القوة CTF-153.. أمن البحر الأحمر بوابة الولايات المتحدة لاستعادة قيادة المنطقة
الخليج الجديد :
“الدافع لزيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الأخيرة إلى جدة أبعد من رغبة الولايات المتحدة في زيادة إنتاج النفط، أو حتى إعادة تنشيط العلاقات مع السعودية”، يؤكد الباحث السياسي “كريم ملص” هذه الخلاصة في ضوء سياسات الإدارة الأمريكية منذ إجراء الزيارة وحتى اليوم، مرجحا “مراجعة أمريكية استراتيجية” دفعت واشنطن إلى وضع استعادة القيادة بالمنطقة وضمان أمن البحر الأحمر كأولوية مجددا.
وأورد باحث الماجستير في العلاقات الدولية بكلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة “جونز هوبكنز”، في تحليل نشره موقع منتدى الخليج الدولي، أن الشرق الأوسط “عاد للظهور كمنطقة ذات أهمية كبيرة لمصالح الولايات المتحدة”، مؤكدا أن “أيام دفاع بعض صناع السياسات (الأمريكية) عن التمحور في مناطق أخرى بعيدا عن الشرق الأوسط قد ولت”.
وأضاف أن الإدارة الأمريكية أدركت أنه لا يمكنها الخروج من تبعات قيادة الشرق الأوسط دون تقويض موقع الولايات المتحدة الاستراتيجي في المنطقة، خاصة أن واشنطن لاتزال تحتفظ بمجموعة من العلاقات والمصالح الحاسمة بها.
وإزاء ذلك، تتجه إدارة “بايدن” إلى إعادة الانخراط الدبلوماسي المباشر لتعزيز المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، عبر إعادة تفعيل العلاقات الاستراتيجية مع الشركاء الإقليميين، وتأكيد التزام الولايات المتحدة الدائم بالأمن الإقليمي، خاصة في ظل حالة “عدم اليقين الجيوسياسي” الراهنة.
تحول أمريكي في المنطقة
ويرى “ملص” أن رسائل الإدارة الأمريكية في أعقاب زيارة “بايدن” إلى جدة، تبرز “الأمن البحري وحماية الممرات الحيوية في البحر الأحمر كأولوية خاصة لواشنطن”، مشيرا إلى كشف القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM)، في أبريل/نيسان الماضي، عن إنشاء قوة المهام المشتركة (CTF-153)، المكلفة بمسؤولية حماية تلك الممرات.
فالقوة التي تقودها الولايات المتحدة تسعى إلى تعزيز القدرة الإقليمية والعمل مع شركاء الولايات المتحدة لردع جميع الأنشطة غير المشروعة والتهديدات بمياه البحر الأحمر، بما في ذلك المضائق المضطربة بشكل متزايد في باب المندب وخليج عدن.
وتعكس هذه السياسة تحولا كبيرا في نهج الولايات المتحدة تجاه المنطقة، حسبما يرى “ملص”، إذ ستكون هذه هي المرة الأولى منذ 13 عامًا التي تنشئ فيها الولايات المتحدة قوة جديدة في إطار القوات البحرية المشتركة تحت قيادة الولايات المتحدة.
ويضم هذا الإطار القوات البحرية من 34 دولة، ويمثل قيادة بحرية دولية تأسست في الأصل للتعامل مع القرصنة في المنطقة، غير أن إنشاء قوة (CTF-153) يكشف التزام الولايات المتحدة الاستباقي بالأمن الإقليمي؛ ما يمهد الطريق نحو أول جهد جاد ومركّز لردع التهديدات التي يتعرض لها البحر الأحمر.
وإزاء ذلك، أصبح لدى صانعي السياسات في الشرق الأوسط وواشنطن “منصة مشتركة” مهمتها الدفاع عن أحد أهم الممرات المائية في العالم، وهو إنجاز استراتيجي مهم لمصالح واشنطن وتعزيز لقيادة أمريكا للمنطقة، بحسب “ملص”.
ورغم أن التفاصيل المتعلقة بمساهمة مختلف الدول في قوة (CTF-153) والتصرف في السفن الحربية الأمريكية الجديدة بالبحر الأحمر لم تظهر بعد، إلان الترجيحات تتجه إلى التماس الولايات المتحدة دعم كل من الدول الساحلية وغير الساحلية ذات المصالح الراسخة حول البحر.
ووفق هذا المنظور، فمن المؤكد أن تشمل القوة السعودية ومصر والأردن، إضافة إلى إسرائيل، في أول مهمة للدولة العبرية مع دول عربية تحت هيكل قيادة موحد.
ويعزز من تشكيل هكذا قوة، أن البحر الأحمر شهد، في السنوات الأخيرة، ارتفاعًا ملحوظًا في النشاط العسكري، لا سيما حول مضيق باب المندب وخليج عدن، إذ يمثل استهداف الحوثيين المستمر للسفن بطائرات مسيرة وعمليات مصادرة سفن بالقوة أحد المصادر الرئيسية لعدم الاستقرار في المنطقة.
كما أن الوجود الإيراني المتزايد مؤخرًا في البحر الأحمر قد يتطور إلى مصدر آخر لتهديد أمن الدول المطلة على ساحل البحر، ما يزيد من خطر المواجهة المحتملة بين إيران وخصومها الإقليميين.
ووفقًا لتصريحات المسؤولين الإسرائيليين الأخيرة، فقد يمثل التوسع البحري الإيراني “تهديدًا إقليميًا وعالميًا واسع النطاق” للنشاط التجاري وتجارة الطاقة العالمية.
فطرق التجارة في البحر الأحمر تعمل كمسار حاسم للاقتصادات الرئيسية في العالم، إذ يمر بها ما يقرب من 10% من التجارة الدولية، التي تشمل السلع الحيوية مثل المواد الغذائية والمحروقات والمعادن النفيسة؛ ما يعني أن أي اضطراب في هذه الطرق سيؤثر بشدة على أمن دول المنطقة.
توجيه الأولويات الاستراتيجية
ومن شأن هكذا تأثير الإضرار بالمصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة، التي سعت منذ فترة طويلة إلى ضمان الحركة السلمية للبضائع عبر هذا الممر المائي الحيوي.
ولذا يرى “ملص” أن القوة (CTF-153) تمثل “نقطة تحول بالنسبة للقيادة المركزية الأمريكية، حيث تنتقل بعيدًا عن واجباتها في زمن الحرب نحو موقف استراتيجي أكثر ديمومة في الشرق الأوسط”.
وتحقيقا لهذه الغاية، سهلت الولايات المتحدة العديد من التدريبات البحرية خلال العام الماضي وحده، بهدف تعزيز المزيد من التماسك بين شركائها الإقليميين.
ففي سبتمبر/أيلول 2021، أجرت السفن الحربية الإسرائيلية والأمريكية دورية مشتركة في البحر الأحمر، هي الأولى من نوعها منذ اندماج إسرائيل في منطقة مسؤولية القيادة المركزية الأمريكية (AOR).
كما استفادت الولايات المتحدة من ذوبان الجليد بين إسرائيل ودول عربية بعد توقيع لاتفاقيات التطبيع عبر قيادة مناورات بحرية متعددة الأطراف في البحر الأحمر، شاركت فيها كل من البحرين والإمارات وإسرائيل.
وطلبت الولايات المتحدة أيضا من البحرية الأردنية إنشاء مركز في ميناء العقبة لدعم القوة (CTF-153) بطائرات دون طيار.
ويرى “ملص” أن اندماج مصر مؤخرًا في القوات البحرية المشتركة بقيادة الولايات المتحدة لا يؤشر إلى رغبة القاهرة غير المعتادة في العمل مع شركاء دوليين فحسب، بل إلى “أهمية القيادة الأمريكية في صياغة مبادرات أمنية مشتركة” أيضا.
فإطلاق القوة (CTF-153) أعاد توجيه الأولويات الاستراتيجية للولايات المتحدة، حسبما يرى الباحث بجامعة جونز هوبنكز، مشيرا إلى أن “الولايات المتحدة تبدو مستعدة لدمج المزيد من الدول في مبادرات الأمن الجماعي وإجراء مهام إضافية لتعزيز القدرات، بدلاً من تأكيد القوة الأمريكية أحاديا في جميع أنحاء المنطقة”.
ومع جاذبية صيغة قوة المهام المشتركة للعديد من الدول في المنطقة، إلا أن “ملص” يؤكد أن القيادة المركزية الأمريكية ستكون أمام تحد يتمثل في دراسة الجهات الإقليمية الفاعلة، التي ترغب في دمجها بترتيباتها لأمن البحر الأحمر.
فالتماس الدعم من الدول سيعتمد في نهاية المطاف على حماسها لأهداف القوة المشتركة، الأمر الذي يتطلب ما هو أبعد من مجرد حشد قوات الدول حول مصلحة مشتركة، حسبما يؤكد “ملص”.
ويشير الباحث بشؤون سياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط أن التوجه الأمريكي الجديد سيتطلب عملية مدروسة ومنهجية لإدارة التوقعات، وصياغة النتائج المشتركة، وتخفيف الخصومات الداخلية بين الدول المشاركة في المهام البحرية المشتركة.
وهنا سيظهر التحدي الحقيقي للتعاون المتعدد الأطراف على المستوى الاستراتيجي، إذ قد تؤدي المنافسات الإقليمية والشكوك بين دول مشاركة في القوة (CTF-153) إلى إغراق أي مبادرة أمنية في البحر قبل أن تنطلق.
ويضرب “ملص” مثالا على هكذا تحد بالإشارة إلى تخوف لاعب بحري رئيسي مثل مصر من وجود أساطيل أجنبية في البحر الأحمر، إذ قد تعتبره تعديًا على مجال نفوذها التقليدي.
كما أن المنافسة الحالية على النفوذ بموانئ البحر الأحمر بين الإمارات والسعودية وتركيا وقطر قد تشكل عقبة أخرى أمام الجهود التي تقودها الولايات المتحدة، حيث تسعى تلك الدول إلى تحقيق أهدافها الخاصة بغض النظر عن تماسك تحالفاتها الإقليمية.
وإزاء ذلك، يرى “ملص” أن مفتاح التغلب على هكذا عقبات هو معالجة الولايات المتحدة للمخاوف بشأن “خروجها” من الشرق الأوسط، وتأكيدها الالتزام بالأمن الإقليمي لضمان نجاح القوة (CTF-153)، ومن ثم أي طموحات إقليمية أخرى لواشنطن.
ويشير الباحث السياسي إلى أن “السياق الجيوسياسي الحالي في الشرق الأوسط يقدم فرصة فريدة ينبغي اغتنامها” إذ “يميل التنسيق الإقليمي إلى الظهور حول التهديدات المشتركة”، خاصة في ظل هجمات الحوثيين المستمرة على السفن والوجود الإيراني المهدد لأمن البحر الأحمر، ما قد يسرع من مهمة ورؤية القوة CTF-153.
ولذا يعد إنشاء القوة (CTF-153) خطوة مهمة في تحقيق هدف البيت الأبيض المتمثل في تعزيز “الشراكات الاستراتيجية” على أساس “القيادة الأمريكية”، ويقدم مثالًا إيجابيًا وعمليا لسياسة الولايات المتحدة الجديدة في الشرق الأوسط، والتي تستجيب بشكل استباقي للتهديدات الوشيكة والمستمرة في هذا الجزء الحيوي من العالم.
ويُعد تحسين الثقة بين شركاء واشنطن الإقليميين القدامى أمرًا أساسيًا لنجاح المبادرة والحفاظ على المصالح الأمريكية الأساسية في الشرق الأوسط، وقد يؤدي الفشل في إدارة هذه العلاقات أو دعم الدول الشريكة بشكل كافٍ إلى “كارثة لا يمكن للجهات الفاعلة الإقليمية أو الولايات المتحدة تحملها نظرًا للبيئة الجيوسياسية المتقلبة”، حسب تعبير “ملص”.
ويشير الباحث السياسي إلى أن قابلية التشغيل المشترك لقوات بحرية تحمي ممرات البحر الأحمر لن يتم بين عشية وضحاها؛ و”قد يستغرق سنوات قبل أن تحقق القيادة المركزية الأمريكية التوازن الصحيح في مواجهة تقاسم العبء البحري وخطط التعاون الفعال مع الدول المشاركة”، لكن مبادرة القوة (CTF-153) يمكن، على أي حال، أن تساهم في إنهاء نتاج سنوات من انعدام الثقة بين الولايات المتحدة وشركائها الإقليميين، وتعزيز نهج شامل للأمن الإقليمي.