وصول السفينة “الجبيل” والتحضير لاستقبال سفن أخرى، بالإضافة إلى المساعي لتدشين شبكة المسيرات البحرية.. هكذا تطور السعودية ترسانتها البحرية وتعزز أمنها بالخليج العربي، في مواجهة انتشار واسع للسفن الإيرانية في البحر الأحمر وممر الشحن الاستراتيجي “باب المندب”.

كما أن تهريب الأسلحة إلى اليمن وزوارق الحوثيين التي تستهدف التحالف، يمثلان تهديدات آخرى للأمن السعودي، وهو سبب أثار اهتمام السعودية بتعزيز أمنها البحري.

الخطة السعودية “الطموحة” لتطوير أسطولها البحري، بدأت قبل سنوات، عندما تعاقدت على شراء 5 سفن حربية من طراز “أفانتي 2200″، في صفقة بنحو 1.8 مليار يورو، ضمن مشروع “السروات”.

ومشروع “السروات” هو اتفاق شراكة عسكري بين الشركة السعودية للصناعات العسكرية وشركة “نافانتيا” الإسبانية المصنعة لسفينة “أفانتي 2200”.

ويهدف المشروع لبناء 5 سفن لصالح القوات البحرية الملكية السعودية، ضمن خطة توطين 50% مـن إجمالي الإنفاق العسكري للسعودية بحلول عام 2030.

 

 

في 25 أغسطس/آب، وصلت أول سفنية من طراز “أفانتي 2200″، أطلق عليها اسم “الجبيل”، إلى قاعدة الملك فيصل البحرية في جدة (غرب المملكة).

وهذه السفينة من طراز “كورفيت- أفانتي 2200″، وهي أحدث ما تم تصنيعه عالمياً من هذا الطراز، وهي مزودة بقدرات تمكنها من التعامل مع كافة الأهداف في مسرح العمليات، سواء  في الجو أو فوق سطح المياه أو تحتها، وفق وزارة الدفاع السعودية.

وحينها وصف قائد القوات البحرية الملكية السعودي الفريق الركن فهد بن عبد الله الغفيلي، وصول “جلالة الملك الجبيل” بأنه “حدث تاريخي”، وقال إن القوات المسلحة السعودية عموماً والبحرية خصوصاً تفخر بهذا الإنجاز.

وهذه السفينة هي باكورة سفن مشروع “السروات”، واستغرق بناؤها نحو 4 سنوات، وفق “الغفيلي”، الذي قال إن بقية سفن المشروع ستصل تباعاً (دون تحديد موعدا).

ويجري بناء هذه السفن، التي يبلغ طولها 97 مترا وبوزن 2500 طن، في حوض بناء السفن التابع لشركة “نافانتيا”، في مدينة سان فرناندو الإسبانية.

 

 

وتمتلك سفن مشروع “السروات”، أنظمة قتالية حديثة تمكنها من التعامل مع الأهداف البحرية والجوية والغواصات.

كما تمتلك أنظمة حرب إلكترونية متطورة، إضافة إلى تزويدها بنظام إدارة معارك يحمل اسم “حزم”، وهو نظام سعودي محلي الصنع.

ويمكن للسفن الحركة بسرعة 25 عقدة بحرية، وهي مسلحة بمدافع من عيار 35 و76 ملم وصواريخ مضادة للسفن وصواريخ “ESSM” المضادة للأهداف الجوية ورشاشات من عيار 7ر12 ملم وطوربيدات من عيار 324 ملم.

ومن المقرر أن تنضم السفن إلى الأسطول البحري السعودي، مما يعني أنها لن تبحر فقط في مياه الخليج العربي بجوار إيران، ولكن كذلك ستعمل على حماية ما يقرب من 1800 كيلومتر من ساحل البحر الأحمر السعودي، وحماية الملاحة في خليج عدن، بجوار اليمن مباشرة، حيث تتمركز قوات الحوثي الموالية لإيران.

وستلعب السفن دورا رئيسيا في مكافحة الإرهاب والقرصنة وتأمين الملاحة في المياه السعودية والدولية في الخليج تارة والبحر الأحمر وخليج عدن تارة أخرى.

وإلى جانب التصنيع والتدريب والاختبار، يتضمن مشروع “السروات” الخدمات اللوجستية والدعم الفني والإمدادي اللاحق طويل الأجل، وتوريد معامل الاختبار الأرضي، ومعدات وأنظمة للقاعدة البحرية لصيانة السفن واستمرارية تأهيل طواقمها.

(3))

وحسب مراقبين، فإن “أفانتي 2200” مصممة لعمليات المراقبة والسيطرة مع القدرة على استضافة طائرة هليكوبتر تصل وزنها إلى عشرة أطنان.

علاوة على ذلك، كيفت الشركة الإسبانية “نافانتيا” السفينة مع البحرية الملكية السعودية من خلال تثبيت أنظمة قتالية إضافية، وتعزيز قدرتها على البقاء في البحر وجعلها مرنة حتى تتناسب مع درجات الحرارة القصوى المرتفعة.

ومؤخرا، كشف تحقيق لمجلة “دير شبيجل” الألمانية، توريد برلين رادارات جديدة لسفن سعودية، على الرغم من الحظر العلنى المفروض لتسليح ألمانيا للسعودية.

كما تعمل البحرية الأمريكية مع السعودية وإسرائيل ودول أخرى في الشرق الأوسط، لبناء شبكة من المسيرات البحرية (زوارق غير مأهولة يتم التحكم بها عن بعد) في إطار سعيها لتقييم نشاط الجيش الإيراني بالمنطقة.

والشهر الماضي، نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، عن البحرية الأمريكية إنها تتوقع أن يكون لديها 100 مسيرة بحرية صغيرة مخصصة للاستطلاع، ساهمت بها دول مختلفة، تعمل من قناة السويس في مصر إلى مياه الخليج العربي قبالة الساحل الإيراني، حيث تزود هذه الزوارق غير المأهولة مقر الأسطول الأمريكي الخامس في البحرين، بالمعلومات.

وتأتي هذه الجهود للولايات المتحدة وحلفائها مع تزايد القلق بشأن نفوذ إيران المتزايد في أحد أهم الطرق الاقتصادية بالعالم.

 

 

من جانبه، يقول خبير الدفاع بمركز “غلف ستيت أناليتيكس” وهو شركة استشارية للمخاطر الجيوسياسية مقرها واشنطن “كورادو كوك”، إن السعودية تعزز أساطيلها من خلال السفن الصغيرة والطرادات السريعة.

وأضاف: “كجزء من برنامج التوسع البحري السعودي متعدد السنوات، تقوم السعودية بتعزيز أساطيلها من خلال القوارب البحرية الصغيرة، وتعزز هذه الأصول البحرية قدرة المملكة على مراقبة بحارها وسواحلها وحراستها من الهجمات غير المتكافئة المحتملة التي يشنها وكلاء إيران أو ربما إيران نفسها ضد المملكة”.

وتابع: “تواجه البحرية السعودية بالفعل عددا من التهديدات غير المتكافئة من الجو والبحر”.

ويشهد البحر الأحمر منذ سنوات وجوداً منتظماً للجيش الإيراني، بعدما أشارت حوادث عديدة وقعت مؤخراً إلى تحركاته في ممر الشحن الاستراتيجي (باب المندب) الذي يستخدمه للوصول إلى حلفائه سواء في سوريا أو في اليمن، ويهدد السواحل السعودية على البحر الأحمر.

وغالباً ما أشار النظام الإيراني في وسائل إعلامية تابعة للحكومة إلى أن سفنه العسكرية موجودة في البحر الأحمر “لمواكبة وحماية” ناقلات النفط الإيرانية والحليفة من خطر “القراصنة”، لكن الإعلان الرسمي من قبل القيادات العسكرية جاء متأخراً، خصوصاً بعدما كشفت ذلك إسرائيل، منتصف العام الجاري.

 

 

وقال قائد بحرية الجيش الإيراني الأدميرال “شهرام إيراني”، إن وجود المدمرات التابعة للقوة البحرية الاستراتيجية للجيش على بعد 2200 كيلومتر من حدود البلاد بالبحر الأحمر، يعد الضامنَ لأمن الحدود الاقتصادية للبلاد.

وشدد “إيراني” على أن إزاحة الستار عن أسطول الطائرات المسيرة التابع للقوة البحرية الاستراتيجية، “أدت إلى تغيير التوازنات الإقليمية”.

وأشار إلى أن الوجود الإيراني في البحر الأحمر “ليس جديداً”، إذ أن لإيران “وجوداً مستمراً في منطقة شمال المحيط الهندي منذ عقدين من الزمن”.

من جانبه، يرى الباحث المتخصص في الشؤون الإيرانية “عدنان هاشم”، أن الوجود الإيراني المكثف في البحر الأحمر “يثير توتراً بين النظام الإيراني ودول المنطقة”.

ويقول إن المخاوف الحقيقية هي “أن تتحول المياه في البحر الأحمر إلى حرب الظل بين الإيرانيين والاحتلال الإسرائيلي، وهي حرب أصبحت تتمدد كثيراً خلال الأشهر الماضية في بحر العرب والبحر الأحمر.

وعلى الرغم من أنه يرى أنه “لن يكون لذلك تأثير لا على السعودية ولا على اليمن في المدى القريب”، فإنه يشير إلى أن الرياض وطهران “تحرصان على تجنب المناوشات التي قد توصل إلى حرب مباشرة”.

على مدار السنوات الماضية، حذرت السعودية من خطر الوجود الإيراني في البحر الأحمر وخليج عدن، متهمة طهران في مناسبات عديدة بالعمل على تسهيل إيصال الأسلحة للمتمردين الحوثيين في اليمن.

 

 

تأتي هذه الندية وسيادة الردع الغيرانية السعودية، رغم الحديث عن تفاوض من أجل استئناف علاقات البلدين الرسمية.

وفي 23 يوليو/تموز الماضي، أعلن العراق أنه يستعد لاستضافة اجتماع “علني” لوزيري خارجية إيران والسعودية بطلب من ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان”.

ومنذ أبريل/نيسان 2021، استضافت بغداد 5 جولات من المحادثات بين السعودية وإيران، وجرت الجولات السابقة بمستوى تمثيل دبلوماسي وسياسي منخفض وبمشاركة مسؤولي الأمن والاستخبارات من البلدين.

وانقطعت العلاقات بين البلدين في 2016، بعدما اقتحم محتجون السفارة والقنصلية السعودية في إيران؛ احتجاجا على إعدام الرياض رجل الدين الشيعي “نمر النمر” بعد إدانته بتهمة الإرهاب.

وتسود خلافات عميقة بين طهران والرياض في العديد من الملفات؛ بما في ذلك الملف اليمني، حيث تقود السعودية تحالفا عسكرية لدعم القوات الحكومية في مواجهة جماعة “أنصار الله” المدعومة من إيران، والتي تسيطر على العاصمة صنعاء منذ سبتمبر/أيلول 2014.

المصدر | الخليج الجديد