"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

أخطاء السلف في فهم القرآن الكريم بطريقة الوليد بن المغيرة

مركز القلم للأبحاث والدراسات 

خالد محيي الدين الحليبي 

القرآن الكريم بين الحقيقة والمجاز :

يقول الشريف الرضي في كتابه تلخيص البيان في مجاز القرآن : [[ لم تكن فكرة قبول ( المجاز)  في القرآن الكريم أمراً سهلاًعند المسلمين جميعاً فهم على اختلاف مللهم ونحلهم على وقوع الحقيقة فيه ولا يفترق في ذلك بعض أصحاب المذاهب عن بعض والحقيقة عندهم هى كل لفظ بقى على موضوعه ولا تقديم فيه ولا تأخير وأكثر القرآن على الحقائق أما المجاز المقابل للحقيقة فالجمهورعلى أنه واقع في القرآن وإن كان أنكره الظاهرية وابن القاص من الشافعية وابن خويز منداد من المالكية . وَُشُبههم أن المجاز غير الحقيقة فهو كذب والقرآن منزه عن الكذب كما أن المتكلم لا ينصرف عن الحقيقة إلى المجاز إلا إذا ضاقت به الحقيقة أو عجز عن التعبير بها فيستعير وذلك محال على الله تعالى القادر المنزه عن العجز .

فالمنكرون لوقوع المجاز اللغوي والعقلي في القرآن يحتجون لذلك بحجتين :

أولاهما أن المجاز كذب والكذب محال على الله , وثانيهما ان الإلتجاء إلى المجاز هو العجز عن التعبير بالحقيقة والعجز محال على الله وقد رد على هذه الشبهة جماعة من المسلمين وكان من أسبقهم إلى ذلك ابن قتيبة الذي قال : ( ولو كان المجاز كذباً .. كان أكثر كلامنا فاسد لأنا نقول نبت البقل وطالت الشجرة وأينعت الثمرة وأقام الجبل ورخص السعر ونقول كل هذا الفعل منك في وقت كذا وكذا والفعل لم يكن وإنما كون )

ومن الذين ردوا على هذه الشبهة أيضاً جلال الدين السيوطي المتوفي سنة 911هـ حيث يقول : ( وهذه شبهة باطلة ولو سقط المجاز من القرآن سقط منه شطر الحسن فقد اتفق البلغاء على أن المجاز أبلغ من الحقيقة ولو وجب خلو القرآن من المجاز وجب خلوه من الحذف والتوكيد وتثنية القصص وغيرها – الإتقان في علوم القرآن ج2 ص 36  ) .

ولعل الظاهرية هم أتباع الإمام داوود الظاهري المتوفي سنة 270 هـ عذرهم في إنكار المجاز في القرآن لأنهم يتمسكون بظاهر الكتاب والسنة كما يدل اسمهم ولهذا لا يأخذون المجاز إلا إذا كان مشهوراً وكانت القرينة واضحة معلنة عنه كاشفة له فإذا غمض المجاز أو خفيت القرينة فإنهم لا يأخذون به .

وقد جرى ابن حزم الأندلسي المتوفي سنة 456هـ مجرى داوود الظاهري في الأخذ بالمجاز المشهور الواضح وعدم التأويل فيه مادام يجري على سنن الفصيح في اللغة وذلك الظاهر هو الذي كان يفهمه العربي عند قراءة القرآن وكان يفهمه الصحابة والتابعون كما يدل عليه ظاهره سواءاً كان مجازاً أم حقيقة  فإن المجاز لا يخرج الكلام عن الدلالة الظاهرة الواضحة المبينة مادامت له قرينة واضحة – ابن حزم حياته وعصره للشيخ محمد ابو زهرة  ص 226 ) و تلخيص البيان ص 55-56 ] .

[ وقد أودع الإمام السيوطي في كتابه الإتقان كثير من المجازات والإستعارات القرآنية وردها إلى أنواع المجاز اللغوي وهو المجاز في المفرد لا في التركيب وبلغت هذه الأنواع عنده عشرين نوعاً ثم انقسم النوع العشرون وهو إقامة صيغة مقام أخرى إلى أنواع أخر تزيد على العشرين . على أن هذه الأقسام والأنواع للمجاز والإستعارة لم يعترض لها الشريف الرضي وهو يكشف عن مجازات القرآن كشفاً تطبيقياً بلاغياً فإن تلك المسميات والمصطلحات لم تكن قد وضعت وعرفت بعد في عصر الشريف الرضي الذي يقول مثلاً في مجاز القرآن  في سورة يوسف { واسأل القرية التي كنا فيها } وهذه استعارة من مشاهير الإستعارات والمراد واسأل أهل القرية التي كنا فيها .

وأما السيوطي  فيتكلم عن هذه الآية بطرقة اصطلاحية في علم البيان فيقول في حديثه عن البيان وأنواع المجازات الرابع عشر : إطلاق إسم المحل على الحال نحو { فليدع نادية } أي أهل ناديه أي مجلسه ومنه التعبير باليد عن القدرة في قوله تعالى { بيده الملك} وبالقرية عن ساكنيها نحو { واسأل القرية } – الإتقان في علوم القرآن ج2 ص 37 ) .

وقد اشتدت حاجة مفسري القرآن الكريم إلى طائفة من العلوم كان على رأسها ماعرف في القرن الخامس وما بعده بعلم البيان والمعاني فقد وضعوا لمفسر القرآن شروطاً وأوجبوا عليه أن يعرف علم اللغة ليعرف شرح مفردات الألفاظ ودلالتها بحسب الوضع وأن يعرف علم النحو لأن المعنى يتغير ويختلف باختلاف الإعراب وأن يعرف علم الصرف فإن الجهل بالصرف قد يفضي إلى الخطأ في التفسير وللإمام الزمحشري هنا كلمة نفيسه فقد قال ( من بدع التفاسير قول من قال : إن الإمام في قوله تعالى { يوم ندعو كل أناس بإمامهم } جمع أم وأن الناس يدعون يوم القيامة بأمهاتهم دون آبائههم قال : وهذا غلط أوجبه جهله بالتصريف فإن أماً لا تجمع على إمام ) .

كما أوجبوا على المفسر أن يعرف طائفة أخرى من العلوم يبلغ مجموعها خمسة عشر علماً ولم يفتهم أن يضعوا البيان والمعاني بين هذه العلوم لمعرفة خواص التراكيب للكلام من جهة إفادتها للمعاني وخواصها من حيث اختلافها بحسب خفاء الدلالة و وضوحها وقد عد السيوطي علم البلاغة من أعظم أركان المفسر لأنه لابد له من مراعاة ما يقتضيه الإعجاز و إنما يدرك هذا بهذه العلوم – الإتقان ج 2 ص 181) – تلخيص البيان ص 57-58 ]] .

(وهذا هو الفهم والبيان  اللغوي الذي فهمه الوليد ابن المغيرة عندما  قال ” والله إن فيه لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق وإنه يعلو ولا يعلى عليه “) وكذلك كانت تفهم قريش وكل ناطق بالعربية في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله والصحابة والتابعين كما قال ابن حزم وذكرناه من قبل  , وهذا هو الجزء الكسبي من القرآن الكريم الذي  فهموه بلغتهم و ما اكتسبوها من علوم في اللغة و هذا صحيح لأنها لغة القرآن الكريم ولكنهم نسوا جميعا أن هذه اللغة ما هى إلا المقدمة فقط للولوج نحو كشف أسرار وغوامض و مراد الله تعالى من كتابه الكريم  و هذا هو الجزء الوهبي من الله تعالى والمسؤول عنه أولا رسول الله صلى الله عليه ثم أهل بيته عليهم السلام ورجلا من أهل بيت النبي أتاه الله علما وفهما من كتاب الله تعالى كما قال تعالى ( ففهمناها سليمان)  حتى لا يختلف الناس فيه فيعلموا بلغتهم العربية مراده تعالى من كتابه الكريم وأحكامه كي لا يضلوا بجهلهم لكتاب ربهم  وعدم فهم مراده تعالى من  آياته بواسطة تأويلات وفهم سطحي كما فهم الوليد بن المغيرة القرآن الكريم بغير نبي ولا أمام هدى  .

 وبين البيان اللغوي وتأويل القرآن الكريم يظهر المعنى اللغوي و الشرعي لألفاظ القرآن الكريم وبينهم  و لا ريب في أنّ ألفاظ الصلاة والزكاة والحجّ ـ مثلا ـ كانت في اللغة موضوعة لمعان غير المعاني المتداولة في الشرع الكريم ولا ريب أيضا في أنّ الشارع  الكريم قد نقل هذه الألفاظ من معانيها اللغويّة إلى معانيها الشرعيّة  التي لم تكن معلومة لأحد من قبل ولكن اللغة تظل هى مدخل فهم القرآن بفهم الوليد بن المغيرة ولم يكن يعلم أن بالقرآن الكريم ألفاظاً  شرعية تحتاج إلى تفسير والمفسر كان وقتها حضرة النبي صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام من بعده والعلماء الذين كشفوا بأن في كتاب الله ألفاظاً منقولة عن معناها ومنهم ابن حزم في كتابه الإحكام في أصول الأحكام .

وهنا تظهر أسرار كثيرة لا يعلمها إلا الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام ومن العلماء من نقلوا هذا العلم لعامة الأمة دون أبداء السبب في بيان هذه الاية أو تلك كقول أئمة أهل البيت عليهم السلام في قوله تعالى { كل شيئ هالك إلا وجهه } فقال أهل بيت النبي عليهم السلام [ ” نحن وجه الله الذي يؤتى منه ” ] وهذا هو الفارق بين بين رسول الله صلى الله عليه وآله لكتاب الله وبين فهم الوليد بن المغيرة الذي أرادت قريش ترسيخه لاستبعاد الدور الريادي لإمامة أهل بيت النبي عليهم السلام فانقسمت الأمة على أثر ذلك إلى شيعة وسنة .

ثم التزم  علماء الأمة بدراسة اللغة العربية بنفس طريقة فهم  الوليد بن المغيرة و ابو لهب وابو جهل للقرآن الكريم لأنه  نزل بلغتهم والمفترض أن علوم اللغة خادمة للتفسير و أنها القاعدة و المقدمة و البواية  و أول درجة لفهم كتاب الله تعالى ثم الإنطلاق بهذه العلم نحو بيان رسول الله صلى الله عليه وآله  ثم بيان القرآن بالقرآن بعد انقطاع الوحي لفهم مراد الله تعالى كما في قوله تعالى { فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إنا علينا بيانه } وذلك ليكون القرآن حاكما على القرآن بميزان اللغة أولاً ثم الشرع الكريم فما أجمل في موضع فقد فصل في آخر وهنا تكتشف الأمة مراده عز وجل  من كتابه حتى لا يختلف الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله بما توارثوه من  شعر وعلوم لغة وهذا يؤكد أن الأمة  ببعدها عن علوم أهل بيت النبي عليهم السلام في الشريعة و البيان إنما تعلموا القرآن بفهم أبو لهب و أبو جهل وأبوسفيان والأخنس بن شريق والوليد ابن المغيرة الذين كانوا يعلمون إعجاز القرآن الكريم جيدا ويحبون سماعه سراً و قالوا فيه قوله ستبقى خالدة ما بقى الليل والنهار لتكون حجة عليهم وأنهم كانوا يتلصصون ليلاً على رسول الله صلى الله عليه وآله ليستمعوا القرآن لحلاوته وعظيم بلاغته التي يعرفونها ويعجزون عن الأتيان بمثلها فيتعاهدون في كل مرة بأن لا يعودوا فيعودوا مرة أخرى وقد كرروا ذلك الفعل  ثلاث ليالي متتالية ( راجع السيرة النبوية )

[ قصة استماع قريش إلى قراءة النبي صلى الله عليه وسلم

أبو سفيان و أبو جهل و الأخنس ، و حديث استماعهم للرسول صلى الله عليه و سلم

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري أنه حدث ‏‏:‏‏ أن أبا سفيان بن حرب ، وأبا جهل بن هشام ، والأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب الثقفي ، حليف بني زهرة ، خرجوا ليلة ليستمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو يصلي من الليل في بيته ، فأخذ كل رجل منهم مجلسا يستمع فيه ، وكل لا يعلم بمكان صاحبه ، فباتوا يستمعون له ، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا ‏‏.‏‏ فجمعهم الطريق ، فتلاوموا ، وقال بعضهم لبعض ‏‏:‏‏ لا تعودوا ، فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئا ، ثم انصرفوا ‏‏.‏‏ حتى إذا كانت الليلة الثانية ، عاد كل رجل منهم إلى مجلسه ، فباتوا يستمعون له ، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا ‏‏.‏‏ فجمعهم الطريق ، فقال بعضهم لبعض مثل ما قالوا أول مرة ، ثم انصرفوا ‏‏.‏‏ حتى إذا كانت الليلة الثالثة أخذ كل رجل منهم مجلسه ، فباتوا يستمعون له ، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا ، فجمعهم الطريق ، فقال بعضهم لبعض ‏‏:‏‏ لا نبرح حتى نتعاهد ألا نعود ‏‏:‏‏ فتعاهدوا على ذلك ، ثم تفرقوا ‏‏.‏‏

ذهاب الأخنس إلى أبي سفيان يستفهم عما سمعه

فلما اصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه ، ثم خرج حتى أتى أبا سفيان في بيته ، فقال ‏‏:‏‏ أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد ‏‏؟‏‏ فقال ‏‏:‏‏ يا أبا ثعلبة ، والله لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها ، وسمعت أشياء ما عرفت معناها ، ولا ما يراد بها ؛ قال الأخنس ‏‏:‏‏ وأنا والذي حلفتَ به كذلك ‏‏.‏‏

 ‏‏.‏‏- السيرة النبوية لابن هشام  ]

وجاء الذين من بعدهم ليفهموا القرآن بنفس طريقة الوليد ابن المغيرة فتعلموا المقدمة والقاعدة وحكموا بها على كتاب الله ولم يبينوا بها كتاب الله لكتابه الكريم وبيان رسوله صلى الله عليه وآله  للأحكام فيه

ولذلك يقول تعالى في اصحاب ذلك النهج وقلة علمهم بالكتاب { ذلك مبلغهم من العلم النجم }

فتوارثت بعد ذلك أجيال تفهم القران الكريم وفقاً لقواعد اللغة العربية والشعر الجاهلي والمخضرم والحديث بعد بعثة النبي صلى الله عليه وآله على أنها مراجع فهم للغة القرآن الكريم وهذا حق كما قلنا ولكنه حق منقوص لأن اللغة مدخل فقط للفهم والبيان لا يحقق مراد الله تعالى إلا إذا تابعت قول النبي في تلك الآيات وهو الحديث ثم أهل بيته ورثة العلم وباب فهمه باللغة العربية لقوله تعالى { إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون – يوسف}  وهذا صحيح لذلك قال الخليفة عمربن الخطاب ” حسبنا كتاب الله ”

[ لَمَّا حُضِرَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وفي البَيْتِ رِجَالٌ، فيهم عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، قَالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: هَلُمَّ أكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لا تَضِلُّوا بَعْدَهُ فَقَالَ عُمَرُ: إنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قدْ غَلَبَ عليه الوَجَعُ، وعِنْدَكُمُ القُرْآنُ، حَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ. فَاخْتَلَفَ أهْلُ البَيْتِ فَاخْتَصَمُوا، منهمْ مَن يقولُ: قَرِّبُوا يَكْتُبْ لَكُمُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ، ومِنْهُمْ مَن يقولُ ما قَالَ عُمَرُ، فَلَمَّا أكْثَرُوا اللَّغْوَ والِاخْتِلَافَ عِنْدَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قَالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: قُومُوا قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَكانَ ابنُ عَبَّاسٍ، يقولُ: إنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ ما حَالَ بيْنَ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وبيْنَ أنْ يَكْتُبَ لهمْ ذلكَ الكِتَابَ، مِنَ اخْتِلَافِهِمْ ولَغَطِهِمْ. – حديث صحيح رواه البخاري (5669)ومسلم (1637) ]

نعم الخليفة عمر صادق في دعواه معتقدا أن فهم  القرآن الكريم بلغتهم هو كل ما يريده الله تعالى وهذا خطأ جسيم  لانهم عرفوا المعاني فقط بطريقة الوليد بن المغيرة وليس التأويل الذي يريده الله تبارك تعالى ويعلمه أهل بيت النبي عليهم السلام  لذلك يقول النبي صلى الله عليه وآله  للإمام علي عليه السلام  [  ” يا علي تقاتلهم على التأويل كما قاتلتهم على التنزيل ” .. الحديث  ]  . ة عمر بمكانة الإمام علي العلمية  قال فيه [ لولا علي لهلك عمر –  المستدرك: ج3 ص153 &  الطبقات الكبرى: ج2  ص461و462 ] .

ولقد :

1- اختلف الصحابة في الفتيا والبيان وكذلك التابعين ونقلت هذه الإختلافات إلينا كما هى فازداد الجدل والخلاف .

2- منع الخليفتين أبو بكر  وعمر تدوين السنة وتدوينه  بعد نيف ومائة عام في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز نشر الاختلاف والحديث الصحيح والضعيف والموضوع لبعد المسافة وخوف الخليفة من ضياع السنة .

3- انتشرت روايات أهل بيت النبي والتي كذبت بها قريش و من سار على نهجهم من بني أمية وبني العباس مما وضع الأمة كلها مابين شيعة وسنة

وهنا نقول بأن بيان القرآن بالقرآن هو القاعدة التي ستبين مراد الله تبارك و تعالى من آياته و تحقيق صحة متون الأحاديث  وآثار أهل بيت النبي عليهم السلام  وروايات الصحابة عن النبي صلى الله عليه وآله الصحيحة من المكذوبة علىه النبي صلى الله عليه و آله  .

 وعدم الإلتزام بأهم قاعدة في بيان كتاب الله تعالى بالقرآن ثم بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله كانتأهم أسباب انتشار الإختلاف فهم الآيات  ومن ثم اختلاف المذاهب في فهم النص الواحد من كتاب الله تعالى

 نبين منها  مثلاً هنا :

 

(1)

 

ورد في قوله تعالى { يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون – القلم 42}

 

قالوا [ وهذه استعارة والمراد بها الكناية عن قول الأمر وشدته وعظم الخطب وفظاعته لأن من عادة الناس أن يشمروا عن سوقهم عند الأمور الصعبة التي يحتاج فيها إلى المعاركة ويفزع عندها إلى الدفاع والممانعة فيكون تشمير الذيول عند ذلك أمكن للقراع وأصدق للمصاع – تلخيص البيان تصنيف الشريف الرضي ص 341 ]

 

وقيل في هذه الآية أيضاً  : [ هذه استعارة على أكثر الأقوال والمراد بها والله أعلم صفة الشدتين المجتمعتين على المرء من فراق الدنيا ولقاء أسباب الآخرة .. وقد يجوز أن يكون الساق هاهنا جمع ساقة كما قالوا : حاجةُ وحاج وغاية وغايٌ والساقة : هم الذين يكونون في أعقاب الناس يحفزونهم على السير وهذا في صفة أحوال الآخرة وسوق الملائكة السابقين بالكثرة حتى يلتف بعضهم ببعض من شدة الحفز وعنيف السير ومما يقوي ذلك قوله تعالى { إلى ربك يومئذٍ المساق }والوجه الأول أقرب وهذا الوجه أغرب – تلخيص البيان ص 355-356] .

 

وهذا الكلام وإن كان فيه الصحيح لهول الموقف لكنه لم يصب مراد الله تعالى لذلك اختلفوا فيها ولو رجعوا بتلك القواعد ليتفكروا ويتدبروا كتاب الله تعالى وأين ورد لفظ ساق وسوق ليعلموا مراد الله تعالى لاكتشفوا بأن الله تعالى قال في الذين ماتوا على الكفر والنفاق { والتفت الساق بالساق إلى ربك يومئذ المساق – القيامة }أي الساقين أصبحتا ساقاً واحدة لا تصلح لركوع ولا سجود ولا يستطيعون وذلك عند كشف الحجب عنهم ورؤيتهم لكل ما وعد الله تعالى من جنة ونار . وذلك لأن لفظ كشف ورد في قوله تعالى { فكشفنا عنك غطائك فبصرك اليوم حديد – ق} وهنا تلتف الساق بالساق وإلى ربهم المساق كما أخبرت الاية الكريمة .

 

(2)

 

قوله تعالى { إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا – المزمل 5 }

 

قيل فيها [ وهذه استعارة : لأن القرآن كلام وهو عرض من الأعراض والثقل والخفة من صفات الأجسام والمراد بها صفة القرآن بعظم القدر ورجاحة الفضل كما يقول القائل : فلان رصين رزين وفلان راجح ركين غذا اراد صفته بالفضل الراجح والقدر الوازن – مصدر سابق ص 351] .

ونقول بأن ذلك الكلام صحيحاً ولكنه ليس كاملاً وذلك لأن مراد الله تعالى من لفظ ثقيلا ورد في قوله تعالى { إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون ورائهم يوماً ثقيلا – الانسان 27} .

وبالتالي مراد الله تبارك وتعالى أن يبين للناس أن هذا اليوم الثقيل لن ينفع فيه إلا القول الثقيل وهو القرآن الكريم فلا يمكن جعل السنة أثقل من القرآن أو آثار أهل بيت النبيي عليهم السلام فالقرآن الكريم أثقل وأكبر  كما في الحديث : [عن ابو سعيد الخدري قال قال النبي صلة الله عليه وآله  : إنِّي تارِكٌ فيكم الثَّقَلَيْنِ أحَدُهما أكبَرُ مِن الآخَرِ كتابُ اللهِ حبلٌ ممدودٌ مِن السَّماءِ إلى الأرضِ وعِتْرتي أهلُ بيتي وإنَّهما لن يتفرَّقا حتَّى يرِدَا علَيَّ الحوضَ- الطبراني في المعجم الأوسط 3/374 |

 

والثقل الأكبر هو القرآن الكريم لأنه عند الحساب سيقول تعالى للناس { فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين – الصافات 157 } ويقول تعالى أيضاً { أم اتخذوا من دون الله آلهة قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين – الانبياء 24 } .

 

 (3)

 

{ لتركبن طبقاً عن طبق – الإنشقاق 19 }

 

وقيل في هذه الآية : [ وهذه استعارة على بعض التأويلات والمراد بها لتنقلبن من حال إلى حال مثلها من حال الموت وشدته إلى حال الحشر وروعته , و قيل لتركبن سنة من كان قبلكم من الأمم  , وقيل : المراد بذلك تنقل الناس في أحوال الأعمار وأطوار الخلق والأخلاق والعرب تسمي الدواهي “بنات طبق” وربما سموا الداهية “أم طبق” – تلخيص البيان ص 263 ]  .

وهذه كلها تأولات فاسدة من باب ماذكرناه من قبل بأنهم نصبوا أنفسهم حكاماً على كتاب الله تعالى  وبالشعر يبينون كتاب الله ولا حول ولا قوة إلا بالله و ولو رجعوا لبيان القرآن بالقرآن لوجدوا أن لفظ طبق ورد في قوله تعالى { الذي خلق سبع سماوات طباقا – الملك 3} أي أن معنى { لتركبن طبقا عن طبق } أي صعود وركوب الإنسان  للطبقة الأولى من سماء الدنيا وهو ما ذكره الله تبارك و تعالى وأكده بمواضع أخرى من كتابه الكريم منها  قوله تعالى { ولو أنا فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت ابصارنا بل نحن قوم مسحورون – الحجر 15 }

 

(4) قوله تعالى  : { وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة } :

 

قيل :

[ والمراد بالوجوه هاهنا أرباب الوجوه ومثل ذلك قوله تعالى في السورة التي يذكر فيها القيامة { وجوه يومئذٍ ناضرة إلى ربها ناظرة – القيامة 22-23} والدليل على ماقلنا إضافته سبحانه النظر إليها والنظر إنما يصح من أربابها لا منها  لأنه تعالى قال عقب ذلك { ووجوه يومئذٍ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة – القيامة 24-25 } وكذلك قوله تعالى هاهنا { وجوه يومئذٍ ناعمة لسعيها راضية – القيامة}  والرضا والسخط إنما يوصف به أصحاب الوجوه فانكشف الكلام على الغرض المقصود  – تلخيص البيان ص 365 ] .

والوجوه الخاشعة هنا لو رجعوا لبيان القرآن لمعرفة مراد الله تعالى الذي أثبت أن هناك خشوع لله تعالى من خشيته في خضوع وذلة وطاعة لأمر الله كقوله عن الأرض { ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت –  فصلت 39 } أي مستسلمةلأمر الله تعالى في خشوع وخشوع

و  قال تعالى عن الملائكة وخضوعهم لأمر الله تعالى  { يخشون ربهم من فوقهم  ويخافون سوء الحساب – الرعد 21}  وخشوع الكفار هنا في  يوم القيامة يكون استسلاماً فيه ذله كما في قوله تعالى{ خاشعة ابصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون – القلم 43 } ويصف الله تعالى مشهد هذا الخشوع من الذلة في قوله تعالى { وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي – الشورى 45 } وهذا هو بيان الله تعالى لكلمة من كتابه الكريم .

 

5- قوله تعالى { وفرعون ذي الأوتاد }

 

وهنا قيل في هذه الآية [ وهذه استعارة والمراد وفرعون ذي الملك المتقرم ( أي المتأصل في السيادة والمجد) والأمر المتوطد والأسباب المتمهدة التي استقر بها بنيانه وتمكن سلطانه كما تثبت البيوت بالأوتاد المضروبة والدعائم المنصوبة – تلخيص البيان ص 365 ]

وهذا تأويل جانبه الصواب عند الكثير لأننا  لو عدنا لمراد الله تعالى بأن يكون القرآن حاكما على القرآن لرأووا بأن الله تعالى وصف الجبال بالأوتاد في قوله تعالى { والجبال أوتادا- النبأ 7 } أي أن فرعون ذي الأوتاد أي صاحب المباني الشاهقة التي تشبه في هيئتها الجبال من قاعدة وقمة مدببة وهى  الأهرام الطينية التي بناها من طين وقال فيها الله تعالى بموضع آخر من كتاب الله تعالى{ فأوقد لي ياهامان على الطين صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين – القصص 38 } .

 

6- [ من الإشارات البيانية الاستعارية ما ذكره الجاحظ كقوله { ولهم رزقهم بكرة وعشيا – مريم 62 }

 

يقول صاحب تلحيص البيان نقلاً عن المفسرين والبلغاء [  وليس في الجنة بكرة ولا عشي ولكن على مقدار البكر والعشيات – تلخيص البيان ص 12 ]

وهنا الخطأ الذي وقعوا فيه أن المؤمنين سينعمون في الدنيا والآخرة وكذلك الكفار والفراعين ومن تقلد بهم من كفار ومنافقين سيعذبون في الدنيا حتى يوم القيامة فإذا قامت القيامة وتبدلت الأرض غير الأرض عذبوا مرة أخرى في جهنم لقوله تعالى في بيان هذه الآيات عن فرعون لعنه الله ومن تقلد به { النار يعرضون عليها غدواً وعشياً ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب – غافر 46} فإذا قامت الساعة بدل الله تعالى الأرض غير الرض كما في قوله تعالى { يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات } وهنا يدخلون جهنم كما أخبر الله تعالى وأيضاً سيدخل الجنة المؤمنون إلى جنة الفردوس بعد جنة عدن التي هى جنة الحياة الدنيا والوارد ذكرها في قوله تعالى { جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب إنه كان وعده مأتيا لا يسمعون فيها لغواً  إلا سلاما ولهم فيها رزقهم بكرة وعشيا – مريم 62 } فإذا قامت الساعة  بدل الله تعالى الأرض غير الأرض والسماوات هنا يدخلهم ربهم سبحانه وتعالى  جنة الفردوس التي وردت في القرآن الكريم مقترنة بلفظ ميراث أي بعد قيام الساعة و فناء الخلق ثم ميراث الخالق تبارك وتعالى للأرض والسماوات   قال تعالى لذلك عن جنة الفردوس { الذين يرثون الفردون هم فيها خالدون – المؤمنون 11 }

 

هذا وبالله التوفيق وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب

خالد محيي الدين الحليبي

elqalamcenter@gmail.com

whatsapp 00201008219595