سلسلة (تُحفة المبهُورِ بأَفانينِ سَرقاتِ مَشهور حسن آل سلمان) (2)

دار الحديث الضيائية :

 موقع الدكتور خالد بن محمود الحايك :

 

عُلُوُّ الصّوت في بيان سرقة (مشهور حسن آل سلمان) كِتابَي: (د. القَصبي زَلط) و(د. الفِرت)

هذا هو الكتاب الثاني من سلسلة سرقات “مشهور حسن آل سلمان” (سلسلة: تُحفة المبهُورِ بأَفانينِ سَرقاتِ مَشهور) أقدّمه للقرّاء بعد الكتاب الأول: “الدلائل الواضحات في سرقة مشهور حسن كتاب د. الطوالبة ثلاث مرات”.

وهو بعنوان: “عُلُوّ الصّوت في بيان سرقة (مشهور) كِتابَي: (د. القَصبي زَلط) و(د. الفِرت)”

كتابُ مشهور حسن آل سلمان: (الإمامُ القُرطُبِيُّ) هو مَسروقٌ ومُلفقٌ مِن هذين الكتابين ومن كتبٍ أخرى.

وهذا الكتاب أقدّمه لهؤلاء الذين ما يزالون في “صدمة نفسية” ممن لا يصدّقون أن شيخهم “سرّاق” كباقي أصحابه!

وما زالوا يطالبون بالأدلة التي تثبت سرقة مشهور مع وضوحها كالشمس في رابعة النهار! فتراهم يدافعون عنه عبر شبكة “الانترنت” وغيرها، ويسفّهون ويحقدون على من يتكلم فيه وفي زمرته!!

ولكن: إنه الهوى والعمى! قيل: إِنَّ الهوى شَريكُ العَمى.

وحُبّك الشيءَ يُعْمِي ويُصِمُّ. فحبك للشيء يعميك عن مساويه، ويصمك عن استماع العذل فيه، وقد أخذ هذا الشاعر فقال:

وعين الرضا عن كل عيب كليلة … ولكن عين السخط تبدي المساويا

وهذا الكتاب في بيان هذه السرقة من تقديم شيخنا العلامة محمد إبراهيم شقرة –حفظه الله تعالى-.

وقد قدّم الشيخ بمقدمة رائعة عن حال هؤلاء السرّاقين وكشف عوارهم، فجزاه الله خير الجزاء.

وفي نهاية الكتاب فهرس للفوائد فيه:

بيان ذكاء مشهور في السرقة والتلفيق، وعجائب سرقاته، ومتابعته لغيره في الأخطاء والأوهام، وفضحه نفسه في السرقة، والسرقة بالمعنى، وسرقة الأفكار حتى سرقة الحواشي، وتلاعبه بالنصوص المسروقة، ومكره وتدليسه وتلبيسه في السرقة، ومتابعته لصاحب الأصل دون وعي وفهم، وجهله وتخبطه، وغير ذلك.

علوّ الصوت في بيان سرقة (مشهور حسن آل سلمان) كِتابَي: (د. القَصبي زَلط) و(د. الفِرت)

بقلم: خالد الحايك

تقديم: الشيخ محمد إبراهيم شقرة – حفظه الله –

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَن لا نبيَّ بعده، أما بعد:

“إن هذا العلم دين، فانظروا عمَّن تأخذون دينكم”.

لا أدري كيف قطعت هذه الكلمة تلكم القرون الكثيرة الذاهبة، لتقف أمامي متجرّدةً عاريةً إلا مِمّا حملت من قلب ذلكم الإمام العظيم، قائلها الذي رسَّخها ببلالِ لسانه، وحسيسِ قلبِه، على واحدةٍ من صحائف القرون الأولى، فخرِ الدُّنيا، وزينةِ أمجاد التاريخ العربي.

وأنا أعلم أنّ مثل هذه الكلمة لا تحتاج إلى الإحاطة بها على نحو ما أُحيطت، ورعايتِها على مثل ما رُعِيَت، فإنها ما كادت تخرجُ من فم قائلها “عبدالله بن المبارك” رحمه الله تعالى، أو غيره، حتى أوت إلى عيبةِ التاريخ، ورجاءٌ سابغٌ يُسربلُها، أنها ستظلُّ مكنونةً حيث صارت في موقعِها، لا يُرى لها ظلٌّ، ولا يُسمع لها حسٌّ إلا حين ينتهي إلى علمِها أن الحاجةَ داعيةٌ إلى انكشافها لتقول ما تدعو إليه الحاجة.

ولقد أتبعتُ بصري منازلَ هذه الكلمة، فرأيتُها فيها جميعاً، وما من مَنْزِلةٍ منها إلا وكان لها فيها شأنٌ إما باختلافٍ – يسيرٍ أو كثيرٍ – بين الواحدةِ وبين غيرِها من أخَواتها، وإما باتفاق، بيدَ أني رأيتُها في إحدى تلك المنازلِ يبدو على وجهِها شحوبٌ واصفرارٌ، وهزالٌ شديد، وقلقٌ وتحيُّرٌ، ولولا أجزاءٌ مُقطَّعةٌ باهتةٌ من حروفِها؛ لقلتُ: إنَّها من بقايا ما خطَّ قلمٌ من أقلامِ العرب البائدة، لكنَّ التذكُّرَ الذي اشتدّت وطأتُه على قلبي أبى عليه إلا أن يذَّكر على يقينٍ أو على شبهِه، فكان على النحو الآتي:

أولاً: حَلبَ الدهرُ أشطُرَه، وما كان له أن يفعل، لكنّه إذ فعلَ؛ فما الذي كان له أو منه أن يكون، فكان على غير ظنِّه، فماذا كان؟ انظُر أو اسمع الذي كان على ما كان على غير ما يودُّ العلمُ أن يكون الذي كان على غير هواه، وهواه هو المحبوبُ الأثير.

وبدهيٌّ أن نعلم: أنَّ شمعةً من شموع السُّنَّة أُشعلَت في أرض الشام المباركة، وكان مُشعِلُها رجلاً جاء أرضَ الشام مهاجراً من ألبانيا، اسمه: محمد ناصر الدِّين الألباني، وأحدثَ اللهُ لها نوراً وانتشاراً، دخل مدناً، وقرىً، ودساكِرَ كثيرة، وأسَّسَ دعوةً حملَها في حلِّه وسفرِه، والتقى الناسُ عليه، وبخاصةٍ الشباب منهم، وحفظَ الناسُ عنه بعضَ الأقوال، مثل قوله: (دعوتنا: كتابٌ وسنّة على منهج سلف الأُمّة)، ومثل قوله: (أنا أُعلِّمُ ولا أُربّي)، وكنت أنا أوّل مَن دعاه إلى الأردن، وعرَّفتُه بالناس فيه وعرَّفتُ الناسَ به، ولقيَ بعضَ الابتلاءِ في الأردن، وانفضَّ الناسُ من حولِه فيها، وبخاصة أدعياءَ تلاميذه الذين نحلوا أنفسهم التلمذةَ عليه، وأخذَهم العلم عنه، وملازمتَهم حلقاتِه ومجالسهم، فقد كانوا أوّل المنهزمين.

ولم يعرف الناس عنه يوماً أنه دعا ثُلّةً اختارها ليجلسوا إليه في حلقةٍ يقالُ إنّها حلقة علم، وقضى رحمه الله وأنا أراوده اليوم بعد اليوم لإقناعِه أن يجعلَ للبعض مثل هذه الحلقة، وفي كلّ مرّة يشتدُّ رفضُه وإباؤه قائلاً لي: (يا أبا مالك! لم يبقَ على الشجرِ إلا الحطب) كنايةً عن كِبَر سنِّه.

ومات رحمَه اللهُ، وما عُرفَ عنه أنّه خلفَهُ واحدٌ خلفَه في علمِه، أما مجالسُه التي كانت في بعض المناسباتِ، بالسؤالاتِ، وهي التي دوِّنت على أشرطة الكاسيت؛ فنعَم.

ثانياً: نَعَم؛ ليس يُنكَرُ أنّه كان للشيخ الألبانيِّ -رحمه اللهُ- أثرٌ ظاهرٌ قويٌّ في إحداثِ النشاطِ العلميِّ في ساحةِ السُّنَّة النبويّة الذي غابَ عن أرضِ المسلمين زماناً، إلا ما أجرى اللهُ منه في أرض الكنانةِ من صنيعِ عقلِ الشيخ أحمد شاكر رحمه الله، وهو شيءٌ قليلٌ إلى جانبِ ما أحدثَه الشيخ ناصر.

غيرَ أن أثرَ الشيخ أحمد ظلَّ مصوناً، ولم يُعرَف أنّ واحداً ممن أخذَ عنه كان سارقاً نهّاباً، كمثل الذين نحلوا أنفسَهم التلمذةَ الشائهةَ الرديئةَ على الشيخ ناصر، فهؤلاء أوجعوا بطونَهم من كثرةِ ما سرَقوا ونهَبوا، ثم لم يزيدوا على توكيدِهم للناسِ أنّهم سُرّاقٌ غرابيب.

ولم يأتِنا خبرٌ عن واحدٍ من جماعةِ أو من جمعيةِ السَّرقةِ التي صارت مجلوبةً ببضاعتِها الرديئةِ للناس كافّة من غير حاجةٍ إلى قيامِ الدليلِ إلا دليلاً واحداً، وهو – مثلاً – إن فلاناً السارق ذكرَ كذا أو قال ذلك، فقد أصبحت أسماؤهم المشهورةُ – على تفاوتٍ في القُدرةِ بينهم – كافيةً في التصديق أو التدليل، بل إنّ الأسماعَ عافت ذكرَها، ولم تَعُدْ تقبلْ أن تُذكَرَ إلا على تخوُّفٍ وخفاءٍ، ولكأنّي بأولئك السَّرَقة قد صنعوا لأنفسهم محاقبَ مُحكَمةً، وجّهوها إلى وجوه تلاميذهم الأغبياء، وأفواهِهم، وآذانِهم، وآنافِهم، وأجلبوا عليهم بها بتلكم الأكاذيبِ العسرةِ العجفاء الخادعة، وقد خلَت من الأدب والتقوى والذوقِ العلميِّ، ولا أدري كيف جاز لدورِ النشرِ – إلا من جهلٍ ملأ عقولَ أصحابِها – أن يقبلوا أكاذيبَهم الهابطةَ الساقطةَ، ويروِّجوا لها في الدُّنيا، لتعودَ عليهم بالمالِ الوفيرِ الحرام، فتكونَ هذه الدورُ أيضاً أعانَتهُم على كسبٍ حرام، فلم تكن قد اكتسبت لنفسِها فحسب، بل أكسبت هؤلاء اللصوصَ حراماً، صارَ العلمُ به نهبَ عقولٍ، وأقلامٍ، وأسواقٍ، ومعارضَ تنشأ في مواسمَ ومناسباتٍ، فمتى تكون تقوى اللهِ قاضيةً فيهم جميعاً، تعودُ عليهم بالربحِ الحلال، البريء، الهنيء، ألا ساءَ ما يكسبون، ألا ساءَ ما يفعلون ويقولون، وتقوى الله هي التي عليهم بالحقّ إن أرادوه.

ولستُ أملكُ لابنِنا العزيزِ (الدكتور خالد الحايك) الذي أحكمَ نقدتَه، وألزمَ لكزتَه، وأحسنَ صِرمتَه، وأبانَ عن شيكتِه، حين أتى على هذه السرقاتِ الغاوياتِ المجلباتِ اللاتي أو اللواتي صارت أحاديثَ غير خافية في الناس، ولو كان (مشهور) عدلاً في نفسِه ومن الثلّة الألبانية المباركة؛ لأسرعَ إلى نفسِه، وأطلعَ على الناس، وعزمَ على توبةٍ يُغري بها شركاءَه المعوزين، ليُفرحوا بها شيخَهم المدَّعى رحمه الله في قبرِه، ويُقرُّوا بها عينَه من بعد موتِه، وتكون لهم عزمةٌ جادّةٌ يكونون بها إن شاء اللهُ قدوةً صالحةً لطلابِ العلمِ الذين خُدعوا بهم زماناً من بعد أُخدودِ فُرقةٍ، شَقُّوه في الأُمّة بخفايا وظواهرَ من مكرٍ لا يُستطاب، وهل من مكرٍ يُستطابُ في الحياة؟ نعم هو يُستطابُ من صانعيه! أما الأُمناءُ الأتقياءُ؛ فبينَه وبينَهم شأوٌ شاسعٌ، وشقاقٌ بعيد.

وحسبُ الأمناءِ الشرفاءِ ومَن يُحبُّهم ويُناصرُهم بالحقِّ والعدلِ؛ أن يكونوا حُرّاساً شُرفاءَ للكلمة، يخافون ربَّهم، ويخشون سوءَ الحساب، ويضَعون الأمورَ حيثُ يجبُ أن توضعَ في مواضعِها السليمةِ الأمينة، وأمانةُ الكلمةِ تقضي على أهل العلم بعامّةٍ أن يكونوا شرفاءَ أُمناءَ، يحبسونَ جلَّ ما في صدورهم من الأمانة، تقديراً للعلم، واستحياءً من أن يُنالَ العلمُ على أيديهم أو يَمسَّه شيءٌ من الأذى، وليس للعلمِ من جزاءٍ إلا ما يكون من فطرةِ الحياءِ، التي تُكسى بها حروفُه، وتُستجلَبُ بها طلاوةُ معانيه، وحلاوةُ أفكارِه، وليسَ من عُذرٍ يُحالُ به بين العالِمِ أو طالبِ العلمِ، وبين أن يكون للعلمِ نفاذٌ بأثرِه اليُرضى، ويستجلبُ ما يستجلبُ من مراداتِ العلم وحِكَمِه، إلا أن يكونَ قد نُزعَ منه خُلُقُ الأمانةِ المشوبُ بالحياء.

وما تجوسُ به أقلامُ تلكم الطائفةِ وعقولُها على صفحات الكتبِ والرسائلِ والمقالاتِ، مستبيحةً انتهابَ صنيعِ أقلامِ غيرِها وعقولِها في غير حياءٍ من الخالقِ ولا من المخلوقين، وكأنّي بهؤلاء قد صارت لهم أقلامُ غيرِهم وعقولُهم ملكاً خالصاً جميعها، أعادوا بها ملكَ الأنفسِ التي تُملك رقّاً من آثارِ الجهاد، ذروة سنامِ الإسلام، الذي يُنكرونَه، ولا يرَونه إلا شيئاً عابَه أعداءُ الإسلام فعابوه مثلهم، ثم صار عندهم إرهاباً.

وإنّي واللهِ لناصحٌ أمينٌ لهم، وبخاصةٍ لواحدٍ من فحولِهم، بل أظنُّه هو فحلُ الفحولِ فيهم يَحسبُ نفسَه (أويس القرني)، يُهدِّدُ خصومَه بما أكرمَه الله به (طبعاً كذباً وزوراً)، ويُعلنُ في الناس أنه مجابُ الدعوة، وقد هدَّدني بسهمٍ من سهامِ دعواتِه، وبدهيٌّ أنّ هذا منه من باب التحذيرِ والوعيدِ.

ولا يحسبنَّ واحدٌ أني بمثلِ الذي ذكرتُ أو جهرتُ أعني المنهجَ السلفيَّ الذي بَرِمَ به هذا المدَّعي – أي (أويس القرني الثاني) – الذي لَمّا سُئلَ: لماذا تركتَ الصلاة يوم الجمعة من خلف فلانٍ؟ قال بملءِ شدقَيه: وكيف لا وقد خرجَ على المنهج. لذا، فأرجو أن يجتنبَ السلفيّون كارثةَ “تسونامي” تصيبهم بدعوةٍ من دعواتِه الأُوَيسيّة، أقول ذلك لهم جميعاً: اتّقوا دعوةَ أُويس القرني الجديد الثاني.

فهذا كلامٌ قليلٌ نافعٌ إن شاء الله تعالى، لعلّه ينفع القارئ، ويَفيد منه شيئاً نافعاً، يُجنّبه عاقبة السوءَى، وبخاصةٍ – إن كان من سُذَّجِ السلفيّة – ضراءَ دعوة أويس القرني الثاني. ومعذرةً لأويس القرني الأوّل إنْ أمسكتُ لساني عن الترضِّي عنه من بعد انفلاتِ أسر الأُويس الجديد. وهنا يَحضرُني قولُ المتنبّي ولا بدَّ في كافور رحمه الله: (وكم في الدُّنيا من المضحكات).. أليست هذه مصيبة من المصائب التي لم تقع في قرنٍ من قرونِ الإسلامِ الأولى والأخيرة.

لكنّ شيئاً لا زالَ عالقاً بعيداً عن الذهنِ والفهمِ عندي، فلا بدَّ من أن يُجيبَ عن السؤال عنه واحدٌ من الذين صارَ إليهم فهمُ الكتاب والسُّنة على منهج سلفِ الأُمّة، وقد أُشبعت جيوبُهم وصدورُهم من المكاسبِ على منهجِ سلف الأُمة، فإنّه لا يملكُ الجوابَ إلا من عرفَ كيف صارَ يعرفُ الجواب، وأحسبُه يسيراً سهلاً عليهم، إلا أن يُصارَ فيهم إلى المثلِ القائل: (اللي استحوا ماتوا) وقُضيَ الأمر.

ما معنى قولِه عليه الصلاة والسلام: ((الحياءُ والإيمانُ قُرناء جميعاً، إذا ذهبَ أحدُهما ذهبَ الآخر))؟ ويأتي من بعده سؤالٌ آخر ولا بدَّ، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: ((إنّ مما أدركَ الناسَ من كلامِ النبوّة الأولى: إذا لم تستحِ فاصنَع ما شئت)).

وأرجو أن يكون الجواب على وفق: (العمل شرط كمال لا شرط صحّة) كيلا يكون من حرجٍ من الجواب عليهم، ربما يُحْوجُهم إلى شيءٍ من التكلُّف في التأويل، وهم لا يحبّون أن يخالِفَ عنهم خُلَّصُ تلاميذهم ومريديهم.

وإلا فخيرٌ أن يُلقوا بأقلامِهم في أرضٍ سَبِخةٍ، أو في سباطةٍ فيها، أو في بئرٍ كبئرِ بُضاعة، ويُريحوا أنفسَهم من هَمِّ الحرفِ والكتابة، إذ العلمُ دينٌ، والأمانةُ فيه شرطٌ، وأحسبُهم عاجزين عن حملِها عملاً؛ إلا بشرطِ الكمالِ لا بشرطِ الصحّة، فلا بأس من أن يكونَ ذلك لهم وحدَهم، للتخفيفِ عنهم، ولا بدَّ من أن ينعقدَ مجلسُهم العالي للنظرِ والتشاور، وحسبُهم ما كان منهم، مما صاروا إلى التباهي فيه، على ضياعٍ غامر، وذهابٍ لا مردَّ له إلا بلقيا ربِّهم على طهرِ توبةٍ نصوح.

بقيت كلمةٌ ناصحةٌ أبعثُ بها إلى الذين كانوا بالأمس لا يكادون يفارقون مجلسي، ولطالما كان مني رعايةٌ لهم، وسهرٌ في الليلِ على مصالحِهم، ومصلحةِ الشيخ الذين يدّرؤون باسمه من بعد موته رحمه الله، ويفاخرون الدنيا أنهم تلاميذُه وأقربُهم مودةً إليه، ويحسبونَ أنهم من ذلك على شيءٍ، وليسوا هم كذلك. فأقول لهم: أحسبُكم أنكم قد ملَلتُم أكلَ المالِ الحرامِ الذي سَمَّنتُم به جسومَكم، ونشَّأتُم فيه أبناءَكم ونساءَكم، وصرتُم مثلاً يُضرَبُ ويُحكى في التجرُّؤ على الحرام تأكلونَه أكلاً لَمّاً، كما أحسبُ الحرام قد سئمَكُم، وصار يبحثُ عن غيرِكم من أمثالكم لئلا يجهدَ في غيرِ طائل.

وأسألُ اللهَ لنا ولكم وللأُمةِ التوفيقَ في الأمر، والسَّدادَ على الصراط.

أبو مالك: محمد بن إبراهيم شقرة

5/4/2009

مقدمة:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله ربّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على خير المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن سار على نهجهم إلى يوم الدِّين، أما بعد:

فهذا لقاءٌ آخرُ مُتجدِدٌ نكشفُ فيه سرقة أخرى لمن يُسمونه (المحدِّث) و(المحقّق)!! (مشهور حسن آل سلمان!!) وهو (مشهور حسن محمود سلمان النجّار).

ألّف مشهور حسن – بحسب ما يزعم – كتاب (الإمام القرطبي شيخ أئمة التفسير)، ونشرته دار القلم في دمشق ضمن سلسلة (أعلام المسلمين) رقم (41) سنة (1413هـ1993م) في (261) صفحة من القطع الصغير.

وقد رَاجَ هذا الكتاب بين أهل العلم؛ لأن (مصنّفه) معروفٌ (ومشهورٌ) كاسمه! ولمّا اطّلعت على الكتاب؛ أيقنت أن أسلوبه، واستنباطاته، وبعض قوّته، لا يمكن بحالٍ من الأحوال أن تكون صدرت عن (مشهور)، لأني أعرف مستواه العلمي، فتتبعت مصادره؛ فوجدته قد (سرقه)، ولفّقه من كتابين أصيلَين تناول فيهما مصنفيهما الإمام القرطبي – رحمه الله – في دراستين منهجيتين، وهما:

– كتاب (القرطبي ومنهجه في التفسير) للدكتور القَصَبي زلط، المدرس بالأزهر، وكانت رسالته في الدكتوراه، وطبعت للمرة الأولى سنة (1399هـ-1979م) دار الأنصار – مصر.

– كتاب (القرطبي المفسّر) ليوسف عبدالرحمن الفِرت، وطبع سنة (1402هـ-1982م) دار القلم – الكويت.

وقد عَمدَ مشهور إلى هذين الكتابين؛ فاقتطع ما فيهما من نصوص، ولفّق بينهما، وقدّم وأخّر، وأحياناً اختصر، فنتج من ذلك هذا الكتاب، وقد تتبّعته، فوجدته قد كذب، ودلّس، ولبّس، وزعمَ، وافترى، وتصرّف، وأخطأ… وغير ذلك مما سيجده القارئ مفصلاً إن شاء الله.

وللأمانة أقول: أشهد أن (مشهوراً) ذكيٌّ في أساليب السرقة والتلفيق، وأن أقرانه ممن يسرقون – أعني: سليم الهلالي وعلي الحلبي – لم يصلوا إلى مستواه في إخفاء السرقة، ولذلك يظن الناس فيه الخير.. فحريٌّ بأصحابه السُّرّاق أن يثنوا بين يديه ركبهم ليتعملوا منه أفانين السلب والنهب!!

وأنا أدعو القارئ الكريم (أن يدع التعصب جانباً) ويقرأ بِرَوية وتفكّر؛ ليعرف من هو مشهور، وكيف يقتات على موائد العلماء، فيسرق كلامهم ويجني ثمرة تعبهم بجمع الأموال، ولا حول ولا قوة إلا بالله الكبير المتعال.

وطريقتي في هذا المُصَنَّف: أن أنقل نص (مشهور) كاملاً، ثُمّ أورِدُ كلامي عليه، ثُمّ أنقل الموضع الذي (سرقه) (مشهور)، وأحياناً يأتي تعقيبي بعد نقل الكلام الأصلي الذي سرقه مشهور، وذلك بحسب المقام. مع التنبيه على أن هناك مواضع قليلة جداً كان يعزو فيها مشهور إلى المصدر الذي نقل منه دون أن يضع علامات تنصيص ليلبّس على القارئ فيظن أن هذا من كلامه، وأنه استفاد الفكرة من المصدر المحال إليه.. ولأن الأمانة العلمية تقتضي بيان ذلك؛ فقد أشرت إلى المواضع التي كان يعزو فيها (مشهور) بل أشرت إلى جميع الحواشي التي كان يذكرها في كلامه، وقارنتها بالهوامش من الكتب التي سرق منها.

وسيجد القارئ أيضاً شيئاً من التعقُّبات المهمة التي تبيّن جهل (مشهور) في العلم.

وآن البدء بالمقصود بعون الله المعبود:

1- استخدم مشهور لفظ: “صاحبنا” كما في (ص13) حيث قال: “وأرى أنّ صاحبنا يكره هذا اللقب”.

وهذا اللفظ استخدمه كثيراً الدكتور الفِرت، فمثلاً قال (ص16): “وقد عاش صاحبنا القرطبي…”.

وقد يقول قائل: إن هذا المصطلح (صاحبنا) مستخدم في كثير من كتب التراجم المعاصرة.. فأقول: نعم؛ هذا وحده لا يكفي في التدليل على سرقة مشهور لكلام الدكتور الفرت، ولكن عندما يطلع القارئ على باقي حلقات مسلسل هذه السرقة؛ يتيقن أنه جزء منها.. فلا تتعجَّل!

2- قال مشهور – وهو يتحدث عن ولادة القرطبي ونشأته – (ص15): “أولاً: ولد أبو عبدالله بقرطبة، وتلقّى بها ثقافة واسعة في الفقه، والنحو، والقراءات، وغيرها، على جماعة من العلماء المشهورين، وكان يعيش آنذاك في كنف أبيه ورعايته، وبقي كذلك حتى وفاته، سنة 627هـ في حادثة ذكرها أبو عبدالله نفسه في تفسير قول الله تعالى: {ولا تحسبنّ الذين قُتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءٌ عند ربهم يُرزقون} قال في المسألة الخامسة: ((العدو إذا أصبح قوماً في منازلهم؛ ولم يعلموا به، فقتل منهم، فهل يكون حكمه حكم قتيل المعركة أم حكم سائر الموتى؟ وهذه المسألة وقعت عندنا بقرطبة – أعادها الله -؛ أغار العدو – قصمه الله – صبيحة الثالث من رمضان المعظّم سنة سبع وعشرين وستّ مئة، والناس في أجرانهم على غفلة، فقتل وأسر، وكان من جملة من قتل والدي – رحمه الله – فسألت شيخنا المقرئ الأستاذ أبا جعفر أحمد، المعروف بـ (ابن أبي حجّة)، فقال: غسّله، وصلّ عليه، فإن أباك لم يُقتل في المعترك بين الصفين. ثم سألت شيخنا ربيع بن عبدالرحمن بن أحمد بن ربيع بن أُبيّ، فقال: إن حكمه حكم القتلى في المعترك. ثم سألت قاضي الجماعة أبا الحسن علي بن قُطرال، وحوله جماعة من الفقهاء، فقالوا: غسّله، وكفّنه، ففعلت. ثم بعد ذلك وقفت على المسألة في التبصرة لأبي الحسن اللخمي، وغيرها، ولو كان ذلك قبل ذلك، ما غسّلته، وكنت دفنته بدمه في ثيابه)). [توثيق: الجامع لأحكام القرآن: 4/272].

ونستفيد من هذه الحادثة أكثر من فائدة، ونخرج بها بأكثر من دلالة، يهمنا هنا منها، ما يلي:

1- أن الإمام القرطبي كان يهتم بالأحكام الدينية، ويتحرّى الدقة في المسائل الفقهية، ويبني تصرفاته العملية على أساس من هذه الأحكام، ولا يستطيع ذلك إلا مَنْ شغل نفسه بالعلم، وربط نفسه بأسبابه.

2- أنه كان يتلقى العلم عن أكثر من شيخ، ولذلك اتّجه إليهم حين نزلت به ملمّة، احتاج إلى الكشف عن الفُتيا فيها، فسأل أكثر من شيخ، ليتعرّف الرأي الأوفق، والأقوى حجّة، فينفّذه.

3- أنه كان يُديم النظر في المسائل العلمية، ولا يكتفي في قضايا الأحكام بفتوى سمعها، ولو كانت من شيوخه الأجلاء. ودليل ذلك أنه على الرغم من تنفيذه رأي الغالبية من شيوخه في غسل والده، والصلاة عليه، ظلّ ينقّب ويبحث – على عادته -، حتى وقف على المسألة في التبصرة لأبي الحسن اللخمي، وغيرها.

4- أن الإمام القرطبي ما كان ليجد بأساً في العدول عن رأيٍ ارتضاه، إذا ثبت له أن هناك رأياً آخر أولى بالاتباع، ولذلك قال حين اطمأن إلى الحكم الذي أورده اللخمي في التبصرة: ((… ولو كان ذلك قبل ذلك؛ ما غسلته، وكنت دفنته بدمه في ثيابه))”. [توثيق: القرطبي المفسر: 39].

قلت: وهذا كلّه كلام الدكتور الفِرت في كتابه! ولا يعفي مشهور أنه وثّق في نهاية (سرقته) لكلام الدكتور أنه أشار إلى كتابه (ص39)! لأنه كان يجب عليه أن يقول: قال الدكتور الفرت، ثم يجعل علامتي تنصيص بين الكلام الذي يريد أن يقتبسه، وأما أن ينقل الكلام بحروفه بدون علامتي التنصيص، ثم يشير إشارة خاطفة إلى مصدر هذا الكلام، فهذه ليست أمانة علمية، بل (سرقة واضحة)؛ لأن القارئ لا يعرف أن هذا الكلام بحروفه هو كلام الدكتور الفِرت!

وهذه هي طريقة (مشهور) في السرقة، فإنه يوثّق أحياناً من الكتاب الذي سرق منه؛ ليخدع القارئ أنه إذا نقل عن ذلك الكتاب فإنه يذكره!! وهذا نادرٌ جداً عنده، فإنه ينقل صفحات كثيرة بحروفها دون أدنى إشارة، وهكذا فليكن التلبيس والتدليس!!! بل (السرقة)!!

قال الدكتور الفِرت (ص37-39): “ومن هنا يمكن القول: إن القرطبي قد أقبل منذ صغره على العلوم الدينية والعربية إقبال المحبّ لها، المشغوف بها… وفي النحو وأبوابه، وفي علوم القرآن والقرآءات… ولست أغرب حين أقول: إن من وصل إلى هذا التميز لا بدّ أن يكون منذ البداية طلعة متفتحاً، مهتماً بالتلقي، مشغوفاً بالعلم، وسأنقل عنه حادثة أوردها في تفسيره تدعم هذه الفكرة وتؤكدها، ففي تفسير قوله تعالى: {ولا تحسبنّ الذين قُتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءٌ عند ربهم يُرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون} قال القرطبي: ((العدو إذا أصبح قوماً في منـزلهم؛ ولم يعلموا به، فقتل منهم، فهل يكون حكمه حكم قتيل المعترك أم حكم سائر الموتى؟ وهذه المسألة وقعت عندنا بقرطبة – أعادها الله -؛ أغار العدو – قصمه الله – صبيحة الثالث من رمضان المعظّم سنة سبع وعشرين وستّ مئة، والناس في أجرانهم على غفلة، فقتل وأسر، وكان من جملة من قتل والدي – رحمه الله – فسألت شيخنا المقرئ الأستاذ أبا جعفر أحمد، المعروف بأبي حجّة، فقال: غسّله، وصلّ عليه، فإن أباك لم يُقتل في المعترك بين الصفين. ثم سألت شيخنا ربيع بن عبدالرحمن ابن أحمد بن ربيع بن أُبيّ، فقال: إن حكمه حكم القتلى في المعترك. ثم سألت قاضي الجماعة أبا الحسن علي بن قُطرال، وحوله جماعة من الفقهاء، فقالوا: غسّله، وكفّنه، ففعلت. ثم بعد ذلك وقفت على المسألة في التبصرة لأبي الحسن اللخمي، وغيرها، ولو كان ذلك قبل ذلك، ما غسّلته، وكنت دفنته بدمه في ثيابه)). [توثيق: تفسير القرطبي، المسألة الخامسة في تفسير الآيتين السابقتين ج4 ص272].

ولا يفوتنا أن نخرج من هذه الحادثة التي رواها القرطبي بأكثر من دلالة هي:

1- أن الإمام القرطبي كان يهتم بالأحكام الدينية، ويتحرّى الدقة في المسائل الفقهية، ويبني تصرفاته العملية على أساس من هذه الأحكام، ولا يستطيع ذلك إلا مَنْ شغل نفسه بالعلم، وربط نفسه بأسبابه.

2- أنه كان يتلقى العلم عن أكثر من شيخ، ولذلك اتّجه إليهم حين نزلت به ملمّة، احتاج إلى الكشف عن الفُتيا فيها، فسأل أكثر من شيخ، ليتعرّف الرأي الأوفق، والأقوى حجّة، فينفّذه.

3- أنه كان يُديم النظر في المسائل العلمية، ولا يكتفي في قضايا الأحكام بفتوى سمعها، ولو كانت من شيوخه الأجلاء. ودليل ذلك أنه على الرغم من تنفيذه رأي الغالبية من شيوخه في غسل والده، والصلاة عليه، ظلّ ينقّب ويبحث – على عادته -، حتى وقف على المسألة في التبصرة لأبي الحسن اللخمي، وغيرها.

4- أن الإمام القرطبي ما كان ليجد بأساً في العدول عن رأيٍ ارتضاه، إذا ثبت له أن هناك رأياً آخر أولى بالاتباع، ولذلك قال حين اطمأن إلى الحكم الذي أورده اللخمي في التبصرة: ((… ولو كان ذلك قبل ذلك؛ ما غسلته، وكنت دفنته بدمه في ثيابه))”.

قلت: فأين الأمانة العلمية عند مشهور حسن؟! وقد ذكر الدكتور الفرت نقطة خامسة استفادها من هذه الحادثة، ولكن مشهور حسن لم يذكرها هنا، وإنما أفردها عن هذه من دون أن يعزوَها لكتاب الدكتور الفِرت!! وهي الآتية:

3- قال مشهور (ص17): “رابعاً: أنّ القرطبي حين توفي والده (سنة 627هـ) كان شاباً لأنه تردد على أكثر من شيخ له، وفي ذلك دليل على أنه لم يكن في مستوى علمي يُتيح له أن يقضي في أمر كهذا برأيه، ومن هنا نستطيع الجزم أن أبا عبدالله كان بقرطبة شابّاً، وأنه خرج منها وعمره بين العشرين والخامسة والعشرين فيما نحدس ونظن ونخمّن“. انتهى.

قلت: أأنت الذي تحدس وتخمّن أيها المحقق المشهور؟!

قال الدكتور الفرت فيما ذكره تابعاً لما سبق في النقطة السابقة (ص39):”5- أن القرطبي – حين توفي والده – سنة 627هـ كان شاباً يعيش في كنف أبيه، لأنه تردد على أكثر من شيخ له، وفي ذلك دليل على أنه لم يكن في مستوى علمي يتيح له أن يقضي في أمر كهذا برأيه، ومن هنا يحدس الباحث أن عمر القرطبي آنذاك كان يترجح بين سن العشرين والخامسة والعشرين، ويمكن – ترتيباً على ما سبق – أن تكون عشر السنين الأولى من القرن السابع الهجري (600-610هـ) هي الفترة التي ولد فيها الإمام القرطبي رحمه الله”.

قلت: وهذه الفقرة الأخيرة من كلام الدكتور سرقها مشهور وأفردها في نقطة، وهي الآتية:

4- قال مشهور (ص20): “يمكن ترتيباً على ما سبق أن تكون السنوات العشر الأولى من القرن السابع الهجري (600-610هـ) هي الفترة التي ولد فيها الإمام أبو عبدالله رحمه الله تعالى. وقد كانت قرطبة في هذه المدة الزمنية تحت حكم الموحدين، وأما الحاكم فهو أبو عبدالله محمد (الناصر) ابن أبي يوسف يعقوب بن يوسف بن عبدالمؤمن (المنصور) (595-610هـ)”. انتهى.

قلت: وهذا كلّه كلام الدكتور الفِرت، فإنه قال (ص39-40): “ويمكن – ترتيباً على ما سبق – أن تكون عشر السنين الأولى من القرن السابع الهجري (600-610هـ) هي الفترة التي ولد فيها الإمام القرطبي رحمه الله. وقد كانت قرطبة في هذه المدة الزمنية تحت حكم الموحدين، وأما الحاكم فهو أبو عبدالله محمد (الناصر) (595- 610هـ) ابن أبي يوسف يعقوب بن يوسف ابن عبدالمؤمن (المنصور)”. انتهى.

قلت: لا أدري كيف يتبجّح مشهور بهذا، ويدّعي أن ذلك من استنتاجه!! ولا حول ولا قوة إلا بالله.

5- قال مشهور (ص17): “ثالثاً: يؤخذ من حادثة مقتل أبيه السابقة أن القرطبي كان يعيش في أسرة متواضعة الحال، فأبوه كان يشتغل بالزراعة، وكان يباشر حصاد أحد المحاصيل يوم قُتِل مع غيره من المسلمين على يد النصارى”.

قلت: وهذا (سرقه) مشهور من كلام الدكتور القصبي زلط، حيث إنه ذكر تلك الحادثة في كتابه (ص7) ثم قال: “وأقوى ما يؤخذ من هذا النص أن القرطبي نشأ في كنف أبيه ورعايته وأن أباه كان يشتغل بالزراعة وكان يباشر حصاد أحد المحاصيل يوم قتل مع غيره من المسلمين على يد النصارى”.

وهل الاشتغال بالزراعة يدلّ على تواضع الحال؟ وما أدراه مشهور، لعل أباه كان يشرف على حصاد أرض يملكها هو؟ أي كهانة هذه يا مشهور؟!

6- عَنوَنَ مشهور (ص20): (الحالة السياسية في عصر القرطبي في الأندلس)، ثُم قال: “ومن اللازم عليّ هنا أن أتعرض إلى عصر القرطبي بإجمال، وإلى حال الأندلس في عهد دولة الموحّدين، فأقول، وعلى الله تعالى الاعتماد والتكلان:

1- قامت دولة الموحدين بالمغرب على يد أبي عبد المهدي محمد بن تومرت (485-524هـ) على أساسٍ من الفهم النقي لدين الإسلام، والتوحيد الخالص، وصفاء العقيدة. وقد ورثت هذه الدولة دولة المرابطين في المغرب والأندلس، وحرست الحضارة الإسلامية، واستطاع (عبدالمؤمن بن علي) أن يحقق أهداف زعيمه (ابن تومرت) حين أسقط دولة المرابطين، واحتلّ عاصمتهم مراكش، سنة 541هـ”. انتهى.

قلت: وهذا كلام الدكتور الفرت بحروفه في (ص10) في حاشية (1)، فإنه عنون: (الأوضاع السياسية بالأندلس في عصر القرطبي) ثم ذكر دولة الموحدين، فقال في الحاشية: “قامت دولة الموحدين بالمغرب على يد أبي عبد المهدي محمد بن تومرت (485-524هـ) على أساسٍ من الفهم النقي لدين الإسلام، والتوحيد الخالص، وصفاء العقيدة. وقد ورثت هذه الدولة دولة المرابطين في المغرب والأندلس، وحرست الحضارة الإسلامية، واستطاع “عبدالمؤمن بن علي” أن يحقق أهداف زعيمه “ابن تومرت” حين أسقط دولة المرابطين، واحتلّ عاصمتهم مراكش، سنة 541هـ”. انتهى.

ولا أدري كيف يسرق مشهور ويقول في بداية كلامه: “فأقول وعلى الله تعالى الاعتماد والتكلان”؟!!

فالقول ليس قولك! وهل تعتمد على الله وتتوكل عليه في (السرقة)؟! {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً} [الكهف: 5].

ومن عجائب هذه السرقة أنّ مشهور النجَّار تابع الدكتور الفرت على السَّقط حين نقل اسم ابن تومرت، فقال: “أبي عبد المهدي”، وإنما هو: “أبي عبدالله المهدي”.

ولاحظ أخي القارئ كيف هي براعة الاستهلال في السرقة من قِبل مشهور وذلك في قوله: “الحالة“، بدل: “الأوضاع“.

ومن تخلُّف مشهور وحمقه الذي أوقعه الله في حبائله ثناؤه المسروق على ابن تومرت، وغاب عنه – وهو من أقطاب السلفية المزعومة – أن دولة ابن تومرت لم تقم قطُّ على أساس من الفهم النقي لدين الإسلام والتوحيد الخالص وصفاء العقيدة! بل هي يوم قامت أقرب للضلال والبدع من الإيمان، وحسبنا كلام ابن تومرت نفسه في كتابه الموسوم بـ ((أعز ما يُطلب)) (ص297 وما بعدها) حين يقول: “لا يصحُّ قيام الحقِّ في الدنيا إلا بوجوب اعتقاد الإمامة في كلِّ زمان من الأزمان إلى أن تقوم الساعة… ولا يكون الإمام إلا معصوماً من الباطل ليهدم الباطل وأنَّ الإيمان بالمهديِّ واجب وأنَّ من شكَّ فيه كافر، وأنه معصوم فيما دعا إليه من الحقِّ، وأنه لا يُكابر ولا يُضاد ولا يُدافع ولا يخالف ولا يُنازع”.

قلت: السرَّاق لا بدّ أن يفضح نفسه!

والدكتور الفرت لم يحسن الكلام على دولة الموحدين هذه! فجاء السرّاق فسرق كلامه وتابعه على أن هذه الدولة قامت على التوحيد الخالص وصفاء العقيدة!!

ألم تسمع إلى كلام الذهبي في ((السير)) (19/540-541) وهو يقول في ترجمة ابن تومرت: “وكان لهجاً بعلم الكلام، خائضاً في مزالِّ الأقدام، ألَّف عقيدةً لقَّبها بالمُرشدة، فيها توحيد وخير بانحراف، فحمل عليها أتباعَه، وسمَّاهم الموحدين، ونبَزَ من خالفَ المرشدةَ بالتَّجسيم، وأباحَ دَمَه، نعوذ بالله من الغَيِّ والهوى”.

فهل هذا هو الفهم النقي لدين الإسلام (يا مشهور)؟! حقّاً إنك غِرٌّ غَبيّ مع هذا الجهميّ!!

7- قال مشهور (ص21) متابعاً لما سبق: “2- اهتمت دولة الموحدين في بداية أمرها بتوفير قوّة دفاعية كافية للأندلس، إذ جعلت (غرناطة) مركزاً دفاعياً قوياً، ونقلت العاصمة من (إشبيلية) إلى (قرطبة) سنة (557هـ)، التي اعتبرت مستقراً للجيوش الموحدية. [توثيق: راجع: تاريخ ابن خلدون: 6/183، والمجمل في تاريخ الأندلس: 182-184 لعبدالحميد العبادي، والتاريخ الأندلسي: 456-458 لعبدالرحمن الحجّي، والتاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية: 4/141 لأحمد شلبي]. فقد كانوا ينهضون بعبء الدفاع عن المناطق والحصون الإسلامية بالأندلس، ضدّ الهجمات الصليبية المتكررة من جيرانهم نصارى الشمال الإسباني، إذ ألِفوا الإغارة على الحصون، والاستيلاء على المناطق التي تضعف أمامهم، ولم يتركوا في هذه البلاد فرصة مواتية لاحتلال قلعة أو حصن أو بلدٍ إسلامي إلا انتهزوها، ونكلوا بأهله وسكانه تنكيلاً بالغاً: قتلاً، وتشريداً، وإذلالاً”. انتهى.

قلت: وهذا كلّه بحروفه للدكتور الفرت، فإنه قال (ص10): “ففي الأندلس كان الأمر لدولة الموحدين التي اهتمت بتوفير قوّة دفاعية كافية للأندلس؛ إذ جعلت “غرناطة” مركزاً دفاعياً قوياً، ونقلت العاصمة من إشبيلية إلى قرطبة سنة 557هـ، التي اعتبرت مستقراً للجيوش الموحدية. [توثيق: انظر: تاريخ ابن خلدون: ج6 ص183، وعبدالحميد العبادي: المجمل في تاريخ الأندلس ص182-184، ود. عبدالرحمن الحجي: التاريخ الأندلسي ص 456-458، ود. أحمد شلبي: التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية ج4 ص141]. فقد كانوا ينهضون بعبء الدفاع عن المناطق والحصون الإسلامية بالأندلس، ضدّ الهجمات الصليبية المتكررة من جيرانهم نصارى الشمال الإسباني، إذ ألِفوا الإغارة على الحصون، والاستيلاء على المناطق التي تضعف أمامهم، ولم يتركوا في هذه البلاد فرصة مواتية لاحتلال قلعة أو حصن أو بلدٍ إسلامي إلا انتهزوها، ونكلوا بأهله وسكانه تنكيلاً بالغاً: قتلاً، وتشريداً، وإذلالاً”. انتهى.

قلت: فانظر –رحمك الله – إلى سرقة مشهور كلام الدكتور بحروفه، حتى في الحواشي!! فأحلف بالله أنه لم يرجع إلى هذه المراجع التي وثقها؛ لأنه سرقها من الدكتور الفرت! وأعيد ذكر المصادر هنا للمقارنة:

– مصادر مشهور: [راجع: تاريخ ابن خلدون: 6/183، والمجمل في تاريخ الأندلس: 182-184 لعبدالحميد العبادي، والتاريخ الأندلسي: 456-458 لعبدالرحمن الحجّي، والتاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية: 4/141 لأحمد شلبي].

– مصادر د. الفرت: [انظر: تاريخ ابن خلدون: ج6 ص183، وعبدالحميد العبادي: المجمل في تاريخ الأندلس ص182-184، ود. عبدالرحمن الحجي: التاريخ الأندلسي ص 456-458، ود. أحمد شلبي: التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية ج4 ص141].

وانظر أحد أفانين السرقة: (راجع) بدل (انظر)! وكانَ من الممكن لهذا (المشهور) أن يُقدِّم ويؤخر في ذكره هذه المصادر، ولكنَّ الله قضى بانطماس بصره وبصيرته لتُكشف حقيقته للأَنام. فإليه المشتكى من (السّراقين)!!

8- قال مشهور (ص21): “3- حقّقت دولة المحدين – في بداية أمرها – انتصارات؛ أعادت إلى مسلمي الأندلس – أيامها – بعض ما افتقدوه من العزّة الإسلامية، فقد ردّت لهم بعض ما فقدوه من أوطانهم، لكنها ما لبثت أن ذاقت وذاق معها المسلمون من الهزائم ما انهارت به هذه الدولة، وكانت بداية النهاية للدولة الإسلامية بالأندلس”. انتهى.

قال الدكتور الفِرت (ص11): “.. وذلك أن دولة الموحدين ارتفع شأنها من البداية، وحققت انتصارات أعادت إلى مسلمي الأندلس أيامها بعض ما افتقدوه من العزّة الإسلامية: فقد ردّت لهم بعض ما فقدوه من أوطانهم، لكنها ما لبثت – كما قلنا أن تبدل حالها، وضعف شأنها، فذاقت – وذاق معها المسلمون من الهزائم ما انهارت به دولة الموحدين، وكانت بداية النهاية للدولة الإسلامية بالأندلس”. انتهى.

قلت: فانظر كيف سرق مشهور كلام الدكتور! ولاحظ فن مشهور في سبك السرقة وتأمل براعته، فإبليس يتعلّم منه! اللهمّ عافنا.

لكنها ما لبثت أن ذاقت وذاق معها المسلمون.

لكنها ما لبثت – كما قلنا أن تبدل حالها، وضعف شأنها، فذاقت!

9- قال مشهور (ص21) متابعاً لما سبق: “4- كان السبب في ضعف المسلمين بالأندلس آنذاك: التآمر الضاري ضدّ الوجود الإسلامي، والتنازع والتفرّق، حتى انصرف زعماؤهم إلى إقامة مملكة في كل مدينة…”.

قال الدكتور الفرت (ص10): “ولم يكن احتلال موقع، أو الإغارة على منطقة إسلامية صعب التحقيق على الأسبانيين النصارى؛ إذ كان المسلمون – في هذا الوقت – متفرقين، تنازعتهم الأهواء واشتدت بينهم البغضاء، وانصرف زعماؤهم إلى الاهتمام بالوصول إلى حكم منطقة ما، والانفراد بالسلطان فيها…”.

فتأمّل ما يُمكن تسميته في (علم كشف السرقات) بـ (السرقة بالمعنى)! فبئسَ القرار.

10- قال مشهور (ص22) تحت عنوان: (إلماحات عن عصر القرطبي السياسي بقلمه): “وقد سجّل القرطبي لمحات تاريخية عن عصره عامة، وعن سبب تقهقر المسلمين في الأندلس خاصة… وهذه اللمحات كثيرة نجتزئ منها ما يلي:

… وقال أيضاً: ((كما اتفق في بلاد الأندلس، تركوا الجهاد، وجبُنوا عن القتال، وأكثروا من الفِرار، فاستولى العدو على البلاد، وأيّ بلاد!! وأسر وقتل وسبى واسترقّ، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ذلك بما قدمت أيدينا وكسبته)). [توثيق: الجامع لأحكام القرآن: 3/39].

… وقال: ((ويقتضي ظاهر كلام النبي صلى الله عليه وسلم لثوبان… حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً، ويسبي بعضهم بعضاً، أنه لا يسلط عليهم عدوهم فيستبيحهم إلا إذا كان منهم إهلاك بعضهم لبعض، وسبي بعضهم لبعض، وقد وجد ذلك في هذه الأزمان بالفتن الواقعة بين المسلمين فغلظت شوكة الكافرين واستولوا على بلاد المسلمين، حتى لم يبق من الإسلام إلا أقله، فنسأل الله أن يتداركنا بعفوه ونصره ولطفه”. [توثيق: الجامع لأحكام القرآن: 5/420].

قلت: وهذا العنوان والفكرة وبعض ما فيها (سرقه مشهور) من كلام الدكتور الفرت، فإنه قال (ص20): “وليس غريباً – إذن – أن نجد في ثنايا تفسير القرطبي الذي عاصر هذه المحنة – ما يشير إلى هذا الخطل الذي مني به المسلمون في ذلك العصر…

ثم يعقّب القرطبي – في أسى بالغ: – ((وهذا صحيح لا غبار عليه كما اتفق في بلاد الأندلس، تركوا الجهاد، وجبنوا عن القتال، وأكثروا من الفرار فاستولى العدو على البلاد وأي بلاد؟! وأسر وقتل، وسبى واسترق، فإنا لله وإنا إليه راجعون! ذلك بما قدمت أيدينا وكسبته!)) [توثيق: تفسير القرطبي، المسألة الثالثة في تفسير الآية السابقة ج3 ص39].

وفي تفسير قوله تعالى: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً}. قال القرطبي: وللعلماء فيه تأويلات خمس: الثالث منها… ويدل عليه قوله عليه السلام في حديث “ثوبان”: حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً، ويسبي بعضهم بعضاً، وذلك أن “حتى” غاية فيقتضي ظاهر الكلام أنه لا يسلط عليهم عدوهم فيستبيحهم إلا إذا كان منهم إهلاك بعضهم لبعض، وسبي بعضهم لبعض، وقد وجد ذلك في هذه الأزمان بالفتن الواقعة بين المسلمين فغلظت شوكة الكافرين واستولوا على بلاد المسلمين، حتى لم يبق من الإسلام إلا أقله، فنسأل الله أن يتداركنا بعفوه ونصره ولطفه” [توثيق: تفسير القرطبي: المسألة الأولى في تفسير الآية 141 من سورة النساء – ج5 ص420]. انتهى.

11- قال مشهور (ص26) تحت عنوان: (موقعة الأرك): “ومن أهم المواقع التي انتصر فيها الموحدون (موقعة الأرك)، وذلك بعد أن هدأت الحروب في الأندلس بضعة أعوام (من سنة 587-591هـ). نظراً لوقوع خلاف بين الملوك الأسبان في تلك المدة، ولانشغال سلطان الموحدين (يعقوب المنصور) بإخماد ثورات بإفريقية، ولمرضه الذي أعجزه عن تولّي أمر الحرب بنفسه. وقد رأى (الفونسو) الثالث، ملك (قشتالة) الفرصة سانحة لتحقيق انتصار ساحق على الموحدين، فأعدّ العدّة لذلك، واستثار سلطانهم بكتاب ليدفعه إلى القتال، الذي يطمع بسببه في كسر شوكة (الموحدين) المسلمين، فكتب إليه ما نصّه: من ملك النصرانية إلى أمير الحنيفية. أما بعد: فإن كنت عجزتَ عن الحركة إلينا، وتثاقلت عن الوصول والوفود علينا، فوجّه لي المراكب والشباطي، أجوز فيها جيوشي إليك، حتى أُقاتلك في أعزّ البلاد عليك، فإن هزمتني؛ فهدية جاءتك إلى يدك، فتكون مَلِكَ الدينين، وإن كان الظهور لي كنت ملكَ الملتين، والسلام.

فأخذت غيرةُ الإسلام (السلطان يعقوب)، واشتد حنقه لغطرسة ملك النصارى، وأمر أن يُكتب الردّ على ظهر الخطاب نفسه، بقوله تعالى: {ارجع إليهم فلنأتينّهم بجنود لا قبل لهم بها، ولنخرجنّهم منها أذلةً وهم صاغرون}.

ووقّعه، وأرسله إليه، ثم دوّت صيحةُ الجهاد في جميع أنحاء المغرب من (سلا) حتى (برقة)، ضدّ النصارى الذين غدوا خطراً على الإسلام، وتلاقى الفريقان عند قلعة (الأرك) بين قرطبة وقلعة رباح في (19) من (يوليو) سنة (1195م)، الموافق (9 شعبان 591هـ). ومع أن الموحدين كانوا يتقدمون فوق أكداس من جثث جندهم، فإنهم أيقنوا النصرة حينما انحصرت المقاومة في فلول من النصارى، التفت حول ملك (قشتالة)، وهجم أمير المؤمنين في مقدمة جيشه إلى قلب الفرسان النصارى، والعَلَم الأبيض يخفق أمامه منقوشاً عليه (لا إله إلا الله، محمد رسول الله، لا غالب إلا الله)، وتساقط معظم الفرسان النصارى حول ملكهم، وفرّ به الباقون بعيداً عن الميدان.

وهكذا انتهى يوم (الأرك) الدامي بهزيمة النصارى على هذا النحو المروّع، واستولى المسلمون على معسكرهم بجميع ما فيه من المتاع والمال، واقتحموا عقب الموقعة (حصن الأرك)، و(قلعة رباح) المنيعين” انتهى. [توثيق: راجع تفصيل ذلك في: تاريخ الأندلس في عهد المرابطين والموحدين (ص332-337) ليوسف أشباخ، والمجمل في تاريخ الأندلس: 184 لعبدالحميد العبادي، وقصة العرب في أسبانيا: ص177 لعلي الجارم، والتاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية: 4/138-143 لأحمد شلبي، والاستقصا لأخبار المغرب الأقصى: 2/165-173 لأحمد الناصري، والمعجب في تلخيص أخبار المغرب: 358 لعبدالواحد المراكشي، وتاريخ ابن خلدون: 6/512، والكامل في التاريخ: 12/44-45، وما مضى من كتاب القرطبي المفسر: 10-12].

قلت: هذا الكلام بحروفه هو للدكتور الفرت، وكذلك المصادر التي ذكرها مشهور!! ولا يُعفيه أنه أشار إلى كتاب الفرت؛ لأنه كان يجب عليه أن يقول: “قال الدكتور الفرت” ثم يأتي بكلامه، لا أن يوهم أن هذا كلامه بقوله: (وما مضى…) فما الذي مضى؟! وما هو حدوده.. أين بدأ وإلى أين انتهى؟!! وفي هذا استخفافٌ بعقول القرّاء وخاصة أتباعه؛ لأنه يعرف أنهم لا يقرأون؛ إلا من رحم الله!! ثم إنه إن كان أشار إلى كتاب الدكتور الفرت هذه المرة؛ فإنه قد أغفله مرات ومرات !! وذلك إذا سئلَ: لماذا سرقت كلام الدكتور الفرت؟ فيقول: لقد وثقتُ، وهذا الدليل ! وأنا أقول له: بئس التوثيق، وبئس الدليل.

قال الدكتور الفِرت في (ص11-12): “ومن أهم مواقع انتصارات دولة الموحدون موقعة الأرك، وذلك بعد أن هدأت الحروب في الأندلس بضعة أعوام 587-591هـ؛ نظراً لوقوع خلاف بين الملوك الأسبان في تلك الفترة، ولانشغال سلطان الموحدين “يعقوب المنصور” بإخماد ثورات بإفريقية، ولمرضه الذي أعجزه عن تولّي أمر الحرب بنفسه. وقد رأى “الفونسو” الثالث، ملك قشتالة الفرصة سانحة لتحقيق انتصار ساحق على الموحدين، فأعدّ العدّة لذلك، واستثار سلطانهم بكتاب ليدفعه إلى القتال، الذي يطمع بسببه في كسر شوكة المسلمين. [توثيق حاشية: كتب “ألفونسو” إلى سلطان الموحدين يعقوب المنصور ما يلي: بسم الله الرحمن الرحيم، من ملك النصرانية إلى أمير الحنيفية، أما بعد، فإن كنت عجزتَ عن الحركة إلينا، وتثاقلت عن الوصول والوفود علينا، فوجّه لي المراكب والشباطي، أجوز فيها جيوشي إليك، حتى أُقاتلك في أعزّ البلاد عليك، فإن هزمتني؛ فهدية جاءتك إلى يدك، فتكون مَلِكَ الدينين، وإن كان الظهور لي كنت ملكَ الملتين، والسلام”. فأخذت غيرةُ الإسلام “يعقوب”، واشتد حنقه لغطرسة ملك النصارى، وأمر أن يُكتب الردّ على ظهر الخطاب نفسه، بقوله تعالى: {ارجع إليهم فلنأتينّهم بجنود لا قبل لهم بها، ولنخرجنّهم منها أذلةً وهم صاغرون}. ووقّعه، وأرسله إليه. ثم دوّت صيحةُ الجهاد في جميع أنحاء المغرب من “سلا” حتى “برقة”، ضدّ النصارى الذين غدوا خطراً على الإسلام..”].

وتلاقى الفريقان عند قلعة الأرك بين قرطبة وقلعة رباح في 19 من يوليو سنة 1195م، الموافق 9 شعبان 591هـ، ومع أن الموحدين كانوا يتقدمون فوق أكداس من جثث جندهم، فإنهم أيقنوا النصرة حينما انحصرت المقاومة في فلول من النصارى التفت حول ملك قشتالة، وهجم أمير المؤمنين في مقدمة جيشه إلى قلب الفرسان النصارى، والعَلَم الأبيض المقدس يخفق أمامه منقوشاً عليه “لا إله إلا الله، محمد رسول الله، لا غالب إلا الله”، وتساقط معظم الفرسان النصارى حول ملكهم، وفرّ به الباقون بعيداً عن الميدان.

وهكذا انتهى يوم الأرك الدامي بهزيمة النصارى على هذا النحو المروّع، واستولى المسلمون على معسكرهم بجميع ما فيه من المتاع والمال، واقتحموا عقب الموقعة حصن الأرك، وقلعة رباح المنيعين” انتهى. [توثيق: يوسف أشباخ: تاريخ الأندلس في عهد المرابطين والموحدين ص332-337، وانظر: ابن خلدون ج6 ص512. وابن الأثير ج12 ص44، 45. وعبدالحميد العبادي: المجمل في تاريخ الأندلس ص184. وعلي الجارم: قصة العرب في أسبانيا ص177. و د. عبدالرحمن الحجي: التاريخ الأندلسي ص484-490. و د. أحمد شلبي: التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية ج4 ص138-143. والشيخ أحمد الناصري: الاستقصا لأخبار المغرب الأقصى ج2 ص165-173].

قلت: فانظر رحمك الله كيف تلاعب (مشهور) بكلام الدكتور الفرت، فوضع ما في الحاشية داخل النص!! ثُم أشار إلى المصادر نفسها التي ذكرها الدكتور، ولكن كعادته قدّم اسم الكتاب على المؤلف بخلاف ما يفعل الدكتور من تقديم اسم المؤلف على الكتاب!! وكذلك تأخيره لبعض المصادر التي قدّمها الدكتور! وكأنه بهذا التدليس يظن أنه لن يكشفه أحد!!! لكن هيهات هيهات.

12- قال مشهور (ص28-29) تحت عنوان: (موقعة العقاب): “وكانت موقعة (العقاب) التي انتصر فيها النصارى الأسبان – بمعونة البابا والبلاد الأوربية – على المسلمين بعد حرب مريرة في (15 من صفر سنة 609هـ) (16 من يوليو 1212م). وقد اعتبر المؤرخون المسلمون هذا اليوم من أسود أيام تاريخهم، لما مُنُوا به من هزيمة فادحة، ونسبوا الهزيمة من بعض الوجوه إلى غطرسة مليكهم (محمد الناصر)؛ إذ وضع كل ثقته في مئات الألوف من الجند، وفي دربتهم، وفقد بذلك عون الباري جلّ جلاله. [توثيق: حاشية: راجع: تاريخ ابن خلدون: 6/522، والاستقصا لأخبار المغرب الأقصى: 2/165-173، وتاريخ الأندلس: 357-371، والمجمل في تاريخ الأندلس: 185، والتاريخ الأندلسي: 490-498، والمعجب في تلخيص أخبار المغرب: 358، والتاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية: 4/138-143، وقصة العرب في إسبانيا: 177].

وقد أفضت موقعة (العقاب) إلى تحطيم سلطان الموحدين في المغرب فضلاً عن هزيمتهم بالأندلس، إذ حاول (الناصر) أن ينسى هزيمته وكدره منها بالانغماس في ملاذّه وشهواته قرابة عام، حتى دسّ له خدمُهُ السّمَّ الذي انتزعه من مسرّاته المزعومة، وأودى بحياته، ولما يجاوز الرابعة والثلاثين من عمره في شعبان، سنة (610هـ) (ديسمبر 1213م). وقد خلفه ولده (أبو يعقوب يوسف) الملقّب بـ (المستنصر بالله)، وكان أضعف من أنْ يتولى مقاليد الحكم بنفسه، إذ كان دون الحادية عشرة من عمره، فترك الأمور لأعمامه الأربعة الطامحين، ولوزراء ذوي أثَرَة، وخلال سيئة، لا يبحثون إلا عن مصالحهم وسلطانهم، وانصرف هو إلى اللهو والإسراف في الملذات، حتى توفي بين أبقاره، وهو يروضها في ذي الحجة، سنة (620هـ) (يناير 1224م).

وإذا كانت دولة الموحدين قد بدأت عقب هزيمة (العقاب) دور انحلالها، فلم يكن من الميسور بعد أن يعمل وصيّ على إنهاضها، ثم إنه ليس أخطر على دولة ممزقة من حكم صبيّ قاصر، بل إنّ الدولة القوية المنظمة كثيراً ما تنهار من جرّاء ذلك في أعوام قليلة” [توثيق حاشية: انظر: تاريخ ابن خلدون: 6/523-525، وتاريخ الأندلس: 399-401]. وظلت الأمور تتدهور، إذ مهدت وفاة المستنصر الفجائية دون عقب، الفرصة لمحاولة أقربائه وأطماعهم، وظلوا يقتتلون في سبيل الوصول إلى مآربهم، كلّ في حكم منطقة ما!!” انتهى.

قلت: وهذا أيضاً كلّه بحروفه كلام الدكتور الفرت وبهوامشه كذلك!!

قال الدكتور الفرت (ص13-14): “وكانت موقعة العقاب التي انتصر فيها النصارى الأسبان – بمعونة البابا والبلاد الأوربية – على المسلمين بعد حرب مريرة في 15 من صفر سنة 609هـ (16 من يوليو 1212م). وقد اعتبر المؤرخون المسلمون هذا اليوم من أسود أيام تاريخهم، لما مُنُوا به من هزيمة فادحة، ونسبوا الهزيمة من بعض الوجوه إلى غطرسة مليكهم محمد الناصر؛ إذ وضع كل ثقته في مئات الألوف من الجند، وفي دربتهم، وفقد بذلك عون الباري (جلّ جلاله). [توثيق: حاشية: انظر: ابن خلدون: ج6 ص522، ويوسف أشباخ: تاريخ الأندلس ص357-371. وعبدالحميد العبادي: المجمل في تاريخ الأندلس ص185. و د. عبدالرحمن الحجي: التاريخ الأندلسي ص490-498. وعلي الجارم: قصة العرب في إسبانيا ص177. و د. أحمد شلبي: التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية ج4 ص138-143. والشيخ أحمد الناصري: الاستقصا لأخبار المغرب الأقصى ج2 ص165-173. وعبدالواحد المراكشي: المعجب في تلخيص أخبار المغرب ص358].

وقد أفضت موقعة العقاب إلى تحطيم سلطان الموحدين في المغرب فضلاً عن هزيمتهم بالأندلس، إذ حاول الناصر أن ينسى هزيمته وكدره منها بالانغماس في ملاذّه وشهواته قرابة عام، حتى دسّ له خدمُهُ السّمَّ الذي انتزعه من مسرّاته المزعومة، وأودى بحياته، ولما يجاوز الرابعة والثلاثين من عمره في شعبان سنة 610هـ (ديسمبر 1213م). وقد خلفه ولده أبو يعقوب يوسف الملقّب بالمستنصر بالله، وكان أضعف من أنْ يتولى مقاليد الحكم بنفسه، إذ كان دون الحادية عشرة من عمره، فترك الأمور لأعمامه الأربعة الطامحين، ولوزراء ذوي أثَرَة، وخلال سيئة، لا يبحثون إلا عن مصالحهم وسلطانهم، وانصرف هو إلى اللهو والإسراف في الملذات، حتى توفي بين أبقاره، وهو يروضها في ذي الحجة سنة 620هـ (يناير 1224م).

وإذا كانت دولة الموحدين قد بدأت عقب هزيمة العقاب دور انحلالها، فلم يكن من الميسور بعد أن يعمل وصيّ على إنهاضها، ثم إنه ليس أخطر على دولة ممزقة من حكم صبيّ قاصر، بل إنّ الدولة القوية المنظمة كثيراً ما تنهار من جرّاء ذلك في أعوام قليلة” [توثيق حاشية: انظر: تاريخ ابن خلدون ج6 ص523-525. ويوسف أشباخ: تاريخ الأندلس ص399-401]. وظلت الأمور تتدهور، إذ مهدت وفاة المستنصر الفجائية دون عقب، الفرصة لمحاولة أقربائه وأطماعهم، وظلوا يقتتلون في سبيل الوصول إلى مآربهم، كلّ في حكم منطقة ما!!” انتهى.

قلت: وانظر إلى هذا السرّاق (المشهور) كيف يسرق الكلام دون معالجته بشيءٍ من النقد الحكيم!

“… (المستنصر بالله)، وكان أضعف من أنْ يتولى مقاليد الحكم بنفسه، إذ كان دون الحادية عشرة من عمره، فترك الأمور لأعمامه الأربعة الطامحين، ولوزراء ذوي أثَرَة، وخلال سيئة، لا يبحثون إلا عن مصالحهم وسلطانهم، وانصرف هو إلى اللهو والإسراف في الملذات، حتى توفي بين أبقاره، وهو يروضها في ذي الحجة، سنة (620هـ)”.

فكيف بفتى دون الحادية عشرة من عمره ينغمس في الملذات واللهو والإسراف؟! وأيُّ أبقارٍ هذه التي يروضها هذا الفتى؟ هل هي (لعبة الثيران الإسبانية) المشهورة في يومنا هذا؟!!

13- قال مشهور (ص29-30): “7- واستطاع (فرديناد) نتيجة انصراف هؤلاء إلى تحقيق أطماعهم أن يستولي على حصون كثيرة مهمة في الأندلس، حتى رأى أهل قرطبة أن النصارى قد أحاطوا بهم من كل صوبٍ، وأخذوا يتوقّعون سقوط المدينة في أيديهم، وقد ساءت حالها، وأهملت وسائل الدفاع عنها. [توثيق حاشية: انظر: تاريخ الأندلس في عهد المرابطين والموحدين: 403-405].

ولم يلبث النصارى أن داهموا ضاحية قرطبة، حاضرة الأندلس الكبرى بهجوم مخادع شرس، ساعدهم على تنفيذه بعض الخونة من أسرى المسلمين لديهم. وقد استبسل أهل قرطبة في الدفاع عنها، واتجه أملهم الوحيد في إنقاذها إلى أبي عبدالله محمد بن يوسف بن هود الجذامي، المعروف بـ (المتوكل) – وكان يسكن مرسية، ودخلت تحت طاعته عدة مدن أندلسية: مرسية، وإشبيلية، وغرناطة، ومالقة، والمرية، وغيرها [توثيق حاشية: راجع: تاريخ ابن خلدون: 4/361-364، والتاريخ الأندلسي: 153] – فلم يتردد المتوكل في أن يحشد جيشاً ضخماً، لإنقاذ المدينة المهددة، وكان يعرف مدى الخطر الذي يتعرض له الإسلام في الأندلس، إذا سقط هذا الحصن المنيع في يد النصارى.

لكنه رغب في أن يتحقق أولاً من قوة (فرديناند) ومواقعها، فأرسل فارساً (نصرانياً) من جنوده في هذه المهمة، فلم يلبث أن عاد بأخبار كاذبة خادَع بها المسلمين، وأوهمهم بأنه لا قبل لهم بمجابهة الجيش النصراني، وكان ذلك في مقابل عفو حاصل عليه من الملك (فرديناند).

ومن هنا تراجع ابن هود عن نصرة قرطبة التي قاتل أهلها ببسالة عدة معارك دموية، شديدة البأس، حامية الوطيس، وأبدوا ضروباً رائعة من الجَلَد والاحتمال، لكنهم ما لبثوا بعد أن علموا بموقف ابن هود، أن فتّ في عضدهم، وخبت شجاعتهم، وحلّ الخَوَر واليأس لديهم مكان القوة والبسالة، في الوقت الذي شدّد فيه (فرديناند) الحصار عليهم، حتى اضطروا إلى البدء في مفاوضته من أجل التسليم.

وفي (23 من شوّال سنة 633هـ) الموافق (29 من يونيو سنة 1236م) سقطت قرطبة في يد النصارى الذين بادروا بوضع صليب فوق مسجدها الجامع، ورُفعت راية ملك (قشتالة) على القصر…!!.

وغادر المسلمون المغلوبون قرطبة بقلوبٍ محزونة، وتفرقوا في باقي مدن الأندلس” [توثيق حاشية: راجع: نفح الطيب: 2/585، وتاريخ ابن خلدون: 4/675، والتاريخ الأندلسي: 514-515، وتاريخ الأندلس في عهد المرابطين والموحدين: 429-434، وما سبق من ((القرطبي المفسر)): (15-16) بتصرّف]” انتهى.

قلت: هكذا دلّس (مشهور) ولبّس على القرّاء بقوله: “وما سبق من ((القرطبي المفسر)) (15-16) بتصرف”!!! فإن ما نقله هو كلام الدكتور الفِرت بحروفه، فكيف يقول: “بتصرف”؟!!! فهل يُقال هذا يا (مشهور) وأنت لم تتصرف؟!! بل سرقت الكلام كله بحروفه وبهوامشه وعلامات ترقيمه؟!!! ثُمّ إن إشارتك يا (مشهور) في أنك تصرفت بما في كتاب الدكتور الفرت في (ص15-16) كذبٌ محض! لأنك سرقت ما قبل ذلك أيضاً: من (ص11-16)!! كما سبق بيانه. وهذا دليلٌ قويٌّ على سرقتك؛ لأنك لم تُشرْ إلى الصفحات السابقة! فهل اختلطت عليك الأرقام، أم أنه الاحتراف؟!

وهذا كلام الدكتور الفرت في (ص15-16) تحت عنوان: (سقوط قرطبة): “واستطاع فرديناد نتيجة انصراف هؤلاء إلى تحقيق أطماعهم – استطاع أن يستولي على حصون كثيرة مهمة في الأندلس، حتى رأى أهل قرطبة أن النصارى قد أحاطوا بهم من كل صوبٍ، وأخذوا يتوقّعون سقوط المدينة في أيديهم، وقد ساءت حالها، وأهملت وسائل الدفاع عنها. [توثيق حاشية: انظر:يوسف أشباخ: تاريخ الأندلس في عهد المرابطين والموحدين ص403-405].

ولم يلبث النصارى أن داهموا ضاحية قرطبة حاضرة الأندلس الكبرى بهجوم مخادع شرس، ساعدهم على تنفيذه بعض الخونة من أسرى المسلمين لديهم. وقد استبسل أهل قرطبة في الدفاع عنها، واتجه أملهم الوحيد في إنقاذها إلى المتوكل محمد بن هود [توثيق حاشية: هو أبو عبدالله محمد بن يوسف بن هود الجذامي (625-635هـ) كان يسكن مدينة مرسية ومن الأجناد فيها، حيث بدأ نشاطه سنة 625هـ ودخلت تحت طاعته عدة مدن أندلسية: مرسية وقرطبة وأشبيلية وغرناطة ومالقة والمرية وغيرها. انظر: تاريخ ابن خلدون المجلد الرابع ص361-364، و د. عبدالرحمن الحجي: التاريخ الأندلسي ص153] الذي لم يتردد المتوكل في أن يحشد جيشاً ضخماً، لإنقاذ المدينة المهددة، وكان يعرف مدى الخطر الذي يتعرض له الإسلام في الأندلس، إذا سقط هذا الحصن المنيع في يد النصارى.

لكنه رغب في أن يتحقق أولاً من قوة فرديناند ومواقعها، فأرسل فارساً (نصرانياً) من جنوده في هذه المهمة لم يلبث أن عاد بأخبار كاذبة خادَع بها المسلمين، وأوهمهم بأنه لا قبل لهم بمجابهة الجيش النصراني، وكان ذلك في مقابل عفو حاصل عليه من الملك فرديناند.

ومن هنا تراجع ابن هود عن نصرة قرطبة التي قاتل أهلها ببسالة عدة معارك دموية شديدة البأس، حامية الوطيس، من أجل الوطن والحرية والحياة. وأبدوا ضروباً رائعة من الجَلَد والاحتمال، لكنهم ما لبثوا بعد أن علموا بموقف ابن هود – أن فتّ في عضدهم، وخبت شجاعتهم، وحلّ الخَوَر واليأس لديهم مكان القوة والبسالة، في الوقت الذي شدّد فيه “فرديناند” الحصار عليهم، حتى اضطروا إلى البدء في مفاوضته من أجل التسليم.

وفي 23 من شوّال سنة 633هـ (الموافق 29 من يونية سنة 1236م) سقطت قرطبة في يد النصارى الذين بادروا بوضع صليب فوق مسجدها الجامع، ورُفعت راية ملك قشتالة على القصر…!!!

وغادر المسلمون المغلوبون قرطبة بقلوبٍ محزونة، وتفرقوا في باقي مدن الأندلس” [توثيق حاشية: انظر: تاريخ ابن خلدون مجلد 4 ص675. ونفح الطيب ج2 ص585. ويوسف أشباخ: تاريخ الأندلس في عهد المرابطين والموحدين ص429-434. و د. عبدالرحمن الحجي: التاريخ الأندلسي ص514، 515]” انتهى.

قلت: فتبيّن من هذا أن الشيء الذي تصرف فيه (مشهور) هو أنه أدخل الحاشية التي ذكرها الدكتور الفرت في التعريف بالمتوكل في متن الكلام!!! فانظر مكر هذا المكّار!

وانظر أيها القارئ الكريم إلى سرقته حتى لعلامات الترقيم التي عند الدكتور الفِرت!! والله المستعان.

وقد يعتذر مشهور فيقول: “أنا سرقت علامتي تعجب وتركت الثالثة للدكتور الفرت”!

14- قال مشهور (ص31): “8- هذه المأساة عاشها إمامنا القرطبي كاملة، وعاصر أبعادها منذ بداية القرن السابع الهجري تقريباً، وناله من أوار الحرب الضروس ألوانٌ من البلاء، وتجرّع غصّات وحسرات، ولذا تجد في كتبه عبارات فيها آهات وتألمات وتوجّعات، لأنه غادر قرطبة – مع من غادرها – بنفس جريحة، وجناح مَهيص، وقلب كسير، وأمل في الله كبير أن يُعيدها إلى أيدي المسلمين، وظل يعيش هذا الأمل الغالي، حتى بعد رحيله منها، وبعده عنها، إلى أن لقي ربه عزّ وجل” انتهى.

قال الدكتور الفرت (ص16): “هذا وقد عاش صاحبنا المأساة كاملة، وعاصر أبعاد المشكلة منذ بداية القرن السابع الهجري تقريباً، وناله من أوار الحرب الضروس ألوانٌ من البلاء الذي نزل بأبناء قرطبة جميعاً آنذاك. وقد غادر قرطبة – مع من غادرها – بنفس جريحة، وجناح مَهيص، وقلب كسير، وأمل في الله كبير أن يُعيدها إلى أيدي المسلمين، وظل يعيش هذا الأمل الغالي، حتى بعد أن استقر بمصر، إلى أن لقي ربه عزّ وجل” انتهى.

قلت: أين أمانتك العلمية يا (مشهور) وأنت تنقل كلام الدكتور الفِرت بحروفه؟! وبالمناسبة؛ أسألك يا (مشهور): ما معنى كلمة (أوار) وما ضبطها؟! حاول أن تعرف الجواب قبل أن تنظر إلى الأسفل!!

قال ابن منظور في ((لسان العرب)) (4/35): “الأوار بالضم: شدة حرّ الشمس ولفح النار ووهجها والعطش، وقيل: الدخان واللهب”.

وكذلك فإن عدول (المشهور) عن لفظ “صاحبنا إلى لفظ “إمامنا” يؤكد ما تقدم في النقطة الأولى من هذا الكتاب، وهذا ينبيك أيها اللبيب أن قول “صاحبنا” ليس من نَفَس مشهور الغَرور، وإلى الله تصير الأمور.

وقد وقع في كتاب د. الفرت: ” وجناح مَهيص” بالصاد، فتابعه مشهور على ذلك! والصواب: “مهيض” بالمعجمة.

15- قال مشهور (ص32) تحت عنوان: (نشأة الإمام القرطبي العلمية): “سادساً: من خلال ما مضى نستطيع أن نقول: إن إمامنا أبا عبدالله القرطبي ولد في أوائل القرن السابع الهجري بقرطبة، ونشأ بها، وأخذ عن جملة من كبار شيوخها، وأخذ في سؤالهم، والترداد عليهم في حادثة مقتل أبيه، وكان حينذاك شابّاً، ولم يكن في مستوى علمي يتيح له أن يقضي في أمر كهذا برأيه. ومن خلال ذلك نستطيع أن نقرر هنا ما يلي: إن القرطبي قد أقبل منذ صغره على العلوم الدينية والعربية إقبال المُحبّ لها، المشغوف بها، فأعطته من نفسها ما استحق به ذكر الخالدين، ولذلك نجده في سائر كتبه نسيج وحده، في كلّ مسألة يعرضها، ونلحظ درايته الفائقة في مختلف العلوم التي يتناولها بالبيان، حتى كأنه قد تخصّص فيه، وصرف وقته كله في دراسة قضاياه، نجده كذلك في الفقه وأصوله، وفي اللغة وغرائبها، وفي النحو وأبوابه، وفي علوم القرآن، والقراءات، وهو كذلك في الحديث النبوي، وعلم الرجال…”.

قلت: وهذا الكلام أكثره للدكتور الفرت، فإنه قال في (ص39) وهو يذكر الدلالات من حادثة مقتل والد القرطبي: “5- أن القرطبي – حين توفي والده – سنة 627هـ كان شاباً يعيش في كنف أبيه، لأنه تردد على أكثر من شيخ له، وفي ذلك دليل على أنه لم يكن في مستوى علمي يتيح له أن يقضي في أمر كهذا برأيه… ويمكن – ترتيباً على ما سبق – أن تكون عشر السنين الأولى من القرن السابع الهجري (600-610هـ) هي الفترة التي ولد فيها الإمام القرطبي رحمه الله”.

وقال (ص37) بعد أن ذكر كيفية الطلب عند الأندلسيين في صغرهم، وثناء أهل العلم على القرطبي: “ومن هنا يمكن القول: إن القرطبي قد أقبل منذ صغره على العلوم الدينية والعربية إقبال المحب لها، المشغوف بها، فأعطته من نفسها ما استحق به ذكر الخالدين، ولذلك نجده في تفسيره نسيج وحده في كلّ مسألة يعرضها، ونلحظ درايته الفائقة في مختلف الفروع التي يتناولها بالبيان، حتى كأنه قد تخصّص فيه، وصرف وقته كله في دراسة قضاياه، نجده كذلك في الفقه وأصوله، وفي اللغة وغرائبها، وفي النحو وأبوابه، وفي علوم القرآن، والقراءات. وهو كذلك في الحديث النبوي، وعلم الرجال…”.

قلت: هكذا سرق (مشهور) كلام الفرت ووضعه في مكان واحد! وانظر كيف ذكر الفقرة الأولى ثم قال: “ومن خلال ذلك نستطيع أن نقرر هنا ما يلي: إن القرطبي قد أقبل منذ صغره على العلوم الدينية والعربية“! فعلى ماذا اعتمد مشهور في هذا؟! فهل سؤاله بعض المشايخ عن تغسيل والده يمكن أن يكون معتمداً لهذا الذي ذكره؟!!

وقارِنْ هذا بقول الدكتور الفرت: “ومن هنا يمكن القول إن القرطبي قد أقبل منذ صغره على العلوم الدينية والعربية“، فإنه قال ذلك بعد أن ذكر كلاماً لبعض العلماء في طلب العلم عند الأندلسيين في الصغر في معظم العلوم الشرعية.

وقارن كذلك قول مشهور المسروق: “ومن خلال ذلك نستطيع أن نقرر هنا ما يلي” بكلام د. الفرت: “ويمكن – ترتيباً على ما سبق..” و “ومن هنا يمكن القول…”.

فاتّق الله يا مشهور، وتبّ إلى الله الغفور.

ثُمّ أُريد أن أسأل (المشهور): أين هي جهود الإمام القرطبي في علم الرّجال؟ نعم، هكذا تفعل السرقة بصاحبها! فمشهور كالببغاة سرق كل ما عند د. الفرت دون تمحيص، وهكذا يقع السارق وينكشف!!

يهذي الكلام كببَّغاء يعيدُهُ         لا يدري من طَرَف الكلامِ سبيلاْ

16- قال مشهور (ص33-36) تحت عنوان: (الحالة العلمية في الأندلس في عصر القرطبي): “ويحسن بنا في هذا المقام أن نلقي الضوء على المدارس والمكتبات العلمية بقرطبة… فنقول:

احتفظت قرطبة بشهرة المجد في طلب العلم، حتى قال عنها ابن رشد: ((عندما يُراد بيع كتب عالِم مات في إشبيلية، فإنها تنقل إلى قرطبة))، وقال الحجازي: ((كانت قرطبة قبّة الإسلام، ومجتمع أعلام الأنام، وهي من الأندلس بمكان الرأس من الجسد))، وقد وُصفت – كذلك – بأنها لم تخلُ من أعلام العلماء، وسادات الفضلاء.

وقال محمد كرد علي: ((أنشأ الأندلسيون في كل ناحية المدارس، وخزائن الكتب، وأقاموا في العواصم الجامعات التي كانت وحدها مواطن العلم في أوربا زمناً طويلاً. حتى أصبحت قرطبة مدة ثلاثة قرون أكثر مدن العالم القديم نوراً، وكانت حضارة ملوكها وقصور خلفائها – لكثرة عنايتهم بالعلم والعلماء – أشبه بمجامع علمية)) [توثيق حاشية: الإسلام والحضارة العربية: 1/260]، وعندما كتب عن قرطبة، قال:

((إنها أمست عاصمة الخلافة الأندلسية، وغدت عاصمة علم وصناعة، وفن وتجارة، وفي ضاحيتها ثلاثة آلاف قرية، في كل قرية فقيه، وكان بالربض الشرقي من قرطبة مئة وسبعون امرأة، كلهنّ يكتبن المصاحف بالخط الكوفي، هذا من ناحية من نواحيها، فكيف بجميع جهاتها؟!)) [توثيق حاشية: الإسلام والحضارة العربية: 1/262-263، 265].

وقد ازدهرت المدارس والمعاهد العلمية في أيام الموحدين بالمغرب والأندلس، وكانت بقرطبة وغيرها يومئذ مجمع العلوم والمعارف، ومقصد الطلاب من كلّ فجٍّ. [توثيق حاشية: في الأدب الأندلسي: 57 لجودت الركابي].

وقد غصّت هذه المدارس والمعاهد بكتل أهل العلم، ووصل الاهتمام بها في قرطبة حدّاً لا مثيل له، حتى غصت مكتبة (الحكم الثاني) (350-366هـ) (961-976م) بما لا يقل عن (200,000) مئتي ألف مجلد، إذ كان ((باذلاً للذهب في استجلاب الكتب..))، وقد أسس في قرطبة وحدها سبعاً وعشرين مدرسة، كان أبناء الفقراء يتعلمون فيها بالمجان، حتى ذكر دوزي وغيره أنه بينما كان كل فرد في الأندلس يعرف القراءة والكتابة، كان جميع النصارى في أوربا – حتى النبلاء والأشراف منهم – لا يفكرون في التعليم.

… في هذا الجو الذي تميزت به قرطبة نشأ إمامنا أبو عبدالله رحمه الله، وبدهي أن تكون نشأة مثل هذا العالم الفاضل نشأة الفتى النابه الطلعة، الذي يُقبل على مجالس العلم ومحافله، التي كانت قرطبة تعجّ بها آنذاك، سواء أكانت حلقات العلم هذه بالمدارس أم في المساجد، رغبة في أن ينهل من موردها العذب في العلوم الدينية، التي حاز فيها قصب السبق، وظهر جلياً في مؤلفاته وآثاره. [توثيق حاشية: القرطبي المفسر: 25 بتصرف].

وتتميماً للفائدة، وزيادة في إلقاء الضوء على عصر إمامنا وبيئته نتعرّض للبرامج التعليمية لأطفال المجتمع بالأندلس آنذاك، ومن خلال ذلك نتعرف على مدى قدرة هذا العالِم الجليل من الناحية العقلية منذ نشأته.

لقد رأى الأندلسيون أنه ((ينبغي أن ينشأ الطفل على تعليم العربية، ومقاطع الكلام، ويحفظ أشعار العرب وأمثالها)). [توثيق حاشية: آراء ابن العربي الكلامية: 1/232].

قال ابن العربي: ((والذي يجب على الوليّ في الصبي المسلم – إذا عقل – أن يلقّنه الإيمان، ويعلمه الكتابة، والحساب، ويُحفظه أشعار العرب العارِبة، ويعلمه العوامل في الإعراب، وشيئاً في التصريف، ثم يحفّظه إذا استقلّ واشتدّ في العشر الثاني كتاب الله. ثم يحفظ أصول سنن الرسول صلى الله عليه وسلم)). [توثيق حاشية: آراء أبي بكر ابن العربي الكلامية: 1/235].

وأوصى ابن العربي بألا يخلط في التعليم بين عِلمين. إلا أن يكون الطالب ذا جودة في الفهم، وقوة في النشاط، وقابلية لذلك، وهو الرأي الذي ذهب إليه شيخه الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين، لأن العلوم – عنده – مرتبة بحيث إنّ بعضها ممهّد لبعض. [توثيق حاشية: المصدر نفسه].

ولعلّ إمامنا أبا عبدالله – رحمه الله – كان من أولئك الذين اتّسموا بجودة في الفهم، وقوة في النشاط الذهني، إذ إن ما حصّله من معارف مختلفة – ظهر أثرها في ((تفسيره))، وسائر كتبه – يوحي بذلك، ويومئ إلى أنه لا بدّ أن يكون قد بدأ في تلقّيها منذ الصِغر. [توثيق حاشية: القرطبي المفسر: 36].

ومما يدلّ على نباهته، وإقباله على العلم منذ نعومة أظافره، مدح العلماء له، وتعدادهم لمناقبه، كما سيأتي – إن شاء الله تعالى – بيانه في مبحث (أخلاقه وصفاته وثناء العلماء عليه)” انتهى.

قلت: سبحان الله! يسرق كلام الآخرين ويقول في بداية كلامه: “فنقول“!!!! وهو هنا – كعادته في التدليس والتلبيس – وثّق في بعض المواضع من الدكتور الفرت، وأشار في بعضها إلى أنه تصرف! أي فيما نقله! ولكنه لم يبيّن لنا ما الذي نقله عنه بالتحديد؟! وكلّ الذي فعله أنه جاء إلى بعض (الفقرات) في كتاب الدكتور الفرت فجمعها في هذه النقطة، ووثق في مراجعه كما هو عند الدكتور كما سيتبيّن لنا إن شاء الله تعالى. وقد ذكر (مشهور) أثناء ذلك كلاماً من كتب أخرى ككتاب “قرطبة الإسلامية” وغيره، ولم أتعرض له لأنه لم يفعل شيئاً! فإنه يأخذ ما في تلك الكتب أيضاً ثم يشير إلى المرجع دون تحديد هل هذا كلامه أم كلام من نقل منه، أو أنه أخذ جزءاً منه أو غير ذلك! مع إهمال علامات التنصيص تماماً !!

قال د. الفرت (ص34-36): “لقد نشأ الإمام القرطبي (رحمه الله) في الأندلس التي انتشرت المدارس والمكتبات العلمية في أرجائها آنذاك، فقد “أنشأ الأندلسيون في كل ناحية المدارس، وخزائن الكتب وأقاموا في العواصم الجامعات التي كانت وحدها مواطن العلم في أوربا زمناً طويلاً. حتى أصبحت قرطبة مدة ثلاثة قرون أكثر مدن العالم القديم نوراً، وكانت حضارة ملوكها وقصور خلفائها – لكثرة عنايتهم بالعلم والعلماء – أشبه بمجامع علمية” [توثيق حاشية: محمد كرد علي: الإسلام والحضارة العربية ج1 ص260].

ثم إن هذه المدارس والمعاهد العلمية قد ازدهرت في أيام الموحدين بالمغرب والأندلس، وكانت المعاهد الأندلسية في إشبيلية وقرطبة وغرناطة وبلنسية ومرسية يومئذ مجمع العلوم والمعارف، ومقصد الطلاب من كلّ فجٍّ. [توثيق حاشية: جودت الركابي: الأدب الأندلسي ص57].

وقد وصل الاهتمام بالعلم وأدواته في “قرطبة” حدّاً لا مثيل له، حتى غصت مكتبة “الحكم الثاني” 350-366هـ (961-976م) بما لا يقل عن (400,000) أربعمائة ألف مجلد؛ إذ كان أكثر ملوك الأندلس اشتغالاً بالعلم ونشره، وعناية به، وأجودهم في سبيله، فقد أسس في قرطبة وحدها سبعاً وعشرين مدرسة كان أبناء الفقراء يتعلمون فيها بالمجان، حتى ذكر “دوزي” أنه بينما كان كل فرد في الأندلس يعرف القراءة والكتابة كان جميع النصارى في “أوربا” حتى النبلاء والأشراف منهم لا يفكرون في التعليم.

وقد احتفظت قرطبة بشهرة المجد في طلب العلم حتى قال عنها “ابن رشد”: “عندما يُراد بيع كتب عالِم مات في “إشبيلية” فإنها تنقل إلى قرطبة”، وقال الحجازي: “كانت قرطبة قبّة الإسلام ومجتمع أعلام الأنام، وهي من الأندلس بمكان الرأس من الجسد”، وقد وُصفت – كذلك – بأنها لم تخلُ من أعلام العلماء، وسادات الفضلاء.

وعندما كتب الأستاذ محمد كرد علي عن “قرطبة”، قال: “إنها أمست عاصمة الخلافة الأندلسية. وغدت عاصمة علم وصناعة، وفن وتجارة، وفي ضاحيتها ثلاثة آلاف قرية، في كل قرية منبر وفقيه، وكان بالربض الشرقي من “قرطبة” مئة وسبعون امرأة كلهنّ يكتبن المصاحف بالخط الكوفي، هذا من ناحية من نواحيها، فكيف بجميع جهاتها؟! [توثيق حاشية: انظر: .. ومحمد كرد علي: الإسلام والحضارة العربية ص262-263، 265..].

ثُم قال: “ففي هذا الجو الذي تميزت به “قرطبة” نشأ الإمام القرطبي (رحمه الله) وبدهي أن تكون نشأة مثل هذا العالم الفاضل نشأة الفتى النابه الطلعة، الذي يُقبل على مجالس العلم ومحافله التي كانت “قرطبة” تعجّ بها آنذاك – كما سبق سواء أكانت حلقات العلم هذه بالمدارس أم في المساجد رغبة في أن ينهل من موردها العذب في العلوم الدينية والعربية التي حاز فيها قصب السبق، وظهر أثر ذلك جلياً في تفسيره العظيم “الجامع لأحكام القرآن..”.

ويعنينا كذلك ونحن نعرض لنشأة هذا المفسر الكبير أن نلقي الضوء على البرامج التعليمية لأطفال المجتمع بالأندلس في العصر الذي عاش فيه، ونحاول أن نتعرف على مدى قدرة هذا العالِم الجليل من الناحية العقلية منذ نشأته.

لقد رأى الأندلسيون أنه “ينبغي أن ينشأ الطفل على تعليم العربية، ومقاطع الكلام، ويحفظ أشعار العرب وأمثالها”. [توثيق حاشية: ابن العربي: في كتابه “سراج المريدين” نقلاً عن “آراء ابن العربي الكلامية” ج1 ص232].

وقد قال أبو بكر ابن العربي في كتابه “العواصم من القواسم”: “والذي يجب على الوليّ في الصبي المسلم – إذا عقل – أن يلقّنه الإيمان، ويعلمه الكتابة، والحساب، ويُحفظه أشعار العرب العارِبة، ويعلمه العوامل في الإعراب، وشيئاً في التصريف، ثم يحفّظه إذا استقلّ واشتدّ في العشر الثاني كتاب الله. ثم يحفظ أصول سنن الرسول..”. [توثيق حاشية: عمار طالبي: آراء أبي بكر ابن العربي الكلامية ج1 ص235].

وأوصى “ابن العربي” “بألا يخلط في التعليم بين عِلمين. إلا أن يكون الطالب ذا جودة في الفهم، وقوة في النشاط، وقابلية لذلك، وهو الرأي الذي ذهب إليه شيخه الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين، لأن العلوم – عنده – مرتبة بحيث إنّ بعضها ممهّد لبعض.

ولعلّ الإمام القرطبي (رضي الله عنه) كان من أولئك الذين اتّسموا بجودة في الفهم، وقوة في النشاط الذهني، إذ إن ما حصّله من معارف مختلفة – ظهر أثرها في تفسيره – يوحي بذلك، ويومئ إلى أنه لا بدّ أن يكون قد بدأ في تلقّيها منذ الصِغر.

ومما يدلّ على نباهة شأن صاحبنا “القرطبي” من حيث تلقيه العلم، وإقباله على فروعه المختلفة ما ذكره التراجمة عنه في هذا الصدد” انتهى.

قلت: فيلاحظ أن (مشهور حسن) قد جمع بعض ما تفرق من كلام الدكتور الفرت، ولم يذكر بعض الكلمات في نقله أو مما غيّره مما وضعت تحته خط، فإذا قال الدكتور الفرت: “الإمام القرطبي” قال مشهور: “إمامنا أبو عبدالله”!!!

وموضع توثيقه من كتاب الدكتور في (ص36): “القرطبي المفسر: 25″، إنما هو في (ص35).

وكذلك فإن مشهور حسن قد ذكر أنه كان في مكتبة الحكم الثاني ما لا يقل عن (200,000) مجلد، بينما ذكر د. الفرت: (400,000) مجلد. وما نقله مشهور هو الصواب، وهو إنما أخذه من الإمام الذهبي في ((السير)) (16/230) فإنه ذكر في ترجمة الحكم الثاني: “وكان جيّد السيرة… ذا غرام بالمطالعة وتحصيل الكتب النفيسة الكثيرة حقّها وباطلها بحيثُ إنها قاربتْ نحواً من مئتي ألف سِفْر…”.

فلم يذكر مشهور أن هذا من الإمام الذهبي، ومما يدلّ على ذلك أن عبارة مشهور التي تلت هذا الكلام: “إذ كان باذلاً للذهب في استجلاب الكتب“. إنما هي عبارة الذهبي رحمه الله في الموضع نفسه من ((السيّر)).

17- قال مشهور (ص37): “سابعاً: بقي الإمام القرطبي بقرطبة حتى سقوطها، وخرج منها – بناءً على ما رجحناه – سنة (633هـ)، ثم انتقل منها إلى مصر، والتي كانت محطاً لكثير من علماء المسلمين على اختلاف أقطارهم وأجناسهم، إذ وجدوا فيها أمناً فقدوه في ديارهم، ولذلك وجدنا أن كثيراً من علماء الأندلس النابهين وفدوا إلى مصر في هذه المدة العصيبة من تاريخهم، وحسبنا أن نذكر منهم. (الطُّرطُوشي) و(الشاطبي) و(ابن مالك) وإمامنا (القرطبي). ولم تسعفنا المصادر عن تجولات القرطبي داخل الأندلس، وهل تنقل داخلها، وأخذ عن غير شيوخ (قرطبة)، أم أن توفّر العلماء والمشايخ المبرزين فيها، مع عنائه وكدّه في عمله، لم يسنح له إلا البقاء فيها، والأخذ من شيوخها” انتهى.

قلت: هل أنت الذي رجّحت هذا يا مشهور؟ أم هو الدكتور الفرت؟!

قال الدكتور الفرت (ص42-43): “عاش الإمام أبو عبدالله محمد بن أحمد الأنصاري الأنصاري القرطبي الحقبة الأولى من عمره بحاضرة الأندلس “قرطبة”، حتى سقطت سنة (633هـ)، ثم وفد إلى مصر…

وانطلاقاً من أن رحلته إلى مصر هي أهم رحلاته التي يمكن أن يكون لها أثر فعال في حياته العلمية – فإنه يحق لنا أن نتسائل: لماذا اختار القرطبي “مصر” ملجأ له وموئلاً بعد أن غادر “الأندلس”؟

ولعل الإجابة عن هذا السؤال تكمن في أن “مصر” – في عهد الأيوبيين والمماليك، العهد الذي وفد فيه القرطبي إلى مصر – كانت محطاً لكثير من علماء المسلمين على اختلاف أقطارهم وأجناسهم؛ إذ وجدوا فيها أمناً فقدوه في ديارهم، ولذلك وجدنا أن كثيراً من علماء الأندلس النابهين وفدوا إلى مصر في هذه الفترة العصيبة من تاريخهم، وحسبنا أن نذكر منهم الطُّرطُوشي والشاطبي وابن مالك والإمام القرطبي المفسر. [توثيق حاشية: انظر: د. عبداللطيف حمزة: الحركة الفكرية ص20. و د. أحمد بدوي: الحياة العقلية ص10].

ويحق – كذلك – لمن يتناول حياة القرطبي بالدراسة أن يسأل أكان هذا الإمام الجليل يرحل إلى بلاد مختلفة بالأندلس أو بمصر طلباً للعلم أم لا؟ أما المصادر التاريخية فلم تذكر أنه غادر قرطبة إلى غيرها من بلاد الأندلس” انتهى.

تنبيه: ذكر مشهور كلمة “تجولات” وهذا خطأ لغوي! فلا يُقال في اللغة: “تجوُّلات”! وإنما هي: “تَجْوَالات”. قال ابن منظور: “وجوَّلت البلاد تجويلاً أي: جُلْتُ فيها كثيراً، وجوَّلَ في البلاد، أي: طوَّف. قال ابن سيده: وجوَّلَ تَجْوَالاً”.

18- قال مشهور (ص37-41) تحت عنوان: (رحلات الإمام القرطبي): “استقر الإمام القرطبي بمنية بني خصيب (المنيا)، ويمرّ الآتي من قرطبة قبل الوصول إليها بعدة مدن مصرية، فلعل المدن الآتية مر بها القرطبي أولاً، واستقر فيها برهة من الزمن، ثم انتقل إلى مستقره الأخير، أو أنه كان يرحل في طلب العلم من مستقره، ثم يرجع إليه، وهذا ما نرجحه، لورود الخبر بشأن سفره وتنقله إلى الفيّوم، ونخلص من خلال تتبعنا لمشايخه إلى أنه رحل إلى المدن المصرية التالية:

– الإسكندرية: وهي أول بلد عربي يدخله – حينذاك – الوافد من المغرب العربي والأندلس، وقد مكث بها أبو عبدالله مدة من الزمن، وأخذ بها من أبي العباس القرطبي، وأبي محمد ابن رَوَاج، وأبي محمد عبدالمعطي اللخمي، وقد صرح القرطبي بذلك، بل كان يحدد مكان الأخذ عنهم فيها، فقال مثلاً عن ابن رواج: ((أنبأناه… بمسجده بثغر الإسكندرية حماه الله)).

– الفيّوم: من المدن التي سافر إليها برفقة القرافي، فذكر الصفدي أن الشيخ فتح الدين محمد بن سيد الناس اليعمري، قال: ((ترافق القرطبي المفسّر، والشيخ شهاب الدين القرافي في السفر إلى الفيوم، وكل منهما شيخ فنه في عصره، …))، ولم تسعفنا كتب التراجم بتفصيلات عن هذه الرحلة، إلا أننا نستطيع أن نقرر هنا أنها كانت رحلة علمية، إذ حصلت إفادة كل منهما بصاحبه، بل أحال القرافي من أراد أخبار (النفخ في الصور) يوم القيامة إلى كتاب القرطبي ((التذكرة))، فقال: ((من أراد استيعابه، فعليه به)). وهذا يدلل على أن لقياه، كان بعد تأليف ((التذكرة))، وكان تأليفه لها بعد سنة (658هـ)، ومن المحتمل أن تكون اللقيا بينهما متعددة، حصلت غير مرة، ومن بين ذلك رحلتاهما معاً إلى الفيوم.

– المنصورة: قدم إليها القرطبي، واستقر بها مدة من الزمن، وكان ذلك سنة (647هـ). وأخذ فيها من الشيخ أبي علي الحسن بن محمد البكري، فقرأ عليه، كما صرح بذلك…

– القاهرة: ولا شك في أن القرطبي قد عاش بالقاهرة حقبة زمنية؛ إذ كانت حاضرة مصر وعاصمتها، وما كان ليغيب عن عالِم مثله أن يلقى علماءها، ويأخذ عنهم، ويحاورهم، ويفيد من خِبراتهم. ثم إن القاهرة طريق لا مَحيص من المرور به لكل مسافر إلى صعيد مصر، ومعروف أن القرطبي استقر بمنية ابن خصيب، إحدى مدن الصعيد. [توثيق حاشية: القرطبي المفسر: (44) وذكر فيه أن القرطبي سمع بالقاهرة من الحسن البكري!! وهو وهم، لأنه سمع منه في المنصورة، كما قدمنا آنفاً].

– منية بني خصيب: وهي تلك المدينة التي استقر بها الإمام القرطبي، ومات بها، قال الصفدي: ((توفي بمنية بني خصيب من الصعيد الأدنى بمصر))، وقال المراكشي: ((استوطن منية ابن خصيب من أرض مصر))، وقال الأستاذ أحمد بدوي: ((… ثم وفد إلى مصر، كما وفد غيره من علماء الأندلس، وكانت بلادهم في ذلك الحين تتخطفها الفرنجة، ولست أدري متى قَدِم إلى مصر. واستقر في الصعيد، بمنية ابن خصيب (المنيا)، يقضي وقته بين العبادة والتأليف)).

ووصف ياقوت هذه المدينة، وسماها (منية أبي الخصيب)، وقال: ((مدينة كبيرة، حسنة، كثيرة الأهل والسكن، على شاطئ النيل في الصعيد الأدنى، قد أنشأ فيها (أبو الملطي) أحد الرؤساء جامعاً حسناً)) [توثيق حاشية: معجم البلدان: 5/218].

ولعل مؤلفات الإمام القرطبي قد كتبت في ربوع هذه المدينة، ولعلّ السر في اختيارها مقراً له حبّه الشديد وملازمته لشيخه (ابن الجُميزي) المتوفى (سنة 649هـ)، فإنه روى عنه الكثير…

ولا يفوتنا أن نشير هنا إلى أن أهل الصعيد – آنذاك – كان يغلب عليهم الزهد والتعبد [توثيق حاشية: راجع: الحركة الفكرية: ص167-168 لعبداللطيف حمزة]، فلعل هذا سبب في اتخاذ القرطبي لها مستقراً…” انتهى.

قلت: لا أدري كيف (يتبجّح) (مشهور حسن) بأنه يرجّح هنا، وأنه هو الذي وصل إلى رحلات القرطبي هذه من خلال تتبع شيوخه؟!!!

إن الفضل في هذا هو للدكتور الفرت، فهو الذي بيّن ذلك، وما فعله مشهور أنه زاد بعض الأسطر على كلام الدكتور الفرت، وتعقبه في ذكره أن القرطبي سمع الحسن البكري في القاهرة، وأنه سمع منه بالمنصورة، ومن هنا زاد (مشهور) أنه رحل إلى المنصورة من خلال إسناد له في كتاب ((التذكرة)).

فمشهور ذكر كتاب الفرت (القرطبي المفسر) في موضع واحد لأنه أراد أن يتعقبه، ولكن لماذا لم يذكره في المواضع الأخرى التي (سرق) فيها كلامه السابق واللاحق؟!!!!

قال الدكتور الفرت في (ص44-46): “… ولكن هذه المصادر ألمحت إلى تنقلاته في مصر ويمكن أن نعرض للبلاد التي يمكن أن يكون قد عاش فيها أو مر بها وهو في طريقه إلى مستقره بمنية بني خصيب (المنيا) في صعيد مصر وأهم هذه البلاد هي:

1- الإسكندرية: وهي أول بلد مصري يدخله – حينذاك – الوافد من المغرب العربي والأندلس، وقد مكث بها القرطبي مدة من الزمان أتاحت له تلقي العلوم الدينية وخاصة علم “الحديث” على أيدي أشياخ الإسكندرية ومحدثيها الأجلاء، ومن هؤلاء: “أبو العباس القرطبي” وابن رَوَاج”.

 2- القاهرة: ولا شك في أن القرطبي قد عاش بالقاهرة حقبة زمنية؛ إذ كانت حاضرة مصر وعاصمتها، وما كان ليغيب عن عالِم مثله أن يلقى علماءها، ويأخذ عنهم، ويحاورهم، ويفيد من خِبراتهم. ومن هؤلاء الذين لقيهم بها: الحسن البكري.

ثم إن “القاهرة” طريق لا مَحيص من المرور به لكل مسافر إلى صعيد مصر، ومعروف أن القرطبي استقر بمنية ابن خصيب، إحدى مدن الصعيد حتى توفي بها سنة 671هـ.

3- الفيّوم: وهي من المدن التي يبدو أنه مر بها زائراً؛ فقد جاء في كتاب الوافي بالوفيات أن “القرطبي” المفسر ترافق والشيخ شهاب الدين القرافي في السفر إلى الفيوم، أما كم من الزمان مكث بها؟ فلم يتعرض “الصفدي” لذلك، وإن كانت القصة التي ذكرها والتعبير بكلمة “السفر” يدلان على أنها فترة محدودة، وأن الإقامة بالفيوم لم تكن مقصودة لهما ولعل الإمام القرطبي اتخذ طريقه إلى منية بني خصيب بعد هذه الرحلة، وترك صاحبه “القرافي” يعود إلى القاهرة التي كانت له مستقراً ومقاماً.

4- منية بني خصيب (المنيا): [توثيق حاشية: هكذا جاء اسمها في كتاب “التذكار.. للقرطبي نفسه، وفي معظم المصادر التي ترجمت للقرطبي، ويرى “ياقوت الحموي” في معجم البلدان ج5 ص218 أن اسمها “منية أبي الخصيب” ويصفها بقوله: “مدينة كبيرة، حسنة، كثيرة الأهل والسكن، على شاطئ النيل في الصعيد الأدنى، قد أنشأ فيها “أبو الملطي” أحد الرؤساء جامعاً حسناً]. وهي تلك المدينة التي استقر بها الإمام “القرطبي” حتى لقي ربه سنة 671هـ، ولعل مؤلفاته القيمة التي أسهم بها في خدمة كتاب الله (سبحانه) وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم)، وعلوم اللغة العربية، لعل هذه المؤلفات بعضها أو كلها قد كتبت في ربوع منية بني خصيب.

… ويمكن – كذلك أن يكون الإمام القرطبي قد اختار هذه البيئة وفضلها على حواضر مصر الكبرى كالقاهرة والإسكندرية، لما كان أهلها يتمتعون به من اهتمام بالعلم، وبما كان يغلب عليهم من التصوف والزهد والتعبد. [توثيق حاشية: د. عبداللطيف حمزة: الحركة الفكرية ص167-168].

تنبيه: قال مشهور فيما سبق: “وقد مكث بها…”! وهذا خطأ لغوي آخر وقد تابع عليه الدكتور!

يُقال في اللغة: “مكث في”.

19- قال مشهور (ص41-42) تحت عنوان: (أوضاع مصر السياسية والاجتماعية في عصر القرطبي): “بقي بعد هذا كله… أن نتعرف على أوضاع مصر في عصر القرطبي، أثناء وجوده فيها، والناظر في كتبه يجد أنه كثير الشكوى من أهلها، ومن عاداتهم وتقاليدهم، وألفاظهم وحبهم للتعظيم، ويجد الباحث فيها أيضاً لمحات عن الأوضاع السياسية، فإن القرطبي كان فيها في عصر المماليك، وعملوا – آنذاك – على تخليص المشرق العربي من الغزو الصليبي، وردّوا غارات التتار التي كانوا يقصدون بها مصر، بعد أن أسقطوا الخلافة العباسية ببغداد، وأعملوا السيف في أهلها، وحرقوها، وبعد أن نهبوا بلاد الشام، وغدروا بأهلها، وقتلوا منهم خلقاً لا يعلمهم إلا الله تعالى، ونهبوا البلاد كلها، حتى وصلوا (غزة) يقصدون مصر، وهنا بادرهم (سيف الدين قطز)، قبل أن يبادروه، فخرج في عساكره، وقد اجتمعت الكلمة عليه حتى انتهى إلى الشام، واستيقظ له عسكر المغول، وعليهم (كتبغانون)، فكان اجتماعهم في (عين جالوت) يوم الجمعة، الخامس والعشرين من رمضان، سنة (658هـ)، فاقتتلوا قتالاً عظيماً، فكانت النصرة – ولله الحمد والمنة – للإسلام وأهله، وهزم المغول هزيمة هائلة، وقتل أميرهم (كتبغانون)، وردّ الله سبحانه بذلك عن مصر شرّاً مستطيراً، وحمى دولة الإسلام من هؤلاء المدمرين المخرّبين. [توثيق حاشية: راجع: البداية والنهاية: 13/200-263، والسلوك لمعرفة دول الملوك: 1/ق2/406-409، والمختصر في أخبار البشر: 1/99-128، والقرطبي المفسر: 17-18].

… أما عن شكوى القرطبي من أهل مصر فكثير، مبثوث في كتبه، نقتصر منه على ما يلي…” انتهى.

قلت: وهذا أيضاً هو كلام الدكتور الفرت بحروفه! وزاد عليه (مشهور) ما كان يعاني منه المجتمع المصري من انتشار الزنا، وإتيان المنجمين والكهان، وبعض المخالفات الشرعية التي لم يسلم منها مجتمع من المجتمعات الإسلامية على مر العصور، بل إن ما يوجد في (مجتمعاتنا المعاصرة) أسوأ مما كان موجوداً في المجتمع المصري الذي وصفه (مشهور) من خلال كلام القرطبي. وكان ينبغي عليه أن يبين التقدم العلمي في ذلك المجتمع أيضاً، لا أن يصور الجانب السلبي وينسى الجانب الإيجابي!!!

قال د. الفرت (ص17-18) تحت عنوان: (الأوضاع السياسية بمصر في عصر القرطبي): “بقي أن نعرض للأوضاع السياسية في مصر…

على أن هذه الفترة أشهر من أن يتناولها البحث بالتفصيل والإسهاب، ذلك أن الأيوبيين، وعلى رأسهم “صلاح الدين الأيوبي” قد عملوا جاهدين على تخليص المشرق العربي من نير الاستعمار الصليبي الكريه…

وقد تابع المماليك حرب الصليبيين، وردّوا غارات التتار التي كانوا يقصدون الهجوم على مصر، بعد أن أسقطوا الخلافة العباسية ببغداد وأعملوا السيف في أهلها، وحرقوها، وبعد أن نهبوا بلاد الشام، وغدروا بأهلها، وقتلوا منهم خلقاً لا يعلمهم إلا الله عز وجل، ونهبوا البلاد كلها، حتى وصلوا إلى “غزة” يقصدون مصر، وهنا بادرهم “سيف الدين قطز” قبل أن يبادروه، فخرج في عساكره، وقد اجتمعت الكلمة عليه حتى انتهى إلى الشام، واستيقظ له عسكر المغول، وعليهم “كتبغانوين”… فكان اجتماعهم على “عين جالوت” يوم الجمعة الخامس والعشرين من رمضان سنة (658هـ) فاقتتلوا قتالاً عظيماً.

فكانت النصرة – ولله الحمد – للإسلام وأهله، وهزم المغول هزيمة هائلة، وقتل أميرهم كتبغانوين، وردّ الله (سبحانه) بذلك عن مصر شرّاً مستطيراً، وحمى دولة الإسلام من هؤلاء المدمرين المخرّبين. [توثيق حاشية: انظر: البداية والنهاية: لابن كثير ج13 ص200-263. والسلوك لمعرفة دول الملوك: للمقريزي ج1 القسم الثاني ص409-609. والمختصر في أخبار البشر: لأبي الفداء ج6 ص99-128، ج7 ص5-11].

قلت: ذكر مشهور المراجع التي ذكرها الدكتور الفرت، وأشار إليه في آخر ذلك، ولكنه لم يذكر – كعادته – أن كل ذلك الكلام للدكتور مع هذه المراجع!!

وانظر أخي الكريم هنا إلى المراجع: فقد ذكر مشهور كتاب المقريزي؛ لأنه سرق الكلام من الدكتور الفرت، والدكتور قد وثّق منه، فلما سرق منه مشهور ذكره في الموضع نفسه! ولكنه لم يذكره في ثبت مراجعه في آخر الكتاب!! فلو أن مشهوراً (المشهور بالسرقة) رجع فعلاً لكتاب المقريزي ونقل منه لذكره في ثبت مراجعه!!

ولاحظ أيضاً فنّ السرقة فإنه زاد كلمة: “والمنة” في قوله: “فكانت النصرة – ولله الحمد والمنة – للإسلام وأهله” على كلام الدكتور الفرت: “فكانت النصرة – ولله الحمد – للإسلام وأهله”!!

ثُمّ وجدت أن هذا الذي قاله الدكتور الفرت ليس من كلامه، وإنما هو كلام الحافظ ابن كثير في تاريخه، فضمّنه الدكتور في كلامه مع بعض التصرف فيه وأشار إلى مرجعه في الحاشية.

ولكن (مشهور المشهور) عندما سرق الكلام كلّه لم يعرف أن هذا هو كلام الحافظ ابن كثير! وهذا يبيّن بوضوح أنه سارق! إذ لو كان رجع إلى تاريخ ابن كثير لعَرَف أن هذا هو كلام الحافظ ابن كثير!!

قال الحافظ ابن كثير في ((البداية والنهاية)): “والمقصود أن المظفر قطز لما بلغه ما كان من أمر التتار بالشام المحروسة وأنهم عازمون على الدخول إلى ديار مصر بعد تمهيد ملكهم بالشام، بادرهم قبل أن يبادروه، وبرز إليهم وأقدم عليهم قبل أن يقدموا عليه، فخرج في عساكره وقد اجتمعت الكلمة عليه، حتى انتهى إلى الشام واستيقظ له عسكر المغول وعليهم كتبغانوين، وكان إذ ذاك في البقاع فاستشار الأشرف صاحب حمص والمجير ابن الزكي، فأشاروا عليه بأنه لا قبل له بالمظفر حتى يستمد هولاكو فأبى إلا أن يناجزه سريعاً، فساروا إليه وسار المظفر إليهم، فكان اجتماعهم على عين جالوت يوم الجمعة الخامس والعشرين من رمضان، فاقتتلوا قتالاً عظيماً، فكانت النصرة – ولله الحمد – للإسلام وأهله، فهزمهم المسلمون هزيمة هائلة، وقتل أمير المغول كتبغانوين وجماعة من بيته…”انتهى.

وانظر إلى توثيق د. الفرت من ابن كثير: (ج13، ص200-263). وتوثيق مشهور: (13/200-263)!!!

20- قال مشهور (ص47) تحت عنوان: (زهده وورعه وصلاحه): “أثنى المؤرخون على القرطبي، وامتدحوه بتحلّيه بهذه الصفات الحميدة، فقال ابن فرحون وتبعه الداودي: ((كان من عباد الله الصالحين، والعلماء العارفين الورعين، الزاهدين في الدنيا، المشغولين بما يعنيهم من أمور الآخرة)) [توثيق حاشية: الديباج المذهب: 317، وطبقات المفسرين: 2/65].

ثُمّ قال (ص53-55) تحت عنوان: (بساطته وتواضعه): “ومن مظاهر بساطته وتواضعه: ما وصفته كتب التراجم من أنه ((كان طارحَ التكلّف، يمشي بثوبٍ واحدٍ، وعلى رأسه طاقيّة)) [توثيق حاشية: الديباج المذهب: 317، ونفح الطيب: 2/409، وطبقات المفسرين: 2/66 للداودي].

ولا ينبغي أن يُفهم من ذلك أن الرجل كان بمظهره هذا مثل جُهّال المتصوّفة – على حدّ تعبيره – الذين يعمدون إلى لبس الخشن من الثياب أو المرقّعات، ثم لا يخلعونها عن أجسادهم حتى تبلى! إذ نقرأ له ما يدفع هذا الوهم، فقال في تفسير قول الله سبحانه: {ولباس التقوى ذلك خير} قال: إنه قيل في لباس التقوى: ((لبس الصوف والخشن من الثياب عما يتواضع به لله تعالى، ويتعبد له، خير من غيره))، ثم قال: ((وقيل هو استشعار تقوى الله تعالى فيما أمر به ونهى عنه)) وصوّب هذا القول الأخير، وعدّل الأول، فقال: ((قلت: وهو الصحيح، وإليه يرجع قول ابن عباس وعروة))، وقال: ((ومن قال: إنه لبس الخشن من الثياب فإنه أقرب إلى التواضع وترك الرعونات فدعوى، فقد كان الفضلاء من العلماء يلبسون الرفيع من الثياب مع حصول التقوى)) [توثيق حاشية: الجامع لأحكام القرآن: 7/185].

ثم فسّر الزينة في قوله تعالى: {قل من حرّم زينة الله…} بأنها المَلبس الحسن إذا قدر عليه صاحبه، وأن الآية دلّت على لباس الرفيع من الثياب، والتجمّل بها في الجمع والأعياد، وعند لقاء الناس ومزاورة الإخوان، ثم ذكر بعض العلماء والفضلاء الذين كانوا يلبسون أجود الثياب وأغلاها، مثل: علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب، وتميم الداري، ومالك بن دينار، وعقّب على ذلك بقوله: ((أين هذا ممن يرغب عنه، ويؤثر لباس الخشن من الكتّان والصوف من الثياب، ويقول: {ولباس التقوى ذلك خير} هيهات!! أترى مَنْ ذكرنا تركوا لباس التقوى، لا والله! بل هم أهل التقوى، وأولو المعرفة والنُّهى، وغيرهم أهل دعوى، وقلوبهم خالية من التقوى)) [توثيق حاشية: الجامع لأحكام القرآن: 7/196].

إن هذا الكلام الذي ساقه القرطبي في تفسير الزينة واللباس الحسن يتّسق مع ما عُرف من الأندلسيين بعامّة، فقد وصفهم ابن غالب في رسالته: ((فرحة الأنفس)) وكاد أن يقول بأنهم حازوا محاسن أهل الأرض جميعاً، فقال: ((وأهل الأندلس عرب في الأنساب والعزّة والأنفة، وعلو الهمم، وفصاحة الألسن، وطيب النفوس، هنديون في إفراط عنايتهم بالعلوم، وحبهم فيها، وضبطهم لها، وروايتهم. بغداديون في نظافتهم وظرفهم ورقة أخلاقهم، ونباهتهم، وذكائهم، وحُسن نظرهم، وجودة قرائحهم، ولطافة أذهانهم، وحدّة أفكارهم، ونفوذ أفكارهم)) [توثيق حاشية: نفح الطيب: 4/104].

وقال المقّري في أهل الأندلس: ((وأهل الأندلس أشدّ خلق الله اعتناءً بنظافة ما يلبسون، وما يفرشون، وغير ذلك مما يتعلق بهم، ومنهم من لا يكون عنده ما يقوته يومه فيطويه صائماً، ويبتاع صابوناً يغسل به ثيابه، ولا يظهر فيها ساعة على حالة تنبو العين عنها)) [توثيق حاشية: نفح الطيب: 1/104].

فهذان النّصان يصوران لنا الأندلسي رجلاً يبالغ في العناية بمظهره مبالغة تجعله يطوي النهار صائماً وعارياً في بيته، ولا يخرج على الناس بهيئةٍ مستقبحةٍ.

أما القرطبي فقد ملكت عليه الآخرة أقطار نفسه، فكان يعنى بمظهره، ولكنه لم يكن يبالغ في ذلك على هذه الصورة، كما هي عادة الأندلسيين، ومن هنا قال المؤرخون عنه: ((وكان طارحٍ التكلف))، فهذه العبارة لا تعطي سوى ذلك، ولا تعطي أبداً أنه كان رثّ الهيئة، مهلهل الثياب، فإن هذا ليس من الدين في شيء. [توثيق حاشية: القرطبي ومنهجه في التفسير: 36]. انتهى.

قلت: هكذا تكون السرقة!!! فمن عادة (مشهور) أنه يسرق كلام أحد أهل العلم فينقله بتمامه على أنه كلامه هو! ثم يأتي بكلامٍ لآخر، ثم يوثّق اسم الكتاب الأخير!! دون أن يبيّن هل أخذ كلامه تامّاً أم أنه أخذ بعضه أو استفاد منه؟!! ومن خلال تتبعه فإن ما ينقله يكون لذلك الشخص الذي أخذه عنه بحروفه، والأمانة العلمية (والخُلقية) تقتضي أن يضع ذلك بين علامتي تنصيص مصدراً ذلك بقوله: “قال فلان”!!!! ولكنه ظنّ أن لن يتابعه على ذلك أحد!!!

وماذا فعل مشهور هنا؟! أتى بكلام الدكتور الفرت بحروفه (دون أن يشير إلى ذلك)! ثم أتى بفقرة من كلام الدكتور القصبي زلط!

قال د. الفرت (ص63-64): “وحسبنا في بيان ما سبق من صفات للإمام القرطبي ما أوردته كتب التراجم، وسير الأعلام؛ إذ جاء فيها أن القرطبي “كان من عباد الله الصالحين، والعلماء العارفين الورعين، الزاهدين في الدنيا، المشغولين بما يعنيهم من أمور الآخرة، أوقاته معمورة ما بين توجه وعبادة وتصنيف” وأنه “اطرح التكلّف وكان يمشي بثوبٍ واحدٍ، وعلى رأسه طاقيّة” [توثيق حاشية: انظر: ابن فرحون: الديباج المذهب: ص137. والمقري: نفح الطيب ج2 ص409. ومخلوف: شجرة النور الزكية ص197].

ولا ينبغي أن يُفهم من ذلك أن الرجل كان بمظهره هذا مثل جُهّال المتصوفة – على حدّ تعبيره – الذين يعمدون إلى لبس الخشن من الثياب أو المرقّعات، ثم لا يخلعونها عن أجسادهم حتى تبلى، إذ نقرأ له ما يدفع هذا الوهم، فقال في تفسيره لقول الله تعالى: {ولباس التقوى ذلك خير} قال: إن التقوى خير لباس، قال ابن عباس: هو العمل الصالح… وقيل: “لباس التقوى”: لبس الصوف والخشن من الثياب مما يتواضع به لله تعالى، ويتعبد له خير من غيره… وقال عروة بن الزبير: هو الخشية لله، وقيل: هو استشعار تقوى الله (تعالى) فيما أمر به ونهى عنه. قلت: وهو الصحيح، وإليه يرجع قول ابن عباس وعروة.. ومن قال: إنه لبس الخشن من الثياب فدعوى، فقد كان الفضلاء من العلماء يلبسون الرفيع من الثياب مع حصول التقوى” [توثيق حاشية: تفسير القرطبي: المسألة الرابعة في تفسير الآية السابقة ج7 ص 184، 185].

ثم فسّر الزينة في قوله تعالى: {قل من حرّم زينة الله…} بأنها المَلبس الحسن إذا قدر عليه صاحبه، وأن الآية دلّت على لباس الرفيع من الثياب والتجمّل بها في الجمع والأعياد، وعند لقاء الناس ومزاورة الإخوان، ثم ذكر بعض العلماء والفضلاء الذين كانوا يلبسون أجود الثياب وأغلاها، مثل: علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وتميم الداري، ومالك ابن دينار، وعقّب على ذلك بقوله: “أين هذا ممن يرغب عنه، ويؤثر لباس الخشن من الكتّان والصوف من الثياب، ويقول: {ولباس التقوى ذلك خير} هيهات! أترى مَنْ ذكرنا تركوا لباس التقوى، لا والله! بل هم أهل التقوى، وأولو المعرفة والنُّهى، وغيرهم أهل دعوى، وقلوبهم خالية من التقوى”. [توثيق حاشية: تفسير القرطبي: المسألتان 1، 2 من تفسير الآية 32: الأعراف ج7 ص195، 196].

إن هذا الكلام الذي ساقه القرطبي في تفسير الزينة واللباس الحسن يتّسق مع ما عُرف من الأندلسيين بعامّة كما سبق بيانه في صدر هذا الفصل من أنهم “بغداديون في نظافتهم وظرفهم”، ويدل في الوقت نفسه على تفهم هذا العالم الجليل لأصول دينه…”. انتهى.

وكان الذي قاله في صدر هذا الفصل وأدخله (مشهور) هنا، هو ما قاله (ص61): “ويكاد “ابن غالب” يصف الأندلسيين بأنهم حازوا محاسن أهل الأرض جميعاً؛ إذ يقول في رسالته “فرحة الأنفس”: “وأهل الأندلس عرب في الأنساب والعزّة والأنفة، وعلو الهمم وفصاحة الألسن، وطيب النفوس.. هنديون في إفراط عنايتهم بالعلوم، وحبهم فيها، وضبطهم لها، وروايتهم. بغداديون في نظافتهم وظرفهم ورقة أخلاقهم، ونباهتهم وذكائهم، وحُسن نظرهم، وجودة قرائحهم، ولطافة أذهانهم، وحدّة أفكارهم ونفوذ أفكارهم”. [توثيق حاشية: المقري: نفح الطيب ج4 ص146. وجودت الركابي: في الأدب الأندلسي ص44].

وأما النصّ الثاني الذي ذكره (مشهور) للمقري فإنه أتى به من كتاب الدكتور زلط وتعليقه عليه.

قال د. القصبي زلط (ص36): “لقد حيرتني هذه العبارة مع ما فهمته من موقف القرطبي في الآيتين السابقتين. ولكني وقفت على نص يزيل هذا الغموض والحيرة. يقول المقّري: ((وأهل الأندلس أشدّ خلق الله اعتناءً بنظافة ما يلبسون وما يفرشون وغير ذلك مما يتعلق بهم، ومنهم من لا يكون عنده ما يقوته يومه فيطويه صائماً ويبتاع صابوناً يغسل به ثيابه ولا يظهر فيها ساعة على حالة تنبو العين عنها)) [توثيق حاشية: نفح الطيب للمقري ج1 ص104].

فهذا النّص يصور لنا الأندلسي رجلاً يبالغ في العناية بمظهره مبالغة تجعله يطوي النهار صائماً وعارياً في بيته ولا يخرج على الناس بهيئةٍ مستقبحةٍ.

أما القرطبي فقد ملكت عليه الآخرة أقطار نفسه فكان يعنى بمظهره ولكنه لم يكن يبالغ في ذلك على هذه الصورة كما هي عادة الأندلسيين ومن هنا قال المؤرخون عنه: ((وكان طارح التكلف))، فهذه العبارة – في أغلب ظني – لا تعطي سوى ذلك ولا تعطي أبداً أنه كان رثّ الهيئة مهلهل الثياب، فإن هذا ليس من الدين في شيء كما تقدم”. انتهى.

قلت: فخدع (مشهور) قرّائه وأتى بالنصين السابقين، ثم قال: “فهذان النّصان يصوران لنا الأندلسي رجلاً يبالغ في العناية بمظهره مبالغة تجعله يطوي النهار صائماً وعارياً في بيته، ولا يخرج على الناس بهيئةٍ مستقبحةٍ”!!!! موهماً أن هذا كلامه!!!

وهذا الصَّنيع من (العَلَم المشهور!! في السرقات) يُقالُ له في (علم!!! السرقات): “الخِداع البصري والبصيري”! حيث يسرق (السارق) كلاماً ولا يوثقه مستعيناً به في التعليق على كلامٍ أشار إلى مصدره مِن قبل.

ويمكن أن نسمي هذا الصنيع هنا بـ: “تلبيس مشهور المُفضي إلى الشُّرور“.

21- قال مشهور (ص56): “ولا شك أن مقولة المؤرخين السابقة في أن القرطبي كان طارح التكلف تدلّ على زهده في الدنيا، وشغفه بالعبادة، وإقباله على العلم، ذلك أن فعله ذلك من شأن الفضلاء الذين يعنيهم حسن المخبر، ولا يشغلهم المظهر.

وإذا كان الزهد والانصراف عن الدنيا خليقاً بمثل إمامنا الفاضل، فإن لنا أن نستنتج من مشيه بثوب واحد أنّ الرجل كان رقيق الحال، وأنه لم يصب من الغنى ما يستطيع به أن يعيش حياة مترفة. [توثيق حاشية: القرطبي المفسر: 65] انتهى.

قال د. الفرت (ص64): “أما أنه اطرح التكلف فهذا شأن الفضلاء الذين يعنيهم حسن المخبر، ولا يشغلهم المظهر، ولا شك في أن ما روي عن زهد الإمام القرطبي في الدنيا كان بسبب إقباله على العلم، وشغفه بالعبادة، وكان مظهر ذلك أن “اطرح التكلف، وكان يمشي بثوب واحد وعلى رأسه طاقية”.

وإذا كان الزهد والانصراف عن الدنيا خليقاً بمثل هذا العالم الفاضل – فإن لنا أن نستنتج من مشيه بثوب واحد أنّ الرجل كان رقيق الحال، وأنه لم يصب من الغنى ما يستطيع به أن يعيش حياة مترفة حتى اضطر إلى أن يطرح التكلف…”. انتهى.

22- قال مشهور (ص60) تحت عنوان: (لين الجانب): “ومن أبرز صفات إمامنا أبي عبدالله القرطبي أنه كان لين الجانب، ويلمس هذه الصفة كل من قرأ كتبه، ولا سيما في مواطن مناقشته لمخالفيه في الرأي في بعض المسائل والأحكام، ومن مظاهر هذا الخلق: عفة لسانه، ورقة عبارته، وحُسن مناظرته، مما سنتناوله بشيء من الإسهاب تحت عنوان ((تحليل شخصية الإمام القرطبي العلمية))” انتهى.

قال د. الفرت (ص66): “ومن هذه الصفات التي استشفها الباحث من خلال ما كتب الرجل وبخاصة تفسيره “الجامع لأحكام القرآن”.. ما يأتي:

1- أن الإمام القرطبي كان عف اللسان، رقيق العبارة، حسن المناظرة، ونلمس ذلك واضحاً في مناقشته الذين خالفوه الرأي في بعض المسائل والأحكام، والأمثلة على ذلك كثيرة نجتزئ منها…”. انتهى.

قلت: هكذا يفعل (مشهور): يقدم ويؤخر كلام غيره وينسبه لنفسه!!! وهل أنت فعلاً قرأت كتب القرطبي حتى تُحلل شخصيته العلمية؟! سأتتبعك في ذلك.. وسنرى إذا انجلى الغبار…!

23- عَقَد (مشهور) فصلاً في شيوخ القرطبي من (ص63-85) معتمداً على كلام الدكتور الفرت دون أدنى إشارة إلى ذلك!! وزاد على كلام الدكتور بعض ما اختصره مما نقله من كتب التراجم، أو بعض النصوص الموجودة في كتب التراجم الأخرى ككتاب السير للذهبي وغيره.

قال (ص63-64): “وهذا ثَبَت في أسماء شيوخه مقسمين إلى قسمين:

الأول: شيوخه بالأندلس:

إن أبرز شيوخ الإمام القرطبي بالأندلس هم الذين تحدّث عنهم، وذكر تلمذته لهم، ورجوعه إليهم في المشكلات والدقائق العلمية، وهم:

1- ابن أبي حجّة (ت643هـ – 1245م)

وهو أبو جعفر أحمد بن محمد بن محمد القيسي المعروف بـ (ابن أبي حجة). ((فاضل من أهل قرطبة، تصدر لإقراء القرآن وتعليم العربية وانتقل إلى إشبيلية، وأسره الروم في البحر، فامتحن بالتعذيب، وتوفي على إثر ذلك بميورقة)) [توثيق حاشية: الأعلام: 1/219، وله ترجمة في تكملة الصلة: 1/150، وشجرة النور الزكية: 182، والذيل: 1/394، 564، وملء العيبة: 2/104]. وهو من شيوخه الأوائل، الذين أخذ عنهم علم القراءات، وقد شارك بعض شيوخه في الأخذ عنه أيضاً، وهذا يدلّ على الأخذ المبكر لإمامنا عنه.

قال المراكشي: ((تلا بالسبع في بلده على أبي جعفر بن أبي حجة)) [توثيق حاشية: الذيل والتكملة: 5/585].

وقد استفاد إمامنا من شيخه هذا كثيراً، لا سيما إذا علمنا أن ابن أبي حجة كان نحوياً ومحدثاً وفقيهاً بالإضافة إلى كونه مقرئاً.

وهو أول شيخ سأله القرطبي في غسل والده والصلاة عليه يوم قتل في غارة مفاجئة شنها الأعداء على قرطبة، قال: ((فسألت شيخنا المقرئ الأستاذ أبا جعفر أحمد المعروف بابن أبي حجة، فقال: غسّله، وصلّ عليه، فإن أباك لم يقتل في المعترك بين الصفين)) [توثيق حاشية: الجامع لأحكام القرآن: 4/272]”. انتهى.

قلت: ذكر الدكتور الفرت (ص48) أسماء عشرة من شيوخ القرطبي، ثم قال (ص49-50): “وسأقدم ترجمة لمن توافرت عنه معلومات كافية.

أ- شيوخه بالأندلس:

إن أبرز شيوخ القرطبي بالأندلس هم الذين حدثنا عن تلمذته لهم، ورجوعه إليهم في مشكلاته العلمية، وهم:

1- ابن أبي حجّة (643هـ – 1245م).

وهو أبو جعفر أحمد بن محمد القيسي المعروف بابن أبي حجة: فاضل من أهل قرطبة، تصدر لإقراء القرآن، وتعليم العربية، وانتقل إلى إشبيلية بعد سقوط قرطبة، وأسره الروم في البحر، فامتحن بالتعذيب، وتوفي على إثر ذلك بميورقة…

وقد تلقى الإمام القرطبي على يدي هذا الشيخ القراءات السبع وفي هذا يقول المراكشي: “تلا بالسبع في بلده على أبي جعفر بن أبي حجة” وهو أول شيخ سأله القرطبي في غسل والده والصلاة عليه يوم قتل في غارة مفاجئة شنها الأعداء على قرطبة، قال: “فسألت شيخنا المقرئ الأستاذ أبا جعفر أحمد المعروف بأبي حجة (وفي بعض النسخ المعروف بابن أبي حجة) فقال: غسّله وصلّ عليه، فإن أباك لم يقتل في المعترك بين الصفين)) [توثيق حاشية: انظر في ترجمته: الزركلي: الأعلام: ج1 ص210. والمراكشي: الذيل والتكملة، السفر الخامس ص585. وتفسير القرطبي: المسألة الخامسة في تفسير الآيتين 169، 170، من سورة آل عمران ج4 ص272]انتهى.

24- قال مشهور (ص65-66): “2- ربيع بن عبدالرحمن ابن أحمد بن أُبيّ الأشعري (ت632هـ-1235م)

وهو أبو سليمان ربيع بن عبدالرحمن بن أحمد بن عبدالرحمن بن ربيع الأشعري، من أهل قرطبة وآخر قضاتها، ولي قضاءَها بعد أبي القاسم بن بقي، من قِبَلِ الأمير محمد بن هود، وقد كان استوطنها قبل ذلك، وأخذ عن أشياخها. واكتسب هنالك مالاً وعقاراً… وكان رجلاً صالحاً، عدلاً في أحكامه، وكانت له مشاركة في علم الحديث، ولم يزل أبو سليمان قاضياً بقرطبة، إلى أن استولت الروم عليها، وذلك يوم الأحد الثالث والعشرين من شوال من عام 633هـ، فتحول إلى إشبيلية، وبها توفي إثر انتقاله إليها، ويقال إنه ما هاله عظيم الرزء في مفارقة المال والوطن، عند الحاجة إليه، مع سنّ الشاخة، ولا بلغ لديه شيء من ذلك مبلغ الرزء فيما تلف له من كتبه، رحمه الله تعالى [توثيق حاشية: التكملة/ لابن الأبّار: 1/67، وتاريخ قضاة الأندلس: 118].

وقد سأله الإمام القرطبي بعد ابن أبي حجة عن غسل والده، فقال: ((ثم سألت شيخنا ربيع بن عبدالرحمن بن أحمد بن ربيع ابن أبيّ، فقال: إن حكمه حكم القتلى في المعترك)) [توثيق حاشية: الجامع لأحكام القرآن: 4/272]انتهى.

قلت: وهذا كله كلام الدكتور الفرت، وإنما زاد عليه مشهور ما اختصره الدكتور من ترجمته عند ابن الأبّار في التكملة.

قال د. الفرت (ص50-51): “2- ربيع بن عبدالرحمن بن أحمد بن أُبيّ:

وهو أبو سليمان ربيع بن عبدالرحمن بن أحمد بن عبدالرحمن بن ربيع الأشعري، من أهل قرطبة، وقاضيها، وكان رجلاً صالحاً عدلاً في أحكامه، نبيه القدر والبيت، وكانت له مشاركة في علم الحديث.. وقد سأله الإمام القرطبي – بعد ابن أبي حجة – عن غسل والده. فقال: “ثم سألت شيخنا ربيع بن عبدالرحمن بن أحمد بن ربيع بن أبيّ، فقال: إن حكمه حكم القتلى في المعترك”. وقد رحل بعد سقوط قرطبة إلى إشبيلية وتوفي بها” [توثيق حاشية: ابن الأبّار: التكملة ج1 ص67. وتفسير القرطبي ج 4 ص272]انتهى.

25- قال مشهور (ص66-68): “3- أبو عامر يحيى بن عبدالرحمن بن أحمد بن ربيع الأشعري (ت639هـ-1241م)

ذكره الإمام القرطبي، ونعته بـ ((الشيخ الفقيه الإمام المحدث القاضي)) وبـ ((شيخنا القاضي لسان المتكلمين)). وقال فيه: ((الأشعري نسباً ومذهباً))…

وواضح من ترجمة الشيخين: ربيع ويحيى أن القرطبي – وهو الذي تلمذ لكل منهما – ذكر اسميهما على النحو الذي يُعرف، والذي يظهر أنهما شيخان له، وهما أخوان، فقد ترجم ابن الأبار لوالدهما: ((عبدالرحمن بن أحمد بن ربيع))… ومن ثم وجدت أن أبا الحسن النباهي المالقي قال في ترجمة (يحيى): ((شقيق القاضي بقرطبة أبي سليمان المتقدم الذكر)) فوافق ما جزمت به فلله الحمد”. انتهى.

قال د. الفرت (ص51-52): “3- أبو عامر يحيى بن عامر بن أحمد بن منيع الأشعري:

ويخبرنا القرطبي نفسه عن هذا الشيخ الذي يكاد اسمه يتفق مع اسم سابقه ربيع بن عبدالرحمن… ففي تفسير قوله تعالى: {من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة} قال القرطبي: “أخبرنا الشيخ الفقيه الإمام المحدث القاضي أبو عامر يحيى بن عامر [توثيق حاشية: في بعض النسخ الخطية للتفسير: أبو عامر يحيى بن أحمد بن ربيع الأشعري] بن أحمد بن منيع الأشعري نسباً ومذهباً بقرطبة – أعادها الله -…

وواضح من ترجمة الشيخين ربيع ويحيى أن القرطبي – وهو الذي تلمذ لكل منهما – ذكر اسميهما على النحو الذي يعرف، والذي يظهر منه أنهما شيخان له، كانت بينهما صلات قرابة أو مجرد تشابه في الاسم واللقب…”. انتهى.

قلت: من خلال هذا يتبيّن لنا أن (مشهوراً) قد أخذ كلام الدكتور، والفارق بينهما أن الدكتور لم يعرف أن ربيعاً أخٌ ليحيى، مع أنه جزم بأن هناك صلة قرابة بينهما، ولكن مشهور وقف على كلام النباهي المالقي والذي بيّن فيه أنهما شقيقان.

وكنت أتوقع من (مشهور) أن يتعقّب الدكتور الفرت في هذا! ولكنه لم يفعل!!

لَقد صَمَتَ الغُرابُ بلا نَعيـــــقٍ          لِيطمسَ سِرْقَةً عبرَ الطريــقِ

وما قولُ “الشَّقيقِ” سوى رغاءٍ          فضحَّى في تعقُّبه الرَّقيـــــقِ

ورامَ بذاكَ أن يحظـى بصيــــدٍ          ففعلتهُ كأفعـالِ الصَّفيــــــــقِ

أَلْم يَعلم بأَنَّ الغِـشَّ يخبـــــــــــو         وما ينأى العدوُّ عن الصَّديقِ

 وإِنْ كلَّمتـه ماذا أضفتُـــــــــــم          تراهُ يزيغُ عن لفظ “الشقيقِ”

26- قال مشهور (ص68-69): “4- أبو الحسن علي بن قُطْرال (ت651هـ-1253م)

هو القاضي العلامة القدوة أبو الحسن علي بن عبدالله بن محمد بن يوسف الأنصاري القرطبي المالكي، ولد سنة ثلاث وستين وخمس مئة، سمع أبا القاسم ابن الشَّراط، وأبا العباس بن مضاء، وأخذ عنه أصول الفقه، وأبا خالد بن رفاعة، وأبا الحسن بن كوثر، وابن الفخَّار، وعبدالحق بن بُونَهْ، لقيه بالمُنَكَّب، وأخذ قراءة نافع والنحو عن أبي جعفر بن يحيى.

وسمع بسبتة من أبي محمد محمد بن عبيدالله، وأجاز له أبو بكر بن الجد، والكبار. وولي قضاء أُبَّذة – وهي بليدة بالأندلس من كورة جّيّانن وهي دار اليعمريين من أهلها – فأسره العدو لما أخذوها في سنة تسع وست مئة، ثم تخلص، وولي قضاء شاطبة، ثم شريش، ثم قضاء قرطبة، ثم أعيد إلى قضاء شاطبة وخطبتها، ثم سبتة، ثم قضاء فاس. وكان من رجال الكمال علماً وعملاً يشارك في عدة فنون، ويمتاز بالبلاغة، وأُرِّخَ موته بمراكش في ربيع الأول سنة إحدى وخمسين وست مئة، عاش ثمانياً وثمانين سنة، وهو أحد الأعلام في زمانه. [توثيق حاشية: انظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء: 23/304، والإحاطة في أخبار غرناطة: 4/190، والعبر: 5/209-210، وشجرة النور الزكية: 1/183، والوفيات لابن قنفذ: 321].

وقد سأله القرطبي بعد شيخه ربيع عن غسل والده، فقال: ((… ثم سألت قاضي الجماعة أبا الحسن علي بن قُطرال وحوله جماعة من الفقهاء، فقالوا: غسّله وكفّنه، وصلِّ عليه))” انتهى.

قال د. الفرت (ص52): “4- القاضي أبو الحسن علي بن قطرال:

وهو أبو الحسن علي بن عبدالله بن محمد الأنصاري القرطبي المعروف بابن قطرال، فقيه مالكي، سمع عبدالحق بن توبة، وابن الشراط. وناظر على أبي العباس بن مضاء، ولي قضاء آمد (أبدة)، فلما أخذها الفرنج سنة تسع وستمائة أسروه، ثم خلص، وولي قضاء شاطبة، ثم ولي قضاء قرطبة، فقضاء فاس، وكان يشارك في عدة علوم، ويتفرد ببراعة البلاغة.

وقد توفي ابن قطرال بمراكش في ربيع الأول سنة (651هـ-1253م) وله ثمان وثمانون سنة. [توثيق حاشية: انظر: ابن العماد: شذرات الذهب ج5 ص254. وابن قنفذ القسطيني: الوفيات. (وفيات العشرة السادسة من المائة السابعة)] انتهى.

قلت: اعتمد (مشهور) في هذه الترجمة على ترتيب الدكتور الفرت فقط، واستفاد من مراجعه التي ذكرها.

وأما ما جاء به من كلام إنما هو كلام الإمام الذهبي بحروفه في ((سير أعلام النبلاء)) (23/304-305)، وكان يجب عليه أن يبيّن ذلك بقوله: “قال الذهبي…”!!!

قال الإمام الذهبي: “القاضي العلامة القدوة أبو الحسن علي بن عبدالله بن محمد بن يوسف الأنصاري القرطبي المالكي، ولد سنة ثلاث وستين وخمس مائة، سمع أبا القاسم ابن الشَّراط، وأبا العباس بن مضاء، وأخذ عنه أصول الفقه، وأبا خالد بن رفاعة، وأبا الحسن بن كوثر، وابن الفخَّار، وعبدالحق بن بُونَهْ، لقيه بالمُنَكَّب، وأخذ قراءة نافع والنحو عن أبي جعفر بن يحيى.

وسمع بسبتة من أبي محمد بن عبيدالله، وأجاز له أبو بكر بن الجد، والكبار. وولي قضاء أُبَّذة – وهي بليدة بالأندلس من كورة جّيّانن وهي دار اليعمريين من أهلها – فأسره العدو لما أخذوها في سنة تسع وست مائة، ثم تخلص، وولي قضاء شاطبة، ثم شريش، ثم قضاء قرطبة، ثم أعيد إلى قضاء شاطبة وخطبتها، ثم سبتة، ثم قضاء فاس. وكان من رجال الكمال علماً وعملاً، يشارك في عدة فنون ويمتاز بالبلاغة، أخذت عنه بشاطبة قاله الأبار وأَرَّخ موته بمراكش في ربيع الأول سنة إحدى وخمسين وست مائة، عاش ثمانياً وثمانين سنة، وهو أحد الأعلام في زمانه”.

ووقع عند (مشهور): “وسمع بسبتة من أبي محمد محمد بن عبيدالله” فزاد فيه: “محمد”. ولم يذكر إشارة الذهبي في نقله كلام ابن الأبار، فحذفه!!

وقد وقع في بعض كلام الدكتور الفرت بعض التصحيف ولم يستدركه مشهور. قال: “بن توبة” والصواب: “بن بُونه”، وقال: “آمد (أبدة)” والصواب: “أبَّذة”.

27- قال مشهور (ص69-70): “5- أبو محمد بن حَوط الله (ت612-1214م)

هو الحافظ الإمام مُحدِّث الأندلس أبو محمد عبدالله بن سليمان بن داود بن حوط الله الأنصاري الحارثي الأندلسي الأنْدي.

ولد سنة تسع وأربعين وخمس مئة، وتلا بالسبع على أبيه، وسمع من ابن هذيل بعض ((الإيجاز)) في قراءة وَرْش، وسمع من أبي القاسم بن حُبيش، والسهيلي، وابن الجَدّ، وابن زَرْقون، وابن بشكوال، وخلق.

وأجاز له أبو الطاهر بن عوف من الإسكندرية، وأبو طاهر الخشوعي من دمشق، وروى شيئاً كثيراً وألف كتاباً في رجال الكتب الخمسة، نزع فيه منـزع أبي نصر الكلاباذي، لم يكمله، وكان منشئاً خطيباً بليغاً شاعراً نحوياً، تصدر للقراءات والعربية، وأدّب أولاد المنصور بمراكش، ونال عزاً ودنيا واسعة، وولي قضاء قرطبة وأماكن، وحُمِد. توفي في ربيع الأول سنة اثنتي عشرة وست مئة رحمه الله. [توثيق حاشية: انظر ترجمته في :سير أعلام النبلاء: 22/41، والتكملة لابن الأبار: 2/883…].

وأخذ الإمام القرطبي عن شيخيه الأخيرين: ابن قطرال وابن حوط الله وهما قاضيان بقرطبة، ولم يكثر عنهما”. انتهى.

قلت: هذا الشيخ لم يذكره الدكتور الفرت، وهذه الترجمة هي للذهبي في ((السير)) (22/41-42) بكاملها.

قال الذهبي: “الحافظ الإمام محدث الأندلس…توفي في ربيع الأول سنة اثنتي عشرة وست مئة”.

وطالما أن (مشهور حسن) قد ذكر الترجمة من عند الذهبي بحروفها، فلم يقول في توثيقه: “انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء”؟ هل سنجد جديداً هناك؟! الجواب: لا، ولكنه التلبيس والتدليس على القرّاء لئلا يُكشف!!!!

وقد أقحم (مشهور) في كلام الذهبي كلاماً لابن الأبار، وهو: “نزع فيه منـزع أبي نصر الكلاباذي، لم يكمله”. فليتنبه!

28- قال مشهور (ص70-74): “الثاني: شيوخه بمصر:

استقر الإمام القرطبي بمنية بني خصيب في صعيد مصر، حتى توفي بها، وقد مرّ بالإسكندرية والقاهرة وغيرهما من البلدان المصرية – كما ذكرناه في الفصل الأول – في الطريق إليها، وقد تتلمذ هناك على كثير من الشيوخ، وكان من أبرزهم:

1- أبو العباس القرطبي: (ت656هـ-1258م)

وهو أبو العباس ضياء الدين أحمد بن عمر بن إبراهيم بن عمر الأنصاري القرطبي المالكي الفقيه، عرف بـ (ابن المزَيِّن)، من أعيان فقهاء المالكية، نزل الإسكندرية، ودرس بها وبغيرها، وكان من الأئمة المشهورين، والعلماء المعروفين، جامعاً لمعرفة علوم منها: علم الحديث، والفقه، والعربية، وغير ذلك. وله على كتاب ((صحيح مسلم)) شرح أحسن فيه وأجاد، سمّاه ((المفهم)) امتدحه المقري، فقال: ((وهو من أجل الكتب، ويكفيه شرفاً اعتماد الإمام النووي رحمه الله في كثير من المواضع وفيه أشياء حسنة مفيدة)) واختصر صحيحي البخاري ومسلم، وسمع الحديث من مشايخ المغرب…

وذكره جماعة في شيوخ إمامنا القرطبي رحمه الله، منهم ابن فرحون فقال ما نصه: ((وذكره الإمام أبو عبدالله محمد بن أحمد ابن أبي بكر بن فَرْح القرطبي في شيوخه، وحدث عنه، وقال غيره: رحل أبو العباس مع أبيه من الأندلس في سن الصغر، فسمع كثيراً بمكة والمدينة والقدس ومصر والإسكندرية، وغيرها من البلاد)). [توثيق حاشية: الديباج المذهب: 69].

ولعل الأمر التبس على ابن فرحون، فظنّ أن سماع إمامنا القرطبي من شيخه أبي العباس كان بالأندلس، ولذا أردف عدّ القرطبي أبا العباس من شيوخه، بقوله: ((وقال غيره: رحل أبو العباس مع أبيه من الأندلس في سن الصغر)) ولا تعارض بين الأمرين إذا علمنا أن سماع إمامنا منه كان في الإسكندرية، ولعل نص ابن فرحون السابق هو الذي جعل الدكتور أحمد بدوي يقول حين ذكر إمامنا القرطبي: ((ولد بقرطبة، وتلقّى بها ثقافة واسعة في الفقه والنحو والقراءات، وسمع من أبي العباس أحمد القرطبي بعض كتاب ((المفهم في شرح مسلم)) ثم وفد إلى مصر كما وفد غيره من علماء الأندلس)). [توثيق حاشية: مقال: من المفسرين في عصر الحروب الصليبية: القرطبي، المنشور في مجلة الرسالة، عدد رقم (858) لسنة 1949 ص1703].

وواضح أن كلامه – وكلام ابن فرحون قبله – يوحي بأن القرطبي المفسر تلقى عن أبي العباس أولاً، ثم وفد إلى مصر! وفي هذا مخالفة للواقع الذي ذكره الإمام القرطبي نفسه…

وذكر المراكشي في ترجمة إمامنا القرطبي: أنه ((رحل إلى المشرق، وروى هنالك عن أبي العباس أحمد بن عمر الأنصاري القرطبي))، وكان ذلك في الإسكندرية، كما قدمنا من كلام القرطبي نفسه، فلا داعي للتردد في ذلك، بحجة أن أبا العباس قد حدّث بغيرها، كما فعل الدكتور محمود قصبي زلط. [توثيق حاشية: في كتابه: القرطبي ومنهجه في التفسير: 28].

وقد ظهر أثر هذا الشيخ – وهو المقدم في علم الحديث – في عناية القرطبي بالأحاديث النبوية، وتخريجها، وشرح غريبها، وحلّ مشكلها، وضبط مشتبهها، ومع هذا فإنه تعقبه في بعض المواطن، وهذا يدل على إنصافه وعدم تعصبه كما سيأتي بيانه في الفصل الخامس”. انتهى.

قلت: وهذا كلّه أيضاً من تحرير الدكتور الفرت، وقد وقع (مشهور) في خطأ شنيع لعدم فهمه كلام ابن فرحون!! ولو أنه اقتصر على فهم الدكتور الفرت لما وقع في ذلك!! وحاول هنا تعقّب الدكتور قصبي زلط! سبحان الله! يسرق منه ويحاول تعقبه!!!!

قال د. الفرت (ص53-54): “ب- شيوخه بمصر:

استقر الإمام القرطبي بمنية بني خصيب في صعيد مصر، حتى توفي بها، وقد مرّ بالإسكندرية والقاهرة في الطريق إليها، ولا شك أنه تلمذ لشيوخ الإسكندرية والقاهرة آنذاك، وكان من أبرز هؤلاء:

1- أبو العباس القرطبي: (578-656هـ) (1182-1258م)

وهو أبو العباس ضياء الدين أحمد بن عمر بن إبراهيم بن عمر الأنصاري القرطبي، وكان هذا الشيخ من أعيان فقهاء المالكية.

وقد ولد أبو العباس بقرطبة، ورحل مع أبيه من الأندلس في سن الصغر، فسمع كثيراً بمكة والمدينة والقدس وغيرها من البلاد، وسمع الحديث من مشايخ المغرب.. ثم نزل الإسكندرية فاستوطنها ودرس بها، وكان يشار إليه بالبلاغة والعلم، والتقدم في علم الحديث، والفضل التام، وكان بارعاً في الفقه والعربية، وأخذ عنه الناس من أهل المشرق والمغرب، وانتفعوا بكتبه وقد ذكره الإمام القرطبي (أبو عبدالله محمد بن أحمد القرطبي) في شيوخه وحدث عنه.

ومن أهم كتب أبي العباس القرطبي ما يلي:

1- المفهم في شرح مسلم، وهو كتاب أحسن فيه، وأجاد، وفيه أشياء حسنة مفيدة محررة.

2- مختصر الصحيحين: قال الدمياطي: واختصر الصحيحين وشرحهما.

وقد تلقى القرطبي المفسر العلم على يدي أبي العباس القرطبي بالإسكندرية؛ إذ لا يمكن أن يكون قد تم له بقرطبة حيث رحل أبو العباس عنها مع والده وهو صغير السن كما ذكر “ابن فرحون”، فضلاً عن أن المراكشي قال عن القرطبي المفسر: “ورحل إلى المشرق وروى هناك عن أبي العباس أحمد بن عمر الأنصاري القرطبي”.

وهنا يمكن القول: لعل الأمر قد التبس على أستاذنا الدكتور أحمد بدوي حين ذكر أن القرطبي المفسر “ولد بقرطبة، وتلقّى بها ثقافة واسعة في الفقه والنحو والقراءات، وسمع من أبي العباس أحمد القرطبي بعض كتاب “المفهم في شرح مسلم” ثم وفد إلى مصر كما وفد غيره من علماء الأندلس”، وواضح أن كلامه يوحي بأن القرطبي المفسر تلقى عن أبي العباس القرطبي أولاً، ثم وفد إلى مصر – وفي هذا مخالفة للواقع الذي أيدته المصادر التاريخية ورواة التاريخ.

ومن هنا يمكن القول: إن القرطبي المفسر قد مكث فترة غير قصيرة بالإسكندرية يتلقى العلم فيها، وقد ظهر أثر هذا الشيخ – وهو المقدم في علم الحديث – في عناية القرطبي بالأحاديث النبوية، وتخريجها في كتبه وبخاصة في التفسير، وسيأتي بيان ذلك بالتفصيل” [توثيق حاشية: انظر ترجمته: ابن فرحون: الديباج ص68-7-. والمقري: نفح الطيب ج2 ص165. والمراكشي: الذيل والتكملة، السفر الخامس ص585. وابن كثير: البداية والنهاية ج13 ص213. وابن تغري بردي: النجوم الزاهرة ج7 ص19. و د. أحمد بدوي: الحياة العقلية ص117. والسيوطي: حسن المحاضرة ج1 ص457. وابن العماد: شذرات الذهب ج5 ص273، 274]انتهى.

قلت: فانظر – رحمك الله – إلى مطابقة كلام مشهور للدكتور الفرت! وخاصة وعْدَه في نهاية الكلام: “كما سيأتي بيانه في الفصل الخامس”، وكلام د. الفرت في نهاية كلامه: “وسيأتي بيان ذلك بالتفصيل”.

وأما استدراك مشهور على ابن فرحون؛ فلا قيمة له! لأن ابن فرحون لا يرى ما توهمه (مشهور)!!! ولو كان يرى ذلك لاستدركَ عليه الدكتور الفرت؛ لأنه نقل كلامه، واعتمد عليه في الاستدراك على الدكتور أحمد بدوي، ولكن –  للأسف – فإن (مشهوراً) لا يستطيع فهم كلام أهل العلم!!!! وكلام ابن فرحون واضح في أن أبا العباس رحل وهو صغير مع والده خارج الأندلس، فأين الالتباس المزعوم الذي ادّعاه (مشهور)؟!

وأما زعمه في أن د. قصبي زلط تردد في سماع القرطبي من أبي العباس القرطبي في الأندلس! فهو على الاحتمال.

قال د. زلط (ص28): “وأغلب ظني أن القرطبي قد تتلمذ على شيخه أبي العباس القرطبي، وابن رواج بالإسكندرية. وإن كان هذا الظن يتبدد أمام عبارة شرف الدين الدمياطي فإنه قد قال في حق شيخه أبي العباس القرطبي ((أخذت عنه وأجاز لي مصنفاته رحمه الله تعالى، وحدث بالإسكندرية وغيرها))”.

ثم قال الدكتور: “ولكنني رغم هذا أقول لعل القرطبي لم ينتقل من الإسكندرية من وقت نزل بها إلى أن غادرها متجهاً إلى الصعيد، وفي تلك المدة التقى بشيخيه وأخذ عنهما…”.

قلت: وهذا لا يعدّ تردداً، وإنما ذكر الدكتور قول الدمياطي الذي قد يعكر على رأيه، ولكنه في النهاية خالفه ولم يتردد كما زعم (مشهور)!!

وهناك عبارة سرقها (مشهور) من د. زلط في كتابه، فإنه قال (ص29): “ومن مؤلفاته: المفهم في شرح مسلم. ولقد امتدح المقري هذا الكتاب فقال: ((وهو من أجل الكتب ويكفيه شرفاً اعتماد الإمام النووي رحمه الله في كثير من المواضع، وفيه أشياء حسنة مفيدة))”.

29- ذكر مشهور في حاشية (2) من (ص71) أن الأستاذ كحالة في ((معجم المؤلفين)) (2/27) نسب كتاب ((التذكرة)) إلى أبي العباس القرطبي، ثم قال مشهور: “والصواب أنها لتلميذه”.

قلت: وهذا إنما أخذه (مشهور) من د. زلط في كتابه؛ فإنه قال (ص26) أثناء ترجمة أبي العباس القرطبي: “وأخطأ صاحب معجم المؤلفين عندما نسب إليه كتاب ((التذكرة)). فإن ((التذكرة)) ليست من مؤلفاته، وإنما هي من مؤلفات صاحبنا ((أبو عبدالله القرطبي))” انتهى.

فيا سبحان الله ! إذا أردت يا (مشهور) أن تتعقّب الدكتور زلط فإنك تعزو إلى كتابه، أما عندما تسرق تعقّبه؛ فإنك تغمض عينيك عن العزو إليه.. (إن هذا لشيء عُجاب)!!

30- قال مشهور (ص74-75): “2- أبو محمد بن رَواج (ت648هـ – 1250م)

هو الشيخ الإمام المحدّث مُسند الإسكندرية رشيد الدين أبو محمد عبدالوهاب بن رواج، واسمه: ظافر بن علي بن فُتوح بن حسين الأزدي، القرشي، حليفهم، الإسكندراني، المالكي، الجوشني. ولد سنة أربع وخمسين وخمس مئة، وطلب بنفسه فأكثر عن السِّلفي، وسمع من أبي الطاهر بن عوف، ومخلوف ابن جارة، وأبي طالب أحمد بن المسلَّم، ومشرف بن علي الأنماطي، وعبدالواحد بن عسكر وطائفة، ونسخ الأجزاء، وخرَّج لنفسه الأربعين. وكان فقيهاً، فطناً، ديناً، متواضعاً، صحيح السماع، انقطع بموته شيء كثير.

حدث عنه ابن نُقطة، وابن النجار، والمنذري، والرشيد العطار، والدمياطي، والضياء السبتي، ويوسف بن عمر الختني، وعدة.

توفي في ثامن عشر ذي القعدة سنة ثمان وأربعين وست مئة بالثغر، رحمه الله تعالى. [توثيق حاشية: انظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء: 23/237. والعبر: 5/300…].

ذكره المراكشي والداودي والسيوطي في شيوخ الإمام القرطبي، وبيّن المراكشي أن روايته عنه كانت بعد رحيله من قرطبة، وقال: ((وأكثر عنه)).

قلت: وروايته عنه كانت بالإسكندرية أيضاً، قال الإمام القرطبي بعد أن أورد حديثاً: ((أنبأناه الشيخ المسنّ الحاج الراوية أبو محمد عبدالوهاب بن ظافر بن علي بن فتوح بن الحسين القرشي – عُرف بابن رَواج – بمسجده بثغر الإسكندرية حماه الله)) [توثيق حاشية: التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة: 138، 589، والتذكار في فضل الأذكار: 66، 92، 101]. انتهى.

قال د. الفرت (ص54-55): “2- ابن رواج (554-648هـ)

وهو الشيخ رشيد الدين أبو محمد عبدالوهاب بن ظافر بن علي بن فتوح ابن أبي الحسن القرشي بن رواج الإسكندراني المالكي، وهو من كبار محدثي الإسكندرية، وكان فقيهاً فطناً، ديناً متواضعاً، صحيح السماع، انقطع بموته شيء كثير، وكانت وفاته في الثامن عشر من ذي القعدة سنة ثمان وأربعين وستمائة عن أربع وتسعين سنة.

وقد تلقى كثيرون عنه علوم الحديث، ذكر المقريزي بعضهم وكان القرطبي أحد تلامذته النجباء – في هذا المجال – حتى قال المراكشي: إنه أكثر الرواية عن ابن رواج.

وقد تلمذ القرطبي لابن رواج في الإسكندرية ويؤكد ذلك ما جاء في كتاب “التذكار في أفضل الأذكار” قال: “أنبأنا الشيخ المسنّ الحاج الراوية أبو محمد عبدالوهاب بن ظافر ابن علي بن فتوح عُرف بابن رَواج بمسجده بثغر الإسكندرية حماه الله”. [توثيق حاشية: انظر في ترجمته: القرطبي: التذكار في أفضل الأذكار ص66، 92، 101. والذهبي: تذكرة الحفاظ ج4 ص1411. والمراكشي: الذيل والتكملة، السفر الخامس ص585…]. انتهى.

قلت: ما ذكره (مشهور) هو كلام الذهبي بحروفه في ((السير)) (23/237-238)!! وهو كعادته يقول: “انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء…”!! مع أنه نقل الترجمة كلها!! وكذلك المثال الذي جاء به هو من عند الدكتور الفرت، وكذلك إشارته إلى المواضع الثلاثة من كتاب (التذكار في أفضل الأذكار) (ص66، 92، 101)!!!

31- قال مشهور (ص77-79): “4- أبو علي بن محمد البكري (ت656هـ-1258م)

هو الشيخ الإمام المحدّث المفيد الرّحال المسند جمال المشايخ صدر الدين أبو علي الحسن بن محمد ابن الشيخ أبي الفتوح محمد بن محمد بن محمد بن عَمروك بن محمد بن عبدالله بن حسن بن القاسم بن علقمة بن النضر بن معاذ ابن فقيه المدينة عبدالرحمن بن القاسم بن محمد ابن الصديق أبي بكر القرشي التيمي البكري النيسابوري ثم الدمشقي الصوفي.

ولد بدمشق في سنة أربع وسبعين وخمس مئة، وسمع بمكة من جَده، ومن أبي حفص الميانشي، وبدمشق من حنبل، وابن طبرزذ، ورحل فسمع بهراة من أبي الفتوح محمد بن محمد بن الجنيد، وعين الشمس الثقفية، وعدة، وبمرو من أبي المظفر ابن السمعاني، وببغداد من ابن الأخضر، وبالموصل وإربل وحلب ومصر وأماكن، وعمل الأربعين البلدية، وعني بهذا الشأن، وكتب العالي والنازل، وجمع وصنف، وشرع في تأريخ لدمشق ذيلاً على تاريخ ابن عساكر، وعُدمت المسوَّدة، روى الكثير، وسمع منه ابن الصلاح، والبرزالي، والكبار.

وولي حسبة دمشق، ومشيخة الخوانك، ونفق سوقه في دولة المعظم، وكان جدهم عمروك بن محمد من أهل المدينة النبوية، فتحول وسكن نيسابور.

مرض أبو علي بالفالج مدة، ثم تحول في آواخر عمره إلى مصر، فلم يطل مقامه بها، وتوفي في حادي عشر ذي الحجة سنة ست وخمسين، وما هو بالبارع في الحفظ، ولا هو بالمتقن. [توثيق حاشية: انظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء: 23/326، والوافي بالوفيات: 12/251…].

… ومن حُسن حظ شيخنا القرطبي أنه سمع منه بعدما صلح حاله، وإلا فقد ((كان كثير التخليط)) كما قال البرزالي، ((ثم في الآخر صلح حاله، وابتلي بالفالج قبل موته بسنوات))، فيدلنا هذا على أنه لم يقدم إلى مصر إلا بعد أن صَلُحَ حاله، ولعلّ عبارة السيوطي توضح لنا هذا الأمر، فإنه قال: ((وكان إماماً عالماً، أحد الرحالين، وجدد مظالم، ثم في الآخر صلح حاله، وحصل له فالج، فتحول إلى مصر، فمات بها في آخر ذي الحجة سنة 656هـ)). [توثيق حاشية: حسن المحاضرة: 1/356] انتهى.

قلت: أخذ (مشهور) – كعادته – ترجمته كاملة بحروفها من الذهبي في ((السير)) (23/326-328) وحذف منها أشياء، ونتيجة لهذا وقع وهمٌ في نقله! فإنه قال: “ورحل فسمع بهراة من أبي الفتوح محمد بن محمد بن الجنيد وعين الشمس الثقفية”، والصواب كما في السير: “ورحل فسمع بهراة من أبي روح الهروي، وبنيسابور من المؤيد الطوسي، وبأصبهان من أبي الفتوح محمد ابن محمد بن الجنيد، وعين الشمس الثفية، وعدة”.

وأما الفقرة الأخيرة من كلام (مشهور) فإنه سرقها من الدكتور القصبي زلط!!

قال د. زلط (ص27): “وإنني لا أدري هل صلحت أحواله من الناحية الأخلاقية والعلمية أم من الناحية الأخلاقية فقط؟ إن تعليق الذهبي على وصفه للبكري، ووصف ابن الحاجب له يدلنا على أنه قد صلح من الناحيتين الأخلاقية والعلمية فإنه قد عقب بقوله ((قلت ثم في الآخر صلح حاله وابتلي بالفالج قبل موته بسنوات ثم تحول في آخر عمره إلى مصر فمات بها في ذي الحجة سنة ست وخمسين وستمائة)) كما يدلنا أيضاً على أنه لم يقدم إلى مصر إلا بعد أن صلح حاله. ولعل عبارة السيوطي توضح لنا ذلك أكثر، فإنه قد قال: ((وكان إماماً عالماً أحد الرحالين، وجدد مظالم ثم في الآخر صلح حاله وحصل له فالج فتحول إلى مصر فمات بها في آخر ذي الحجة سنة 665هـ))”. انتهى.

قلت: وهذا الفهم من الدكتور القصبي زلط فهم غير سديد! ولما كان السارق (المشهور) عنده (نهم السرقة) سلّم له الكلام، فقال: “ومن حسن حظ شيخنا القرطبي أنه سمع منه بعدما صلح حاله وإلا فقد كان كثير التخليط…”!

وهذا عينه هو كلام الدكتور القصبي، وهو فهم لا يستقيم! فأين فهم (المشهور)؟!

فلا أدري كيف فهم الدكتور القصبي و(مشهور) أن صلاح حال البكري هذا كان علمياً!!! فالبرزالي قال حيث سئل عنه: “كان كثير التخليط”، ولم يقل قط أنّ حال البكري قد صَلُحَ، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فالراجح المعتمد أن صلاح حاله مصروفٌ إلى جهة الأخلاق لا العلم. فالبراعة في الحفظ والإتقان لا تأتي في يوم وليلة بنحو ما يتصوره المشهور الذي نقل كلام الذهبي الواضح فيه: “وما هو بالبارع في الحفظ ولا هو بالمتقن”!

فمشهور يرى أن حاله العلمي قد صلح وصار بارعاً متقناً! هذا مفهوم كلامه، ولهذا قال: “ومن حسن حظ شيخنا…”!!

والذي يزيدنا يقيناً أن استقامته وصلاح حاله كانت أخلاقية كلام ابن الحاجب الذي لم يحسن مشهور ولا د. القصبي توجيهه. قال ابن الحاجب فيما نقله الذهبي في ((السير)) (23/328): “كان إماماً عالماً لسناً فصيحاً مليح الشكل، إلا أنه كثير البهت، كثير الدعاوي. عنده مداعبة ومجون. داخل الأمراء وولي الحسبة. إلى أن قال –أي ابن الحاجب: ولم يكن محموداً. جدد مظالم وعنده بذاءة لسان. سألت الحافظ ابن عبدالواحد عنه؟ فقال: بلغني أنه يقرأ على الشيوخ، فإذا أتى إلى كلمة مشكلةٍ تركها ولم يبينها. وسألت أبا عبدالله البرزالي عنه؟ فقال كان كثير التخليط”.

قلت: فهذا حاله في العلم سواءً قبل إصابته بالفالج أم بعده! فهل يا أيها (العلم المشهور): هل البكري بعدما أصيب بالفالج صار صالحاً علمياً، وبات يبيّن الكلمات المشكلة التي ما كان يحسن بيانها، وهو بكامل صحته وعافيته؟!

مسكينٌ هذا (السارق المشهور)! يسرق أشياء ليست سديدة!! ولهذا أستطيع أن أُطلق على (مشهور وأصحابه في السرقة): “كان عندهم شرهٌ في السرقة” كما كان أهل النقد يطلقون على بعض الرواة الذين كان عندهم شره في السماع كأهل الكوفة: “كان عندهم شره في السماع” فكانوا يسمعون الأحاديث المكذوبة والمنكرة والضعيفة دون تمييز! فشابه مشهور ومن معه حالهم من حيث أنهم يسرقون دون فهم ووعي ودون تمييز!

32- قال مشهور (ص80-82): “5- أبو الحسن علي بن هبة الله اللخمي، المعروف بـ (ابن الجُميزي) (ت649هـ-1251م)

هو شيخ الدّيار المصرية العلامة المفتي المقرىء بهاء الدين أبو الحسن علي بن هبة الله ابن سلامة بن المسلَّم اللخمي المصري الشافعي الخطيب المدرِّس. ولد يوم النحر سنة تسع وخمسين وخمس مئة بمصر. وحفظ القرآن صغيراً، وارتحل به أبوه، فسمع في سنة ثمان وستين من الحافظ ابن عساكر، وببغداد من شُهدة الكاتبة، وتلا بالعشر على أبي الحسن البطائحي، وعلى القاضي شرف الدين ابن أبي عصرون، وتفقه عليه، وأكثر عنه، وسمع أيضا من عبدالحق اليوسفي، ويحيى ابن السقلاطوني، ومحمد بن نَسيم، وبادر فسمع من أبي الطاهر السِّلفي، وأبي طالب اللخمي، وابن عوف، وابن بَرِّي النحوي، وتلا على الشاطبي ختمات. وتفقه أيضاً على العراقي والشهاب الطوسي، وبرع في المذهب، وخطب بجامع القاهرة، وانتهت إليه مشيخة العلم.

وروى الكثير بدمشق وبمكة والقاهرة، [وكان مدرساً بزاوية الإمام الشافعي بجامع مصر، وخطيباً بجامع القاهرة]، روى عنه البِرزالي، والمنذري، وابن النجار، والدمياطي، وابن الصيرفي، والفخر التوزي، وخلق كثير، وعاش أرجح من تسعين سنة وأياماً.

توفي وهو مُسدَّدُ الفتاوي، وافر الجلالة، حسن التصون، مسند زمانه في الرابع والعشرين من ذي الحجة سنة تسع وأربعين وست مئة رحمه الله تعالى. [توثيق حاشية: انظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء: 23/253، وغاية النهاية: 1/583…].

سمع منه القرطبي ببلدته التي استقر فيها ((منية بني خصيب))، فقال بعد أن ذكر حديث تلقين الميت: ((أنبأناه الشيخ الفقيه الإمام مفتي الأنام أبو الحسن علي بن هبة الله الشافعي بمنية بني خصيب على ظهر النيل)) [توثيق حاشية: التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة: 138] وكذا قال حين ذكر أن أفضل الخلق إيماناً مَن عمل بكتاب الله. [توثيق حاشية: التذكار في فضل الأذكار: 95].

… ومن خلال النقلين السابقين عن الإمام القرطبي عن شيخه يتّضح لنا أن صاحبنا قد أخذ عن شيخه ونهل من علمه في الحديث النبوي، ولكن هل تتلمذ عليه في القراءات واستفاد من علمه في الفقه والنحو؟

إنّ ابن الجميزي كان شافعيّ المذهب – كما قدمنا -، وكان القرطبي تلميذه مالكياً، ومع هذا لم يمتنع صاحبنا عن الأخذ منه، لأنه كان حرّاً في بحثه، نزيهاً في نقده، عفاً في مناقشته وجدله، لا يتعصب لمذهبه المالكي، بل يمشي مع الدليل، حتى يصل إلى ما يرى أنه الصواب، أيّاً كان قائله” انتهى.

قلت:

1- الترجمة الطويلة هذه لابن الجميزي هي للذهبي في ((السير)) (23/253-254) بكاملها، ومشهور – كعادته – سرقها ونسبها لنفسه!!! باستثناء ما بين معكوفين [وكان مدرساً بزاوية الإمام الشافعي بجامع مصر وخطيباً بجامع القاهرة]، فهو من كلام ابن نقطة في ((تكملة إكمال الإكمال)) (ص114).

2- المثال الذي ذكره (مشهور) أورده الدكتور الفرت في كتابه.

قال د. الفرت (ص55): “وقد أورد الإمام القرطبي اسم شيخه هذا مقروناً باسم ابن رواج حين ذكر أن أفضل الخلق إيماناً من عمل بكتاب الله عز وجل قال: “أنبأنا الشيخ المسن الراوية… ابن رواج بمسجده بثغر الإسكندرية، والشيخ الفقيه الإمام مفتي الأنام أبو الحسن علي بن هبة الله الشافعي بمنية بني خصيب على ظهر النيل بها إجازة، قالا جميعاً… إلى آخر ما أورده، ومن هذا النص يظهر أن القرطبي تلمذ لهذا الشيخ بمنية بني خصيب”. انتهى.

3- السؤال الذي طرحه (مشهور) هو للدكتور قصبي زلط!!

قال د. زلط (ص25): “وإذا كان ابن الجميزي من أعلام الحديث والفقه والقراءات وكانت له مشاركة في التفسير كما يؤخذ من كلام المؤرخين. فإن القرطبي قد أخذ عنه ونهل من علمه، لكن هل تتلمذ عليه القرطبي في الفقه؟

إن ابن الجميزي كان شافعي المذهب، وكان القرطبي مالكياً، ومع هذا فمن الجائز أن القرطبي تتلمذ عليه في فقه الشافعية، فالطرطوشي وهو الفقيه المالكي عندما دخل بغداد تتلمذ على كثير من فقهاء الشافعية”. انتهى.

وحتى يجيب (مشهور) على هذا السؤال قال: “ومع هذا لم يمتنع صاحبنا عن الأخذ منه، لأنه كان حرّاً في بحثه، نزيهاً في نقده، عفاً في مناقشته وجدله، لا يتعصب لمذهبه المالكي، بل يمشي مع الدليل، حتى يصل إلى ما يرى أنه الصواب، أيّاً كان قائله”!

قلت: وهذا ليس جواباً على ما طرحه الدكتور زلط!! لأن مسألة الأخذ عن الشيخ في مرحلة الطلب تكون من جميع الشيوخ، وهذا التلميذ لا يكون المذهب عنده مستقراً عندما يرحل.

وكلام مشهور هذا استفاده من كلام د. الفرت عندما تكلم على صفات القرطبي. فإنه ذكر بأنه عف اللسان (ص66)، وأنه كان متزناً في آرائه وأحكامه، بعيداً عن التعصب لرأيه أو مذهبه (ص70)، وأنه كان سهل المنحى لا يميل إلى التشدد في أحكامه، بل يختار في المسألة أخف أوجهها (ص72).

ثم وجدت أن  هذه العبارة هي للشيخ محمد حسين الذهبي في كتابه ((التفسير والمفسرون)) ونقلها عنه د. القصبي زلط في كتابه (ص464) وعزاها إليه.

قال الشيخ الذهبي: “وعلى الجملة فالقرطبي رحمه الله في تفسيره هذا حرّ في بحثه، نزيه في نقده، عف في مناقشته وجدله…”.

قلت: فهذا أحد أفانين السرقة عند (مشهور) حيث يسرق كلاماً منصوصاً على موضعه في أحد كتب أهل العلم ويعزوه لنفسه! فقد أخذه من د. زلط وهو يعلم أنه للدكتور محمد حسين الذهبي، ولكنّه يظنُّ أن الأمة لا تقرأ!!

وهنا أتوجه بسؤال إلى (مشهور): علّلت أخذ القرطبي المالكي من شيخه ابن الجميزي الشافعي بعدم التعصب وأنه كان يمشي مع الدليل! فهل الأئمة الآخرون لم يكونوا يمشون مع الدليل أيضاً؟!!

33- قال مشهور (ص83-85) تحت عنوان: (أصحابه): “وكان من أشهر هؤلاء: الإمام القرافي (ت684هـ-1286م)

وقد ذكرت بعض كتب التراجم [توثيق حاشية: انظر: الوافي بالوفيات: 2/122] أن القرطبي لقي الشيخ القرافي ورافقه في السفر إلى الفيّوم، وعلى الرغم من أن القرافي ليس شيخاً للقرطبي، فإن ترافقهما في السفر دليل علاقة وطيدة بين الشيخين، ولا شك في أن القرطبي أفاد علماً من علاقته بهذا الشيخ، الذي انتهت إليه رياسة الفقه على مذهب مالك، وجدَّ في طلب العلوم فبلغ الغاية القصوى، حتى أجمع الشافعية والمالكية في عصره أنه أحد ثلاثةٍ اعتبروا أفضل أهل العصر – آنذاك – بالديار المصرية؛ إذ كان بارعاً في الفقه والأصول والعلوم العقلية، وله معرفة بالتفسير، وتخرّج على يديه جمع من الفضلاء، أخذوا عنه في (المدرسة القمحية) التي كان يلقي دروسه فيها.

ثم إن الصداقة التي كانت سبباً في مرافقة القرطبي لهذا الشيخ الإمام الفقيه في سفره إلى الفيوم تدلنا على أن كلاًّ منهما أفاد من علم صاحبه، ((وكلٌّ منهما شيخ فنه في عصره: القرطبي في التفسير والحديث؛ والقرافي في المعقولات)) [توثيق حاشية: الوافي بالوفيات: 2/122] وبخاصة أن القرافي كان عالماً مبرزاً في فقه المالكية، وكان القرطبي مالكياً مشغوفاً بتحقيق مسائل الأحكام في القرآن الكريم كما ظهر ذلك في تفسيره الجامع. [توثيق حاشية: القرطبي المفسر: 59]”انتهى.

قلت: هذا كلّه كلام الدكتور الفرت بحروفه، ويلاحظ أن (مشهوراً) قد وثّق الفقرة الثانية فقط التي جاءت في (ص59) عند الفرت، ولكن لم يتعرض للفقرة الأولى وهي عند الفرت (ص58)!!! مع ملاحظة أن توثيقه غير معتدٍّ به علمياً!! لأن هذا يعدّ سرقة لا محالة! وذكر المصدر هكذا فيه تدليس واضح على القارئ؛ لأنه لا يُفهم منه أن هذا كلام صاحب المصدر المُشار إليه بحروفه!!!

قال د. الفرت (ص58): “أحمد بن إدريس القرافي:

وقد ذكرت بعض كتب التراجم أن القرطبي لقي الشيخ القرافي ورافقه في السفر إلى الفيّوم [توثيق حاشية: الصفدي: الوافي بالوفيات ج2 ص122]. وعلى الرغم من أن القرافي ليس شيخاً للقرطبي فإن ترافقهما في السفر دليل علاقة وطيدة بين الشيخين، ولا شك في أن القرطبي أفاد علماً من علاقته بهذا الشيخ (القرافي) الذي انتهت إليه رياسة الفقه على مذهب مالك، وجدَّ في طلب العلوم فبلغ الغاية القصوى، حتى أجمع الشافعية والمالكية في عصره أنه أحد ثلاثةٍ اعتبروا أفضل أهل العصر – آنذاك – بالديار المصرية؛ إذ كان بارعاً في الفقه والأصول والعلوم العقلية، وله معرفة بالتفسير، وتخرّج على يديه جمع من الفضلاء، أخذوا عنه في المدرسة القمحية التي كان يلقي دروسه فيها.

وقد ألّف القرافي كتباً كثيرة…”.

ثُمّ قال د. الفرت (ص59): “إن الصداقة التي كانت سبباً في مرافقة القرطبي لهذا الشيخ الجليل في سفره إلى الفيوم تدلنا على أن كلاًّ منهما أفاد من علم صاحبه، إذ كان كل منهما شيخ فنه في عصره، “القرطبي” في التفسير والحديث و “القرافي” في المعقولات [توثيق حاشية: الصفدي: الوافي بالوفيات ج2 ص122] … وبخاصة أن القرافي كان عالماً مبرزاً في فقه المالكية، وكان القرطبي مالكياً مشغوفاً بتحقيق مسائل الأحكام في القرآن الكريم كما ظهر ذلك في تفسيره الجامع” انتهى.

34- قال مشهور (ص85): “وهؤلاء هم أشهر شيوخ إمامنا القرطبي وأصحابه الذين أفاد منهم، لم أرهم مجموعين في كتاب بهذا العدد، وعلى هذا النحو، ولم تسهب كتب التراجم التي ترجمت له بتعدادهم وبيان تراجمهم، فقد سرد الداودي أكبر عدد من شيوخه من بين الذين ترجموا له فذكر أربعة فقط” انتهى.

قلت: هذا كذبٌ محضٌ!!! فإن د. الفرت – وهو الذي سرق منه (مشهور) – قد ذكرهم مجموعين، وقد بينت كيف سرق كلامه عند الترجمة لكل شيخ! فلِمَ الكذب.. يا من تتصدّر لتعليم الناس العلمَ والأدَب؟!! فيا لله العجَب!

هذا وقد ذكر د. الفرت (ص48-49) أسماء عشرة من شيوخ القرطبي ممن تلقى عنه أو أجازوه، وهم: أبو العباس القرطبي، وابن أبي حجة، وأبو علي البكري، وأبو الحسن اليحصبي، وابن قطرال، وربيع بن أبيّ، وأبو عامر الأشعري، وابن رواج، وأبو محمد عبدالمعطي اللخمي الإسكندراني، وابن الجميزي.

ثم فصّل في تراجم من كان مشهوراً منهم، ثم ذكر مصاحبة القرطبي للقرافي.

وأما مشهور فإنه ذكر: ابن أبي حجة، وربيع بن أبيّ، ويحيى الأشعري، وابن قطرال، وأبو العباس القرطبي، وابن رواج، وأبو محمد عبدالمعطي اللخمي، وأبو علي البكري، وابن الجميزي، وأبو الحسن اليحصبي، والقرافي.

وزاد مشهور: أبو محمد بن حوط الله، وأبو الحسن علي بن خلف بن معزوز الكومي التلمساني، وأبو عبدالله القصري من أصحاب القرطبي.

فهل العثور على شيخين آخرين للقرطبي يجعلك يا (مشهور) تقول: “لم أرهم مجموعين في كتاب بهذا العدد”؟!!!

ثم إن هؤلاء الثلاثة الذين زدتهم لا تعرف أنت عنهم شيئاً، وإنما ذكرهم القرطبي نفسه في كتبه! ولو أن إنساناً تتبع كتب القرطبي لوجد شيوخاً آخرين له، وما أظنه سيقول قولك الذي أطلقته (كذباً)!! لأن الدكتور الفرت هو أول من جمع شيوخه القرطبي بهذا العدد، وبهذه الطريقة، وترجم لهم، فجزاه الله خير الجزاء.

وعليه؛ فإن الأمانة العلمية تقتضي أن تقول: (جمعَ الدكتور الفِرت شيوخ القرطبي على النحو الآتي…) ثم تنقل عنه مع العزو إليه، ثم تقول: (ووجدت غير هؤلاء من خلال أسانيد القرطبي…) وتذكرهم.

ومن كبار شيوخ القرطبي الذين لم يذكرهم (مشهور): أبو محمد عبدالعظيم ابن عبدالقوي المنذري (ت656هـ).

قال القرطبي في ((تفسيره)) (8/9): “سمعت شيخنا الحافظ المنذري الشافعي أبا محمد عبدالعظيم يقول: إنما أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم السلب بشهادة الأسود بن خزاعي وعبدالله بن أنيس”.

وقال أيضاً (8/180): “وسمعت شيخنا الحافظ أبا محمد عبدالعظيم يقول: شخصان من الصحابة عاشا في الجاهلية ستين سنة وفي الإسلام ستين سنة…”.

35- قال مشهور (ص87) تحت عنوان: (تلاميذه): “تكاد كتب التراجم تجمع على إغفال تلاميذ الإمام القرطبي، ولعلّ السبب في ذلك نزوله (المنيا) بعد خروجه من (قرطبة) بقلب كسير، وبال مهموم، ونفس حزينة، فآثر الابتعاد عن مخالطة عموم الناس، واقتصر على الأخذ عن خواصّهم (علمائهم)، وعمل على مخالطة الأتقياء منهم، فإنه ذكر بعض مجالسه، وأنه كان فيها قضاة، وكانوا يتنافسون ببعض الأمور الشرعية…”. انتهى.

قلت: أخذ (مشهور) العبارة الأولى فقط من د. الفرت، حيث قال تحت عنوان: (تلاميذه): ” تكاد كتب التراجم تجمع على إغفال تلاميذ الإمام القرطبي”.

وأما تعليل إغفال ذِكر تلاميذ القرطبي في كتب التراجم؛ الذي أتى به مشهور؛ فهو تعليل ركيك مناقض لحال القرطبي والحالة العلمية لمنية بني خصيب مستقر الإمام القرطبي!! وقد بيّن الدكتور الفرت في كتابه (ص95) جزءاً من الحركة العلمية النشطة في (المنيا) وكثرة الطلبة فيها، وهذا (سرقه مشهور نفسه) في نهاية الفصل الذي تحدث فيه عن تلاميذ القرطبي!! وسيأتي قريباً إن شاء الله تعالى.

ثُم هل الابتعاد عن مخالطة عوام الناس هو سبب في إغفال ذكر تلاميذ القرطبي؟! وما شأن العوام وأهل العلم؟ فهل تلاميذ الأئمة يكونون من العوام؟!

36- قال مشهور (ص89-92): “وقد اقتصرت المصادر التي ترجمت له على ذكر اثنين من تلاميذه، إلا أننا بالبحث المضني في كتب التراجم التي ترجمت للقرنين السابع والثامن الهجري ظفرنا باثنين غيرهما، وظفرنا بخامسٍ من خلال مناولة بخط الإمام القرطبي نفسه، وخلصنا إلى ما يلي:

– ابنه: شهاب الدين أحمد:

قال السيوطي: و((روى عنه – أي: القرطبي – بالإجازة: ولده شهاب الدين أحمد)).

وقد ذهب الأستاذ القصبي زلط إلى الخلط بين أحمد هذا، وبين عالم إشبيلي خزرجي آخر، هو: (أبو العباس أحمد بن فرح ابن محمد اللخمي الإشبيلي الشافعي)!! فقال: ((لِمَ لا يكون صاحبها – أي: صاحب الترجمة المذكور أبي العباس – هو ولد القرطبي المفسر، وتابعت البحث علّني أعثر على خيط يُزيل هذا الشك، فوجدت “دائرة المعارف” تبيّن: أن مثل ما وقع في نفسي قاله السيوطي في كتابه “طبقات المفسرين” رقم (88)، ثم وجدت “دائرة المعارف” تخطئ السيوطي في ذلك، تقول “الدائرة”: ((وذكر السيوطي خطأ في كتابه طبقات المفسرين أن (ابن فرح) هو ابن مصنف الكتاب المشهور ((التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة))، وكتاب التفسير الكبير، المسمى ((جامع أحكام القرآن)) محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فَرْح المالكي القرطبي، المتوفى في التاسع من شوّال، عام (671هـ)، (29) أبريل 1273م)).

((ورجعتُ إلى كتاب “طبقات المفسرين” للسيوطي، فلم أجد أثراً لهذا القول، بل وجدت السيوطي في الترجمة رقم (88) يتحدث عن القرطبي صاحب “التذكرة” و”جامع أحكام القرآن”، ولم يذكر ما نقلته “دائرة المعارف” عنه، فقلت: لعل هذا القول في غير طبقات المفسرين، من مؤلفات السيوطي، فبحثتُ في “طبقات الحفاظ” وفي “ذيل تذكرة الحفاظ” وفي “حُسْن المحاضرة”، فلم أرَ للسيوطي هذا القول)).

ومع هذا، فبقي يرى أن قوله هذا صحيح، فقال: ((وعلى كلّ فإن تخطئة “دائرة المعارف” للسيوطي، دعوى بلا دليل، ومن هنا فإن هذا الاحتمال الذي وقع في نفسي، والذي نسبته “دائرة المعارف” للسيوطي – على فرض أنه قاله – لا يزال قائماً)). [توثيق حاشية: القرطبي ومنهجه في التفسير: 42].

قلت: هذا تكلّف بعيد عجيب، فإن (ابن فَرَح الإشبيلي) لا صلة له ألبتة بالقرطبي، فالاسم الكامل غير متفق، بل إن القرطبي أنصاري من قرطبة ونزل مصر، وأبو العباس إشبيلي لخمي نزل دمشق، والأول (… ابن فَرْح) بفتح الفاء وسكون الراء، بينما الثاني (ابن فَرَح) بفتح الفاء والراء، وكان الذهبي تلميذاً لابن فرح الإشبيلي وترجم له. وهو أدرى الناس به، فكيف ينسى أن ينسبه لوالده القرطبي المفسر، لو كان ذلك حقاً؟ وأرى أن الإسهاب في هذه القضية عبث، إذ على المدّعي الدليل، لا سيما في غير الأمور المشهورة، و(ابن فرح الإشبيلي) هذا إمام مشهور معروف، صاحب القصيدة المشهورة في المصطلح (غرامي صحيح). مترجم له عند عدة من العلماء، ولم يذكر أحد منهم ما ذهب إليه الأستاذ القصبي، وهذا وحده كفيل على عدم صحته”. انتهى.

قلت: ألا تستحي يا (مشهور) من نفسك، ومن الناس؟!!! تسرق كلام الدكتور (يوسف الفرت) في تعقبه للدكتور القصبي زلط، وتظهر للناس أنك أنت الذي كشفت ذلك وحققته؟! وصدق صلى الله عليه وسلم: ((فإن لم تستحِ فاصنع ما شئت))!!

فلو كان عندك أمانة علمية – كما تحاول دائماً بالإشارة إلى كتاب الدكتور الفرت – لأشرت إلى تعقب الدكتور الفرت للدكتور زلط في هذا الموضع ولو بالإشارة!! وأما أن تهمله تماماً، فهذه جريمة كبرى في حقّ العلم وأهله!! والله لو لم يكن كتاب الفرت هو معتمدك في (كتابك المسروق هذا) لقلنا: لعله لم يطّلع عليه، فوافقه في تعقبه! ولكن هذا لم يكن، وإنما كانت (الخيانة العلمية)، فالله حسيب الظالمين المعتدين.

قال د. الفرت (ص96-98): “بقي الحديث عن التلميذ الأوثق في رواية التلمذة عن القرطبي وهو أحمد بن القرطبي، ومن عجب أن يتكلف أحد الباحثين [توثيق حاشية: القصبي زلط: القرطبي ومنهجه في التفسير ص27-29] جهداً في التعريف بابن القرطبي، في الوقت الذي لا تتيح كتب التراجم معلومات عنه، ومن هنا جاءت كتابته عن شخص آخر حاول أن يقول عنه: لم لا يكون هو ابن القرطبي المفسر؟! أما الشخص الآخر فهو أبو العباس أحمد بن فرح بن محمد اللخمي الإشبيلي الشافعي، وواضح أن هناك تشابهاً بين اسمي الرجلين، وكنيتهما، وأن هناك اتفاقاً في اسم “فرح” بينهما، وكان ذلك سبباً دفع هذا الباحث إلى ما قال ومنه: “وقعت لي ترجمة لشيخ يسمى أبا العباس أحمد بن فرح الإشبيلي”، ولقد استلفتت نظري هذه الترجمة، فوقفت عندها وقلت في نفسي لم لا يكون صاحبها هو ولد القرطبي المفسر؟ وتابعت البحث علني أعثر على خيط يزيل هذا الشك، فوجدت دائرة المعارف الإسلامية تبين أن مثل ما وقع في نفسي قاله السيوطي في كتاب “طبقات المفسرين”. ثم يذكر ذلك الباحث أنه حاول ولم يجد في كتب السيوطي ما نسبته إليه دائرة المعارف، وأن هذه المحاولة في الاستقصاء شملت من كتب السيوطي: طبقات المفسرين، وطبقات الحفاظ، وذيل تذكرة الحفاظ، وحسن المحاضرة.

ثم لم يلبث – برغم هذا الاستقصاء – أن قال: إن تخطئة دائرة المعارف للسيوطي دعوى بلا دليل، ومن هنا فإن الاحتمال الذي وقع في نفسي، والذي نسبته دائرة المعارف للسيوطي – على فرض أنه قاله – لا يزال قائماً. وعمد – من ثم – إلى تخريجات، وتقديم إجابات لينتهي منها إلى أن ابن فرح الإشبيلي هو ابن القرطبي المفسر، على الرغم من أن هذا إشبيلي لخمي، وذاك قرطبي خزرجي. [توثيق حاشية: القصبي زلط: القرطبي ومنهجه في التفسير ص27-29].

وأحب أن أقول بعد أن عرضت رأي ذلك الباحث: إن ابن فرح الإشبيلي شخص آخر غير أحمد بن القرطبي المفسر، وأن الأمر لم يكن يتطلب بعض هذا الجهد الذي بذله؛ إذ إن دائرة المعارف حين قدمت ترجمة “ابن فرح الإشبيلي” ذكرت اسمه هكذا: شهاب الدين أحمد بن فرح بن أحمد بن محمد اللخمي الإشبيلي الشافعي”. أما ابن القرطبي فاسمه: “شهاب الدين أحمد بن محمد بن أحمد ابن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي القرطبي”، وبمقارنة سريعة يتضح أن لا صلة بين الاسمين، وبالتالي بين صاحبيهما، وأنه لا يتصور أن يكونا شخصاً واحداً، فالاسم الكامل غير متفق، والأول إشبيلي لخمي، والثاني قرطبي خزرجي.

… ولعل ما يزيد الأمر بياناً أن الذهبي كان من تلامذة ابن فرح الإشبيلي، فكيف ينسى تلميذ أن ينسب شيخه إلى والده؟ أعني لو كان ابن فرح الإشبيلي هذا هو ابن القرطبي المفسر – كما حاول بعض الباحثين أن يقول – لذكر الذهبي ذلك في ترجمته للقرطبي الوالد! لكنا نجد هذه الترجمة غفلاً إلا من ولده أحمد الذي روى عنه بالإجازة بمنية بني خصيب” انتهى.

قلت: وبهذا بانت (سرقة مشهور)! لكلام الدكتور الفرت، وتابع هذه العبارات:

– قال د. الفرت: “ومن عجب أن يتكلف أحد الباحثين”.

– قال مشهور حسن: “هذا تكلّف بعيد عجيب”.

– قال د. الفرت: “لم يكن يتطلب بعض هذا الجهد الذي بذله”.

– قال مشهور حسن: “الإسهاب في هذه القضية عبث”.

وكان بالإمكان لمشهور أن يعتذر للدكتور القصبي زلط في رأيه في هذه المسألة لا أن يتهمه بالخلط!! ولكنه تبع الدكتور الفرت في هذا، وسرق كلامه!!!

فالدكتور زلط إنما قال ما في نَفْسه، ولكنه في الوقت نفسه لم يجزم بهذا الرأي وترك ذلك لمن يأتي بعده من الباحثين، وهذا إنصاف منه. فإنه قال في (ص43) بعد ما تقدم عنه في هذه المسألة: “وعلى كلّ أيضاً: فإني لا أجزم بأن ((ابن فرح)) ولد ((القرطبي)) المفسر وإنما أثرت احتمالاً وقع في نفسي وجدته منسوباً إلى أحد العلماء ولعل بعض الباحثين ممن يأتون بعدنا يكشف حقيقة ذلك”.

قلت: فهو يصرح بأنه لم يجزم بأن ابن فرح هو ابن القرطبي، فكيف يقول مشهور: “ومع هذا، فبقي يرى أن قوله هذا صحيح”؟!!

37- قال مشهور (ص91-92): “2- أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير بن محمد بن إبراهيم بن الزبير بن عاصم الثقفي، العاصمي الغرناطي الإمام الحجة، الحافظ، العلامة، شيخ القراء والمحدثين بالأندلس، ولد بجيان سنة ثمان وعشرين وست مئة، وتلا بالسبع على أبي الحسن علي بن محمد الشاري، وعلى أبي الوليد بن يحيى الأزدي العطار، وسمع في سنة خمس وأربعين وبعدها من سعد بن محمد الحفار، وأبي زكريا يحيى بن أبي الغصن، وإسحاق بن إبراهيم بن عامر الطَّوسي، وجماعة.

وعني بهذا الشأن، ونظر في الرجال، وعمل تاريخاً للأندلسيين، ذيل به على كتاب الصلة لابن بشكوال، وساد الناس في القراءات، وأحكم العربية، وتصدر مدة، أخذ عنه: أبو حيّان النحوي، وأبو القاسم محمد بن محمد بن سهل، وابن المرابط، وأبو القاسم بن عمران الحضرمي السبتي وآخرون.

توفي سنة ثمان وسبع مئة بغرناطة، رحمه الله تعالى. [توثيق حاشية: انظر ترجمته في: تذكرة الحفاظ: 4/1484، والإحاطة: 1/195…].

لم يذكر مترجموه أنه تلمذ لأبي عبدالله القرطبي، إلا أن المراكشي قال في ترجمة الأخير: ((حدثنا عنه – أي: القرطبي – أبو جعفر بن الزبير، كتب إليه من مصر)) [توثيق حاشية: الذيل والصلة: 5/585].

… هذان التلميذان هما المذكوران في كتب التراجم على أنهما تلاميذ القرطبي المفسر، ولا أدري لِمَ أغفلت هذه التراجم ذكر التلاميذ، ولا أدري كيف ترجموا للقرطبي نفسه ترجمة مختصرة، ولا تكاد تختلف من مصدر إلى آخر”. انتهى.

قلت: وهذا أيضاً (سرقه مشهور) من كلام الإمام الذهبي في ((التذكرة))، ومن الدكتور الفرت، فقدّم ما أخّره الفرت، وأخّر ما قدّمه!!!

أما بالنسبة للذهبي فإن مشهور جاء بكلامه في ((تذكرة الحفاظ)) بحروفه مع الاختصار لبعض كلام الذهبي! ومن يقرأ هذه الترجمة يظن أنها مِنْ عَمَل يدي (مشهور)! وليست كذلك، فإنها من صُنع الإمام الذهبي.

وأما الدكتور الفرت، فإنه قال (ص95-96): “ولا أدري لم أغفلت كتب التراجم ذكر تلاميذ القرطبي ولا أدري كيف ترجموا للقرطبي نفسه ترجمة مختصرة، ولا تكاد تختلف من مصدر إلى آخر، فضلاً عن عدم وجودها في مصادر تاريخية معاصرة له أو بعده بقليل.

وإذا كان الأمر قد اقتصر بالنسبة لتلاميذ القرطبي على ابنه أبي العباس أحمد، وأبي جعفر بن الزبير، فإني قد وجدت ترجمة للأخير أو لسميه لدى الذهبي [توثيق حاشية: الذهبي: تذكرة الحفاظ ج4 ص1484] الذي ذكر عنه “أنه شيخ القراء والمحدثين بالأندلس، وأن اسمه أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير.. الثففي العاصمي الغرناطي النحوي، وأنه ولد سنة سبع وعشرين وستماية وتوفي سنة ثمان وسبعمائة بغرناطة”.

وواضح أن الذهبي لم يذكر أن القرطبي شيخ لابن الزبير وبدهي أنه لم يتلق عنه مباشرة؛ إذ كان القرطبي بمصر، وابن الزبير بالأندلس، لكن لعله روى عنه بالإجازة، وليس من الضرورة أن تكون الإجازة عن طريق التلقي المباشر، وبخاصة أن المراكشي قال حين ذكر ذلك: “كتب إليه من مصر”. فكأن مراسلات علمية تمت بينهما لو كان أبو جعفر هذا روى عن القرطبي بالإجازة”. انتهى.

قلت: لاحظ كلام مشهور في آخره: “ولا أدري لِمَ أغفلت هذه التراجم ذكر التلاميذ، ولا أدري كيف ترجموا للقرطبي نفسه ترجمة مختصرة، ولا تكاد تختلف من مصدر إلى آخر”.

وكلام د. الفرت في أوله: “ولا أدري لم أغفلت كتب التراجم ذكر تلاميذ القرطبي ولا أدري كيف ترجموا للقرطبي نفسه ترجمة مختصرة، ولا تكاد تختلف من مصدر إلى آخر”.

فهلا سألنا مشهور: هل سرقت كلام الدكتور، أم أنك توافقت معه في هذا؟!.. لعلّها من كراماته!

38- قال مشهور (ص94-95): “ومن المؤكد أن لصاحبنا أبي عبدالله تلاميذ غير هؤلاء، إذ لا نتصور أن عالماً كالقرطبي الذي أنتج هذا الإنتاج الهائل – الذي سيأتي عرضه – لا يكون له تلاميذ إلا هؤلاء، فضلاً عن أن النواحي العلمية في العصر الذي عاش فيه كانت تعتمد على الدروس والمحاورات، وأن ((منية بني خصيب)) – البلد الذي استقر به القرطبي – كانت موئلاً للعلم والعلماء، إذ كان الناس يجتمعون في مسجدها الجامع على شاطئ النيل لقراءة العلم، وقد طار ذكر هذا المسجد حتى أمّه العلماء، ومن ذلك ((أن مروان الباجي سمع بهذا الجامع، فأراد الصلاة به، فسافر إلى منية بني خصيب، ودخل مسجدها الجامع، فإذا فيه جماعة اجتمعوا لقراءة العلم، فصلى به الظهر، والعصر، والمغرب، ولما همّ بالانصراف، تعرّضه بعض أؤلئك الحاضرين، وقد سألوا عنه، فأخبروا به، فأقبلوا إليه مسلّمين عليه، وراغبين منه في مبيته عندهم)) [توثيق حاشية: الذيل والتكملة: (5/687) بتصرف يسير]، وأخيراً… فلا نكون قد ابتعدنا عن كبد الحقيقة، إذا قلنا: إن من تلاميذ الإمام القرطبي كلّ من استفاد من كتبه، وأقبل عليها ناهلاً منها، أو وجّه جهداً في خدمتها، أو نشرها، أو دراستها، ولا سيما ((التفسير)) منها، فإنه سيبقى مرجعاً وعوناً للكثيرين من المشتغلين بعلوم العربية والعلوم الشرعية، وحسبنا أن نجد من بين الذين أشادوا به، أو أفادوا منه علماء أجلاّء، مثل: ابن تيمية، وابن خلدون، وابن كثير، وابن حجر، والسيوطي، والبدر العيني، والشوكاني، وغيرهم كثير” انتهى.

قلت: وهذه سرقة أخرى من سرقات (مشهور)!

قال د. الفرت (ص95): “ولا نتصور أن عالماً كالقرطبي الذي أنتج هذا الإنتاج الهائل – الذي سبق عرضه – لا نتصور ألا يكون له تلاميذ يتلقون عنه، فضلاً عن أن النواحي العلمية في العصر الذي عاش فيه كانت تعتمد على الدروس والمحاورات وما إلى ذلك، وأن “منية بني خصيب” – البلد الذي استقر به القرطبي – كانت موئلاً للعلم والعلماء؛ إذ كان الناس يجتمعون في مسجدها الجامع (على شاطئ النيل) لقراءة العلم، وقد طار ذكر هذا المسجد حتى أمه العلماء، ومن ذلك “أن مروان الباجي سمع بهذا الجامع، فأراد الصلاة به، فسافر إلى منية بني خصيب، ودخل مسجدها الجامع، فإذا فيه جماعة اجتمعوا لقراءة العلم، فصلى به الظهر والعصر والمغرب، ولما همّ بالانصراف تعرّضه بعض أؤلئك الحاضرين، وقد سألوا عنه فأخبروا به، فأقبلوا إليه مسلمين عليه، وراغبين منه في مبيته عندهم” [توثيق حاشية: انظر: المراكشي: الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة – السفر الخامس ص687 (بتصرف)]”.

ثُمّ قال (ص99): “وبعد فلست أغالي إذا قلت: إن من تلاميذ الإمام القرطبي كلّ من بذل عناية، أو وجّه جهداً في خدمة تفسيره “الجامع لأحكام القرآن” أو خدمة أي مؤلف من تآليفه سواء أكان ذلك بالاختصار أم بالنسخ، بله الدراسة والتمحيص.

ولا ريب في أن تفسيره للقرآن الكريم كان وسيبقى مرجعاً وعوناً للكثيرين من المشتغلين بعلوم العربية والدين، وحسبنا أن نجد من بين الذين أشادوا بتفسيره، أو أفادوا منه علماء أجلاء، مثل: ابن تيمية، وابن خلدون، وابن كثير، وابن حجر، والسيوطي، والبدر العيني، والشوكاني” انتهى.

قلت: فماذا تقولون يا أعوان مشهور على الظلم والاعتداء؟! اتقوا الله وارجعوا إلى صوابكم.

وانظر رحمك الله إلى (نباهة مشهور في السرقة):

فقد قال د. الفرت: “ولا نتصور أن عالماً كالقرطبي الذي أنتج هذا الإنتاج الهائل – الذي سبق عرضه –”.

وقال مشهور: “لا نتصور أن عالماً كالقرطبي الذي أنتج هذا الإنتاج الهائل – الذي سيأتي عرضه –”.

وذلك أن الدكتور الفرت كان قد تحدّث عن (مصنفات القرطبي)، وأما مشهور فتحدث عليها بعد هذا.

وانظر إلى (كذبه)!! بقوله في الحاشية: “الذيل والتكملة: 5/687 بتصرف يسير“!!! وإلى كلام الدكتور الفرت في الحاشية: “الذيل والتكملة السفر الخامس ص687 (بتصرف)”.

فمن الذي (تصرف) بما نُقل يا مشهور؟! أأنت أم الدكتور الفرت؟! ولن أحلف على أنك لم ترجع إلى المرجع الذي أشار إليه الدكتور؛ لأن سرقتك مفضوحة ومكشوفة!

فهلاَّ غَيّرت ترتيب أسماء من ذكرهم الدكتور الفرت من أهل العلم ممن أشاد بكتاب القرطبي في التفسير!! ولو (بتصرّف يسير)!!

غَدا (مشهور) مسعوراً لمــالٍ          ونـهمتهُ كما الكَلبِ العَقــــــورِ

فلـو أَنَّ (ابن خلـــــــدونٍ) رآهُ          لأَغلظَ باليمـين وبالنّـُـــــــذورِ

ولو أَنَّ (ابن تيمية) المعَالـــي          مع (ابنِ كثيرٍ) الأَسدِ الجسورِ

ومعهم (حافظُ الأزمان) قاموا          لقالوا: بئسَ من رَجُلٍ غَـرورِ

وإِنْ تسأل (سيوطياً) بصــدقٍ          و(شوكانيَ) ما سرُّ الســرورِ

لقالـوا: إِنَّ سرَّ الأمـر ســـــرٌّ          فمشهورٌ خُصَيْمٌ في النُّشــورِ

يُبجِّلـنا ويَسـرقنـا بِـغِـــــــــيٍّ          فيسرقُ مدحَ أَربابَ القبـــورِ

39- قال مشهور (ص97-98) تحت عنوان: (ثَبَت بأسماء مؤلفاته): “نورد فيما يلي ثَبَتاً بمؤلفاته التي بين أيدينا، أو ذكرها الإمام القرطبي نفسه في كتبه المطبوعة وأحال عليها، أو حدّثتنا عنها المصادر التاريخية، مع نبذة عن كل كتاب” انتهى.

قال د. الفرت (ص78) تحت عنوان: (كتبه): “ونورد فيما يلي ثبتاً بأهم مؤلفاته التي بين أيدينا، أو حدثتنا عنها المصادر التاريخية؛ مع نبذة عن كل كتاب منها” انتهى.

40- قال مشهور (ص98) بعد أن ذكر كتاب القرطبي (الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان): “وهو كتاب التفسير المتداول ((تفسير القرطبي))، ولا شك أنه أهم آثاره العلمية، وأنه ذو قيمة عالية بين كتب التفسير” انتهى.

قال د. الفرت (ص78) بعد أن ذكر كتاب القرطبي (الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان): “وهو كتاب التفسير المتداول، الذي اشتهر “بتفسير القرطبي”، ولا شك في أنه أهم آثاره العلمية، وأنه ذو قيمة عالية بين كتب التفسير” انتهى.

41- قال مشهور (ص99) تحت عنوان: (مدحه وثناء العلماء عليه): “مدح تفسير القرطبي غير واحد من العلماء الثقات الأثبات، وشهدوا له بالموضوعية والشمولية، يقول ابن فرحون: ((وهو من أجل التفاسير، وأعظمها نفعاً، أسقط منه القصص والتواريخ، وأثبت عوضها أحكام القرآن، واستنباط الأدلة، وذكر القراءات والإعراب والناسخ والمنسوخ)) [توثيق حاشية: الديباج المذهب: ص317].

ويرى ابن العماد الحنبلي أن هذا التفسير قد ((حوى مذاهب السلف كلها، وأن فوائده كثيرة)) [توثيق حاشية: شذرات الذهب: 5/335]…”انتهى.

قال د. الفرت (ص81): “هذا هو تفسير القرطبي الذي سارت به الركبان، ومن هنا فلا عجب أن نقرأ أكثر من تقريظ له ممن ترجموا للقرطبي:

أ- قال ابن فرحون: “وهو من أجل التفاسير، وأعظمها نفعاً، أسقط منه القصص والتواريخ، وأثبت عوضها أحكام القرآن، واستنباط الأدلة، وذكر القراءات، والإعراب، والناسخ والمنسوخ” [توثيق حاشية: الديباج المذهب: ص317].

ب- وقد رأى ابن العماد أن هذا التفسير قد “حوى مذاهب السلف كلها، وأن فوائده كثيرة” [توثيق حاشية: شذرات الذهب ج5 ص335]” انتهى.

42- قال مشهور (ص101-104) تحت عنوان: (اهتمام العلماء وطلبة العلم به، والجهود التي بذلت وقامت حوله): “لما كان هذا الكتاب من أجود كتب التفسير، وأكثرها نفعاً، لسهولة أسلوبه، وحُسْن تنظيم مسائله وتبويب قضاياه، فإن اهتمام العلماء وطلبة العلم به استمرت طيلة قرون، منذ وفاة القرطبي رحمه الله تعالى إلى أيامنا هذه، وأدلة ذلك كثيرة منها:

أولاً- كثرة نسخه الخطية:

أن عدد النسخ الخطية التي توافرت من هذا التفسير بلغ أربعاً وعشرين نسخة، منها أكثر من نسخة كاملة، وقد توافرت هذه النسخ في دار الكتب أو المكتبات الأخرى بمصر وحدها، وأن تواريخ نسخ هذه المخطوطات تأرجحت بين القرن الثامن الهجري (737) والقرن الرابع عشر الهجري (1330)، مما يدل على امتداد العناية بهذا التفسير، وأن كاتبي هذه النسخ المتعددة مختلفو المذاهب فمنهم الشافعي ومنهم الحنفي، وفي هذا دليل على ما لتفسير القرطبي من درجة عالية لدى جميع المشتغلين بالعلوم الدينية، ولو لم يكونوا مثله من المالكية [توثيق حاشية: انظر: مقدمة الأستاذ إبراهيم إطفيش” للجزء الثالث من تفسير القرطبي: ص جـ – ي.. والقرطبي المفسر: ص79].

ثانياً: تعدد طبعاته:

طبع الكتاب لأول مرة عام في القاهرة في عشرين مجلداً، وعنيت بتصحيحه وطبعه دار الكتب المصرية، واستمر طبعه سبع عشرة سنة، فابتُدئ به سنة (1933م) وانتهي منه سنة (1950م)، ثم أعادت طبعه الدار القومية للطباعة والنشر سنة (1961م) ضمن سلسلة كتاب الشعب في ثمانين جزءاً…

ثالثاً: مختصراته:

اختصر ((تفسير القرطبي)) منذ ست مئة عام تقريباً  الشيخ سراج الدين عمر بن علي ابن الملقن الشافعي سنة 804هـ” [توثيق حاشية: كشف الظنون: 1/534].

وهذا من أقوى الأدلة على استمرار العناية بهذا التفسير، ومما يؤكد ذلك أن الأستاذ “توفيق الحكيم” نشر ((مختار تفسير القرطبي)) في (896 صفحة) سنة (1977م)، إذ كان عمله في هذا المختار انتقاء فقرات خاصة من ((تفسير القرطبي)) في كثير من سور القرآن، مما وجده ((الحكيم)) ذا صلة بمشكلات مثقفي هذا العصر، وما يشغله من أمور الدين وقضاياه وقد عنون لهذه المختارات بعنوانات موضوعية…

رابعاً: الدراسات التي قامت حوله:

ومما يدل على اهتمام طلبة العلم بهذا التفسير: إفرادهم الدراسات عن منهجه، وقد قام – فيما أعلم – اثنان بدراسة منهجه في التفسير، الأول في رسالة للدكتوراة بكلية أصول الدين في جامعة الأزهر، وهو الدكتور القصبي محمود زلط في دراسته بعنوان ((القرطبي ومنهجه في التفسير))، وهي مطبوعة في دار الأنصار بالقاهرة، سنة (1399هـ-1979م). والثاني في رسالة للدكتوراة أيضاً وهو الدكتور يوسف عبدالرحمن الفرت في دراسته بعنوان ((القرطبي المفسر: سيرة ومنهج))، وهي مطبوعة في دار القلم بالكويت، سنة (1402هـ-1982م)” انتهى.

قلت: انظر يرحمك الله إلى جرأته على استغفال القارئ والتلبيس عليه.. كيف يأتي من خلال هذا الكلام المسروق بدراستي الدكتور القصبي زلط والدكتور الفرت، وكأن ما سبق هو كلامه!!! ويكأنه ينسى أن الله يراه!

قال د. الفرت (ص78-80): “وقد طبع الكتاب في عشرين جزءاً من القطع الكبير أكثر من مرة، وعنيت بتصحيحه وطبعه دار الكتب المصرية، وقد نشرت وزارة الثقافة المصرية مصوراً عن طبعة دار الكتب سنة 1387هـ 1967م، ثم أعادت مؤسسة الشعب الصحفية بمصر طبعه في ثمانين جزءاً بأسعار زهيدة سهلت على الكثيرين من طلاب العلم اقتناءه.

ولما كان هذا الكتاب من أجود كتب التفسير، ومن أكثرها نفعاً، لسهولة أسلوبه، وزيادة في تنظيم مسائله وتبويب قضاياه – فإن اهتمام المثقفين به استمر طيلة قرون منذ وفاة القرطبي رضي الله عنه إلى أيامنا هذه، وأدلة ذلك كثيرة منها:

أ- أن عدد النسخ الخطية التي توافرت من هذا التفسير بلغ أربعاً وعشرين نسخة، منها أكثر من نسخة كاملة، وقد توافرت هذه النسخ في دار الكتب أو المكتبات الأخرى بمصر وحدها، عندما بدأت دار الكتب إخراج الكتاب مطبوعاً.

ب- أن تواريخ نسخ هذه المخطوطات السابقة – ترجحت بين القرن الثامن الهجري (737هـ) والقرن الرابع عشر الهجري (1330هـ) الذي نعيش فيه، مما يدل على امتداد العناية بهذا التفسير منذ تأليفه إلى أيامنا هذه.

جـ- أن كاتبي هذه النسخ المتعددة مختلفو المذاهب فمنهم الشافعي والحنفي، وفي هذا دليل على ما لتفسير القرطبي من درجة عالية لدى جميع المشتغلين بالعلوم الدينية، ولو لم يكونوا مثله من المالكية [توثيق حاشية: انظر: المقدمة التي كتبها “أبو إسحاق إبراهيم أطفيش” للجزء الثالث من تفسير القرطبي – الطبعة الثالثة ص جـ – ي].

دـ أن تفسير القرطبي اختصره منذ ستمائة عام تقريباً “سراج الدين عمر ابن علي بن الملقن الشافعي سنة 804هـ” [توثيق حاشية: حاجي خليفة: كشف الظنون – المجلد الأول: 534].

هـ- ولعل أقوى الأدلة على استمرار العناية بهذا التفسير ما قام به أديب مصر الكبير الأستاذ “توفيق الحكيم” من نشر “مختار تفسير القرطبي” سنة 1977م، وكان عمله في هذا المختار هو انتقاء فقرات خاصة من تفسير القرطبي في كثير من سور القرآن، مما وجده “الحكيم” ذا صلة بمشكلات مثقفي هذا العصر، وما يشغله من أمور الدين وقضاياه، وقد عنون لهذه المختارات بعنوانات موضوعية…

و- الدراسات التي يقوم بها الباحثون في الكليات والمعاهد الدينية عن القرطبي ومنهجه في التفسير، ومنها هذه الدراسة التي يرجو صاحبها أن يكون قد أسهم بها في تجلية بعض الجوانب المشرقة في هذا التفسير العظيم” انتهى.

قلت: فانظر – يرحمك الله – إلى ظلم وتعدي هذا السارق!!! فإنه سرق كلام الدكتور الفرت، ووضع عناوين لمضمون كلامه مصدراً إياه بأولاً وثانياً.. إلخ، بدل ما فعله الدكتور من تصديره بـ (أ) و (ب) إلخ!

فالنقاط الثلاثة الأولى (أ، ب، ج) عند الدكتور الفرت، جعلها مشهور في (أولاً): كثرة نسخه الخطية! وقد أشار مشهور في (أولاً) إلى كتاب الدكتور الفرت! والأصل أن ينسبه كاملاً للدكتور! ومع هذا، فإنه لم يُشر إلى الدكتور الفرت بعد ذلك مع أن ما بعده كلامه أيضاً!! وجعل مشهور (د) و (هـ) في (ثالثاً: مختصراته)!! فهو سارق أولاً وثانياً وثالثاً!!.. إلخ.

43- قال مشهور (ص104-105) تحت عنوان: (وصف التفسير وبيان محتوياته): “المتصفح هذا التفسير يقف على خصائص ومزايا عديدة، نجملها فيما يلي:

أولاً: إن أول ما يتجلى للناظر فيه كون الآيات الكريمة مطبوعة بحرف كبير، يميزها من سطور التفسير، مشكولة شكلاً تاماً، معدودة بالأرقام، وهذا الشكل التام شامل لآيات الشواهد أيضاً.

ثانياً: قد قدّم المؤلف لتفسيره مقدمة حافلة ببيان فضائل القرآن، وآداب حملته، وما ينبغي لصاحب القرآن أن يأخذ نفسه به، وفي تبيينه بالسنة، ومعنى كونه أنزل على سبعة أحرف، وفي جمعه وحفظه، وذكر من حفظ القرآن في زمنه عليه الصلاة والسلام. وجاء في ترتيب سوره وآياته، وإيراد نكات في إعجازه، إلى غير ذلك مما لا يستغني عنه متدبر للقرآن أو مفسر [توثيق حاشية: من مقال الشيخ محمد بهجة البيطار بعنوان ((تفسير الإمام أبي عبدالله القرطبي))، المنشور في مجلة ((المجمع العلمي العربي))، (ج20 ع 7-12)، لسنة 1945م].

واستغرقت هذه المقدمة في جميع أبوابها مئة وسبع صفحات.

ثالثاً: أما عن بقية محتويات تفسيره، فقد بيّنها القرطبي أيضاً، فقال: ((فلما كان كتاب الله هو الكفيل بجميع علوم الشرع، الذي استقلّ بالسنة والفرض، ونزل به أمين السماء إلى أمين الأرض، رأيت أن أشتغل به مدى عمري، واستفرغ به مُنَّتي، بأن أكتب فيه تعليقاً وجيزاً، يتضمن نُكتاً من التفسير واللغات، والإعراب والقراءات، والرد على أهل الزيغ والضلالات، وأحاديث كثيرة شاهدة لما نذكره من الأحكام ونزول الآيات، جامعاً بين معانيها، ومبيّناً ما أُشكل منهما، بأقاويل السلف، ومن تبعهم من الخلف)). [توثيق حاشية: الجامع لأحكام القرآن: 1/2-3].

ثم أوضح عن مقصده وباعثه على كتابة هذا التفسير بقوله: ((وعملته تذكرةً لنفسي، وذخيرةً ليوم رَمْسي، وعملاً صالحاً بعد موتي)) [توثيق حاشية: الجامع لأحكام القرآن: 1/3].

وقد وفّى القرطبي – رحمه الله تعالى – بما وعد: إذ امتلأ كتابه بالقضايا والموضوعات التي حدّدها، وكان في كل قضية يتناولها مَثار إعجاب قارئيه، إذ عالج كل فرع من علوم العربية والشرع، وكأنه فارس ميدانه المجلّى [توثيق حاشية: القرطبي المفسر: ص81].

وقد التزم القرطبي في هذا التفسير الأمانة العلمية، والموضوعية في الإفادة من أسلافه، فقال: ((وشرطي في هذا الكتاب: إضافة الأقوال إلى قائليها، والأحاديث إلى مصنفيها، فإنه يقال: من بركة العلم أن يُضاف القول إلى قائله)) [توثيق حاشية: الجامع لأحكام القرآن: 1/3]” انتهى.

قلت: يا ليتك كنت أميناً كما ذكرت هنا يا مشهور! ولكنك خنت الأمانة العلمية ونسبت الأقوال لك، وهضمت حقوق الآخرين الذين تعبوا في دراساتهم!! ولو كانت عندك أمانة علمية لما وثقت – موهماً كعادتك – من كتاب الدكتور الفرت فقرة واحدة، وأعرضت عما ذكرت بعد ذلك، وهو من كلام الدكتور أيضاً!!

وانظر أخي القارئ إلى جهل هذا (المشهور!) بقوله في وصف كتاب التفسير وبيان محتوياته: (وصف التفسير وبيان محتوياته): “المتصفح هذا التفسير يقف على خصائص ومزايا عديدة، نجملها فيما يلي: أولاً: إن أول ما يتجلى للناظر فيه كون الآيات الكريمة مطبوعة بحرف كبير، يميزها من سطور التفسير، مشكولة شكلاً تاماً، معدودة بالأرقام، وهذا الشكل التام شامل لآيات الشواهد أيضاً”!!!!

فهل تعدّ هذه المسألة المتعلقة بالطباعة من وصف كتاب التفسير وبيان محتوياته؟!! إن هذا لأمر سخيف!!! ولكنّ مشهوراً – كعادته – أراد أن يزيد على كلام الدكتور الفرت فأتى بهذه الخصيصة التي لا علاقة لها بخصائص كتاب تفسير القرطبي، وما أراده الدكتور الفرت من بيان وصف الكتاب ومحتوياته مفهوم ومعلوم لمن عنده أثارة من علم، ولكن السخافة تودي بأهلها إلى مهالك الردى، نسأل الله العفو والعافية، والثبات حتى الممات.

قال د. الفرت (ص80-81): “أما وصف الكتاب وبيان محتوياته، فقد ضمنه مقدمة احتوت نبذاً من علوم القرآن مثل: باب ذكر جمل من فضائل القرآن والترغيب فيه وفضل قارئه ومستمعه، وباب ما جاء من الوعيد في التفسير بالرأي والجرأة على ذلك، ومراتب المفسرين، وباب معنى قول الرسول (صلى الله عليه وسلم) إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف.. إلى آخر ما جاء في هذه المقدمة التي استغرقت أبوابها أكثر من ثمانين صفحة [توثيق حاشية: انظر تفسير القرطبي: الجزء الأول – المقدمة].

وقد بيّن القرطبي نفسه بقية محتويات تفسيره، فقال في مقدمته: “فلما كان كتاب الله هو الكفيل بجميع علوم الشرع، الذي استقلّ بالسنة والفرض، ونزل به أمين السماء إلى أمين الأرض – رأيت أن أشتغل به مدى عمري، واستفرغ به مُنَّتي، بأن أكتب تعليقاً وجيزاً، يتضمن نُكتاً من التفسير واللغات والإعراب والقراءات، والرد على أهل الزيغ والضلالات، وأحاديث كثيرة شاهدة لما نذكره من الأحكام ونزول الآيات، جامعاً بين معانيها، ومبيّناً ما أُشكل منهما بأقاويل السلف، ومن تبعهم من الخلف” [توثيق حاشية: تفسير القرطبي: المقدمة ص2، 3].

وقد وفّى القرطبي – حقاً – بما وعد؛ إذ امتلأ كتابه بهذه القضايا والموضوعات التي حدّدها، وكان في كل قضية يتناولها مَثار إعجاب قارئيه، إذ عالج كل فرع من علوم العربية والشرع وكأنه فارس ميدانه المجلّى.

وقد التزم القرطبي في هذا التفسير الأمانة العلمية، والموضوعية في الإفادة من أسلافه، قال: “وشرطي في هذا الكتاب إضافة الأقوال إلى قائليها، والأحاديث إلى مصنفيها، فإنه يقال: من بركة العلم أن يُضاف القول إلى قائله” [توثيق حاشية: تفسير القرطبي: المقدمة ص2، 3] انتهى.

44- قال مشهور (ص106) وهو يتحدث عن وصف التفسير: “رابعاً: وتبرز هنا جملة أمور وملاحظات، لا بد من التعرض إليها:

1-إن القرطبي يقصد من ((تفسيره)) أن يكون وجيزاً، ومسألة الإيجاز والتطويل مسألة نسبية، كما يقولون. فكتاب الله تعالى يتسع بيانه أضعاف ما قدمه القرطبي، ومن هذه الناحية يمكن أن نعتبره موجزاً في تفسيره، وإن كان قد قدّم الكثير مما أثر من تفسير القرآن الكريم، في المسائل الني أثارها في نصّه هذا، والتي ترسم منهج سيرة في هذا التفسير [توثيق حاشية: القرطبي المفسر: 127]” انتهى.

قلت: وهذا كله كلام الدكتور الفرت بحروفه، وتوثيقه هكذا للتلبيس، ولا يُعتد به – كما تقدم بيانه -.

قال د. الفرت (ص127) بعد أن نقل كلاماً من مقدمة القرطبي: “وبمقتضى هذا النص يمكن أن نفهم نهج القرطبي في عدة نقاط:

1-أن القرطبي يقصد من تفسيره أن يكون وجيزاً، ومسألة الإيجاز والتطويل مسألة نسبية، كما يقولون. فكتاب الله تعالى يتسع بيانه أضعاف ما قدمه القرطبي، ومن هذه الزاوية يمكن أن نعتبره موجزاً في تفسيره، وإن كان قد قدّم الكثير مما أثر من تفسير للقرآن الكريم.. في المسائل الني أثارها في نصّه هذا، والتي ترسم منهج سيرة في هذا التفسير” انتهى.

45- قال مشهور (ص106-108): “2- هو لا يقف في تفسير القرآن عند حدّ ما رُوي من ذلك عن الرسول صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح، بل يتخذ ما أوتيه من أدوات العلم وسيلة يستعين بها على فهمه، وإن كان يعد معرفة ما أثر من ذلك ضرورياً لفهم كتاب الله، وهنا يحسن بنا أن نوضح الرأي الذي اختاره لنفسه في كتابه، فقد عقد باباً لما جاء في الوعيد من تفسير القرآن بالرأي، والجرأة في ذلك…

قال القرطبي: هذا صحيح، وهو الذي اختاره غير واحد من العلماء، فإن من قال بما صح في وهمه، وخطر على باله، من غير استدلال عليه بالأصول، فهو مخطئ، وإن مَن  استنبط معناه بحمله على الأصول المحكمة المتفق على معناها، فهو ممدوح. قال القرطبي: وقال بعض العلماء: ((إن التفسير موقوف على السماع)) وهذا فاسد… لأن النهي عن تفسير القرآن لا يخلو: إما أن يكون المراد به الاقتصار… على أحد وجهين:

أحدها: أن يكون له في الشيء رأي…

الوجه الثاني: أن يتسارع إلى تفسير القرآن بظاهر العربية… فلا يتطرق النهي إليه.

وترى من هذا نموذجاً لمناقشته من ناحية، وأنه ليس من هؤلاء الذين يقفون عند حد النقل عن السالفين، يعمل فكره في الاستدلال والاستنباط، لا لمجرد الهوى، ولكن اعتماداً على قوانين العلوم، ووقوفاً عند حدودها، وأخذاً عن السلف ما يرى ضرورة الأخذ به، من تفسير المجمل وحل المشكل” انتهى.

قلت: وهذا كلام سرقه (مشهور) من د. الفرت ود. القصبي زلط، ودمج بينهما، وبعضه استفاده د. الفرت من د. أحمد بدوي وأشار إلى ذلك مما يظهر أمانته العلمية.

قال د. الفرت (ص81-82): “والحقيقة أن القرطبي لا يقف في تفسير القرآن عند ما رُوي عن الرسول صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح، بل يعمل فكره في الاستدلال والاستنباط، لا لمجرد الهوى، ولكن اعتماداً على قوانين العلم ووقوفاً عند حدودها، وإن كان يعد معرفة ما أثر عن السلف ضرورياً لفهم كتاب الله في تفسير المجمل وحل المشكل [توثيق حاشية: د. أحمد بدوي: الحركة العقلية… ص117… بتصرف]” انتهى.

وهذا الذي استفاده د. الفرت من كلام د. أحمد بدوي، وضعه مشهور في آخر كلامه، وأدخل بين كلامه الأول وبين هذا الأخير ما ذكره د. القصبي زلط في كتابه (188-189) في مسألة (موقف القرطبي من التفسير والتفسير بالرأي).

قال د. القصبي: “… وبعد ذلك أخذ القرطبي يهاجم من يقف في حدود المأثور بأكثر مما تقدم. فقال: وقال بعض العلماء أن التفسير موقوف على السماع… وإنما النهي يحمل على أحد وجهين… فلا يتطرق النهي إليه والله أعلم”.

وقد نقل ذلك أيضاً د. الفرت تحت عنوان (تفسير القرطبي بين التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي) (ص155-157)، واستفاد منه (مشهور) أيضاً؛ إذ إنه أشار إلى قول ابن الأنباري في هذه المسألة وكذلك تعقيب القرطبي على ابن عطية.

46- قال مشهور (ص108-109): “3- أنه يقصد إلى تفسير القرآن الكريم ببيان التعبير القرآني، وأسراره، ومنـزلته من الكلام العربي، ومن هنا عني باللغات والإعراب والقراءات…

5- ينتقل المؤلف في هذه المباحث أو المسائل من تفسير المفردات اللغوية، وإيراد الشواهد الشعرية، إلى بحث اشتقاق الكلمات ومآخذها، إلى تصريفها وإعلالها، إلى تصحيحها وإعرابها، إلى ما قاله أئمة السلف فيها، إلى ما يختاره المؤلف أحياناً من معانيها.

6- أحسن المؤلف كل الإحسان بعزو الأحاديث إلى مخرجيها من أصحاب الكتب الستة، وغيرهم…” انتهى.

قال د. الفرت (ص127): “2- أنه يقصد إلى تفسير القرآن الكريم ببيان التعبير القرآني وأسراره، ومنـزلته من الكلام العربي، ومن هنا سيعنى باللغات والإعراب والقراءات…

4- أنه في تقديم هذا التفسير وبيان ما أشكل من الآيات وبخاصة في بيان أحكام الآيات ونزولها من حيث كونها مكية أو مدنية، ومتى نزلت وأسباب نزولها – يستشهد بالأحاديث الكثيرة وبأقوال السلف من الصحابة والتابعين وأقوال العلماء بعدهم.

5- وهو في هذا الاستشهاد يرد كل قول إلى صاحبه، ويعزو الأحاديث إلى المصنفات التي قدمتها حتى يعرف صحيحها من سقيمها، إذ لا قيمة لها بدون ذلك…” انتهى.

47- قال مشهور (ص109-112) تحت عنوان (منـزلة الأحاديث الموجودة في تفسير القرطبي): “على الرغم من هذا، فإنه – رحمه الله – تساهل في إيراد بعض الأحاديث المنكرة والموضوعة في مواضع من تفسيره. وخالف عادته في إيراد الأحاديث معزوة إلى مصادرها ومخرجيها في أغلب ما يورده. وأنا أذكر بعض الأمثلة على ذلك.

أ- قال عند تفسير قوله تعالى في سورة البقرة: {فأزلهما الشيطان عنها…}، ((… ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يحب الشجاعة، ولو على قتل حية))))، وهو بعض حديث رواه ابن عدي في الكامل عن الزبير مرفوعاً، وقد حكم العلماء بوضعه، كما في ((اللآلئ المصنوعة)): (2/91) و((تنـزيه الشريعة)): (2/129) و((الفوائد المجموعة)): (76).

ب- وذكر عند تفسير قوله تعالى في سورة الأعراف: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا} قصة جرت بين علي بن الحسين وطبيب نصراني، وفي آخرها يقول علي بن الحسين: ((وجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الطبَّ في ألفاظ يسيرة، قال – أي النصراني -: ما هي؟ قال: ((المعدة بيت الأدواء، والحِمية رأس كل دواء، وأعطِ كل جسد ما عوّدته))، فقال النصراني: ما ترك كتابكم ولا نبيكم لجالينوس طبّاً)).

وهذا الحديث موضوع، ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من كلام طبيب العرب الحارث بن كلدة، كما نبّه عليه العلماء المحدّثون في كتب (الموضوعات)، فكان على المفسر القرطبي – رحمه الله تعالى – أن يشير إلى ذلك إذ أورد القصة، وقد نبّه المفسّر الآلوسي على وضع هذا الحديث في ((تفسيره))، فأحسن صنعاً.

جـ- وأورد في تفسير سورة التوبة عند قوله تعالى: {ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدّقنّ…} قصة ثعلبة ابن حاطب الأنصاري، وأنه قال للنبيّ صلى الله عليه وسلم: ادع الله أن يرزقني مالاً، فقال عليه السلام: ويحك يا ثعلبة! قليل تؤدي شكره، خير من كثير لا تطيقه)) ولم يعقب بشيء إلا قوله: ((وهو مشهور))!!، والحديث منكر، وإسناده ضعيف جداً، نعم، هو مشهور عند القصاص والمفسرين النقلة، وليس بمشهور على اصطلاح المحدثين، بل هو ضعيف لا يلتفت إليه، ولا يستشهد به.

وهكذا تجد المفسر القرطبي يورد في ((تفسيره)) بعض أحاديث غريبة، أو ضعيفة، أو منكرة، أو موضوعة، دون أن ينبه عليها، والذي يبدو من النظر في ((تفسيره)) أن عادته – رحمه الله تعالى – في رواية الأحاديث الصحيحة أن ينسبها إلى مصدرها أو مخرجها، فيقول – مثلاً – روى البخاري، أو روى مسلم، أو روى أبو داود، أو روى الترمذي، أو في ((مصنف أبي داود))، أو في ((سنن ابن ماجه))، وهكذا. وأن عادته في رواية الأحاديث التي لا يستوثق من صحتها: أن يُغْفِل تسمية مصدرها أو مخرجها، فيقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، وجاء عنه صلى الله عليه وسلم كذا. كما صنع في الأمثلة السابقة. وكما صنع في الخبر الذي ساقه عند تفسير قوله تعالى في سورة يونس {قدم صدق} فقال: ((وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: هي شفاعتي، توسّلون بي إلى ربكم)) ولم يذكر لهذا الخبر مصدراً ولا مخرجاً. وكما صنع في تفسير {الحمد لله} من سورة الفاتحة، فقال: ((ويُذكر الحمد بمعنى الرضا، قال عليه السلام: ((أحمد إليكم غَسْلَ الإحليل))، أي: أرضاه لكم)). ولم يذكر أيضاً مصدر الخبر، ولا مخرجه. والمعروف أنه من كلام ابن عباس.

وعلى هذا: نستطيع أن نقول: إنّ الأحاديث التي يوردها الشيخ القرطبي في تفسيره غير معزوّة إلى مصدر ولا منسوبة إلى مخرج معتمد، ينبغي الكشف عنها في مظانها لمعرفة حالها من الصحة أو الضعف والبطلان، ولا يسوغ الركون إليها لمجرد روايته لها، لما علمت أن فيها الضعيف والموضوع” [توثيق حاشية: التعليقات الحافلة على الأجوبة الفاضلة: (136-139)]” انتهى.

قلت: مَنْ ينظر إلى هذا الكلام لا يتردد في أنه لمشهور حسن، وخاصة وهو يقول: “وأنا أذكر”، وقوله أيضاً: “نستطيع أن نقول”، ولكن يُشكل عليه توثيقه من كتاب ((التعليقات الحافلة))! فهل استفاد (مشهور) من ذلك الكتاب، أم ماذا؟

وعند الرجوع للكتاب وجدت أن هذا الكلام كلّه بحروفه هو للشيخ (عبدالفتاح أبو غدة)، فسرقه مشهور ونسبه إليه دون أدنى إشارة، ودلّس ولبّس كعادته بذكر المرجع في نهاية الكلام دون أن يبيّن أن هذا كلام الشيخ (أبو غدة)!!

قال الشيخ عبدالفتاح أبو غدة في ((التعليقات الحافلة)) (ص136-139): “والمفسر القرطبي رحمه الله تعالى إذ نبّه في ((تفسيره)) وفي كتابه: ((التذكار)) على وضع الأحاديث التي ذكروها في فضائل السور، وحذّر من الاغترار بها: تساهل هو رحمه الله في إيراد بعض الأحاديث المنكرة والموضوعة في مواضع من ((تفسيره))، وخالف عادته في إيراد الأحاديث معزوَّة إلى مصادرها ومُخرِّجيها في أغلب ما يورده، وأنا أذكر بعض الأمثلة على ذلك:

1- قال عند تفسير قوله تعالى في سورة البقرة: {فأزلهما الشيطان عنها…}: (1/315): ((… ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يحب الشجاعة، ولو على قتل حية)). انتهى. وهو بعضُ حديثٍ رواه ابن عدي في الكامل عن الزبير مرفوعاً، وقد حكم العلماء بوضعه كما في ((اللآلئ المصنوعة)) للسيوطي (2/91)، و((تنـزيه الشريعة)) لابن عراق (2/129)، و((الفوائد المجموعة)) للشوكاني (ص76)…

2- وقال في تفسير قوله تعالى في سورة النساء…

3- وذكر عند تفسير قوله تعالى من سورة الأعراف: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا…}: (7/192) قصة جرت بين علي بن الحسين وطبيب نصراني، وفي آخرها يقول علي بن الحسين: ((وجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الطبَّ في ألفاظ يسيرة، قال – أي النصراني -: ما هي؟ قال: ((المعدة بيت الأدواء، والحِمية رأس كل دواء، وأعطِ كل جسد ما عوّدته)). فقال النصراني: ما ترك كتابكم ولا نبيكم لجالينوس طبّاً)). قلت: هذا الحديث موضوع، ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من كلام طبيب العرب الحارث بن كلدة، كما نبّه عليه العلماء المحدّثون في كتب (الموضوعات)، فكان على المفسر القرطبي رحمه الله تعالى أن يشير إلى ذلك إذ أورد القصة. وقد نبّه المفسّر الآلوسي على وضع هذا الحديث في ((تفسيره)) فأحسن صُنعاً.

4- وقال عند تفسير قوله تعالى في سورة التوبة: {ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدّقنّ ولنكوننَّ من الصالحين}: ((روى علي بن يزيد – ووقع في المطبوعة محرفاً إلى زيد – عن القاسم عن أبي أمامة الباهلي أن ثعلبة ابن حاطب الأنصاري (فسمّاه) قال للنبيّ صلى الله عليه وسلم: ادع الله أن يرزقني مالاً، فقال عليه السلام: ويحك يا ثعلبة! قليل تؤدي شكره، خير من كثير لا تطيقه)). ثم عاد ثانياً… الحديث، وهو مشهور)). قلت: علي بن يزيد منكر الحديث، قاله البخاري، وقال أيضاً: كل من قلت فيه: منكر الحديث فلا تحلّ الرواية عنه، كما في ((ميزان الاعتدال)) للذهبي: (1/5 و412) و((الرفع والتكميل)) للكنوي: (ص81 و97). ولهذا قال الحافظ ابن حجر في ((الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف)): (ص77) بعد أن ساق السند المذكور: ((وهذا إسنادٌ ضعيفٌ جداً)). قلت: فقول المفسر القرطبي هنا (وهو مشهور): يعني أنه مشهور عند القصاص والمفسرين النقلة، ولا يعني المشهور باصطلاح المحدثين، فإن الحديث ضعيف جداً لا يصح الالتفات إليه ولا الاستشهاد به.

وهكذا تجد المفسر القرطبي يورد في ((تفسيره)) بعض أحاديث غريبة، أو ضعيفة، أو منكرة، أو موضوعة، دون أن ينبه عليها…

والذي يبدو لي من النظر في ((تفسيره)) أن عادته رحمه الله تعالى في رواية الأحاديث الصحيحة أن ينسبها إلى مصدرها أو مخرجها، فيقول – مثلاً –: روى البخاري، أو روى مسلم، أو روى أبو داود، أو روى الترمذي، أو في مصنف أبي داود، أو في سنن ابن ماجه، وهكذا. وأن عادته في رواية الأحاديث التي لا يستوثق من صحتها: أن يُغْفِل تسمية مصدرها أو مخرجها، فيقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، وجاء عنه صلى الله عليه وسلم كذا. كما صنع في الأمثلة السابقة. وكما صنع في الخبر الذي ساقه عند تفسير قوله تعالى في سورة يونس {قدم صدق} (8/306) فقال: ((وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: هي شفاعتي، توسّلون بي إلى ربكم)) ولم يذكر لهذا الخبر مصدراً ولا مخرجاً. وكما صنع في تفسير {الحمد لله} (1/134) من سورة الفاتحة، فقال: ((ويُذكر الحمد بمعنى الرضا، قال عليه السلام: ((أحمد إليكم غَسْلَ الإحليل))، أي: أرضاه لكم)). ولم يذكر أيضاً مصدر الخبر، ولا مخرجه. والمعروف أنه من كلام ابن عباس.

أما كتابه: التذكار…

وعلى هذا: نستطيع أن نقول: إنّ الأحاديث التي يوردها الشيخ القرطبي في ((تفسيره)) غير معزوّة إلى مصدر ولا منسوبة إلى مخرج معتمد، ينبغي الكشف عنها في مظانها لمعرفة حالها من الصحة أو الضعف والبطلان، ولا يسوغ الركون إليها لمجرد روايته لها لما علمت أن فيها الضعيف والموضوع، والله أعلم”. انتهى كلامه.

قلت: والعجب من أدعياء السلفية – والسلفية منهم براء -!!! يرمون أهل العلم بالبدع والخروج عن المنهج، ويسرقون من كتبهم، ويقتاتون بها، ولولا (السرقة) منهم لما ذكروا ولم يكونوا شيئاً مذكوراً!!! وهذا قد مشى على كثير من الجهلة، ولكنهم فُضحوا بقدر الله الحكيم.

وانظر قول الشيخ (أبو غدة) معلقاً على حديث: “فقول المفسر القرطبي هنا (وهو مشهور): يعني أنه مشهور عند القصاص والمفسرين النقلة، ولا يعني المشهور باصطلاح المحدثين، فإن الحديث ضعيف جداً لا يصح الالتفات إليه ولا الاستشهاد به”.

وقول مشهور: “((وهو مشهور))!!، والحديث منكر، وإسناده ضعيف جداً، نعم، هو مشهور عند القصاص والمفسرين النقلة، وليس بمشهور على اصطلاح المحدثين، بل هو ضعيف لا يلتفت إليه، ولا يستشهد به”.

قلت: انظر كيف تابع الشيخ (أبو غدة) على تفسيره هذا دون وعي وعلم! فقصد الإمام القرطبي بمشهور أي متداول، ولا يخطر ببال أحد أنه يقصد المشهور عند أهل الاصطلاح!

48- قال مشهور (ص112) تحت عنوان: (ردود القرطبي على أهل الزيغ والضلالات في تفسيره): “رد القرطبي من خلال ((تفسيره)) على أهل الزيغ والضلالات، وهذا بطبيعة الحال يكون عند تفسير آية تعرضت للرد عليهم، أو عندما يرى أن هؤلاء قد فهموا فهماً غير سديد لبعض آيات القرآن الكريم”. انتهى.

قال د. الفرت (ص127): “3- وسيرد من خلال تفسيره على أهل الزيغ والضلالات، وهذا بطبيعة الحال سيكون عند تفسير آية تعرضت للرد عليهم، أو عندما يرى أن هؤلاء قد فهموا فهماً غير سديد لبعض آيات القرآن الكريم”. انتهى.

49- ذكر مشهور (ص128-135) كتاب القرطبي: (التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة)، وعرَّفَ به وبنسخه الخطية، وبمطبوعاته. وكذلك فعل الدكتور الفرت (ص85-88) إلا أنه لم يتعرض للمطبوع لأنه لم يكن مطبوعاً حينما كتب رسالته العلمية.

ولا شك أن مشهور حسن قد استفاد مما ذكره الدكتور الفرت فيما يتعلق بالتعريف بالكتاب ونسخه الخطية، إلا أن مشهور زاد عليه بعض الشيء.

وتحت عنوان: (مختصراته) (ص133-135) قال مشهور: “اختصر كتاب ((التذكرة)) أحمد بن محمد بن علي نور الدين الحسين الشافعي السحيمي الأزهري المتوفى سنة (1187هـ)، وسماه: ((التذكرة الفاخرة في أحوال الآخرة)) [توثيق حاشية: أعلام العرب في العلوم والفنون 2/91]، ومنه نسخة خطية في دار الكتب المصرية، تحت رقم (885 تصوف).

وكان قد اختصره قبل ذلك الشيخ عبدالوهاب الشعراني المتوفى سنة (973هـ)، واختصاره مطبوع متداول في مجلدة…

وقد أفصح عن منهجه في الاختصار وسببه، فقال: ((فهذا كتاب اختصرت فيه كتاب ((التذكرة)) للإمام أبي عبدالله محمد بن أحمد بن أبي بكر الأنصاري الخزرجي الأندلسي القرطبي رضي الله عنه، بمعنى أني أحذف منه ما لا يذكر بالموت والحساب من غريب ألفاظ وإعراب، مما هو مذكور في كتب اللغة والنحو… فهذا كان سبب اختصاري لهذا الكتاب…

هذا وقد شكك الدكتور القصبي محمود زلط في نسبة هذا الكتاب لصاحبه فقال: ((ولقد شكك بعض العلماء في نسبة هذا المختصر إلى الإمام الشعراني، ويبدو أنه كذلك، فإن صاحب ((كشف الظنون)) عندما تحدث عن ((تذكرة القرطبي)) قال: ((وهي مختصرة لبعض العلماء)) وعندما تحدث عن الكتب التي تحمل اسم ((مختصر)) لم يذكر للإمام الشعراني شيئاً منها)) [توثيق حاشية: القرطبي ومنهجه في التفسير: ص45].

وأرى أن هذا التعليل الذي جاء به رفضاً لنسبة ((المختصر)) إلى الشعراني تعليل لا ينهض بدليل لما أراد، فليس معنى أن يغفل ((حاجي خليفة)) عن إيراد اسم الكتاب في ((كشف الظنون)) أن الكتاب غير موجود، وأن مؤلفه أو مختصره لا بدّ أن يكون رجلاً آخر غير مَنْ هو معروف ومشهور.

ثم إن الكتاب بين أيدينا، وقد سبق القول آنفاً: إن الشعراني ذكر في مقدمة كتابه سبب اختصاره لهذا الكتاب، وأنه حدّد اسم المؤلف (الإمام القرطبي) تحديداً وافياً، بحيث لا يمكن أن ينصرف الاسم إلى غيره من العلماء الذين شاركوه في اسم النسبة ((القرطبي)).

على أن مقارنة ((مختصر الشعراني)) بالنسختين المخطوطتين من كتاب الإمام القرطبي تكشف في وضوح أن أبواب الكتابين ومحتوياتهما متفقة.

فليس من المقبول بعد ذلك أن نشك في نسبة هذا المختصر إلى الإمام الشعراني، لمجرد أن صاحب ((كشف الظنون)) أغفل نسبة الكتاب إلى صاحبه، فلعلّه لم يطّلع عليه، أو نسي ذكره، ثم إذا لم يكن الشعراني صاحب هذا المختصر الذي بين أيدينا فلمَن يكون المختصر؟ سؤال كان ينبغي أن يجيب عنه من تشكّك في نسبة الكتاب، لأن الاختصار قائم، ولا ينبغي أن نتّهم الشعراني بالتدليس والاستيلاء على عمل الغير، إلا إذا كان لدينا دليل واضح على أن فلاناً من العلماء هو الذي نهض بهذا العمل، واختصر هذا الكتاب” [توثيق حاشية: القرطبي المفسر: ص87-88]انتهى.

قلت: مِنْ فَمِكَ ندينك يا (مشهور)! ألا تكفي هذه الأدلة الواضحة في (تدليسك واستيلائك على عمل غيرك)؟!!!

فما نقلته هنا هو كلّه للدكتور الفرت، فسطوت عليه، وأشرت إلى كتابه في آخر الكلام – على استحياء -!! ولا أدري كيف تقول: “وأرى أن…” وهو ليس كلامك؟!!

قال د. الفرت (ص86-88): “وقد اختصر الكتاب أحمد بن محمد بن علي نور الدين الحسني الشافعي السحيمي الأزهري المتوفى سنة 1187هـ، وسماه: “التذكرة الفاخرة في أحوال الآخرة” [توثيق حاشية:عبد الصاحب عمران الدجيلي:  أعلام العرب في العلوم والفنون ج2 ص91].

وكان الإمام “عبدالوهاب الشعراني” قد اختصر الكتاب نفسه، وسماه “مختصر تذكرة الإمام القرطبي المسمى التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة” و “فرغ من اختصاره يوم السبت سابع عشر ربيع الأول سنة 908هـ ثمان وتسعمائة بمصر المحروسة.

وهذا المختصر مطبوع متداول، وقد بيّن الإمام الشعراني في مقدمته السبب الذي دفعه لاختصار هذا الكتاب فقال: “وهذا الكتاب اختصرت فيه كتاب “التذكرة” للإمام أبي عبدالله محمد بن أحمد بن أبي بكر الأنصاري الخزرجي الأندلسي القرطبي رضي الله عنه، بمعنى أني أحذف منه ما لا يذكر بالموت والحساب من غريب ألفاظ وإعراب، مما هو مذكور في كتب اللغة والنحو… فهذا كان سبب اختصاري لهذا الكتاب…

وقد شكك بعض الباحثين في نسبة هذا المختصر إلى الإمام الشعراني؛ لأن صاحب كشف الظنون عندما تحدث عن تذكرة القرطبي قال: “وهي مختصرة لبعض العلماء” وعندما تحدث عن الكتب التي تحمل اسم “مختصر” لم يذكر للإمام الشعراني شيئاً منها”. [توثيق حاشية: القصبي زلط: القرطبي ومنهجه في التفسير: ص30 رسالة دكتوراة بمكتبة كلية أصول الدين تحت رقم 469، 470].

وأرى أن هذا التعليل الذي جاء به رفضاً لنسبة “المختصر” إلى الشعراني – تعليل لا ينهض دليلاً على ما أراد، فليس معنى أن يغفل “حاجي خليفة” إيراد اسم كتاب في “كشف الظنون” – أن الكتاب غير موجود، وأن مؤلفه أو مختصره لا بدّ أن يكون رجلاً آخر غير مَنْ هو معروف ومشهور.

ثم إن الكتاب بين أيدينا، وقد سبق القول آنفاً: إن الشعراني ذكر في مقدمة كتابه سبب اختصاره لهذا الكتاب، وأنه حدّد اسم المؤلف (الإمام القرطبي) تحديداً وافياً، بحيث لا يمكن أن ينصرف الاسم إلى غيره من العلماء الذين شاركوه في اسم النسبة “القرطبي”.

على أن مقارنة مختصر الشعراني بالنسختين المخطوطتين من كتاب الإمام القرطبي – تكشف في وضوح أن أبواب الكتابين ومحتوياتهما متفقة… فليس من المقبول بعد ذلك أن نشك في نسبة هذا المختصر إلى الإمام الشعراني، لمجرد أن صاحب “كشف الظنون” أغفل نسبة الكتاب إلى صاحبه، فلعلّه لم يطّلع عليه، أو أنسي ذكره، ثم إذا لم يكن الشعراني صاحب هذا المختصر الذي بين أيدينا فلمَن يكون المختصر؟ سؤال كان ينبغي أن يجيب عنه من تشكّك في نسبة الكتاب؛ لأن الاختصار قائم، ولا ينبغي أن نتّهم الشعراني بالتدليس والاستيلاء على عمل الغير، إلا إذا كان لدينا دليل واضح على أن فلاناً من العلماء هو الذي نهض بهذا العمل، واختصر هذا الكتاب”. انتهى.

قلت: فانظر – رحمك الله – كيف يسرق (مشهور) الكلام ويسلّم له!!

فتعقب الدكتور الفرت على الدكتور القصبي زلط في أن عدم ذكر صاحب “كشف الظنون” له لا يعني أنه ليس للإمام الشعراني، وهو تعليل منطقي صحيح. وأما ما عدا ذلك ففيه نظرٌ! فلا داعي لمقارنة ما في كتاب القرطبي بما في المختصر؛ لأن الدكتور القصبي وغيره شككوا في نسبة الكتاب للإمام الشعراني أصلاً، لا أن الشعراني نسبه لنفسه وهو لغيره كما فهم الدكتور الفرت فقال: “ولا ينبغي أن نتّهم الشعراني بالتدليس والاستيلاء على عمل الغير، إلا إذا كان لدينا دليل واضح على أن فلاناً من العلماء هو الذي نهض بهذا العمل، واختصر هذا الكتاب”!!

فلا يوجد أحد اتهم الشعراني بهذا!! وكلّ ما في الأمر هو التشكيك في نسبته للشعراني، أي أن من نسبه للشعراني فقد أخطأ بحسب ما يراه الدكتور القصبي وغيره، وأما أن يفهم من كلام الدكتور القصبي أنه يتهم الشعراني بأنه نسبه لنفسه وهو لغيره، فهو فهم غير سديد!

ولعل سوء الفهم هذا جاء من قول الدكتور القصبي زلط (ص45): “ولقد اختصر هذا الكتاب الإمام عبدالوهاب الشعراني المتوفى سنة 973هـ واختصاره مطبوع متداول ولقد شكك بعض العلماء في نسبة هذا المختصر إلى الإمام الشعراني ويبدو أنه كذلك”.

فالدكتور قد نسب الاختصار للشعراني بحسب الكتاب المطبوع وأنه له، ثم تبع من شكك في نسبته له؛ ولا يُفهم من ذلك أنه يشكك في أن الشعراني هو الذي نسب هذا الكتاب لنفسه كما هو ظاهر فهم الدكتور الفرت! وإنما هو يشكك في نسبته أصلاً للشعراني.

وكذلك المقارنة بين كتاب القرطبي والمختصر التي تتبعها د. الفرت لا محل لها هنا؛ لأن أحداً لم يطعن في أن هذا المختصر هو مختصر لكتاب القرطبي، بل قد ثبت عند الجميع أنه مختصر له.

50- ذكر مشهور (ص135-138) كتاب (التذكار في فضل الأذكار)، ثم قال: “وقد طبع الكتاب لأول مرة سنة (1936م) في القاهرة، بتحقيق أحمد بن محمد بن الصديق الغماري ثم في مكتبة دار البيان / سنة (1972م)…”.

ثم قال مشهور تحت عنوان: (تاريخ تصنيفه وبيان محتوياته): “ويبدو أن الإمام القرطبي ألف كتابه هذا بعد تأليفه كتاب ((الجامع لأحكام القرآن)) إذ نجده يحيل كثيراً في أثناء حديثه عليه [توثيق حاشية: انظر: التذكار: (ص22، 23، 156)]، ويترجح لنا هذا إذا علمنا موضوع الكتاب ومحتواه… وقد كفانا المصنف نفسه عناء ذلك بقوله: ((وهو كتاب يحتوي على ما يدل على فضل القرآن وقارئه، ومستمعه، والعامل به، وحرمته، وحرمة القرآن، وكيفية تلاوته، والبكاء عنده، وفضل من قرأه معرباً، وذمّ من قرأه رياءً وعجباً، إلى غير ذلك مما تضمنه الكتاب)).

ثم بيّن أن المقصد الأول كان تخريج أربعين حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، لما رُوي من قوله عليه السلام: ((من حفظ على أمتي أربعين حديثاً من السنة حتى يؤديها إليهم كنت له شفيعاً – أو شهيداً – يوم القيامة)). ثم سمى الأبواب الأربعين التي يتضمنها الكتاب، فكان الباب الأول في أن كلام الله – عز وجلّ – غير مخلوق… أما الباب الموفي أربعين فجاء في التنبيه على أحاديث وُضعت في فضل سور القرآن، وذكر ما ورد من الأخبار في ذلك [توثيق حاشية: انظر: التذكار (ص2-6)]”.

ثم قال مشهور تحت عنوان: (أوجه الشبه بين هذا الكتاب ومقدمة التفسير): “والمتمعن في أبواب مقدمة تفسيره يجد تشابهاً بينها وبين أبواب هذا الكتاب، فلعل الإمام القرطبي تعهّد مقدمة ((التفسير)) بشيء من التفصيل، وأضاف إليها بعض الأبواب في إطار تخريج أربعين حديثاً في فضائل القرآن الكريم، وتم له بذلك كتاب ((التذكار في أفضل الأذكار))”.

ثم قال مشهور تحت عنوان: (المقارنة بينه وبين ((الأذكار)) للنووي): “وقد قارن ابن فرحون بين هذا الكتاب وكتاب الإمام النووي ((التبيان في آداب حَملة القرآن)) فقال بعد أن ذكر الكتابين قد جاءا على طريقة واحدة: ((ولكن كتاب ((التذكار)) أتمّ منه، وأكثر علماً)) [توثيق حاشية: الديباج المذهب (ص317) ومثله في شجرة النور الزكية: (197)]”.

ثم قال مشهور تحت عنوان: (نسخه الخطية): “ومن هذا الكتاب نسخة خطية بدار الكتب المصرية، تحت رقم (23046 ب)، مكتوبة بقلمٍ مغربي بخط محمد بن الحسن المغربي السوسي؛ فرغ منها في أوائل جمادى الأولى سنة (1063هـ) [توثيق حاشية: انظر: فهرس مخطوطات دار الكتب: 1/147]” انتهى.

قلت: ما فعله (مشهور) هو أنه قدّم وأخّر في كلام الدكتور الفرت، ووضع له عناوين من عنده!!! ليلبّس ويدلّس على (قرّائه) كعادته!!! ولكن.. هيهات.. هيهات.. {إنّ ربك لبالمرصاد}.

قال د. الفرت (82-85) بعد أن ذكر كتاب (التذكار في أفضل الأذكار): “وقد عرَّفَ الإمام القرطبي نفسه هذا الكتاب فقال في مقدمته: “وهو كتاب يحتوي ما يدل على فضل القرآن وقارئه، ومستمعه، والعامل به، وحرمته، وحرمة القرآن، وكيفية تلاوته، والبكاء عنده، وفضل من قرأه معرباً، وذمّ من قرأه رياءً وعجباً، إلى غير ذلك مما تضمنه الكتاب.

ثم بيّن أن المقصد الأول كان تخريج أربعين حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، لما رُوي من قوله (عليه السلام): “من حفظ على أمتي أربعين حديثاً من السنة حتى يؤديها إليهم كنت له شفيعاً أو شهيداً يوم القيامة” وقد قال القرطبي (رحمه الله): إن من سبق من الأئمة العلماء…

وقد اتبع القرطبي هذه المقدمة بتسمية الأبواب الأربعين التي يتضمنها الكتاب، فكان الباب الأول في أن كلام الله (عز وجلّ) غير مخلوق…

أما الباب الموفي أربعين فجاء في التنبيه على أحاديث وُضعت في فضل سور القرآن، وذكر ما ورد من الأخبار في ذلك، وذكر بعض منافعه [توثيق حاشية: انظر: القرطبي – كتاب التذكار في أفضل الأذكار  ص2-6 طبع الخانجي، والمخطوط رقم (23046ب) بدار الكتب المصرية].

وتوجد نسخة مخطوطة من هذا الكتاب بدار الكتب المصرية، تحت رقم (23046ب)، مكتوبة بقلمٍ مغربي بخط محمد بن الحسن المغربي السوسي؛ فرغ منها في أوائل جمادى الأولى سنة 1063هـ… ومجموع الكتاب 100 ورقة ومسطرتها 17 سطراً. [توثيق حاشية: فؤاد سيد: فهرس المخطوطات – القسم الأول أ-س، ص147].

وقد قام بطبع هذا الكتاب الناشر: محمد أمين الخانجي سنة 1355هـ…

ويبدو أن الإمام القرطبي (رضي الله عنه) ألف كتاب التذكار بعد تأليفه كتاب “الجامع لأحكام القرآن” في التفسير؛ إذ نجده يحيل كثيراً في أثناء حديثه في الكتاب الأول على الكتاب الثاني [توثيق حاشية: انظر: القرطبي: التذكار في أفضل الأذكار ص22، 23، 156]…

ومن هنا يتضح لنا أن المقدمة التي أعدها الإمام القرطبي لكتاب التفسير، واحتوت نبذاً عن فضائل القرآن وعلومه – هذه المقدمة تعهّدها القرطبي بشيء من التفصيل، وأضاف إليها بعض الأبواب في إطار تخريج أربعين حديثاً في فضائل القرآن الكريم، وتم له بذلك كتاب “التذكار في أفضل الأذكار”. وقد جاء هذا الكتاب على طريقة “التبيان في آداب حَملة القرآن” للنووي “ولكن كتاب التذكار أتمّ منه، وأكثر علماً”. [توثيق حاشية: انظر: ابن فرحون: الديباج المذهب ص317، ومخلوف: شجرة النور الزكية ص197]”. انتهى.

51- قال مشهور (ص141) وهو يتحدث عن نسخ كتاب (قمع الحرص بالزهد والقناعة ورد ذل السؤال بالكتب والشفاعة): “ويوجد في دار الكتب المصرية نبذة خطية في مسألة منقولة منه أولها: ((هذه مسألة منقولة من كتاب ((قمع الحرص بالزهد)) وهي نسخة بقلم معتاد بخط عثمان بن أبي بكر، وهي في ثلاث ورقات ضمن مجموع، وتاريخ نسخها سنة (1108هـ) [توثيق حاشية: تحت رقم 21174ب، انظر: فهرس المخطوطات، سنة 1936-1955: 2/220]”. والمسألة الموجودة فيه هي: ((قبول هدايا السلاطين وجوائزهم)) وقد ذكر في هذا الصدد أقوال العلماء، ثم انتهى إلى القول بجواز قبولها ما لم يعلم آخذها أن مصدرها حرام، وأورد أن الصحابة والتابعين وأئمة الفتوى من المسلمين كانوا يقبلون الجوائز، وذكر من الآيات ما يدعم هذا الرأي، وقاس قبول هدايا السلاطين بمعاملة من كان في ماله شبهة أو خالطه رِباً، ورأى أن الاختيار تركها ورعاً أو أنه ليس بمحرّم عليه ما لم يتيقن أن عينه حرام ومخرجه حرام.

وقد مدح ابن فرحون هذا الكتاب بقوله: ((لم أقف على تأليف أحسن منه في بابه)) [توثيق حاشية: الديباج المذهب: 317]”، وذكر إسماعيل باشا البغدادي أن أوله… ويوجد من هذا الكتاب نسختان كاملتان خطيتان، إحداهما بمكتبة برلين، تحت رقم (8787)، وثانيتهما بمكتبة الفاتح بإستانبول تحت رقم (2737) [توثيق حاشية: انظر: تاريخ الأدب العربي لبروكلمان: (1/415، 737 – النسخة الألمانية]”. انتهى.

قلت: ومشهور هنا – كعادته – قدّم وأخّر في كلام الدكتور الفرت!!!

قال د. الفرت (ص88-89): “ويوجد منه نبذة خطية بدار الكتب المصرية تحت رقم (21174ب) أولها بعد الديباجة: “هذه مسألة منقولة من كتاب “قمع الحرص بالزهد والقناعة ورد ذلّ السؤال بالكتب والشفاعة” وهي نسخة بقلم معتاد بخط عثمان ابن أبي بكر سنة 1108هـ ومسطرتها 23 سطراً، وهي ضمن مجموعة من ورقة 1- ورقة 3. [توثيق حاشية: انظر: فهرست المخطوطات سنة 1936-1955م تصنيف فؤاد سيد – القسم الثاني س-ل ص220]”.

وذكر “كارل بروكلمان” أن من هذا الكتاب نسختين أخريين: إحداهما بمكتبة برلين تحت رقم 8787، وثانيتهما بمكتبة الفاتح بإستانبول تحت رقم 2737 [توثيق حاشية: Brock.Gal I 415,GALS I737].

ويعنينا هنا أن نعرض للمسألة التي رويت عن القرطبي في هذا الكتاب وهي عن “قبول هدايا السلاطين وجوائزهم”، وقد ذكر في هذا الصدد أقوال العلماء، ثم انتهى إلى القول بجواز قبولها ما لم يعلم آخذها أن مصدرها حرام، وأورد أن الصحابة والتابعين وأئمة الفتوى من المسلمين كانوا يقبلون الجوائز وذكر من الآيات ما يدعم هذا الرأي، وقاس قبول هدايا السلاطين بمعاملة من كان في ماله شبهة أو خالطه رِباً، ورأى أن الاختيار تركها ورعاً، وأن ذلك (قبول الهدايا أو معاملة من كان في ماله شبهة أو ربا) ليس بمحرّم عليه ما لم يتيقن أن عينه حرام ومخرجه حرام.

… وقد قال ابن فرحون عن هذا الكتاب: “لم أقف على تأليف أحسن منه في بابه” [توثيق حاشية: ابن فرحون: الديباج ص317]” انتهى.

52- قال مشهور (ص144) تحت عنوان: (كتابان نُسبا خطأ للإمام القرطبي): “ذكر الأستاذ عبدالجبار عبدالرحمن في كتابه ((ذخائر التراث العربي الإسلامي)) ضمن كتب الإمام القرطبي المفسّر المطبوعة:

– الإنصاف فيما بين العلماء من الاختلاف.

– أقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وذكر الثاني للقرطبي بروكلمان في تاريخ الأدب العربي وأشار إلى أن له نسخة خطية في مكتبة آصيفيا تحت رقم (222 – من الحديث) بحيدر آباد في الهند، معتمداً على فهارسها (1/658)!

قلت: والصحيح أن الكتابين المذكورين ليسا لأبي عبدالله محمد بن أحمد بن أبي بكر ابن فرح القرطبي…” إلخ. انتهى.

قلت: أصاب (مشهور) في هذا، وكان ينبغي عليه أيضاً أن يبيّن أن الدكتور القصبي زلط قد اعتمد على بروكلمان أيضاً في نسبة ((كتاب الأقضية)) للقرطبي (ص48)، وكذا الدكتور الفرت في كتابه (ص91)! ولكنه لم يتعقبهما بشيء!!

53- قال مشهور (ص148) – عندما ذكر كتاب: ((الانتهاز في قراءة أهل الكوفة والبصرة والشام وأهل الحجاز)) تحت عنوان: (نسبته له) -: “لم يذكره أحد ممن ترجم له، وذكره القرطبي عندما تحدّث عن ترك البسملة في سورة ((براءة)) فقال: ((وللعلماء في ترك البسملة في سورة (براءة) خمسة أقوال، ذكرناها في كتاب ((جامع أحكام القرآن والمبيّن لما تضمن من السنة وآي الفرقان)) وذكرناها أيضاً في كتاب ((الانتهاز في قراءة أهل الكوفة والبصرة والشام وأهل الحجاز))” [توثيق حاشية: التذكار في أفضل الأذكار: ص29]. انتهى.

قلت: كذا قال مشهور! “لم يذكره أحد ممن ترجم له“!! وكأنه يقصد من ترجم له من المؤرخين(!) ولكن قد ذكره الدكتور الفرت، وسرقه منه مشهور كعادته!!

قال د. الفرت (ص92): “الانتهاز في قراءة أهل الكوفة والبصرة والشام وأهل الحجاز:

وقد جاء ذكر هذا الكتاب عندما تحدّث القرطبي عن ترك البسملة في سورة “براءة”؛ إذ قال: “وللعلماء في ترك (البسملة) في سورة “براءة” خمسة أقوال، ذكرناها في كتاب “جامع أحكام القرآن، والمبيّن لما تضمن من السنة وآي الفرقان” وذكرناها أيضاً في كتاب “الانتهاز في قراءة أهل الكوفة والبصرة والشام وأهل الحجاز” [توثيق حاشية: القرطبي: التذكار في أفضل الأذكار: ص22]. انتهى.

54- قال مشهور (ص149) عندما ذكر كتاب ((منهج العباد ومحجّة السالكين والزهاد)): “لم يذكره أحد ممن ترجم له، وذكره القرطبي في تفسيره في معرض كلامه على المفاضلة بين الفقير والغني. واستدلال بعضهم بقوله تعالى عن أيوب {إنا وجدناه صابراً نِعمَ العبد إنه أواب} على تفضيل الأول على الثاني، ثم ردّه القرطبي، وقال: ((وقد ذكرناه في غير هذا الموضع من كتاب ((منهج العباد ومحجة السالكين والزهاد))))”. [توثيق حاشية: تفسير القرطبي: 15/216]. انتهى.

قلت: وهذا أيضاً ذكره الدكتور الفرت، ولكن مشهوراً – كعادته – يسرق من الناس ويغمطهم حقهم، وينسب الفضل له!!

قال د. الفرت (ص93): “منهج العباد، ومحجة السالكين الزهاد:

وقد جاء ذكر هذا الكتاب حين عرض القرطبي لتفسير قوله تعالى: {إنا وجدناه صابراً نِعمَ العبد إنه أواب} قال: سئل سفيان عن عبدين ابتلي أحدهما فصبر، وأنعم على الآخر فشكر، فقال: كلاهما سواء؛ لأن الله تعالى أثنى على عبدين أحدهما صابر والآخر: شاكر، ثناءً واحداً… قلت: وقد رد هذا الكلام صاحب “القوت”، واستدل بقصة أيوب في تفضيل الفقير على الغني، وذكر كلاماً كثيراً شيد به كلامه،، وقد ذكرناه في غير هذا الموضع من كتاب “منهج العباد ومحجة السالكين والزهاد” وخفي عليه أن أيوب عليه السلام كان أحد الأغنياء…”. [توثيق حاشية: تفسير القرطبي: المسألة السابعة في تفسير الآية 44 من سورة ص ج15 ص215-216]. انتهى.

قلت: وقد أشار أيضاً إلى هذا الكتاب الدكتور القصبي زلط في كتابه (ص49).

55- قال مشهور (ص149-150) عندما ذكر كتاب ((المقتبس في شرح موطأ مالك بن أنس)): “لم يذكره أحد ممن ترجم له، وذكره المصنف في مواطن عديدة من تسفيره، فقال عند مسألة حكم الجلوس والتشهد والسلام في الصلاة أن بعضهم قال: إن ذلك كله سنة وليس بواجب، ثم ذكر معتدهم وهو حديث: ((إذا رفع الإمام رأسه من آخر سجدة في صلاته ثم أحدث فقد تمت صلاته))، ثم قال القرطبي رحمه الله: ((وهو حديث لا يصح على ما قاله أبو عمر، وقد بيناه في كتاب ((المقتبس)) وهذا اللفظ إنما يسقط السلام لا الجلوس))”. [توثيق حاشية: الجامع لأحكام القرآن: 1/173].

وذكر عند حديث ((رخص للرعاء أن يرموا بالليل)) أن الدارقطني أخرجه مسنداً، ثم قال: ((وقد ذكرناه في: المقتبس في شرح موطأ مالك بن أنس))”. [توثيق حاشية: الجامع لأحكام القرآن: 3/9]…” انتهى.

قلت: بل ذكره د. القصبي زلط (ص49)، وكذلك د. الفرت.

قال د. الفرت (ص92): “المقتبس في شرح موطأ مالك بن أنس:

وقد ورد اسم هذا الكتاب أكثر من مرة في تفسير القرطبي نجتزئ منها بالأمثلة الآتية:

– ففي تفسير قول الله تعالى: {الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون} عرض القرطبي رأي البصريين في أن الجلوس الأخير والتشهد والسلام ليس بواجب، وإنما ذلك كله سنة مسنونة، وأن من حجتهم حديث عبدالله بن عمرو بن العاص عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: “إذا رفع الإمام رأسه من آخر سجدة في صلاته ثم أحدث فقد تمت صلاته، ثم قال القرطبي: “وهو حديث لا يصح على ما قاله أبو عمر، وقد بيناه في كتاب المقتبس”. [توثيق حاشية: تفسير القرطبي: المسألة السابعة عشرة من تفسير الآية السابقة ج1 ص173].

– وفي تفسير قوله تعالى: {فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه} يروى حديثاً أرخص للرعاء به أن يرموا بالليل، ثم يعقب، قلت: هو مسند من حديث عمرو بن شعيب خرّجه الدارقطني وغيره وقد ذكرناه في “المقتبس في شرح موطأ مالك بن أنس”. [توثيق حاشية: تفسير القرطبي: المسألة الثامنة في تفسير الآية السابقة ج3 ص9]…” انتهى.

56- قال مشهور (ص152) بعد أن ذكر كتاب ((اللمع اللؤلؤية في شرح العشرينات النبوية)): “لم يذكره أحد ممن ترجم له، وورد ذكره مرتين في ((التفسير)):

الأولى: عند ذكره حديث جابر الذي في ((صحيح مسلم)): ((إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلّم عليّ قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن)) فقال: ((قيل: إنه الحجر الأسود، والله أعلم. والأخبار في هذا المعنى كثيرة، وقد أتينا على جملة منها في ((اللمع اللؤلؤية في شرح العشرينات النبوية)) للفاداري رحمه الله)) [توثيق حاشية: الجامع لأحكام القرآن: 10/268]”.

والأخرى: في كلامه على تُبَّع، عند تفسيره لقوله سبحانه: {أهم خير أم قوم تُبع والذين من قبلهم أهلكناهم إنهم كانوا مجرمين} وسرد شيئاً من أخباره ثم قال: ((وقد ذكرنا بقية خبره وأوله في ((اللمع اللؤلؤية في شرح العشرينات النبوية)) للفارابي رحمه الله)) [توثيق حاشية: الجامع لأحكام القرآن: 16/146]”.

وقد اضطربت الأصول – ما لم يقع تصحيف من الطابع – في اسم مؤلف أصل الكتاب ((العشرينات النبوية)) فنُسِبَ مرة للفاداري، ومرة للفارابي!

قال محقق ((التفسير)) أحمد عبدالعليم البردوني: ((لم نعثر عليه))” [توثيق حاشية: الجامع لأحكام القرآن: (16/146 الهامش]. انتهى.

قلت: بل ذكره د. القصبي زلط (ص50)، وكذلك د. الفرت.

قال د. الفرت (ص93): “اللمع اللؤلؤية في شرح العشرينات النبوية:

وقد ورد اسم هذا الشرح عندما فسّر القرطبي قوله تعالى {تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم} قال: وفي صحيح مسلم عن جابر بن سمرة (رضي الله عنه)) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلّم عليّ قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن” قيل: إنه الحجر الأسود، والله أعلم، والأخبار في هذا المعنى كثيرة، وقد أتينا على جملة منها في “اللمع اللؤلؤية في شرح العشرينات النبوية” للفاداري رحمه الله” [توثيق حاشية: تفسير القرطبي ج10 ص268]”. انتهى.

قلت: وأما قول مشهور: “وقد اضطربت الأصول” فيوهم أنه هو الذي اطلع عليها! وليس كذلك، وهذا هو كلام البردوني الذي نقل من كلامه جزءاً فقط! فإنه قال: “اضطربت الأصول في هذا الكتاب وفي اسم مؤلفه، ولم نعثر عليه”.

وإطلاق مشهور أن البردوني هو محقق التفسير فيه نظر! وهو أحد مصححي دار الكتب المصرية، ولم يحقق الكتاب وحده، وإنما حققه مجموعة من أهل العلم في دار الكتب، فكان كلّ واحد منهم يعلّق ببعض الأمور قبل بداية كل جزء، فمثلاً علّق الشيخ محمد محمد حسنين – وهو أحد المصححين بالدار – على الجزء الخامس عشر، فليتنبّه.

57- قال مشهور (ص153) تحت عنوان: (كتابان آخران انفرد بهما بروكلمان): “رسالة في ألقاب الحديث. وذكر أن له نسخة خطية في مكتبة الجزائر تحت رقم (377)”. انتهى.

قلت: تَبِع مشهور في هذا الدكتور القصبي زلط، فإنه ذكر ذلك في كتابه (ص48)، وكذلك الدكتور الفرت (ص91)!

وعندي أن هذا وهم من بروكلمان؛ فإن رسالة ألقاب الحديث هي لأبي العباس أحمد ابن فَرْح بن محمد اللخمي الإشبيلي، وهي رسالة مشهورة باسم (غرامي صحيح)، وقد أشار (مشهور) لها (ص90) من كتابه، وقد تقدم ذكر ذلك في نقطة (36).

وهذا دليل على أن (مشهور حسن) لا يدري ما يكتب!! وذلك لأنه (يسرق) كلام الآخرين، والله المستعان.

58- قال مشهور (ص154-155) بعد ذكر مصنفات القرطبي تحت عنوان: (خاتمة): “هذه هي الكتب التي وقفت على أسمائها للإمام القرطبي، لم أرها مجموعة عند واحد ممن ترجم له، فكان مترجموه يذكرون بعض كتبه، ثم يقولون: ((وله تآليف وتعاليق مفيدة غير هذه))… ويعود هذا الاستقصاء والإسهاب إلى أنني لم أطلع على كتاب مطبوع قد اهتم بمؤلفات الإمام ذي المكانة العلمية الفريدة، اهتماماً يليق به، وبمرتبته المنيفة، ولعلّ لإمامنا كتباً غير هذه، لم تبينها كتب التراجم والبرامج والأثبات.

ومما سبق يتبيّن لنا ما للإمام القرطبي من قدرة فائقة في علوم العربية والإسلام، ذلك أنه لم يكن يترك فناً من فنونهما إلا وأسهم فيه بحظٍ وافرٍ، ((وسيظل القرطبي بما قدّم للمكتبة العربية الإسلامية عَلَماً من أعلام القرن السابع الهجري الذي كرّسوا حياتهم لخدمة القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، وعلوم العربية على إطلاقها وكثرتها، رحمه الله تعالى، وأجزل مثوبته)) [توثيق حاشية: القرطبي المفسر: ص94]”. انتهى.

قلت: هذا هو (الكذب) بعينه!! لا أدري ماذا أقول!!! لم أرَ تبجحاً أكثر من هذا!!! كيف لم ترى هذه المصنفات عند واحد ممن ترجم للقرطبي؟ أليست مجموعة عند الدكتور الفرت في كتابه (ص78-94)؟!!! وهو الكتاب الذي اعتمدته في (سرقتك) هذه؟!! أفبعد هذا الكذب كذب؟!!

ثُم يعود (مشهور) ويكذب مرة أخرى بقوله: “ويعود هذا الاستقصاء والإسهاب إلى أنني لم أطلع على كتاب مطبوع قد اهتم بمؤلفات الإمام ذي المكانة العلمية الفريدة”!!

فأيّ استقصاء وأي إسهاب هذا الذي قمت به؟! وهذه المصنفات التي ذكرتها قد تعب في جمعها الدكتور الفرت؟ وأنت سرقتها (لقمة سائغة)؟!!

ثمّ انظر أخي القارئ، كيف يكذب مشهور في هذا، ثم يوثّق آخر فقرة من كتاب الدكتور الفرت من قوله: “وسيظل القرطبي بما قدّم للمكتبة العربية الإسلامية عَلَماً من أعلام القرن السابع الهجري الذين كرّسوا حياتهم لخدمة القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، وعلوم العربية على إطلاقها وكثرتها، رحمه الله تعالى، وأجزل مثوبته”!

وهذه هي المرة الأولى التي يضع فيها مشهور كلام الدكتور الفرت بين علامات الاقتباس! ولكنه لم يفِ بالأمانة أيضاً في هذا! فإن ما قبله أيضاً هو كلام الدكتور الفرت!!!

وأنا أقول: (وسيظل “مشهور” بما قدّم للمكتبة العربية الإسلامية عَلَماً من أعلام السرقات العلمية في العصر الحاضر… ومعه أقرانه من أدعياء السلفية الذين كرّسوا حياتهم لتشويه صورة الدعوة السلفية الحقّة بسرقة جهود الآخرين.. جزاهم الله بما يستحقون).

قال د. الفرت بعد أن ذكر مصنفات القرطبي: “وبعد، فإن ما سبق بيانه من كتب الإمام القرطبي (رضي الله عنه) وقيمتها يدل على ما للرجل من قدرة فائقة في علوم العربية والإسلام؛ ذلك أنه لم يكن يترك فناً من فنونهما إلا وأسهم فيه بحظٍ وافرٍ، ولعل له كتباً أكثر من هذه الكتب لم تبينها كتب التراجم أو غيرها. وسيظل القرطبي بما قدّم للمكتبة العربية الإسلامية عَلَماً من أعلام القرن السابع الهجري الذي كرّسوا حياتهم لخدمة القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، وعلوم العربية على إطلاقها وكثرتها، رحمه الله تعالى، وأجزل مثوبته”. انتهى.

59- قال مشهور (ص157-158) في الفصل السادس ((تحليل شخصية القرطبي العلمية)) تحت عنوان: (مكانته): “كما أثنى المؤرخون على الإمام القرطبي من الناحية الأخلاقية، أثنوا عليه من جهة ثقافته وعلومه، قال فيه ابن شاكر الكتبي: ((كان شيخاً فاضلاً، وله تصانيف مفيدة، تدل على كثرة اطّلاعه، ووفور علمه)) [توثيق حاشية: عيون التواريخ: (21/27) وعنه المقري في نفح الطيب: (2/410)]. وقد انتصر له بعض تلامذته، لما اعتبره نيلاً في ترجمة الكتبي عنه، وإنقاصاً من قدره، فقال: ((قد أجحف المصنف في ترجمته جداً، وكان متبحِّراً في العلم)) [توثيق حاشية: نفح الطيب: (2/410)]، وقال بعض تلاميذه على إثر هذا الكلام ما نصّه: ((قال الذهبي: رحل وكتب وسمع، وكان يقظاً، فهماً، حسن الحفظ، مَليحَ النَّظم، حَسَن المذاكرة، ثقة، حافظاً)) [توثيق حاشية: نفح الطيب: (2/410)]، وقال آخر إثر ذلك الكلام ما نصّه: ((مشاحة شيخنا للمصنف في هذه العبارة ما لها فائدة، فإن الذهبي قال في ((تاريخ الإسلام)): العلامة أبو عبدالله محمد ابن أحمد بن أبي بكر بن فَرْح، الإمام، القرطبي، إمام متفنن، متبحر في العلم، له تصانيف مفيدة، تدل على كثرة اطلاعه ووفور عقله وعلمه. ثم ذكر موته، وقال بعده: وقد سارت بتفسيره العظيم الشأن الركبان، وله ((الأسنى في شرح الأسماء الحسنى))، و((التذكرة))، وأشياء تدل على إمامته وذكائه، وكثرة اطلاعه، وقال آخر إثر هذا الكلام ما نصّه ((غفر الله لك! إذا كان الذهبي ترجمه بما ذكرت، وهو والله فوق ذلك، فكيف تقول: إن مشاحة شيخك لا فائدة فيها، وتسيء الأدب معه، وتقول إن كلامه لا فائدة فيه؟ فالله يستر عليك!!)) [توثيق حاشية: نفح الطيب: (2/410)]…”. انتهى.

قلت: وهذا الكلام سرقه (مشهور) من كتاب الدكتور القصبي زلط!!

قال د. القصبي (ص39-40): “وكما أثنى المؤرخون على أخلاقه أثنوا على ثقافته الواسعة، فقال عنه الذهبي: ((إمام متفنن متبحر في العلم له تصانيف مفيدة تدل على كثرة اطلاعه ووفور فضله)) وبعد أن ذكر بعض مؤلفاته قال: ((وله أشياء أخرى تدل على إمامته وذكائه))…

ونقل صاحب النفح عن ابن شاكر الكتبي أنه قال في حقه ((كان شيخاً فاضلاً وله تصانيف مفيدة تدل على كثرة اطّلاعه ووفور علمه)).

وغضب بعض تلامذته من ترجمة ((الكتبي)) له وعلق عليها بقوله: ((قد أجحف المصنف في ترجمته جداً وكان متفنناً متبحراً في العلم)).

وحاول بعض التلامذة أن يدافع عن الكتبي بأن الذهبي قد وفاه حقه في تاريخ الإسلام وأنه لا داعي لمهاجمة الكتبي فقال: ((مشاحة شيخنا للمصنف في هذه العبارة ما لها فائدة فإن ((الذهبي)) قال في تاريخ الإسلام ((العلامة أبو عبدالله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فَرْح الإمام القرطبي إمام متفنن متبحر في العلم له تصانيف مفيدة تدل على كثرة اطلاعه ووفور عقله وفضله)).

ولكن ذلك الدفاع لم يعجب تلميذاً ثالثاً فانتقد الذهبي والكتبي معاً وردّ ذلك الدفاع فقال: ((إذا كان الذهبي ترجمه بما ذكرت وهو والله فوق ذلك فكيف تقول إن مشاحة شيخك لا فائدة فيها وتسيء الأدب معه، وتقول إن كلامه لا فائدة فيه فالله يستر عليك))…”. انتهى.

60- قال مشهور (ص158-159) تحت عنوان: (أمانته): “إن الإمام القرطبي رحمه الله تعالى كان يلتزم الأصول العلمية، ويتّبع أساليب العلماء الفضلاء الذين لا يعنيهم إلا أن يثبتوا الفضل لأهله، ولا يهمّهم أن ينسبوا إلى أنفسهم ما ليس لهم، وهذه هي الأمانة العلمية التي يعمل علماء العالم الآن على تأصيلها، وتثبيت قيمها، واتخاذ أساليب لتفيذها، ولا أتصور أنها تخرج عمّا ارتضاه الإمام القرطبي لنفسه حين كتب ((تفسيره))، قال: ((وشرطي في هذا الكتاب إضافة الأقوال إلى قائليها، والأحاديث إلى مصنفيها، فإنه يقال: من بركة العلم أن يضاف إلى قائله)) [توثيق حاشية: الجامع لأحكام القرآن: (1/3)؛ وانظر: ((القرطبي المفسر)): (73-74)…”. انتهى.

قلت: على فرْض أن هذا الكلام من كلامك يا مشهور، فهو كلام رائع في مسألة الأمانة العلمية، ورد الأقوال إلى أصحابها، ولكن أين أمانتك العلمية في سرقتك (هذا الكتاب) كلّه؟!!

ولأن (مشهور حسن) يتكلم على الأمانة العلمية أشار إلى كتاب: (القرطبي المفسر)! ولكن ما كتبه ونسبه لنفسه هو بعينه كلام الدكتور الفرت صاحب الكتاب، فإلى ماذا ننظر يا مشهور، وأنت سرقت كلامه بحروفه؟!!

قال د. الفرت (ص73-74): “إن الإمام القرطبي (رحمه الله) كان يلتزم الأصول العلمية ويتّبع أساليب العلماء الفضلاء الذين لا يعنيهم إلا أن يثبتوا الفضل لأهله، ولا يهمّهم أن ينسبوا إلى أنفسهم ما ليس لهم وهذه هي الأمانة العلمية التي يعمل علماء العالم الآن على تأصيلها وتثبيت قيمها، واتخاذ أساليب لتفيذها، لا أتصور أنها تخرج عمّا ارتضاه الإمام القرطبي العظيم لنفسه حين كتب تفسيره، قال: “وشرطي في هذا الكتاب إضافة الأقوال إلى قائليها والأحاديث إلى مصنفيها، فإنه يقال: من بركة العلم أن يضاف إلى قائله)) [توثيق حاشية: تفسير القرطبي ج1 ص3]”. انتهى.

61- قال مشهور (ص161) تحت عنوان: (إنصافه وعدم تعصبه): “لم يتعصب القرطبي لمذهب الإمام مالك فيرجّحه وإنْ ضعفت حجته، ولكنه كان يرجح غيره من المذاهب، إذا رأى الحق بجانبه، ويخرج على المذهب المالكي، ويعلن معارضته له، كما لم يلتوِ القرطبي في عرض حجة الخصم، أو يأتي بها مبتورة مهلهلة، بل كان يعرضها بدقة وأمانة، وكان يضفي عليها كثيراً من الشرح والتوضيح. [توثيق حاشية: القرطبي ومنهجه في التفسير: (344)]”. انتهى.

قلت: كذا أشار مشهور كعادته! ولم يبيّن لنا ما نقله من هذا الكتاب!!! وعند الرجوع للكتاب وجدت أن هذا هو كلام د. القصبي بحروفه! فأين الأمانة العلمية؟!

قال د. القصبي زلط (ص344): “لم يتعصب القرطبي لمذهب الإمام مالك فيرجّحه وإنْ ضعفت حجته، ولكنه كان يرجح غيره من المذاهب، إذا رأى الحق بجانبه، ويخرج على المذهب المالكي، ويعلن معارضته له، كما لم يلتوِ القرطبي في عرض حجة الخصم، أو يأتي بها مبتورة مهلهلة، بل كان يعرضها بدقة وأمانة، وكان يضفي عليها كثيراً من الشرح والتوضيح…” انتهى.

62- قال مشهور (ص162): “كان منهج الإمام القرطبي نهجاً موفقاً سديداً، أوصله إلى طريق العلماء الذين تفردوا في عصورهم بما قدّموا من خدمة للعلم والدِّين، ولا يصل إلى هذا الطريق إلا عالمٌ اتخذ الاجتهاد وسيلةً، مثل إمامنا الذي تناول قضايا الأحكام وأبدى رأيه في مسائلها، ولو انتهى إلى عدم موافقته مذهبه المالكي، ولم يكن – رحمه الله تعالى – يقبل التقليد، لأن ((التقليد ليس طريقاً للعلم ولا مُوصلاً إليه، لا في الأصول، ولا في الفروع؛ وهو قول جمهور العقلاء والعلماء)) [توثيق حاشية: الجامع لأحكام القرآن: (2/212)]…”. انتهى.

قال د. الفرت (ص75): “ونصل إلى تقويم النهج الذي ارتضاه الإمام القرطبي لنفسه، وإلى أي سبيل أوصله؟ أما النهج فنهج علماء موفق وسديد، وأما إلى أي طريق أوصله؟ فقد أوصله إلى طريق العلماء الذين تفردوا في عصورهم بما قدّموا من خدمة للعلم والدِّين، ولا يصل إلى هذا الطريق إلا عالمٌ اتخذ الاجتهاد وسيلةً، فتناول قضايا الأحكام وأبدى الرأي في مسائلها، وقد كان رحمه الله يجتهد رأيه فيما يعرض له من قضايا ومسائل، ولو انتهى إلى أن يوافق غيره من علماء عصره أو من الأئمة السابقين، ولم يكن (رضي الله عنه) يقبل التقليد، “لأن التقليد – في نظره – ليس طريقاً للعلم، ولا مُوصلاً له، لا في الأصول، ولا في الفروع”. [توثيق حاشية: انظر تفسير القرطبي: المسألة الخامسة من تفسير الآية 171 من سورة البقرة ج2 ص212]”. انتهى.

63- قال مشهور (ص163-164): “ومن الجدير بالذكر هنا أن اجتهاد الإمام القرطبي كان اجتهاداً في إطار ذلك النوع السائد من الاجتهاد في عصره؛ إذ ((إنّ فقهاء مصر في عصر الدولتين الأيوبية والمملوكية كانوا مجتهدي مذهب، بمعنى أنه لم يظهر فيهم صاحب مذهب جديد مخالف للمذاهب الأربعة المعروفة، ومع هذا فمن الإنصاف لفقهاء العصرين بمصر والشام أن يُقال: إنهم كانوا يتطلعون إلى نوع من الاستقلال في الفقه، أولى به أن يسمى: سعة في التصرّف)) [توثيق حاشية: الحركة الفكرية: (201-202) والقرطبي المفسر: (75)]”. انتهى.

قلت: وثّق مشهور من كتاب الحركة الفكرية، والذي لا شك فيه أنه لم يطلع عليه!! وإنما أخذه من كتاب الدكتور الفرت، بل إن ما قبله هو كلام الدكتور أيضاً.

قال د. الفرت (ص75): “وأحبّ أن أسجل أن اجتهاد الإمام القرطبي كان اجتهاداً في إطار ذلك النوع السائد من الاجتهاد في عصره؛ إذ “إنّ فقهاء مصر في عصر الدولتين الأيوبية والمملوكية كانوا مجتهدي مذهب، بمعنى أنه لم يظهر فيهم صاحب مذهب جديد مخالف للمذاهب الأربعة المعروفة. ومع هذا فمن الإنصاف لفقهاء العصرين بمصر والشام أن يُقال: إنهم كانوا يتطلعون إلى نوع من الاستقلال في الفقه أولى به أن يسمى سعة في التصرّف” [توثيق حاشية: د. عبداللطيف حمزة: الحركة الفكرية ص201-202]”. انتهى.

64- قال مشهور (ص168-171) تحت عنوان: (مالكيّته): “وتتمثل مالكيّة صاحبنا القرطبي في أمور:

الأول: اقتصاره أحياناً على آراء الإمام مالك، وبعض فقهاء المالكية، وتارةً يكتفي بالعرض والتوجيه لهذه الآراء دون التعقيب عليها أو مناقشتها، ولعله في تلك الحالة يكون قد ارتضاها، ومن الأمثلة على ذلك:

أ- في قوله تعالى: {فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي} يقول في المسألة الحادية عشرة: ((والعدوّ الحاصر لا يخلو أن يتيقّن بقاؤه واستيطانه؛ لقوّته وكثرته، أو لا: فإن كان الأول حلّ المحصر مكانه من ساعته، وإن كان الثاني – وهو مما يُرجى زواله – فهذا لا يكون محصوراً حتى يبقى بينه وبين الحج مقدار ما يعلم أنه إنْ زال العدو لا يدرك فيه الحج، فيحلّ حينئذ عند ابن القاسم وابن الماجشون، وقال أشهب: لا يحلّ من حصر عن الحج بعدوٍّ حتى يوم النحر، ولا يقطع التلبية حتى يروح الناس إلى عرفة. وجه قول ابن القاسم: أن هذا وقت يأس من إكمال حجه لعدوه غالب، فجاز له أن يحل فيه. ووجه قول أشهب: أن عليه أن يأتي من حكم الإحرام بما يمكنه، والتزامه إلى يوم النحر الوقت الذي يجوز للحاج التحلل بما يمكنه الإتيان به، فكان ذلك عليه)) [توثيق حاشية: الجامع لأحكام القرآن: (2/377)]”.

ب- وفي قوله تعالى: {فإذا أفضتم من عرفاتٍ فاذكروا الله عند المشعر الحرام} تحدّث في المسألة الثانية عشرة عن سُنية الجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة بعد الدفع من عرفات، ثم قال في المسألة الثالثة عشرة: ((ومن أسرع فأتى المزدلفة قبل مغيب الشفق، فقد قال ابن حبيب: لا صلاة عن عجل إلى المزدلفة قبل مغيب الشفق، لا لإمامٍ ولا غيره حتى يغيب الشفق، لقوله عليه السلام: ((الصلاة أمامك)) ثم صلاها بالمزدلفة بعد مغيب الشفق؛ ومن جهة المعنى أن وقت هذه الصلاة بعد مغيب الشفق، فلا يجوز أن يؤتى بها قبله، ولو كان لها وقت قبل مغيب الشفق لما أخرت عنه)) [توثيق حاشية: الجامع لأحكام القرآن: (2/422)]”.

جـ- ويقول في المسألة الثالثة عشرة: ((وأما من أتى عرفة بعد دفع الإمام، أو كان له عذر ممن وقف مع الإمام، فقد قال ابن الموَّاز: مَن وقف بعد الإمام فليصل كل صلاة لوقتها، وقال مالك فيمن كان له عذر يمنعه أن يكون مع الإمام: إنه يصلي إذا غاب الشفق الصلاتين يجمع بينهما، وقال ابن القاسم فيمن وقف بعد الإمام: إن رجا أن يأتي المزدلفة ثلث الليل فليؤخر الصلاة حتى يأتي المزدلفة، وإلا صلّى كل صلاة لوقتها. فجعل ابن الموّاز تأخير الصلاة إلى المزدلفة لمن وقف مع الإمام دون غيره، وراعى مالك الوقت دون المكان، واعتبر ابن القاسم الوقت المختار للصلاة والمكان، فإذا خاف فَوات الوقت المختار بَطلَ اعتبار المكان، وكان مراعاة وقتها المختار أولى)) [توثيق حاشية: الجامع لأحكام القرآن: (2/422)]”.

ومن الواضح من الأمثلة السابقة أن القرطبي قد اقتصر على الفقه المالكي، فنقل آراء الإمام مالك، وآراء ابن المواز وابن الماجشون، وأشهب – وكل هؤلاء من فقهاء المالكية، بل من كبارهم – ولم يعقّب على هذه الآراء ولم يناقشها لأنه قد ارتضاها.

ونرى القرطبي أحياناً أخرى يفاضل بين آراء المالكية ويختار منها، ونقتصر على ذلك بالمثال التالي:

د- في قوله تعالى: {الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة} تحدّث في المسألة الرابعة عشرة عن حكم التكبير في الصلاة، ونقل عن أصبغ بن الفرج وعبدالله بن عبدالحكم أنهما قالا: ليس على من لم يكبّر في الصلاة من أولها إلى آخرها شيء إذا كبّر تكبيرة الإحرام، فإن تركه ساهياً سجد للسهو، فإن لم يسجد فلا شيء عليه، ولا ينبغي لأحد أن يترك التكبير عامداً لأنه سنة من سنن الصلاة، فإن فعل فقد أساء ولا شيء عليه، وصلاته ماضية، ثم نقل عن ابن القاسم خلاف ذلك، وردّه ورجّح رأي ابن عبدالحكم وأصبغ بقوله: ((قلت: هذا هو الصحيح الذي عليه جماعة فقهاء الأمصار من الشافعيين والكوفيين وجماعة أهل الحديث والمالكيين غير من ذهب مذهب ابن القاسم”. انتهى.

قلت: وهذا كلّه كلام د. القصبي بحروفه!!

قال د. القصبي زلط (ص319-323): “وللقرطبي منهج في ذكر الأحكام يتضح فيما يأتي:

الفقه المالكي:

كان القرطبي يقتصر أحياناً على آراء الإمام مالك، وبعض فقهاء المالكية، وتارةً يكتفي بالعرض والتوجيه لهذه الآراء دون التعقيب عليها أو مناقشتها ولعله في تلك الحالة يكون قد ارتضاها.

ففي قوله تعالى: {فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي} يقول في المسألة الحادية عشرة: ((والعدوّ الحاصر لا يخلو أن يتيقّن بقاؤه واستيطانه. لقوّته وكثرته، أولا. فإن كان الأول حلّ المحصر مكانه من ساعته، وإن كان الثاني وهو مما يُرجى زواله. فهذا لا يكون محصوراً حتى يبقى بينه وبين الحج مقدار ما يعلم أنه إنْ زال العدو لا يدرك فيه الحج، فيحلّ حينئذ عند ابن القاسم وابن الماجشون، وقال أشهب: لا يحلّ من حصر عن الحج بعدوٍّ حتى يوم النحر، ولا يقطع التلبية حتى يروح الناس إلى عرفة. وجه قول ابن القاسم: أن هذا وقت يأس من إكمال حجه لعدوه غالب، فجاز له أن يحل فيه. ووجه قول أشهب: أن عليه أن يأتي من حكم الإحرام بما يمكنه، والتزامه إلى يوم النحر الوقت الذي يجوز للحاج التحلل بما يمكنه الإتيان به، فكان ذلك عليه)) [توثيق حاشية: تفسير القرطبي ج2 ص377 وما بعدها]”.

وفي قوله تعالى: {فإذا أفضتم من عرفاتٍ فاذكروا الله عند المشعر الحرام} تحدّث في المسألة الثانية عشرة عن سُنية الجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة بعد الدفع من عرفات ثم قال في المسألة الثالثة عشرة: ((ومن أسرع فأتى المزدلفة قبل مغيب الشفق، فقد قال ابن حبيب: لا صلاة عن عجل إلى المزدلفة قبل مغيب الشفق، لا لإمامٍ ولا غيره حتى يغيب الشفق، لقوله عليه السلام: ((الصلاة أمامك)) ثم صلاها بالمزدلفة بعد مغيب الشفق؛ ومن جهة المعنى أن وقت هذه الصلاة بعد مغيب الشفق، فلا يجوز أن يؤتى بها قبله، ولو كان لها وقت قبل مغيب الشفق لما أخرت عنه)).

ويقول في المسألة الثالثة عشرة: ((وأما من أتى عرفة بعد دفع الإمام، أو كان له عذر ممن وقف مع الإمام، فقد قال ابن الموَّاز: مَن وقف بعد الإمام فليصل كل صلاة لوقتها، وقال مالك فيمن كان له عذر يمنعه أن يكون مع الإمام: إنه يصلي إذا غاب الشفق الصلاتين يجمع بينهما، وقال ابن القاسم فيمن وقف بعد الإمام: إن رجا أن يأتي المزدلفة ثلث الليل فليؤخر الصلاة حتى يأتي المزدلفة، وإلا صلّى كل صلاة لوقتها. فجعل ابن الموّاز تأخير الصلاة إلى المزدلفة لمن وقف مع الإمام دون غيره، وراعى مالك الوقت دون المكان، واعتبر ابن القاسم الوقت المختار للصلاة والمكان، فإذا خاف فَوات الوقت المختار بَطلَ اعتبار المكان، وكان مراعاة وقتها المختار أولى)) [توثيق حاشية: تفسير القرطبي ج2 ص422].

ومن الواضح من هذين النصين أن القرطبي قد اقتصر على الفقه المالكي، فنقل آراء الإمام مالك، وآراء ابن المواز وابن الماجشون، وأشهب – وكل هؤلاء من فقهاء المالكية، بل ومن كبارهم – ولم يعقّب على هذه الآراء ولم يناقشها لأنه قد ارتضاها.

ونرى القرطبي أحياناً أخرى يفاضل بين آراء المالكية ويختار منها، ففي قوله تعالى: {الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة} بيّن في المسألة الرابعة عشرة حكم التكبير في الصلاة، وموقف بعض فقهاء المالكية منه. ثم اختار أقرب الآراء إلى رأي الجماعة وقوى ذلك بما ذكره من الأحاديث. فقال: ((وأما التكبير ما عدا تكبيرة الإحرام فمسنون عند الجمهور… وقال أصبغ ابن الفرج وعبدالله بن عبدالحكم: ليس على  من يكبّر في الصلاة من أولها إلى آخرها شيء إذا كبّر تكبيرة الإحرام، فإن تركه ساهياً سجد للسهو، فإن لم يسجد فلا شيء عليه، ولا ينبغي لأحد أن يترك التكبير عامداً لأنه سنة من سنن الصلاة. فإن فعل فقد أساء ولا شيء عليه وصلاته ماضية. ثم رجّح القرطبي هذا الرأي. وبين أنه يتفق مع رأي الجمهور وساق بعض الأحاديث لتقويته، فقال: ((قلت: هذا هو الصحيح وهو الذي عليه جماعة فقهاء الأمصار من الشافعيين والكوفيين وجماعة أهل الحديث والمالكيين غير من ذهب مذهب ابن القاسم…” انتهى.

65- قال مشهور (ص171-173) وهو يتحدث عن مالكية القرطبي وهي تتمثل في أمور: “الثاني: نسبة نفسه إلى المذهب المالكي، ولا عجب في ذلك فهو المحيط به إحاطة واسعة، وبأقوال علمائه، وبأصوله وقواعده.

الثالث: تمحيص الأقوال المنسوبة إلى الإمام مالك، وبيان ما صحّ منها وما لا يصح مما يُنسب إليه خطأ، وبهذا تعدّ كتب الإمام القرطبي على وجه العموم، والتفسير على وجه الخصوص من المصادر الهامة في تحرير المذهب المالكي.

وهاك مثالاً على الأمرين السابقين:

قال في تفسير قوله تعالى: {فاغسلوا وجوهكم}: ((ولا بدّ في غسل الوجه من نقل الماء إليه، وإمرار اليد عليه، وهذه حقيقة الغسل عندنا – يقصد المالكية، وهو منهم – وقال غيرنا: إنما عليه إجراء الماء، وليس عليه دَلكٌ بيده)) [توثيق حاشية: الجامع لأحكام القرآن: (6/83)]”.

ثم ذكر مسألة غسل الجُنُب، فقال: ((اعلم أن العلماء اختلفوا في الجُنُب يصبّ على جسده الماء أو ينغمس فيه ولا يتدلك، فالمشهور من مذهب مالك أنه لا يجزئه حتى يتدلك، لأن الله سبحانه وتعالى أمر الجنب بالاغتسال، كما أمر المتوضئ بغسل وجهه ويديه، ولم يكن للمتوضئ بدّ من إمرار يديه مع الماء…

والذي يهمنا هنا ما كشف القرطبي به عن خبرته بالمذهب المالكي، وتصحيح ما قد نسبه البعض خطأ إلى مالك!! قال رحمه الله تعالى: ((وبه – أي بعدم وجوب التدليك – قال محمد بن عبدالله بن الحكم، وإليه رجع أبو الفرج، ورواه عن مالك؛ قال: وإنما أمر بإمرار اليدين في الغسل لأنه لا يكاد من لم يمر يديه عليه يسلم من تنكّب الماء عن بعض ما يجب عليه من جسده. قال ابن العربي: وأعجب لأبي الفرج الذي روى وحكى عن صاحب المذهب أن الغسل دون ذلك يجزئ!! وما قاله قطّ مالك نصاً ولا تخريجاً وإنما هي من أوهامه!!.

ويتعقّب القرطبيُّ ابن العربي ويذكر أنه هو الذي وهم، فقال: ((قلت: قد روي هذا عن مالك نصاً، فقال مروان بن محمد الظاهري وهو ثقة من ثقات الشاميين: سألت مالك ابن أنس عن رجل انغمس في ماء وهو جنب ولم يتوضأ، قال: مضت صلاته)) [توثيق حاشية: الجامع لأحكام القرآن: (5/211)].

فأنت ترى أن القرطبي قد صحح ما حكاه أبو الفرج عن مالك، وذلك على أساس من درايته بالمذهب، على الرغم من إنكار واحد من كبار علماء المالكية – وهو العلامة ابن العربي – أن يكون مالك قال ذلك نصاً أو تخريجاً”. انتهى.

قلت: وهذا كلّه كلام د. الفرت بحروفه!!

قال د. الفرت (ص218-219): “والقرطبي ينسب نفسه إلى المذهب المالكي، وهو محيط به إحاطة واسعة وبأقوال علمائه، وما صحّ عن الإمام مالك وما لا يصح مما يُنسب إليه خطأ، وبهذا يعدّ تفسير القرطبي مصدراً هاماً من مصادر تحرير المذهب المالكي، ودليل ذلك ما جاء به في تفسير قوله تعالى: {فاغسلوا وجوهكم}.

قال القرطبي: “ولا بدّ في غسل الوجه من نقل الماء إليه، وإمرار اليد عليه، وهذه حقيقة الغسل عندنا – يقصد المالكية، وهو منهم – وقال غيرنا: إنما عليه إجراء الماء، وليس عليه دَلكٌ بيده”.

ثم يعرض في موضع آخر – في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون، ولا جنباً إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا} – دليل كلّ فريق، والذي يهمنا هنا ما كشف به عن خبرته بالمذهب المالكي، وتصحيح ما قد نسبه البعض خطأ إلى مالك، فقد ذكر أن ابن العربي يعجب لما حكاه أحد علماء المالكية عن الإمام مالك من أنه يجزئ الجنب صب الماء، والانغماس فيه، إذا أسبغ وعم وإن لم يتدلك، ويقول ابن العربي: “وما قاله مالك نصاً ولا تخريجاً وإنما هي من أوهامه”.

ويذكر القرطبيّ أن “ابن العربي” هو الذي وهم، لأنه قد روى عن مالك هذا أيضاً، فقد قال “مروان بن محمد الظاهري”، وهو ثقة من ثقات الشاميين: سألت مالك ابن أنس عن رجل انغمس في ماء وهو جنب ولم يتوضأ، قال: مضت صلاته، قال أبو عمر: فهذه الرواية فيها لم يتدلك ولا توضأ، وقد أجزأه عند مالك.

إذن فقد روي عن مالك ما حكاه أبو الفرج [توثيق حاشية: تفسير القرطبي ج5 ص210، 211] من علماء المالكية، من أن التدليك ليس شرطاً في صحة الغسل، وصحح القرطبي على أساس من درايته بمذهب الإمام مالك هذه الحكاية على الرغم من إنكار ابن العربي – وهو من كبار علماء المالكية – أن يكون مالك قال ذلك نصاً أو تخريجاً”. انتهى.

66- قال مشهور (ص173-176): “الرابع: ترجيحه مذهب الإمام مالك في كثيرٍ من المسائل الفقهية التي عالجها، ومناقشته العلماء فيها، والأمثلة على هذا كثيرة، من أشهرها:

أ- مسألة البسملة، هل هي آية من الفاتحة وغيرها من السور أم لا؟ ويترتب عليه: هل يقرأها المصلي أم أن صلاته تجزئ وإن لم يفعل ذلك؟

اختلف العلماء في ذلك على أقوال، منها:

ليس بآية من الفاتحة ولا غيرها من السور، وإنما هي استفتاح ليعلم بها مبتدؤها، وللتبرك بها، كما بُدِئ بذكرها في كل أمر ذي بال، وهذا القول قال فيه القرطبي: ((وهو قول مالك، وأبي حنيفة، وجمهور الفقهاء والقرّاء)).

ثم تعرّض إلى مذهب مالك في قراءة المصلي لها، فقال: ((وجملة مذهب مالك وأصحابه: أنها ليست عندهم آية من فاتحة الكتاب ولا غيرها، ولا يقرأ بها المصلي في المكتوبة ولا في غيرها سراً ولا جهراً، ويجوز أن يقرأها في النوافل، هذا هو المشهور من مذهبه عند أصحابه)).

والذي يهمنا هنا أن نعرض رأي القرطبي في هذه المسألة، لتتّضح نصرته لمذهبه المالكي، وتبنّيه رأيهم ومدافعته عنهم.

قال رحمه الله تعالى بعد كلام طويل: ((والصحيح من هذه الأقوال قول مالك، الذي رأى أن القرآن لا يثبت بأخبار الآحاد، وإنما طريقه التواتر القطعي الذي لا يختلف فيه)).

ثم حشد كثيراً من الأدلة النقلية والعقلية التي تدلل على صحة وجهة نظره هذه الموافقة لمذهبه المالكي، وعضدها بنقولات لكثير من أهل العلم تؤيدها وتنصرها، وفنَّد حِجج الآخرين وردّ عليها بشيء من التفصيل [توثيق حاشية: انظر مسألة البسملة وكلام المصنف عليها في: ((الجامع لأحكام القرآن)) (1/92-97و117و7/153-155)].

ب- مسألة مقدار مسح الرأس في الوضوء.

اتفق الفقهاء على أن مسح الرأس من فرائض الوضوء، لقوله تعالى: {وامسحوا برؤوسكم}، واختلفوا في المقدار المطلوب مسحه ((على أحد عشر قولاًَ، ثلاثة لأبي حنيفة، وقولان للشافعي، وستة أقوال لعلمائنا – أي المالكية)) [توثيق حاشية: الجامع لأحكام القرآن: (6/87)].

والذي يعنينا من هذه المسألة: أن مذهب مالك القول بوجوب تعميم مسح الرأس، وهو الذي نصره الإمام القرطبي، فقال: ((وقد أشار مالك في وجوب مسح الرأس إلى ما ذكرناه، فإنه سُئِل عن الذي يترك بعض رأسه في الوضوء، فقال: أرأيت إن ترك غسل بعض وجهه أكان يجزئه؟!)) ثم قال بعد أن ذكر أقوال العلماء وخلافهم في هذه المسألة على النحو الذي أشرنا إليه سابقاً: ((والصحيح منها واحد، وهو وجوب التعميم لما ذكرناه. وأجمع العلماء على أن مَن مسح رأسه كله فقد أحسن وفعل ما يلزمه، والباء مؤكدة زائدة ليست للتبعيض، والمعنى: وامسحوا رءوسكم)) ثم ناقش أدلة المخالفين ووجوه ردّها بما لا مزيد عليه.

جـ- مسألة الوضوء من لمس المرأة.

ذكر الإمام القرطبي اختلاف العلماء في حكم اللمس الوارد في قوله تعالى: {أو لامستم النساء} على خمسة مذاهب، من بينها ما قاله الإمام مالك: المُلامس بالجماع يتيمّم، والمُلامس باليد يتيمم إذا الّتذَّ، فإذا لمسها بغير شهوة فلا وضوء، ثم قال: ((وبه قال أحمد وإسحاق، وهو مقتضى الآية)) ثم سرد المذاهب المتبقية، ثم قال: ((فهذه خمسة مذاهب أسدُّها مذهب مالك، وهو مروي عن عمر وابنه عبدالله، وهو قول عبدالله بن مسعود أن الملامسة دون الجماع، وأن الوضوء، يجب بذلك، وإلى هذا ذهب أكثر الفقهاء)).

ثم عرض حجج المخالفين، وبيّن وَهيها وضعفها بالمنقول والمعقول، وخلص إلى نصرة مذهبه بحجج شتى، لا مجال هنا لسردها. [توثيق حاشية: انظر تفصيل المسألة في ((الجامع لأحكام القرآن)): (5/223-228)].

د- الوضوء بسؤر الكلاب.

ذكر الإمام القرطبي أن تحصيل مذهب الإمام مالك أن الكلب طاهر عنده لا ينجس ولوغه شيئاً ولغ فيه طعاماً ولا غيره، إلا أنه استحبّ هراقه ما ولغ فيه من الماء ليساره مؤنته.

وأخذ يستدل بعمومات النصوص على صحة قول مالك المذكور، وتأوّل النص الخاص بالمسألة عينها، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات وعفّروه الثامنة في التراب))، ورأى أن الإناء يغسل في هذه الحالة عبادة لا لنجاسة!! واستدلّ على ذلك بدليلين.

والذي يهمنا هنا أننا نجد القرطبي ينتصر لرأي مذهبه وإمامه، ويعتمد ما رُوي من أحاديث في هذا الصدد، ويؤول الحديث الذي يعتمده جمهور الفقهاء دليلاً على نجاسة سؤر الكلب [توثيق حاشية: انظر تفصيل المسألة مع أدلتها في ((الجامع لأحكام القرآن)): (13/45-46)].

ويتّضح لنا من الأمثلة الأربعة السابقة – وغيرها كثير [توثيق حاشية: مثل: مسألة الحج عن الغير، كما في الجامع لأحكام القرآن: (2/436و4/154 و17/114) ومسألة البيع في وقت صلاة الجمعة، كما في الجامع لأحكام القرآن أيضاً: (18/108)] – أن القرطبي مالكي المذهب وإن كان مجتهداً قد يرى الحقّ عند غير الإمام مالك، وأولى بأن تفسر به الآيات، كما سبق بيانه”. انتهى.

قلت: وهذا كلّه ليس من كلام (مشهور)! وإنما هو كلام د. الفرت وترتيبه، مع اختصار مشهور لبعضه والتقديم والتأخير كعادته في (السرقة)!! وقد ذكر مشهور (4) مسائل مما ذكره الدكتور، وأشار في آخر هامش إلى مسألتين وهما: الحج عن الغير، والبيع وقت صلاة الجمعة، وهذه الأخيرة ذكرها الدكتور في نقطة (5) (ص238-240)، والحج عن الغير ذكرها في نقطة (6) (ص240-244).

قال د. الفرت (ص220-245): “وها هي بعض المسائل الفقهية التي عالجها، وناقش العلماء فيها ثم ركن فيها إلى مذهبه، وهو مذهب الإمام مالك (رضي الله عنه).

1- البسملة:

“بسم الله الرحمن الرحيم”، أجمع المسلمون على أن البسملة آية من كتاب الله تعالى في سورة النمل، واختلف في كونها في أول سورة على أقوال ثلاثة:

الأولى: ليس البسملة بآية من الفاتحة ولا غيرها من السور، وإنما هي استفتاح ليعلم بها مبتدؤها، وللتبرك بالابتداء بها، كما بُدِئ بذكرها في كل أمر ذي بال، وهو قول مالك، وأبي حنيفة، وجمهور الفقهاء والقرّاء…

ويترتب على هذا الخلاف أن البسملة في كل ركعة قبل الفاتحة… أما المالكية فيقولون: إنها مكروهة في الصلاة المفروضة. إلا إذا نوى المصلي الخروج من الخلاف، فيكون الإتيان بها في أول الفاتحة سراً مندوباً.

ويهمنا أن نعرض رأي القرطبي في المسألة – وهو مالكي – لتتّضح نصرته لمذهبه، وتبنّيه رأي المالكية والدفاع عنه.

قال القرطبي… ثم يقول بعد أن عرض الأقوال الثلاثة المشهورة السابق ذكرها: “والصحيح من هذه الأقوال قول مالك، الذي رأى أن القرآن لا يثبت بأخبار الآحاد، وإنما طريقه التواتر القطعي الذي لا يختلف فيه، ثم عضد ذلك بقول ابن العربي…

ولا يقف احتشاد القرطبي لنصرة رأي مالك بالأدلة النقلية بل إنه يجعل للحجاج العقلي نصيباً فيقول…

وينتهي القرطبي من ذلك إلى أن المشهور من مذهب مالك وعند أصحابه: أنها ليست عندهم آية من فاتحة الكتاب ولا غيرها، ولا يقرأ بها المصلي في المكتوبة ولا في غيرها سراً ولا جهراً، ويجوز أن يقرأها في النوافل…

ويستمر القرطبي في بيان هذه المسألة، ويعود إليها بشيء من التفصيل، ويضيف جديداً من الأدلة إلى ما سبق…

2- مسح الرأس في الوضوء:

إن مسح الرأس من فرائض الوضوء التي لا خلاف فيها، إذ قال الله (عزّ وجلّ) في آية الوضوء: {وامسحوا برؤوسكم}.

لكن الخلاف ثار بين الفقهاء على القدر المطلوب مسحه، أهو الرأس كلها أم بعضها؟ ثم ما مقدار هذا البعض إذا كان المطلوب هو البعض؟…

أما المالكية ووافقهم الحنابلة فإنهم رأوا أن الباء مؤكدة زائدة ليست للتبعيض، وعليه فالمعنى: “وامسحوا رءوسكم”، ومن هنا أوجبوا مسح جميع الرأس…

ولقد عرض القرطبي هنا رأي العلماء، واختلافهم، وحجج كل فريق، ولكنه مال إلى رأي علماء المالكية، وأورد ما ردوا به على الاعتراضات التي وجهت إليهم، وقد بادر إلى ذلك في بداية كلامه في هذه القضية وقبل أن يعرض حجج كل فريق يقول: “واختلف العلماء في تقدير مسحه على أحد عشر قولاًَ، ثلاثة لأبي حنيفة، وقولان للشافعي، وستة أقوال لعلمائنا، والصحيح منها واحد، وهو وجوب التعميم” [توثيق حاشية: تفسير القرطبي ج6 ص87]…

3- الوضوء من لمس المرأة:

قال مالك رضي الله عنه: إذا مست المرأة الرجل للذة فعليها الوضوء…

فالمدار – عند المالكية في انتقاض الوضوء باللمس – على قصد اللذة أو وجدانها.

ويتوافق مع رأي مالك في هذا ما روي عن “عمر” وابنه “عبدالله” وما قاله عبدالله بن مسعود (رضي الله عنهم) من أن الملامسة دون الجماع، وأن الوضوء، يجب بذلك، وإلى هذا ذهب أكثر الفقهاء. [توثيق حاشية: القرطبي: تفسيره ج5 ص224].

أما الشافعية والحنابلة وابن حزم…

على أن الحنفية قالوا…

وقد حاول كل فريق أن ينصر مذهبه بحجج شتى لكن الذي يعنينا هو رأي القرطبي، وهو مالكي هنا يهتم بأن يعرض مذهبه على أنه المذهب الأرجح في إطار من البيان القوي… من حجج شرعية نقلية وعقلية…

4- الوضوء بسؤر الكلاب:

جاء هذا العنوان بهذه الصورة في كتاب المدونة…

ويعنينا هنا أن نعرض لرأي القرطبي الذي قال: إن تحصيل مذهب الإمام مالك أنه (الكلب) طاهر عنده، لا ينجس ولوغه شيئاً ولغ فيه طعاماً ولا غيره، إلا أنه استحبّ هراقه ما ولغ فيه من الماء ليسارة مؤنته.

وجعل يستدل على صحة ما ذهب إليه المالكية بأدلة أهمها…

أما دليل جمهور الفقهاء في حكمهم بنجاسة ما ولغ فيه الكلب – فقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات وعفّروه الثامنة في التراب.

ونحن في سبيل ترجيح أحد الرأيين نعرض لمناقشة القرطبي لهما ونجد أن المالكية تأولوا الحديث السابق، ورأوا أن الإناء يغسل عبادة، لا لنجاسة بدليلين: أحدهما: أن الغسل قد دخله العدد. الثاني: أنه قد جعل للتراب فيه…

وهكذا نجد القرطبي ينتصر لرأي مذهبه وإمامه، ويعتمد ما رُوي من أحاديث في هذا الصدد، ويؤول هو وابن العربي الحديث الذي يعتمده جمهور الفقهاء دليلاً على نجاسة لعاب الكلب…

5- البيع وقت الجمعة:

يقول الله تعالى….

6- الحج عن الغير:

يقول الله تعالى…

القرطبي – إذن – كما رأينا في هذه الأمثلة وفي غيرها كثير – مالكي المذهب، وإن كان مجتهداً قد يرى الحق عند غيره، وأولى بأن تفسر به الآيات”. انتهى.

67- قال مشهور (ص176-178): “الخامس: ومما يؤكد مذهبية الإمام القرطبي أنه التزم أصول المالكية، ومن بينها تلك الأصول التي أخذوا بها ولم يأخذ بها غيرهم، إذ يدافع عنها في تفسيره وينتصف لها.

فمثلاً تعرّض لحجيّة مفهوم الخطاب – وهو إثبات حكم المنطوق به للمسكوت عنه بطريق الأولى – واعتبره حجّة، وهذا هو المعتمد عند فقهاء المالكية، فقال في تفسير قول الله تعالى: {ومن أهل الكتاب مَنْ إنْ تأمنه بقنطار يؤدّه إليك ومنهم منْ إن تأمنه بدينارٍ لا يؤدّه إليك إلا ما دمت عليه قائماً ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأمّيين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون}؛ ((أخبر تعالى أن في أهل الكتاب الخائن والأمين، والمؤمنون لا يميزون ذلك، فينبغي اجتناب جميعهم. وخصّ أهل الكتاب بالذكر وإن كان المؤمنون كذلك، لأن الخيانة فيهم أكثر، فخرج الكلام على الغالب)) ثم قال: ((ومَن حفظ الكثير وأدّاه فالقليل أولى، ومَن خان في اليسير أو منعه فذلك في الكثير أكثر)) ثم ابتدر بهذه المناسبة لذكر مفهوم الخطاب وحجيته، فقال: ((وهذا أدلّ دليل على القول بمفهوم الخطاب، وفيه بين العلماء خلاف كثير مذكور في أصول الفقه)) [توثيق حاشية: الجامع لأحكام القرآن: (4/116)].

وكان الإمام القرطبي قد أشار قبل ذلك إلى أن مذهب الكوفيين عدم اعتبار مفهوم الخطاب. وذلك في تفسير قوله تعالى: {ولا تكونوا أول كافر به}. فقال: ((لا حجة في هذه الآية لمن يمنع القول بدليل الخطاب، وهم الكوفيون ومن وافقهم؛ لأن المقصود من الكلام النهي عن الكفر أولاً وآخراً، وخصّ الأول بالذكر لأن التقدّم فيه أغلظ، فكان حكم المذكور والمسكوت عنه واحداً، وهذا واضح)) [توثيق حاشية: الجامع لأحكام القرآن: (1/334)]…

فهذه الأمور الخمسة تثبت لنا أن الإمام القرطبي مالكي المذهب فقهاً وأصولاً”. انتهى.

قلت: وهذا أيضاً ليس من كلام (مشهور)! وإنما هو كلام الدكتور الفرت بحروفه!!

قال د. الفرت (ص243-244): “ومما يؤكد مذهبيته أنه التزم أصول المالكية، ومن بينها تلك الأصول التي أخذوا بها ولم يأخذ بها غيرهم؛ إذ يدافع عنها في تفسيره وينتصف لها:

ففي قوله تعالى: {ومن أهل الكتاب مَنْ إنْ تأمنه بقنطار يؤدّه إليك ومنهم منْ إن تأمنه بدينارٍ لا يؤدّه إليك إلا ما دمت عليه قائماً}، يقول القرطبي: “أخبر تعالى أن في أهل الكتاب الخائن والأمين، والمؤمنون لا يميزون ذلك، فينبغي اجتناب جميعهم، وخصّ أهل الكتاب بالذكر وإن كان المؤمنون كذلك؛ لأن الخيانة فيهم أكثر، فخرج الكلام على الغالب” ثم قال: “ومَن حفظ الكثير وأدّاه فالقليل أولى، ومَن خان في اليسير أو منعه فذلك في الكثير أكثر” [توثيق حاشية: تفسير القرطبي ج4 ص116].

ثم ابتدر هذه المناسبة ليبين أن هذا من الأدلة القوية لمن يقول بمفهوم الخطاب [توثيق حاشية: مفهوم الخطاب: هو إثبات حكم المنطوق به للمسكوت عنه بطريق الأولى] الذي فيه خلاف كثير بين العلماء.

والمالكية يأخذون به ويعتبرونه حجة، أما غير المالكية فقد اختلفوا فيه – كما أشار القرطبي – فبعضهم يأخذ به في استنباط الأحكام، وبعضهم لا يأخذ به…

ولقد سار القرطبي مع المالكية – وهو منهم – في هذا الأمر، ونفى أن يكون في بعض آيات القرآن الكريم ما هو حجة لهم في منع القول بمفهوم المخالفة أو دليل الخطاب، يقول عند تفسير قوله تعالى: {وآمنوا بما أنزلت مصدقاً لما معكم ولا تكونوا أول كافر به}: لا حجة في هذه الآية لمن يمنع القول بدليل الخطاب، وهم الكوفيون ومن وافقهم؛ لأن المقصود من الكلام النهي عن الكفر أولاً وآخراً، وخصّ الأول بالذكر لأن التقدّم فيه أغلظ، فكان حكم المذكور والمسكوت عنه واحداً، وهذا واضح” [توثيق حاشية: تفسير القرطبي ج1 ص334].

وغير هذا كثير في تفسير القرطبي مما يثبت لنا أنه مالكي المذهب فقهاً وأصولاً…”. انتهى.

68- قال مشهور (ص178-179): “ومن أهم مميزات شخصية الإمام القرطبي العلمية.

* أمانته العلمية وموضوعيته، ولين جانبه، وعفّة لسانه، وسهولة ورقّة عبارته، وحُسْن فهمه ومناظرته وتصنيفه وتفريعه وعرضه للمسائل.

الذي ينبغي أن نسجله هنا للقرطبي بكل التقدير والإجلال هو أمانته العلمية… ومما يسجل للقرطبي بكل الفخر والتقدير أيضاً: سماحته، وسعة صدره، واتساع أفقه أمام مخالفيه…”. انتهى.

قلت: طالما أنك تتكلم عن الأمانة العلمية، فأين أمانتك أنت العلمية؟!!! مثلك لا ينبغي أن يتكلم عنها، وهو غارق في مخالفة ذلك بالسرقة وأكل حقوق الآخرين!!

ثم إن هذه الصفات التي ذكرتها هي من تأصيل الدكتور الفرت في كتابه (ص66-75)، وقد مضى الكلام على كثيرٍ منها.

قال د. الفرت (ص66): “ومن هذه الصفات التي استشفها الباحث من خلال ما كتب الرجل وبخاصة تفسيره “الجامع لأحكام القرآن”.. ما يأتي:

1- أن الإمام القرطبي كان عف اللسان، رقيق العبارة، حسن المناظرة، ونلمس ذلك واضحاً في مناقشته الذين خالفوه الرأي في بعض المسائل والأحكام…”.

ثم قال (ص70): “2- أن الإمام القرطبي كان متزناً في آرائه وأحكامه، بعيداً عن التعصب لرأيه أو لمذهبه…”.

ثم قال (ص73): “4- أن الإمام القرطبي كان يلتزم الأصول العلمية…”انتهى.

69- قال مشهور (ص179-181) تحت عنوان: (موقفه من حملات ابن العربي على مخالفيه): “نجد القرطبي – رحمه الله – كثيراً ما تدفعه الأمانة العلمية والإنصاف إلى أن يقف موقف الدفاع عمّن يهاجم ابن العربي المالكي من المخالفين؛ مع توجيه اللوم إليه أحياناً، على ما يصدر منه من عباراتٍ قاسيةٍ في حقّ علماء المسلمين؛ الذاهبين إلى ما لم يذهب إليه، وإليك بعض الأمثلة:

1- عندما تعرض لتفسير قوله تعالى: {ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكراً ورزقاً حسناً} نراه يعيب على ابن العربي تشنيعه على من يقول من الحنفية وغيرهم بحلّ النبيذ، وجعله إياهم مثل أغبياء الكفار، على الرغم من أن القرطبي يوافق ابن العربي في رأيه بالحرمة، إلا أنه لم يعجبه منه قسوة التعبير، فقال: ((وهذا تشنيع شنيع، حتى يلحق فيه العلماء الأخيار في قصور الفَهم بالكفّار)) [توثيق حاشية: الجامع لأحكام القرآن: (10/130)].

ب- وعندما تعرض لتفسير قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم}، نقل عن ابن العربي قوله: ((اعتقد قوم من الغافلين تحريم أسئلة النوازل حتى تقع تعلقاً بهذه الآية)) وعلى الرغم من موافقة القرطبي له في رأيه إلا أنه علّق عليه بقوله: ((اعتقد قوم من الغافلين فيه قبح، وإنما كان الأولى به أن يقول: ذهب قوم إلى تحريم أسئلة النوازل، وإنما قلنا: كانت أولى به، لأنه قد كان قوم من السلف يكرهها)).

جـ- وعندما تعرض لتفسير قوله تعالى: {وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل}، قال: ((ورجّح الطبري…)) ثم نقل عن ابن العربي أنه قال: ((والعجب من الطبري…)) ثم تعقبه القرطبي بقوله…”. انتهى.

قلت: هذا العنوان استفاده (مشهور) من كلام د. القصبي، وكذلك المثال الأول والثاني، وأما الثالث فهو زيادة منه. وكذلك استفاد من كلام د. الفرت من خلال عرضه للمثال الأول.

قال د. القصبي زلط (ص354-357): “وكان القرطبي فوق أنه يناقش مناقشة علمية، ويعرض حجة الفقهاء بدقة وأمانة وبلا التواء أو تعصب، ويقف بجانب ما يراه حقاً وصواباً. كان فوق هذا كلّه عفَّ اللسان لم يتطاول على مخالفيه أو يجرحهم…

ولقد كان ابن العربي يقسو في أحيان كثيرة على من خالف مذهبه، ويحمل عليهم فكان القرطبي يرد عن العلماء هذه الحملات ويبين أن هذا المسلك لا يليق بالعلماء. وفي الكتاب شواهد كثيرة تؤيد ذلك.

ففي قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} الآية.. يقول في المسألة الثالثة: قال ابن العربي قوله: ((اعتقد قوم من الغافلين تحريم أسئلة النوازل حتى تقع تعلقاً بهذه الآية وليس كذلك لأن هذه الآية مصرحة بأن السؤال المنهي عنه إنما كان فيما تقع المساءة في جوابه. ولا مساءة في جواب نوازل الوقت فافترقا)). ورغم أن القرطبي وافق ابن العربي في رأيه. فإنه ردّ عليه قسوة هذا التعبير فقال: ((قلت: قوله: اعتقد قوم من الغافلين فيه قبح، وإنما كان الأولى به أن يقول: ذهب قوم إلى تحريم أسئلة النوازل، لكنه جرى على عادته)).

ثم بدأ القرطبي بعد أن انتقد هجوم ابن العربي يصحح ما ذهب إليه.

فالقرطبي وإن ارتضى مذهب ابن العربي ورأيه إلا أنه لم يرتض هجومه وتطاوله فانتقده ورد عن العلماء هذا التطاول.

وفي قوله تعالى {ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكراً ورزقاً حسناً} يبين القرطبي لابن العربي. كيف تكون المناقشة وكيف تبنى على الإقناع لا على الثورة والغضب؟ ولا يمنعني أن أذكر هذه المناقشة العلمية الرائعة إلا خوف التطويل فمن أرادها فليراجعها”. انتهى.

وقال د. الفرت (ص68-69): “ومما يدل على سمو أخلاق القرطبي وأدبه الجم في عرض آرائه وحسن حواره مع مخالفيه أنه أنحى باللائمة على أولئك الذين يسلقون مخالفيهم بألسنة حداد، ولو كان أحد هؤلاء ابن العربي الذي يعتبر شيخه أو من أهم مصادره العلمية، ودليل ذلك ما جاء في تفسيره قول الله (تعالى): {ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكراً ورزقاً حسناً}، إذ عرض القرطبي (رحمه الله) الأقوال التي قيلت في معنى “سكراً”…

وأتبع القرطبي رأي الحنفية بمناقشة “ابن العربي” لهم…

وهنا تبدو رقة القرطبي (رضي الله عنه)؛ إذ يعقب على ابن العربي قوله هذا، ويبدي رأيه صريحاً في ذلك فيقول: “هذا تشنيع شنيع حتى يلحق فيه العلماء الأخيار في قصور الفهم بالكفار…”. انتهى.

70- ذكر مشهور في الفصل الأخير (الفصل السابع) (القرطبي والمذاهب والفرق) (ص187-237)، وتحدّث عن رد القرطبي على الصوفية والشيعة، وأتى بأمثلة على ذلك من كتاب التفسير، وأدخل في ثنايا هذا البحث تقسيمات – من كتب العقائد – لا طائل لذكرها في كتابه!

وهذا الفصل – وإن أطال فيه بذكر الأمثلة فقط  الموجودة في كتاب القرطبي والوصول إليها سهل – هذا الفصل مُستفادٌ من كلام الدكتور الفرت في كتابه، فإنه عقد الفصل الخامس (المذهب الكلامي للقرطبي) (ص100-124)، وناقش في هذا الفصل أربعة مسائل تتعلق بكافة الفرق الكلامية (وهي: الإمامة، أفعال العباد، الإيمان والعمل، رؤية الله تعالى يوم القيامة)، ولم يقتصر على الشيعة فقط كما فعل مشهور، وتحدَّث عن رد القرطبي على الصوفية أيضاً.

ومع هذا، فإن (مشهور حسن) لم يُشر إلى هذا، وقد ضمّن ما أورده كلاماً للدكتور الفرت – كما سأبينه -، وكان ينبغي ردّ الفضل إلى أهله، فبيان رد القرطبي على أهل البدع ومنهم الشيعة والمتصوفة فكرة الدكتور الفرت، ولكن (مشهوراً) سرقها كعادته، بل ألّف كتابين في هذا، وهما: (ردود القرطبي على الشيعة، مكتبة السوادي، 1412هـ)، ثم أعاد طبعه في دارهم الأثرية! و(القرطبي والتصوف، دارالكتب الأثرية، الأردن)، وكلاهما نُقولٌ يحسن جمعها أي طالب علم مبتدئ !!

والحقّ أن بيان الدكتور الفرت للمسائل التي عرضها القرطبي في كتابه فيما يتعلق بأصحاب المذاهب الكلامية كان رائعاً وموفقاً ومنظماً ومرتباً، وذلك؛ لأنه صادرٌ من إنسان يدري ويعي ما يقول، بخلاف من يسرق وينتحل ما ليس له، حيث يظهر ذلك في نثره للمعلومات دون ترتيب ودون ترابط (كسارق المتاع) والقاسم المشترك بينهما هو (السرعة والفرار من مسرح الجريمة)، والفرق بينهما أن سارق المتاع يبيع ما يسرقه في (سوق الحرامية)، وأما سارق الكتب فإن كتبه تُباع لدور النشر ومنها إلى الطيبين من طلبة العلم؛ الفقراء منهم والأغنياء!!

ومع هذا فإن (مشهور حسن) قد ضمن هذا الفصل بعض القضايا التي طرحها الدكتور الفرت، ثم ختم كلامه على هذه الفرق بالكلام نفسه الذي ختم به الدكتور كما سيأتي.

71- قال مشهور (ص187): “القرطبي والمذاهب والفرق”، ثم عنون: “ردود القرطبي على الصوفية”، ثم: “ردود القرطبي على الشيعة” انتهى.

قال د. الفرت (ص100): “المذهب الكلامي للقرطبي” ثم قال: “أولاً: موقفه من الفرق الإسلامية”، ثم: “ثانياً: موقفه من المتصوفة”.

72- قال مشهور (ص187): “مما لا شك فيه أن لعقيدة الإنسان أثراً مهماً في سلوكه، وبناء شخصيته، وظهور ذلك عليه، وعلى من حوله، لا سيما إذا كان من العلماء البارزين الذين يؤخذ عنهم” انتهى.

قال د. الفرت (ص100): “لا شك في أن عقيدة الإنسان تؤثر – بشكل أو بآخر – فيما يصدر عنه من أقوال وأفعال في حياته…”. انتهى.

73- قال مشهور (ص212-215) وهو يتكلم عن (الإمامة): “ولعل هذه القضية من أهم القضايا التي تناولها المسلمون بالحوار، واختلفت بهم السبل بسببها، حتى صار لكلّ الفِرَق رأي فيها، ولا نغرب إذا قلنا: إن الخلاف حولها كان سبباً في نشأة الفرق العديدة بين المسلمين، حتى قال الشهرستاني: ((ما سُلّ سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سُل على الإمامة في كل زمان)) [توثيق حاشية: الملل والنحل: (1/22) على هامش ((الفصل))] قال القرطبي: …

فذهبت الإمامية وغيرها إلى أن الطريق الذي يعرف به الإمام هو النص من الرسول عليه السلام ولا مدخل للاختيار فيه.

وعندنا: النظر طريق إلى معرفة الإمام…في غير معين…

وردّ على استدلال الإمامية بالأحاديث التي فيها النص على عليّ…” انتهى.

قال د. الفرت (ص104-107) وهو يتكلم عن (الإمامة): “لعل هذه القضية من أهم القضايا التي تناولها المسلمون بالحوار، واختلفت بهم السبل بسببها، حتى صار لكلّ الفِرَق رأي فيها، ولا نغرب إذا قلنا: إن الخلاف حولها كان سبباً في نشأة الفرق العديدة بين المسلمين… قال الشهرستاني: “ما سُلّ سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سُل على الإمامة في كل زمان” [توثيق حاشية: الشهرستاني: الملل والنحل ج1 ص22 على هامش الفصل لابن حزم].

… أما كيفية اختيار الإمام وتنصيبه فقد أورد القرطبي رأي الإمامية في ” أن الطريق الذي يعرف به الإمام هو النص من الرسول عليه السلام ولا مدخل للاختيار فيه” وبين أن هذا الرأي يخالف رأي أهل السنة فقال: “وعندنا: النظر طريق إلى معرفة الإمام…في غير معين…

وقد ناقش بعد ذلك فهم الإمامية الخاطئ للأحاديث النبوية الشريفة التي تصوروها حجة في النص على عليّ…”. انتهى.

قلت: فأين الأمانة العلمية يا (مشهور)؟!!

74- قال مشهور (ص225-226) تحت عنوان: (الرد على الإمامية في زعمهم أن الإنسان خالق أفعال الشر التي يعملها): “وقال أيضاً: ((وفي قوله – تعالى – {صراط الذين أنعمت عليهم} ردٌّ على القدرية والمعتزلة والإمامية؛ لأنهم يعتقدون أن إرادة الإنسان كافية في صدور أفعاله منه؛ طاعة كانت أو معصية؛ لأن الإنسان عندهم خالق لأفعاله، فهو غير محتاج في صدورها عنه إلى ربّه.

وقد أكذبهم الله – تعالى – في هذه الآية، إذ سألوه الهداية إلى الصراط المستقيم، فلو كان الأمر إليهم، والاختيار بيدهم –دون ربهم -؛ لما سألوه الهداية، ولا كرّروا السؤال في كل صلاة.

وكذلك تضرعهم إليه في دفع المكروه، وهو ما يناقض الهداية حيث قالوا: {صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين}.

فكما سألوه ألا يضلّهم، وكذلك يدعون فيقولون: {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا} الآية)) [توثيق حاشية: الجامع لأحكام القرآن: (1/149)]انتهى.

قال د. الفرت (ص110-111) تحت عنوان: (أفعال العباد): “ويرى في قوله تعالى {اهدنا الصراط المستقيم} ردّاً على القدرية والمعتزلة والإمامية؛ لأنهم يعتقدون أن إرادة الإنسان كافية في صدور أفعاله منه طاعة كانت أو معصية؛ لأن الإنسان عندهم خالق لأفعاله، فهو غير محتاج في صدورها عنه إلى ربّه.

وقد بيّن أن الرد عليهم يكمن في أن الله سبحانه أكذبهم في هذه الآية، إذ سألوه الهداية إلى الصراط المستقيم، فلو كان الأمر إليهم، والاختيار بيدهم دون ربهم لما سألوه الهداية، ولا كرّروا السؤال في كل صلاة.، وكذلك تضرعهم إليه في دفع المكروه، وهو ما يناقض الهداية حيث قالوا: {صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين}. فكما سألوه ألا يضلّهم. [توثيق حاشية: تفسير القرطبي: ج1 ص149].

ثم إنه يستمر في إلزام المعتزلة الحجة عندما يفسر قوله تعالى: {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا}…” انتهى.

75- وختم مشهور كلامه (ص236-237) تحت عنوان: (القرطبي والفرق الأخرى) بقوله: “ولم يقتصر الإمام القرطبي على عرض آراء الشيعة والرد عليهم، بل استعرض آراء الفرق الإسلامية المختلفة التي ظهرت منذ عهد الخلفاء الراشدين حتى عصره، فلقد وضح – مما سبق – أن الإمام القرطبي أنحى باللائمة على مخالفي أهل السنة والجماعة، فاعتبر الخوارج والمعتزلة ومعهم الشيعة مبدّلين ومبتدعين، ولذلك ألزم نفسه بدفع شبهاتهم، وردّ مطاعنهم، وذلك قوله في مطلع ((تفسيره)): ((فلما كان كتاب الله هو الكفيل بجميع علوم الشرع الذي استقلّ بالسنة والفرض، ونزل به أمين السماء إلى أمين الأرض، رأيت أن أشغل به مدى عمري، وأستفرغ فيه منيتي، بأن أكتب تعليقاً وجيزاً يتضمن نكتاً من التفسير والقراءات، والرد على أهل الزيغ والضلالات.

وقد وفّى الإمام القرطبي أبو عبدالله بما وعد، فقد أسهب في بيان معايب الصوفية، وفساد مذهب الغلاو منهم، وكذلك تتبع عورات الشيعة، في قضايا عقدية وفقهية عديدة، ورد عليهم – وعلى غيرهم – من القدرية والمعتزلة والخوارج والمرجئة والكرامية والحلولية والزنادقة والقرامطة، والقائلين بالطبع، إلى غيرها من الفرق، التي لا نستطيع في مثل هذا البحث أن نتتبع مناقشاته لهم في آرائهم لإبطال حججهم الواهية، رغبةً منه في ردّهم عن غيّهم، إلى واضحة أهل السنة والجماعة” انتهى.

قلت: وهذا هو كلام الدكتور الفرت بحروفه! فأين الأمانة العلمية؟!!

قال د. الفرت (ص100): “وسيعرض البحث – في هذا الإطار – موقف الإمام القرطبي من آراء الفرق الإسلامية المختلفة التي ظهرت منذ عهد الخلفاء الراشدين حتى عصره، ونعرض كذلك رأيه في المتصوفة الذين انتشرت جماعاتهم، وسيطروا على عقول العامة إبان الحقبة التاريخية التي عاش فيها”.

ثم قال (103): “لقد وضح – مما سبق – أن الإمام القرطبي أنحى باللائمة على مخالفي الجماعة الإسلامية من الفرق المختلفة، واعتبرهم مبدّلين ومبتدعين، ولذلك ألزم نفسه بدفع شبهاتهم، وردّ مطاعنهم، وذلك قوله في مطلع تفسيره: “فلما كان كتاب الله هو الكفيل بجميع علوم الشرع الذي استقلّ بالسنة والفرض، ونزل به أمين السماء إلى أمين الأرض، رأيت أن أشغل به مدى عمري، وأستفرغ فيه منتي، بأن أكتب تعليقاً وجيزاً يتضمن نكتاً من التفسير والقراءات، والرد على أهل الزيغ والضلالات”.

ثم قال (ص119): “وبعد، فإن ما سبق عرضه من قضايا… وقد وجدناه في كل قضية يعرضها فارس حلبتها يرد في هدوء العلماء، ورزانة الفضلاء – آراء مخالفي أهل السنة من أهل الفرق المختلفة، سواء أكانوا من الشيعة، أم الخوارج، أم المعتزلة، أم المرجئة، وهو يرد كذلك آراء الفرق التي لم يكن لها شأن الفرق السابقة، أو كانت منتمية إليها بشكل أو بآخر مثل: الكرامية، والجهمية، والحلولية، والحشوية، والزنادقة، والقرامطة، والمجسمة، والقائلين بالطبع، إلى غيرها من الفرق التي لا نستطيع في مثل هذا البحث أن نتتبع مناقشاته لهم في آرائهم لإبطال حججهم الواهية؛ رغبةً منه في ردّهم عن غيّهم، إلى واضحة أهل السنة والجماعة” انتهى.

76- ختم مشهور كتابه (ص240) بقوله: “رحم الله إمامنا القرطبي، ورضي عنه، وأجزل مثوبته…

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات…”.

قلت: وحتى هذه سرقها من د. الفرت!!

قال د. الفرت (ص124): “رحم الله الإمام القرطبي وأجزل مثوبته”.

وختم كتابه (ص349) فقال: “والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات…”.

قلت: حتى النقاط بعد (الصالحات…) سرقها (مشهور)!!

وبعد، فهل بعد هذا الظلم ظلم (يا مشهور)؟!!! سرقت كلّ جهد الدكتور الفرت، وبعض جهد الدكتور القصبي، وسرقت من غيرهما أيضاً، ثم تقول: (الحمد الله الذي بنعمته تتم الصالحات…) وهل السرقة من الصالحات؟! وأقول – مستدركاً -: لعلّ مشهوراً قصد بالصالحات: ما يصلح به أمور دنياه.. فهو بهذه الكتب التي يتكسب ببيعها يبني القصور الباسقة، ويزرع أشجار النخيل السامقة، والتي أصبح يتنافس هو وأصحابه بكثرة عددها أمام قصورهم !! ولكن.. أين صالحات الدنيا من صالحات الآخرة؟!!

والله، لو اختصرت كتاب الدكتور الفرت، لقلنا أنك فعلت شيئاً، ولكن سطوت على كتابه ونسبته لنفسك، فتحصّل عندنا (نسخة ثانية) ولكنها (غير كاملة) و (غير منظمة)، والأصل أحسن منها بكثير؛ وذلك لأن صاحب الأصل يعرف ما يقول وقد بذل جهداً كبيراً فيه، وصاحب (النسخ) (سرّاق) لا يعي ما يسرق!!!

وعليه فماذا نقول في قول (مشهور) في مقدمة كتابه (ص10): “وقد آثرت في دراستي لشخصية الإمام القرطبي وآثاره – ولا سيما التفسير منها – أن أرسم الصورة العامة لمنهجه، وأن أكتفي بأمثلة من كتبه، لأن استيعاب آرائه أو التوسع في ضرب الأمثلة يخرج بالدراسة عن التعريف بالرجل وآثاره – وهذا ماكنت حريصاً عليه – إلى تلخيص كتبه وإيجاز آرائه. أما المصادر التي رجعت إليها فهي مؤلفات القرطبي، وكل ما وقع تحت يدي من الكتابة عنه.

وأخيراً.. وليس آخراً.. إني إذ أقدم هذه الدراسة أرجو أن تكون جديرة بالعناية من قِبل طلبة العلم وأهله. وأرجو أن تفتح عليهم آفاقاً في المزيد من كشف المخبوء والمجهول عن هذا الإمام ومصنفاته وآثاره التي غرسها في حقل المعرفة فكانت شجرات مثمرات، لا تتخلف ثمارها على دوران الفصول، ولا يعتريها نقصان من كثرة القاطفين على تتابع الأجيال والعصور”؟!!!

قلت: قد حققَ الله رجاءك (يا مشهور) فوجدت من طلبة العلم من اعتنى (بدراستك هذه) (فكشف المخبوء والمجهول).. ولكن ليس عن القرطبي، وإنما (عنك)!!

وأخيراً أتوجه بالاعتذار عما قاله السيد محمد علي دولة عن هذا الكتاب! لأنه لم يعرف أنه مسروق! ولو عرف لقال كلمة الحق، وكذلك الناشر لهذا الكتاب (دار القلم)!!

قال السيد دولة: “وهذا الكتاب يكشف عن شخصية هذا الإمام الفذ، ويدرس أحوال عصره وعلاقته بها تأثراً وتأثيراً، ويستقصي إنتاجه العلمي، ويدرس نماذج من مواقفه الفقهية والسياسية والدينية. ودار القلم إذ تنشره تتمنى للقارئ الانتفاع به، وللكاتب: الأجر الكريم من الله على جهده”.

أقول: وبعد أن كشفت سرقة الكاتب! فماذا تقول (دار القلم)؟!!

تكشَّفَ كُلُّ مخبوءٍ لَدَيْـنَــــــاْ          وباتَ الحقُّ عنواناً وديْـنَـــاْ

فذي سَرقاتُ مشهور توافتْ          فطالعها ترى زوراً وَمَيْـنَــاْ

ترى فيها العجائب ناطقـاتٍ          ترى مشهورَ غشّاشاً خَؤُنَـاْ

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

وكتب: خالد الحايك – عفا الله عنه –

يوم عاشوراء من المحرّم لسنة 1430هـ.

رابط :

http://www.addyaiya.com/uin/arb/Viewdataitems.aspx?ProductId=282

عن مركز القلم للأبحاث والدراسات

يهتم مركز القلم بمتابعة مستقبل العالم و الأحداث الخطرة و عرض (تفسير البينة) كأول تفسير للقرآن الكريم في العالم على الكلمة وترابطها بالتي قبلها وبعدها للمجامع والمراكز العلمية و الجامعات والعلماء في العالم.

شاهد أيضاً

دوتش فيليا : تهديد لأوروبا.. شولتس يحذر من تنامي نفوذ اليمين الشعبوي

DW : حذر المستشار أولاف شولتس خلال مؤتمر الاشتراكيين الأوروبيين من تعاظم نفوذ اليمينيين الشعبويين …

اترك تعليقاً