ساسة بوست :
يقول الكاتب الصهيوني الليبرالي إريك ألترمان إن إسرائيل خسرت اليهود والليبراليين الأمريكيين؛ لأنه ليس لديها «محتوى» لتقدمه، إلى جانب الدعاية المبتذلة القائلة إن «الجميع يكره اليهود».
نشر موقع «موندويس» الأمريكي مقالًا للكاتب فيليب وايس، المحرر المشارك في الموقع، يتحدث عن تخلي الليبراليين واليساريين الأمريكيين عن إسرائيل، وتخلي الشباب اليهود عن اليهودية نفسها؛ لأنها لم تعد تقدم لهم أي محتوى سوى موالاة إسرائيل.
واعتمد الكاتب في مقاله على حوارٍ عُقد في جامعة تل أبيب، بين الدكتورة الإسرائيلية يائيل ستيرنهيل، والكاتب الصهيوني الليبرالي إريك ألترمان، والموضح هنا بالخط المائل.
يبدأ الكاتب مقالته بالقول: إنّ إريك ألترمان مفكر صهيوني ليبرالي مهم يفقد صبره تجاه إسرائيل، فقد قال ألترمان، متحدثًا في جامعة تل أبيب نهاية مايو (أيار)، إنَّ إسرائيل خسرت اليسار الأمريكي، وإنَّ اليهودية نفسها في أزمة لأن محتواها الوحيد هو الولاء لإسرائيل.
الكاتب الصهيوني الأمريكي إريك ألترمان
ويضيف الكاتب مقولة لألترمان: «لقد خسرت إسرائيل اليسار، لا شك في ذلك، ولا يمكنها استعادته طالما وجِد هذا الاحتلال. وحتى حكومتكم الجيدة، لديها 72 صوتًا على اليمين وتبني 4 آلاف مستوطنة جديدة، إنها تفعل أشياءً فظيعةً كل يوم».
إسرائيل تخسر
يستهل الكاتب قوله إنَّ إسرائيل خسرت اليهود والليبراليين الأمريكيين لأنها ليس لديها «محتوى» لتقدمه، إلى جانب الدعاية المبتذلة القائلة إن «الجميع يكره اليهود»، والتي لا معنى لها من وجهة نظر اليهود الشباب، ويقول ألترمان:
لدى إسرائيل برنامج للدبلوماسية العامة (hasbara)، محاولة من هذه الجماعات للتواصل مع الليبراليين الأمريكيين، لكن لم يعد لديهم أي شيء للتواصل معهم بشأنه بعد الآن؛ لأن الحُجة التي أعطيت لي كانت منطقية من وجهة نظري عندما كنت أتقدم في العمر، وربما كانت منطقية من وجهة نظر ابنتي، والقائلة إن هناك محرقة، وإن اليهود لم يكونوا آمنين على الإطلاق، وإن الإسرائيليين تعرضوا للغزو وهم معرضون للخطر في كل دقيقة هذه الحُجة لم تعد تصمد بعد الآن، ولا يزال اليهود الأمريكيون يتلقون الحُجة نفسها من قبل المنظمات اليهودية وأولياء أمورهم وأجدادهم، ولكنهم يتعلمون شيئًا مختلفًا تمامًا في الكلية… إنهم يرون شيئًا مختلفًا تمامًا في الأخبار … لأول مرة – وهذا مهم جدًّا – يمكنك في الواقع الحصول على معلومات جيدة من إسرائيل وفلسطين إذا كنت تريد ذلك؛ كل هذا متاح على وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت وصحيفة «هآرتس»، وما يرونه لا يحبونه.
اليهود الشباب يتخلون عن اليهودية
ووفق الكاتب، يتخلى اليهود العلمانيون الشباب عن اليهودية نفسها، ويقتبس مقولة أخرى من حوار ألترمان:
أصبحت الحاخامية اليهودية الأمريكية مؤيدة للفلسطينيين، والشباب اليهودي الأمريكي ينسحب من اليهودية؛ إنهم إما يبتعدون عن إسرائيل بوجه عام وإما يبتعدون عن اليهودية تمامًا؛ لأن اليهودية ليس لديها إجابات تقدمها لهم، لأن الإجابة التي يحصلون عليها هي «الولاء لإسرائيل، واحترس من معاداة السامية»، ولا يوجد محتوى؛ هذا ليس صحيحًا من وجهة نظر الأرثوذكس؛ لكن اليهودية الأمريكية العلمانية تموت في مهدها؛ لأنها لم تُستبدَل ليحل محلها أي شيء إلا بالولاء لإسرائيل، ولم يعُد خطاب الولاء لإسرائيل يعمل بعد الآن.
يقول ألترمان، الذي سيُصدِر كتابًا بعنوان: «لسنا واحدًا (We Are Not One)» عن الهوة بين اليهود الأمريكيين واليهود الإسرائيليين، إذا كنتَ تريد إنقاذ اليهودية، فإن بعضًا من الـ50 مليون دولار؛ التي أنفقتها المنظمات اليهودية على منظمة (Birthright أو حق الميلاد)، التي تشحن اليهود الشباب للتوجه إلى إسرائيل لمدة 10 أيام، يجب أن يذهب لتدريس «عجائب التاريخ اليهودي والثقافة اليهودية»، وذلك لتجديد المؤسسات اليهودية الأمريكية ومؤسسات العدالة الاجتماعية.
حاخامات في احتجاجات مناصرة لفلسطين في نيويورك
والكاتب يُتبِع القول نقلًا عن ألترمان، صاحب الـ62 عامًا، للجمهور الإسرائيلي اليساري إنه يشطب منظمات السلام الإسرائيلية من وصيته.
آسف، فأنا أتخلى عنكم وعن زملائكم، وسأكرِّس انتباهي لتجديد اليهودية الأمريكية، هؤلاء هم شعبي، اعتدتُ أن أضع في وصيتي جماعات السلام الإسرائيلية، وأنا أغيِّر وصيتي وأموِّل المؤسسات الأكاديمية والخيرية اليهودية الأمريكية، مع استثناء واحد هو الدعوة الحاخامية لحقوق الإنسان؛ تُروا (T’ruah).
ونقل الكاتب مقولة مديرة الجلسة يائيل ستيرنهيل، «هل أنت جادٌّ في ذلك»؟ فقال ألترمان إن إسرائيل تركته، ولكنه لم يترك إسرائيل:
أشعر أن إسرائيل قالت لليهود الأمريكيين، إننا نسير في طريقنا، ويمكنكم أن تسيروا معنا أو تغادروا، وسيغادر المزيد والمزيد من اليهود الأمريكيين والليبراليين الأمريكيين، ولن يخوضوا هذه المعركة؛ لأنها لم تعد مركزية لهويتهم، وكان الأمر كذلك لجيلٍ لديه أجداد مروا بالهولوكوست… والذين يمكنهم الآن مشاهدة فيلم الخروج (Exodus) ويصدقونه.
الاحتلال الإسرائيلي
ومن المضحك أن ألترمان يستبعد الجماعات الإسرائيلية علانيةً من وصيته؛ لأن ذلك المجتمع ضلَّ طريقه، ومع ذلك يقول إنه لا يؤمن بالمقاطعة، عندما ينفِّذ في الواقع نوع المقاطعة السياسية الخاص به. (المزيد عن حركة المقاطعة موجود أدناه).
وقدَّم ألترمان في حديثه تلخيصًا جيدًا للغاية لمزاج اليسار في إسرائيل.
«القاعدة هي الحديث عن إسرائيل بوصفها دولةً استعماريةً استيطانيةً، والقاعدة هي القول بالفصل العنصري».
ويلفت الكاتب إلى أنَّ جميع جامعات النخبة موالية للفلسطينيين، وكل مجلة ليبرالية/يسارية مؤيدة للفلسطينيين، من «ذا نيو ريببليك» إلى مراجعات نيويورك للكتب، ويضيف أنَّه منذ الثمانينيات، أجبرت إسرائيل الليبراليين على الاختيار بين الليبرالية والصهيونية، «لأن الاحتلال دائم إلى الأبد». و«الصهيونية إشكالية كبيرة بالطريقة التي تشرَّع من خلالها»، والليبراليون لا يحبون فكرة الدولة اليهودية.
الليبراليون الأمريكيون يبتعدون
ثم يبدأ الكاتب الحديث عن حركة المقاطعة فيقول: الآن اسمحوا لي أن أتطرق إلى أجزاء من خطاب ألترمان التي وجدتها غير مقنعة، وإليك بعض حُججه ضد الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل:
إن الدعوة إلى مقاطعة إسرائيل لا تفيد الفلسطينيين في الواقع، باستثناء أنها ربما تجعلهم يشعرون بتحسُّن لكونهم لم يتعرضوا للنسيان تمامًا… إنها تأتي بنتائج عكسية من نواحٍ كثيرة؛ لقد أعطت السياسيين الأمريكيين والسياسيين الإسرائيليين سببًا لإغلاق باب الحوار، ومقاطعة اليهود فكرة سيئة، وهم لا يستجيبون لها استجابةً جيدةً، ولا يعطونك ما يريدون… (الفكرة التي تقولها) أي عدم قدوم صانعي الأفلام والفنانين والموسيقيين الإسرائيليين إلى أمريكا والتحدث إلى طلاب الجامعات، هي فكرة مجنونة، والسبيل الوحيد لتحقيق السلام والكرامة للفلسطينيين هو أن تقرِّر إسرائيل أن هذا الأمر مقبول وعلى ما يرام؛ لأن إسرائيل تستطيع منع ذلك، وفي الانتخابات الأربعة الأخيرة لم يكن هناك حتى نقاش (حول حقوق الفلسطينيين). إن حركة المقاطعة تأتي بنتائج عكسية بكل تلك الطرق، ولم تؤيدها أي جامعة كبرى أو حكومة محلية أو نقابة عُمَّالية.
جوابي السريع هو: هذه حجة محافِظة، ويجب ألا تجتذب قيمُها التقدميين، والادِّعاء بأنه ليس من المهم أن تؤدي حركة المقاطعة إلى شعور الفلسطينيين بأنهم غير منسيين هو ادِّعاء قبيح، إذ يُقتل الفلسطينيون كل يوم، وإذا أراد الفلسطينيون حركة مقاطعة إسرائيل لأنها تجذب الانتباه فقط، فنحن بحاجة إلى الاستماع إليهم، لأنهم الأشخاص الذين يتعرضون للاضطهاد، تمامًا مثلما استمعنا إلى السود في ظل قوانين جيم كرو.
وينتقد الكاتب فكرة أن إسرائيل هي السبيل الوحيد لتوفير السلام والكرامة للفلسطينيين، ويرى أنها أيضًا فكرة محافِظة للغاية، وبيت القصيد من المقاطعة هو أن إسرائيل لن تمنح الفلسطينيين حقوقهم أبدًا، والمجتمع سعيد جدًّا بالفصل العنصري، ويجب على الناس أخذ حقوقهم بالقوة، وهذه استجابة تقدمية تقليدية للغاية (جنوب أفريقيا).
وأعتقد أن ألترمان أيضًا محافظ وعديم الخيال عندما يتعلق الأمر بالخطاب الأمريكي، ويرى أن اليسار ينقلب على إسرائيل، لكنه يقول إن ذلك لن يكون له عواقب سياسية.
«لأن القوى القائمة راسخة جدًّا، والحزب الجمهوري مخلص جدًّا لموقفه من إسرائيل، والديمقراطيون خائفون جدًّا من مواجهة هذا الوحش الذي سيبطش بهم إذا تجاوزوا الخط، ولا قيمة له، وبقدر ما أستطيع أن أقول، لا أرى أي شيءٍ جيدٍ يحدث مع الاحتلال؛ لذلك أرى فقط أن الخطوط تصبح شرًّا أكثر وأكثر، والمزيد والمزيد من الجدل حول كلمات مثل الفصل العنصري، ولكن القليل جدًّا من التغيير المنهجي أو المؤسسي في الطريقة التي تعمل بها الحكومة الأمريكية تجاه إسرائيل».
وإذا قالت أمريكا، كفى لإسرائيل، فإن إسرائيل ستتجاهل ذلك، كما يقول ألترمان:
«إنها مشكلة لسمعة إسرائيل ولأصدقائك، ربما لأبناء أقاربك، والمتاعب، لكني لا أرى أي تغييرٍ جوهري؛ أنا فقط أرى الحجة تزداد قبحًا وقبحًا».
ويختتم الكاتب مقاله قائلًا: أعتقد أن ألترمان يبرر النظام السياسي كما هو؛ إذ يُمْلي اللوبي الإسرائيلي السياسة، وهو يحب هذه الطريقة، ووجهة نظري هي أن اللوبي الإسرائيلي هو «الوحش» – على حد تعبير ألترمان – وإذا كُسِر اللوبي، فإن ذلك سيغير السياسة.