استغرق تشكيل حكومة في العراق نحو سنة منذ الانتخابات البرلمانية التي فاز فيها تيار الزعيم الشيعي “مقتدى الصدر” بأكثر المقاعد، وبالرغم من ذلك لم يلعب الصدريون أي دور في اختيار الرئيس أو رئيس الوزراء الجديد الأسبوع الماضي.

ويعني عدم مشاركة الصدريين أن الحكومة الجديدة تفتقر إلى الاستقرار وجزء من الشرعية، مما لا يبشر بخير فيما يتعلق بمستقبل الوضع الأمني في العراق.

أُجريت الانتخابات في العام الماضي وسط مطالب من حركة الاحتجاج التي ظهرت في أكتوبر/تشرين الأول 2019 ضد الفساد الحكومي وشبكات المحسوبية الطائفية.

لكن الحكومة الجديدة تمثل استمرارًا وانتصارًا للنخب الإثنية والطائفية، والتي سيتعين عليها التخفيف من الأزمات المعقدة التي تواجه العراق.

وألقت “حركة تشرين” باللوم على نخب البلاد في الفساد والبطالة وتدهور الخدمات بما في ذلك المياه والكهرباء.

وأدت الاحتجاجات في ديسمبر/كانون الأول 2019 لاستقالة رئيس الوزراء “عادل عبد المهدي”، وتشكيل حكومة مؤقتة حتى انتخابات أكتوبر/تشرين الأول الماضي التي تنافس فيها 3200 مرشحًا على 329 مقعدًا برلمانيًا.

وأشار انخفاض نسبة إقبال الناخبين (نحو 41%) إلى حالة الإحباط العامة.

وفازت كتلة “الصدر” بـ 73 مقعدًا، ارتفاعًا من 54 مقعدًا قبل 3 سنوات.

وقد فازوا بسبب تنظيمهم والتعبئة الفعالة، بما في ذلك تطبيق الهاتف المحمول الذي أعطى الناخبين اسم مرشح “الصدر” في دائرتهم الانتخابية، وأقرب مركز اقتراع لهم، ومعلومات حول الوثائق اللازمة للتصويت.

 

 

اللاعبون الرئيسيون

وجاء رئيس البرلمان العراقي “محمد الحلبوسي”، الذي قاد تحالف “التقدم” السني، في المرتبة الثانية بـ 38 مقعدًا، كما فاز “الحزب الديمقراطي الكردستاني” بقيادة “مسعود بارزاني” في المناطق التي تتركز حول إربيل، وحصل على 32 مقعدًا.

وشكّل الطرفان تحالفًا مع الصدريين، في محاولة لضمان أن يكونوا لاعبين رئيسيين في تشكيل حكومة جديدة.

أما الخاسرون، فقد تضمنوا تحالف “الفتح”، الذي كان يضم مرشحين من الميليشيات العراقية المدعومة من إيران، حيث تراجع إلى 14 مقعدًا، أيّ أقل من ثلث ما حصل عليه في عام 2018.

أما تحالف “دولة القانون” بقيادة رئيس الوزراء السابق “نوري المالكي” فقد كان أداؤه جيدًا، وحصل على المركز الثالث مع 37 مقعدًا، لكنه لم يتمكن من تشكيل تحالف مع الصدريين، بالنظر إلى عدائهم التاريخي.

وكان لدى “الصدريين” و”التقدم” و”الحزب الديمقراطي الكردستاني” ما مجموعه 143 مقعدًا، أي أقل من العدد اللازم لتشكيل أغلبية، وكان منافسوهم قادرين على التعاون لمنعهم من تشكيل حكومة.

وفي الماضي، تم توزيع الحقائب الوزارية على الفصائل الشيعية بناءً على أدائها الانتخابي.

ونظرًا لأن تحالف “الصدر” لم يستطع تشكيل الأغلبية، فقد كان من المتوقع أن يعطي حقائب في مجلس الوزراء لفصائل شيعية منافسة، لكنه سعى إلى استبعاد “المالكي” والجماعات المتحالفة مع إيران من الحكومة، مما أجبرهم على أن يكونوا معارضين له.

وانضم “هادي العامري” و”نوري المالكي” إلى عدد من المجموعات الأخرى في فصيل جديد يسمى “الإطار التنسيقي”، وأعاقوا محاولات “الصدر” لتشكيل حكومة، مما دفع “الصدر” لإصدار أمر إلى نواب تياره بالاستقالة من البرلمان، لكن هذا الأمر حوّل التوازن في النهاية لصالح منافسيه.

وكجزء من صفقة بين الفصائل الكردية والشيعية، تم ترشيح “عبد اللطيف رشيد” للرئاسة، وانتخبه البرلمان رسمياً الأسبوع الماضي، وقد كلف بعد ذلك “محمد السوداني” بتشكيل حكومة.

 

 

أزمات متقاطعة

ما سيحدث الآن هو العودة إلى السياسة التوافقية وتخصيص أفضل المناصب الوزارية للمنتصرين، وهم في هذه الحالة “الإطار التنسيقي”.

لكن المتظاهرين احتشدوا في عام 2019 ضد هذا النظام بالذات وضد المشاكل المتعلقة بالفساد والنفوذ الإيراني في البلاد.

ومع ذلك، فإن تشكيل الحكومة الأخيرة يشير إلى استمرار نخب عصر ما بعد عام 2003 والتي تسعى إلى الحفاظ على الوضع الراهن.

وبدون “الصدر”، ستفتقر الحكومة الجديدة إلى شرعية واسعة.

ويأتي ذلك في وقت سيتعين فيه على رئيس الوزراء الجديد ووزرائه التعامل مع الأزمات المحلية والتوترات الإقليمية، والتي ستتطلب موازنة بين الولايات المتحدة والفصائل الموالية لإيران.

أما على الجبهة الاقتصادية، فسيتمتع العراق بعائدات النفط بسبب اتفاق “أوبك+” الأخير، ولكن نظرًا للفساد الراسخ، فلن يترجم هذا بالضرورة إلى خلق فرص العمل للشعب أو تحسينات للبنية التحتية.

وكان “عبد اللطيف رشيد” وزيراً سابقًا للمياه بينما كان “السوداني” وزيراً سابقًا للزراعة.

ومن المفترض أن هذا المزيج يجعل كلا الشخصين مؤهلين للتعامل مع الأزمة البيئية غير المسبوقة في العراق، بما في ذلك العواصف الرملية المكثفة وجفاف البحيرات والخزانات. لكن الفساد المستشري سيجعل حل هذه الأزمات أمرا شديد الصعوبة.

وخرج العراق للتو من صيف حار دون وجود حكومة لمعالجة الفشل المستوطن في الخدمات الأساسية.

والآن، قد يواجه موجة جديدة من الاحتجاجات بتحريض من حركة “تشرين” ودعم من الصدريين الذين جري تهميشهم من المشهد السياسي العراقي.

كانت ذروة الاحتجاجات في أكتوبر/تشرين الأول 2019، وأجريت الانتخابات المبكرة في أكتوبر/تشرين الأول 2021، وجرى تعيين رئيس للبلاد وتشكيل الحكومة في أكتوبر/تشرين الأول 2022.

وهكذا يبدو أن السياسة في العراق مرت خلال السنوات الثلاث الماضية في شهور أكتوبر عبر دائرة قد تعيدها لنقطة الصفر مجددا.

المصدر | إبراهيم المراشي/ ميدل إيست آي – ترجمة وتحرير الخليج الجديد