بحث وزير الخارجية الروسي “سيرجي لافروف” ووزراء خارجية من دول مجلس التعاون الخليجي، الجمعة، تعزيز العلاقات بين الجانبين، في خطوة تعكس التقارب المتصاعد بين الطرفين، مقابل التباعد بين الخليج والعالم الغربي.

جاء ذلك خلال اجتماع عقد بين الجانبين على هامش فعاليات الدورة الـ77 للجمعية العامة للأمم المتحدة الجارية بمدينة نيويورك الأمريكية.

ونقلت وكالة “تاس” الروسية عن “لافروف” قوله في اللقاء: “نعزز تعاوننا بين روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي. بحثنا الأوضاع بالتفصيل في اجتماع الرياض (مايو/أيار 2022)، وسننظر الآن في كيفية تنفيذ الاتفاقات. يسرني أن أراكم”.

وأفادت الخارجية الروسية، في بيان، بأن “لافروف” عقد لقاءً مع أعضاء “الترويكا” بمجلس التعاون الخليجي، وهم وزيرا خارجية السعودية “فيصل بن فرحان” والبحرين “عبداللطيف الزياني” ومندوب سلطنة عمان الدائم لدى الأمم المتحدة “محمد الحسن”.

وأشار البيان إلى أن الجانبين بحثا خلال اللقاء آفاق تعزيز التعاون المتنوع بين روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي، بما في ذلك تطوير الحوار السياسي وتعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية، كما تبادل الجانبان وجهات النظر حول القضايا المطروحة على الأجندتين الإقليمية والدولية.

وأعرب “لافروف” عن قناعته بأن “العلاقات متعددة الاتجاهات بين روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي ستستمر في التطور بنجاح لصالح شعوب دولنا، من أجل تشكيل بنية عادلة ومتوازنة ومستدامة للعلاقات الدولية في الشرق الأوسط ومنطقة الخليج”.

 

 

تبدل تحالفات الخليج

وأظهرت الحرب الروسية على أوكرانيا، التي اندلعت في 25 فبراير/شباط 2022، تبدلا في تحالفات دول الخليج مع القوى الكبرى في العالم المتنافسة على النفوذ بالمنطقة.

فقد رفضت دول خليجية عدة، وخاصة السعودية والإمارات، تقديم دعم صريح للعقوبات الغربية على روسيا جراء تلك الحرب.

وفي تقرير نشرته صحيفة “إندبندنت” البريطانية في 9 أبريل/نيسان 2022، تحت عنوان “لماذا تختار دول الخليج معسكر بوتين في حرب أوكرانيا؟”، اعتبر الكاتب “بورزو دراجاهي” أن دول الخليج لم تساند حلفاءها الغربيين بعد هجوم روسيا على أوكرانيا.

وقال “دراجاهي”: “لم يتمكن الغرب من الاعتماد على تصويت الإمارات في الأمم المتحدة لإدانة الغزو. وخلال التصويت في 6 أبريل/نيسان 2022 على تعليق عضوية موسكو في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بعد جرائم الحرب المزعومة في أوكرانيا، امتنعت جميع دول الخليج عن التصويت”.

وأضاف أن الغرب “لم يتمكن من حمل دول الخليج على زيادة إنتاج النفط والغاز لتجنب آثار إبعاد النفط الروسي عن الأسواق. ولم يتمكن من إقناعها بالالتزام بالعقوبات”.

ورأى الكاتب أن “ازدواجية موقفها (دول الخليج) تجاه الموقف المتشدد الذي اتخذه الغرب بشأن الغزو الروسي لأوكرانيا يؤكد أيضاً على نجاح الكرملين في بناء طرق الشرق الأوسط على مدى العقد الماضي”.

وأوضح وجهة نظره بالقول: “تتمتع موسكو بعلاقة وثيقة بشكل خاص مع الإمارات، ويشترك البلدان في مناورات خارجية عبر أفريقيا والشرق الأوسط. وفي غضون ذلك، تسعى الولايات المتحدة جهرا ونشطا إلى فك الارتباط في الشرق الأوسط”.

وقال إن “العلاقات بين روسيا والخليج أعمق مما يتخيله الكثيرون في واشنطن”.

وأضاف: “يُزعم أن الإمارات استأجرت مجموعة مرتزقة فاجنر المرتبطة بالكرملين لإجراء عمليات قتالية لدعم القائد العسكري خليفة حفتر في ليبيا، وهي علاقة تشير إلى تعاون أمني بعيد المدى على أعلى المستويات”.

وقال الكاتب إن “أمير الحرب الشيشاني الروسي رمضان قديروف الذي يُزعم أنه يحتفظ بفيلا بقيمة 7 ملايين دولار في دبي، وفر التدريب العسكري للقوات المسلحة الإماراتية وعمل كمبعوث من الكرملين لدى أنظمة استبدادية في العالم الإسلامي”.

وأضاف أن الإمارات “استثمرت الملايين في مشاريع تنموية في الشيشان، بما في ذلك مول جروزني الضخم وبرج أخمات الفاخر المكون من مئة طابق”.

ودافعت الإمارات عن تصويتها في مجلس الأمن من خلال الإصرار على أن “الانحياز لأي طرف (في الحرب الروسية على أوكرانيا) لن يؤدي إلا إلى مزيد من العنف”.

ورأى “دراجاهي” أن “قيادة أبوظبي تشعر على الأرجح أنها تستطيع الإفلات بدرجة كبيرة من الانحراف عن الخط الأمريكي بعد التوقيع على اتفاقيات أبراهام التي ترعاها الولايات المتحدة، والتي أدت إلى تطبيع علاقاتها مع إسرائيل وحصلت على استحسان المشرعين المؤيدين لإسرائيل في واشنطن”.

وبحسب الكاتب، “ظلت العلاقات بين السعودية وواشنطن فاترة منذ بداية رئاسة جو بايدن. وأثناء ترشحه لمنصب الرئيس، وصف بايدن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بأنه ديكتاتور وحشي. كما تعارض الرياض جهود واشنطن لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015 مع إيران، العدو اللدود للسعودية”.

وأضاف أن “هناك أيضا مصالح اقتصادية معينة. على الرغم من أن روسيا ليست عضوا في أوبك، إلا أنها شريك في كارتل النفط ويمكن أن تقلب توقعات الأسعار من خلال زيادة الإنتاج أو خفضه. وتشارك الإمارات وروسيا في الموانئ ومشاريع البنية التحتية الأخرى في جميع أنحاء أفريقيا”.

كما تحدث عن “تقارب أيديولوجي بين بوتين ودول الخليج”.

وأوضح: “تشعر روسيا وشبه الجزيرة العربية بالريبة تجاه الديمقراطية … وتسعى للسيطرة الكاملة على وسائل الإعلام والحياة المدنية. وفي الوقت نفسه، من المحتمل أن تكون أي صفقة – سواء كانت اقتصادية أو جيوسياسية – مع الولايات المتحدة أو أوروبا محفوفة باهتمام وسائل الإعلام والتدقيق العام لسجلات حقوق الإنسان في الخليج”.

وتابع أن “هناك تصورا أيضاً بأن روسيا تقف إلى جانب حلفائها على مدى عقود، كما دعمت بشار الأسد في سوريا، بينما الولايات المتحدة متقلبة وغير موثوقة، كما حدث عندما سمحت لحسني مبارك بالسقوط في عام 2011”.

 

 

استياء خليجي من سياسات أمريكا 

تحليل آخر نشرته صحيفة “فايننشال تايمز” في 1 مارس/آذار 2022 بعنوان “حياد دول الخليج تجاه أوكرانيا يعكس عمق العلاقات مع روسيا”، حاول تفسير سبب اصطفاف السعودية والإمارات إلى جانب روسيا في عدوانها على أوكرانيا.

وفي هذا الصدد، قال التحليل: “كان رد فعل معظم دول الخليج، التي اعتبرت الولايات المتحدة على مدى عقود ضامنا لأمنها، صامتا أثناء محاولتها اتباع موقف محايد للحفاظ على التعاون مع موسكو في القضايا الجيوسياسية والطاقة، مع تجنب الاتهامات الغربية بأن رفض إدانة روسيا يرقى إلى مستوى الدعم للغزو”.

وأضاف: “تعتقد كل من الإمارات والسعودية أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة تنفصل عن الشرق الأوسط.. لقد عبّروا عن استيائهم من سياسات الولايات المتحدة في أكثر من مناسبة”.

وتابع: “في المقابل، كان بوتين أحد قادة العالم القلائل الذين احتضنوا الأمير محمد بن سلمان بعد أن تم إلقاء اللوم عليه على نطاق واسع في مقتل جمال خاشقجي عام 2018 على يد عملاء سعوديين”.

ولفت التحليل إلى أن “السعودية التي لم تصدر بيانات بشأن الغزو الروسي لأوكرانيا، شاركت مصالح الطاقة مع موسكو لأنها اللاعب الرئيسي في أوبك، التي انضمت إليها روسيا في عام 2016”.

وتابع: “على الرغم من ارتفاع أسعار النفط فوق 100 دولار للبرميل، قاومت الرياض الضغوط الأمريكية لضخ المزيد من النفط، بينما يقول محللون إنها تعتقد أن زيادة الإمدادات لن تحدث فرقا يذكر”.

وقال المعلق السعودي “علي الشهابي”، في هذا الصدد، إن الولايات المتحدة “أرسلت إشارات وإجراءات متعددة” أن تحالفها مع المملكة لم يعد علاقة يمكن أن تعتمد عليها الرياض.

وأضاف: “من هنا قرر القادة السعوديون أن عليهم بناء تحالفات وعلاقات متعددة مع القوى الكبرى الأخرى، لا سيما الصين وروسيا”.

كما رأى “الشهابي” أن الرياض استثمرت بكثافة في بناء العلاقات مع موسكو، واعتبرت أوبك علاقة إستراتيجية مهمة لـ “شريان الحياة” لاقتصاد المملكة، النفط.

واعتبر أن روسيا “أثبتت أنها تتذكر أصدقاءها وأيضا أعداءها وأن اتفاقية أوبك التي وقعتها المملكة ستلتزم بها القيادة السعودية بشدة. لدى السياسيين الغربيين ذاكرة قصيرة. القادة السعوديون ليسوا كذلك”.

المصدر | الخليج الجديد