للعام الثاني على التوالي، قررت إدارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن”، حجب 130 مليون دولار من المساعدات العسكرية المخصصة لمصر، بسبب عدم امتثال السلطات المصرية لشروط حقوق الإنسان التي وضعتها وزارة الخارجية الأمريكية.

وكشفت مصادر أمريكية مطلعة لصحيفة “واشنطن بوست”، أن واشنطن ستفرج عن مساعدة منفصلة بقيمة 75 مليون دولار، بسبب خطوات القاهرة للإفراج عن السجناء السياسيين.

ونقلت الصحيفة عن المصادر، القول إن هذا القرار يظهر محاولة إدارة “بايدن” ممارسة ضغط مستمر على حكومة الرئيس “عبدالفتاح السيسي” بسبب سجلها الحقوقي السيئ مع مكافأة الخطوات التدريجية من قبل حليف حاسم في الشرق الأوسط.

ولا يؤثر القرار إلا على حصة صغيرة من التمويل العسكري السنوي البالغ 1.3 مليار دولار الذي تقدمه الولايات المتحدة منذ فترة طويلة لمصر التي لا تزال علاقتها مع إسرائيل حجر الزاوية في نهج واشنطن تجاه المنطقة.

ويخضع هذا الجزء من المعونة لتقييم الكونجرس المتعلق بحقوق الإنسان وسيادة القانون، وفق الصحيفة.

 

 

ويأتي القرار بعد عام من إعلان وزارة الخارجية قرارها بحجب 130 مليون دولار من التمويل العسكري إذا لم تقم مصر بإجراء تحسينات على شروط محددة في غضون 120 يوما، وهو هدف قرر المسؤولون لاحقا أن القاهرة لم تحققه.

وهذه المرة، قررت الإدارة إعادة توجيه مبلغ 130 مليون دولار على الفور دون إعطاء مصر وقتا إضافيا للامتثال.

ودافع المسؤولون عن قرارهم بالمضي قدما وتزويد مصر بشريحة منفصلة من المساعدات بقيمة 75 مليون دولار، بأنها تخضع لمجموعة مختلفة وأكثر تحديدا من شروط الكونجرس بشأن معاملة السجناء.

وقالوا إن مصر استوفت شرط “التقدم الواضح والثابت” المحدد بموجب هذا القانون بالإفراج عن نحو 500 سجين سياسي، بناء على توصية من لجنة العفو الرئاسية التي أنشئت مؤخرا.

 

 

كما أشاروا إلى قيام “السيسي” بإطلاق حوار وطني تم إنشاؤه لمعالجة مجموعة من القضايا، بما في ذلك ممارسات الحبس الاحتياطي، وفق الصحيفة.

وسرد تقرير وزارة الخارجية السنوي لحقوق الإنسان الانتهاكات التي ترتكبها الحكومة المصرية، بما في ذلك الاعتقال التعسفي والحبس الاحتياطي والتعذيب على أيدي السجانين الحكوميين.

والثلاثاء، حثت مجموعة من المشرعين بقيادة رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب النائب “جريجوري دبليو ميكس” (ديمقراطي من نيويورك)، على حجب المساعدات وشجبت ما وصفته بأنه “انتهاكات مستمرة ومنتشرة ومنهجية لحقوق الإنسان في مصر تهدد بزعزعة استقرار البلاد”.

لكن مصر لا تزال شريكا إقليميا قيما للولايات المتحدة من نواح كثيرة، حيث “تقاتل المتشددين في شبه جزيرة سيناء كما ساعدت في التوسط لوقف القتال الإسرائيلي الفلسطيني في عام 2021”.

من جانبها، رحبت نائبة مدير قسم واشنطن في “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية “نيكول ويدرسهايم”، بمحاولة الإدارة استخدام نفوذها لدى مصر لمعالجة ممارساتها في مجال حقوق الإنسان.

وقالن “فيدرسهايم”: “لكن من الواضح أن الرئيس بايدن كان بإمكانه الذهاب إلى أبعد من ذلك لإظهار أنه يقف حقا مع المدافعين عن حقوق الإنسان ويتبع سياسة مصرية تتوافق مع نهجه المعلن بأن حقوق الإنسان والديمقراطية ستكون في صميم السياسة الخارجية الأمريكية”.

 

 

وقالت نائبة مدير الأبحاث في مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط “إيمي هوثورن”، إن الشروط المذكورة على شريحة 75 مليون دولار تشمل التقدم المحرز بشأن السجناء السياسيين والإجراءات القانونية الواجبة.

وأضافت أن “أي مراقب موضوعي سيقول إن مصر لم تحرز تقدما واضحا ومستمرا في أي من هذين الشرطين، خاصة الثاني”.

ويقول دبلوماسيون إن إدارة “بايدن”، التي كافحت في بعض الأحيان للتوفيق بين رغبتها في إظهار التزامها بحقوق الإنسان والمخاوف الواقعية السياسية وسط منافسة متزايدة مع روسيا والصين، ستواصل الضغط على “السيسي” بشأن تلك القضايا والقضايا ذات الصلة، وفقا للصحيفة الأمريكية.

ونقلت “واشنطن برست” عن مسؤول كبير آخر في وزارة الخارجية قوله: “لقد أبلغنا الحكومة المصرية باستمرار أننا نرى أن العلاقات الثنائية مع مصر تتعزز عندما يكون هناك تقدم في مجال حقوق الإنسان”.

ويقول محللون إن القوى الغربية مترددة في اتخاذ إجراء جاد ضد حليف استراتيجي يلعب دور الوسيط في قضايا طويلة الأمد مثل الصراع العربي الإسرائيلي، ويسيطر على قناة السويس، أحد أهم ممرات الشحن في العالم.

ويقول مسؤولون أمريكيون إن العلاقة مع مصر معقدة. وتُعَدّ الدولة العربية الأكثر سكاناً حليفاً أساسياً، ولا تزال واشنطن ملتزمة دعمها “لاحتياجاتها الدفاعية المشروعة”.

 

 

ومصر التي تستضيف، في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، قمة المناخ “كوب 27″، هي من بين الدول التي تتلقى أكبر قدر من المساعدات العسكرية الأمريكية منذ أصبحت أول دولة عربية تبرم معاهدة سلام مع إسرائيل في 1979.

وتعتبر الإدارة الأمريكية أن مصر حققت “تقدما واضحا” في المجال القضائي، على الرّغم من أنّها تأخذ عليها إحراز تقدم محدود للغاية في مجال حقوق الإنسان.

ويواجه نظام “السيسي” اتهامات منظمات حقوقية بقمع المعارضة ومدافعين عن حقوق الإنسان منذ الانقلاب العسكري الذي نفذه ضد الرئيس الراحل “محمد مرسي” عام 2013.

وتقدر منظمات حقوقية مستقلة عدد السجناء والمحبوسين احتياطياً في مصر بنحو 120 ألف سجين، من بينهم نحو 65 ألف سجين ومحبوس سياسي، وبإجمالي 82 ألف سجين محكوم عليهم، و37 ألف محبوس احتياطي.

كما تتصاعد حدة الانتهاكات داخل السجون ومقار الاحتجاز، لاسيما ضد المعتقلين على خلفية سياسية، وفي ظل تزايد أعداد الوفيات بين السجناء من جراء الإهمال الطبي المتعمد، وتجاهل السلطات مطالب المحتجزين واستغاثات ذويهم حيال ضرورة تلقيهم الرعاية الطبية اللازمة، فضلاً عن تكدس أعداد كبيرة من المحتجزين داخل زنازين ضيقة.

وينفي “السيسي” وجود سجناء سياسيين في مصر، ويقول إن الاستقرار والأمن لهما الأهمية القصوى، وإن السلطات تعمل على تعزيز الحقوق من خلال محاولة توفير الاحتياجات الأساسية مثل الوظائف والسكن.

المصدر | الخليج الجديد