لندن- “القدس العربي”:
نشر موقع “ذي إنترسيبت” تحقيقا حصريا عن برامج سرية للبنتاغون لشن حروب بالوكالة في مصر ومالي وتونس وليبيا وأماكن أخرى.
وقال نيك تيرس وأليس سيبري، إن وثائق ومقابلات تكشف عن مجال ومنظور العمليات السرية التي تحمل اسم “127 إي”.
وكشف التقرير أن فريقا صغيرا من قوات العمليات الخاصة الأمريكية يخوض حربا بالوكالة وعلى وتيرة منخفصة، ولكن على قاعدة أوسع مما تم تصوره في الماضي. وكان الموقع وعدد من المؤسسات الإعلامية قد كشف عن استخدام برامج “127 إي” في عدد من الدول الأفريقية، لكن الوثائق التي حصل عليها الموقع ضمن قانون حرية المعلومات، تكشف عن 14 برنامجا ضمن “127 إي” كانت ناشطة في الشرق الأوسط الكبير ومنطقة آسيا- الباسيفك حتى عام 2020. وشنت وحدات الكوماندوز الأمريكية 23 عملية ضمن “127 إي” في الفترة ما بين 2017-2020.
التحقيق يكشف عن برامج سرية للبنتاغون لشن حروب بالوكالة في مصر ومالي وتونس وليبيا وأماكن أخرى
وفي الوقت نفسه، أكد الجنرال المتقاعد جوزيف فوتيل الذي قاد قوات العمليات الخاصة والقيادة المركزية في الشرق الأوسط، وجود جهود لـ”مكافحة الإرهاب” ضمن “127 إي” في سوريا ومصر ولبنان واليمن.
وقال مسؤول دفاعي سابق، طلب عدم الكشف عن اسمه، مؤكدا وجود نسخة من “127 إي” في العراق. وأطلق على برنامج “127 إي” في تونس اسم “برج أوبسديان” أو الزجاج البركاني، والذي لم يعترف به البنتاغون، أو ظهر ضمن صلاحيات برامج “127 إي”. إلا أنه قاد لمشاركة القوات الأمريكية مع جماعات وكيلة محلية في عام 2017، حسب مجموعة من الوثائق التي حصل عليها الموقع.
وتكشف وثيقة ثالثة، رغم تظليل بعض محتوياتها وحصل عليها الموقع، ملامح البرنامج، بما في ذلك استخدام الصلاحية للوصول إلى مناطق غير متاحة حول العالم. وفي المجموع، تقدم الوثائق صورة مفصلة عن صلاحية تمويل غامضة تسمح لقوات الكوماندوز الأمريكية القيام بعمليات مكافحة الإرهاب “مع وإلى جانب وعبر” قوات أجنبية غير نظامية أو قوات شريكة حول العالم. ولا يعرف الكثير عن المهام وأماكنها والأهداف، ولا القوات الأجنبية التي اعتمدت عليها القوات الأمريكية، حتى لأعضاء اللجان الرئيسية في الكونغرس أو المسؤولين المهمين بوزارة الخارجية.
ويتم عبر “127 إي” تدريب وتمويل وتسليح وتقديم الدعم الاستخباراتي لقوات أجنبية، ولكن خلافا لبرامج الدعم الأجنبي الأخرى، فإن هذه القوات يتم إرسالها في مهام أمريكية لتحقيق أهداف أمريكية. وقال مسؤول دفاعي سابق: “يعمل المشاركون في برنامج 127 إيكو على سد الثغرات عندما لا يكون لدينا عدد كاف من الأمريكيين لملئها” و”لو وصف أحدهم برنامج 127 إيكو بالعملية الوكيلة، فمن الصعب مناقشته”.
ويقول الجنرالات الذين يعرفون بالبرنامج بشكل جيد، إن البرنامج المعروف باللغة العسكرية “127 صدي” كان فاعلا في ملاحقة المتشددين بدون تعريض حياة الأمريكيين للخطر. إلا أن الخبراء أخبروا الموقع أن استخدام صلاحية غامضة تثير أسئلة حول المحاسبة والمراقبة وإمكانية خرق الدستور الأمريكي. وتكشف وثيقة حصل عليها الموقع، أن كلفة البرنامج وعملياته في الفترة ما بين 2017- 2020 وصلت إلى 310 مليون دولار، وهو جزء بسيط من ميزانية النفقات الدفاعية عن نفس الفترة، ولكن زيادة نسبية للميزانية المخصصة للبرنامج عندما بدء العمل به باسم آخر عام 2005. وفي الوقت الذي أكد النقاد أن غياب الرقابة على عمليات “127 إي” قد تورط الولايات المتحدة في انتهاكات حقوق الإنسان، وتدخلها في نزاعات أجنبية غير معروفة للكونغرس والأمريكيين، إلا أن القادة السابقين تحدثوا عن فعالية عملياته بمواجهة الإرهاب.
أُطلق على برنامج “127 إي” في تونس اسم “برج أوبسديان” أو الزجاج البركاني، ولم يعترف به البنتاغون، أو ظهر ضمن صلاحيات برامج “127 إي”
وقال فوتيل للموقع: “أعتقد أنه صلاحية لا تقدر بثمن. قدمت القدرة على متابعة أهداف مكافحة الإرهاب الأمريكية إلى جانب جماعات محلية يمكن تشكيلها بناء على ظروف معينة وبمناطق محددة للعمليات”. وكانت أول مرة يتم التمحيص في البرنامج عام 2017 عندما قتل إسلاميون أربعة جنود أمريكيين في النيجر، وزعم أعضاء في مجلس الشيوخ عدم معرفتهم بالعمليات الأمريكية هناك. وقبل ذلك، نشر الموقع إلى جانب منظمات إعلامية أخرى، توثيقا لعمليات “127 إي” في الكاميرون، حيث استمر التعاون مع قوات هناك حتى بعد اتهامها بارتكاب جرائم.
وعلى مدى خمسة أعوام، رفض البيت الأبيض مناقشة البرنامج وعملياته خارج محاور الحرب مع الموقع. وعندما سئل مجلس الأمن القومي عن منفعة البرنامج وصلاحيات “127 إي” لاستراتيجية مكافحة الإرهاب، أجاب باتريك إيفانز، المتحدث باسم المجلس: “كل هذا خاضع لوزارة الدفاع”. ورفض البنتاغون وقوات العمليات الخاصة التعليق. وقال المتحدث باسم قيادة قوات العمليات الخاصة كين ماغرو: “لا نقدم معلومات حول برامج 127 لأنها سرية”. ويحذر النقاد من أنه إضافة لمخاطر تصعيد الحرب والمشاركة في عدة جبهات حول العالم، فهناك مخاطر من التورط في أفعال غير قانونية.
وتعلق المستشارة كاثرين إيبرايت في مركز برينان للعدالة، أن غياب المعلومات لدى معظم أعضاء الكونغرس عن العمليات ومواقع برامج “127 إي” يطرح أسئلة حول غياب الصلاحيات المطلوبة بناء على الدستور الأمريكي. وأضافت: “هناك أسباب للشك في أن وزارة الدفاع استخدمت شركاء 127 إي للدخول في قتال أبعد من منظور أي صلاحية لاستخدام القوة العسكرية أو الدفاع عن النفس المسموح به”، مشيرة للتشوش بين وزارة الدفاع والكونغرس حول صلاحية استخدام البرامج، وإن كانت في نزاعات مستمرة، و”فكرة استخدام قوة غير مشروعة وحتى عبر شركاء وليس الجنود الأمريكيين أنفسهم، قد تخرق مبادئ الدستور”.
ويرى الموقع أن برامج “127 إي” تعود إلى حرب أمريكا في أفغانستان، حيث حاول القادة ووكالة “سي آي إيه” البحث عن طرق لدعم التحالف الشمالي الأفغاني في الحرب ضد طالبان، واكتشفت قيادة قوات العمليات الخاصة أنها لا تملك الصلاحية لتوفير الدعم المباشر للجماعات الوكيلة، وأُجبرت على الاعتماد على تمويل من “سي آي إيه”. وهو ما قاد لدفعة من قيادة العمليات الخاصة لتأمين قدرة دعم القوات الأجنبية فيما يطلق عليها مهمام وعمليات ونتيجة طبيعية لاستخدام “سي آي إيه” قوات وكيلة أجنبية.
وعرفت بداية باسم فرع 1208، وطبقت الصلاحية في السنوات الأولى بالعراق، حسب مسؤول دفاعي سابق. وتم تجسيد الصلاحية في القانون الأمريكي تحت ” U.S.C. Title 10 § 127e” ويعتبر “127 إي” واحدا من الصلاحيات غير المعروفة التي منحها الكونغرس على مدى العقود الماضية لوزارة الدفاع، وسمح للقوات الأمريكية بشنّ حروب على هامش النزاعات بدون أي نوع من المراقبة. وفي الوقت الذي ركز فيه “127 إي” على “مكافحة الإرهاب” فإن الصلاحيات الأخرى ركزت على منح قوات النخبة الأخرى مثل “نيفي سيل” وأصحاب القبعات الخضر و”مارين ريدرز” الصلاحية للقيام بعمليات استخباراتية ومضادة للاستخبارات أو ضد قوات غير نظامية، وبشكل خاص في سياق التنافس بين القوى العظمى. وأصدرت قوات العمليات الخاصة في نيسان/ أبريل “رؤية وإستراتيجية” كإطار يبدو أنه استمرارية لمفاهيم “127 إي”. وقدم الجنرال ريتشارد كلارك، القائد الحالي لقوات العمليات الخاصة، شهادة أمام الكونغرس عام 2019 حول صلاحيات برامج “127 إي”، وقال إنها أدت “مباشرة للقبض وقتل آلاف من الإرهابيين وعطلت شبكاتهم ونشاطاتهم وحرمتهم المكان للعمل في مناخات واسعة وبثمن أقل من بقية البرامج”.
برامج “127 إي” تعود إلى حرب أمريكا في أفغانستان، حيث حاول القادة ووكالة “سي آي إيه” البحث عن طرق لدعم التحالف الشمالي الأفغاني في الحرب ضد طالبان
ولم يتم التحقق من معلومات الجنرال كلارك، في وقت قال المتحدث باسم قوات العمليات الخاصة، إنهم لا يقدمون أرقاما حول عدد القتلى أو طبيعة الشبكات التي فُككت، ولا يُعرف عدد القوات المشاركة والمدنيين الذين قتلوا في هذه العمليات.
وتحدث مسؤول سابق عن قتلى أمريكيين، حتى في ظل بقاء القوات الأمريكية في الخلف لتقديم الغطاء. وتكشف وثائق حصل عليها الموقع، أن القادة الأمريكيين تعاملوا مع البرامج كوسيلة للوصول إلى مناطق غير متاحة “للبحث وإصلاح والقضاء” على العدو. وفي وثيقة أخرى لبرنامج “127 إي” يستهدف القاعدة والجماعات الموالية لها، إنه سمح باستخدام “القوة ضد ملاجئ آمنة لمنظمة متطرفة عنيفة لم تكن متاحة في الماضي”. ونظرا للتظليل الذي تعرضت له الوثائق التي حصل عليها الموقع ضمن قانون حرية المعلومات، كان من الصعب تحديد الدول التي طُبق فيها البرنامج أو القوى التي شاركت فيه.
وحدد الموقع سابقا “كتيبة التدخل السريع” الكاميرونية التي طُبق فيها برنامج “127 إي”. وحدد الآن شراكة غير معروفة وهي “جي 2 سترايك فورس”، وهي وحدة نخبة في الجيش اللبناني، والتي أقامت الولايات المتحدة شراكة معها لمواجهة تنظيميْ “الدولة” والقاعدة في لبنان. وأكد فوتيل أن برنامج “127 إي” في لبنان حمل اسم ليون هانتر أو صائد الأسود. واعترف ببرنامج آخر في اليمن باسم “يوكون هانتر”، وأطلق على برنامج مصر “إنيغما هانتر” حيث تعاونت القوات الأمريكية الخاصة مع الجيش المصري لملاحقة مقاتلي تنظيم “الدولة” في سيناء. وقال فوتيل إن مدير الاستخبارات العسكرية في مصر قدّم “دعما قويا” لإنيغما هانتر، وأن القوات الأمريكية لم ترافق القوات المحلية كما فعلت بمناطق أخرى في أفريقيا.
وقال الموقع إن الولايات المتحدة لديها تاريخ طويل في دعم الجيشين المصري واللبناني، إلا أن خبراء لاحظوا بدهشة كيف حولت الولايات المتحدة جيشيْ البلدين لقوات وكيلة. وقال خبيران إن “جي 2 سترايك فورس”، وحدة سرية ومهمة في الجيش اللبناني، واختيارها كشريك في برنامج “127 إي” لم يكن مستغربا. وقال أحدهما إن هذه الوحدة على خلاف الوحدات الأخرى في الجيش اللبناني “ليست مسيّسة”.
أُطلق على برنامج مصر “إنيغما هانتر” حيث تعاونت القوات الأمريكية الخاصة مع الجيش المصري لملاحقة مقاتلي تنظيم “الدولة” في سيناء، حيث وثّقت منظمات حقوق الإنسان انتهاكات منظّمة فيها
ولكن الوضع في مصر كان معقدا، فقد اعتمد هذا البلد ولسنوات على الدعم الأمريكي، وقاوم محاولات أمريكا المستمرة لمتابعة كيفية إنفاق الدعم. وتمت التغطية الكاملة على ما يجري في سيناء، حيث وثّقت منظمات حقوق الإنسان انتهاكات منظّمة فيها. وقال سيث بنيدر، مدير منظمة الديمقراطية في الشرق الأوسط: “هناك موضوعات مشروعة تتعلق بشراكة الولايات المتحدة مع وحدات في الجيش المصري”، مشيرا للتوثيق الذي قامت به منظمات مثل أمنستي إنترناشونال وهيومان رايتس ووتش وعدد آخر عن الانتهاكات التي مارسها الجيش المصري في سيناء، “فهل كانت هذه الوحدات هي نفسها التي تشاركنا معها للقيام بعمليات؟ هذا مثير للقلق”.
ولم ترد السفارة المصرية في واشنطن على طلبات الموقع للتعليق، إلا أن بيانا مشتركا من المسؤولين الأمريكيين والمصريين أعربوا فيه عن التزامهم بـ”بمناقشة أفضل الممارسات لتخفيض الضرر على المدنيين في أثناء العمليات الخاصة” ولم تفلح محاولات الموقع الاتصال مع وزارات الدفاع في تونس والعراق ولبنان واليمن.
ويشير الموقع إلى في النهاية، إلى أن قلة في الكونغرس ووزارة الخارجية على اطّلاع بطريقة عمل برامج “127 إي”، علاوة على معرفة الرأي العام بها. ورغم ما تكشفه الوثائق عن مدى البرامج وعملها، إلا أنها تقدم القليل حول الرقابة والمحاسبة نظرا للسرية التي تحيط بها.