ذكرى إغراق المدمرة إيلات أول صفعة على وجه إسرائيل في حرب الاستنزاف

لم تمر سوى بضعة أشهر على حرب الخامس من يونيو/حزيران 1967 -المعروفة في مصر بالنكسة والتي غيرت الجغرافيا العربية منذ ذلك الحين- حتى ردت البحرية المصرية على الاحتلال الإسرائيلي بضربة موجعة كان لها صدى عالميا واسعا، ومثّلت نقطة مهمة في مسار الصراع العربي الإسرائيلي.

 

وفي يوم 21 أكتوبر/تشرين الأول 1967، دمّرت البحرية المصرية بواسطة صاروخين بحريين المدمرة الإسرائيلية “إيلات”، إحدى أقوى القطع الحربية الإسرائيلية آنذاك، والتي لا يزال حطامها يرقد في قاع البحر المتوسط، قبالة سواحل محافظة بورسعيد، وسبق أن اقترح عسكريون إمكانية استخراجها وتحويلها إلى متحف حربي.

 

كانت العملية “إيلات” مرحلة جديدة من مراحل تطوير الأسلحة البحرية والقتال البحري في العالم، وأصبح هذا اليوم عيدا للبحرية المصرية، وفق ما قاله في مذكراته المشير محمد عبد الغني الجمسي، آخر وزراء الحربية (الدفاع حاليا) في مصر، ورئيس هيئة العمليات إبان حرب 1973 بين مصر وإسرائيل.

 

في 21 أكتوبر 1967 بعد أربع أشهر من نكسة 67، تمت عملية المدمرة “إيلات” وهي أكبر مدمرة في أسطول إسرائيل؛ حيث تم إغراق المدمرة البحرية الإسرائيلية “إيلات” بعد قيام القوات البحرية المصرية بإغراقها في البحر الأبيض المتوسط أمام مدينة بورسعيد.

وكما تم نشره في جريدة الجمهورية في 22 أكتوبر 1967، فقد أثار غرق المدمرة “إيلات – 40” صدمة بالغة في إسرائيل وقال المسئولون فيها إنهم لم يتخيلوا هذه المهارة العربية الفائقة في إطلاق الصواريخ وتساءلوا عما حدث!

والإجابة على هذا التساؤل، أن الزورقين اللذين أغرقا المدمرة هما من بين قطع حديثة من لنشات الصواريخ التي تمتاز بسرعة خارقة، وتعمل بعقول إلكترونية وهي عقول لا تخطيء الحساب أو التقدير أبدًا.

فهي تقوم بتحديد مكان الهدف ثم تطلق عليه الصاروخ وفي نفس الوقت تتابع خط سيره إلى حد التحكم وتقوم بمطاردة الهدف إلى أن تصيبه تمامًا.

صاروخ سري جدًا

وصرح في تل أبيب البريجادير جنرال “شلومو إيريل” قائد البحرية الإسرائيلية في هذا الوقت أن المصريين استخدموا صاروخًا سوفيتيا سريًا رأسه يزن طنًا لإغراق المدمرة إيلات، وأن المدمرة تحولت إلى كتلة من النيران والصلب الملتوي.

وقال ايريل أيضًا أن الهجوم كان مفاجئًا وأن طاقم المدمرة لم يكن لديه وقت إلا للبدء في زيادة السرعة والاستدارة ولفتح النيران بخمسين مدفعًا على الصاروخ الأول عندما رأوه قادمًا، ولكن الصاروخ الثاني أصابها في مقتل.

كيف غرقت إيلات ؟

روى الناجون من المدمرة الغارقة “إيلات” التفاصيل الكاملة للمعركة وقال أحد الناجين إن صاروخًا أخضر شق طريقه عبر الضباب الأبيض الذي كان يغطي بورسعيد في الساعة الخامسة والنصف وافلتت آلة التنبيه في المدمرة وأخذ البحارة مراكزهم استعدادًا للمعركة، وأتخذ القبطان موقفًا للتأهب ثم أطلقت المدافع نيرانها الثقيلة، وبعد 20 ثانية أصيبت المدمرة واهتزت السفينة كما لو كانت قد اصطدمت بحائط حجري.

ووصف أحد الناجين لحظات الغرق فقال إنه لم يكن يسمع غير صيحات الجرحى وصوت النيران، بينما تحولت السفينة إلى قطع من قطع الجحيم.

وذكر الناجون أن الأوامر صدرت إلى الجميع بالصعود إلى سطح المدمرة وإحضار الجرحى استعدادًا لمغادرتها وعندما شرع البحارة في إنزال قوارب النجاة لم يجدوا غير ثلاثة قوارب سليمة فقط.

وجاءت الضربة القاتلة قبيل الساعة الثامنة مساء عندما أصاب الصاروخ الثالث مؤخرة المدمرة فاهتزت بعنف وزحف البحارة فوق المدمرة، وقذف الانفجار بالبعض الآخر في الماء ودارت المدمرة حول نفسها ثم غرقت في المياه التي تغلي.

وبعد الساعة الثامنة بدقائق انفجر الصاروخ الرابع بين البحارة في البحر وأدى ضغط الموج العنيف إلى مصرع الكثير منهم.

المدمرة إيلات

هي مدمرة بريطانية الصنع، شاركت في الحرب العالمية الثانية، والعدوان الثلاثي (بريطانيا وفرنسا وإسرائيل) على مصر عام 1956، وكان لها دور في الاستيلاء على المدمرة المصرية “إبراهيم الأول”، والتي غيّرت إسرائيل اسمها لاحقا إلى حيفا.

كانت المدمرة مكلفة بالقيام بدوريات على طول شواطئ سيناء الشمالية، وبعد شهر من حرب 1967أغرقت زورقَي طوربيد مصريّين، في حادث وصفه إعلام عبري بـ”الانتهاك الصريح لقرار وقف إطلاق النار”، والانجاز الوحيد الذي حققته البحرية الإسرائيلية خلال حرب الاستنزاف (1967- 1973).

لم تتعجل مصر في الرد على استهداف قطعتيها البحريتّين، في وقت تمادت فيه إسرائيل أكثر داخل المياه المصرية، وفي لحظة فشل استخباراتي، وتحديدا مساء 21 أكتوبر/تشرين الأول 1967، وقف قائد المدمرة إيلات مذعورا وهو يشاهد صاروخا قادما من اتجاه قاعدة بورسعيد.

لكن، يبدو أن المراقب على ظهر إيلات لم يدرك حقيقة ما كان ينظر إليه، إذ لم يكن مجرد صاروخ واحد، بل 4 صواريخ من طراز “ستيكس” الروسي، يزن رأس كل منها طنا من المتفجرات.

كان على متن المدمرة لحظة تفجيرها 200 من أفراد الطاقم والمتدربين، قُتل 47 وأصيب 100 آخرون، فيما توفي آخرون لاحقا بسبب بطء عملية الإنقاذ، وفق إعلام عبري.

أثارت عملية إيلات، صدمة بالغة في إسرائيل، وقال المسؤولون فيها إنهم لم يتخيلوا هذه المهارة المصرية الفائقة في إطلاق الصواريخ، ولا تزال ذات أثر أليم في إسرائيل، وتحيي ذكرى قتلاها كل عام.

مرحلة جديدة

يقول المشير الجمسي في مذكراته عن إغراق “إيلات”، إن المدمرة المعادية ظلت تدخل المياه الإقليمية لفترة ما، ثم تبتعد إلى عرض البحر، وتكرر ذلك عدة مرات بطريقة استفزازية وفي تحرش واضح لإظهار عجز قواتنا البحرية عن التصدي لها.

 

وبمجرد أن صدرت تعليمات بتدميرها عند دخولها المياه الإقليمية، خرج لنشان صاروخيان من قاعدة بورسعيد لتنفيذ المهمة، هجم اللنش الأول بإطلاق صاروخ أصابها إصابة مباشرة فأخذت تميل على جانبها، وبعد إطلاق الصاروخ الثاني تم إغراقها داخل المياه الإقليمية المصرية، بحوالي ميل بحري، وفق الجمسي.

الرد الإسرائيلي

طلبت إسرائيل -بحسب الجمسي- من قوات الرقابة الدولية أن تقوم بإنقاذ من هبطوا من جنودها إلى الماء عند غرق المدمرة، واستجابت مصر بعدم التدخل في العملية التي تمت على ضوء المشاعل التي تلقيها الطائرات.

كان رد إسرائيل عنيفا على إغراق إيلات، فبعد 3 أيام من العملية، قصفت معامل تكرير ومستودعات البترول في محافظة السويس، كما قصفت مدينتي الإسماعيلية والسويس، لتضطر مصر إلى تهجير حوالي مليون مواطن من مدن وقرى القناة.

استعراض السيادة وسوء التخطيط

يقول شبتاي ليفي وهو ضابط سابق في سلاح البحرية الإسرائيلي، وأحد الذين شاركوا في إخلاء قتلى وجرحى المدمرة “إيلات” إنّ “الكثير من الإهمال وسوء التخطيط من إسرائيل أيضاً ساهم في غرق المدمرة”.

ويضيف: “باعتقادي كان ثمة إهمال كبير من المستوى السياسي في إسرائيل وخاصة موشي ديان الذي طلب أن تُنفذ إسرائيل دوريات في المناطق التي احتلتها من مصر من أجل إثبات سيادتها حتى النهاية، لقد كان هذا سبب في الدفع بهذه المدمرات إلى تلك المناطق”.

ويُشير إلى أنّ “وزير الدفاع في حينه موشي ديان طلب أيضاً مرور سفن تحمل علم إسرائيل مقابل سفن تحمل علم مصر بالقرب من قناة السويس، وهذا كان بالنسبة للمصريين كمن يضع لهم البطّ في مرماهم، على الرغم من الواقع يثبت أن الأدوات والإمكانات التي كانت في أيدينا لم تكن ملائمة لمثل هذه الأفعال”.

ويوضح أنّ “المدمرة إيلات كانت مكشوفة للجيش المصري، ولم تتوفر على متنها أي منظومات مضادة للصواريخ”.

موشي ليفي، يُعدّ أحد شهود العيان على غرق المدمرة الإسرائيلية، إذ كان على متنها يوم الحادثة، يعمل في الوحدة المسؤولة عن تشغيل الرادار.

يقول ليفي لصحيفة “معاريف”: “لم نكن نعتقد أن المصريين قد يغامرون باستهدافنا، كانت تلك رحلة هادئة جداً، ومنطلق هذا الاعتقاد لدينا هو أن المصريين حاولوا سابقا استهداف سفن إسرائيلية لكنهم فشلوا في ذلك”.

ويضيف: “فجأة وبدون سابق إنذار، سمعت صوت يتسحاق شوشان قبطان المدمرة، وهو يدعو الطواقم إلى التأهب ويقول: لقد استُهدفنا بصاروخ”.

ويشير إلى أنّ “حالة من الاستنفار سادت المشهد داخل المُدمّرة، الجميع أستُدعي لأخذ موقعه، وخاصة من يعملون على أجهزة الهجوم والدفاع العسكرية، بعد ذلك بدقائق فقط سمعت صوت انفجار آخر، كان انفجاراً كبيراً اهتزت المُدمّرة بسبب وتلاطمت الأمواج وكأنها اصطدمت بجبل من جليد، لقد طرت في الهواء وسقط الذين كانوا إلى جانبي أرضاً، وتناثرت أجهزتنا في كل مكان وبدأت أشاهد أعمدة الدخان من حولي، بينما كان إلى جانبي أحد الأشخاص المضمخ بالدماء”.

 

ويوضح: “بعد ذلك بقليل، شاهدت بأمّ عيني كرة من اللهب تندفع نحونا، كان صاروخاً بوزن 500 كيلوغرام في طريقه لإكمال مهمة الصاروخ الأول، لقد كان أليماً، أدى انفجاره إلى دوران المدمرة 180 درجة من شدته”.

ويقول ليفي: “لقد حطّمت الصواريخ محركات المُدمّرة، ودمّرت كذلك منظومة الكهرباء على متنها وعطلت أجهزتنا اللاسلكية، لقد بقينا في عرض البحر دون أي إمكانية للإبحار مرة أخرى، وبدون أي تواصل مع تل أبيب، في حينه كان كل ما على السفينة معطّل حتى الأشخاص، بين قتيل وجريح ومذهول من فرط الصدمات المتتالية”.

 

سلسلة أخطاء

 

بعد غرق المدمرة، شكّلت الحكومة الإسرائيلية لجنة تحقيق رسمية في الحادثة، والتي اكتشفت سلسلة من الأخطاء التي أدت إلى هذه الكارثة كما تقول.

 

وأشارت اللجنة إلى أنّ أهم سبب للحدث هو تسيير المدمرة أصلاً بدون أي هدف، إنما للاستعراض فحسب. وقد ترأّس اللجنة حاييم بار ليف الذي كان يعدّ في حينه أحد العسكريين المخضرمين في إسرائيل وشغل منصب نائب رئيس هيئة الأركان.

 

وأكد بار ليف في حينه أنّ “العملية لم تكن دفاعية ولا هجومية، بل عُرفت بأنها مجرد عملية طبيعية، وهذا كان سبباً مباشراً في الفشل في حمياتها وتفاديها للهجوم.

 

سوابق في التدمير

 

في معرض شهادته، يقول الجندي البحري الإسرائيلي السابق يورم شيني الذي كان على متنها يوم الحادثة إنّ “المُدمّرة شاركت في حرب 1967، كما تعرّضت لتهديدات مصرية قبل الحادثة”.

 

ويقول لصحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية: “ذات يوم بينما كنّا على متن المدمرة إيلات في منطقة بور سعيد، شاهدنا سفينتين حربيتين مصريتين، ومباشرة قمنا بإغراقهما”.

 

ويضيف: “بعد ذلك بأسابيع قرر المسؤولون الدفع بنا إلى نفس المنطقة، ولم يخبرنا أي أحد بما من شأنه أن يقع، كنت في ساعتها في إحدى الغرف أسفل المدمرة، وسمعت فجأة أصوات انفجارات وانطلقت صافرات الإنذار”.

 

ويُشير إلى أنّ “المدمرة إيلات لم تكن مجهزة بالأدوات الكافية لتدافع عن نفسها أمام هجوم القوات المصرية، ولم تمتلك مقومات النجاة”.

 

والمُدمّرة “إيلات” صُنعت على يد القوات الملكية البريطانية، وبدأت العمل رسمياً عام 1944 وحملت اسم “HMS Zealous” وكان رقمها ” R-39″، وقد شاركت مع قوات بريطانية في نهاية الحرب العالمية الثانية.

 

وباعت بريطانيا المدمرة المذكورة لإسرائيل عام 1955 مع مدمرة أخرى من نفس الطراز، وفي حين حملت الأولى اسم “إيلات” حملت الثانية اسم “يافا”، وقد عمل على متن كل واحدة منهن نحو 200 فرد.

 

وزعم الكاتب الصحافي الإسرائيلي يوسي ميلمان في تقرير نشره على موقع صحيفة “هآرتس” عام 2005 أنّ الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية “أمان” حصلت على معلومات تشير إلى أنّ القوات المصرية حصلت على إذن لاستهداف المدمرة.

 

ويقول إنّ “الجهاز الاستخباراتي، وفي نفس يوم الاستهداف، حصل على نحو 6 إنذارات تشير إلى نية مصر باستهداف المدمرة، وهي معلومات كان من شأنها أن تمنع الغرق والدمار الذي حل”.

 

لكن الصحافي يشير إلى أنّ الجهاز الاستخباراتي، وعلى الرغم من التوجه إليه، فضّل عدم الخوض في هذه التفاصيل، والإشارة إلى الأسباب التي أدّت إلى وقوع الحادثة على الرغم من توفر المعلومات.

 

المنابع:صحف ومواقع

عن مركز القلم للأبحاث والدراسات

يهتم مركز القلم بمتابعة مستقبل العالم و الأحداث الخطرة و عرض (تفسير البينة) كأول تفسير للقرآن الكريم في العالم على الكلمة وترابطها بالتي قبلها وبعدها للمجامع والمراكز العلمية و الجامعات والعلماء في العالم.

شاهد أيضاً

“فايننشال تايمز” : الاتحاد الأوروبي سيمنح تونس 165 مليون يورو لكبح الهجرة غير الشرعية

RT : قالت صحيفة “فايننشال تايمز” يوم الأحد إن الاتحاد الأوروبي سيقدم لقوات الأمن التونسية …