توقع تقرير نشره معهد الخليج الدولي أن قرار “أوبك+”، بخفض إنتاج النفط بمعدل مليوني برميل يوميا، قد يدفع الولايات المتحدة إلى تسريع التقارب وتجاوز التوتر مع فنزويلا ورفع العقوبات عنها بالكامل، وهي من أكبر الدول المنتجة للنفط عالميا، لكي تتمكن من بيع نفطها وتعويض تداعيات قرار “أوبك+”.

وقرار “أوبك+” الأخير خفض الإنتاج مليوني برميل يوميا، تحركه إلى حد كبير المصالح السياسية والاقتصادية للسعودية، التي أرادت ازدراء إدارة “بايدن” والحزب الديمقراطي قبل انتخابات التجديد النصفي، وأيضا الحفاظ على بعض الطاقة الفائضة في حالة عدم قدرة الموردين الرئيسيين الآخرين مثل روسيا أو العراق على تلبية الطلب في المستقبل، والحفاظ على سعر متماسك لبرميل النفط.

ولفت التقرير، الذي ترجمه “الخليج الجديد“، إلى أنه بعد قرار خفض الإنتاج، قفز سعر خام برنت – المعيار الدولي لأسعار النفط – بنسبة 4% إلى 96.47 دولار للبرميل.

وجادل بعض الخبراء، مثل Jorge Leon من Rystad Energy، بأن الأسعار قد تصل إلى 100 دولار بحلول ديسمبر/كانون الأول المقبل.

 

 

وبالإضافة إلى التأثير الفوري الذي سيكون له على سوق الطاقة العالمية، يقول التقرير إن قرار “أوبك+” يمكن أن يؤدي إلى تحولات جيوسياسية وجغرافية اقتصادية كبرى قد تكون عواقبها بعيدة المدى.

وأشار التقرير إلى وجهة نظر تقول إن الجانب السعودي ضغط بقوة في “أوبك” من أجل خفض الإنتاج لأنه يخشى أن تنخفض الطاقة الإنتاجية لروسيا في عام 2023، وفي هذه الحالة الطارئة، قد تحتاج الرياض في النهاية إلى التدخل واستبدال الإمدادات المفقودة نفسها.

ومن الواضح أيضًا أن قيادة “أوبك+” تريد الإبقاء على أسعار النفط عند حوالي 100 دولار للبرميل.

وإذا لزم الأمر، قد تطلب “أوبك+” مزيدًا من التخفيضات في الإنتاج للحفاظ على هذه الأسعار، بحسب التقرير.

ونظرًا للمخاوف المتزايدة من حدوث انكماش اقتصادي عالمي أعمق، وانهيار لاحق في الطلب على النفط، فإن أعضاء “أوبك+” المعتمدين على النفط والغاز لديهم مصلحة واضحة في رفع أسعار الطاقة لملء خزائنهم في حالة انهيار الأسعار في المستقبل.

وفي الوقت نفسه، يجب أخذ الحسابات الجيوسياسية لأعضاء “أوبك+” في الاعتبار، خاصة السعودية، حيث تراجعت العلاقات الأمريكية السعودية إلى أدنى مستوياتها، بسبب الرد الأمريكي الخافت على العديد من الهجمات على منشآت النفط السعودية من قبل مسلحين موالين لإيران، وانتقاد واشنطن القاسي للسياسة السعودية، والاتهامات العلنية بالاغتيالات السياسية وانتهاكات حقوق الإنسان.

 

 

وأشار التقرير إلى أن الزيادة الكبيرة في أسعار النفط الناتجة عن قرار “أوبك+” بخفض الإنتاج ستنفع روسيا، صحيح أنها لن تؤدي إلى مكاسب كبيرة، لكنها قد تساعد موسكو  على تغطية بعض الخسائر من الرياح المعاكسة التي نتجت عن العقوبات الأمريكية والغربية على قطاع الطاقة الروسي.

وقال التقرير إن الرد الأمريكي، بعيدا عن مسألة التصعيد مع السعودية، يجب أن يركز على دعم منتجي النفط الصخري بالولايات المتحدة، لكن هناك أقاويل تشير إلى أن واشنطن قد تتحرك نحو التقارب مع فنزويلا، إحدى أكبر الدول المنتجة للنفط عالميا.

تقول هذه الفرضية إن الولايات المتحدة قد ترفع العقوبات عن فنزويلا حتى تتمكن كاراكاس من بيع نفطها في السوق العالمية لتعويض تخفيضات “أوبك+”.

وبحسب التقرير، يشاع أن شركة “شيفرون” الأمريكية يمكن أن تبدأ في نقل النفط الفنزويلي إلى الأسواق الأمريكية والأوروبية.

وقد يشير هذا الأمر إلى تحول عميق في سياسة الولايات المتحدة تجاه فنزويلا، وعلى الرغم من أن الغزو الروسي لأوكرانيا جعل فنزويلا خيارًا أكثر جاذبية، فإن نتيجة “الخيار الفنزويلي” ستعتمد على قدرة الإدارة الأمريكية على التغلب على مقاومة اللوبيات داخل الولايات المتحدة وفنزويلا التي تعارض هكذا خطوة.

ولفت التقرير إلى أن قرار “أوبك+” وتداعياته يلقي بالماء البارد على المشاعر الحيوية بشكل خاص في الغرب حول الانتقال الكامل إلى الطاقة النظيفة وتصفير الاعتماد على الطاقة غير المتجددة، ولا تزال الطاقة غير المتجددة والاستثمارات فيها – بما في ذلك حفر الآبار وبناء خطوط الأنابيب وبناء مصاف جديدة – تلعب دورًا مركزيًا في النمو العالمي.

 

 

ورغم أن السلوك السعودي الأخير سيغير من وجهة نظر واشنطن تجاه الرياض كشريك استراتيجي، لكن الأمريكيين لن يتركوا المنطقة لصالح الصين وروسيا، كما أكد “بايدن” من قبل، وأيضا لن يتجه السعوديون إلى ضامن أمني وعسكري بعيدا عن الولايات المتحدة، لاسيما بعد أن أثبتت الحرب الروسية الأوكرانية أن السلاح الأمريكي لا يضاهى، وقد غيّر قواعد الحرب هناك عندما تدفق على كييف.

وأخيرا، تشير هذه التطورات إلى ظهور لحظة محورية حقًا في سياسات الطاقة في الاتحاد الأوروبي، كما صرح الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي “جوزيب بوريل” علانية عندما قال: “لقد استند ازدهارنا إلى الطاقة الرخيصة القادمة من روسيا […] والوصول إلى سوق الصين الكبيرة”.

ومع ارتفاع أسعار النفط والافتقار إلى منتجين قادرين على البقاء سياسياً، تواجه أوروبا صراعًا وجوديًا محتملًا للحفاظ على تدفئة المنازل، ومواطنيها القلقين، هذا الشتاء.

المصدر | الخليج الجديد