الخرطوم ـ «القدس العربي»:
يبدو فصل الخريف بلا نهاية بالنسبة لآلاف السودانيين الذين تركتهم السيول والأمطار الغزيرة، بلا مأوى بعدما تهدمت منازلهم، يواجهون شبح أزمة إنسانية، تتفاقم يوماً بعد يوم، في ظل استجابة حكومية ضعيفة وفاترة، كما يقول المتضررون.
وفي مدينة الحوش، وسط السودان، أصبحت الأوضاع مأساوية للغاية، حسب عضو لجان مقاومة الحوش، عوض الكريم محمد بشير الذي قال لـ«القدس العربي»: «إن المياه غمرت مساحات كبيرة من المدينة والقرى المحيطة بها، وأن الآلاف يعيشون في العراء منذ أسابيع بعد تهدم منازلهم، وسط العقارب والثعابين المنتشرة في كل مكان، فضلا عن انتشار البعوض وأمراض الملاريا والدوسنتاريا والكبد الوبائي».
وأشار إلى النقص الحاد في الكوادر الصحية وشح الدواء والغذاء والحاجة الماسة للخيام والناموسيات، منددا بالوعود الحكومية التي لا تتحول أبدا إلى أفعال، على حد قوله.
وعلى بعد بضعة كيلومترات، في مدينة المناقل، التي يبدو أنها أكثر المدن السودانية تأثرا بالفيضانات والأمطار، يحاول القيادي الزراعي الطيب محمد بخيت، وعدد من المواطنين هناك الانتظام في لجان ميدانية تقوم بالعمل على الحد من آثار الفيضانات وتقديم الإغاثة وخدمات الإيواء والغذاء والدواء وفق ما هو متاح.
وحسب الطيب الأضرار في وسط البلاد كبيرة للغاية، بداية من غرب سنار مرورا بمنطقة جنوب الجزيرة والتي تشمل مدينة وريف الحوش وصولا إلى مناطق حميراء وعبود، حيث انهار طريق المناقل بسبب السيول، وغمرت مساحات واسعة هناك، وتدمرت بشكل كامل مناطق ابو هجب وود حلاوي.
وأضاف: «أن المياه في الوقت الحالي تجمعت في كبري ود الأمين شمال غرب المناقل، حيث تأثرت المناطق في محيطه بشكل كبير، في وقت يمنع انهيار طريق المناقل وصول المساعدات ويحاول المواطنون بجهود أهلية صيانته».
وفي السياق، قالت رئيسة غرفة الطوارئ بمدينة المناقل نهلة عبد المنعم لـ«القدس العربي» إن الأوضاع في المناقل والقرى المحيطة بها كارثية، مشيرة إلى أن المواطنين بعد أن يفيقوا من صدمة الفيضانات ومشكلات الإيواء والغذاء والعلاج سيواجهون صدمة فقدانهم لمنازلهم وانهيار مشاريعهم الزراعية التي غمرتها المياه والتي يعتمدون عليها بشكل كامل في حياتهم.
وأشارت إلى تأثر 110 قرية بتداعيات السيول والفيضانات، بينما وصلت جملة الأسر المتضررة إلى 22646 وعدد المنازل المنهارة كليا إلى 3443 وجزئيا 5393 منزلا بينما يتوزع الناجون في 12 معسكرا.
والقرى الأكثر تضررا حسب نهلة، هي ريفي المناقل والكريمت بالإضافة إلى المدينة والهدى، مبينة أن الاحتياجات العاجلة، تشمل توفير الغذاء ومواد الإيواء- المشمعات والأغطية والناموسيات والمراحيض المؤقتة.
وأوضحت أن الاحتياجات ذات الأولوية العالية هي الخاصة بالموارد الصحية وإصحاح البيئة وتتضمن الأدوية المنقذة للحياة وأدوية الطوارئ والمحاليل الوريدية بالإضافة إلى أمصال العقارب والثعابين والعيادات المتحركة. وكذلك، المطهرات والمنظفات والمبيدات الحشرية ذات الأثر الطويل وطلمبات الرش.
وفي شرق السودان، تحاصر السيول عددا من القرى، ما يجعل الوصول إليها في غاية الصعوبة، حسب وزير البنى التحتية المكلف بولاية كسلا هاشم محمد عبد اللطيف، الذي قال لـ«القدس العربي» إن 7 أشخاص قتلوا خلال الفيضانات هناك، مبينا أن عدد القرى المحاصرة بشكل كامل، بلغ 10 بمحلية اروما و7 في شمال الدلتا و 4 في حلفا الجديدة، مشيرا إلى تأثر 11 ألف أسرة بشكل مباشر بينما تضرر 106 مرافق حكومية وغمرت المياه أكثر من 40 ألف فدان زراعي.
وتمتد تداعيات السيول إلى غرب البلاد، حيث أعلنت اللجنة العليا للطوارئ ولاية جنوب دارفور منطقة كوارث، حيث قتل أكثر من 20 شخصا بسبب السيول التي اجتاحت 11 محلية ودمرت جزءا من سد أم دافوق. وبلغ عدد الأسر المتأثرة 30225 أسرة وانهار 9229 منزلاً، وغمرت المياه حوالي 300 فدان من الأراضي الزراعية.
وقالت المنسقية العامة للنازحين واللاجئين في دارفور إن الأوضاع الإنسانية والصحية في معسكرات النازحين، سيئة للغاية جراء الأمطار الغزيرة التي تسبب في إنهيار المنازل، وتأخير صرف الحصص الغذائية التي تأتي من برنامج الأغذية العالمي لمدة ثلاثة أشهر، الأمر الذي خلق أوضاعا إنسانية وصحية، صعبة ومتردية للغاية.
وأوضحت في بيان انهيار نحو 7000 منزل في معسكر كلمة بجنوب دارفور بينما تضررت عدد من المرافق الصحية والخدمية، مشيرة إلى أن برك المياه الراكدة تنبئ بوقوع كوارث صحية وانتشار الأمراض المعدية مثل الإسهالات، والكوليرا، والملاريا في ظل معاناة المئات من أمراض سوء التغذية وضعف الإمكانات الطبية ونقص الدواء.
ولفتت إلى أن الأوضاع هناك تستوجب التدخل بصورة فورية من الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية والحقوقية.
وفي وقت يعاني الآلاف من أوضاع إنسانية متفاقمة جراء السيول والفيضانات، تشير التوقعات إلى تصاعد هطول الأمطار، خلال الأسابيع المقبلة، في أجزاء واسعة من السودان خاصة المناطق الجنوبية والجنوبية الغربية والتي تشمل ولايات الجزيرة والنيل الأبيض والنيل الأزرق بالإضافة إلى سنار والقضارف ودارفور وكردفان الكبرى، وفق مركز الإيغاد للمناخ.
وحسب إحصاءات السلطات السودانية، بلغ عدد ضحايا الأمطار والسيول منذ بداية فصل الخريف في حزيران/يونيو الماضي 83 قتيلا، لقي نحو 31 منهم مصرعهم خلال الأسبوعين الماضيين، بالإضافة إلى 36 مصابا.
بينما انهار أكثر من 18 ألف منزل بشكل كلي و15 ألف بشكل جزئي، فضلا عن تأثر 283 مرفقا صحيا وجرفت المياه 1560 مصدرا للمياه.
وقال مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في السودان، في بيان، أن عدد المتضررين جراء الفيضانات والأمطار الغزيرة بلغ نحو 156300في 15 من أصل 18 ولاية سودانية.
وكذلك فقد المواطنون 330 رأسا من الماشية، كما تضرر حوالي 5200 فدان، ما يقدر بنحو (18.9 كيلومتر مربع) من الأراضي الزراعية بالفيضانات، ما سيسهم في مستويات مقلقة بالفعل من انعدام الأمن الغذائي. وفق البيان.
وأشار إلى أن موسم الأمطار في السودان يبدأ عادة في حزيران/يونيو ويستمر حتى أيلول/سبتمبر، مبينا أن ذروة هطول الأمطار والفيضانات تكون بين آب/اغسطس وأيلول/سبتمبر من كل عام.
وأعلن مجلس الوزراء الاستنفار وحال الطوارئ في الولايات الست الأكثر تضررا من الفيضانات وشملت نهر النيل شمال البلاد والجزيرة في الوسط بالإضافة إلى النيل الأبيض وغرب كردفان في الجنوب، وكسلا في الشرق فضلا عن جنوب دارفور غرب البلاد.
وبينما تتهم المعارضة السودانية السلطات بالإهمال وضعف الإستجابة للأوضاع الإنسانية المتفاقمة بسبب السيول والأمطار، أقر القائد العام للجيش السوداني عبد الفتاح البرهان خلال زيارة للمناطق المتضررة بالتقصير الحكومي وأكد شروعهم في تغطية المساعدات.
وقال أنهم ضيعوا ثلاث سنوات من حياة الشعب السوداني في المشاكسات السياسية بينما أهملوا قضايا المواطنين.
بالموازاة، أعلنت المملكة العربية السعودية فتح جسر جوي للمساعدات الإنسانية لإغاثة المتضررين من السيول والأمطار في ولايات السودان المختلفة، في حين وصلت الثلاثاء إلى العاصمة السودانية الخرطوم طائرتا إغاثة تحملان نحو 100 طن من المساعدات الغذائية والإنسانية.
وحسب تصريحات للسفير السعودي في الخرطوم علي بن حسن جعفر، جاءت المساعدات للتخفيف من معاناة المتضررين من موجة السيول والفيضانات في السودان.
وكذلك وصلت إلى البلاد، الأحد الماضي، طائرتا إغاثة من دولة قطر. وحسب مكتب منظمة قطر الخيرية في السودان شملت المساعدات ألف سلة غذائية بوزن 46 طناً من المقرر أن تسد الاحتياجات الغذائية لنحو 6 آلاف شخص لمدة شهر كامل، بينما تعمل المنظمة على تجهيز تدخل إغاثي متعدِّد القطاعات يشمل إعادة تأهيل المناطق المتضرِّرة، وتوفير مستلزمات الإيواء والصحة، وأعمال الإصحاح البيئي والمياه فضلا عن الأمن الغذائي والتعليم.
وأبدى عدد من رؤساء البعثات الدبلوماسية والمنظمات الدولية، تضامنهم مع المتأثرين بالسيول والأمطار، مؤكدين تواصلهم مع الجهات المختصة في بلدانهم لتقديم العون للسودان.
وعبرت سفارة الولايات المتحدة الأمريكية بالخرطوم عن أسفها البالغ لفقدان الأرواح والممتلكات لأكثر من 146 ألف من المتأثرين بالفيضانات، مؤكدة وقوفها إلى جانب الشعب السوداني في هذا الوقت الإستثنائي والصعب.