مع أكبر خفض من نوعه للانتاج النفطي منذ ذروة جائحة كورونا قبل عامين، يعيد تحالف “أوبك+” صياغة مفهوم قيادة الأسواق وتفعيله، وهو أحد المفاهيم الأساسية التي قامت من أجلها منظمة “أوبك” قبل أكثر من 60 عاماً، والذي يسعى إلى ضبط توازن أسواق النفط بين الانتاج والاستهلاك مع سعر جيد لكلا الطرفين. ورغم الانزعاج الشديد للبيت الأبيض الذي رأى أن قرار الخفض يتعارض مع مصالحه المباشرة، مضى التحالف قدماً في تثبيت أقدامه كلاعب أول في قيادة الأسواق.
وخلال اجتماع هو الأول من نوعه حضورياً في فيينا، اتفق أعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وشركاؤهم في إطار تحالف “أوبك+” الأربعاء على خفض في الانتاج بمقدار مليوني برميل يومياً اعتباراً من تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.
وسريعاً ادّعت الولايات المتحدة أن القرار سيضر الدول التي تعاني أصلاً من ارتفاع أسعار الخام، كما اتهمت دول التحالف بـ”تسييس القرار” لمساندة روسيا… لكن وزير الطاقة السعودي عبد العزيز بن سلمان أكد بما لا يدع مجالاً للشك بعد الاجتماع أن أولوية “أوبك+” هي “الحفاظ على سوق نفط مستدام”.
ووفق محللين ومراقبين، فإن موقف إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن يُعد “مسيّساً” أكثر من موقف أوبك، فبالفعل قد يستهدف قرار التحالف رفع أسعار الخام التي تراجعت تحت مستوى 90 دولاراً للبرميل خلال الفترة الأخيرة، وربما يؤدي ذلك إلى تفاقم التضخم البالغ في الدول المستهلكة الكبرى بخاصة في أوروبا وأميركا، وأيضاً قد يفيد الخزانة الروسية في وقت تهدف واشنطن إلى محاصرتها… لكن الرئيس الأميركي يهدف في الوقت ذاته إلى خدمة أجندة سياسية بحتة تبدأ من صوت الناخب المستهلك للبنزين قبل انتخابات نيابية هامة جداً، وصولاً إلى الحفاظ على هيبة بلاده من حيث قدرتها على فرض “عقوبات مؤثرة وموجعة” في وجه الغريم الجيوسياسي، موسكو.
وقال البيت الأبيض في بيان وقعه مستشار الأمن القومي جيك سوليفان وكبير المستشارين الاقتصاديين بريان ديس، إن بايدن “يشعر بخيبة أمل من قرار أوبك+ القصير النظر”. وأضاف أن خفض الانتاج سيضر بالدول “التي تعاني أصلاً” من ارتفاع الأسعار بينما “يتعامل الاقتصاد العالمي مع استمرار التأثير السلبي” للهجوم الروسي على أوكرانيا. أما المتحدثة باسم الرئاسة، كارين جان بيار، فقالت إن القرار “خطأ”، ويعني أن تحالف أوبك+ يقف الى جانب روسيا”.
واللافت، أن أميركا التي تنادي بالدفاع عن أمن الطاقة والأسعار الرخيصة، والمنددة كثيراً بما تقول إنه “تحكم أوبك في الأسواق”، هي ذاتها التي استغلت الأزمة الأوكرانية مؤخراً لتحقيق أرباح من أسعار الغاز.
وكان وزير الاقتصاد الألماني صريحاً في استنكاره يوم أمس الأربعاء طلب دول “صديقة”، في مقدمها الولايات المتحدة، من ألمانيا، كلفة بأسعار “خيالية” لتوريد الغاز من أجل تعويض وقف الشحنات الروسية.
وقرار “أوبك+” الذي جاء رغم تقارير تؤكد أن واشنطن مارست ضغوطاً كبيرة على دول منتجة، يضع بايدن وحزبه الديموقراطي في مأزق من خلال فتح الباب لزيادات محتملة في أسعار الوقود قبل خمسة أسابيع فقط من انتخابات التجديد النصفي التي يأمل الجمهوريون أن تمنحهم الغالبية في الكونغرس.
وأوضح بيان البيت الأبيض أن بايدن سيأمر بخفض احتياطي النفط الأميركي الاستراتيجي، ومن المقرر طرح 10 ملايين برميل في السوق الشهر المقبل في محاولة للحد من ارتفاع الأسعار… لكن الاحتياطات تنفد بسرعة بعد عمليات السحب القياسية التي أمرت بها الإدارة بدءاً من آذار (مارس) الماضي. والاحتياطيات الآن عند أدنى مستوى لها منذ تموز (يوليو) 1984، وليس من الواضح متى تخطط الإدارة لإعادة تعبئتها.
وقال البيان إن عمليات السحب المقبلة ستستمر “وفق ما يقتضي لحماية المستهلكين الأميركيين وتعزيز أمن الطاقة. وكلّف بايدن وزيرة الطاقة لبحث أي إجراءات مسؤولة إضافية لمواصلة زيادة الإنتاج المحلي في المدى القريب”. وإضافة إلى ذلك “ستتشاور إدارة بايدن مع الكونغرس حول أدوات وآليات إضافية لتقليص تحكم أوبك في أسعار الطاقة”.
في المقابل، قال نائب رئيس الوزراء الروسي، ألكسندر نوفاك يوم أمس الأربعاء إن روسيا ربما تخفض إنتاج النفط لتعويض التأثيرات السلبية في حال فرض الغرب سقفاً لسعر الخام رداً على أفعال موسكو في أوكرانيا.
وتدعو خطة تحديد سقف للأسعار، التي وافقت عليها مجموعة السبع، الدول المشاركة إلى رفض خدمات التأمين والتمويل والسمسرة والملاحة وغيرها من الخدمات لشحنات النفط المسعّرة فوق سقف أسعار لم يتم تحديده بعد على النفط الخام والمنتجات النفطية.
وقال دبلوماسيون، الشهر الماضي، إن الاتحاد الأوروبي يدرس فرض سقف على أسعار النفط يتناسب مع ذلك الذي اتفقت عليه مجموعة السبع. وقال نوفاك في تصريحات بثها التلفزيون، “نعتقد أن هذه الأداة تنتهك كل آليات السوق. قد تكون ضارة للغاية بالنسبة إلى صناعة النفط العالمية… سنكون مستعدين لخفض الإنتاج (عمداً)”.
ولم يقتصر انتقاد فكرة تحديد سقف لسعر النفط الروسي على موسكو، إذ قال الرئيس التنفيذي لشركة “توتال” إينرجيزن باتريك بويانيه أمس الأربعاء إنها “فكرة سيئة” من شأنها أن تعزز سيطرة الرئيس الروسي. وأضاف: “ما أنا واثق به هو أننا إذا فعلنا ذلك، فسيقول بوتين: “لن نبيع نفطنا”. ولن يكون السعر 95 دولاراً، بل سيكون 150 دولاراً. هذا ليس شيئاً أرغب في أن أقدمه لفلاديمير بوتين”.
وكان رئيس شركة “شلن” بن فان بيردن شكك بالاقتراح، الثلثاء الماضي، قائلاً إنه لا يفهم كيف يمكن أن تكون مثل هذه الآلية فعالة. وتابع: “سيكون التدخل في أسواق الطاقة المعقدة أمراً بالغ الصعوبة”، داعياً الحكومات إلى استشارة الخبراء قبل أن تتصرف بمفردها.
النهار العربي
أكسيوس : بايدن سيتبع سياسة أكثر حدة مع السعودية بعد قرار أوبك+
كشف موقع أمريكي أن الرئيس “جو بايدن” سيتبع سياسة جديدة للتعامل مع السعودية تعتمد على التصعيد بعد قرار مجموعة “أوبك+” بخفض إنتاج النفط، فيما قال نائب بالكونجرس إن الشعب الأمريكي لن يسمح بالتنمر عليه من قوة من الدرجة الثالثة.
وأفاد موقع “أكسيوس” في تحليل بأن “بايدن”، حاول إقناع السعودية بضخ مزيد من النفط بهدوء، لكنه مع قرار “أوبك+” الجديد، الأربعاء بخفض الإنتاج، قد يلجأ إلى أسلوب أكثر حدة.
وقال الموقع إنه مع تحذير جديد من أن البيت الأبيض، قد يدعم تشريعا يستهدف “أوبك+” في الكونجرس، تجاوز “بايدن” عتبة رمزية، وأرسل إشارة واضحة إلى السعوديين بأنه مستعد للتصعيد.
وبالنسبة لبعض الديمقراطيين، يحتاج “بايدن” إلى الذهاب إلى أبعد من ذلك، والاتصال بالملك السعودي نفسه، حسب التحليل.
وقال النائب “رو خانا” للموقع”: “يجب أن يقول له إن لديك 5 أيام للتراجع عن قرارك. إذا لم يكن الأمر كذلك، فسأعمل مع الكونجرس لتمرير حظر على توريد قطع الغيار الجوية للقوات الجوية الخاصة السعودية”.
وأضاف: “لقد طفح الكيل بالشعب الأمريكي. لن نتعرض للتنمر من قبل قوة من الدرجة الثالثة ترتكب فظائع حقوق الإنسان”، في إشارة إلى المملكة.
وكان مسؤولو الإدارة الأمريكية يتدافعون خلال عطلة نهاية الأسبوع بجهود ضغط في اللحظة الأخيرة لثني “أوبك+” عن خفض الإنتاج، ووصفوا الاحتمال بأنه “كارثة كاملة”.
وفشلت هذه الجهود وأعلنت “أوبك+”، الأربعاء، عن خفضها البالغ 2 مليون برميل يوميا المقرر في الشهر المقبل.
ويشير الموقع إلى أن البيت الأبيض رد برصاصة مزدوجة من “جيك سوليفان”، مستشار الأمن القومي، و”براين ديس”، مدير المجلس الاقتصادي الوطني.
وكان الهدف من بيانهما المشترك هو الإيحاء بأن البيت الأبيض سيغير مساره ويدعم تشريعا من الحزبين من شأنه أن يجعل منتجي النفط مسؤولين عن أي تواطؤ في الأسعار.
وقال الموقع إن اثنين من كبار مستشاري “بايدن” زارا السعودية قبل 10 أيام فقط، للتعامل مع التخفيضات المحتملة في النفط وأمن الطاقة، واعتقد عديد من المسؤولين أن الرحلة تمكنت من فتح صفحة جديدة مع السعوديين.
ونقل الموقع عن السيناتور “كريس ميرفي” (ديمقراطي من ولاية كونيتيكت)، وهو أحد كبار منتقدي السعوديين قوله: “أعتقد أن الوقت قد حان لإعادة تقييم التحالف الأمريكي مع السعودية”.
والأربعاء، اتفق أعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك” وشركاؤهم في إطار تحالف “أوبك+” على خفض كبير في حصص الإنتاج.
وأفادت المنظمة التي تضم 13 دولة وحلفاءها العشرة بقيادة روسيا، أنه جرى الاتفاق خلال اجتماعهم في فيينا على خفض في الانتاج بمقدار مليوني برميل يوميا اعتبارا من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
ويمكن أن تؤدي هذه الخطوة إلى زيادة أسعار النفط الخام، ما سيفاقم التضخم الذي وصل إلى مستويات قياسية منذ عقود في العديد من البلدان ويساهم في تباطؤ الاقتصاد العالمي.
المصدر | الخليج الجديد + وكالات