الجمعة 12 أغسطس 2022 10:26 م

أصبحت هناك فرصة لصعود التكتلات التي تضم عددًا قليلًا من الدول، نتيجة مجموعة من العوامل الجيوسياسية والاقتصادية، مثل انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان والحرب المستمرة في أوكرانيا والارتفاع في أسعار الوقود والغذاء وجائحة فيروس “كورونا”.

وخلال جولة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” الأخيرة في الشرق الأوسط، عقدت أول قمة افتراضية لمجموعة “I2U2” وجمعت قادة الهند وإسرائيل والإمارات والولايات المتحدة.

وركزت هذه الأطراف على 6 مجالات للتعاون: المياه والطاقة والنقل والفضاء والصحة والأمن الغذائي، واتفقوا على تعزيز الشراكات الاقتصادية المتعلقة بالتجارة والبنية التحتية والاستثمار في المنطقة والخارج.

وفي عام 1992، عندما أقامت الهند تطبيعًا كاملاً للعلاقات مع إسرائيل، كان من المستحيل تصور ظهور قمة مثل “I2U2” تجمع هذه البلدان الأربعة، فكلها دول منفصلة جغرافياً ومختلفة أيديولوجيًا ومتباينة ديموغرافيًا.

ومع ذلك، فإن مصالحهم أصبحت متوافقة بشكل متزايد، وبما أن الهند قوة عالمية صاعدة ولها علاقات تاريخية وثقافية وسياسية واقتصادية مع العديد من البلدان في الشرق الأوسط وجنوب وغرب آسيا، فإن هذا يجعل تكاملها مع هذه الدول أمرًا طبيعيًا.

ويعود ذلك إلى نشاط رئيس الوزراء الهندي “ناريندرا مودي” ونهجه في السياسة الخارجية والدبلوماسية الاقتصادية، خاصة في غرب آسيا منذ عام 2014، والذي ساهم بشكل كبير في التخلص من الصورة التقليدية عن الهند بأنها تركز على الداخل فحسب.

وكانت سياسة “مودي” بـ”التوجه غربًا” معاكسة تماما للاستراتيجية السابقة تجاه غرب آسيا. وبصفتها سادس أكبر اقتصاد في العالم (من المتوقع أن يصبح حجم الاقتصاد 5 تريليون دولار بحلول 2026-2027 ويصل إلى 10 تريليون دولار بحلول 2033-2034)، تحتل الهند مكانة محورية كعملاق اقتصادي عالمي وسوق استهلاكي كبير.

 

 

توافق المصالح بين الرباعي

كان هناك توافق في المصالح الجيوسياسية والجيواقتصادية التي تشكل العلاقات بين الهند وإسرائيل والإمارات والولايات المتحدة. وبما أن الولايات المتحدة تركز حاليًا على آسيا وتستكشف فرص مشاركة العبء في غرب آسيا، فإن الهند شريك مفيد بالنسبة لواشنطن.

وفي حين تختلف الهند والولايات المتحدة في عدد من المسائل، بما في ذلك انخراط الهند مع إيران وروسيا، فإنه يمكن للولايات المتحدة الاستفادة من علاقات الهند مع البلدان المنافسة في المنطقة للمساعدة في سد الفجوة في إطار السعي لتحقيق هيكل أمني متماسك في المنطقة.

وفي الوقت نفسه، حدثت تحولات في علاقات الهند مع إسرائيل منذ بداية العلاقات بين البلدين في عام 1992. في ذلك العام، بلغ مجموع التجارة الثنائية بين الهند وإسرائيل 200 مليون دولار فقط، أما من أبريل/نيسان 2021 إلى يناير/كانون الثاني 2022، فقد بلغت التجارة الثنائية حوالي 6.3 مليار دولار (بخلاف الدفاع) مع ميل كفة التجارة لصالح الهند.

كما أصبحت إسرائيل واحدة من أكبر موردي الأسلحة إلى الهند، على قدم المساواة مع الولايات المتحدة وروسيا. وبالإضافة إلى ذلك، أقامت الهند وإسرائيل العديد من الشراكات الاستراتيجية في مجالات الزراعة والمناخ والمياه والعلوم والتكنولوجيا والأمن الغذائي.

وخلال السنوات الأخيرة، أصبحت الهند شريكًا تجاريًا رئيسيًا لدول الخليج. وفي فبراير/شباط، وقعت الهند والإمارات اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة مما سمح بإعفاء معظم الواردات الهندية من الرسوم الجمركية في الإمارات.

ومن المتوقع أن تزيد اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة من التجارة الثنائية التي تبلغ قيمتها حاليًا 60 مليار دولار سنويًا، لتصل إلى 115 مليار دولار في السنوات الخمس المقبلة. كما وقعت الهند والإمارات اتفاقيات إضافية في نقل التكنولوجيا والطاقة المتجددة وتطوير البنية التحتية ومكافحة الجرائم الإلكترونية والأمن الغذائي والتبادل الثقافي والفضاء وتنمية المهارات.

ومن خلال القوى العاملة في الهند، وتوسيع الإمارات لاهتماماتها الاستثمارية، والخبرة التقنية لإسرائيل، فإن التجارة الثلاثية بين الهند والإمارات وإسرائيل تتمتع بإمكانية الوصول إلى 110 مليار دولار بحلول عام 2030.

علاوة على ذلك، فإن العراق والسعودية والإمارات من بين أفضل 5 موردين للنفط في الهند، وبما أن الهند تلبّي 85 % من الطلب على النفط الخام من خلال الواردات، فإن ضمان الاستقرار في منطقة الخليج أمر بالغ الأهمية لأمن الطاقة في الهند.

 

 

ضبط النفس الاستراتيجي

كانت إحدى الخصائص الرئيسية للهند بعد استقلالها هي سياسة ضبط النفس الاستراتيجي، بمعنى تقديم السياسة والدبلوماسية علي استخدام القوة. وفي فترة ما بعد الاستعمار، تعرضت علاقات الهند مع إسرائيل والولايات المتحدة للتدهور بفعل سياسة عدم الانحياز لأول رئيس للوزراء للهند “جواهرلال نهرو”.

وفي سبعينيات القرن الماضي وحتى الثمانينيات، بدأت الهند في استخدام القوة الصلبة بشكل واضح. وعرضت الهند قوتها العسكرية خلال تدخلها في حرب استقلال بنغلاديش عن باكستان في عام 1971، ومنع انقلاب عسكري في سيشيل في عام 1986، والتدخل في سريلانكا في عام 1987 وجزر المالديف في عام 1988. ومع ذلك، تجنبت الهند استخدام قواتها المسلحة لأغراض سياسية في الخارج منذ نهاية الحرب الباردة.

وكان الغزو العراقي للكويت في أغسطس/آب 1990 تحولًا رئيسيًا في سياسة انخراط الهند في منطقة الخليج مع دخول العوامل الجيواقتصادية لتحل ببطء محل عوامل الجغرافيا السياسية. وأصبح إظهار ضبط النفس وسياسة عدم الانحياز في النزاعات في المنطقة والخارج الدعامة الأساسية للسياسة الخارجية الهندية.

وشكلت هذه الطريقة (المتمثلة في ضبط النفس الاستراتيجي وعدم التدخل) السياسة الخارجية للهند حتى إدارة رئيس الوزراء “مانموهان سينغ” من 2004-2014.

وبالرغم أن حركة عدم الانحياز فقدت أهميتها بعد نهاية الحرب الباردة، إلا أن “الحكم الذاتي الاستراتيجي”، وهو مبدأ أساسي لسياسة عدم الانحياز، لا يزال يؤثر في اتخاذ القرارات في السياسة الخارجية للهند.

 

 

إعادة المعايرة الاستراتيجية

في السنوات الأخيرة، تخلت الهند عن سياستها المتمثلة في ضبط النفس وركزت بدلاً من ذلك على “الحكم الذاتي الاستراتيجي”. وأعادت الهند ضبط سياستها تجاه غرب آسيا نحو “الثنائية التعاونية” و “الانحياز المتعدد”، وطورت شراكات استراتيجية قائمة على الملفات وليس الموقف الشامل من دولة ما. وتهدف الهند إلى الاستفادة من الفرص الاقتصادية الجديدة التي يقدمها النظام العالمي الناشئ متعدد الأقطاب

وفي عهد حكومة “مودي”، تحولت علاقات الهند مع دول الخليج وإسرائيل إلى حد كبير، وكان أحد التحولات في السياسة قيام “مودي” بفصل علاقات الهند مع كل من إسرائيل وإيران.

وبخلاف العلاقات الاقتصادية والتحويلات التي توفرها القوى العاملة الهندية في الخليج، تتعاون الهند ودول الخليج في قضايا الدفاع والأمن البحري ومكافحة الإرهاب وتتشارك المعلومات الاستخباراتية. وتجلي ذلك في الزيارة غير المسبوقة لقائد الجيش الهندي إلى الإمارات والسعودية في ديسمبر/كانون الأول 2020.

وحدث تغيير كبير بعد توقيع الإمارات والبحرين ودول عربية أخرى على اتفاقات “إبراهام” مع إسرائيل في عام 2020. ورحبت الهند بالاتفاقات. ومنذ ذلك الحين، عززت الهند علاقاتها بشكل ملحوظ مع كل من إسرائيل والإمارات.

ويعد تكتل “I2U2” امتدادا طبيعيا للعلاقات الثنائية الموجودة بالفعل بين الهند وإسرائيل والإمارات، فيما تلعب الولايات المتحدة دور الميسر. وفي حين أن البلدان الأربعة قد يكون لها أهداف مختلفة من هذا التكتل – على سبيل المثال موازنة الصين في حالة الهند وموازنة الولايات المتحدة أو إيران في حالة الإمارات وإسرائيل – فإن هناك العديد من القواسم المشتركة والمصالح المشتركة التي دفعت تشكيل هذا المنتدى.

ومع طموح الهند لأن تكون قوة كبيرة ومؤثرة في تشكيل السياسة الدولية، فإن المنتديات التي تجمع عدد قليل من الدول، مثل “I2U2″، توفر للهند فرصة للتعامل مع المشكلات الدولية بشكل جماعي ودفع مصالحها الاقتصادية.

المصدر | جوبي كريشنا باميديباتي/ معهد دول الخليج في واشنطن – ترجمة وتحرير الخليج الجديد