إلى عماد الدين أديب.. لمصلحة من إثارة اليأس والحديث عن نهاية التاريخ؟!

إلى عماد الدين أديب.. لمصلحة من إثارة اليأس والحديث عن نهاية التاريخ؟!
مصطفي بكري
مصطفى بكري

بين الحين والآخر يخرج علينا الكاتب الصحفى الكبير عماد الدين أديب بمقال يثير الإحباط، ويبشر بالدمار، ويرسم ملامح نهاية التاريخ، وانهيار الدولة الوطنية، وقبيل مقاله الأخير (الأحد 14 أغسطس) الذى تحدث فيه عن أسباب سقوط الأنظمة العربية المعاصرة، والأسباب العشرة التى ساقها، كان قد نشر مقالا فى شهر يونيو الماضي، توقع فيه خلق حالة من عدم الاستقرار فى مصر، تعيد البلاد إلى حالة الفوضى التى سبقت أحداث 2011، والتى لا يتوقع كما قال، كيف ستكون ردود أفعالها لدى القوى الشعبية.

عماد الدين أديب

توقع عماد الدين أديب فى هذا المقال نزوح المصريين عبر ليبيا وفلسطين والسودان، وهجرة الملايين عبر البحر المتوسط والبحر الأحمر ودول الخليج، وقال: إن ترك الوضع المصرى دون تدخل اقتصادى ومالى عاجل «كارثة بكل المقاييس».

بشرتنا قبل ذلك بالفوضى العارمة وهجرة المصريين للخارج والآن تتحدث عن الانهيار الكبير منتصف العام المقبل

ورغم أن الكاتب لم يقدم روشتة تذكر سوى مطالبة دول الخليج بضخ الأموال لإنقاذ الأوضاع فى مصر، فإنه ظل يحذر من الانهيار الكبير من بداية المقال وحتى نهايته، وهو أمر من شأنه إثارة الإحباط والإعلان عن نهاية دولة، وهجرة شعب إلى المجهول!!

ويؤسفنى القول أن البعض راح يطنطن لهذا المقال، وكأننا نعزف سويًا اللحن ذاته دون قراءة التفاصيل، ومعرفة حقيقة الأهداف ومراميها.

كنت أتمنى أن يراجع الزميل عماد الدين أديب نفسه وأن يعود إلى تاريخ وخصائص الشعب المصرى إلى الخلف قليلا، ومنها فترة الفوضى وتآكل مؤسسات الدولة وانهيار الأوضاع الاقتصادية، وغياب غالبية المؤسسات وأن يدرك أن الشعب والجيش تحالفا دون إعلان، الشعب يصمد والجيش يبني، حتى جاءت لحظة الإنقاذ لبناء دولة حديثة، قادرة على مواجهة التحديات، رغم المؤامرات الداخلية والخارجية التى كادت تودى بالبلاد إلى النفق المظلم والحرب الأهلية.

لن أغوص فى أحداث التاريخ المصري، قديمه وحديثه، ولن أتحدث عن الوقائع التى عاشها المصريون فى أزمنة تاريخية متعددة، اضطر فيها البشر إلى تحمل كل الأزمات، ولكنهم بقوا وصمدوا وانتصروا.

ومؤخرًا عاد الكاتب الصحفى عماد الدين أديب ليعزف اللحن ذاته، ولكن بطريقة «التلقيح» والإثارة دون ذكر، معتمدًا على مقولة «اللبيب بالإشارة يفهم»!!

تحدث أديب عن الأسباب العشرة لسقوط الأنظمة العربية المعاصرة، وراح يحاور ويناور، ويغوص فى العموميات، التى تنطبق على كل عصر وزمان، دون أن يعطى أمثلة يمكن الاعتداد بها، إنطلاقًا من أن الإثارة فى الطرح، والتلميح فى العبارات، كفيل بصنع حالة من الجدل والنقاش.

فارق كبير جدًا بين التحذير من الأخطاء وطرح البدائل.. وبين الحديث بعبارات إنشائية تنطبق على كل الأزمنة والعصور

دعونا نقلْ منذ البداية إنه من الواضح أن بين الأستاذ عماد الدين أديب وبين المؤسسة العسكرية فى عالمنا العربى خصام لدود، هو يتحدث منذ البداية عن أن «الأنظمة رغم اختلافها بين ملكية وجمهورية وثورية ومحافظة وعلمانية ودينية ومدنية كلها عسكرية»!! وكأنه أراد أن يقول: إن الخلفية العسكرية للقادة فى عالمنا العربى هى أحد أبرز أسباب فشل المشروع الوطني. وتناسى أن بلدًا مثل أمريكا التى يتغنى بها مثقفو وليبراليو هذا الزمان والتى تعاقب على حكمها عدد ستة وأربعين رئيسًا منذ أول انتخابات فى عام 1879م، من بينهم ثلاثة وثلاثون خلفيتهم عسكرية، والأمر نفسه بالنسبة لإسرائيل وغيرها من الدول، وهو أمر كنت أتمنى من الكاتب أن يتوقف عن التعميم، وأن يناقش ظاهرة تراجع الأداء فى بعض الدول بطريقة أكثر موضوعية وفهما لحقائق الواقع.

أنا لن أتحدث تفصيلًا عن الأسباب العشرة، لأنها لا تحمل جديدًا الاعتماد على رجال الثقة واستقواء بعض رجال السلطة وتضحيتهم بالحاكم من أجل البقاء وارتباط بعض رجال الحاكم بالعمالة للخارج، وصراع أجهزة الحكم مع بعضها البعض وانشغال أجهزة الدولة بتحقيق مكاسب شخصية على حساب مصالح الوطن، وحديث عن الامتيازات ودور أفراد العائلة.. إلخ، وكلها كما نرى عموميات يمكن أن تنطبق على كل عصر وزمان، لكن الخطير فى الأمر، هو أن الكاتب الكبير يطلق قنبلته ويحدد موعد انطلاق الفوضى بمقولته التى زين بها مقاله «يا خوفى الشديد على كثير من أنظمتنا وشعوبنا من الآن وحتى منتصف العام المقبل، حينما تصبح لقمة العيش وسوء الخدمات واستحالة الحياة اليومية هى وقود اضطرابات اجتماعية مدمرة»!!

لقد حدد السيد عماد الدين أديب الموعد بالضبط، منتصف العام المقبل، ولم يوضح للأسف لماذا منتصف العام القادم وليس غدًا أو بعد غد، طالما أن لديه معلومات موثقة، فلماذا لم يكتبها أو يسمعنا إياها؟ ولماذا تناسى أو تجاهل إمكانية تراجع الأزمة، أو زيادة معدلات النمو الاقتصادى لسبب أو لآخر وركز فقط على الانهيار الكبير، وكأنه جاء بـ «التايهة» عندما قال حينما تصبح لقمة العيش واستحالة الحياة اليومية، نكون أمام اضطرابات اجتماعية مدمرة!!

أدرك أن واقعنا الاقتصادى صعب للغاية وأننا أمام أزمة لها أسبابها التى يمكن أن نناقشها بكل وضوح وصراحة، وهى أزمة ليست فقط الأزمة الروسية – الأوكرانية هى المسئولة عنها، هناك عوامل عديدة ومتعددة تتحمل حكومتنا تبعاتها، ولكن هل معنى «الأزمة» حدوث الانهيار الكبير، الذى يبشرنا به السيد عماد الدين أديب بكلمات وشعارات فيها من العمومية ما ينطبق على كل أنظمة العالم بلا استثناء؟ إن قراءة مقاله الحالى تقول: إن السيد عماد الدين أديب يعطى إشارات واضحة على أن هذا الوطن فى طريقه للانهيار الكبير والفوضى العارمة بقصد أو بدون قصد.

لقد راح يقارن بين هتلر ويولويس قيصر وعبد الناصر وصدام والقذافي، فى جرأة واضحة على التاريخ، وعدم فهم لأبعاد المؤامرة التى استهدفت الأوطان والرموز، وهى لغة تفقده الموضوعية وتسقط عنه صفة (المحلل السياسي) إلى صفة المُعادى فكريًا وأيديولوجيا لهذه الأنظمة، فيضعها جنبا إلى جنب مع هتلر وقيصر وغيرهما، دون النظر إلى الأسباب الحقيقية والمشروع الاستعماري، الذى سعى إلى محاصرة المشروع العربى وتجلياته ممثلا فى القادة الثلاثة: (عبد الناصر وصدام والقذافي.. إلخ).

مصر تعاني أزمة اقتصادية.. لكنها قادرة على الخروج منها في أقرب وقت

الكاتب الكبير والزميل العزيز، نحن لسنا أمام نهاية التاريخ وانهيار دولة فى حجم مصر، بهذه السهولة التى تبشرنا بها بين الحين والآخر مهما كانت حدة الأزمة، التى أثق أننا قادرون وبقيادة الرئيس السيسى على الخروج منها والاستمرار فى إعادة بناء الدولة الحديثة، والسعى إلى تصحيح المسارات الخاطئة، وهو ما فعله جمال عبد الناصر بعد ١٩٦٧م رغم حجم الكارثة التى واجهتها مصر.

وإذا أردت أن أضرب لك الكثير من الأمثلة، فنحن حاضرون، ولكن اخترت لك بلدًا مثل ألمانيا أصبح الآن رابع اقتصاد عالمى بعد أمريكا والصين واليابان.

لقد استسلمت ألمانيا للحلفاء بعد نهاية الحرب العالمية الثانية فى عام 1945، انهارت الدولة، دمرت بنيتها التحتية، أغلقت مصانعها وتم نقلها إلى خارج البلاد، تم أسر 3 ملايين ألمانى فى هذه الحرب، وتم الدفع بهم إلى سيبيريا، لم يتبق فى البلاد سوى الشيوخ والنساء والأطفال، غابت الحكومة وأصبحت البيوت أطلالا، والجوع مسيطرًا.. فى هذا الوقت خرجت النساء لتكتب على جدران البيوت والمؤسسات المهدمة.. «لا تنتظر حقك – افعل ما تستطيع – ازرع الأمل قبل القمح».. والآن نحن فى حاجة إلى زراعة الأمل بدلا من إشاعة الإحباط واليأس، الشعب المصرى واعٍ ويدرك الحقائق، ويكفى صموده أمام الأوضاع الاقتصادية الصعبة التى يعانى منها، ولأنه شعب واعٍ، ويدرك أن المؤامرة على بلاده كبيرة، ويعرف خطورة تكرار سيناريو ما بعد 25 يناير، فهو لن يسمح بالفوضى التى قطعا ستؤدى إلى انهيار الدولة والقضاء على الحاضر والمستقبل.

كن متفائلا يا صديقى العزيز، ودعك من لغة التشاؤم، فالقائد الذي أسقط حكم جماعة الإخوان، وأنقذ البلاد، وأعاد بناء المؤسسات، وحقق الإنجازات الكبرى، قادر على الخروج من الأزمة ومراجعة كل الملفات.

الاسبوع