كشف تحقيقان صادمان من “واشنطن بوست” و”مشروع مراقبة الحكومة” أن المئات من قدامى المحاربين الأمريكيين، بمن فيهم الجنرالات السابقين وغيرهم من الضباط رفيعي المستوى، يتكسبون بخبرتهم الحكومية من خلال العمل لصالح الدول الأجنبية.

وبحسب التحقيقين، فإن الغالبية العظمى من هؤلاء يعملون لصالح دول في الشرق الأوسط الذي شهد حروبا خاضها الجيش الأمريكي في العقود الأخيرة. وعلى وجه الخصوص، عمل معظم هؤلاء لصالح الإمارات والسعودية رغم السجل المروع لهما في مجال حقوق الإنسان دخل البلاد وخارجها.

والجدير بالذكر أن الجنرال البحري المتقاعد “جيم ماتيس” خدم كمستشار عسكري للإمارات في عام 2015 قبل أن يعود إلى الحكومة للأمريكية كوزير للدفاع. وعمل 15 جنرالا وأدميرالا سابقين مباشرة مع ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” الذي أطلق الحرب الوحشية التي تقودها بلاده في اليمن.

وبدأ الجنرال البحري المتقاعد “جيمس ل. جونز”، الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي للرئيس “باراك أوباما”، العمل مع “بن سلمان” في عام 2017 عندما طلب منه إجراء “تقييم تنظيمي” للجيش السعودي، واستعان “جونز” بـ10 من كبار مسؤولي البنتاجون السابقين، بمن فيهم “ويليام س. كوهين”، الذي شغل منصب وزير الدفاع في إدارة بل كلينتون”، وفقًا لما ذكرته صحيفة “واشنطن بوست”.

ويثير ذلك تساؤلات حول تأثير الوظائف ذات الرواتب السخية بعد التقاعد على عملية صنع القرار في القيادة العسكرية الأمريكية، مع العلم أن الأجر الأساسي لأفضل الجنرالات في الولايات المتحدة يبلغ حوالي 200 ألف دولار في السنة، فيما يحصل معظم هؤلاء على رواتب أكثر من ذلك بكثير عند العمل لصالح الحكومات الأجنبية.

وكما أشارت صحيفة “واشنطن بوست”، فإن بعض الضباط تفاوضوا على وظائف مع الحكومات الأجنبية بينما كانوا لا يزالون في الخدمة الفعلية، فيما عمل البعض الآخر في البلدان التي تمركزوا فيها أثناء الخدمة الفعلية.

 

 

ثغرة تسمح بالتملص

تستند التحقيقات إلى مجموعة من المستندات التي حصل عليها “مشروع مراقبة الحكومة” و”واشنطن بوست” من البنتاجون في زوج من الدعاوى القضائية.

وبالنظر إلى أنه يمكن استدعاء الجنود والضباط السابقين للخدمة في أي وقت، لا يُسمح لهم بتلقي أي شيء ذي قيمة من حكومة أجنبية، مثل جميع الضباط والجنود المنخرطين في الخدمة. ولكن في عام 1977، منح الكونجرس البنتاجون ووزارة الخارجية حق إصدار إعفاءات لهذه القاعدة.

وبالرغم أن السلطة التنفيذية يمكن أن ترفض طلبات الإعفاءات لأسباب عديدة، فقد تمت الموافقة على 95% منها منذ عام 2015؛ مما يعني أن العملية مجرد موافقة روتينية. ووجدت “واشنطن بوست” العشرات من المتقاعدين على موقع “لينكد إن” يقولون إنهم شغلوا وظائف متعاقدين عسكريين في الخليج، ولكن لا يوجد سجل للموافقة الفيدرالية، ويعني ذلك أن العديد من المحاربين القدامى لا يطلبون الإذن من الأساس.

وبشكل عام، تكشف الوثائق أن المحاربين القدامى سمح لهم بالعمل لصالح ما لا يقل عن 50 حكومة أجنبية، وبالإضافة إلى دول الشرق الأوسط، يشمل ذلك سنغافورة وإندونيسيا والمملكة المتحدة وجورجيا وجيبوتي وأستراليا.

ويعني ذلك أن الضباط المتقاعدين يحصلون على رواتب سخية للغاية من الخارج، بينما يحصلون على معاشات تقاعدية أموال من دافعي الضرائب في الولايات المتحدة.

 

 

مخاوف جدية

ومن اللافت أن متعاقدي الدفاع الأمريكيين أصبحوا أكثر انخراطًا في الشركات الصناعية العسكرية في الدول الأجنبية. وكما ذكر التحقيق، فتحت شركة “نورثروب جرومان” مشروعا مشتركا مع شركة “بيلدرز” السعودية تحت اسم شركة “فينيل العربية”، وتوظف الشركة مئات الأمريكيين لأغراض عسكرية وأمنية عديدة بما في ذلك تدريب الحرس الوطني السعودي.

ويضيف هذا الكشف إلى المخاوف بشأن تعاظم نفوذ الدول الأجنبية، بما في ذلك الكثير من الحكومات الاستبدادية، على المؤسسات الأمريكية.

وفي الشهر الماضي، ذكر موقع “ريسبونسبل ستيتكرافت” الأمريكي أن السناتور السابق “نورم كوليمان” (جامع تبرعات رائد للجمهوريين) يعمل حاليا في لوبي لصالح السعودية.

ووجد تحقيق آخر مؤخرا أن العشرات من المسؤولين السابقين، بمن فيهم العديد من أعضاء الكونجرس السابقين، أصبحوا يعملون في جماعات ضغط لصالح الأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط، بما في ذلك السعودية والإمارات والبحرين ومصر.

علاوة على ذلك، استقال الجنرال البحري المتقاعد “جون آر ألين” من منصب رئيس مؤسسة بروكينجز في يونيو/حزيران الماضي بعد أن كشفت الأخبار أن السلطات الفيدرالية تعتقد أنه عمل في لوبي لصالح قطر بشكل غير قانوني.

ومن أجل معالجة هذه المشكلات، قدم بعض أعضاء الكونجرس تشريعا جديدا يُعرف باسم “قانون مكافحة النفوذ الأجنبي”. ويجبر القانون، في حال إقراره، المؤسسات الفكرية وغيرها من المنظمات المعفاة من الضرائب على الكشف عن تفاصيل ما تحصل عليه من الحكومات الأجنبية.

كما سيفرض حظرا مدى الحياة على كبار العسكريين الأمريكيين السابقين والرؤساء ونواب الرئيس وكبار مسؤولي الفرع التنفيذي الآخرين وأعضاء الكونجرس. بمعنى أن هؤلاء لن يتمكنوا من العمل في جماعات ضغط لصالح دول أجنبية.

ومع ذلك، فإن مشروع القانون لن يمنع السلوك الذي تم الكشف عنه في التحقيقات الأخيرة بالنظر إلى أن العمل كمتعاقد عسكري في دولة أجنبية لا يجري تصنيفه تحت بند أنشطة جماعات الضغط.

المصدر | كونور كولس/ ريسبونسبل ستيتكرافت – ترجمة وتحرير الخليج الجديد