منظمات يهودية أمريكية تحذّر: ضّم حزب “الصهيونية الدينية” العنصري لحكومة قادمة سيمسّ بصورة إسرائيل ومكانتها

الناصرة- “القدس العربي” :

منذ أن قامت عام 1948 كانت إسرائيل موبوءة بالعنصرية، تارة ضد العرب، وتارة ضد كل من هم غير يهود غربيين، لكنها رسمياً كانت تحرص على أن تظهر بصورة مغايرة، وسط مزاعم “واحة الديموقراطية في الشرق الأوسط”، تحاشياً لانتقادات وإجراءات دولية ضدها. هذا ما دفع رئيس إسرائيل الراحل حاييم هرتسوغ، والد رئيسها الحالي إسحق هرتسوغ، إلى استثناء عضو الكنيست العنصري الراحل مئير كهانا، رئيس حزب “كاخ” الإرهابي، من دعواته لممثلي الأحزاب الإسرائيلية لاستطلاع توصياتهم على هوية أي من مرشحي رئاسة الحكومة بعد انتخابات الكنيست عام 1984.

بعد 38 عاماً تغيرت إسرائيل شكلاً، وربما مضموناً، فقد باتت العنصرية فيها سافرة وفظّة خشنة، ودون أي محاولات لتجميلها أو التستر عليها بأقنعة وأغطية مختلفة. في انتخابات الكنيست الخامسة والعشرين، في الفاتح من نوفمير/تشرين ثاني القريب، من المتوقع أن يحتل حزب “الصهيونية الدينية”، الذي يقوده تلاميذ كهانا (النائبان ايتمار بن غفير وباتسلئيل سموطريتش) المرتبة الثالثة من ناحية قوته، وفق كافة استطلاعات الرأي. ولا يخفي ايتمار بن غفير سلاحه فيشهر مسدسه في وجوه الفلسطينيين وهم في بيوتهم، كما حصل قبل أيام داخل حيّ الشيخ جراح في القدس، مهدداً بقتلهم، مثلما لا يخفي برنامجه بترحيل من يصفهم بـ”الإرهابيين” أو ” المخربين”. وبالنسبة له فإن النواب العرب في الكنيست الإسرائيلي نفسه مرشحون للتهجير إلى سوريا أو غزة. وفي هذه الأيام تبث في منتديات التواصل الاجتماعي أشرطة فيديو دعائية يظهر فيها بن غفير داخل حافلة، وهو يشير للمقاعد الفارغة فيه بأنها معّدة لنقل أيمن عودة وسامي أبو شحادة وأحمد الطيبي إلى سوريا.

في هذه الأيام تبث فيديوهات دعائية يظهر فيها بن غفير داخل حافلة، وهو يشير للمقاعد الفارغة فيه بأنها معّدة لنقل أيمن عودة وسامي أبو شحادة وأحمد الطيبي إلى سوريا.

صورة سفاح الخليل

بن غفير الذي يعلق في صدر بيته صورة سفاح مذبحة الخليل باروخ غولديشتاين تستضيفه وسائل الإعلام الإسرائيلية وتمنحه حضناً دافئاً مدلّلا يجاهر في المقابلات معه بأنه سيعمل على ترحيل كل فلسطيني على طرفي الخط الأخضر يقوم بإلقاء حجر على هدف إسرائيلي، وأحيانا يكفي ألا يقبل الفلسطيني التسليم بهوية إسرائيل كدولة يهودية كي يدخل “خانة المرشحين للطرد”، مكملاً بذلك نظرية كهانا العنصرية التي دعا فيها لترحيل كل الفلسطينيين من البحر للنهر.

وسائل الإعلام العبرية، عدا صحيفة “هآرتس”، تتعامل مع بن غفير برقة وبقفازات من حرير، وحتى عندما توجه له الانتقادات فهي تأتي من حسابات المصلحة، كالقول إن تحرشاته بالفلسطينيين من شأنها أن تشعل ناراً تهدد إسرائيل والإسرائيليين، لا من منطلق أخلاقي يدين التحريض والحض على الكراهية والاعتداء. وهكذا زميله النائب سموطريتش يبدي مواقف متطرفة وعنصرية، وهو الآخر يتوعد بالمزيد من اليد الحديدية ضد الفلسطينيين، وسبق أن صدرت عنه تصريحات عنصرية منها أنه يرفض أن تولد زوجته داخل مستشفى في جوار امرأة عربية.

العدو الأخطر بيننا

وضمن هذا الصلف الإسرائيلي، الذي يستمد التشجيع من ازدواجية معايير المجتمع الدولي وانشغاله في قضايا أخرى في العالم، علاوة على استفادته من التطبيع العربي، يستعد نتنياهو، بحال فاز معسكره بأغلبية 61 مقعداً فما فوق في انتخابات الكنيست الوشيكة، لتشكيل حكومة جديدة بالتحالف مع حزب “الصهيونية الدينية” الداعي للعنصرية ولقتل العرب وترحيلهم. ويأتي ذلك بشكل طبيعي وينسجم مع توجهات وتصريحات نتنياهو نفسه في السنوات الأخيرة، فقد بدأ حملته الانتخابية الأولى عام 1996 بشعار عنصري: “نتنياهو جيد لليهود”، ومنذ أن عاد للحكم في 2009 كررّ نتانياهو تحريضه على فلسطينيي الداخل ومحاولاته شيطنتهم، ففي انتخابات الكنيست عام 2018، التي بدا فيها الصوت العربي حاسماً، كما هو الحال في انتخابات الكنيست القريبة، لم يتردد بـ “تهويش” اليهود على العرب بتصريحات صدرت عنه في يوم الانتخابات بالصوت والصورة، وهو يقول: “العرب يتدفّقون إلى صناديق الاقتراع”، داعيا اليهود للتصدي لهم بالتصويت في الصناديق، ولصالحه. لم يكن هذا التحريض حالة نادرة تندرج ضمن المنافسة الانتخابية الشديدة، بل هو جزء من توجهاته التقليدية، وقد سبق أن قال بوضوح إن العدو الحقيقي لإسرائيل موجود داخلها وبيننا”، في إشارة للمواطنين العرب فيها (19%).

سموطريتش هو الآخر يتوعد بالمزيد من اليد الحديدية ضد الفلسطينيين، وسبق أن قال إنه يرفض أن تولد زوجته داخل مستشفى في جوار امرأة عربية.

منظمات يهودية تحذّر

على خلفية تنامي التيار العنصري الصهيوني السافر في إسرائيل، التي عرفّت نفسها دستورياً عام 2018 بأنها دولة اليهود، محولّة السكان الأصليين في البلاد إلى ضيوف وغير مرغوب بهم، تحذر بعض المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة من أن ضمّ “الصهيوينة الدينية” لحكومة مستقبلية سيمس بدعم اليهود الأمريكيين بإسرائيل. ونقلت صحيفة “هآرتس” عن قادة منظمات يهودية أمريكية مقربة من الحزب الديموقراطي تحذيراتها بأن إشراك “الصهيونية الدينية” في حكومة جديدة سيضرب مكانة إسرائيل داخل الولايات المتحدة، ويضرب دعم اليهود الأمريكيين والحزب الديموقراطي لها.

ويشير ريك جيكوبس، رئيس الحركة اليهودية الإصلاحية في الولايات المتحدة، إلى أن حزب “الصهيونية الدينية ” يبدي عنصرية صريحة ضد المثليين، بما يتناقض مع القيم الأمريكية. كما بادرت حركة “الأغلبية الديموقراطية من أجل إسرائيل”، الناشطة لتعزيز دعم الحزب الديموقراطي لإسرائيل، لإصدار بيان حذرت فيه من الأضرار المترتبة على ضم بن غفير للحكومة القادمة، لأن ذلك يضرب قاعدة القيم المشتركة القائمة في صلب العلاقات بين أمريكا وإسرائيل.

 كذلك أكدت “المنظمة ضد التشهير”، وهي تنظيم يهودي مركزي في الولايات المتحدة، أنها تعارض مواقف بن غفير، محذرة من أن ضمه للحكومة القادمة سيلحق ضرراً بالدعم الجماهيري لإسرائيل في أمريكا. وهكذا “منتدى سياسات إسرائيل”، الناشط من أجل تحقيق تسوية الدولتين، حذر هو الآخر من ضرركبير لإسرائيل في الولايات المتحدة يتجاوز اليهود فيها، داعياً الإسرائيليين لأن يأخذوا ذلك بالحسبان أثناء عملية الاقتراع.

نتنياهو بدأ حملته الانتخابية الأولى عام 1996 بشعار عنصري: “نتنياهو جيد لليهود”.

صمت ايباك

 في المقابل تتنبه صحيفة “هآرتس” إلى أن منظمة “ايباك”، اللوبي الأمريكي الأكبر من أجل إسرائيل، تصمت حيال ظاهرة تصاعد وتضاعف قوة التيار العنصري السافر برئاسة بن غفير وسموطريتش.

وترجح “هآرتس” أن “ايباك”، التي عملت في الماضي لتعزيز القوى المناصرة لإسرائيل داخل الحزب الديموقراطي، تقف أمام معضلة لأنها لا تتدخل علانية عادة في شؤون سياسية داخل إسرائيل.

في الماضي، كانت هناك مرة واحدة أعربت فيها منظمة “ايباك” صراحة معارضتها لضم بن غفير للحكومة من قبل بنيامين نتنياهو عام 2019.

من جهته يوضح رئيس الحركة الإصلاحية أنه قرّر إصدار بيان تحذير من ضم “الصهيونية الدينية” لائتلاف حاكم، لأن قادة اليهود الأمريكيين سيستصعبون النظر في المرآة، ورؤية أنفسهم دون إبداء مواقفهم حيال هذه القضية.

وتشير “هآرتس” إلى تحذيرات مشابهة صدرت عن نواب أمريكيين من غير اليهود مناصرين لإسرائيل، منهم السيناتور الديموقراطي روبيرت منندز، أحد مؤيدي إسرائيل الكبار الذي حذر نتنياهو، في محادثة خاصة بينهما، من تبعات ضم بن غفير على العلاقات مع الولايات المتحدة. وسانده في موقفه هذا السناتور الديموقراطي اليهودي براد شارمان، الذي قال، في تغريدة، إن “منندز صديق حقيقي لإسرائيل، والصديق الصدوق هو من يقول لك الحقيقة، حتى وإن كنت تفضل عدم سماعها”.

منظمة “ايباك”، اللوبي الأمريكي الأكبر من أجل إسرائيل، تصمت حيال ظاهرة تصاعد وتضاعف قوة التيار العنصري السافر برئاسة بن غفير وسموطريتش.

صوت في البريّة

من جهته يبدو نتنياهو يتجه للتحالف مع الشيطان، ليس فقط مع “الصهيونية الدينية”، من أجل العودة لسدة الحكم، وهو بنفسه كان قد قاد حملات تحريض عنصرية ضد المواطنين العرب الفلسطينيين في إسرائيل، فيما تواصل الحلبة السياسية الإسرائيلية التعامل مع “الصهيونية الدينية” كأمر طبيعي، بعدما بات الحزب جزءاً من التيار المركزي، وتلعب الصحافة العبرية دوراً في رعايته وتناميه من خلال استضافة رموزه وأحاديث لطيفة لا تتوقف معهم.

 وتبقى الأصوات اليهودية المناهضة لـ “الصهيونية الدينية” بدوافع أخلاقية  قليلة وخافتة، وتكاد تكون صوتاً في البرية، رغم حدة نبرتها، كما يتجلى في تصريحات النائب اليهودي الشيوعي عوفير كاسيف، الذي يدعو لمحاكمة بن غفير ومنعه من خوض الانتخابات، خاصة أن محكمة إسرائيلية سبق أن أدانته بالإرهاب.

البلطجي المحرّض

في هذا المضمار دعت رئيسة حزب “ميرتس” زهافا غالؤون وزير الأمن بيني غانتس إلى كبح جماح جنود الجيش الإسرائيلي، لافتة إلى أن هناك زيادة غير معقولة في عدد القتلى الفلسطينيين بالضفة الغربية. وقالت غلؤون إنه يتعين على وزير الأمن ضبط جنود الجيش وكبح جماحهم. وأضافت أن هناك زيادة غير معقولة في عدد الفلسطينيين الذين قتلوا في العام الأخير، بمن في ذلك من قتلوا بسبب تخفيف تعليمات إطلاق النار. والسبت، أعلنت الأمم المتحدة مقتل ما لا يقل عن 100 فلسطيني في الضفة الغربية منذ بداية العام الجاري، وسط تصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية في المنطقة. وتابعت غلؤون “يقوم المستوطنون بأعمال شغب ضد الفلسطينيين، وهذا يسبب تصعيداً، كما يؤمن الجيش قوافل من المستوطنين الذين يأتون للاستفزاز. يجب أن تكون هناك يد أكثر حزماً تجاه المستوطنين”.

كما هاجمت غلؤون عضو الكنيست المتطرف إيتمار بن غفير، زعيم حزب “الصهيونية الدينية”، بشأن إثارته للشغب في القدس المحتلة ومشاركته في اقتحامات المسجد الأقصى، ووصفته بالبلطجي والمحرّض. ورأت أن دخوله إلى القدس يكون برفقة مثيري الشغب من شباب التلال (شبان يهود متطرفون من سكان البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية)، وعلى وزير الدفاع “إعلانهم منظمة إرهابية والدعوة إلى رفع الحصانة عن بن غفير لتشجيعه الإرهاب والتحريض عليه. وأضافت أن هدف عضو الكنيست المتطرف هو “إشعال فتيل نزاع ديني في القدس، بخاصة في الأحياء الفلسطينية حتى يصل ذلك إلى الحرم القدسي الشريف. وقالت إن بن غفير على استعداد للتضحية بدماء اليهود والعرب من أجل التقاط صورة لحملته الانتخابية.

عن مركز القلم للأبحاث والدراسات

يهتم مركز القلم بمتابعة مستقبل العالم و الأحداث الخطرة و عرض (تفسير البينة) كأول تفسير للقرآن الكريم في العالم على الكلمة وترابطها بالتي قبلها وبعدها للمجامع والمراكز العلمية و الجامعات والعلماء في العالم.

شاهد أيضاً

“فايننشال تايمز” : الاتحاد الأوروبي سيمنح تونس 165 مليون يورو لكبح الهجرة غير الشرعية

RT : قالت صحيفة “فايننشال تايمز” يوم الأحد إن الاتحاد الأوروبي سيقدم لقوات الأمن التونسية …