(وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً-الإسراء58)

خالد محيي الدين الحليبي :

[ من تفسير “النبأ العظيم” أو “تابوت السكينة” ]

(وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً-الإسراء58)

– وهنا

(وإن من قرية إلا نحن مهلكوها)

وهذا الهلاك هنا في الآية في زمان القائم عليه السلام في آخر الزمان وفي زمان بعثة إمام من أهل بيت النبي (عليهم السلام)  آخر الزمان يقيم الحجة على الناس لقوله تعالى (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ- فاطر24) و الله تبارك وتعالى عادلاً لا يعذب قرية أو أمة  إلا بعد أن يبعث فيها رسولاً أو إمامًا من أهل بيت النبي يقيم الحجة علىهم لقوله تعالى  { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً-الإسراء 15 } فإذا بعث هذا الإمام يكون أجل الأمة الظالمة قد حان وقته وجاء زمانه  لقوله تعالى { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلا نَفْعاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ -يونس47-49 } .

  • وأما (قرية)

ورد هذا اللفظ في قوله تعالى (لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا- الشورى7) أي أن هلاك الظالمين سيكون  في البلاد والقرى حول الحجاز وبها مكة المكرمة حرسها الله أم القرى بين الخليج و إيران والعراق وأفغانستان وسوريا و مصر وبلاد أفريقيا و المغرب العربي ثم يمتد الإنتقام الإلهي لكل أرجاء المعمورة حين يعلوا الظلم ويكثر الشذوذ والإفساد في الأرض ويقول تعالى في هذه القرى قبل يوم القيامة

{ وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ-الإسراء58) ومهلكوها يبين أيضًا أن الله تعالى لا يهلك قريةً إلا بعد أن يبعث فيها نذير كما في قوله تعالى (وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ- الشعراء208 }   وفي بيان هذه الأماكن وأنها حول أم القرى أيضا يقول تعالى { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ- الأحقاف27}  وفعلاً عاد وثمود بالجزيرة العربية وسبأ باليمن وشعيب وبنى إسرائيل بالشام والفراعين بمصر والنمرود بالعراق وهؤلاء هم الأولين كما في قوله تعالى (فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ-الزخرف8) وبعد هلاك الأولين من الأمم الظالمة حولنا يتبعهم الله تعالى بالآخرين في يوم الوقت المعلوم لهم قال تعالى {  أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ   ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآَخِرِينَ   كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ   – الأحقاف 16-18} وذلك لفعلهم نفس جرائم الأمم من قبل لقوله تعالى { فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّمَّا يَعْبُدُ هَٰؤُلَاءِ ۚ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم مِّن قَبْلُ ۚ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ  – هود 1-9 }

وبسبب هذه الجرائم في حق دينهم و أهل بيت نبيهم  عليهم السلام  و قتلهم الصالحين  تسلط العالم علىهم  بظلمهم لبعضهم بعضاً  وخروجهم على قواعد الدين والأخلاق والسلوك القويم الذي سبقتنا به كل الأمم في كل العالم  في الوقت الحالي

و ما وقع ذلك الإنقتام الإلهي بتسلط الأمم عليى تلك البقاع إلا من بعد أن ساروا على نهج أسلافهم الأولين الذين شايعوهم و ناصروهم و ساروا على قاعدة تقليد الآباء والتي قال تعالى فيها عن معتقدهم وقولهم في كل زمن { حسبنا ما وجدنا عليه آبائنا – البقرة }

وبهذه الجرائم هؤلاء أصبح الخلف أشياعاً  لسلفهم في تكرار نفس جرائم الأمم من قبل من سفك دماء وشذوذ وبخس ميزان وعملاً بالربا  وانتشار الظلم بينهم واقتراف كل الكبائر وزيادة سرقة  أعضاء البشر وبيعها وهذا  درك أسفل سقطت فيه هذه الأمم وهو مما لم تفعله الأمم من قبل  فعلوا تلك الكبائر والجرائم في حق دينهم وأنفسهم بعدما سكنوا في مساكن الأمم الغابرة ممن فعلوا فعل قوم لوط أو قتلوا الأنبياء والصالحين أو بخسوا الميزان بين سبأ باليمن  والفراعين في مصر أو النمرود في العراق أو قوم لوط وشعيب بالشام ولذلك يقول تعالى في هؤلاء بعد أن  سكنوا في مساكنهم كما في قوله تعالى {  أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ   وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ   وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ  إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ   – إبراهيم  – 45-47}  وهنا يبين تعالى أن انتقامة  سينزل بهؤلاء إذا ظلموا مثلما ظلم الذين من قبلهم قال تعالى { وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ ۖ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ ۚ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلًا  وَتِلْكَ الْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا – الكهف 58-59 } فإذا جاء موعد هلاكهم بغذاب الله تعالى واقع بهم كما وقع في الذين ظلموا من قبل كما في قوله تعالى   {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ- القمر43} .

وبالتالي هؤلاء إن لم يتوبوا فهم إلى زوال بعد أن وقعوا في دائرة السوء مع الذين غضب الله تعالى عليهم من قبل   قال تعالى {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَر -ٌالقمر51-53}  . وهذا الزوال ليس زوال للإسلام كما يظن البعض بل استبدال صالحين بظالمين كافرين بالله تعالى ومنافقين  قال تعالى  لذلك منذراً ومحذراً { وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم  – محمد 38 }

وأما :

 ( إلا نحن )

وهنا ورود هذه الآيات في قوله تعالى هنا {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا  فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ – التوبة 52} تبين أن هلاك القرى  يبدأ بسفك دماء أهل بيت النبي(عليهم السلام) ثم الصالحين  في العالم وهنا ينالوا إحدى الحسنيين في كل زمن من بعد موت النبي صلى الله عليه وآله ثم يمتع الله تعالى المجرمين  سنين حتى يحل زمان نزول العذاب على الظالمين في العالم قال تعالى { أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون } فإذا جاء أجلهم المحتوم والوعد الثاني في آخر الزمان والذي قال تعالى فيه للأعراب { سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم – التوبة } والوعد الثاني  أيضاً في زمن  علو الظالمين من بني إسرائيل الذي قال فيه تعالى { فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا – الإسراء }   وفي آخر الزمان عندما يحين وقت هلاك هؤلاء الظالمين في وقت  استضعاف أهل بيت النبي (عليهم السلام) ثم  المسلمين بتسلط العالم عليهم في مشارق  الأرض ومغاربها وهنا يكونوا قد دمروا أنفسهم بأيديهم ويبدأ نزول الإنتقام الإلهي على العالم قرية بعد قرية و دولة بعد أخرى كما في الآية هنا { وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذاباً شديداً كان ذلك في الكتاب مسطورا – الإسراء } . وأما .

مهلكوها

وهذا الهلاك يكون بفعل السفهاء وعباد العجل الذي قال فيه صلي الله عليه وآله “لكل أمة عجل وعجل هذه الأمة الدرهم والدينار” وذلك لقوله تعالى (أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا – الأعراف155) ويكون أيضًا بظلم الناس  أولاً لأهل بيت نبيهم عليهم السلام ثم تفرقهم و ظلمهم لبعضهم بعضا قال تعالى (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ – إبراهيم13-15) وهؤلاء هلاكهم بفسقهم كما في قوله تعالى(بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ-الأحقاف35)

وقال تعالى (سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ-الأعراف 145) والانتقام الإلهي والهلاك يبدأ ببعثة الإمام لقوله تعالى (وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ -القصص59) وهنا يهلكهم الله عز وجل كما أهلك الأمم الأولى من قبل كما في قوله تعالى (أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ – المرسلات16-17).

ثم يقول تعالى (أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً –الإسراء 58)

يبين الله تعالى أن العذاب لا ينزل إلا بعد بعثه الإمام المقيم للحجة علي الخلق كما في قوله تعالى (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً-الإسراء15) والعذاب يكون بسبب الذنوب لقوله تعالى (قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُم -المائدة18) وكذلك الأعراض عن ذكر الله تعالى لقوله عز وجل (وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً – الجـن17) وكذلك الظلم لقوله تعالى (وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً- الفرقان19) و هذا العذاب هو الأدنى في الدنيا قبل عذاب الآخرة لعلهم يتوبون من قريب لقوله تعالى (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ-السجدة21) وهذا العذاب يقع علي المشركين والمشركات والمنافقين والمنافقات كما في قوله تعالى (لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات-الأحزاب73) وقال تعالى (وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً-الفتح6)

وهذا العذاب الواقع على الأمة كلها في الآخرين كما وقع على الأولين يأخذ أشكالاً متعددة من أول الهموم على ضيق المعايش  إلى القتل

1) قال تعالى في هم الأولاد والأموال:

(فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ -التوبة55) وعذابه بالأولاد في صغره بالكد عليهم ومع إهمال أمر دين الله وتعليمهم إياه وانشغاله بالحياة الدنيا يمعن في إهمال تربيتهم على الدين ويتركهم للمجتمع يربيهم ويتخلقون بأخلاقه أيا كانت هذه الأخلاق ويحدث هذا تحت ستار العمل لتجهيز حوائجهم المعيشية ومع كبره نتيجة لإهمالهم فيهملوه بلا عائل وي

عن مركز القلم للأبحاث والدراسات

يهتم مركز القلم للأبحاث والدراسات بشؤون المستضعفين في العالم لا سيما المسلمين والتحذير من أعداء البشرية والإنسانية و تثقيف المسلمين وتعريفهم بحقائق دينهم وما خفى عنهم وعن وحضارتهم وماهم مقبلون عليه في ضوء علامات الساعة المقبلون عليها.

شاهد أيضاً

كتاب حياة السيدة زينب (عليها السلام)

كاتب وباحث : خالد محيي الدين الحليبي مدير مركز القلم للأبحاث والدراسات القاهرة    النسب …