بقلم :
خالد محيي الدين الحليبي
الخوارج ليست سبة يسب بها أحد بقدر ما هى تحذير من الخروج على النص القرآني وحديث رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الرأي والهوى وجعل الرجال حكاماً على كتاب الله وليس كتاب الله حاكما على العالم والمتعلم وهذا الرأي قال فيه تعالى { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم ياذن به الله – الشوري } .
وهنا ظنوا أنهم على شيئ بعدما قدموا أهواء الرجال على النص القرآني والغريب أن الله تعالى قد حذر من ذلك وبين أن هذا فعل الكفار الذين يقدمون الأراء والأهواء على نصوص القرآن الكريم قال تعالى { ذَٰلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ ۖ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا ۚ فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ -غافر 12} وبين تعالى أن هذا الكفر سببه تقديم أهواء وأراء غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله فتشمئز قلوبهم إذا سمعوا آيات الله تعالى كما في قوله تعالى { وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ۖ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ – الزمر 45 } ثم يبين تعالى شدة كراهيتهم للذين يتلون عليهم آيات الله تعالى كما في قوله تعالى { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ ۖ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ۗ قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَٰلِكُمُ ۗ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ – الحج 72 } وهنا تجد الرجل منهم قد قطب وجهه وانتفخت أوداجه وحملق عينية في زمن رسول الله تعصباً لآلهتهم وبعد الإسلام نفس الأعراض يمكن مشاهدتها في الجدل الذي يدور بين أصحابا المذاهب فمن قائل :
- ألم تعلم أن القرآن فيه محكم ومتشابه وعام وخاص ومطلق ومقيد فما أدراك أن معناها هكذا
- ومنهم من إذا تلوت عليه الآية أو الحديث قال لك هل رواه البخاري فإن قلت له قال زيد وعمر من الناس استبشر وتبسم بما ملئ قلبه وعقله من آراء لا تزن عند الله جناح بعوضه وقد تدخل معتنقها النار فإن قلت له قال زيد وعمر من الناس استبشر وتهلل فرحاً غير سائل عن سند أو حتى مصدر وهذا من عمل الشيطان .
- ومنهم من يصدمك بقوله ” ماصحة الحديث” ليسكتك عن رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وهو لا يدري أن حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وحى محفوظ حفظ كتاب الله وما الإختلاف إلا في الأسانيد وليس المتون ومادخل الوضع والكذب إلا في مناقب الرجال لاستبعاد أهل بيت النبي من الإمامة والصدارة منذ موت رسول الله صلى الله عليه وآله حتى الآن .
وهذا النفور من آيات الله تعالى قال تعالى فيه { وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا – الإسراء 46 } وهذا النفور من آيات الله تعالى ورسوله وولاية أهل بيته عليهم السلام لولاية الآباء والأجداد التي نهى الله تعالى عنها في قوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ – التوبة 23-24 } وهذه الولاية جعلها الله تعالى للإمام علي وأهل بيت النبي من بعده عليهم السلام لقوله تعالى { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ – المائدة 55-56 } .
ولذلك حرب الخوارج مع الإمام علي كانت حرب تأويل قالوا فيها [ ” إن الحكم إلا لله ياعلي وليس لك ” ]
وبالتالي فكر قام على تقديم أراء وأهواء على نصوص القرآن الكريم ورويات النبي الصحيحة في حق أهل بيته عليهم السلام وهو إنكار بعض ما أنزل الله تعالى وقال فيه { ومن الأحزاب من ينكر بعضه }
وهنا جاء فكر الخوارج وريثاً للحرب القرشية على النبي صلى الله عليه وأهل بيته عليم السلام من بني هاشم وبني عبد المطلب مما أعطاه دفعة قوية استمر حتى يومنا هذا وبنص أمير المؤمنين حينما قال الحسن للحسين عليهما السلام بعد هلاكهم بالنهروان تباً لهذه العصابة فقد أهلكها الله وهنا تدخل ابيهم امام علي عليه السلام قائلا ” والله لو كان في أمة محمد ثلاثة لكان أحدهم على فكر هؤلاء”
وذلك لأن قريشاً قدمت أهوائها وآرائها قائلن للنبي صلى الله عليه وآله “نعبد إلهك عاما و تعبد آلهنا عام ” وهى آراء وأهواء ثم حاولوا إثناءه عن الدعوة إلى الله تعالى بالمال والنساء فلما عجزو رووا المكذوبات عليه وهو حي بين أيديهم كما في قوله تعالى { فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول – النساء }
وبعد موته صلى الله عليه وآله رووا الكثير من المكذوبات حرباً لله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام محاولين تغيير شرع الله تعالى ولكن الحمد لله الذي حفظ شرعه الكريم وجعل كل المكذوبات في مناقب الرجال فقط ليدحضوا إمامة أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله تماما كما قال تعالى فيما فعلته طائفة من بني إسرائيل { وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ – آل عمران 78 } وهذه الجريمة تكررت في أمتنا تماماَ كما في قوله صلى الله عليه وآله : [ ” أبي سعيد الخدري رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لدخلتموه” من هؤلاء القوم ، وما يجب أن يكون موقف المسلم تجاههم؟ وما معنى حذو القذة بالقذة؟ ] .
وكانت جريمتهم قال تعالى فيها عند أمة محمد صلى الله عليه وآله وما شرعوه من دون الله لاستبعاد الناس عن مودة أهل بيت النبي عليهم السلام { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله – الشورى } .
وهؤلاء المقدمين للرأي والهوى على النص القرآني في الدنيا سيظنوا أنهم على شيئ كما في قوله تعالى : { أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاءَ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ذَٰلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا – الكهف 102-106} .
وفي الآخرة نتيجة لأحكامهم المقلوبة حيث حكموا بكفر مؤمنين استباحوا دمائهم وتولوا ظالمين حكم الله بكفرهم ونفاقهم هنا سيقولون يوم القيامة { { وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ أَأَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ – ص 62 – 64 }
والغريب أنهم عند محاكمتهم سيكذبون أيضا على الله تعالى خالقهم ويقسمون له زورا أنهم على شيئ وماهم على شيئ قال تعالى { يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ ۖ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ ۚ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ – المجادلة 18-19 } وهنا يختم الله على أفواهمم لكذبهم على الله تعالى كما في قوله عز وجل { الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ – يس 65} .
ومن هنا يمكن أن نجزم بأن ليس كل الجماعات الإسلامية خوارج مالم يعمل بالرأي والهوى و تتلوث أيديهم بدم مسلم لقول رسول الله صلى الله عليه وآله [ مازال العبد في فسحة من دينه مالم يصب دما حراماً – البخاري ] كما أنه يمكن ان يكون شيخاً كبيراً مشهوراً معمماً أو مذهباً كبير عند الله من الخوارج دون ان يدروا لتقديمهم أراء وأهواء العلماء على النص وسماع رايه بغير دليل من الكتاب والسنة فهذا هو العمود الفقري لفكر الخوارج فهو كالفيروس لا يرى بالعين ولا يدري صاحبه أنه عند الله من الخوارج وهو يحسب أنه يحسن صنعا لأنه بحجة فهم العلماء لا يسمع منهم الدليل فيكونون قد جعلوا العلماء حكاماً على كتاب الله وليس كتاب الله حاكماً على العالم والمتعلم وهنا يقول صلى الله عليه وآله لحل هذا الموضوع [ لا خير إلا في عالم متبع ومستمع واع … الحديث ] أي عالم يأت لأتباعه بالدليل وأتباع يسئلون عن الدليل بوعي وقلب سليم .
ثانيا مادام فيهم من يقول أين الدليل والدليل القرآني بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله محور سلوكه وعاداته وعباداته وهى قولة بسيطة ولكن بركتها يمكن أن تخرج قائلها ومعتقدها عن دائرة السوء المضروبة من الله تبارك و تعالى على كل من خرج على ولايتة تعالى وولاية رسوله صلى الله عليه وآل بيه عليهم السلام
هذا وبالله التوفيق وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب
خالد محيي الدين الحليبي