في معظم جولات التصعيد الأخيرة مع إسرائيل، أظهرت حركة “حماس” أن لديها قدرة على ضبط النفس أكثر من حركة “الجهاد الإسلامي” الأصغر، لكن المزيد من الهجمات الإسرائيلية ضد غزة قد تجبر “حماس” في النهاية على أن تندفع لمساعدة حركة “الجهاد الإسلامي”؛ مما قد يثير حربا واسعة أقرب إلى التي شهدناها العام الماضي.

وفي 5 أغسطس/آب، بدأت إسرائيل حملة عسكرية ضد حركة “الجهاد الإسلامي” في قطاع غزة في إطار اقتناع الجيش الإسرائيلي بأن الحركة كانت تخطط لهجوم وشيك ردا على اعتقال قيادي رفيع بها في الضفة الغربية في وقت سابق من الشهر.

وفي الصراع اللاحق الذي استمر 3 أيام، ادلوي الإسرائيلي، فيما اعترضت القبة الحديدة معظمها.

وانتهى الصراع باتفاق لوقف إطلاق النار بوساطة مصرية دخل حيز التنفيذ في 7 أغسطس/آب، وكان من اللافت أن “حماس” لم تنخرط مباشرة في القتال بالرغم من مقتل اثنين على الأقل من الحركة خلال هذه الجولة من التصعيد.

 

 

“حماس” وضبط النفس

بقيت “حماس” خارج الجولة الأخيرة من القتال لأنه لم يتم استهدافها مباشرة، كما رأت الحركة أن تصعيد القتال سيهدد وصول المساعدات الخارجية التي تشتد حاجة القطاع لها.

بعد فترة وجيزة من إطلاق حملتها العسكرية الأخيرة في غزة، أشارت إسرائيل إلى أن العملية كانت تستهدف على وجه التحديد قادة وأصول “الجهاد الإسلامي” وليس “حماس”؛ مما أوجد دافعا لدى “حماس” لتجنب الانضمام إلى التصعيد.

وأشارت التقارير إلى أن مقاتلي غزة (التي تعاني من الحصار) يكافحون من أجل تأمين الاحتياجات الرئيسية من الطعام والوقود، والتي أصبحت مكلفة بسبب الصدمات العالمية في الأسعار نتيجة الحرب في أوكرانيا.

وبالنسبة لقادة “حماس”، زادت المشاكل الاقتصادية المتزايدة في غزة من أهمية خفض التصعيد من أجل الحفاظ على تدفق المساعدات الحاسمة من قطر.

 

 

ورقة انتخابية إسرائيلية

وفي الفترة التي تسبق الانتخابات الإسرائيلية المقررة في 1 نوفمبر/تشرين الثاني، من المحتمل أن تستمر الحكومة الإسرائيلية في حملتها على حركة “الجهاد الإسلامي”، بما في ذلك الغارات الجوية على غزة، بينما تحاول تجنب التصعيد مع “حماس”.

ويأمل رئيس الوزراء المؤقت “يائير لابيد” في هزيمة رئيس الوزراء السابق “بنيامين نتنياهو”، وهناك بعض الناخبين اليمينيين المتأرجحين بشأن الانتخابات المقبلة والذين يميلون لموقف متشدد تجاه غزة، وسيؤدي ذلك إلى تحفيز حكومة “لابيد” للحفاظ على استراتيجيتها الحازمة ضد الحركات الفلسطينية؛ على أمل الفوز بأصوات هؤلاء الناخبين ومنع موجة أخرى من الهجمات داخل إسرائيل أو الهجمات من قطاع غزة قبل اقتراع نوفمبر/تشرين الثاني.

وفي حين أن إسرائيل ستستهدف أي مسلحين يشكلون تهديدًا في الضفة الغربية، إلا أن “حماس” أقل استعدادا للرد على قمع أعضائها في هذه المنطقة لضمان إمكانية الوصول إلى المساعدات المالية، والمشروطة بالحفاظ على عدم التصعيد في غزة.

 

 

خطر اندلاع حرب

في المستقبل القريب، من المرجح أن تأتي الهجمات الانتقامية ضد العمليات الإسرائيلية في الضفة الغربية أكثر من حركة “الجهاد الإسلامي”، والتي لا تحمل عبء “حماس” بحكم غزة ولا حاجتها إلى الحفاظ على الشرعية السياسية، وستواصل إسرائيل بدورها ضرب حركة “الجهاد الإسلامي” في قطاع غزة إما لمنع الهجمات أو للرد على مثل هذه الهجمات.

ومع ذلك، فإن الهجمات المتكررة ضد قطاع غزة ستغضب الفلسطينيين، الذين سيطالبون “حماس” في النهاية بالانضمام إلى حركة “الجهاد الإسلامي” للانتقام من إسرائيل؛ مما يثير خطر اندلاع حرب أخرى على غرار حرب مايو/أيار 2021.

وينشغل الفلسطينيون حاليًا بمشكلات المعيشة أكثر من الصراع مع إسرائيل، لكن هذا الوضع سيتحول بسرعة إذا هاجمت إسرائيل مرارًا وتكرارًا أهداف حركة “الجهاد الإسلامي” في غزة في الأسابيع المقبلة؛ حيث من المحتمل أن تغذي هذه الضربات الغضب الشعبي خاصة مع الأضرار التي تُلحقها بالمدنيين.

وإذا تحول المزاج الشعبي في غزة إلى طلب الانتقام من إسرائيل؛ فمن المحتمل أن تعزز “حماس” تنسيقها مع حركة “الجهاد الإسلامي”، وتنفذ عمليات عسكرية مشتركة. واستجابةً لمثل هذه الهجمات، يمكن لإسرائيل القيام بعمليات انتقامية واسعة النطاق، خاصة مع حرص قادة إسرائيل على الفوز في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني؛ مما يثير دورة من التصعيد تؤدي إلى حرب شاملة.

وإذا وصل القتال بين الفلسطينيين والقوات الإسرائيلية إلى المستوى الذي شوهد خلال صراع العام الماضي، فإن التوترات بين عرب 1948 واليمينيين المتطرفين الإسرائيليين يمكن أن تشهد المزيد من اندلاع الاشتباكات العنيفة في شوارع إسرائيل.

وسيؤدي هذا الوضع إلى تصاعد الانتقادات الدولية لسياسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين بشكل علني، خاصة في الولايات المتحدة التي تشهد تنامي التشكيك في جدوى العلاقات الامريكية الإسرائيلية.

المصدر | ستراتفور – ترجمة وتحرير الخليج الجديد