لندن- “القدس العربي”:
على هامش قمة الحلف الأطلسي في العاصمة مدريد خلال هذا الأسبوع، وقّعت إسبانيا والولايات المتحدة اتفاقا عسكريا يتم بموجبه نشر سفينتين حربيتين أمريكيتين في قاعدة روتا ضمن ما يعرف بـ”الدرع الصاروخي” لتصبح ست سفن من هذا النوع.
وهذا سيؤدي إلى مزيد من التواجد العسكري الروسي والصيني في غرب البحر الأبيض المتوسط، بكل ما يحمله من انعكاسات على المغرب والجزائر.
وجرى الاتفاق على رفع عدد السفن المخصصة للدرع الصاروخي خلال اجتماع في قصر رئاسة الحكومة الإسبانية في مدريد الثلاثاء، بين رئيس الحكومة بيدرو سانشيز والرئيس الأمريكي جو بايدن.
ويعود برنامج الدرع الصاروخي إلى سنة 2001، عندما تقدم به الرئيس الأمريكي وقتها جورج بوش الابن، تحت مبرر مواجهة صواريخ إيران وكوريا الشمالية. وهو برنامج مستوحى من مشروع “حرب النجوم” الذي اقترحه الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان منتصف الثمانينات إبان الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفياتي، ولكن المشروع العسكري توقف بسبب تفكك الاتحاد السوفياتي.
وبدأ تنفيذ البرنامج مع باراك أوباما، حيث جرى اختيار دولتين رئيسيتين لاحتضان البرنامج، وهما بولندا وإسبانيا. وكانت قمة الحلف الأطلسي في لشبونة سنة 2010 قد صادقت على تبني هذا البرنامج كجزء هام من أمن الدول الأعضاء في مواجهة الصواريخ الباليستية.
وابتداء من سنة 2014، بدأ البنتاغون نشر السفن الحربية “مدمرات” من نوع إيرلي بيرك في قاعدة روتا أقصى جنوب إسبانيا عند المدخل الغربي لمضيق جبل طارق. وعمليا، جرى نشر أربع مدمرات حتى الآن بشكل تدريجي، حيث تمت إضافة المدمرة الرابعة منذ أسبوع، وهي المدمرة USS Paul Ignatius التي تعد السفينة الحربية الأكثر تطورا لدى الولايات المتحدة في أوروبا.
ويرغب البنتاغون في رفع عدد تلك المدمرات إلى ستة خلال السنتين المقبلتين. ويعود قرار البنتاغون إلى التطورات العسكرية الجارية في العالم لا سيما بعد الحرب الروسية ضد أوكرانيا، ولكن أساسا ارتفاع القوة الصاروخية لكل من روسيا والصين، حيث حقق البلدان تقدما في مجال الصواريخ فرط صوتية. ويتجلى عمل المدمرات الراسية باستمرار في قاعدة روتا، في اعتراض الصواريخ الباليستية بالنظام المضاد للصواريخ Aegis Combat System وهو متطور على نظام الباتريوت، ويقترب من نظام “ثاد”، والأنظمة الثلاثة من صنع أمريكي.
وسينتج عن تعزيز نظام “الدرع الصاروخي” في قاعدة روتا، تعزيز كل من الصين وروسيا لتواجدهما العسكري في منطقة غرب البحر المتوسط، وعند المدخل الغربي لمضيق جبل طارق. وتؤكد بكين وموسكو منذ طرح هذا المشروع، أنه موجه ضدهما وليس ضد إيران وكوريا الشمالية.
ومنذ بدء عمل الدرع الصاروخي، توجد سفن حربية أو غواصات روسية بشكل شبه مستمر في المنطقة البحرية القريبة من مضيق جبل طارق بهدف إبطال مفعول “الدرع الصاروخي” الأمريكي في حالة اندلاع حرب.
في الوقت نفسه، ومنذ المناورات الحربية التي أجرتها روسيا والصين غرب البحر المتوسط، وكانت تستهدف شل عمل هذا البرنامج، تقوم الصين بدورها بتسيير سفن حربية في المنطقة بين الحين والآخر. ونظرا لارتفاع النشاط الروسي والصيني بالقرب من قاعدة روتا، أقدم البنتاغون منذ عشرة أيام على نشر سرب من المروحيات المقاتلة المختصة في الحروب البحرية وخاصة الغواصات، وهي الوحدة المعروفة بـ”HSM-79″.
وبهذا تحول مضيق جبل طارق إلى نقطة ساخنة لعودة الحرب الباردة متعددة الأطراف. ويمتد تأثير هذا الصراع إلى الدول القريبة من المنطقة بما فيها المغرب والجزائر.
في هذا الصدد، لا يمكن فصل تزويد موسكو للجزائر بأسلحة متطورة من صنف صواريخ إسكندر وكاليبر ونظام الضرب من قاع البحر بالغواصات ونظام “إس 400” المضاد للصواريخ والطائرات، عما يجري من تسلح في جنوب أوروبا ومنها التحسب لقاعدة روتا.
وكانت إذاعة “فرانس أنتير” قد نشرت يوم 24 فبراير الماضي تقريرا منقولا عن ضباط عسكريين فرنسيين، أن الجزائر تتوفر على القدرة العسكرية لإغلاق الملاحة في مضيق جبل طارق. وينظر الغرب للجزائر كقاعدة متقدمة لروسيا والصين على الحدود الجنوبية.
في الوقت ذاته، يجد المغرب نفسه في قلب الصراع الجديد الذي يترتب عن برنامج الذراع الصاروخي نظرا لعلاقاته العسكرية المتميزة مع الحلف الأطلسي وأساسا الولايات المتحدة، والتسهيلات التي يقدمها لسلاح الجو والبحرية الأمريكية.