تعالى {فجعلناهم سلفاً ومثلاً للآخرين – الزخرف 56 } ولذلك يقول صلى الله عليه وآله في دعائه عليهم لعنهم الله [ اللهم كما أذقت أول قريش نكالاً فأذق آخرها نوالاَ – أمالي الشجري ] .

ويمتد النسل النبوي الشريف حتى آخر الزمان في زمن ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)  وهو آخر الأئمة من ذريته صلى الله عليه وآله

وإمامتهم وصية أوصى بها كل نبي و جعلها نبي الله إبراهيم (عليه السلام) وصية له حتى   إلى يوم القيامة قال تعالى في هذه الوصية { وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون- الزخرف 28 }

وقال تعالى أيضاً : { قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين- البقرة 124 } وهؤلاء الأئمة جعلهم الله تعالى كذلك لما صبروا وكانوا بآيات الله يوقنون كما في قوله تعالى عن آبائهم من النبيين والمرسلين : { وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون  – السجدة 24 }

ويتمدد الصراع بين قريشا الأولى والاخرة حتى آخر الزمان وقت ظهور العداء القرشي للنبي في صورة حرب على أهل بيت النبي وتراثهم وكل ما يمت لهم بصلة آخر الزمان  فيبعث الله تعالى إمام آخر الزمان الذي دعا له نبي الله إبراهيم (عليه السلام) بأن يكون من ذريته إماماً معروفاً بالصدق كما في قوله تعالى : { واجعل لي لسان صدق في الآخرين – الشعراء 84 } . وهنا ليس المقصود منه رسول الله صلى الله عليه وىله لأنه دعا له دعاءاً محدداً وهو قوله تعالى { ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتول عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك انت العزيز الحكيم } وهنا يكون لسان الصدق في الآخرين هو إمام آخر الزمان (عليه السلام)

وفي هذا الزمان توعدهم الله تعالى بقنبلة نووية ستطلق عليهم قال فيها عز وجل أنها صاعقة (مثل صاعقة عاد وثمود ) ومثلها اي تتشابه معها في خواص التدميريه

قال تعالى بعد بيان كفرهم بآيات الله : { قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ۚ ذَٰلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا ۚ وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ – سبأ 9 -13} وهذه مازالت منذ البعثة النبوية لم تنزل على قريش بما سؤكد اننا في انتظار وقوعها .

وتلك الأحداث آخر الزمان تكون فيها قريشاَ الآخرة وبني إسرائيل في زمن علو كبير ويمتلكون مالاً وأتباعاَ كُثرُ لورود هذا اللفظ في قوله تعالى {وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا – الاسراء 6 } .

وهنا يبين تعالى أنه لن يجعل المسلمين الذين تولوا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآهل بتيه عليهم السلام كالمجرمين الفجار قال تعالى { أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ – ص 28 }

أماكن الأحداث من القرآن الكريم :

 تبين بعض الآيات أن مسرح تلك الأحداث آخر الزمان سيكون بين الجزيرة العربية ومصر لقوله تعالى :

{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ النَّارِ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ – البقرة 126 }

وكذلك مصر على استخفاء للمؤمنين من فرعون وملئه حتى يقضى الله أمراً كان مفعولا لورود هذا اللفظ في قوله تعالى :

{ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سَبِيلِكَ ۖ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ  – يونس 87-88}

وهنا هذا الدعاء على الفراعين أورده الله تعالى للمؤمنين في كل زمان ومكان ليدعون به على كل من تقلد بهم وسار على دربهم في الظلم والقتل في شتى بقاع الأرض وخاصة مصر لتكرار فعل فرعون لعنة الله تعالى آخر الزمان لأنه إمام الكفرة الفحرة كما في قوله تعالى { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ – القصص 41 } ولذلك يقول تعالى عن أحداث آخر الزمان وبيان أن مصر ستكون مسرح أحداث جسام ما ورد في قوله تعالى : { طسم تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ نَتْلُو عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَىٰ وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ – القصص 1-5 } .

ثالثاَ :

دعاء سيدنا إبراهيم (عليه السلام) للنبي صلى الله عليه وآله ولإمام آخر الزمان وهو من العراق و هبط إلى الشام تبين أن هذه الأماكن أيضاً مسارح أحداث آخر الزمان لنزول سيدنا جبريل عليه السلام بالوحي فيها على أنبياء الله تعالى بكتب الله تعالى ووصحفه المطهرة ؟

وأما :

( مالا )

وهنا لفظ مال ووروده في قوله تعالى { عتل بعد ذلك زنيم أن كان ذا مال وبنين – القلم 14 } .  تبين أن هذا الرجل القرشي هو الزنيم صاحب المال والبنون . وهو المال الممدود هنا في قوله تعالى { وجعلت لما مالا ممدودا وبنين شهودا} .

وأما :

(ممدودا)

[ ومد : بسط وزاد فيه ] قال تعالى { أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ ۚ بَل لَّا يَشْعُرُونَ – المؤمنون 56 } . أي ان مد هذا الرجل وغيره ممن حاربوا الله تعالى ورسوله بالمال والبنون ليس دليلاً على رضا الله تعالى بل لا يشعر بما أعده الله تعالى من العذاب الأليم في الدنيا والآخرة  .

ثم يقول تعالى :

  • وبنين شهودا (13)

 وهنا :

(وبنين)

 والبنين أحد مصادر القوة التي ذكرها الله تعالى على قوم عاد لما قال تعالى فيهم { واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون أمدكم بأنعام وبنين – الشعراء 132-133} ويقول تعالى مبيناً هنا أن هؤلاء في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله كانوا مكذبين بآيات الله ظلمة زناه يقولون عن كتاب الله أساطير الأولين قال تعالى ناهياً رسول الله صلى الله عليه وآله من طاعة هؤلاء أو الميل إلىهم : { فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ – القلم 8-16} . وهؤلاء البنين هنا شهوداً على نعمة الله تعالى على هذا العتل الزنيم قال تعالى { وبنين شهودا} .

وأما :

(شهودا)

والشهادة هنا على وجهين في الدنيا والآخرة وعمل الشخص يكون شاهدا عليه كما في قوله تعالى { وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود – البروج } وقال تعالى { مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَىٰ أَنفُسِهِم بِالْكُفْرِ ۚ أُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ – التوبة 17 } . وهنا شاهدين على أنفسهم يوم القيامة تشهد أنفسهم عليهم بأنهم كانوا كافرين كقوله تعالى { يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا ۚ قَالُوا شَهِدْنَا عَلَىٰ أَنفُسِنَا ۖ وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ – الأنعام 130 } . وبالتالي وبنين شهودا ستشهد ذرياتهم عليهم بالنعمة التي أنعمها الله تعالى عليهم وبكفرهم وستشهد عليهم أنفسهم كما في الآية السالفة وبالتالي {وبنين شهودا } يشهدون على آبائهم وعلى انفسهم أنهم كانوا كافرين قال تعالى { وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين – الأنعام 13} .

ثم يقول تعالى :

  • ومهدت له تمهيدا (14)

[ ومهد الشيئ يمهد مهداً :وطأه وجعله سهلا تقول كهد الفراش : جعله لينا سهلا والمهد :الفراش يهيئ للصبي والمهاد : الفراش الموطأ المعد لراحة الإنسان – معجم ألفاظ القرآن باب الميم فصل الهاء والدال ] .

وهنا يتبين لنا أن العمل الصالح يمهد للجنة والكفر والفسوق والعصيان أعمال تمهد إلى النار قال تعالى : { من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحاً  فلأنفسهم يمهدون – الروم 44 } .

وقال تعالى في المكذبين بآيات الله تعالى وما فعلوه بأنه يمهد لغلق أبواب السماء عليهم فلا تفتح لهم : { إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ – الاعراف 40-41 } وبطغيانهم مهدوا لأنفسهم طريقاً إلى جهنم قال تعالى { هَٰذَا ۚ وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ هَٰذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ هَٰذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ ۖ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ ۚ إِنَّهُمْ صَالُو النَّارِ قَالُوا بَلْ أَنتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ ۖ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا ۖ فَبِئْسَ الْقَرَارُ قَالُوا رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَٰذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ – ص 55-61} وبعصيانهم لله تعالى مهدوا لأنفسهم طريقاً للنار قاىل تعالى في الذين لم يستجيبوا لله تعالى ورسوله { لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمِهَادُ – الرعد 18 } .

ويقول تعالى أن هؤلاء المجرمين بأموالهم سيكون لهم اليد الطولى في التقلب والإنتقال في البلاد وهنا يقول تعالى لا يغرك تقلبهم في البلاد قال تعالى { لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۚ وَبِئْسَ الْمِهَادُ – آل عمران196-197}

وفي الوعد الآخر الذي قال فيه تعالى لهؤلاء المجرمين { سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم } والثاني قال تعالى فيه { فإن أعرضوا فقل أنذرتكم بصاعقة مثل صاعقة عاد وثمود – فصلت } .

وأول عقوبة لهم في الدنيا سيغلبون ويقتلون شر قتلة في أول زمان الدعوة الإسلامية كما في قوله تعالى عن حرب السيف والرمح والأسلحة البدائية { قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد – آل عمران 12 } . وعن المنافقين وأعمالهم الممهدة إلى عذاب الله تعالى في الدنيا والآخرة

كما أن النفاق والإفساد في الأرض طريقاً ممهداً إلى عذاب الحياة الدنيا ثم جهنم من بعد الموت قال تعالى : { وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ۚ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ۚ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ  – البقرة 204-206} .

وبالتالي هنا { ومهدت له تمهيدا} بالمفعول المطلق أي وقعوا في كل مايؤدي إلى جهنم من موبقات .

ثم يقول تعالى :

  • ثم يطمع أن أزيد (15)

وهنا :

(ثم يطمع)

[ والطمع : حرص وهو ضد اليأس ونزوع النفس إلى الشيئ شهوه وأكثر ما يكون ذلك قريب الحصول – معجم ألفاظ القرآن باب الطاء فصل الميم والعين ] . قال تعالى {   فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا – الأحزاب 32 }

وطمع هؤلاء في الدنيا طلبهم لشهوات ومتاع الحياة الدنيا بغير حق وخروجاً على تعالم القرآن الكريم التي حددت الحدود لكل شيئ ولكن هؤلاء يطمعون فيما في أيدي الناس ظلماً وعدواناً ثال تعالى {ثم يطمع أن أزيد – المدثر 15 } ونقول ظلما وعدوانالقوله تعالى { يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا – النساء } والغريب أنهم يطمعون أيضاً في الآخرة فيقولون {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ – النحل 62 } ولذبك يقول تعالى في طمعهم بالآخرة { أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم – المعارج 38 }  .

وأما :

(أن أزيد)

والزيادة هنا في كتاع الحياة الدنيا دون أداء حق الله تعالى فيها وبالتالي إمهال الله تعالى لهم ليزدادوا من متاع الحياة الدنيا بغير حق فيزدادون إثماً قال تعالى { سورةآل عمران –  ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين – آل عمران178} وهذه الزيادة في طلب الدنيا يبين تعالى أنها مقترنة بزيادة نفورهم عن ذكر الله وبعدهم عن أحكام القرآن الكريم وما أمر به الله تعالى كما في قوله عز وجل {ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا وما يزيدهم إلا نفورا –الإسراء 41 }  ثم يبين تعالى أن نفورهم كان من رسول الله صلى الله عليه وآله وسنته قال تعالى {  وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا – فاطر 42 } . وبالتالي هذا العتل الزنيم ومن سار على نهجه طلبوا الدنيا و الطمع فيها ولكن مع زيادة النفور من أحكام القرآن الكريم  ومن النبي   صلى الله عليه وآله وسنته والأئمة من بعده لقوله تعالى [ تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي وأنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض … الحديث ] .

ثم يقول تعالى :

  • كلا إنه كان لآياتنا عنيدا (16)

وهنا :

(كلا إنه)

وردت هذه الآيات في قول تعالى { كلا إنه تذكره فمن شاء ذكره – المدثر 54} وهذه التذكرة ما فيها من آيات بينات كان للإيمان بها عنيدا قال تعالى هنا {كلا إنه كان لآياتنا عنيدا – المدثر 16} ولذلك سيحجبون عن الله تعالى لقوله عز وجل { كلا إنهم عن ربهم يومئذٍ لمحجوبون – المطففين 15} وبالتالي هم إلى جهنم كما في قوله تعالى { كلا إنها لظى نزاعة للشوى تدعوا من أدبر وتولى وجمع فأوعى – المعارج 15-17 } .

وأما :

(كان لآياتنا)

وهنا يبين تعالى أنه من شدة عناده كفر بآيات الله وقال أساطير الأولين قال تعالى { إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ – القلم 15 } وقال تعالى أيضاً { وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين – الأنفال31}.

وهذا إعراض قال تعالى فيه { وآتيناهم آياتنا فكانوا عنها معرضين – الحجر81 } واهذا الإعراض كان بشدة تصل إلى درجة العناد والتحدي كما قالوا اساطير الأولين ولذلك قال تعالى هنا { كلا إنه كان لآياتنا عنيدا }   .

وأما :

(عنيدا)

[ وعنيد وناقة عنود : تتباعد عن الإبل ترعى جانباً والعاند : البعير يميل جانباً عن الطريق ويعدل عن القصد ومنه المعنوي :عَندَ الرجل كنصر عنداً وعنوداً : جاوز الحد والقصد والعاند : المتجبر الذي يميل عن الحق يرده مع العلم به  – معجم ألفاظ القرآن باب العين فصل النون والدال ] قال تعالى { وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم و اتبعوا أمر كل جبار عنيد – هود 59 }  ويبين تعالى أن كل من عاند الله تعالى ورسوله أهلكهم عز وجل واستخلف من بعدهم قوماً آخرين قال تعالى

{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ ولنسكننكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ – إبراهيم13-15} . وهذه هقوبتهم في الدنيا وفي الآخرة يلقون في جهنم كما في قوله تعالى { ألقيا في جهنم كل كفار عنيد مناع للخير معتد مريب الذي جعل مع الله إلها آخر فألقياه في العذاب الشديد – ق24-26} . وهنا يبين تعالى ان هذا العتل القرشي الزنيم سار علة نهج الأمم التي كفرت بآيات الله تعالى كما فيقوله عز وجل { كلا إنه كان لآياتنا عنيدا } .

ثم يقول تعالى :

  • سأرهقه صعودا (17)

[ … أخرج أحمد وابن المنذر والترمذي وابن أبي الدنيا في صفة النار وابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في البعث عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:  الصعود جبل في النار يصع فيه الكافر سبعين خريفاً ثم يهوي وهو كذلك فيه أبداً “.د

وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور والفريابي وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا وابن المنذر والطبراني وابن مردويه والبيهقي من وجه آخر عن أبي سعيد قال: إن { صعوداً } صخرة في جهنم إذا وضعوا أيديهم عليها ذابت، فإذا رفعوها عادت واقتحامهافك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة } [البلد: 14]

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: صعود صخرة في جهنم يسحب عليها الكافر على وجهه.

وأخرج ابن المنذر من طريق عكرمة عن ابن عباس قي قوله: { سأرهقه صعوداً } قال: جبل في النار.

وأخرج عبد بن حميد عن الحسن في قوله: { صعوداً } قال: جبلاً في جهنم.
وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك { سأرهقه صعوداً } قال: صخرة ملساء في جهنم يكلفون الصعود عليها.

وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد { سأرهقه صعوداً } قال: مشقة من العذاب.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في قوله: { عبس وبسر } قال: قبض ما بين عينيه وكلح .

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن أبي رزين { إن هذا إلا سحر يؤثر } قال: يأثره عن غيره.

وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال: { سقر } أسفل الجحيم، نار فيها شجرة الزقوم.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد في قوله: { لا تبقي ولا تذر } قال: لا تحيي ولا تميت.

وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس { لا تبقي } إذا أخذت فيهم لم تبق منهم شيئاً، وإذا بدلوا جلداً جديداً لم تذر أن تباردهم سبيل العذاب الأول – تفسير الدر المنثور للسيوطي ] .

وهنا :

(سأرهقه)

[ وأرهقه من رهق وهو العذاب الشاق الذي لا يطاق – معجم ألفاظ القرآن باب الراء وما أوله هاء وقاف ] . قال تعالى { ولا ترهقني من أمري عسرا- الكهف 73 } وقال تعالى { فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا- الكهف 80 } وهنا {سأرهقه صعودا} أي عذاباً شديداً مرهقاً لا يطاق .

وأما :

( صعودا)

والصعود : كلمة أصلها صعد و الصعيد وجه الأرض لقوله تعالى { فتيمموا صعيداً طيبا – النساء 43 } .

و قال تعالى { إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم والله خبير بما تعملون – آل عمران153 } والصعود هنا كان على جبل في غزوة أحد وضع رسول الله صلى الله عليه وآله الرماة فلما تركوا منازلهم فوق الجبل كشفوا ظهر المسلمين وبالتالي صعودا جبل في جهنم  صعوده فيه عذاب شديد قال تعالى فيه { ومن يعرض عن ذكر به يسلكه عذاباَ صعدا – الجن 17 } .

ثم يقول تعالى :

  • إنه فكر وقدر(18) ثم قتل كيف قدر(19)

[ .. أخرج أبو نعيم في الدلائل من طريق مجاهد عن ابن عباس قال: لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم جمع الوليد بن المغيرة قريشاً فقال: ما تقولون في هذا الرجل، فقال بعضهم: هو شاعر، وقال بعضهم: هو كاهن، فقال الوليد: سمعت قول شاعر وسمعت قول الكهنة، فما هو مثله. قالوا: فما تقول أنت؟ قال: فنظر ساعة { ثم فكر وقدر فقتل كيف قدر } إلى قوله: { سحر يؤثر }…  – تفسير الدر المنثور للسيوطي ] .

 وهنا :

(إنه )

ورد هذا اللفظ على رعون في قوله تعالى { اذهب إلى فرعون إنه طغى – النازعات 17} وهذا يثبت أنه كان يسير على طريق الفراعين من عبادة الأوثان وقتل المؤمنين والزنا وعمل قوم لوط وكان بهذه الأعمالمن التمتع بالدنيا والإستكبار فيها بغير الحق مسروراً بهذه الأعمال الإجرامية الإستعلائية على كتاب الله وعلى البشر قال تعالى { وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ  فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا وَيَصْلَىٰ سَعِيرًا  إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا  إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ بَلَىٰ إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا  – انشقاق 10-15 } .

وأما:

(فكر)

[ وفكر : أي عمل خاطره في الشيئ – معجم ألفاظ القرآن باب الفاء فصل الكاف والراء ]

قال تعالى { ويتفكرون في خلق السماوات والأرض – آل عمران 191} وقال تعالى في دعوة للتفكر في رسول الله صلى الله عليه وآله ودعوته { أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة – إن هو إلا ذكر مبين – الأعراف 184 } وهنا نفي الجِنة عنه صلى الله عليه وآله لأن هذا الملعون قال في رسول الله صلى الله عيه وآله أنه مجنون ولذلك قال تعالى { وما صاحبكم بمجنون – التكوير 22} . وهنا لم يقل هذه القولة الملعونة إلا بعدما فكر وقدر ودبر فقال مجنون وقال سحر يؤثر قال تعالى هنا { إنه فكر وقدر فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر ثم نظر ثم عبس وبسر فقال إن هذا إلا سحرًيؤثر إن هذا إلا قول البشر – المدثر } . ويأمر الله تعالى المؤمنين بالتفكر كما في قوله تعالى { قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب –  سبإ 46 } . وأما :

(وقدر) وفقتل كيف (قدر)

[ وقدر بمعنى : حدد مقداره وتروى في إنجازه – معجم ألفاظ القرآن باب القاف فصل الدال والراء ] قال تعالى { أن اعمل سابغات وقدر في السرد – سبأ 11 }  وقال تعالى { سبح اسم ربك الأعلى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى – الأعلى } أي أنه أعطى كل شيئ خلقة وهداه لسلوك معين قال تعالى { ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى – طه } ووهذا بتقدير من الخالق عز وجل . وتقدير هذا الكافر بآيات الله تعالى هنا هو الكفر بآيات الله وإطفاء نور الله تعالى ومحاولة قتل المؤمنين في كل زمن قال تعالى لذلك صلى الله عليه وآله [قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : المؤمنُ بيْن خمسِ شدائدَ؛ مؤمنٍ يحسُده، ومنافقٍ يُبغِضه، وكافرٍ يُقاتِله، ونفسٍ تُنازِعه، وشيطانٍ يُضِلُّه – كنز العمال عن أنس ] .

وهذا التفكير الشيطاني يتسبب في قتل صاحبه لأنه قال تعالى { فقتل كيف قدر} وفي الحديث إياكم وقاتل الثلاثة [  قال رجل لعمر بن الخطَّاب رضي الله عنه: (يا أمير المؤمنين، احذر قاتل الثَّلاثة، قال: ويلك، من قاتل الثَّلاثة؟ قال : الرَّجل يأتي الإمام بالحديث الكذب، فيقتل الإمام ذلك الرَّجل بحديث هذا الكذَّاب، ليكون قد قتل نفسه، وصاحبه، وإمامه) ] وبالتالي هنا تدميره من الله كان في تقديره السيئ كما في قوله تعالى { إنه فكر وقدر فقتل كيف قدر }

وأما :

(فقتل)

وهنا قتل كيف قدرهم  أي قتله الله تعالى بجرائمه في حق الله تعالى ورسوله وأهل بيته عيهم السلام قال تعالى { فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم } وذلك لأنه قاتل في سبيل الطاغوت في قوله تعالى { الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا – النساء 76 } وهنا لما قاتلوا رسول الله صلى الله عليه وآله قتلهم الله تعالى كيف قدروا  كما في قوله تعالى { إنه فكر وقدر فقتل كيف قدر } .

وأما :

(كيف) قدر)

وكيف [ الأصل فيها الإستفهام عن حال الشيئ أو صفته وما يترتب عليه من تقدير وإجلال لأعمال أوو اتعاظ أو اعتبار أو استقباح لبعض الأعمال وإنكارها ]

قال تعالى منذراً قريشاً بما فعله عز وجل باصحاب الفيل قال تعالى { ألم ترى كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ألم يجعل كيدهم في تضليل وأرسل عليهم طيراً أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول – الفيل }

وماكانت بعثة رسول الله صلى الله عليه وآله إلا ليكون شهيداً عليهم مبشراً ونذيرا قال تعالى { فكيف { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا – النساء 41 } وهذا الشهيد صلى الله عليه و آله بعثه إليهم لعلهم يتفقهون و قد انذرهم وحذرهم من  الإختلاف عليه وعلى إمامة أهل بيته عليهم السلام من بعده لأنه خاتم الأنبياء ولا نبي بعده  وبين لهم أن الإختلاف عليهم تورث الفرقة والإختلاف والهلاك كما في قوله تعالى {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون – الأنعام 65 }

فلما سمعوا آيات الله تعالى ونصر رسوله صلى الله عليه وآله في فتح مكة وإعلاء كلمة الله وإعلان الوصية لإمامة واستخلاف الإمام علي عليه السلام لجئ هؤلاء للكذب على الله ورسوله في مناقب الرجال قال تعالى { ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا  انظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به إثما مبينا – النساء 49-50 } .  وهنا كذبوا على أنفسهم بعدما قدموا على من قدمهم الله تعالى في القرآن الكريم بالرأي والهوى وسيكذبون على انفسهم عند الحساب قال تعالى { انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ماكانوا يفترون – الأنعام 24 } ولذلك قال اهل الهوى بإمامة المفضول في وجود الفاضل بالرأي في مقابل النصوص القرآنية وأحاديث الرسول صلى الله عليه وآله سيراً على النهج القرشي ووفقاً لأفكار ومعتقدات الوليد ابن المغيرة الذي فهم القرآن الكريم ومراد الله منه تعالى وقال إن فيه لحلاوة وإن عليه لطلاوه ولكنه كبقية قريش رفضوا ولاية أهل بيت النبي عليهم ومن هنا انقسمت الأمة إلى شيعة وسنة وفقاً لتقدير وتفكير الوليد وقال تعالى لذلك هنا { إنه فك وقدر فقتل كيف قدر }.

ثم يقول تعالى :

(20) ثم قتل كيف قدر (20)

وهنا :

(قتل كيف قدر) تكررت مرتين بينهما ثم وثم تعني [حرف عطف يدلُّ على الترتيب والتتابع  ] أي الإنتقال من مرحلة لأخرى أو التخطط على مرحلتين لتدمير دين الاسلام ولذلك أوردنا هنا هذا اللفظ في كتاب الله أين ورد لنفهم ماذا كان يدبر للنبي ودين الإسلام في خطة على مرحلتين وكان تدميره وقتله في تدبيره . وهنا :

(ثم)

بين الله تعالى من قبل في هذه السورة أنه فكر وقدر وصناديد الكفر القرشي ومن سيسير على نهجهم فيما بعد تقلداً بفرعون لعنه الله حيث قال تعالى فيه : { فَكَذَّبَ وَعَصَىٰ ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَىٰ فَحَشَرَ فَنَادَىٰ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَىٰ النازعات 21-25 }

 

وبينا أنهم كما فعل فرعون فعل هؤلاء وكما قال فرعون في نبي الله موسى أنه ساحر عليم هكذا قالت قريش ساحر ومجنون (حاشا لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله) قال تعالى { ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَر ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ فَقَالَ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هَٰذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ – المدثر  20-30}

ولذلك يقول تعالى في ذلك المجرم العتل الزنيم : { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا وَبَنِينَ شُهُودًا وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ كَلَّا ۖ إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ – المدثر 11-19} .

وهنا قال تعالى لهم  { قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد – سبأ 46 }

ثم يبين تعالى أنهم بعدما دبروا كيدهم ومكرهم رجعوا لبيوتهم يتبخترون فرحاً بعد تكذيبهم لآيات الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله كما في قوله تعالى : { كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ وَقِيلَ مَنْ ۜ رَاقٍ وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّىٰ وَلَٰكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ ثُمَّ ذَهَبَ إِلَىٰ أَهْلِهِ يَتَمَطَّىٰ – القيامة 26-33} ويتمطى تعني يتبختر .

وكما أنشأ الله تعالى قرونا من قبل كذلك سينشئ الله تعالى قروناً أخرى قال تعالى : { ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين – المؤمنون31 } ثم يحذر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وآله والمؤمنين من بعده  من الركون لهؤلاء المجرمين كما في قوله تعالى { ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون – هود 113}

وهؤلاء كما وضعو خطة على مرحلتين أو من شقين قتل النبي صلى الله عليه وآله فقتلهم ثم القضاء عو دين الإسلام في مهده كذلك توعده الله تعالى بعذاب على مرحلتين الأولى بالسيف في زمن النبي والثانية آخر الزمان قال تعالى في هؤلاء القرشيين والمخلفين من الأعراب

{سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم – التوبة} وبداية العذاب الآخر يبين تعالى أنهم سيلاقوا بعضاً منه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله فيلبثهم شيعاً ويذيق بعضهم باس بعض قال تعالى : { وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد على ما يفعلون – يونس 46 } ويوم القيامة يسلكهم الله تعالى عذاباَ شديداً قال تعالى في

{ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه إنه كان لا يؤمن بالله العظيم -31-33 } .

وهنا نكون قد بينا لماذا قال تعالى { فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر }.

وأما :

{قتل}

والقتل الثاني لأولياء هذا الظالم تكون آخر الزمان حيث يكون زمان الثأر لقتل سلفهم الإمام الحسين والإمام علي وأهل بيت المظلومين (عليهم السلام) لقوله تعالى: { ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا – الإسراء }  وهؤلاء فعلوا كما فعلت بنوا إسرائيل من قبل حيث قتلوا الأنبياء و آمنوا ببعض الكتاب و كفروا ببعضه كما قال تعالى : { ثُمَّ أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأْتُوكُمْ أُسَارَىٰ تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ ۚ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ۚ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ – البقرة 85} . وهنا يبين تعالى أن تدمير هؤلاء  أول زمان الدعوة إلى دين الإسلام وآخر الزمان كان في تقديرهم وتدبيرهم  كما في الآية هنا { فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر } .

وأما :

(كيف)

وهنا كيف الثانية تبين أن الخلف لما سار على نهج سلفهم من قريش جعلوا يدنهم مدائح ومناقب رجال ما أنزل الله بهم من سلطان ليستبدلوا مناقبهم بديلاً عن مناقب أهل بيت النبي وصرفاً للناس عن إمامتهم وقال تعالى في ذلك الدين المبتدع { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُم ۚ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا انظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۖ وَكَفَىٰ بِهِ إِثْمًا مُّبِينًا – النساء 49-50 } .

ثم يعظ الله تعالى هؤلاء بأن يسيروا في الأرض فينظروا عاقبة الذين فعلوا نفس جرائمهم من قبل ماذا فعل الله تعالى بهم قال تعالى { أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون – الروم 9 } .

ولما مكروا مكرهم أن الله تعالى دمرهم وأنزل بهم البلاء ولن يرفع حتى يرجعوا إلى كتاب ربهم كما فعل الله تعالى بالأمم من قبل قال تعالى {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ – النمل 50-51 } .

وكما أهلك الله تعالى الأمم من قبل سيهلك من تقلد بهم قال تعالى في سورة القمر بعد بيان هلاك قون نوح و قوم عاد قال تعالى { كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ – القمر 18 } ثم بين تعالى هلاك قوم ثمود وقوم لوط وفرعون ثم قال تعالى { أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُولَٰئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَىٰ وَأَمَرُّ- القمر 43-46} .

وأما :

(قدر)

القدر الثاني آخر الزمان في زمن إطفاء نور الله تعالى وعدم تقديره حق قدره و إحفاء حقائق دين الإسلام التي تدعوا إلى ولاية الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام في القرآن والتنراة والإنجيل لذلك يقول تعالى : { وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون – الأنعام 91} وهذا التقدير الثاني مخطط وضعته قريشاً يقوم على شقين قتل النبي فقتلهم الله تعالى والقضاء على دين الإسلام في مخطط امتد بواسطة خلفاء هؤلاء ولذلك الأمة في انهيار مستمر حتى ترجع هذه الأمة إلى مكتاب ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وآله  قال تعالى هنا { فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر } .

ثم يقول تعالى :

(21) ثم نظر (21)

النظر في الأمور دعوة للتفكر والتدبر في عواقب الأمور قال تعالى { قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون – يونس 101} . وقال تعالى

{ فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا وَقَضْبًا وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا وَحَدَائِقَ غُلْبًا  وَفَاكِهَةً وَأَبًّا مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ – عبس 24-32 } .

ومما قدروه ودبروه التشكيك في القرآن الكريم لصرف الناس عن الإيمان بالله تعالى ورسوله صلى اله عليه وآله  لقوله تعالى : { وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۚ وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَىٰ إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا  انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا – الإسراء 46-49}

ثم الكذب على رسول الله برواية مناقب لرجالهم مع إخفاء مناقب النبي وأهل بيته ونسبة الموبقات لهم كما قال معاوية بن ابي سفيان : [ من يأتيني بنقيصة في علي وزنته ذهباً- تاريخ المسعودي ] قال تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُم ۚ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا انظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۖ وَكَفَىٰ بِهِ إِثْمًا مُّبِينًا – النساء 49-50 }

ويقضي الله تعالى آخر الزمان في هذه الجريمة العابرة للزمان والمكان ووقعت فيها أجيال وجبلاً كثيرا حتى ظهور علامات الساعة والتي قال تعالى فيها { فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم- محمد 18} .

ثم يقول تعالى :

(22) ثم عبس وبسر  (22)

وهنا :

(ثم)

أي أنه قدر كما في قوله تعالى { فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر} وهنا عبس مما يسمع ويرى من آيات الله التي أنزلت على رسوله صلى الله عليه وآله قال تعالى هنا { ثم عبس وبسر فقا إن هذا إلا سحر يؤثر إن هذا إلا قول البشر } .

وأما :

(عبس)

[ وعبس الرجل : قطب وجهه من ضيق الصدر – معجم ألفاظ القرآن باب العين فصل الباء والسين ]

قال تعالى { عبس وتولى – عبس 1 } والآية هنا تؤكد أن الذي عبس ليس النبي صلى الله عليه وآله بل هو الوليد بن المغيرة أو أحد صناديد قريش وهذا محال أن ينسب هذا الفعل لنبي صلى الله عليه وآله بل نجزم أنه أحد مكائد قريش التي كانت تتمنى النيل من رسول الله باللسان أو السنان ويوم القيامة يلاقي هؤلاء يوما عبوسا قمطريرا قال تعالى { إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا – الإنسان 10 }[ .. عن ابن عباس ( يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا ) قال: يقبِّض ما بين العينين – الطبري .. ] .

وأما :

(وبسر)

[ وبسر : اي نظر بكراهة شديدة أو كلح وتغير وجهه فهو باسر وهى باسره –  معجم ألفاظ القرآن باب الباء فصل السين والراء ] قال تعالى { وجوه يومئذٍ باسرة تظن أن يفعل بها فاقره – القيامة 24-25 } ويكون المعنى أنه لما نظر في القرآن الكريم وما فيه من حلاوه وعليه من طلاوه وأنه يعلى ولا يعلى عليه كما ذكر ذلك في جمع من صناديد قريش قالها وهو على ضيق شديد وهنا اشتدت الحرب على النبي صلى الله عليه وآله فقال هو ساحر : [ عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقرأ عليه القرآن، فكأنه رق له، فبلغ ذلك أبا جهل، فأتاه، فقال: يا عم، إن قومك يرون أن يجمعوا لك مالًا! قال: لم؟ قال: ليعطوكه، فإنك أتيت محمدًا تتعرض لما قبله، قال: قد علمت قريش أني من أكثرها مالًا، قال: فقل فيه قولًا يبلغ قومك أنك منكر له، أو أنك كاره له، قال: وماذا أقول؟! فوالله، ما فيكم من رجل أعلم بالأشعار مني، ولا أعلم برجزه، ولا بقصيده، ولا بأشعار الجن مني، والله، ما يشبه الذي يقول شيئًا من هذا، والله، إن لقوله الذي يقول حلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو وما يعلى، وإنه ليحطم ما تحته، قال: لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه! قال: فدعني حتى أفكر، فلما فكر، قال: (هذا سحر يؤثر) يأثره عن غيره، فنزلت: ذرني ومن خلقت وحيدًا. رواه الحاكم، وغيره وقال  حديث صحيح الإسناد على  شرط البخاري ولم يخرجاه ]  .

وهكذا فعل خلفهم الملعون إلى زمن ظهور علامات الساعة وحتى يقضى الله تعالى بينهم في عدائهم للنبي وأهل بيته وكل مايمت لهم بصلة حيث يكفرونهم ويرومونهم بشتى التهم ويسبونهم  بأقذع الألفاظ وأسوأها ويكون هلاكهم في تدبيرهم كما بينا في ذلك الزمان.

ثم يقول تعالى :

(23) ثم أدبر واستكبر (23)

وهنا :

(ثم)

أي أنه قال تعالى بالتتابع بعد أن فكر وقدر ونظر في الامور أدبر عن ذكر الله تعالى ورسوله ليعلن كفره قائلاً أنه سحر قال تعالى : { فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ فَقَالَ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَر إِنْ هَٰذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ – المدثر 19-26 }  .

وأما :

(أدبر)

[ والدبر مؤخرة كل شيئ وظهره ] قال تعالى { سيهزم الجمع ويولون الدبر– القمر 45 }

وهذا اللفظ ايضاً يأتي على فعل فرعون بما يؤكد أننا أمام شخصية فرعونة دبرت وخططت للقادم نحو محاولة هدم دين الإسلام قال تعالى عن فرعون { ثم أدبر يسعى فحشر فنادى فقال أنا ربكم الأعلى – النازعات 22-23 } وبنفس اللفظ هنا يأتي به تعالى على هذا العتل الزنيم قائلا { ثم أدبر واستكبر } .

وأما :

(استكبر)

وهنا نفس اللفظ ايضاً يستخدمه القرآن الكريم عن فرعون واستكباره في الأرض بغير الحق قال تعالى { واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق – القصص 39 } واستكبر  بمعنى [ تعاظم فلم يخضع للحق عناداً  ويقال استكبر عن الأمر ترفع عنه ولم يقبله عناداً – معجم ألفاظ القرآن باب الكاف فصل الباء والراء ] وأول من استكبر إبليس لقوله تعالى { إلأا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين – البقرة 34 }

ونفس الإستكبار وقع فيه أمة بني غسرائيل فقتلوا أنبيائهم كما في قوله تعالى { أفكلما جائكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقاً كذبتم وفريقا تقتلون – البقرة 87 }  والآية هنا تشيير إلى أن صناديد الكفر القرشي ساروا على نهج في طريقين الأول تكذيب الرسول والثاني محاولة قتله إن أمكن ثم قتل أهل بيته وكل من آمن به وصدقه وقد لجئوا لإسلوب الكذب على النبي صلى الله عليه وآله ليوهموا عوام الناس أن الله ورسوله قد أمروا بقتل الخارجين عليهم ومن هنا كان يزيد اللعين يرمي الإمام الحسين بتهمة الخوارج وأنه خرج على إمام زمانة قال تعالى فيما فعلته أمة بني إسرائيل من قبل {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ –آل عمران 78 } وهذا من المكر الذي يمكره أكابر مجرمي كل قرية كما في قوله تعالى { وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون – الأنعام 123 } وهنا إمام الكفر و المكر بآيات الله ورسوله كان هذا االلعين العتل الزنيم الذي سار على نهج فرعون كما في قوله تعالى { فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ فَقَالَ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَر إِنْ هَٰذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ – المدثر 19-26 }

والويل لهؤلاء بما نشروه من كذب وإفك قال تعالى فيه وفي أول  من سمعوه فأنكروه تكبراً    وآخر من سيسمعه إعراضاً واستهتارا واستهزاءاً بآيات الله كأن لم يسمع شيئاً { ويل لكل أفاك أثيم يسمع آياتنا تتلى عليه ثم يصر مستكبراً كأن لم يسمعها – الجاثية 7-8 } .

ثم يقول تعالى :

(24) فقال إن هذا إلا سحرٌ يؤثر (24)

  وهنا :

(فقال إن هذا إلا سحر)

هذه القوله قالوها إنكاراً للبعث من بعد الموت والنشور قال تعالى {ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين – هود 7 } وهنا يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله لعلهم يؤمنون : { فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَا ۚ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لَّازِبٍ بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ وَقَالُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَٰذَا يَوْمُ الدِّينِ هَٰذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ – الصافات 11-21 } وكما قالوا ذلك في رسول الله صلى الله عليه آله كذلك قالت الأمم التي كفرت بالله تعالى ورسله من قبل قال تعالى {  كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون – الذاريات 52 } ونفس القوله قالها الكافرون بنبوة سيدنا عيسى كما في قوله تعالى {إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين – المائدة 110 }ويبين تعالى أنهم لما رفضوا دين الإسلام فما هو دينهم الذي تمسكوا به ؟

هنا يجيبنا الله تعالى أنها عبادة الأصنام التي كان عليها آباؤهم من قبل كما في قوله تعالى {وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم وقالوا ما هذا إلا إفك مفترى وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين – سبأ 43 } . وقالو سحرو مبين كما في قوله تعالى { وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ – الزخرف 30}

ولما كفروا طلبوا من رسول الله صلى الله عليه وآله شروطاً حتى يؤمنوا فطلبوا منه جناناً تجري من تحتها الأنهار أو يرون الملائكة أو يأتي ربنا تعالى الله عما يشركون أو كتابا في قرطاس ليقرؤه كما في قوله تعالى {وَقَالُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنبُوعًا تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي السَّمَاءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ ۗ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولًا – الإسراء 90-93} وهنا يبين تعالى أنهم كاذبون وحتى لو أنزل الله عليهم كتابا لقالوا إن هو إلا سحر مبين قال تعالى  :  {ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين – اﻷنعام 7 } . وبذلك المعتقد سيراً على نهج الآباء من قبل قالت قريش هنا وهذا أحد كبرائهم  {فقال إن هذا إلا سحر يؤثر – المدثر 24}

وأما :

(يؤثر)

وهنا : [ آثره يؤثره إيثاراً : اختاره وفضله ] قال تعالى { بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى – النازعات 38 } وهذا ما آثره كفار قريش ومن سار على نهجهم في كل زمان ومكان ولكن الله تعالى يبين أن المؤمنون لن يؤثروا أهواء هؤلاء في الكفر بالله تعالى كما قال تعالى عن سحرة فرعون وقولهم لفرعون لعنه الله { قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا – طه 72 } أي أن قوله هنا { إن هذا إلا سحر يؤثر – المدثر } أي يؤثره من آمن بسيدنا محمد (صلى الله عليه وآله) وسار على نهجه في الكفر بالطاغوت والإيمان بالله تعالى وفي ذلك إثبات أن صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله  كان إيمانهم كإيمان السحرة الذين ضرب الله تعالى لهم مثلاً في قوله تعالى { ذلك مثلهم في التوارة ومثلهم في الإنجيل – – الفتح 29 }  وهؤلاء السحرة قالوا لفرعون لعنه الله لما لما آمنوا بالله تعالى ورسوله عليه السلام و توعدهم بالقتل فقالوا له : { قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ – طه 71 } .

ثم يقول تعالى :

(25) إن هذا إلا قول البشر (25)

وهنا :

(إن هذا)

وهنا هذه الآيات وردت في قوله تعالى عن كفرهم { أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب – ص5 } وقالوا إن هذا لشيئ فيه مكر او كيد يراد بآلهتهم قال تعالى { وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد – ص6 } كما أعلنوا أنه كلام مختلق من قول البشر كما في قوله تعالى {ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق – ص 7  } وهذا الإختلاق هو قول بشر كما في قول هذا الملعون في الآية هنا : { إن هذا إلا قول البشر – المدثر 25 }

و ذلك القول من الكفر بالله تعالى ورسوله قالته الأمم من قبل كما في قوله تعالى  عن قوم عاد { قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُن مِّنَ الْوَاعِظِينَ إِنْ هَٰذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِي-الشعراء 136-137}   .

وأما :

(إلا قول البشر)

{وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا –  اﻹسراء 94 } .

وهذه القوله قالتها الأمم من قبل فقال تعالى عن الأمم من بعد نوح عليه السلام : {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ  وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلًا مُّبَارَكًا وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ أَفَلَا تَتَّقُونَ وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَٰذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ وَلَئِنْ أَطَعْتُم بَشَرًا مِّثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَّخَاسِرُونَ أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُم مُّخْرَجُونَ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ   إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَّيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً ۚ فَبُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قُرُونًا آخَرِينَ  – المؤمنون 28-42} .

وهذه القوله قالتها أمة ثمود أيضاً كما في قوله تعالى : { كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ فَقَالُوا أَبَشَرًا مِّنَّا وَاحِدًا نَّتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَّفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَّنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ– القمر 23-26 } .

وقالها أيضا فرعون لعنه الله وملئه استكباراً في الأرض كما في قوله تعالى{ ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ- المؤمنون 45-48 } .

ويبين تعالى أن كل هذا الكفر في كل زمن كان حسداً للأنبياء والمرسلين لورود هذا اللفظ في قوله تعالى عن نسب النبي وصهره الإمام علي عليهم السلام  { وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا – الفرقان54 } .

وهنا يقول صلى الله عليه وآله [ خير النسب نسبي وخير الصهر صهري … الحديث ] .
ولو نزلت النبوة في قبائلهم وعائلاتهم لصدقوها ونصروها وآمنوا بها كما في قوله حسداً { وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَٰذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ – الزخرف 30-32} .

ثم يقول تعالى :

(26) سأصليه سقر (26) وما أدراك ما سقر(27)

وهنا :

(سأصليه)

[صلِيَ بـ يَصلَى، اصْلَ، صَلًى وصِلِيًّا، فهو صالٍ، والمفعول مَصْليّ ، صلِي النَّارَ / صلِي بالنَّار : احترق فيها وقاسى حَرَّها ” قال تعالى {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ} – {ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا} – {اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} “. ، صلِي الأمرَ / صلِي بالأمر : عانَى شدَّتَه وتعبَه “صلِي بشرِّ فلان- صلِيَ العذابَ”.

و صلَّى يُصلِّي، صَلِّ، تصليةً، فهو مُصلٍّ، والمفعول مُصلًّى ، صلاَّه النَّارَ / صلاَّه بالنَّارِ / صلاَّه على النَّارِ / صلاَّه في النَّار : أصلاه، أدخله فيها “صلّى العصا على النَّار: لوّحها وليَّنها وقوّمها بها- {فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ. وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} – {ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ} ]

[ الأصل في هذا اليائي : النن باب الصار وما أشبهها من الحمى والصلي والصلاء ماتزكى به النار وأصلاه إياها : أدخله  وأثواه فيها – معجم ألفاظ القرآن باب الصد فصل اللام والياء ]

قال تعالى { فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ – النمل 29 } .

ثم يبين تعالى جرائم يستحق عليها العبد النار يصلى فيها

– وأولها الكفر بالله تعالى وعدم الإيمان به  لقوله تعالى { اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ يس 64}  وقوله تعالى{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا – النساء 56} وقال تعالى في عدم إيمانهم بالله أي كفرهم وتركهم إطعام المسكين ولذلك سيأخذون كتابهم يوم القيامة بشمالهم كما في قوله تعالى { وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ مَا أَغْنَىٰ عَنِّي مَالِيَهْ ۜ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ – الحاقة 25- 35 }

-ثم تأتي بعد ذلك جريمة مخالفة رسول الله صلى الله عليه وآله وعدم طاعته لقوله تعالى { وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا – النساء 115 }

– ثالثا التمتعين بالدنيا لا يراعون فيها حلالً أو حراماً كالأنعام بل هم أضل وقال تعالى في هؤلاء { مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا – الإسراء 18 } وهنا يكونون قد أحلوا قومهم دار البوار و الهلاك لكفرهم  وعدم أدائهم شكر الله تعالى على نعمائه التي لا تحصى قال تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا ۖ وَبِئْسَ الْقَرَارُ وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلُّوا عَن سَبِيلِهِ ۗ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ – إبراهيم 28-30 }

– رابعا : جريمة أكل أموال الناس بالباطل ومنها الربا لأن صناديد قريش كانوا حريصين على ذلك ومنهم هذا العتل الزنيم قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ۚ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا – النساء 29-30}

ويوم الدنيا القيامة يبدأ الله تعالى العذاب بأكابر مجرميها ممن هم أشد على الرحمن وعباد الله عتيا وظلماً في الدنيا قال تعالى : { فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَٰنِ عِتِيًّا ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَىٰ بِهَا صِلِيًّا وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا – مريم 68-72 } .

وهل يستطيع أحداً أن يكون عاتياً مع الله تعالى إنما القصد أنه كان ظالماً في الدنيا على الضعفاء فاعتبر الله تعالى ذلك حرباً على الله لأنه تعالى يقول في الحديث  “أنا مع المنكسرة قلوبهم ” [ أخرج أبو نعيم أيضًا في حلية الأولياء (6: 177) عن عِمْرَانَ الْقَصِير رحمه الله قَالَ: قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَا رَبِّ أَيْنَ أَبْغِيكَ؟ قَالَ: ابْغِنِي عِنْدَ الْمُنْكَسِرَةِ قُلُوبُهُمْ فَإِنِّي أَدْنُو مِنْهُمْ كُلَّ يَوْمًا بَاعًا لَوْلَا ذَلِكَ لَتَهَدَّمُوا.

و أخرج أيضاَ أبو نعيم أيضًا في حلية الأولياء (4: 31) عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: قَالَ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ” إِلَهِي أَيْنَ أَجِدُكَ إِذَا طَلَبْتُكَ؟ قَالَ: عِنْدَ الْمُنْكَسِرَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ مَخَافَتِي ” ]

وظلمهم عتواً في الأرض وتجبراً وحرباً مع الله ولذلك يبدأ الله تعالى بهؤلاء في الآخرة بعد إهلكهم في الدنيا .

وأما :

(سقر وما أدراك ماسقر)

[ سَقَر: (اسم) اِسْمٌ مِنْ أسْمَاءِ جَهَنَّمَ القمر قال تعالى { يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوههمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ – القمر 48 } ] وسقر هنا بين تعالى أنها لاتبقي ولا تذر قال تعالى

 

(27) وما أدراك ما سقر(27)

وهنا :

(وما أدراك)

وما أدراك  تعني أن رسول الله صلى الله عليه وآله قد أخبر بها فقط ولا يدري عنها شيئاً لأنه ورسل الله وأنبيائه والمؤمنون محجوبون عنها وعن كل عذاب ومشقة من بعد الموت لأنهم سيكونون في جنة الله تعال ونعيمه لا يدرون عن العذاب شيئاً قال تعالى لذلك عن أهل النار  { وما أدراك مالحطمة نار الله الوقدة التي تطلع على الأفئدة إنها عليهم مؤصدة في عمد ممده – الهمزة }

وقال تعالى أيضاً { وما أدراك ما الحاقة – الحتقة 3 } &  {وما أدراك ما يوم الفصل – المرسلات 14 } & {وما أدراك ما يوم الدين – الإنفطار 17 } & {وما أدراك ما سجين – المطففين 8} & {وما أدراك ما الطارق -الطارق 2} & { وما أدراك ما العقبة – البلد 12 } & { وما أدراك ما القارعة – القارعة 3 } & { ٱلۡقَارِعَةُ مَا ٱلۡقَارِعَةُ وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡقَارِعَةُ يَوۡمَ يَكُونُ ٱلنَّاسُ كَٱلۡفَرَاشِ ٱلۡمَبۡثُوثِ وَتَكُونُ ٱلۡجِبَالُ كَٱلۡعِهۡنِ ٱلۡمَنفُوشِ فَأَمَّا مَن ثَقُلَتۡ مَوَٰزِينُهُۥ فَهُوَ فِي عِيشَة رَّاضِيَة وَأَمَّا مَنۡ خَفَّتۡ مَوَٰزِينُهُۥ  فَأُمُّهُۥ هَاوِيَة وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا هِيَهۡ  نَارٌ حَامِيَةُۢ – القارعة} .

وكذلك سقر هنا لا يدرى عنا أي مؤمن شيئاً قال تعالى لذلك { وما أدراك ما سقر } ويستثنى من هذه القاعدة كل أمر خاص بالله تعالى لا يطلع عليه نبي و لا رسول إلا رسول الله و الأئمة المقربون من أهل بيته عليهم السلام  لقوله تعالى {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ كِتَابٌ مَّرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ– المطففين 19} قوله تعالى{ قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى – الشورى }

وليلة القدر التي نزل فيها كل أمر قبل خلق الدنيا ثم علم رسول الله صلى الله عليه وآله كل ماهو كائن إلى يوم القيامة ولكن لا يدري عن حال أهل النار بعد موتهم شيئاً من عذاب الله ومن قبيل الأدب القرآني ولين الخطاب حتى لا يصروا ويعاندوا في كفرهم قال تعالى لهم { قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ – الأحقاف 9}

وذلك تماما كخطاب الله تعالى وإبلاغه آيات الله لفرعون لعنه الله وقوله تعالى لنبي الله موسى وهارون {  فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى – طه 44}

والله عن عذاب الله تعالى لأهل النار قال تعالى مبيناً أن رسول الله صلى الله عليه وآله لا يدريعن عذاب الله لأهل النار شيئاً فقال تعالى : { قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ – الأحقاف 9} .

وهنا انتبه هناك فرق بين لا أدري ولا أعلم فهو يعلم كل شيئ ويدري بعضاً من أحداث يوم القيامة من دخول الجنة ولكن لا يدري عن أهوال يوم القيامة شيئاً فهو محجوب عن ذلك الأمر وكذلك أنبياء الله تعالى والأئمة (عليهم السلام) والمؤمنون كما في قوله تعالى {ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون – الزمر 68 } .

وهنا من شاء الله هم الذين لا يدرون عن عذاب مابعد الموت شيئاً كما في قوله تعالى عنهم { لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَٰذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ – الأنبياء103}

ثم يقول تعالى عن سقر :

(28) لا تبقي ولا تذر(28)

وهنا :

(لا تبقي)

في اللغة : [ أبقى / أبقى على / أبقى من يُبقي ، أَبْقِ ، إبقاءً ، فهو مُبْقٍ ، والمفعول مُبْقًى أبقى الأمرَ ونحوَه : تركه على حاله ، أَبْقَاهُ فِي مَكَانِهِ : أدَامَهُ فِيهِ، أَثْبَتَهُ قَرَّرَ أنْ يُبْقِيَهُ فِي عَمَلِهِ لاَ يُبْقِي وَلا يَذَرُ: لاَ يَتْرُكُ شَيْئاً ثَابِتاً أَوْ قَائِماً أبْقَى عَلَيْهِ : رَحِمَهُ وَشَفِقَ عَلَيْهِ، رَعَى حُرْمَتَهُ أَبْقَى مِنَ الطَّعَامِ : تَرَكَ بَعْضَهُ أَبْقَى على الشيء : حَفِظه أَبْقَى من جُهْدِه: ادَّخَرَ بَعْضَه أَبْقَتِ الخيلُ: ادّخرت بعضَ جَرْيها وأَبقت الحَلُوبُ: لم تُعْطِ كُلّ دَرّها وأبقت الأَرْضُ: لم تشرب كل الماء على سطحها ] .

[ وبقى الشيئ ضد فنى فهو باق وهم باقون ] قال تعالى { ولعذاب الآخرة أشد وأبقى – طه 127 } .

وبقى أي دائم ومستقر وثابت على حالة قال تعالى فيما عند الله تعالى  {وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون – القصص60} و قال تعالى في هلاك الظالمين ومنهم قوم عاد وثمود  : { وأنه أهلك عاد الأولى و ثمود فما أبقى– النجم 51 } وهذا عذابهم في الدنيا و أما في الآخرة قال تعالى  {ولعذاب الآخرة أشد وأبقى – طه127} ومن هذا العذاب هنا سقر التي قال تعالى فيها { وماأدراك ما سقر لا تبقي ولا تذر }

و قال تعالى :

{ اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا – البقرة 278} وهنا ما بقى أي مما لا لم يفنى وبقى عليكم تركه .

وأما :

(ولا تذر)

لا تذر : أي لا تبقي شيئاً فتتركهم كهشماً تزروه الرياح قال تعالى {فأصبح هشيماً تزروه الرياح وكان الله على كل شيئ مقتدرا – الكهف45 }  وهذا نفس معنى قوله تعالى هنا عن عذاب الظالمين والكافرين والمشركين والمنافقين في جهنم { وما أدراك ما سقر لا تبقي ولا تذر المدثر} .

(29) لواحة للبشر(29)

وهنا :

(لواحة)

وهنا [ لاحت الشمس أو النار بشرته تلوحها لوحاً : غيرت حرارتها لونها فاسود فهى لائحة ويبالغ في وصف الشمس أو النار باللوح فيقال (لواحة) – معجم ألفاظ القرآن باب اللام فصل الواو والحاء ] قال تعالى { لواحة للبشر } وهذا اللفظ مما ليس له مرادف في القرآن يبينه .

وأما :

(للبشر)

وهنا قال تعالى مبيناً أنه خلق من الطين بشراً في قوله تعالى { وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون – الحجر28 } وهنا أبى إبليس كما في قوله تعالى { قال لم أكن لأسجد لبشرٍ خلقته من صلصال من حمإ مسنون – الحجر33} وبالتالي أصبح إبليس إمام الكفرة والظلمة والمنافقين

و أول من رفض السجود لبشر ورفض نبوته ورسالته وذريته من بعده وإمامة أهل بيت النبي وكل ما يمت للإيمان بالله تعالى بصلة .

وهذا البشر بعث الله تعالى منهم أنبياء ومرسلين وأئمة قال تعالى في نسبهم وصهرهم { وهو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا – الفرقان 54 } .

وهذه البشرية لأنبياء الله ورسله والأئمة من ذريتهم رفضها كفار كل زمن كما في قوله تعالى

{أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ ۚ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ قَالُوا إِنْ أَنتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ – إبراهيم 9-10} وقال تعالى ايضاً : { وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشراَ رسولا – الاسراء94}

وبالتالي كل أمة قالت نفس المقولة  فقالا تعالى عن قوم نوح (عليه السلام) {  فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين – هود 27} وقالوا أيضاً  {  فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشراً مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين – هود27}

و قوم عاد قالوا  في نبي الله هود (عليه السلام)  {  فقالوا أبشراً منا واحدا نتبعه إنا إذا لفي ضلال وسعر – القمر24} وقالوا ايضاً

{ وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة وأترفناهم في الحياة الدنيا ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون – المؤمنون 33}

ومثلهم قال  قوم فرعون {فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون – المؤمنون47}

وكذلك قريشاً قالت نفس أقوال الأمم من قبل سيراً على نهج إبليس  قال تعالى فيهم  { وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون – الانعام91} وقال تعالى ايضاً فيهم { لاهية قلوبهم وأسروا النجوى الذين ظلموا هل هذا إلا بشر مثلكم أفتأتون السحر وأنتم تبصرون – الأنبياء 3 } وقال تعالى أيضاً  فيهم وفي قول قريشاً الأولى  { أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا – اﻹسراء 93}

ولذلك قال تعالى هنا فيما قالوه صراحة مثل ما قالت الأمم من قبل كقوم نوح وعاد وثمود وفرعون { إن هذا إلا قول البشر المدثر 25}

وفي الأئمة من بعد رسول الله كانت الطامة الكبرى في الكذب على رسول الله والتشويش على الأمة الإسلامية بما نشرته قريشاً الأولى من أكاذيب في مناقب الرجال ثم نسبة مناقب أهل البيت (عليهم السلام) إلى غيرهم حتى يقول الإمام أحمد ابن حنبل لأبنه عبد الله إن عليا كان كثير الأعداء … القولة

[اخرج بن الْجَوْزِيِّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ سَأَلْتُ أَبِي مَا تَقُولُ فِي عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ فَأَطْرَقَ ثُمَّ قَالَ اعْلَمْ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ كَثِيرَ الْأَعْدَاءِ فَفَتَّشَ أَعْدَاؤُهُ لَهُ عَيْبًا فَلَمْ يَجِدُوا فَعَمَدُوا إِلَى رَجُلٍ قَدْ حَارَبَهُ فَأَطْرَوْهُ كِيَادًا مِنْهُمْ لِعَلِيٍّ فَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى مَا اخْتَلَقُوهُ لِمُعَاوِيَةَ مِنَ الْفَضَائِلِ مِمَّا لَا أَصْلَ لَهُ وَقَدْ وَرَدَ فِي فَضَائِلِ مُعَاوِيَةَ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ لَكِنْ لَيْسَ فِيهَا مَا يَصِحُّ مِنْ طَرِيقِ الْإِسْنَادِ وَبِذَلِكَ جَزَمَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَالنَّسَائِيّ وَغَيرهمَا وَالله اعْلَم – فتح الباري ج 7 باب ذكر معاوية ] .

<<

 

ولذلك في آخر الزمان عند بروز قريشاً الآخرة رفعوا الصحابة لأعلى من مستوى العصمة بالفعل على الرغم من إنكارهم إيها بالقول في أئمة أهل بيت النبي عند الشيعة في تناقض بين القول والفعل فهم ينكرون العصمة للأمة و مع ذلك فعلياً يقدمون أقوال الصحابة وأولهم الخليفة الثاني عمر في منابرهم وخطبهم ودروسهم الدينية على القرآن والسنة عملياً بل منهم من يروي تأكيداً على أن النبي أخطأ و لم يوافق الوحي في ثلاث مواضع نزل فيها الوحي موافقاً لرأي عمر مخالفاً للنبي صلى الله عليه وآله  في آية نزول الحجاب والأسرى وآية خلق الإنسان من علقة ثم من مضغة في سورة المؤمنين فجاء الخطب عظيما في آخر الأمم لتقتتل حتى الآن وإلى أن يشاء الله تعالى في رفع هذا البلاء عن هذه الأمة وهو قريب إن شاء الله مع بعثة إمام آخر الزمان (عليه السلام) .

ثم يقول تعالى عن جهنم :

(30) عليها تسعة عشر(30)

وهنا :

(عليها)

أي أنه يقول تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ- التحريم 6} وهنا يبين تعالى أن عدد هؤلاء الملائكة تسعة عشر قال تعالى{ عليها تسعة عشر- المدثر 30}

وأما :

(تسعة)

وهنا تسعة عشر رقم مكون من كلمتين تسعة وهى تشير إلى عدد مفسدين في الأرض قال تعالى فيهم { وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في المدينة ولا يصلحون – النمل48} وهذا الرقم إذا أتى به كتاب الله تعالى فهو رقم مقدس ونعتقد أن كل مدينة في كل زمن دائماً يكون المسؤول عن إفسادها تسعة عشر نفر من المجرمين ويتزعمهم تسعة مفسدون في الأرض ولذلك أبواب جهنم هنا تسعة عشر كما في قوله تعالى هنا { عليها تسعة عشر} .

وأما :

(عشر)

قال تعالى { فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة – البقرة 196} وهنا تقسيم الثلاثة والسبعة لا تخرج عن كونها التدرج الهرمي القيادي بين المفسدون في الأرض (9+3+7) .

تعالى في تمام العدد عشرة { قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين – القصص27} .

وبالتالي تسعة عشر هنا ابواب جهنم  وعليها الخزنة كما في قوله تعالى هنا { عليها تسعة عشر}

[لما أنـزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أبو جهل ما حدثني به محمد بن سعد قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ( عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ … ) إلى قوله: ( وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا ) فلما سمع أبو جهل بذلك قال لقريش: ثكلتكم أمهاتكم، أسمع ابن أبي كبشة يخبركم أن خزَنة النار تسعة عشر وانتم الدَّهم، أفيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا برجل من خزنة جهنم؟ فأوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي أبا جهل، فيأخذ بيده في بطحاء مكة فيقول له: أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى فلما فعل ذلك به رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو جهل: والله لا تفعل أنت وربك شيئا، فأخزاه الله يوم بدر.- تفسير الطبري ]

[ من الملائكة هم خزنتها مالك ومعه ثمانية عشر أعينهم كالبرق الخاطف وأنيابهم كالصياصي يخرج لهب النار من أفواههم ما بين منكبي أحدهم مسيرة سنة تسع كف أحدهم مثل ربيعة ومضر نزعت منهم الرحمة يرفع أحدهم سبعين ألفاً فيرميهم حيث أراد من جهنم. وقيل: معناه على سقر تسعة عشر ملكاً وهم خزان سقر وللنار ودركاتها الآخر خزان آخرون. وقيل: إنما خصّوا بهذا العدد ليوافق المخبر الخبر لما جاء به الأنبياء قبله وما كان من الكتب المتقدمة ويكون في ذلك مصلحة للمكلفين. وقال بعضهم في تخصيص هذا العدد: إن تسعة عشر يجمع أكثر القليل من العدد وأقل الكثير منه لأن العدد آحاد وعشرات ومئات وألوف فأقل العشرات عشرة وأكثر الآحاد تسعة. قالوا: ولما نزلت هذه الآية قال أبو جهل لقريش: ثكلتكم أمهاتكم أتسمعون ابن أبي كبشة يخبركم أن خزنة النار تسعة عشر وأنتم الدَّهْم الشجعان أفيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا برجل من خزنة جهنم فقال أبو الأسد الجمحي أنا أكفيكم سبعة عشر عشرة على ظهري وسبعة على بطني فاكفوني أنتم اثنين فنزل { وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة } الآية عن ابن عباس وقتادة والضحاك ومعناه وما جعلنا الموكلين بالنار المتولين تدبيرها إلا ملائكة جعلنا شهوتهم في تعذيب أهل النار ولم نجعلهم من بني آدم كما تعهدون أنتم فتطيقونهم. { وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا } أي لم نجعلهم على هذا العدد إلا محنة وتشديداً في التكليف للذين كفروا نعم الله وجحدوا وحدانيته حتى يتفكروا فيعلموا أن الله سبحانه حكيم لا يفعل إلا ما هو حكمة ويعلموا أنه قادر على أن يزيد في قواهم ما يقدرون به على تعذيب الخلائق ولو راجع الكفار عقولهم لعلموا أن من سلط ملكاً واحداً على كافة بني آدم لقبض أرواحهم فلا يغلبونه قادر على سوق بعضهم إلى النار وجعلهم فيها بتسعة عشر من الملائكة.- تفسير مجمع البيان للطبرسي ] .

ثم يقول تعالى :

(31) وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً ۙ وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا ۙ وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ ۙ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا ۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ۚ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ (31)

[عن البراء في قوله : ( عليها تسعة عشر ) قال إن رهطا من اليهود سألوا رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خزنة جهنم ، فقال : الله ورسوله أعلم ، فجاء رجل فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فنزل عليه ساعتئذ : ( عليها تسعة عشر ) فأخبر أصحابه وقال : ” ادعهم ، أما إني سائلهم عن تربة الجنة إن أتوني ، أما إنها درمكة بيضاء ” ، فجاءوه فسألوه عن خزنة جهنم ، فأهوى بأصابع كفيه مرتين وأمسك الإبهام في الثانية ، ثم قال : ” أخبروني عن تربة الجنة ” ، فقالوا : أخبرهم يا ابن سلام ، فقال : كأنها خبزة بيضاء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” أما إن الخبز إنما يكون من الدرمك ” . هكذا وقع عند ابن أبي حاتم ، عن البراء ، والمشهور عن جابر بن عبد الله ، كما قال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا منده ، حدثنا أحمد بن عبدة ، أخبرنا سفيان ويحيى بن حكيم ، حدثنا سفيان ، عن مجالد ، عن الشعبي ، عن جابر بن عبد الله قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد ، غلب أصحابك اليوم ، فقال : ” بأي شيء؟ ” قال : سألتهم يهود : هل أعلمكم نبيكم عدة خزنة أهل النار ؟ قالوا : لا نعلم حتى نسأل نبينا صلى الله عليه وسلم . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” أفغلب قوم سئلوا عما لا يدرون فقالوا : لا ندري حتى نسأل نبينا ؟ علي بأعداء الله ، لكن سألوا نبيهم أن يريهم الله جهرة ” ، فأرسل إليهم فدعاهم . قالوا : يا أبا القاسم ، كم عدد خزنة أهل النار ؟ قال : ” هكذا ” ، وطبق كفيه ، ثم طبق كفيه ، مرتين ، وعقد واحدة ، وقال لأصحابه : ” إن سئلتم عن تربة الجنة فهي الدرمك ” ، فلما سألوه فأخبرهم بعدة خزنة أهل النار ، قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ما تربة الجنة؟ ” فنظر بعضهم إلى بعض ، فقالوا : خبزة يا أبا القاسم ، فقال : ” الخبز من الدرمك ” – تفسير ابن كثير ] .

وهنا :

(وماجعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وماجعلنا عدتهم)

أي أنه يقول تعالى ما جعل الله تعالى أصحاب النار وهم الملائكة كما في قوله تعالى هنا { وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً – المدثر 31}  ويبن تعالى أنه جعل عدتهم فتنة للذين كفروا كما في قوله تعالى : { وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا ۙ وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ ۙ } .

وأما :

(أصحاب النار)

{وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار – غافر 6 }

{ لا جرم أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة وأن مردنا إلى الله وأن المسرفين هم أصحاب النار – غافر 43} وأصحاب النار هنا لها مملائكة قال تعالى فيهم { وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً ۙ وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا- المدثر 31 }

وأما :

(إلا ملائكة)

وهذه الملائكة قال تعالى فيهم { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ – التحريم 6} وهذه الملائكة جعل الله تعالى عدتهم تسعة عشر وهذا العدد جعله الله تعالى فتنة للذين كفروا من قريش وغيرهم قال { سَأُصْلِيهِ سَقَرَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ  عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً ۙ وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا .فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا ۙ- المدصر 30-31} وجهنم هذه لها خازن اسمه مالك عليه السلام كما في قوله تعالى { ونادوا يامالك ليقضي علينا ربك قال إنكم ماكثون – الزخرف 77}

وأما :

(وما جعلنا عدتهم)

وعدتهم من العدد وقيل إنها مصدر وجمعها عدد وعدة المرأة ما تعده من أيام  قال تعالى { فإذا طلقم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة – الطلاق 1 } والعدة هنا عدد خزنة جهنم  والتي جعلها الله فتنة للذين كفروا كما في قوله تعالى { وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا }.

وأما :

(فتنة)

والفتنة هنا اختبار قال تعالى {واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم – الأنفال28} ومن الفتن التي ستستمر بين المسلمين فتنة بنو أمية وما نزل فيهم من قوله تعالى

{وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا –الإسراء 60}

[أخرج ابن جرير، عن قتادة – رضي الله عنه – { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس } يقول: أراه من الآيات والعبر في مسيره إلى بيت المقدس. ذكر لنا أن ناساً ارتدوا بعد إسلامهم حين حدثهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بمسيره أنكروا ذلك، وكذبوا به، وعجبوا منه، وقالوا أتحدثنا أنك سرت مسيرة شهرين في ليلة واحدة!.

وأخرج ابن جرير، عن سهل بن سعد – رضي الله عنه – قال: رأى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بني فلان ينزون على منبره نزو القردة، فساءه ذلك، فما استجمع ضاحكاً حتى مات، وأنزل الله { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس }.

وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عمر رضي الله عنهما – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” رأيت ولد الحكم بن أبي العاص على المنابر كأنهم القردة، وأنزل الله في ذلك { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة } يعني الحكم وولده “.

وأخرج ابن أبي حاتم، عن يعلى بن مرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” أريت بني أمية على منابر الأرض، وسيتملكونكم، فتجدونهم أرباب سوء ” واهتم رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك: فأنزل الله { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس }.

وأخرج ابن مردويه، عن الحسن بن علي رضي الله عنهما – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم – أصبح وهو مهموم، فقيل: مالك يا رسول الله؟ فقال: ” إني أريت في المنام كأن بني أمية يتعاورون منبري هذا ” فقيل: يا رسول الله، لا تهتهم فإنها دنيا تنالهم. فأنزل الله: { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس }.

وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل وابن عساكر، عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني أمية على المنابر فساءه ذلك، فأوحى الله إليه: ” إنما هي دنيا أعطوها ” ، فقرت عينه وهي قوله: { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس } يعني بلاء للناس.
وأخرج ابن مردويه، ” عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لمروان بن الحكم: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: لأبيك وجدك ” إنكم الشجرة الملعونة في القرآن  “.

وأخرج ابن جرير وابن مردويه، عن ابن عباس – رضي الله عنهما في قوله: { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك } الآية. قال: إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أري أنه دخل مكة هو وأصحابه، وهو يومئذ بالمدينة، فسار إلى مكة قبل الأجل، فرده المشركون، فقال أناس قدْ رُدَّ وكان حدثنا أنه سيدخلها، فكانت رجعته فتنتهم.- تفسير الدر المنثور ] ومن هؤلاء الذين يبغون الفتنة منافقون قال تعالى فيهم وفيما نشروه من أكاذيب على النبي صلى الله عليه وآله تسببت في أكبر فتنة بين المسلمين { لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين – التوبة47} وهذه الفتنة تعاظمت بعد موت النبي صلى الله عليه وآله لقوله تعالى { سورةآل عمران – وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين – آل عمران144} .

وهذه الفتنة يضل الله تعالى بها من يشاء ويهدي بها من يشاءكما قال سيدنا موسى في قومه عليه السلام {  إِنْ هِيَ إِلا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ – الأعراف 155} .

وأما :

( للذين كفروا) 

هم قريش لقوله تعالى فيهم { وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين –سبأ31 }

{ وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون – فصلت26 }

وهؤلاء طانوا يستهزؤون برسول الله صلى الله عليه وآله كما في قوله تعالى { وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ – الأنبياء36}

وهؤلاء دبروا محاولات عدة لقتل النبي صلى الله عليه وآله ثم قتلوا أهل بيت النبي عيليهم السلام وكل مؤمن يتربصون به إلى أن يشاء الله  كما في قوله تعالى عن النبي صلى الله عليه وآله { وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين – الأنفال 30 } ومحاولاتهم قتل المؤمنين وكراهيتهم سماع القرآن الكريم ومنهم من يقدم أراء وأهواء العلماءعلى القرآن الكريم كما في قوله تعالى { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ ۖ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ۗ قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَٰلِكُمُ ۗ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ- الحج 72 }

والذين كفروا كل من لا يتحاكم لكتاب الله تعالى كما في قوله عز وجل ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولائك هم الكافرون – المائدة}

ومنهم هؤلاء المنافقين الذين قال تعالى فيهم { يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم – المائدة 41} .

وأما :

(ليستيقن)

[ اليقين : التثبت والوضوح ] قال تعالى { وما قتلوه يقينا – النساء 107} ويقال [ اليقين : للعلم الذي انتفت عنه الشكوك والشبه ] قال تعالى { كلا لو تعلمون علم اليقين لتروون الجحيم – التكاثر 5} والمعنى هنا { ليستيقن الذين اوتو الكتاب} أي يتثبتون أن ما يقوله الحق ومانزل عليه من قرآن هو الحق .

ولكن القرآن يبين أنهم سيجحدون بآيات الله كما  قال تعالى عن فرعون من قبل وملئه { وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم – النمل 14} .

وأما :

(أهل الكتاب) 

وأهل الكتاب هى الأمم التي نزل فيها كتب الله من قبل وهى التوراة والإنجيل قال تعالى { يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين – المائدة 15} ثم يبين تعالى أن الكثير منهم سينكر ذلك وسيكفرون بدعوته كما في قوله تعالى { يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شيء قدير – المائدة19} وعلى الرغم من كفرهم إلا أنهم يعلمون أنه الحق من ربهم قال تعالى {و الذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق – الأنعام 114 } .

يبين تعالى أن هؤلاء وكفار قريش وغيرهم ممن رفضوا دين الله تعالى وإمامة أهل بيته عليهم السلام ماكان ذلك إلا حسداً من عند أنفسهم قال تعالى {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما –النساء 54} ولذلك توحدت جهود كل هؤلاء ضد النبي صلى الله عليه وصحابته وأهل بيته ومن آمن به في غزوة الأحزاب وهكذا سيتحالفون في الحرب على أهل بيت النبي والأئمة آخر الزمان لذلك بين تعالى أنهم إخوة في الكفر بالله تعالى { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُوا لَا يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ – الحشر 11-13} .

وأما :

(ويزداد الذين آمنوا إيمانا)

وهنا يبين تعالى أن هؤلاء هم الذين آمنوا بالله تعالى فزادهم الله تعالى هدى وإيماناً وفضلاً قال تعالى { وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا – مريم76 }

وقال تعالى: { فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا – النساء 173}

وهؤلاء انزل الله تعالى السكينة في قلوبهم كما في قوله تعالى {هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما – الفتح4}

وعلى ذلك هؤلاء المؤمنون ازدادوا إيماناً مع إيمانهم بتصديقهم آيات الله تعالى { ويزداد الذين آمنوا إيمانا ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون- المدثر31 } وأما الذين مفروا فقالوا أيكم زادته هذه إيمانا قال تعالى { إِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَٰذِهِ إِيمَانًا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وهم يستبشرون – التوبة 124}

وأما :

(ولا يرتاب)

[ والريب : الشك ] قال تعالى { ذلك الكتاب لا ريب فيه – البقرة}  ويبين تعالى أنهم لما نزل القرآن الكريم ارتاب الكفار والمنافقون كما ارتابت الأمم من قبل في كتب ربهم ورسله لما بعثهم الله تعالى إليهم قال تعالى { ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب – ابراهيم 9 } ولذلك قال تعالى في قريش { أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون – الطور30} وعن لمنافقين المترددين المرتابين الذين استأذنوه وتركوا الجهاد في سبيل الله تعالى كما في قوله تعالى { إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون- التوبة45 } .وهنايبين تعالى أن عدتهم جعلها الله تعالى فتنة للذين كفروا وحتى لا يرتاب الذين أوتوا الكتاب لعلمهم بهذا الأمر في كتبهم لذلك قال تعالى هنا في القرآن الكريم أن فيه تفاصيل أكثر حتى لا يرتابوا قال تعالى هنا { ويزداد الذين آمنوا إيمانا ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون- المدثر31 } .

وأما :

(الذين أوتوا الكتاب)

أي حتى لا يرتاب الذين أوتوا الكتاب قال تعالى { ليستيقن الذين أوتوا الكتاب} وليزدادوا إيمانا ويقيناً قال تعالى { ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون- المدثر31 } .وذلك لتوافق القرآن الكريم مع مانزل على أنبيائهم من قبل كتبهم وزيادة .

وأما :

(والمؤمنون)

المؤمنون هم الذين آمنوا بالله تعالى ورسله وكتبه واليوم الآخر وهؤلاء هم المتقون الذين قال تعالى فيهم { ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛفِيهِ ۛهُدًى لِّلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ –البقرة 2-5} .

وأما :

( وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون)

وهؤلاء هم الذين لم يصدقوا كتاب الله تعالى ورسوله في وعده ووعيده قال تعالى { وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا – الأحزاب 12}

{ إِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَٰذِهِ إِيمَانًا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَىٰ رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ  وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُم مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُوا ۚ صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ – التوبة124-127} .

وجاء من بعدهم الخلف المنافق الذين يقولون بأفواههم ماليس في قلوبهم كما في قوله تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشْعُرُونَ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ ۗ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَٰكِن لَّا يَعْلَمُونَ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ – البقرة 8-16}

والآية هنا تبين تخطيط قريشاً في مرحلة متقدمة لدس العيون ومن يعلنون إسلامهم نفاقاً لينقلوا إليهم كل أخبار النبي صلى الله عليهوآله والمؤمنين فبعد أن نزل في أوائل الدعوة إلى الله تعالى { إنه فكر وقدر فقتل كيف قدر ثم نظر ثم عبس وبسر } بعد ذلك جاءت مرحلة الجواسيس التي قال تعالى فيها {   وإذا جاءوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به والله أعلم بما كانوا يكتمون – المائدة61} وقال تعالى ايضاً { ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول والله يكتب ما يبيتون فأعرض عنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا – النساء 81 } وهؤلاء هم المنافقون والذين في قلوبهم مرض .

وأما :

( والكافرون)

هؤلاء هنا هم الذين قالوا آمنا بافواههم ولم تؤمن قلوبهم وقال تعالى فيهم {يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم – المائدة 41 } .

وأما :

(وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا)

وهذه الآيات تبين دائما تعجب الكافرين لما يضربه الله تعالى من أمثال كقوله تعالى { إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۖ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا ۘ يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ۚ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ – البقرة 26-27} وهنا لما ذكر الله تعالى عدد خزنة جهنم التسعة عشر قالوا أيضا { ماذا أراد الله بهذا مثلا }

وأما :

(كذلك )

ورد هذا اللفظ في قوله تعالى { كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون – البقرة 266} فإذا بين الله تعالى لهم الآيات بعدها يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء . ولا يضل إلا من هو مسرف كافر بآيات الله مرتاب قال تعالى { كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب- غافر34}

وأما :

(يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء )

قال تعالى هنا { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ – إبراهيم 4 } وهنا يرفضون آيات الله المتلوه المنزلة في كتب الله ويطلبون معجزات جدلاً  ولذلك قال تعالى بعدما سمعوا آيات الله تتلى عليهم { ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب- الرعد27} وهؤلاء زين لهم الشيطان أعمالهم كما في قوله تعالى { أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون – فاطر 8}

 

وهؤلاء يضلهم الله تعالى بفسقهم وخروجهم على طاعة الله تعالى ورسوله قال عز وجل { وما يضل به إلا الفاسقين – الحج} وذلك الضلال لأنهم اتخذوا الشياطين أولياء قال تعالى { فَرِيقًا هَدَىٰ وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ ۗ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ – الاعراف30} ثم يبين تعالى أنه لو شاء لجعل الناس أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء قال تعالى {ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسألن عما كنتم تعملون – النحل 93} .

وأما :

(ويهدي من يشاء)

يبين تعالى أنهبعث كل رسول بلسان قومه ليبين لهم قال تعالى { وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم – إبراهيم 4}

والهداية هنا تكون بكتاب الله تعالى الذي قال تعالى فيه   { هذا هدى – الجاثية }  والهدى فيه آيات بينات بلسان هذه الأمة كما بينا ولقوله تعالى{ لقد أنزلنا آيات مبينات والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم – النور46}

وطاعة رسول الله صلى الله عليه وآله فيها الهدى كما في قوله تعالى { قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ – النور54 } ومن أراد الله تعالى له الهداية هداه لولايته تعالى وورلاية رسوله صلى الله عليه وأهل بيته عليسهم السلام لقوله تعالى فيهم { إنما أنت منذر ولكل قوم هاد – الرعد } [ يقول ابن عباس لما نزلت هذه الآية : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أنا المنذر وعلي الهادي من بعدي وضرب بيده على صدر علي فقال أنت الهادي بعدي ياعلي بك يهتدي المهتدون – شواهد التنزيل ج1 ص 381-382 & الطبري ج13 ص 108 & الدر المنثور ج4 ص45 ] .

وفي إمام آخر الزمان يقول تعالى { .قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ – يونس 35}  وهذا هو الطريق المستقيم الذي قال تعالى فيه {والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم – يونس 25}

ومن أراد الله تعالى له الهداية هداه عز وجل لما ختلف فيه الناس إلى ولاية الله الحق قال تعالى : { كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم – البقرة 213}

وهذه الهداية نه قال تعالى { يهدي من يشاء } أي ليس عليك هداهم كما في قوله تعالى

{ ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون –البقرة 272}

ويقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وىله إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء قال تعالى { إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين – القصص 56 }

وكما أن الله يهدي من يشاء كذلك يضل الله من يشاء ممن تركوا العمل بكتاب ربهم فقيض الله تعالى لهم قرناء شياطين زينت لهم أعمالهم و قال تعالى فيهم لذلك { أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون – فاطر 8 }

وأما :

( مايعلم )

وهنا مايعلم جنود ربك أي لا يعلمهم كما في قوله تعالى عن عدةأهل الكهف مثلاً {   قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا – الكهف 22} .

وأما :

(جنود ربك إلا هو)

يقول تعالى هنا عن جنوده تعالى { ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عزيزا حكيما – الفتح 7} وقال تعالى أيضاً { هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما – الفتح 4} وهذه الجنود لا يعلمها إلا الله تعالى كما في قوله تعالى هنا { وما يعلم جنود ربك إلا هو}.

وأما :

(إلا هو)

أي أنه يقول تعالى { إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما – طه98} ومن علمه تعالى جنوده قال تعالى { وما يعلم جنود ربك إلا هو} .

وأما :

(وماهى إلا ذكرى)

والذكرى تكون في كتاب الله تعالى لقوله عز وجل { كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين –الأعراف 2} .

والذكرى تأتي على رسول الله صلى الله علي وآله قال تعالى {فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا ۚ قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا رَّسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا – الطلاق10-11} .

وتأت الذكرى في سياق آيات بسورة الأنعام تبين أن الإمامة والقيادة في أهل بيت النبي محمد صلى الله عليه وآله البقية الباقية من ذرية أنبياء الله تعالى قال تعالى بعد ذكر أنبياء الله تعالى في القرآن الكريم { وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ ۖ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۚ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ۚ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَٰؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ۗ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ – الأنعام 87-90} .

ومن شاء أن يستقيم فليطع الله تعالى ورسوله ويتولى الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام كما أمر الله تعالى وقال في ذلك {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ – التكوير 27-29} .ثم يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله والمؤمنين أن يذكروا المؤمنين لأنها تنفعهم لتصديقهم بآيات الله تعالى كما في قوله تعالى { وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين – الذاريات 55} وقال تعاللقاء الله بالعمل الصالح ل ذلى إن نفعت الذكرى فذكر كما في قوله تعالى  { فذكر إن نفعت الذكرى– الأعلى 9 } . وأطلق الله تعالى على كتابه الكريم ذكرى لأن البشر سينسون في الدنيا الحساب والعقاب والإستعداد لذلك سيتذكر حينها وأنى له الذكرى كما في قوله تعالى  {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى يقول ياليتني قدمت لحياتي– الفجر 23-24 } .

وأما :

(للبشر)

والبشر أولهم نبي الله آدم كما في قوله تعالى { وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى – ص 23}

وهذا النبي قال تعالى في الأنبياء من ذريته {إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين – آل عمران } وهؤلاء الأنبياء قال تعالى فيهم وفي بني آدم {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَ%B