وشهدت الجزيرة فعاليات احتجاجية بشكل شبه يومي على مدار الأيام الماضية، بعد محاولات من جانب هيئة المساحة لرفع قياسات منازل في الجزيرة، تمهيداً لنزع ملكيتها وهدمها بالقوة.
وأسفر ذلك عن وقوع مصادمات واشتباكات بين الأهالي وقوات الأمن، التي ألقت القبض على 23 من السكان، فيما احتجز سكان الجزيرة عدداً من عناصر الشرطة والأمن المركزي، الذين فشلوا في مغادرة الجزيرة، في أعقاب المواجهات يوم الأربعاء الماضي، قبل أن تنهي وساطات شعبية ونيابية الأزمة، بإطلاق الشرطة سراح الأهالي، في مقابل إطلاق سكان الجزيرة سراح العناصر الأمنية المحاصرة.
تجميد كافة الإجراءات الخاصة بجزيرة الوراق لمنع اصطدام الغاضبين من سكانها بغاضبين من فئات أخرى
توصيات أمنية تجمّد ملف جزيرة الوراق
وفي سياق ذلك، قال مسؤول حكومي مصري في وزارة التنمية المحلية إنه “صدرت تعليمات لكافة الجهات المعنية بالتعامل مع جزيرة الوراق بتجميد كل القرارات في الوقت الراهن، إلى حين صدور توجيهات جديدة من جانب الحكومة والهيئة الهندسية للقوات المسلحة، المشرفة على عمليات نزع الملكية”.
وكشف المسؤول الحكومي، الذي تحدث لـ”العربي الجديد”، شرط عدم ذكر اسمه، أن “القرار الخاص بتجميد كافة الإجراءات الخاصة بالجزيرة في الوقت الراهن جاء بعد توصيات أمنية من جهاز المخابرات العامة، لمنع اصطدام الغاضبين من سكان الجزيرة بغاضبين من فئات أخرى متضررة نتيجة القرارات الحكومية الصادرة أخيراً”.
وأعلنت الحكومة المصرية في بيان رسمي، أوائل الشهر الحالي، عن استحواذها، ممثلة في هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، على 71 في المائة من جزيرة الوراق.
في أعقاب ذلك، عقد رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي اجتماعاً على المستويين التنفيذي والأمني، لمتابعة الموقف التنفيذي لخطة تطوير الجزيرة.
وحضر الاجتماع وزيري الأوقاف محمد مختار جمعة، والإسكان عاصم الجزار، ومحافظ الجيزة اللواء أحمد راشد، ومساعد مستشار رئيس الجمهورية للتخطيط العمراني اللواء أحمد هشام فاضل، ومدير أمن الجيزة اللواء هشام أبو النصر ونائبه اللواء عمرو طلعت، ونائب رئيس هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة لقطاع تنمية وتطوير المدن المهندس عبد المطلب ممدوح عمارة. وشهد الاجتماع تأكيد تنفيذ خطة إخلاء جزيرة الوراق، تحت مسمى مخطط التطوير.
توصيات حذرت من الإفراط في التعامل الأمني مع الغاضبين نتيجة الأزمات الاقتصادية والمجتمعية
خشية من غضب الشارع المصري
ووفقاً للمسؤول الحكومي، فإن التقديرات الأمنية الخاصة بطبيعة الوضع في الشارع المصري، والتي يتم عرضها على رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، أكدت “ارتفاع منسوب الغضب بين المواطنين في الآونة الأخيرة إلى مستويات مقلقة، في ظل ارتفاع الأسعار، والصدمة التي تلقتها الكثير من الأسر المصرية جراء نتائج الثانوية العامة”.
وكشف المسؤول أن “التوصيات التي وضعت على مكتب رئيس الجمهورية بشأن الوضع في الشارع المصري حذّرت من الإفراط في التعامل الأمني مع الغاضبين نتيجة الأزمات الاقتصادية والمجتمعية”.
ولفت إلى أن “التحذيرات طلبت إعادة النظر في تقديرات قدمها جهاز الأمن الوطني بشأن رؤى تقدّم بها ارتكزت في مجملها على التعامل الأمني فقط، عبر التخويف بإجراءات أمنية مشددة”.
الاستحواذ على المزيد من المساحات بجزيرة الوراق
ووفقاً للإعلان الحكومي الأخير بالاستحواذ على 71 في المائة من ملكية أراضي الجزيرة، فإن هيئة المجتمعات العمرانية باتت تمتلك 888.65 فداناً (الفدان يساوي 4.2 كيلومترات مربعة) من إجمالي مساحة الجزيرة، التي تبلغ نحو 1295.5 فداناً، إذ تم نقل ملكية نحو 2458 منزلاً، في حين تسلمت الهيئة كافة الأراضي المملوكة لهيئة الأوقاف.
ووفقاً لوزير الإسكان المصري عاصم الجزار، فإن “خطة تطوير جزيرة الوراق” تتضمن في المرحلة العاجلة منها تنفيذ 94 برجاً سكنياً، تضم 4092 وحدة سكنية، بمساحات تلبي مختلف المتطلبات للمستهدفين بها.
ويتم حالياً تنفيذ 40 برجاً، بإجمالي 1744 وحدة سكنية، إلى جانب تنفيذ عدد من المشاريع الخدمية مثل المدارس ووحدات طب الأسرة، ومراكز الشباب، ومراكز تجارية وخدمية وترفيهية.
وقد نشرت شركة “كيوب” للإنشاءات، عبر موقعها الرسمي أخيراً، مخطط تطوير جزيرة الوراق، والذي يحمل اسم “جزيرة حورس”، على مساحة 620 فداناً، بما يعادل 44.2 في المائة من إجمالي مساحة الجزيرة، وهو يضم حدائق العامة، وممشى ترفيهياً، وآخر رياضياً، ومراكز تجارية، ومتحفاً للفن المعماري الحديث.
ويتضمن المخطط أيضاً إقامة “مارينا حورس” على مساحة 50 فداناً، بما يمثّل 3.5 في المائة من إجمالي مساحة الجزيرة، إلى جانب أبراج “مارينا حورس” على مساحة 230 فداناً، بما يمثّل 16.4 في المائة من إجمالي مساحة الجزيرة، إلى جانب فنادق ومراكز أعمال ومراكز تجارية.
وينص الدستور المصري في مادته 63 على أنه “يحظر التهجير القسري التعسفي للمواطنين بجميع صوره وأشكاله، ومخالفة ذلك جريمة لا تسقط بالتقادم”.
لقاءات بين مسؤولين أمنيين وقيادات شعبية في جزيرة الوراق للتهدئة
لقاءات لمحاولة تهدئة أزمة جزيرة الوراق
من جهة أخرى، كشف مسؤول حكومي آخر لـ”العربي الجديد” أن الأيام القليلة المقبلة ستشهد ترتيب لقاءات بين مسؤولين يتبعون جهازاً سيادياً، وقيادات شعبية في الجزيرة، في محاولة للتهدئة في الفترة الحالية.
وأكد المسؤول أن “التوجه الراهن هو التريّث، خصوصاً أنه لا توجد حاجة للتسريع من وتيرة عمل المشروع في ظل العجز المالي وعدم توافر السيولة الخاصة بتنفيذ باقي أجزائه”.
وأكد المسؤول نفسه أن “اللقاءات التي ستعقدها قيادات أمنية في جهاز المخابرات العامة، تأتي نظراً لفقدان الثقة من جانب الأهالي تجاه ضباط الأمن الوطني الذين يتولون التعامل مع ملف الجزيرة منذ 2018”.
وقال إنه “سواء تم التعامل مع باقي سكان الجزيرة الذين ما زالوا يقطنون بها، أو تأجيل التعامل معهم إلى وقت آخر، فالنتيجة المؤكدة هي إخلاء الجزيرة ممن تبقى فيها من سكان، لتنفيذ مشروع الدولة”.
مساعد وزير الإسكان: مسألة التفاوض مطروحة أمام السكان
وفي الوقت ذاته، قال مساعد وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية عبد الخالق إبراهيم، خلال مداخلة هاتفية عبر برنامج تلفزيوني، مساء السبت، إن مسألة التفاوض مطروحة أمام السكان، ولكن هناك حالة لن يكون هناك تفاوض حولها، وهي المساكن المبنية على حرم نهر النيل.
وأضاف أن هذه المساكن “أثارت نوعاً من عدم الرضا، ولا بد من إزالتها، (والمساحات المبنية بها هذه المساكن) هي كحرم السكك الحديد ممنوع البناء فيها، على أن يتم تعويض الأهالي بمساكن بديلة أو قيمة مالية”.
وتابع إبراهيم أن “الجزيرة زراعية في أساسها، والبناء بالوتيرة الحالية يؤدي إلى تحولها لمنطقة ذات مساكن عشوائية بالكامل، ويجب تولي الوزارة أعمال التخطيط، قبل توصيل الخدمات والمرافق للأماكن الموجودة”.
وتعتبر جزيرة الوراق من أهم الجزر النيلية المصرية، إذ تقع في قلب النيل على مساحة من 1400 إلى 1600 فدان بمنطقة الوراق بمحافظة الجيزة، وهي واحدة من 255 جزيرة مصرية، إلا أنها الأكبر في المساحة.
وظلت الجزيرة محمية طبيعية حتى صدر قرار وزاري بإخراجها من قائمة المحميات، من قبل رئيس مجلس الوزراء السابق شريف إسماعيل. ويعتمد سكان الجزيرة على حرفتي الزراعة والصيد كمصدر دخل رئيسي لهم.