"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

في ذكرى وفاة عبد المطلب (شيبة الحمد) جد النبي صلى الله عليه وسلم .. و كافل النبوة

العتبة الحسينية :

في ذكرى وفاة عبد المطلب .. كافل النبوة

لقد خصَ الله هذا الرجل العظيم بشرف كفالة سيد خلقه محمد (ص)، وتولّي رعايته والعناية به فكان نعم الكفيل، يوليه أفضل ما يولي الأب ابنه والجد حفيده ويشمله بأوفر عطفه وحنانه فعاش رسول الله (ص) في كنفه، عيشة هوّنت عليه ألم أليتم بعد أن وجد في جدّه العظيم عبد المطلب عطف الأب وحنان الأم والملاذ الدافئ والأمين الحريص عليه خاصةً بعد أن توسّم عبد المطلب في محيا حفيده (ص) علامات النبوة ودلائل الرسالة مما كان يعلمه من أن النبي الذي يظهر في آخر الزمان هو من صلبه ورغم أن عبد المطلب لم يدرك البعثة الشريفة إلا أنه كان من الموحّدين المؤمنين فقد جاء في تفسير قوله تعالى: (وتقلّبك في الساجدين) إن آباء النبي الكريم (ص) كلهم موحِّدون وليس فيهم مشرك بالله تعالى وهذه من خصائص نبينا الكريم وكراماته. يحدثنا المسعودي في ترجمة عبد المطلب فيقول: (وكان عبد المطلب، مقرّاً بالتوحيد مثبتاً للوعيد تاركاً للتقليد إلى أن يقول: وكان أول من أقام الرفادة والسقاية وهو أول من جعل باب الكعبة ذهباً خالصاً مطعماً بالأحجار الكريمة).
وعن أمير المؤمنين (ع) إنه قال: (والله ما عبد أبي أبو طالب ولا جدي عبد المطلب ولا هاشم بن عبد مناف وثناً ولا صنماً قط, وإنما كانوا يصلّون إلى الكعبة على دين الخليل إبراهيم) وهناك موقف شهد التاريخ به لعبد المطلب بالشجاعة فحينما سمعت قريش بقدوم إبرهة بجيش جرار لهدم الكعبة خرجوا من مكة مرغمين خائفين تاركين وراءهم رئيسهم وسيدهم عبد المطلب وظلوا يرقبون الأخبار ويتطلعون عن كثب إلى ما سيصنعه الله بالأحباش حتى انتقم الله من إبرهة فكتب بذلك عبد المطلب إلى قريش فعادوا مستبشرين إلى مكة بعد أن استجاب الله لدعاء عبد المطلب وأرسل الطير الأبابيل كما وردت هذه القصة في القرآن الكريم في سورة الفيل.
وكان عبد المطلب قد عثر على بئر زمزم ونقّاها من الأدران وجعلها صالحة للاستعمال, ومن عظيم قدره عند الله تعالى: (ما رُوي عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول الله (ص) إنه قال: (لما عُرج بي إلى السماء ليلة الإسراء فانتهى بي إلى العرش, فرأيت على ساق العرش أربعة أنوار فقلت إلهي ومولاي وسيدي ما هذه الأنوار فقال عز وجل: يا محمد يا حبيبي هذا نور جدك عبد المطلب وذاك نور عمك أبي طالب وهذا نور أبيك عبد الله وذاك نور أمك آمنة بنت وهب فقلت: إلهي وبماذا قد استحق هؤلاء منك هذه الكرامة قال تعالى: (لإيمانهم بي واعتمادهم عليّ).
فعبد المطلب كان يحمي نور النبوة في صلبه وهو النبي المصطفى (ص) حبيب إله ألعالمين وأقدس إنسان عرفه الوجود ولم يفارق عبد المطلب الدنيا حتى هيأ لرسول الله كفيلاً وأميناً مخلصاً وحصناً وملاذاً له وهو ابنه أبا طالب وقد أكثر من الوصية فيه, ومما جاء في إحدى وصاياه لابنه، أبي طالب: يا ولدي إني مفارقكم عما قريب فأذهب إلى جوار ربي وغفرانه وهذا محمد وديعتي، بل وديعة الله عندك يا أبا طالب، بحرمة أبوتي عليك احفظ وصيتي في محمد أكفله أنت بنفسك ولازم رعايته بشخصك، فقال أبو طالب: والله يا والدي هو عندي أعز من نفسي وولدي ولا نعمنك عيناً إن شاء الله، وهكذا انتقل عبد المطلب إلى جوار ربه وهو مطمئن ألبال بعد أن ترك حفيده (ص) بيد أمينة.

محمد طاهر الصفار

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة ………………………………………………………… 1 ــ مروج الذهب ج 1 ص 390

العتبة الحسينية

عبد المطلب بن هاشم: شيبة الحمد

تسميته، وطفولته

وُلد عبدالمطّلب جدّ النبيّ صلّى الله عليه وآله في يثرب، وقد تُوفّي أبوه هاشم رضوان الله عليه في سفره وهو بعدُ لم يولد، فلمّا اشتدّ بأمّه سلمى بنت عَمرو النجّاريّة الحمل وجاءها المخاض وهي لا تجد ألماً، أسدلت سِترها، وكتمت أمرها، فبينما هي تعالج نفسها إذ نظرت إلى حجابٍ من نور قد ضُرِب عليها من البيت إلى عِنان السماء، وحَبَس الله عنها الشيطان الرجيم، فَولَدت عبدالمطّلب، ثمّ قامت من ساعتها وتولّت نفسها. ولمّا وضَعَته سطع مِن غُرّته نورٌ شعشعاني، وكان ذلك النورُ نورَ رسول الله صلّى الله عليه وآله كان ما يزال ينتقل من أجداده إلى آبائه ليصل إليه.
وضَحِك عبدالمطّلب وتبسّم، فتعجّبت أُمّه سلمى من ذلك، ثمّ نظرت إليه فإذا هي بشعرةٍ بيضاء تلوح في رأسه، فقالت: نعم، أنت شيبةٌ كما سُمِّيت. ثمّ إنّها درَجَته في ثوبٍ من صوف، وقمّطته وهيّأته، ولم تُعْلِم به أحداً من قومها ـ كما أوصاها زوجها هاشم؛ إذ كان يخشى عليه من اليهود ـ، حتّى مضت له أيّام، فصارت تلاعبه ويَهشّ إليها حتّى كمل له شهر، فعلم الناس به، فلمّا كان له شهرانِ مشى، ولم يكن على اليهود أشدّ منه عداوةً وأكثر ضرراً، وكانوا إذا نظروا إليه امتلأوا غيظاً وكمداً؛ لِما يعلمون بما سيظهر منه.

وكانت أمّه، إذا ركبت ركب معها أبطال الأوس والخزرج، وكانت مُطاعةً بينهم، وكان إذا خرج يلعب يقف الناس مِن وله يفرحون به دون أولادهم. وكانت أمّه لا تأمن عليه أحداً، فلمّا تمّ له سبع سنين اشتدّ حَبلُه، وقويَ بأسُه، وتبيّن للناس فضله، وكان يحمل الشيء الثقيل، ويأخذ الصبيَّ ويصرعه، فلم يشكوه إلى أُمّه. ( بحار الأنوار للشيخ المجلسيّ 55:15 ـ 57 / ح 48 ـ عن: الأنوار لأبي الحسن البكري ).
عودته إلى مكّة
• قال أبو الحسن البكري: بَلَغَنا أنّ رجلاً من بني الحارث دخل يثرب في حاجةٍ له، فإذا هو بعبد المطّلب بن هاشم يلعب مع الصبيان قد غمرهم بنوره، فوقف الرجل ينظر إلى الصبيّ وهو يقول له: ما أسعدَ مَن أنت في ديارهم ساكن! وعبدالمطّلب يقول: أنا ابنُ زمزمَ والصَّفا، أنا ابنُ هاشم وكفى! فناداه الرجل: يا فتى، فأجاب وقال: ما تريد يا عمّ ؟ قال: ما اسمُك ؟ قال: شَيبةُ بنُ هاشم بنِ عبدِمَناف، مات أبي وجَفَوني عمومتي، وبَقِيتُ مع أُمّي وأخوالي، فمِن أين أقبلتَ يا عمّ ؟ قال: مِن مكّة، قال: وهل أنت متحمّلٌ منّي رسالة، ومتقلّدٌ لهم أمانة ؟ قال الحارث: وحقِّ أبي وابيك، إنّي فاعلٌ ما تأمرني به. قال: يا عمّ، إذا رجعتَ إلى بلدك سالماً، ورأيتَ بَني عبدمَناف فاقرأْهم عنّي السلامَ وقل لهم: إنّ معي رسالةَ غلامٍ يتيم، مات أبوه وجَفَوه عمومته. يا بَني عبدمناف، ما أسرَعَ ما نَسِيتُم وصيّةَ هاشم وضيّعتُم نسلَه، وإذا هَبَّت الريحُ تحمل روائحكم إليّ!

فبكى الرجل، واستوى على مطيّته وأرسل زمامها حتّى قَدِم مكّة، ولم يكن له همّةٌ إلاّ رسالة الغلام. ثمّ أتى مجلس بني عبدمناف فوجَدَهم جُلوساً، فأنعَمَهم صباحاً، وقال: يا أهل الفضل والأشراف، يا بَني عبدِمَناف، أراكم قد غَفَلتُم عن عزِّكم، وتركتُم مصباحكم يستضيء به غيرُكم! قالوا: وما ذلك ؟! فأخبرهم بوصيّة ابن أخيهم، فقالوا: وأيمُ اللهِ، ما ظَننّا أنّه صار إلى هذا الأمر، فقال لهم الرجل: واللهِ إنّه لَيَعجزُ الفصحاءُ عن فصاحتِه، ويعجز اللبيب عن خطابته، وإنّه لفصيحُ اللسان، جريُّ الجَنان، يتحيّر من كلامه اللبيب، فائقٌ على العلماء عاقلٌ أديب، إلى عقله الكفاية، وإلى جماله النهاية.

فقال عمّه المطّلب بن عبدمَناف:

أقسمتُ بالسَّلَفِ الماضينَ مِن مُضَرٍ وهاشمِ الفاضلِ المشهورِ في الأُممِ
لأمضيَـنَّ إليـه الآنَ مجتـهـداً وأقطعَنَّ إليـه البِيـدَ فـي الظُّلَـمِ
السيّدُ الماجدُ المشهورُ مِن مُضَـرٍ نورُ الأنامِ وأهلِ البيـتِ والحَـرَمِ

 

فرحل إليه عمّه المطّلب وجاء به إلى مكّة في قصّةٍ ظريفة، فيها أنّ اليهود أحاطوا بهما يريدون قتل عبدالمطّلب، فقال لعمّه: يا عمّ، أنْزِلْني حتّى أُريك قدرةَ الله تعالى. فأنزله، فقصده القوم يريدون قتله لِما يعلمون أنّ منه سيكون النبيّ، فجثا عبدالمطّلب ـ وهو غلام ـ على الطريق وجعل يمرّغ وجهه في التراب ويدعو: يا رَبَّ الظَّلامِ الغامر والفَلَكِ الدائر، يا ربَّ السَّبْعِ الطِّباق يا مُقسِّمَ الأرزاق، أسألك بحقِّ الشفيع المشفَّع والنورِ المستودَع، أن تَردَّ عنّا كيدَ أعدائنا ».
فكانت النجاة منهم وهلاك عدوّهم. ( بحار الأنوار 57:15 ـ 64 )

كرامات.. ودلالات

كان عبدالمطّلب رضوان الله عليه ذا جلالةٍ ظاهرة، ومناقب وافرة، وآياتٍ باهرة، تظهر تلك من مشاهد عديدة ومواقف كثيرة.. منها: انحناء سرير أبرهة الحبشي لمّا دخل عليه عبدالمطّلب ( أمالي الشيخ الطوسي:68 ـ عنه: بحار الأنوار 160:15 / ح 91 )، ومنها: انفجار الماء تحت خُفّ راحلته في صحراء لا ماء فيها ( شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 465:3 ـ عنه: بحار الأنوار 169:15 ـ 170 )، ومنها: استجابة دعائه في ردّ جيش أبرهة، وتظهر فيها جلالته وكثرة إيقانه، حيث قال لبعض وُلده: اُعْلُ أبا قُبَيس فانظُرْ ماذا يأتي مِن قِبل البحر.. فيظهر أنّه كان عالماً بأن ستأتي الطير الأبابيل فتستأصل أصحاب أبرهة بن الصباح، وكان قد أخذ بحلقة البيت الحرام وهو يقول:

لا هُمَّ إنّ المرء منعُ رَحْلَهُ فامنَعْ رِحالَكْ
لا يَغْلِبَنَّ صليبُهم ومِحالُهم غَدْواً مِحالَكْ
إن كنتَ تارِكَهُم وكعبتَنا فأمرٌ ما بدا لَكْ

وقال رضوانُ الله عليه:

يا رَبِّ لا أرجو لهم سِواكا يا ربِّ فامنَعْ مِنهمُ حِماكـا
إنّ عَدوَّ البيتِ مَن عاداكـا إمنَعْهمُ أن يُخْرِبوا قُراكـا

وإذا بهاتفٍ يُسمَع صوته ولا يُرى شخصه وهو يقول له: قد أجبتُ دعوتَك، وبلغتَ مَسرّتَك؛ إكراماً للنور الذي في وجهك، فقال لمَن معه: أبشِروا؛ فإنّي رأيتُ النور الذي في وجهي قد علا، وإنّما كان ذلك كاشفاً لما طَرَقكم.. ( بحار الأنوار 65:15 ـ 74 و 141 و 159، الدرّ المنثور للسيوطي 394:6، النهاية لابن الأثير 332:4 )، كذلك ظهرت جلالة عبدالمطّلب عليه السلام من حفره بئر زمزم، بعد أن كان ذات يومٍ نائماً في حِجر إسماعيل، إذ أتاه آتٍ فقال له: احفُرْ طَيبة.. ( بحار الأنوار 74:15 ـ 75 و 163 ـ 164 / ح 95 ـ عن: الكافي 225:3 ـ 226 ).

ومن شرف سيرته سلام الله عليه أنّه كان يتنزّه عن المحرَّمات، ويعمل على هدى الشرائع الإلهيّة، حتّى جاء عن رسول الله صلّى الله عليه وآله قوله: « إنّ عبدالمطّلب كان لا يَستقسِم بالأزلام، ولا يَعبُد الأصنام، ولا يأكل ما ذُبِح على النُّصُب، ويقول: أنا على دِينِ أبي إبراهيم عليه السلام » ( مكارم الأخلاق لأبي نصر الحسن بن الفضل الطبرسي:440 )، وقوله صلّى الله عليه وآله: « إنّ عبدالمطّلب سَنَّ في الجاهليّة خمسَ سُنَنٍ أجراها الله عزّوجلّ له في الإسلام: حرَّمَ نساء الآباء على الأبناء، فأنزل الله عزّوجلّ: ولا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكمُ مِنَ النَِّساء [ سورة النساء:22 ]. ووجَدَ كنزاً فأخرج منه الخُمْسَ وتَصدّق به، فأنزل الله عزّوجلّ: وآعْلَمُوا أَنّما غَنِمتُم مِنْ شَيءٍ فأَنّ لِلهِ خُمُسَه [ سورة الأنفال:41 ]. ولمّا حَفَر زمزمَ سَمّاها سِقاية الحاجّ، فأنزل الله تبارك وتعالى: أجَعَلْتُم سِقايةَ الحاجِّ وعِمارةَ المسجدِ الحرامِ كَمَن آمَنَ باللهِ واليومِ الآخِر [ سورة التوبة:19 ]. وسَنّ في القتل مئةً مِن الإبل، فأجرى الله عزّوجلّ ذلك في الإسلام. ولم يكن للطواف عددٌ عند قريش، فسَنّ لهم عبدالمطّلب سبعةَ أشواط، فأجرى الله عزّوجلّ ذلك في الإسلام» ( مكارم الأخلاق:440 ).

عبادته

أمّا عبادته عليه الرحمة والرضوان، فيذكرها لنا أمير المؤمنين عليٌّ عليه السلام قائلاً: « واللهِ ما عبَدَ أبي، ولا جَدّي عبدالمطّلب، ولا هاشمٌ ولا عبدُ مَنافٍ صَنَماً قطّ » فقيل له: فما كانوا يعبدون ؟

قال: كانوا يُصلّون إلى البيت على دين إبراهيم عليه السلام متمسّكين به » ( كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق:174 / ح 32 ـ عنه: بحار الأنوار 144:15 / ح 76 ).

وكان لعبدالمطّلب دَورٌ تكميليّ لِما نهض به أبوه هاشم، في تأسيس رحلة الشتاء والصيف، والسفر إلى الشام وفلسطين ومصر، ومفاوضة رؤساء القبائل والملوك الذين تمرّ قوافل قريش التجارية عبر مناطقهم.
ولعبدالمطّلب أشعارٌ في الحكمة والأخلاق، منها ما رواه الشيخ الصدوق في ( عيون أخبار الرضا عليه السلام 177:2 / ح 5 ـ الباب 43 ) عن الريّان بن الصَّلت قال: أنشَدَني الرضا عليه السلام لعبدالمطّلب:

يَعيبُ الناسُ كلُّهـمُ زمانـاً وما لزمانِنا عَيـبٌ سِوانـا
نَعيبُ زمانَنا والعَيبُ فينـا ولو نطَقَ الزمانُ بنا هَجانا
وإنّ الذئبَ يتركُ لحمَ ذِئبٍ، ويأكلُ بعضُنا بعضاً عَيانا!
لَبِسْنا للخداعِ مُسوكَ طِيبٍ فويلٌ للغريـبِ إذا أتانـا!

 

شوقه للنبيّ وحبّه له

• رُوي عن أبي طالب رضوان الله عليه في ضمن حديثٍ له لدى تأييده لرسول الله صلّى الله عليه وآله ونصرته له، أنّه قال: ولقد كان أبي [ أي عبدالمطّلب رضي الله عنه ] يقرأ الكتاب جميعاً، ولقد قال: إنّ مِن صُلْبي لَنبيّاً، لَوَدِدتُ أنّي أدركتُ ذلك الزمانَ فآمنتُ به، فَمَن أدرَكَه مِن وُلدي فَلْيُؤمنْ به. ( بحار الأنوار 148:35 ).

حتّى إذا وُلِد رسول الله صلّى الله عليه وآله ضمّه عبدالمطّلب إلى كَنَفِه، وخصّه بحبّه ورعايته وخدمته، وكان يُكرمه ويُجلّه ويفضّله. قال ابن عبّاس: كان يُوضَع لعبدالمطّلب فِراشٌ في ظلّ الكعبة لا يجلس عليه أحدٌ إلاّ هو؛ إجلالاً له، وكان بنوه يجلسون حوله حتّى يخرج عبدالمطّلب، فكان رسول الله صلّى الله عليه وآله يخرج وهو غلامٌ صبيٌّ فيجيء حتّى يجلس على الفراش، فيَعْظُم ذلك على أعمامه، ويأخذونه ليؤخّروه، فيقول لهم عبدالمطّلب إذا رأى ذلك منهم: دَعُوا آبني، فَوَالله إنّ له لَشأناً عظيماً! إنّي أرى أنّه سيأتي عليكم يومٌ وهو سيّدُكم، إنّي أرى غُرّتَه غُرّةً تَسُود الناس.

قال ابن عبّاس: ثمّ يحمله فيُجِلسُه معه، ويمسح ظهره ويقبّله ويقول: ما رأيتُ قُبلةً أطيب منه ولا أطهر قطّ، ولا جسداً ألينَ منه ولا أطيب. ثمّ يلتفت إلى أبي طالب فيقول له: يا ابا طالب، إنّ لهذا الغلام لَشأناً عظيماً، فاحفَظْه واستَمسِكْ به؛ فإنّه فردٌ وحيد، وكُنْ له كالأمّ، لا يَصِلْ إليه شيءٌ يكرهه.
ثمّ يحمله على عنقه فيطوف به أُسبوعاً ( أي سبعة أشواط ). ( بحار الأنوار 142:15 ـ 143 / ح 74 ـ عن: كمال الدين 173 / ح 29 ).

• وعن ابن عبّاس أيضاً: نادى شيخٌ على الكعبة: يا عبدَالمطّلب، إنّ حليمة امرأةٌ عربيّة، وقد فقدت أبناً آسمُه « محمّد »! فغضب عبدالمطّلب، وكان إذا غضب خاف الناس منه، فنادى: يا بني هاشم، ويا بني غالب، اركبوا فقد فُقِد محمّد. وحَلَف ألاّ ينزل حتّى يجد محمّداً ( صلّى الله عليه وآله ).. فسمع نداءً: إنّ الله لا يضيّع محمّداً، فقال: أين هو ؟! قال: في وادي فلان، تحت شجرة أمّ غيلان.. فلمّا وجده عبدالمطّلب حمله على عُنقه وطاف به حول الكعبة، وكانت النساء اجتمعن عند آمنة على مصيبته، فلمّا رآها تمسّك بها وما التفتَ إلى أحد. ( مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب 24:1 ).

وفاته رحمَه الله

وعلى فراش الوفاة.. ذكر الواقدي أنّ عبدالمطّلب غمّض عينَيه ثمّ فتحهما، فنظر قريشاً فقال: يا قوم، أليس حقّي عليكم واجباً ؟ فقالوا بأجمعهم: نَعَم، حقّك على الكبير والصغير واجب، فنِعمَ القائدُ ونعم السائق فينا كنت، فجزاك الله تعالى عنّا خيراً، وهَوَّن عليك سكرات الموت، وغفر لك ما سَلَف من ذنوبك. فقال لهم عبدالمطّلب: أُوصيكم بولدي محمّدِ بنِ عبدالله، فأحِلُّوه محلَّ الكرامة فيكم، وبِرُّوه ولا تَجفُوه، ولا تستقبلوه بما يكره. فقالوا بأجمعهم: قد سَمِعنا منك وأطعناك فيه. ( بحار الأنوار 153:15 / ح 80 ).

وأمّا وصيّته الخاصّة سلام الله عليه فقد أدّاها عبدالمطّلب إلى وَلَده أبي طالب وقد أدركته الوفاة، فبعث إليه والنبيّ صلّى الله عليه وآله على صدره وهو في غمرات الموت ويبكي، ثمّ يلتفت إلى أبي طالبٍ ويقول له: يا أبا طالب، أُنظُرْ أن تكون حافظاً لهذا الوحيدِ الذي لم يَشمَّ رائحةَ أبيه، ولم يَذُق شفقة أُمّه ( حيث تُوفّيت رضوان الله عليها وهو صغير السنّ ). انظُر يا أبا طالب أن يكون من جسدك بمنزلة كَبِدك، فإنّي تركتُ بَنيَّ كلَّهم وأوصيتُك به؛ لأنّك مِن أُمّ أبيه. يا أبا طالب، إن أدركتَ أيّامه فاعلَمْ أنّي كنتُ مِن أبصر الناس به وأعلَمِ الناس به، فإن استطعتَ أن تتبعه فافعل، وانصُرْه بلسانك ويدك ومالك؛ فإنّه ـ واللهِ ـ سيسودُكم ويملك ما لم يملك أحد من بني آبائي يا أبا طالب، ما أعلم أحداً من آبائك مات عنه أبوه على حال أبيه، ولا أُمّه على حال أُمّه، فاحفَظْه لوحدته، هل قَبِلتَ وصيّتي ؟
قال أبو طالب: نَعَم قد قبِلتُ واللهُ عَلَيَّ بذلك شهيد، فقال عبدالمطّلب: فَمُدَّ يدَك إليّ. فمدّ يده، فضرب بيده إلى يده، ثمّ قال عبدالمطّلب: الآن خُفِّف علَيَّ الموت.
ثمّ لم يَزَل عبدالمطّلب يُقبّل النبيَّ ويقول له: أشهدُ أنّي لم أُقبّل أحداً من وُلدي أطيبَ ريحاً منك، ولا أحسَنَ وجهاً منك.

قال ابن عبّاس في ختام روايته هذه: وكان عبدالمطّلب يتمنّى أن يكون قد بقيَ حتّى يُدرِك زمانه، فمات والنبيُّ ابن ثمان سنين، فضمّه أبو طالبٍ إلى نفسه لا يفارقه ساعةً من ليلٍ ولا نهار، وكان ينام معه حتّى بلغ لا يأتمن عليه أحداً. ( كمال الدين 172 / ح 29 ـ عنه: بحار الأنوار 143:15 ـ 144 / ح 74 )

وذكرت بعض المصادر أنّ عبدالمطّلب كان عاش مئةً وأربعين سنة، فأعطاه شيخٌ مهيب ضِغْثَ ريحان وقال له: شُمَّه، فلمّا شمّه مات، وكان الشيخ مَلَكَ الموت. وقد مشى النبيّ صلّى الله عليه وآله خلف جنازته وهو يبكي، حتّى دُفن رضوان الله عليه بالحَجُون.

ويُعرَف هذا الموضع بـ « المَعْلاة »، وفيه قبر أبي طالب وعبدمَناف وخديجة رضي الله عنهم أجمعين. ( سفينة البحار للشيخ عباس القمي 353:3 ).
وأمّا عن بَعثه رضوان الله عليه، فيذكر لنا الشيخ الكلينيّ في ( الكافي 447:1 / ح 22 ـ باب مولد النبيّ صلّى الله عليه وآله ) أنّ الإمام جعفر الصادق عليه السلام قال: « يُحشَر عبدُالمطّلب يومَ القيامةِ أُمّةً واحدة، عليه سِيماءُ الأنبياء وهيبةُ الملوك ».

مرثيّة

كتبها الشاعر المسيحي بولس سلامة ضمن مجموعته الشعريّة الملحميّة ( عيد الغدير ) فقال في عبدالمطّلب:

غَيّبَ القبرُ هاشماً فاستَضاءَتْ بابنهِ البدرِ مُقفِـراتُ التَّهائـمْ
( شيبةُ الحمدِ ) جاءَ سِرَّ أبيـهِ يستجيب العُلى، يَشُدّ الدعائـمْ
بيتُه الرَّحْبُ مَشْرَعٌ للأيامـى واليتامى، فمـا بِمكّـةَ صائـمْ
وتعالى حـولَ الأبـيِّ جـدارٌ مِن قلوبٍ، وفَيلَقٌ مِن أكـارمْ
شيبةَ الحمدِ في جبينِـكَ نُـورٌ شَيَّبَ المَفرِقَ الدَّجـيَّ الباسـمْ
وجهُك السَّمْحُ يَستَدِرُّ الهَوامي يومَ وجهُ السماءِ غَضْبَةُ صارمْ
إذ تُناديـك للصـلاةِ قريـشٌ فاعتلَيتَ الهِضابَ والقلبُ واجمْ

رابط :

https://cal.al-7awza.org/hist/topic/787

 

اقرأ أيضاً

 

وفاة عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم

فقد ذكرت كتب السيرة والتواريخ أن عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم توفي والنبي صلى الله عليه وسلم ابن ثمان سنين، وهذا يعني أنه توفي في العام الثامن من حادثة الفيل، قال ابن سعد في الطبقات الكبرى: ومات عبد المطلب فدفن بالحجون وهو يومئذ ابن اثنتين وثمانين سنة، ويقال: ابن مائة وعشر سنين، وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتذكر موت عبد المطلب، قال: نعم، أنا يومئذ ابن ثماني سنين، وقالت أم أيمن: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ يبكي خلف سرير عبد المطلب… إلخ. انتهى مختصراً.

اسلام ويب