«أخناتون النبي المفقود»: دراسة تاريخية حول الملك أمنحتب الرابع

القدس العربي :

حوار: رامي فارس اسعد

دائما ما كانت قصص الحضارة المصرية القديمة وسيرة ملوكها وملكاتها العظام مصدر جذب وإلهام للكثير حول العالم وعلى مرّ العقود، فقد وضع الكثير من الدراسات والأبحاث العملية والتاريخية حول حياتهم ومنجزاتهم وأفكارهم وفلسفتهم في الحياة والدين وطريقة الحكم، وإدارة الأزمات وقيادة الشعب المصري نحو النصر ضد الغزاة الذين حاولوا تدمير ومحو الحضارة المصرية منذ الهكسوس وحتى العصور الإسلامية.
ولربما لم ينل ملك من ملوك مصر ما ناله الملك (أخناتون) من دراسة واهتمام وبحث حول حياته وفكره الديني والفلسفي، لأنه يكاد الملك الوحيد في الحضارة المصرية القديمة، الذي نال اهتمام علماء الأديان بشكل خاص الذي انقسمت حوله الآراء، فمنهم من رآه مجرد ملك مهرطق اخترع عقيدة في شطحة من شطحات خياله، أحدثت في النهاية الفتن والانقسام، ومنهم من يراه نبيا من أنبياء الله الصالحين.
حول أخناتون يتمحور العمل الجديد لشريف شعبان الباحث التاريخي وعالم المصريات والصادرة عن دارة الرواق بعنوان «أخناتون النبي المفقود» العمل يقع في ستة فصول متنوعة اختارها شعبان بعناية كي تكون سهلة الهضم على القارئ والمتلقي وقد كتبت بأسلوب عملي حديث ولم يكتف بالسرد التاريخي التقليدي فقط. كان لنا مع شريف شعبان عالم المصريات والخبير في الآثار المصرية القديمة وتاريخ الفن والمحاضر في كلية الآثار جامعة القاهرة هذا الحوار حول كتابه الجديد…

لماذا أخناتون (النبي المفقود)؟

■ لم يعرف تاريخ مصر والعالم شخصية جدلية مثل أخناتون، فقد كان محط شد وجذب بين مؤرخي العالم حتى اليوم، ما بين داعم وناقم. فهناك من يراه فيلسوفا مجددا له نظرة فكرة سابقة لعصره، وآخرون يرونه مهملا مستهترا أدى إهماله إلى ضياع الامبراطورية المصرية القديمة.

□ اخترت الملك أمنحتب الرابع (أخناتون) بالذات دون بقية ملوك مصر العظماء موضوعا للدراسة التاريخية الجديدة؟
■ لم أجد منشوراً عربياً وافيا يتناول شخصية وحياة الملك أخناتون وعصر العمارنة بالقدر الكافي، على عكس بقية العصور وشخصيات الملوك التي تناولها الجميع بوضوح مثل رمسيس الثاني وخوفو وتحتمس الثالث وغيرهم، لذا أخذت على عاتقي أن أبحث داخل جوانب تلك الفترة الغامضة وأتجول بين خلجات شخصية أخناتون الثرية، وأقدم للمكتبة العربية عملا يليق بالملك وعصره.

□ توصلت إلى تفنيد بعض النظريات القائلة إن أخناتون هو أحد الأنبياء، كيف تم لك ذلك؟
■ قمت بتحليل حياة الأنبياء الكرام إبراهيم ويوسف وموسى عليهم السلام، مع مقارنتها بسيرة الملك أخناتون، ودراسة الآراء التي تربطهم ببعضهم بعضا أفردت لها باباً كاملاً مستنداً بالحجة العملية والتاريخية والدينية. ومن بين النتائج أنهم دفنوا خارج حدود مصر، حيث تشير المصادر التاريخية إلى أن النبي إبراهيم دُفن في بمغارة مكفيلة في مدينة حبرون (الخليل) بينما مات النبي يوسف في مصر وحمل بنو إسرائيل رفاته أثناء الخروج، ليتم دفنه في مدينة شكيم في الشام، في حين مات النبي موسى على رأس جبل نيبو في الأردن ودفن فيه. بينما دفن الملك أخناتون في المقبرة 55KV في وادي الملوك.

□ كمْ من الوقت استغرق مشروع كتاب «أخناتون النبي المفقود»؟
■ استغرق البحث أكثر من ست سنوات من تجميع مادة علمية والتوصل إلى النتائج التاريخية، بينما دامت عملية الكتابة خمسة أشهر.

□ كل باحث تاريخي لا بد من أن يعتمد على بعض المصادر التاريخية الموثوقة، ما هي أهم المصادر التي اعتمدتها الدراسة؟
■ من أهم المصادر التاريخية التي اعتمدت عليها دراسات كل من الإنكليزي سيريل ألدريد والألماني إيريك هورنونج، التي تناولت فكر وشخصية أخناتون بقدر من التعمق، بالإضافة إلى الأبحاث العلمية التي أجريت على بقايا مومياء الملك أخناتون، كما أفردت صفحات في نهاية الكتاب لأغلب المصادر العربية والمترجمة والأجنبية، التي اعتمدت عليها في عملية البحث.

□ هنالك سؤال دائما ما يطرح نفسه، لماذا نرى أغلب المصادر العلمية التي تبحث في علم المصريات هي مصادر أجنبية بينما نعاني من نقص في المصادر العربية وإن وجدت فهي قديمة؟
■ للأسف الشديد منذ أواسط القرن التاسع عشر يهتم الغرب بدراسة تاريخ وآثار مصر القديمة والشرق الأدنى القديم بشكل علمي منظم مدعوم بميزانيات ضخمة لتمويل تلك الأبحاث، بالإضافة إلى اهتمام وولع القارئ الغربي العادي بتاريخ مصر القديمة، وهو ما نتج عنه العديد من الأعمال العلمية المتطورة، في الوقت الذي يهمل فيه الباحث العربي دراسة تاريخه تاركاً الساحة للغرب.

□ في رأيك لماذا ألهمت شخصية أخناتون مخيلة أغلب الشعراء والأدباء والفنانين حول العالم؟
■ كان لغموض شخصية أخناتون وغموض عصره أثرهما البالغ في عالم الأدب والدراما، فأشعل جذوة الخيال لدى العديد من المؤلفين والروائيين مثلما فعل مع الفلاسفة وعلماء التاريخ والآثار، وأصبح بطلاً للعديد من الأعمال الأدبية سواء في الأدب المصري أو العالمي، وفتح الباب لشطحات الخيال في إعادة تركيب شخصيته المتأرجحة ما بين الطيّب الصالح والشرير المارق.

□ هنالك فريق يرى أن ما جاء به أخناتون عبارة عن هرطقات لا علاقة لها بالأديان السماوية، أو بالله الواحد الأحد، بينما يرى الفريق الثاني عكس ذلك رغم الإثباتات التاريخية، كیف تری أخناتون كباحث تاريخي؟
■ تأثر أخناتون بزخم كبير من الأفكار والمعتقدات، سواء الموروثة من آلاف السنين، أو تلك الواردة من الشرق، حيث احتكاك مصر بالشعوب الأجنبية خلال توسعاتها العسكرية قد أدى إلى وجود تأثير وتأثر فكري متبادل، كما وفدت إلى مصر معتقدات دينية متأثرة بما جال بالشرق الأدنى من أفكار الوحدانية التي نادى بها نبي الله إبراهيم، خلال هجراته المتعددة مضمونها التعبد للرب الأوحد، دون سواه بالإضافة إلى دعوة التوحيد التي آمن بها بنو إسرائيل (بعض الوقت) خلال مكوثهم في مصر ثم رحيلهم إلى بلاد الشام، حيث أصول أجداده يويا وتويا، التي تشعبت داخل قصر أبيه وهو ما ساعده على تبني فكرة التوحيد، لكن من منظور بعيد عن المنظور السماوي.

عن مركز القلم للأبحاث والدراسات

يهتم مركز القلم بمتابعة مستقبل العالم و الأحداث الخطرة و عرض (تفسير البينة) كأول تفسير للقرآن الكريم في العالم على الكلمة وترابطها بالتي قبلها وبعدها للمجامع والمراكز العلمية و الجامعات والعلماء في العالم.

شاهد أيضاً

مصر تكشف عن كنزها الضخم وتهزم السعودية والإمارات لتصبح الأقوى والأغنى في الخليج’

اليمين الآن : اكتشف علماء الآثار كنوزا جديدة من مدينة هيراكليون، المدينة المصرية “المفقودة” التي …

اترك تعليقاً