مع اقتراب فصل الشتاء، يتدافع صناع السياسة في أوروبا للتخفيف من تأثير أزمة الطاقة التي تلوح في الأفق. وكانت أوروبا تواجه بالفعل ارتفاعا كبيرا في أسعار الطاقة حتى قبل غزو روسيا لأوكرانيا، لكن الأسعار ترتفع الآن بشكل مضاعف.

ومؤخرا، بلغت تكلفة الميجاوات من الكهرباء في ألمانيا وفرنسا 10 أضعاف التكلفة في نفس الوقت من العام الماضي.

ومن المقرر أن يتخلى الاتحاد الأوروبي عن النفط الروسي بشكل كامل بنهاية هذا العام. وفيما يخص الغاز الطبيعي، فقد وقع الاتحاد الأوروبي مؤخرًا صفقة مع أذربيجان لاستيراد المزيد من الغاز الطبيعي من منطقة بحر قزوين، وتبحث إيطاليا وفرنسا في خيارات لاستيراد المزيد من الغاز من شمال أفريقيا. ومع ذلك، فإن عملية التنويع بعيدا عن الغاز الروسي تسير بوتيرة بطيئة.

ومن المفارقات أن أوروبا دفعت مليارات لروسيا مقابل الغاز الطبيعي، بما يفوق إجمالي المساعدات العسكرية والإنسانية التي يقدمها الاتحاد الأوروبي إلى أوكرانيا، بمعنى آخر فإن الاتحاد الأوروبي يمول فعليًا المجهود الحربي لكرملين.

 

 

التطلع إلى إيران كبديل

ويظهر النقاش حول إيران مع المساعي الحثيثة لصناع السياسة الأوروبيين من أجل إيجاد بدائل للطاقة الروسية. ويفسر التطلع لمصادر جديدة للنفط والغاز حماس بعض الأوروبيين مؤخرًا، وكذلك حماس إدارة “جو بايدن”، لتأمين اتفاقية جديدة مع إيران بشأن برنامجها النووي.

وقال وزير النفط الإيراني “جواد أوجي”، مؤخرًا، إن طهران مستعدة لمساعدة أوروبا في أزمة الطاقة التي تواجهها، ويعتقد الكثير من الأوروبيين أن إيران لديها ما تقدمه.

لكن الأمل في تقديم إيران طوق إنقاذ لأوروبا لا يتماشى مع الواقع؛ فإيران تنتج الكثير من الغاز الطبيعي لكن معظمه مخصص للاستهلاك المحلي، وحتى الغاز القليل المتاح للاتحاد الأوروبي يفتقر إلى خط الأنابيب المطلوب والبنية التحتية الأخرى اللازمة للتصدير إلى أوروبا. أما فيما يتعلق بالنفط، فإن إيران قد تقدم بالفعل فائدة لكن لا تزال هناك تحديات.

وحتى لو تم توقيع اتفاقية جديدة بين المجتمع الدولي وإيران، فقد يستغرق الأمر شهورًا لتفكيك نظام العقوبات الاقتصادية الواسع حاليًا، وخلال هذا الوقت لن يتم تصدير أي نفط إلى أوروبا. علاوة على ذلك، تفتقر إيران إلى البنية التحتية المناسبة لتصدير كميات كبيرة من النفط إلى أوروبا؛ بسبب سنوات من تراجع الاستثمار في هذا القطاع.

لذلك، فإن ما يمكن تصديره من النفط والغاز الإيراني إلى أوروبا يعد ضئيلا ومتأخرا جدا بالنسبة لهذا الشتاء.

ثم إن هناك سؤالا أخلاقيا حول تحويل بوصلة الطاقة بعيدا عن موسكو إلى طهران، فبعد ما حدث مع خط أنابيب “نورد ستريم1” (الذي يوصل الغاز الروسي لأوروبا) من إغلاقات متكررة زعمت روسيا أنها بغرض “الصيانة”، وفي ظل استبعاد تشغيل “نورد ستريم2″، يعد هذا تذكيرًا بأن التعامل مع مثل هذه الأنظمة محفوف بالمخاطر الجيوسياسية.

وينبغي الإشارة إلى أن إيران تزود روسيا بطائرات مسيرة مسلحة لاستخدامها في أوكرانيا، فهل من الحكمة شراء الطاقة من بلد يدعم حرب روسيا؟

 

 

خطط الاتحاد الأوروبي

على المدى القصير، يبذل صانعو السياسات في الاتحاد الأوروبي كل ما في وسعهم للاستعداد لفصل الشتاء، ومن الجيد أن نسبة امتلاء مرافق تخزين الغاز ​​بنسبة 80%، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى زيادة واردات الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة، وكذلك كميات الغاز الطبيعي الإضافية عبر أنابيب من أماكن أخرى غير روسيا، وإذا لم يكن الشتاء القادم قاسيًا وباردًا بشكل غير عادي، فقد ينجح الاتحاد الأوروبي في تجاوزه.

في غضون ذلك، تحتاج أوروبا أولًا إلى استخلاص دروس حول كيفية وقوعها في هذه الأزمة، والحقائق القاسية هي أن ما خلق هذه الأزمة هو إدمان الغاز الرخيص من روسيا، والتصميم “شبه الديني” على تنفيذ أجندة خضراء بأي ثمن، ورفض الطاقة النووية بشكل يستند على العواطف وليس العلم.

أما على المدى الطويل، فإن كل برميل من النفط وكل متر مكعب من الغاز الطبيعي يحصل عليه الأوروبيون من مكان آخر غير روسيا وإيران سيجعل القارة أكثر أمانًا. وفي حين أن الأولوية الفورية لأوروبا هي تجاوز هذا الشتاء، فعلى المدى الطويل، يجب أن تطور استراتيجية جديدة للطاقة.

يعد الاتفاق الأخير بين الاتحاد الأوروبي وأذربيجان لزيادة صادرات الغاز الطبيعي من بحر قزوين خطوة أولى ممتازة، لكن أوروبا يمكنها أن تفعل المزيد. على سبيل المثال، يمكن للاتحاد الأوروبي العمل مع تركمانستان لتشجيع بناء خط أنابيب عبر قزوين لجلب الغاز الطبيعي من آسيا الوسطى إلى أوروبا مع تجاوز روسيا وإيران، كما يمكن لأوروبا أن تفعل المزيد لاستكشاف إمكانيات الطاقة في شرق البحر المتوسط ​​وشمال أفريقيا.

وفي الوقت نفسه، تحتاج إدارة “بايدن” إلى إزالة السقف الذي يمنع قطاع الطاقة الأمريكي من الوصول إلى إمكاناته الكاملة، وكلما زادت كمية النفط والغاز الأمريكي الذي يمكن تصديره إلى أوروبا  كان ذلك أفضل.

المصدر | لوك كوفي/ أوراسيا ريفيو – ترجمة وتحرير الخليج الجديد