في أواخر الشهر الماضي، ذكرت الصحافة الإسرائيلية أن استخراج الغاز الطبيعي من حقل غاز “كاريش” البحري لن يبدأ في سبتمبر/أيلول الجاري، وإنما في منتصف أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وما يزال سبب التأخير غير واضح في الوقت الحاضر.

وقالت وزيرة الطاقة الإسرائيلية “كارين الحرار” في 8 سبتمبر/أيلول الجاري، إن التأخير يرجع إلى تعقيدات في عمليات التركيب. وفي حين أن سبب التأخير يبدو تقنيًا، إلا أنه يبدد إلى حد ما التوترات التي تصاعدت في الأسابيع الأخيرة، في أعقاب تهديدات الأمين العام لـ”حزب الله”.

وجاء التهديد العلني الأخير لـ”نصرالله” في 9 أغسطس/آب الماضي، عندما حذر من أن “حزب الله” لن يقف مكتوف الأيدي إذا استخرجت إسرائيل الغاز الطبيعي  من “كاريش” الذي يقع في المنطقة المتنازع عليها بين إسرائيل ولبنان.

 

 

قراءة إسرائيل لـ”نصرالله”

تتعامل إسرائيل بجدية مع تهديدات “حزب الله”، ومع ذلك فإن السنوات العديدة من العداوة مع “نصرالله” جعلت إسرائيل أكثر فهما لطريقة تفكيره. وفي وقت سابق من هذا العام، قال مصدر استخباراتي إسرائيلي رفيع لـ”المونيتور”: “إذا كان هناك زعيم يجب أن نصلي 3 مرات في اليوم لأجل صحته وطول عمره فهو نصرالله”.

وعكست التعليقات التعايش الغريب الذي حافظت عليه إسرائيل مع الميليشيا الشيعية اللبنانية المدعومة من إيران منذ حرب 2006. إنها تذكرنا إلى حد ما بعلاقة إسرائيل بالرئيس السوري الراحل “حافظ الأسد”، الذي خاض معها حربين مريرتين في 1967 و1973، لكنه حافظ لاحقًا على الهدوء على طول حدود مرتفعات الجولان حتى وفاته في عام 2000.

وقال المصدر الاستخباراتي الإسرائيلي: “نصرالله يعرفنا جيدًا ونحن نعرفه. إنه أكثر براجماتية بكثير مما يوحي به خطابه العدواني. بشكل عام هذا رجل يمكننا التعامل معه والوصول إلى توازن يترجم إلى استقرار لكلا الجانبين”.

وكان الدافع لهذا التقييم الاستخباراتي بدء إسرائيل في خطط الاستفادة من حقل “كاريش” للغاز الطبيعي في شرق البحر الأبيض المتوسط​، بالإضافة إلى اكتشاف مصدر آخر مهم للغاز الطبيعي وهو حقل صيدا (المعروف أيضًا بحقل قانا).

 

 

هل الصدام قادم؟

وإدراكًا من لبنان للفوائد الهائلة لموارد الغاز الطبيعي، انخرطت البلاد على مدى العامين الماضيين في محادثات مع إسرائيل بوساطة أمريكية لحل النزاع الحدودي البحري. يبدو أن هذه المحادثات أحرزت بعض التقدم مؤخرًا.

كان هناك اختلاف في تقييم استخباراتي إسرائيلي محدث صدر الأسبوع الماضي حول “نصرالله”، مقارنة بالتقييم السابق، لكن الاختلاف ليس كبيرًا. وقال مسؤول عسكري إسرائيلي كبير لـ”المونيتور” شريطة عدم الكشف عن هويته: “نصرالله يعيش حالة مأساوية.. إنه وحيد.. لقد فقد كبار شركائه وجميع المقربين منه”.

واستشهد المصدر باغتيال قيادي “حزب الله” الرفيع “عماد مغنية” في 2008، ومقتل القائد العسكري للحزب “مصطفى بدر الدين” عام 2016 (في انفجار قنبلة)، واغتيال الراعي والحليف الرئيسي لـ”نصرالله”؛ قائد الحرس الثوري الإيراني “قاسم سليماني” في عام 2020.

وقال المصدر: “لا يزال يمضي معظم وقته في مخبأ، ولا يرى ضوء النهار، ويعاني من زيادة الوزن، وكاهله مثقل بمشاكل لبنان المتصاعدة. نأمل أن يعود إلى طبيعته القديمة، لمصلحته ولصالح لبنان ولصالح المنطقة بأسرها”.

طاردت “نصرالله” شائعات باعتلال صحته وتكررت الشائعات حول صحة “نصرالله” طوال العام الماضي. وتأتي الآمال في سلامته، كالتي عبر عنها المصدر الإسرائيلي، وسط توترات متزايدة بين الجانبين فيما يدخلان مرحلة حاسمة من مفاوضاتهما الحدودية.

ومع إطلاق “حزب الله” طائرات مسيرة باتجاه حقل “كاريش”، تم تصوير “نصرالله” على أنه “الطفل المزعج” العازم على الاستعراض الذي يريده الشعب اللبناني وأن إسرائيل هي الشخص الكبير الذي يحاول احتواء تهديدات “نصرالله”.

وظهرت تقييمات متضاربة في إسرائيل مؤخرًا بشأن نوايا “نصرالله”. وجادل البعض بأن زعيم “حزب الله” لن يتردد في توريط إسرائيل في صدام محدود لمدة أيام من أجل تعزيز صورته التي يصدّرها بأنه “المدافع عن لبنان” ولكي ينسب لنفسه الفضل في ثروات الغاز إذا تم إنتاجها.

لكن القيادة الشمالية للجيش الإسرائيلي لا ترى ذلك. فقد قال ضابط كبير في القيادة لموقع “المونيتور” شريطة عدم الكشف عن هويته: “لا يريد نصرالله الحرب. لقد انخرط في حرب معنا ويعرف معناها. ويبدو أن الإيرانيين غير راغبين أيضا في اندلاع هذه الحرب. هذه القاعدة الشيعية الأمامية في مواجهة إسرائيل لم تتأسس لشن قتال على الغاز الطبيعي، ولكن لخلق تهديد استراتيجي لإسرائيل في حال قررت مهاجمة إيران. ويعرف نصرالله أننا نعرف ذلك”.

 

 

قاعدة شيعية غاضبة

بالإضافة إلى الأسئلة المحيطة بصحة “نصرالله” وعزلته المستمرة، تعتقد إسرائيل أنه محبط من التناقض بين حالة بلاده القاتمة وحالة عدوه، وقال ضابط في القيادة الإسرائيلية: “نصرالله يتطلع إلى إسرائيل من الحدود ويرى الازدهار والأنوار في الليل، بينما لبنان مظلم وقريبًا سيكون باردًا أيضًا [بسبب أزمة الطاقة]”.

كما تقوم المخابرات الإسرائيلية أيضًا بتحليل التطورات التي تشهدها قاعدة “نصرالله” والطائفة الشيعية في لبنان وخاصة في الجنوب. وقال مصدر أمني إسرائيلي: “لقد اختلف الأمر عما كان عليه من قبل. انتهى مفهوم الانتحاري الشيعي، وهو نفس ما حدث في الجانب الفلسطيني من قبل”.

وعزا المصدر الأمني ​​هذا التحول إلى ما دعاه بالاعتراف بـ”قدسية وقيمة حياة الإنسان، إنهم ليسوا على استعداد للانتحار، إنهم يريدون العيش، كما يريدون العيش بشكل جيد، وهم يرون ما يدور حولهم. ومن الصعب إقناعهم بواقع وهمي في عصر الشبكات الاجتماعية”.

ويراقب الجيش الإسرائيلي وسائل الإعلام اللبنانية، والآراء على وسائل التواصل الاجتماعي، وتماسك نسيج السكان الذين يشكلون قاعدة “حزب الله”. وقال أحد هؤلاء المراقبين، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته: “هناك استياء. الناس يسخرون من نصر الله، ويكتبون أشياء مثل: نريد أن نكون مثل بعض من هزمتهم، وحذروه من أن أولئك الذين يعيشون في بيت من زجاج يجب ألا يرشقوا الجيران بالحجارة”.

وقال المراقب أيضًا إن الصحفيين باتوا ينتقدون “حزب الله” بصراحة متزايدة، واصفين إياه بأنه زعيم منظمة إرهابية شبيهة بالمافيا، و”نصرالله” على علم بذلك.

ومن ناحية، لا يستطيع “حزب الله” الانخراط في مفاوضات رسمية بين إسرائيل والحكومة اللبنانية (التي هو جزء منها) وإسرائيل. ومن ناحية أخرى، لا يمكن للحزب أن يكون الجهة التي تنسف اتفاقًا يمكن أن يطلق عملية تنقذ لبنان من بعض مشاكله الاقتصادية، وأضاف المراقب: “إنه يواجه معضلة شديدة الصعوبة”.

المصدر | بين كاسبيت | المونيتور – ترجمة وتحرير الخليج الجديد