وبسبب عدم قدرتهم على الوفاء باحتياجات عملائهم نتيجة شح الدولار في السوق، وارتفاع سعره في السوق الموازي، خاطبت بعض شركات السيارات الحاجزين بالتوجه إلى مقر الشركة لاستلام مقدم الحجز، لعدم قدرة الشركة على توفير السيارات في الوقت الحالي.

وامتدت تلك الظاهرة إلى شركات العقارات، إذ رصدت مواقع محلية، إعلان إحدى الشركات الكبيرة العاملة في مجال التطوير العقاري عن طرح عدد من وحداتها السكنية للبيع بالدولار بدلا من الجنيه المصري.

وهذه الخطوة الجديدة، تسير على خطى لبنان، وهي الدولة العربية الوحيدة، التي تقر استخدام الدولار في التعاملات المحلية، بسبب انهيار الاقتصاد هناك، وانهيار قيمة العملة.

وأثارت تلك الخطوة غير المسبوقة، جدلا واسعا بين العملاء والشركات، كونها تخالف القانون المصري، الذي يحظر التعامل بغير العملة المحلية داخل البلاد.

 

 

وقال وزير المالية المصري “محمد معيط”، في تصريحات صحفية، إنه لا يجوز التعامل بغير العملة المحلية الرسمية في السوق المحلي، مؤكدا أنه غير مسموح للشركات داخل مصر بتلقي الأموال بالدولار من المواطنين المصريين.

إلا أنه يأتي وسط محاولات جارية للبحث عن طوق للنجاة من أزمة نقص الدولار التي تضرب البلاد بشدة، وباتت تؤثر على قطاعات رئيسية، كاستيراد السلع وبالتبعية أسعارها.

كما دفعت لقيود التي يفرضها البنك المركزي المصري على عمليات الاستيراد من الخارج، العديد من الشركات، خاصة وكلاء السيارات والعقارات، تحت ضغط مطالب عملائهم.

فيما قالت مصادر إن بنوكا خاصة قد لا تستطيع مجاراة قرار أصدره بنكان حكوميان، بهدف جمع الدولارات التي بحوزة المواطنين والمستثمرين.

في محاولة لاحتواء الظاهرة الجديدة، تقدّم أعضاء بمجلس النواب المصري بطلب إحاطة للوقوف على تلك المسألة التي انتشرت في الآونة الأخيرة، مطالبين الأجهزة المعنية في الدولة بالتدخل لإنهاء تلك الظاهرة.

 

 

ونقلت صحف محلية عن البرلمانية “أمل سلامة”، قولها إنها تلقت شكاوى من بعض حاجزي السيارات بشأن مطالبتهم باستكمال الدفع بالعملة الصعبة وليس المحلية، مشيرة إلى أن هذا يخالف قانون البنك المركزي، ويضع المتعاملين تحت طائلة المساءلة.

وتنص المادة (126) من قانون البنوك رقم (88) لسنة 2003، حسب “سلامة”، على معاقبة الأشخاص المستخدمين لأي عملة أجنبية بدلا من عملة الدولة في عمليات الشراء والبيع للسلع والخدمات داخل مصر.

وأشارت إلى أن القانون يغرم المخالفين للقواعد مبلغا لا يقل عن 10 آلاف جنيه مصري (509 دولارات) وبما لا يتجاوز 20 ألف جنيه (1018 دولارا)، كما تلزم المادة (111) من قانون البنوك رقم (88) بأن يتم التعامل في عمليات الشراء والبيع للسلع والخدمات داخل مصر بالجنيه فقط.

وحول مشروعية مطالبة بعض الشركات عملاءها الدفع بالعملة الصعبة، قال رئيس شعبة المستوردين المصريين “أحمد شيحة”، إن “القانون يمنع أي تعاقدات بغير العملة المحلية، وما جرى هو تجاوزات، وبعض الشركات تستغل الظروف وحاجة العملاء لمنتجات محددة، والحقيقة من يقوم بذلك يتعرض لمساءلة قانونية، ولا يوجد تعامل خارج العملة المحلية”.

وأضاف في تصريحات صحفية: “هناك تعامل بالدولار بشكل محدود في بعض القطاعات، مثل: الفنادق السياحية، والمدارس والجامعات الدولية والخاصة، ولكنها تطلب ما يعادل المصروفات والرسوم بالعملة الأجنبية وليس الدفع بالعملة الصعبة”.

 

 

ورأى “شيحة”، أنه “كان من الأفضل أن تقوم تلك الشركات بإعلان أسعارها الجديدة بما يعادل قيمة المنتج بالدولار بسعر يوم الشراء أو التعاقد، لا أن تطلب من العملاء الدفع بالدولار، ولن تقبل البنوك بتلك الخطوة في حال إيداع عملة أجنبية من قبل عميل غير معروفة المصدر”.

ويعاقب قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي بالسجن مدة لا تقل عن 3 سنوات ولا تزيد على 10 سنوات، وبغرامة لا تقل عن مليون جنيه (50.9 ألف دولار) ولا تجاوز 5 ملايين جنيه (254 ألف دولار)، أو المبلغ المالي محل الجريمة أيهما أكبر، كل من تعامل في النقد الأجنبي خارج البنوك المعتمدة أو الجهات التي رخص لها في ذلك، أو مارس نشاط تحويل الأموال دون الحصول على الترخيص طبقا لنص المادة (209) من هذا القانون.

ووصف “شيحة” تلك الأفعال بأنها “فردية”، واعتبرها “تجاوزات من قبل بعض الشركات أو الوكلاء من أجل حقبة جديدة من دولرة التعامل التجاري بين الأفراد والشركات في السوق المحلي”.

وأكد أن ما يحدث من قبل بعض الشركات هو استغلال أزمة نقص الدولار في السوق، والضغط على عملائهم لتوفير الدولار من أجل حصولهم عليه، مشيرا إلى أن الدولة لا تسمح بالتعامل بأي عملة أجنبية في السوق المحلي.

وحول دلالات تلك الخطوة، قال الخبير الاقتصادي “عبدالنبي عبدالمطلب”: “هذا الوضع مؤقت ويدل على وجود ارتباك في الجوانب المتعلقة بالتجارة كافة، سواء عقارات أو سيارات أو غيرها، وحتى الآن لا يمكن تحديد سعر واحد للدولار في السوق الموازي، حيث يوجد أكثر من سعر”.

 

 

وأضاف: “بعض الشركات تحاول تجنب تحقيق خسائر جراء البيع بسعر أقل من التكلفة، ورغبة منهم في عدم توقفهم عن العمل، لكن تبقى المعضلة أنه لن يستطيع غالبية العملاء الاستجابة لتلك المطالب؛ لأنه حتى لو أن العميل يمتلك المبلغ المطلوب بالدولار، لن يتمكن من ذلك لأن هذه الخطوة قد يكون بها نوع من التجريم الذي يعرضه للمساءلة القانونية”.

وبشأن تأثير مثل هذه المعاملات في حال قبول التعامل بها، أكد “عبدالمطلب” أنها “سوف تضعف دون شك العملة المحلية، وستكون ضربة قوية للجنيه المصري، ومن ثم لا أحبذ القبول بالتعامل بهذا الشكل الجديد الذي يحاول البعض فرضه أو جعله أمرا واقعا”.

واتفق معه الخبير الاقتصادي “علاء السيد”، من أن “دولرة المعاملات التجارية في بلد ما تكشف عن وجود أزمة كبيرة في الموارد الدولارية وعدم قدرة الشركات التي تستورد منتجاتها من الخارج على توفير المنتجات أو الخدمات للعملاء، وتنذر بفقدان الجنيه قيمته في التعامل كورقة نقدية في البيع والشراء”.

وحذر من أن توسيع التعامل بالدولار يضغط على قيمة الجنيه المصري بعد التأخر في الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، واستمرار ضبابية الوضع المالي للحكومة في ظل الحاجة الماسة للدولار والمطالب الدولية بخفض أكبر لقيمة الجنيه.

 

 

واعتبر “السيد” أن مثل تلك المعاملات سوف تسرع من وتيرة صعود الدولار بالسوق الموازي تمهيدا لتعويم سعر الجنيه مجددا إلى مستويات هذا السوق والذي قد يبلغ 25 جنيها لكل دولار، في ظل استمرار نقص العملة الأجنبية والتزامات مصر تجاه الدول والمؤسسات الدائنة مدفوعا بزيادة حجم الدين الخارجي قصير الأجل.

ومنذ مارس/آذار الماضي، انخفض سعر الجنيه المصري بأكثر من 25% ليصل إلى حوالي 19.70 جنيها للدولار، متجاوزا بذلك أعلى سعر له في تاريخ البلاد، استجابة لمطالب صندوق النقد الدولي باتخاذ سياسة أكثر مرونة في سعر صرف الجنيه، مع استمرار انخفاضه يوميا.

وتوقع استطلاع لنشرة “إنتربرايز” الاقتصادية المحلية انخفاض سعر الصرف إلى مستوى 22.12.

بينما توقع بنك “جولدمان ساكس” استقرار الجنيه عند النطاق 22 إلى 24 أمام الدولار، في حين يتوقع بنك “بي إن بي باريبا” انخفاض الجنيه إلى مستوى 22 إلى 23 جنيها للدولار بنهاية العام.

المصدر | الخليج الجديد