أخبار عاجلة

التاريخ الاستعماري القبيح لأوروبا.. 5 شعوب أفريقية أبادها الاستعمار الأوروبي

صنَّفت الجمعية العامة للأمم المتحدة الإبادة الجماعية جريمةً بموجب القانون الدولي، للمرة الأولى في عام 1946، ثمَّ طُوِّر المفهوم بعد صياغة المحامي البولندي، رافائيل ليمكين، لمصطلح «إبادة جماعية» لأول مرة عام 1944 في كتابه «حكم المحور في أوروبا المحتلة»، وذلك بعد القتل النازي الممنهج لليهود فيما يعرف بالهولوكوست أو المحرقة النازية.

ووفقَ «اتفاقية الإبادة الجماعية» التي صادقت عليها 149 دولةً، فالإبادة الجماعية هي أي عمل يُرتكب بِنيَّة التدمير الكلي أو الجزئي لمجموعة قومية أو عرقية (إثنية) أو دينية، ورغم حداثة المصطلح والاتفاقية نسبيًّا؛ إذ اعتمدت عام 1948، فإن أعمال الإبادة الجماعية بالطبع أقدم بكثير.

عانَت قارة أفريقيا من ويلات الاستعمار الأوروبي، وفي القرن التاسع عشر برَّر المستعمرون سياساتهم الاستعمارية بحجج «تنصير الوثنيين»، و«إدخال التجارة الحرة» لهذا الجزء من العالم، ووضعِ حدٍّ لتجارة العبيد، ولكن، هذه الحجج كانت غطاءً للنهب والسرقة والاستيلاء على الموارد الطبيعية، ولاحقًا الإبادة الجماعية في حق الشعوب الأصلية، وهذا ما نحكيه في هذا التقرير.

1- «الهيريرو» و«الناما».. أول إبادة جماعية في القرن العشرين

اعترفت ألمانيا مؤخرًا بارتكابها مذابح بحق الشعوب الأصلية في ناميبيا؛ إذ أقامت ألمانيا مستعمرتها جنوب غرب أفريقيا خلال الفترة من 1884 إلى 1915، ووصفَ المؤرخون الفظائع المرتكبة بأنها «الإبادة الجماعية المنسيَّة» في أوائل القرن العشرين، فيما كان يعرف آنذاك بـ«جنوب غرب أفريقيا الألمانية».

كانت ناميبيا مستعمرةً رسميةً لألمانيا في عام 1884، وبحلول عام 1903، استقر هناك 3 آلاف ألماني في الأراضي المرتفعة، ونتيجةً لهذا الاستيطان الجديد، تعطل التوازن الاجتماعي والاقتصادي في المنطقة، وبدأ الاحتكاك والتنافس على موارد الأرض والمياه والماشية.

أطلقت قبيلة هيريرو شرارة ثورة في يناير (كانون الثاني) 1904 ضد الألمان، في بلدة أوكاهانجا، تحت قيادة الزعيم الأعلى صمويل ماهيريرو، وقتلَ أهلُها 123 مُستعمرًا ألمانيًّا من مستوطنين وجنود.

تشيرُ بعض التقديرات إلى أن الاستعمار الألماني قتلَ 100 ألفٍ من أهل ناميبيا الأصليين، وقررت ألمانيا في منتصف 2021 أن تدفع تعويضًا بقيمة مليار و300 مليون دولار أمريكي، أي 13 ألفَ دولار تقريبًا عن كل قتيل!

فضَّل حاكم المستعمرة الألمانية وقائدها العسكري اللجوء للتفاوض لتسوية النزاع، نظرًا إلى قلة عدد الألمان وضعف تسليحهم مقارنةً بالهيريرو، ولكن لم ترضَ هيئة الأركان العامة في برلين بالتسوية، وأُعفي الحاكم من منصب القيادة، وعُين الجنرال لوثار فون تروثا قائدًا عامًّا جديدًا، وبعد مرور شهرين دون قتال، وصل تروثا إلى المستعمرة في يونيو (حزيران) 1904، فهرب أفراد الهيريرو إلى هضبة ووتربرج، على حافة صحراء كالاهاري الموحشة القاسية، للابتعاد عن الألمان وخطوط الإمدادات، منتظرين المفاوضات الجديدة.

أسرى الهيريرو في ناميبيا تحت الاستعمار الألماني من الأرشيف الفيدرالي الألماني
أسرى الهيريرو في ناميبيا تحت الاستعمار الألماني من الأرشيف الفيدرالي الألماني. المصدر: ويكيبيديا

ردت القوات العسكرية الألمانية بقسوةٍ، وخاضوا معركة ووتربيرج ضد الهيريرو في 11 أغسطس (آب) 1904، معتمدين على عنصري المفاجأة والتطويق واستخدام الأسلحة الحديثة، وتمكن 1500 جندي ألماني من الانتصار على قرابة 40 ألفًا من الهيريرو، ولكن 5 آلاف منهم فقط يحملون السلاح.

واجه الهيريرو خطر الموت بعد صدور أوامر الاستعمار بمطاردة وقتل الجميع، وفرَّ الناجون من المعركة إلى الصحراء، وواصلت قوات تروثا مطاردتهم، فمَن لم يقتلهم الألمان، ماتوا جوعًا وعطشًا.

وفي الثالث من أكتوبر (تشرين الأول) 1904، وقَّع تروثا «أمر الإبادة» ضد الهيريرو، وجاء الأمر بقتل الجميع؛ المسلحين والعُزَّل، بموافقة القيصر فيلهلم الثاني، ولتنفيذ تلك الأوامر، تمركزت القوات على طول محيط الصحراء، لمنع الهيريرو من العودة إلى المستعمرة الألمانية.

وفي 9 ديسمبر (كانون الأول) 1904، ألغى الإمبراطور أمر الإبادة، ولجأ إلى معسكرات الاعتقال، ونقل إليها من نجوا من الهيريرو وأُجبروا هناك على العمل القسري الذي تسبَّب في موت أكثر من نصف السجناء خلال العام الأول، وعانوا من سوء التغذية والأمراض، واستُخدموا عيناتٍ لتجارب طبية، وتعرضوا للعنف الجنسي. ارتُكبت هذه الفظائع في حق الأطفال والنساء من الهيريرو وليس الرجال أو المقاتلين فحسب.

ومنذ أكتوبر (تشرين الأول) 1904 وحتى 1905، انضمت قبيلة الناما للانتفاضة ضد مستعمرة الألمان، وانتهى بهم المطاف في معسكرات الاعتقال، وذهب أغلبهم إلى معسكر جزيرة القرش، قبالة سواحل ناميبيا، وفي المعسكر مات أكثر من 80% من السجناء.

استمرت أعمال القتل والإبادة الجماعية، وقُتل ما يقدر بحوالي 60 ألفًا من الهيريرو، و10 آلاف من الناما، بين العامين 1904-1908، وتشير بعض التقديرات إلى أن الضحايا مثلوا حوالي 80% من شعب الهيريرو، و50% من شعب الناما.

جزيرة القرش حيث اعتقل الناما
جزيرة القرش حيث اعتُقل الناما. مصدر الصورة: ويكيبديا

ولتصوُّر حجم الإبادة، يشكل الهيريرو حاليًا 7% فقط من إجمالي سكان ناميبيا، في حين كانوا يشكلون 40% في بداية القرن العشرين، لم يكتفِ الألمان بقتل قبائل الهيريرو والناما وإبادتهم، بل قطعوا رؤوس الآلاف منهم بعد قتلهم، وأرسلوا جماجمهم إلى الباحثين في برلين لإجراء دراسات علمية لإثبات تفوق العِرق الأبيض على السود.

وفي عام 2008، طالب سفير ناميبيا لدى ألمانيا بإعادة العظام إلى بلاده، وبالفعل أُعيدت عشرات الجماجم رسميًّا عام 2011، بعدما كانت مخزنةً في العيادات والجامعات، وسُلِّمت المزيد في السنوات التالية. ولكن لطالما رفضت ألمانيا تحمل مسؤولية هذه الإبادة الجماعية، ولم تقبلها إلا في الذكرى المئوية للمذابح عام 2004، عندما قال وزير في الحكومة إن «الفظائع.. ستسمى اليوم إبادة جماعية»، ولكن الحكومة الألمانية رفضت دفع تعويضات لأحفاد ضحايا ناما وهيريرو.

وبدأت المفاوضات بين البلدين للتوصل إلى اتفاق يجمع بين الاعتذار الرسمي والمساعدة الإنمائية في عام 2015، وفي 2018، أعادت ألمانيا كثيرًا من عظام أفراد القبيلتين، واعترفت في 28 مايو (أيار) 2021 بارتكابها «إبادة جماعية»، ووعدت بمساعدات مالية تتجاوز قيمتها مليار و300 مليون دولار، للإنفاق على مشروعات البنية التحتية والرعاية الصحية، ومشروعات لتعويض المجتمعات المتضررة وأحفاد هيريرو وناما، ومن المحدد دفع المبلغ على مدى 30 عامًا، وهو مبلغٌ رمزي مقابل قتل 100 ألف، أي 13 ألف دولار تقريبًا عن كل قتيل.

2- ألمانيا متهمة بإبادة سكان تنجانيقا الأصليين

منذ عام 2017، بدأت الحكومة التنزانية بمطالبة نظيرتها الألمانية بدفع تعويضات عن مأساة عشرات الآلاف من التنزانيين، الذين تعرضوا للتجويع والتعذيب والقتل على يد الاستعمار الألماني، أثناء قمعه للقبائل الثائرة بين عامي 1905-1907.

حكمت ألمانيا تنزانيا التي كانت تُعرف باسم تنجانيقا، منذ 1898 وحتى عام 1919، استفادت خلالها ألمانيا من مختلف الموارد الاقتصادية للبلاد، بدءًا من المحاصيل الزراعية المتنوعة، وحتى تعدين الذهب.

القوات الألمانية متهمة بارتكابها جرائم بينها التجويع القسري في أعقاب انتفاضة «ماجي ماجي» القبلية عام 1905، والحرب التي اندلعت بعدها، جاءت الانتفاضة ردًّا على أساليب الاستعمار الألماني، وانتشرت في جزءٍ كبيرٍ من تنجانيقا حتى تمكَّن الألمان من قمعها نهائيًّا عام 1907.

واستبدلت ألمانيا قادة السكان الأصليين بوكلاء أجانب، وقررت الشروع والتوسع في زراعة القطن مقابل مبالغ زهيدة، ما عدَّه السكان الأصليون عملًا قسريًّا، وفرضت السلطات الاستعمارية الضرائب المختلفة مثل ضريبة الملح، وضريبة امتلاك الأسلحة، ثم فرضت ضريبةً على كل رجل، بدلًا من ضريبة المسكن (في أرضهم الأم).

محاربو انتفاضة ماجي ماجي
محاربو انتفاضة ماجي ماجي. مصدر الصورة: ويكيميديا

اندلعت الانتفاضة للأسباب المذكورة، ولم يأبه بها الألمان في بداية الأمر، ولكن مع انضمام 20 مجموعةً إثنية مختلفة، بدأ الجيش الألماني بقمع التمرد، ما أدى لنتائج مدمرة.

لم يستخدم المستعمرون القوة العسكرية فقط لقمع التمرد، وانتهجوا سياسة إخضاع الثوار بتجويع جميع السكان الأصليين، ويُروى أن القوات الألمانية بعد الفوز بأي معركة، تبحث عن الطعام والمواد الغذائية التي يمكن لهم الاستيلاء عليها، ويأسرون الناجين ليكونوا عبيدًا، ويحرقون ويُتلفون الأرض بطريقة تُخرِّب المحاصيل وتصعِّب علاج الأرض في المستقبل.

وتشير التقديرات إلى مقتل ما بين 250 إلى 300 ألف مدني بينهم النساء والأطفال خلال حملات القمع والتجويع، ولكن تشير تقديرات أخرى إلى مقتل 70 ألفًا، ورغم عدم نجاح الانتفاضة، فإنها أجبرت حكومة القيصر الألماني على إجراء إصلاحات في المستعمرات الأفريقية.

3- إبادة شعب الكونغو على يد ليوبولد الثاني ملك بلجيكا

منذ ما يقرب من عامٍ، وبالتحديد في 30 يونيو (حزيران) 2020، أعرب الملك البلجيكي، لويس فيليب، عن أسفه لشعب ودولة الكونغو عن فترة استعمار بلجيكا للبلد الأفريقي، وكانت الكونغو مستعمرةً بلجيكية رسميًّا في الفترة من 1908 إلى 1960، تحت السيطرة البلجيكية بمسمى «دولة الكونغو الحرة»، منذ عام 1885، في ظل حكم الملك ليوبولد الثاني.

لكن البيان لم يكن واضحًا وصريحًا في تحديد المسؤول عما حصل، وتحديدًا الملك ليوبولد الثاني، الذي يحاول بعض أفراد العائلة المالكة البلجيكية الدفاع عنه حتى اليوم، ورغم الإشارة إلى ارتكاب أعمال وحشية لم تذكر الرسالة اسم الملك، ولم يتعهد الملك الحالي في البيان بتقديم أي تعويضات مالية للكونغو.

عامَ 1876، نظَّم الملك ليوبولد الثاني مؤتمرًا جغرافيًّا دوليًّا في العاصمة بروكسل، وأعلنَ للحضور عن أمله في بناء الطرق للوصول إلى المناطق النائية، وإنشاء محطات طبية وعلمية لتكون وسيلةً لإلغاء الرِّق، وهذا الإعلان جزء من الدعاية الاستعمارية الأوروبية آنذاك للتبرير للاستيلاء على أراضي أفريقيا وخيراتها، وبعد فترة قصيرة من المؤتمر، التقى الملك بالمستكشف البريطاني، هنري مورتون ستانلي، ليرسم له خريطةً لحوض الكونغو.

وفي مؤتمر برلين عام 1885، المُنعقد لترتيب شؤون القوى الأوروبية التي تسعى لاستعمار أفريقيا، حصل ليوبولد الثاني على موافقة المؤتمر على جعل الكونغو ملكيةً خاصةً له، ورغم ما صرَّح به خلال المؤتمرات الكبرى عن أحلامه في تحقيق التطوير والازدهار والرغبات النبيلة في الدولة الجديدة، كشفت الوثائق التي أرسلها ليوبولد إلى مندوبيه هناك أنه طالب باستخدام أساليب «تهزُّ كسل» أهل الكونغو، ووصفهم بآكلي لحوم البشر.

تمثال لملك بلجيكا ليوبولد الثاني
تمثال لملك بلجيكا ليوبولد الثاني. مصدر الصورة: ويكيميديا

خلال هذه الفترة، احتكرَ الملك مصادر الثروة الكونغية جميعها، ومنح نفسه صلاحياتٍ مطلقةً، عكس ما كان عليه في بلده الذي كان فيها شخصيةً رمزيةً في النظام الملكي البرلماني، وأجبر ليوبولد السكان على جمع المطاط الطبيعي وأنياب الأفيال، وتوفير الإمدادات الغذائية للمستعمرين، وأمرَ بإنشاء قواتٍ تسمى «Force Publique»، تضمُّ جنودًا كونغوليين تحت إمرة ضباط بلجيكيين، وبقوة السلاح يجبرون الكونغوليين على إنجاز الأعمال المطلوبة منهم يوميًّا.

وتنوعت أساليب البطش والتعذيب بين اعتقال النساء وإيذائهم جنسيًّا، وتقطيع الأطراف، وتسببت ظروف الحياة الصعبة في ارتفاع شديد في معدلات الوفيات، ويصفُ هذا المشهد المؤلف الأمريكي بيتر فورباث قائلًا: «سلال الأيدي المقطوعة، الموضوعة عند أقدام قادة البريد الأوروبي، أصبحت رمزًا لدولة الكونغو الحرة، أصبحَ جمع الأيادي غايةً في حد ذاته، جلبَ الجنود الأيدي إلى المحطات بدلًا من المطاط».

ولجأ الجنود إلى خطف الأطفال الأيتام وإرسالهم إلى مستعمرات للأطفال للعمل أو التجنيد، ولم يكن الخطف آخر محنهم، فقد أشارت التقديرات إلى موت أكثر من 50% منهم، بحسب ما ورد في تقرير لـ«بي بي سي».

وأُجبر الكونغوليون على العمل بوصفهم معروضاتٍ في حديقة حيوان بشرية، فقد عرض 267 كونغوليًّا في حديقة الحيوان في بلجيكا 1897، وبالمُجمل تسبَّب الاستعمار البلجيكي في مقتل ما يقارب 10 إلى 15 مليون شخص.

تقطيع أيدي الرجال من شعوب الكونغو
تقطيع أيدي الرجال من شعوب الكونغو. مصدر الصورة: Rita Basile

أدانت الدول الاستعمارية الأوروبية في بدايات القرن العشرين الممارسات الدموية لبلجيكا في الأراضي الكونغولية، إلا أن الداعمين لليوبولد لم يعترفوا بحقيقة ما حدث، ولكن مع تعالي الأصوات الناقدة للسياسة البلجيكية، وجد ليوبولد نفسه مضطرًّا إلى تشكيل لجنة تحقيقٍ دولية، وثقت العديد من حالات بتر الأطراف بالإضافة إلى عددٍ من الانتهاكات بحق شعوب الكونغو.

حسب مجلة «gazeta do povo»، أجبرت الضغوط الدولية الحكومة البلجيكية على انتزاع دولة الكونغو الحرة من أيدي الملك، وهذا ما حدث بالفعل في عام 1908، وتحولت إلى مستعمرة بلجيكية منذ ذلك العام حتى 1960. لم يتخل الملك ليوبولد الثاني عن ملكيته للكونغو إلا بعد الحصول على تعويض مالي قدره 215 مليون فرنك بلجيكي، أي ما يقارب ملياري دولار في الوقت الحالي.

يحاول المدافعون عن ليوبولد تبرئة ساحته من ارتكاب المجاز مستندين إلى عدم ذهابه مطلقًا إلى الكونغو. بالفعل، لم يذهب ليوبولد إلى منطقة الكونغو، لكنه أعطى الأوامر بالسيطرة على كافة مصادر الثروة، كما استحوذ وبلاده على الأرباح، لكنه على الجانب الآخر يؤكد ليوبولد على عدم علمه بما كان يحدث في المستعمرة.

4- فرنسا متواطئة في إبادة التوتسي

في عام 2017، كلفت رواندا شركة المحاماة الأمريكية «ليفي فايرستون موس» للتحقيق في الإبادة الجماعية التي شهدتها البلاد عامَ 1994، واستمر عمل الشركة لسنواتٍ بعد اطلاعها على «ملايين الوثائق والشهادات وأكثر من 250 شاهدًا»، ليخرج في أبريل (نيسان) 2021 تقريرٌ من 600 صفحة، جاء فيه أن فرنسا تعاونت مع النظام الذي تحكمه إثنية الهوتو، المُدبِّر للإبادة التي طالت حوالي 800 ألف من شعب التوتسي.

ووفقًا للتقرير، فإن الحكومة الفرنسية تتحمل مسؤولية كبيرة في تمكين مُرتكبي الإبادة الجماعية، رغم عدم وجود أي دليل على مشاركة أي مسؤول أو موظف فرنسي في أعمال القتل بشكلٍ مباشرٍ، على عكس الرواية الفرنسية الرسمية عن عدم معرفة الفرنسيين بنوايا نظام الهوتو.

وقد أمرَ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتشكيل لجنة، بقيادة المؤرخ فينسينت دوكلرت، للتحقيق في مذابح رواندا، ونشرت اللجنة الفرنسية نتائجَ تحقيقها قبل تقرير شركة المحاماة الأمريكية بشهرٍ واحد، وأشارت نتائج التحقيق إلى تحمُّل فرنسا مسؤولية جسيمة بشأن الإبادة، دون اعتبارها مُتواطئةً في القتل. أما تقرير شركة «موس» عدَّ اللوم الأكبر يقع على فرنسا، وأن تحقيق دوكلرت أخطأ في استنتاج أن فرنسا كانت عمياء عن الإبادة الجماعية.

الإبادة الجماعية للتونسي في رواندا
الإبادة الجماعية للتوتسي في رواندا. مصدر الصورة فليكر

أثناء الحكم الاستعماري البلجيكي لرواندا، فضَّلت السلطات الاستعمارية أقلية التوتسي عن الهوتو الذين شكلوا 85% من السكان، ولأسبابٍ مختلفة نَمت خلافات بين الهوتو والتوتسي، وفي عام 1959 أطاحت قبائل الهوتو ملكية التوتسي، وفرَّ الآلاف منهم إلى البلدان المجاورة، وشكَّلت مجموعةٌ منهم جماعةً متمردةً، أطلقوا عليها اسم الجبهة الوطنية الرواندية.

تمكن الهوتو من إعلان البلاد جمهورية جيدة بعد أن أجبروا الملك التوتسي على ترك البلاد، وفي يوليو (تموز) 1962، حصلت رواندا رسميًّا على استقلالها، واستمر القتال بين الاثنيتين في السنوات التالية، وفي عام 1990، غزَت الجبهة الوطنية رواندا، واستمرَّ القتال بينهما حتى إعلان السلام عام 1993، ولكن القتال اشتعل من جديد وبدأت المذابح وعمليات الإبادة الجماعية في أبريل (نيسان) 1994، بإسقاط طائرة الرئيس الرواندي المنتمي لقبائل الهوتو، جوفينال هوليمانا، صديق باريس. وفي غضون ساعات، أمدَّت الحكومة الرواندية الميليشيات بقوائم تضمُّ أسماء جميع معارضي الحكومة، وبدأت ميليشيات الهوتو في قتل أبناء أقلية التوتسي وذبحهم، وكافة خصومهم السياسيين بغض النظر عن أصلهم العرقي، مستخدمين المناجل والرصاص.

رغم عدم معرفة المسؤول عن إسقاط الطائرة، ألقى الهوتو باللوم على الجبهة الوطنية، ونفت اللجنة الاتهام وقالت إن الهوتو أسقطوا الطائرة لتكون ذريعة لإطلاق الإبادة، ولم تكن مهمة الإبادة حكرًا على الميليشيات بل شارك فيها آخرون من الهوتو، قتلوا جيرانهم من التوتسي.

ومع وجود قوات تابعة للأمم المتحدة في مواقع الإبادة، فإنَّها لم تتلقَ تفويضًا بالتدخل العسكري لوقف القتل والمذابح، وانسحبت معظم هذه القوات بعد مقتل 10 بلجيكيين، وأرسلت فرنسا القوات الخاصة لإجلاء مواطنيها، واستمرَّت عمليات الذبح، وتعدُّ هذه المذابح من أهم حالات فشل بعثات حفظ السلام الأممية.

واستولت الجبهة الوطنية الرواندية، المدعومة من الجيش الأوغندي، تدريجيًّا على المزيد من الأراضي، حتى يوليو 1994، عندما زحفت قواتها إلى العاصمة كيغالي. حينئذ، فر حوالي مليوني شخص من الهوتو عبر الحدود إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية، وتنزانيا وبوروندي؛ خوفًا من الهجمات الانتقامية، وتقول منظمات حقوقية إنَّ الجبهة الوطنية الرواندية قتلت الآلاف من الهوتو بعد سيطرتها على البلاد، وتنفي الجبهة ذلك.

دولي

منذ سنة واحدة
مترجم: ماذا تعرف عن المذابح المنسية التي ارتكبتها ألمانيا في ناميبيا وتعتذر عنها الآن؟

عن مركز القلم للأبحاث والدراسات

يهتم مركز القلم بمتابعة مستقبل العالم و الأحداث الخطرة و عرض (تفسير البينة) كأول تفسير للقرآن الكريم في العالم على الكلمة وترابطها بالتي قبلها وبعدها للمجامع والمراكز العلمية و الجامعات والعلماء في العالم.

شاهد أيضاً

مقررة للأمم المتحدة : إسرائيل ترتكب “تطهيرا عرقيا وإبادة جماعية” بغزة

RT : أكدت مقررة الأمم المتحدة الخاصة للأراضي الفلسطينية أن “هناك أسبابا منطقية” للقول إن إسرائيل ارتكبت العديد …

اترك تعليقاً